المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نحن والجمهور الأوروبي - مجلة البيان - جـ ١٣٠

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌نحن والجمهور الأوروبي

في دائرة الضوء

‌نحن والجمهور الأوروبي

د. محمد يحيى

تنشغل الأوساط الدينية والإعلامية الرسمية في العديد من البلدان العربية

والإسلامية في الآونة الحالية بقضية عريضة متشعبة تُطرح تحت اسم عام هو:

(الإسلام والغرب) وقد انشغلتُ بدوري في مقالات سابقة (ولاحقة بإذن الله) في

متابعة جوانب من الطروحات المتصلة بهذه القضية والتعليق النقدي عليها. ومن

هذه الجوانب ما يتصل بالجمهور الغربي (الأوروبي ثم الأمريكي) الذي يتوجه إليه

المنشغلون بهذه القضية بالخطاب.

وأذكر بادئ ذي بدء أن الخطاب أو الكلام الموجه من الجانب العربي

الإسلامي إلى الجانب الغربي لا يصدر عن (جمهور) إسلامي ليوجه إلى الجمهور

الغربي؛ فالمتحدثون والمنشغلون، بل والمندفعون والخائضون في هذا الهم، في

الغالب ليسوا من قلب (الجمهور) الإسلامي بمعنى القطاع العريض والمثقف من

أبناء الأمة.

وإنما تتحرك فئات بحكم الوظيفة وفي إسارها ووفق التعليمات الصادرة إليها؛

ولهذا فإن الذي يتصدى لمخاطبة الجمهور الغربي مصاب منذ البداية بقصور خطير؛ وأخطر ما فيه هو خضوعه لتوجيهات وتعليمات قصيرة النظر وربما تكون

مغرضة الهدف. كما أن هذا الطرف المخاطِب للجمهور الغربي يستبعد منذ البداية

أن يكون هدف الخطاب أو الحوار كما قد يسمى أحياناً أو الاتصالات أو التفاعل:

هو القيام بواجب الدعوة الإسلامية أو حتى التعريف بالإسلام وعقيدته؛ بل على

العكس يحدد دور الخطاب وهدفه مسبقاً في غرض محدود الأفق هو ما يوصف عادة

بتحسين صورة الإسلام لدى الجمهور الغربي، أو تصحيح هذه الصورة أو طرح ما

يوصف بالمفاهيم الإسلامية الصحيحة في وجه مفاهيم أخرى يقال إن الإسلام

المتطرف والمتعصب والإرهابي قد روّجها لدى ذلك الجمهور.

إذن: نحن منذ بدء العلاقة مع الجمهور الغربي نجد فئة معينة تحتكر أو

يحتكر لها حق الخطاب الموجه لهذا الجمهور؛ فضلاً عن حق إدارة ما يسمى

بالعلاقة بين الإسلام والغرب، وهذه الفئة تعاني من قيود وأوجه قصور عديدة حتى

إذا استبعدنا جانب سوء القصد والنية.

وفضلاً عن أوجه القصور والعيوب هذه التي تنفي أن تكون هذه الفئة ممثلة

للإسلام والمسلمين؛ فإن الهدف الموضوع لخطابها الموجه للجمهور الغربي هو

هدف محدود ومغرض له طابع سياسي نفعي، ولا صلة له بدين الله أو عقيدة

الإسلام وشريعته؛ ذلك أن هدف تحسين الصورة وتصحيح المفاهيم لا يقصد به كما

يدل الواقع هذه الأشياء على محدوديتها، بل يرمي كما سبق لكاتب هذه السطور أن

أشار مراراً إلى تقديم نسخة من الإسلام عُدلت وبُدلت (أو قل شُوهت وابتُسرت)

حتى ترضي الجمهور الغربي المخاطَب بها، وتستجيب لما يحب هذا الجمهور نفسه

أن يرى الإسلام عليه ديناً معلمَناً متغرباً يشبه ما آلت إليه المسيحية هناك؛ بل

ويفتقر إلى الحيوية والفاعلية التي ما زالت الكنائس هنا تتسم بها. هذا عن القائمين

بالخطاب؛ فماذا عن الجمهور الغربي المخاطَب؟

من الواضح أن الخطاب الصادر عن الجانب العربي الإسلامي الموصوف فيما

سبق والداخل في إطار عملية التفاعل بين الإسلام والغرب لا يستهدف الجمهور

الغربي العام كأفراد وجماعات عريضة قدر ما يوجه إلى قطاعات ومؤسسات بعينها

فاعلة في المحيط الغربي ويرتجى نفعها وقوتها لصالح القائمين بالخطاب وللقوى

السياسية الحاكمة والنخب العلمانية المؤثرة في البلدان الإسلامية. وهذه المؤسسات

هي: المؤسسة السياسية في الحكم، والأحزاب الرئيسة، والبرلمان، والقوى

السياسية الضاغطة، ثم المؤسسة الدينية في الكنائس الكبرى وتنظيماتها الكثيرة،

ثم المؤسسة الإعلامية الأخطبوطية الواسعة الانتشار والبالغة النفوذ، ثم المؤسسة

الأكاديمية وبالذات فرعها الاستشراقي، وأخيراً ما يمكن أن يسمى بالمؤسسة

السياحية أو القطاع المشرف على ترويج وتوريد السياح للبلاد الإسلامية المعنية.

والخطاب الموجه إلى كل مؤسسة على حدة وإليها جميعاً قد شكل بطريقة

تستجيب كما قلنا لما تحب هذه المؤسسات أن يكون عليه الإسلام؛ وأيضاً بطريقة

تستجلب رضا هذه المؤسسات (ومن ثَمّ مساعدتها ومعونتها الاقتصادية والإعلامية

والسياسية وحتى الأمنية) للقائمين بالخطاب على الجانب الإسلامي ولمن يقف

وراءهم من نخب حاكمة وعلمانية؛ فالخطاب الموجه للمؤسسة السياسية في الغرب

يقول: إن الإسلام دين سلام ومحبة وتعاون مع غير المسلمين، وليس دين حرب

أو عنف كما يتصور الغربيون على ضوء تجربتهم مع المسلمين (كما يزعم القائمون

بالخطاب) . لكن هذا الطرح الجميل الوردي يخفي وراءه الرسالة الحقيقية التي يراد

توصيلها للحصول على رضى تلك المؤسسة السياسية الغربية ألا وهي أن الإسلام

ينبغي أن يكون دين خمول وسكون يستكين للضيم، ولا يحارب دفاعاً عن الحق

والدين والعرض أو لدفع العدوان والكيد. ووصول هذه الرسالة يستجلب استمرار

المعونات الاقتصادية التي أصبحت أنظمة معينة لا تستطيع الاستغناء عنها كما

يستتبعه إسباغ الحماية والدعم الأمني والإعلامي للنخب العلمانية الحاكمة في وجه

خصومها من الإسلاميين وحتى غير الإسلاميين.

والخطاب الموجه للكنائس الغربية لا يدعو هذه الكنائس مثلاً إلى إيقاف أو

حتى تخفيف حدة عمليات التنصير في الأوساط الإسلامية وغير الإسلامية الموجودة

في بلدان إسلامية؛ بل يتركز هذا الخطاب في سذاجة ولا مبالاة معاً على القول بأن

الإسلام يعترف بالأديان السابقة عليه؛ وكأن هذا الاعتراف يقصد به الصور الحالية

للنصرانية واليهودية، أو كأنه يقر بعقائد التثليث وغيرها. ولا يهتم القائمون بهذا

الخطاب بحقيقة أن هذه الأديان السابقة نفسها لا تعترف بالإسلام في أحسن الحالات

إن لم تحاربه وتعاديه. والغريب أن دعاوى الاعتراف بالأديان السابقة هذه على

فرط تهافتها وتخاذلها لا تؤدي إلى رد كريم من جانب الكنائس الغربية يتمثل في

تخفيف غلوائها النصرانية على أقل الأحوال، وإنما على العكس من ذلك فإنها

تستخدم هذه الدعاوى في تدعيم تحركات الكنائس التنصيرية في البلاد الإسلامية؛

حيث يقال للمسلمين في أفريقيا وآسيا وغيرها: إن كبار رجال الدين (الرسميين)

في البلاد المعتبرة قلب العالم الإسلامي يعترفون بهذه الكنائس، ويزورونها هاشِّين

باشِّين ويبجلون رجالاتها.

أما للمؤسسة الأكاديمية الغربية فالخطاب لا يتضمن تصحيحاً لمفاهيم أو

تحسيناً لصورة، بل يقدم لهم الإسلام بعد مروره في آلة طبع المفاهيم الغربية

ليخرج صورة تحلو لهم. فالقرآن يوصف لهم بأنه كتاب مقدس يشبه الإنجيل،

ويجوز عليه ما جاز على الإنجيل من تأويل ونسخ وتبديل وإسقاط، والأحاديث

النبوية أو السنة ليست سوى موضوعات لتخدم أهدافاً سياسية وقبلية، أما الشريعة

والفقه فليست هي الأخرى سوى قوانين وتعاليم وضعية ألفها الفقهاء والعلماء ويجوز

بل يجب أن تتغير. ولما كانت هذه الصورة هي التي آل إليها حال النصرانية في

الغرب منذ قرون عديدة؛ على يد حركات فكرية عديدة؛ فإن المؤسسة الأكاديمية

هناك تعتقد أن كل الأديان وبالذات الإسلام يجب أن تؤول إلى هذا المصير.

والمؤسسة الإعلامية الغربية التي تروِّج الأكاذيب المعروفة حول شهوانية

وقسوة المسلمين وظلم المرأة والحجاب والمحرمات الإسلامية.. إلخ تقدم لها صورة

(ليبرالية) عن الإسلام المتفتح الذي لا يمانع في اختلاط الرجال بالنساء، ولا يعبأ

كثيراً بالرقص والغناء، ولا يعادي أنماط الحياة الغربية وأساليبها، بل يباركها

ويحث عليها بدءاً من الفنون (الجميلة) وانتهاءاً بالفوائد المصرفية. وهذه الصورة

ترضي الإعلام الغربي وتستجلب السياحة فيما يظن القائمون بالخطاب إلى هذه

القطاعات من الجمهور الغربي.

هذا هو حالنا مع الجمهور الغربي في إطار العلاقة مع الغرب التي فرضت

موضوعاً ينشغل به البعض من فئة قليلة انخلعت من الانتماء للإسلام.

ص: 54

مقالات مُعَربة

إيهود أو لمرت: [*]

(أنا أكثر اليهود حظاً في الكون)

لقاء صحفي مع عمدة القدس

ترجمة: د. باسم خفاجي

س: هل للديانات التوحيدية الرئيسة في نظرك مطالب دينية فيما يتعلق

بالقدس؟ أي الإسلام، والنصرانية، واليهودية؟

أولمرت: لا، فهناك اختلاف بينها؛ إذ لا توجد مقارنة بين مركزية القدس

في الديانة اليهودية من ناحية وبين وضعها في الديانة المسيحية والإسلامية من ناحية

أخرى، إن الإسلام لم يعتبر القدس أبداً أهم مدينة؛ فالقدس حسب التقاليد الإسلامية

هي فقط ثالث أهم مدينة، ومركز الإسلام هو مكة.

وعندما يصلي المسلمون فإنهم يتجهون بوجوههم نحو مكة، وبالمناسبة فإنهم

عندما يقفون في المسجد الأقصى فإنهم يديرون ظهورهم لجبل الهيكل. إضافة لذلك

فإنه لم تكن القدس عبر تاريخها الطويل أبداً ولأي لحظة عاصمة لأي كيان عربي

أو مسلم [!] ،

لقد كانت الرملة (وهي بلدة صغيرة تقع على بعد40 كيلو متراً شمال القدس)

عاصمة لذلك الكيان لفترة ما خلال بداية الحكم الإسلامي للقدس، وذلك من أجل

عدم جعل القدس بالذات العاصمة حتى لا تزاحم مكانة مكة، أما النصارى، فإن أهم

وأقدس مكان لهم في القدس هي كنيسة القيامة والتي يعتقد أنها مكان دفن المسيح

وطريق الآلام الذي سار فيه المسيح. إن القدس بلا شك مكان مهم (للمسيحية) ، أما

بالنسبة لنا نحن اليهود فإن القدس هي كل شيء؛ فهي مركز التاريخ اليهودي،

ومركز الحياة اليهودية، ومركز الديانة اليهودية. إن القدس تمثل أطهر تعبير لكل

ما صلى اليهود من أجله وحلموا به وصرخوا من أجله وماتوا من أجله خلال الألفي

عام التي تلت تدمير الهيكل الثاني، كان على كل يهودي ملتزم خلال الألفي عام

تلك أن يصلي ثلاث مرات في اليوم، على الأقل، ويذكر القدس في كل صلاة وهو

يتوقع أن يرجعنا الإله بفضله إلى القدس يوماً ما.

س: هل يجب أن تترجم المطالب الدينية إلى حقوق سياسية وإقليمية؟

أولمرت: بالتأكيد، فالحقوق السياسية لا تنبع من فراغ، والأمر بسيط؛ فهذه

الحقوق تتبع إطاراً ذا أبعاد تاريخية ودينية وسياسية، فما هو بعد ذلك كله أساس

الادعاءات الفلسطينية حول كون القدس عاصمتهم؟ إن هذه الادعاءات يجب أن

يكون لها جذور في التاريخ حتى يكون لها أساس، ثم انظر إلى التفاصيل بعد ذلك؛

فما هو التاريخ الفعلي للشعب الفلسطيني في القدس؟

س: ماذا عن حقوق السكان المسلمين الذين يقطنون القدس اليوم؟

أولمرت: إن 28% من سكان القدس اليوم هم فلسطينيون، وأنا لا أنكر هذه

الحقيقة، وفي نفس الوقت فإن القدس ليست أول مدينة تحتوي على أقلية قومية،

ولا توجد أي مدينة تحتوي على أقليات من هذا النوع وتم تقسيمها بحدود عرقية،

إن ذلك لم يحدث أبداً، والقدس لن تكون أول مدينة تقسم بهذا الشكل.

س: هل يمكن القول إن كلاً من اليهود والمسلمين يسعى لكسب الدعم

النصراني لموقفهم؟ بكلمات أخرى: هل يكون النصارى هم العامل الحاسم؟

أولمرت: إن هذا أحد الطرق لتفسير ذلك، إلا أنه ليس أدقها حيث إننا لن

نسمح لأي كائن من كان بأن يحدد هذا الصراع. وهذا الصراع في الواقع قد تم

تحديده بالفعل منذ ثلاثة آلاف سنة. إن القدس ليست حقيقة نحاول خلقها الآن، إن

القدس كانت وهي الآن وستظل عاصمتنا للأبد، ولن يقوم النصارى أو غيرهم

بتحديد نتيجة هذه المعركة لنا بشكل مفتعل أو فني. نحن من سنحدد نتيجة هذا

الصراع، ولدينا المثابرة، والعزيمة وقوة الإرادة والقوة النابعة من الالتزام، والآن

فمن الصحيح القول إن المجتمع النصراني هو الأقوى سياسياً في العالم، ونتيجة

لذلك يسعى طرفا المعركة لكسب هذا المجتمع في صالحهما، ولا يقتصر ذلك على

القدس فقط بل وعلى النزاع العربي الإسرائيلي، إننا نرغب أن تكون الدول

المأهولة بالنصارى كالأوروبيين والأمريكان داعمة لنا، وإنني أعتقد أنها كذلك

لدرجة كبيرة، إلا أنني أكرر مرة أخرى أن ذلك لا يعني أنهم يقررون من الذي

سينتصر في القدس.

س: هل أنت قلق من أن تتحول القدس اليهودية إلى مدينة الحاريدين

(Haredi) وبمعنى أصح أن تصبح القدس مكاناً يهيمن عليه التقليديون المتطرفون؟

أولمرت: إنني لست قلقاً. نعم! الحاريديون لهم معدل ولادة مؤثر إلا أن ما

لا يدركه الناس هو أن الحاريديين لهم أعلى معدل هجرة من القدس، والسبب لذلك

اقتصادي، حيث إن أثمان الإسكان في القدس مرتفعة جداً والحاريديون هم الأقل

قدرة مالية؛ ولذلك يبحثون عن السكن خارج المدينة، ولهذا السبب ذاته فإن بلدات

كبيتار، وكريات سيفر، وما تينونياهو تطورت، بالإضافة للمناطق السكنية

للحاريديين في بلدات بيت شمس، وكريات غات وأشدود، لقد تطورت هذه بشكل

سريع على مدى السنوات الثلاث الماضية.

س: ماذا عن التطلعات الاقتصادية للقدس وهي إحدى أفقر المدن الإسرائيلية؟

أولمرت: إننا نحاول تحسينها من خلال القيام يجهود منسقة بين البلدية

والحكومة الوطنية، إن الالتزام بتقوية القدس ليس مجرد مصلحة محلية أو أمل أي

رئيس لبلدية القدس يريد أن ينجح في عمله، بل إنها أولوية إسرائيلية على أعلى

المستويات، (إن ضمان تقوية القدس يجعل الناس يرغبون السكن هنا؛ وانتقال

الأعمال إلى هنا يعني إعطاء هؤلاء الناس الحوافز الصحيحة، وإنني أعتقد أنه

بإمكاننا ذلك وسنقوم بذلك في النهاية، إن الحكومة الوطنية وحدها تمتلك المعدات

والوسائل لتحقيق تغيير كهذا، فبإمكانها على سبيل المثال أن تقرر أن كل مهاجر

جديد لإسرائيل سيحصل على منحة إضافية في حال قرر السكن في القدس بدلاً من

أي مكان آخر في إسرائيل، وعندما يحصل ذلك سترى كيف سيفضل المهاجرون

السكن في القدس، وبنفس المنوال في حال حصلت كل من المحطات التصنيعية

على منحة إضافية إذا قررت العمل في القدس فإنك سترى المزيد من ذلك في

المدينة؛ إن الموضوع متعلق بالأولويات الوطنية.

س: وهل سيقدم المهاجرون والمصانع بالرغم من المشاكل العالقة في القدس

وبالرغم من الصراع الذي يأخذ مكانه الآن حول مستقبل المدينة؟

أولمرت: أجل؛ وذلك لأنه في النهاية لا يوجد اختلاف سياسي رئيس بين

القدس وتل أبيب. إن القدس تعاني من التفجيرات الانتحارية وكذلك تل أبيب،

وبشكل عام فإن أي شخص مستاء من الوضع في القدس وقد يكون له الحق في ذلك

سيجد أن المشاكل ليست مقتصرة على تلك المدينة فقط، ومن ناحية أخرى فإن

مزايا العيش في القدس الطقس الرائع والهواء الرائع والدمج الجميل بين القديم

والحديث وديناميكية مجتمع القدس، والتطوير في الاقتصاد والصناعة في القدس

هي حوافز كبرى للناس ليأتوا ويسكنوا هنا.

س: لو قبلنا أن العرب واليهود لهم حق العيش حيثما يرغبون، فهل ستقوم

باحترام تقليد الأحياء المنفصلة كما هو الآن؟ أم ستفضل رؤية هذه مفككة؟

أولمرت: ليس بإمكاني أن أقول لك إن حلمي هو أن أجد المزيد من العرب

يعيشون في القدس، إنني آمل أن لا يكون هناك المزيد من العرب يعيشون في

القدس؛ وذلك لأن الاختلافات القومية لها أثر على نمط الحياة والمناخ والعلاقات

بين مختلف السكان. لدينا ما يكفي من المشاكل في القدس، إن أولئك القاطنين في

القدس لديهم الحق في حياة متساوية، وليس لدينا القدرة والسلطة لطردهم؛ إلا أنني

لا أبحث عن حلول من شأنها أن تجلب المزيد من العرب للمدينة. لا، أنا لا أحبذ

ذلك.

س: لنفترض أن هناك عدداً معيناً من العرب في القدس، هل يجب أن

يعيش هؤلاء مع اليهود جنباً إلى جنب دون زيادة أو نقص في هذا العدد؟

أولمرت: ذلك ليس على قمة أولوياتي، وهو شيء لا أخشى منه.

س: إلا أنه يبدو أن العرب لا يريدون التكامل، وهم يفضلون مدارس

منفصلة وأماكن منفصلة للعيش؟

أولمرت: ذلك مرة أخرى ليس على قمة أولوياتي، وأنا لا أخشى حدوث ذلك، وفي حالة حدوثه فليكن الأمر كذلك.

س: ما هي أولى أولوياتك إذن؟

أولمرت: القيام باستثمارات رئيسية في مناطق ذات أهمية لمستقبل القدس،

هذا هو السبب الذي جعلني أفضل بناء المجمع السكني في حارهوما (جبل أبو غنيم) .

س: ولماذا هذا المشروع على هذه الدرجة من الأهمية؟

أولمرت: إنه مشروع استراتيجي سيوفر 7000 وحدة سكنية إضافية للقدس،

مما يجعله مدينة صغيرة بحد ذاته. وذلك من أجل تخفيف المشاكل السكنية في

المدينة. إن الآلاف من الأطفال يعيشون الآن في المدينة من دون سكن ملائم بإمكان

آبائهم شراؤه، وهناك مصلحة حقيقية كما ترى في البناء في حارهوما، إضافة لذلك

فإن المشروع يقع في موقع استراتيجي سيؤثر في مستقبل القدس.

س: بأثر رجعي، هل تم التعامل مع قرار البناء السابق بشكل سليم؟

أولمرت: بالتأكيد، لم يكن هناك أي طريق آخر لبناء حارهوما، وأنا سعيد

جداً لبنائنا حارهوما، وإنني أعدك أننا سنستمر في بناء حارهوما، إن المشروع لم

يتم تجميده.

س: لقد نقلت صحيفة مصرية تصريحاً لك ذكرت فيه أن إطالة فترة

محادثات مسيرة السلام يخدم المصالح الإسرائيلية؛ لأنه يسمح للإسرائيليين (بإنهاء

مشاريع البناء الاستيطانية) هل هذا ما تشعر به بالفعل؟

أولمرت: لا أذكر أنني قلت شيئاً من هذا القبيل؛ إلا أننا لا نحتاج إلى أي

عذر لاستمرار البناء في أي مكان نرى ضرورة البناء فيه، ربما قلت: إن العرب

قد يعتقدون أنهم يعاقبون إسرائيل من خلال تعليق المحادثات ليكتشفوا في النهاية

أنهم يعاقبون أنفسهم بالفعل، إنني لا أتذكر أنني تفوهت بما ذكرته؛ ولكن كما

تعرف فإن الصحافة العربية لا تحتاج لأي حقائق من أجل بناء جدالهم، إنه بإمكانهم

بكل سهولة خلق الحقائق التي تناسبهم.

س: هل ستقوم بفتح نفق (ألهسمونيان)(تحت المسجد الأقصى) بطريقة

مختلفة عن السنة الماضية لو أتيح لك أن تقوم بذلك مرة أخرى؟

أولمرت: لا، بل يجب ألا يتغير أي شيء قمنا به، باستثناء أنه في المرة

القادمة على رئيس الوزراء أن يتأكد من كون الجيش متأهباً لمنع ردود الفعل التي

سببت العنف قبل عام، فلو كان الجيش جاهزاً وفي مواقعه السليمة لما حدث هناك

عنف ضد أناس أبرياء كما حصل بالفعل.

س: لقد ذكر صائب عريقات أحد كبار معاوني عرفات حول حادثة النفق (أن

الحكومات الإسرائيلية كلما وجدت نفسها تواجه أزمات داخلية سواء نتيجة الفساد،

أو انتهاك الثقة أو الرشوة فإنها تحاول صرف الانتباه، إن هذا ما حدث مع أيهود

أولمرت عندما تم اتهامه بالرشوة، لم يكن أمامه خيار آخر سوى فتح نفق القدس من

أجل صرف الأنظار عمّا كان يجري في المحاكم) هل لك تعليق على ذلك؟

أولمرت: في الواقع هذا لا يستحق أي تعليق، لقد اتهمت بترتيب حفلة من

أجل الحصول على تبرعات غير قانونية، وقد تم تبرئتي بشكل قطعي ودون أي

التباس في محكمة تل أبيب، قبل عدة أسابيع، ولذلك فإنني نظيف من أي أثر لأي

نشاط إجرامي. إن هذا النقاش يجسد التفكير العربي، وهو حالة واضحة للإسقاط

الذهني، حيث يصمونني بالطريقة نفسها التي يعالج بها عرفات ومساعدوه مشاكلهم.

س: لقد ذكرت فور انتخابك رئيساً للبلدية أنك تفضل التفاوض على وضع

القدس الآن قبل الغد، بمعنى أنك تريد القفز لمفاوضات الوضع النهائي، فهل لا

زلت تشعر بالشيء نفسه؟

أولمرت: أجل، إلا أن ذلك متأخر الآن، لقد طرحت ذلك قبل ثلاث سنوات، عندما كنا لا نزال في المراحل البدائية لتطبيق أوسلو، لقد كان تسويغي لذلك

بسيطاً وهو أنه إذا تركنا قضية القدس للنهاية فقد نجد أنفسنا ندعو المجتمع الدولي

ليضغط علينا من أجل تقديم التنازلات في القدس. وكما حدث فإننا الآن على

مشارف المرحلة النهائية من المسار التفاوضي، وعليه فليس هناك الكثير مما يمكن

لإسرائيل القيام به الآن؛ فالمدينة سيتم التفاوض حولها الآن على أي حال.

س: ما هو الحل طويل الأمد الذي تفضله لحل الخلاف حول القدس؟

أولمرت: لقد تم تفصيل الحل قبل ثلاثة آلاف سنة، القدس مدينة واحدة،

مدينة موحدة وعاصمة لإسرائيل، لقد حسم الأمر، فأي حل آخر يمكن أن يكون

غير هذا؟

س: هل تشتمل هذه الرؤيا على نوع من الحكم الذاتي لعرب القدس؟

أولمرت: حكم ذاتي؟ لا، حرية؟ نعم.

س: ماذا عن أي تدابير خاصة أو حقوق طائفية للقاطنين العرب؟

أولمرت: لا شيء يتعدى الحرية الشخصية، هم مخولون بممارسة جميع

حقوق المواطنين الأحرار في مجتمع ديمواقراطي. سيكون لهم حقوق فردية تماماً

كما يمتلك كل يهودي حقوقاً فردية، لن يمتلك العرب أو اليهود أي حقوق طائفية

خاصة في القدس.

س: لقد توصل يوسي بيلين وأبو مازن لاتفاقية من ثلاثة عناصر؛ حيث

سيقوم الفلسطينيون ببناء مركز حكومة في قضاء أبو ديس ويطلقون عليه (القدس)

وستكون القدس الغربية لإسرائيل، أما القدس الشرقية فستبقى موضع النزاع في

الوقت الراهن مع بقائها تحت السيطرة الإسرائيلية؛ أما جبل الهيكل فإنه سيبقى

تحت السيطرة العربية. ماذا تعتبر هذه الاتفاقية؟

أولمرت: إنها خطة غبية ومتهورة وغير مسؤولة، إنها تتحدث عن وضع

أجزاء من القدس تحت السيادة الكاملة للفلسطينيين بما فيها بعض الأماكن المسيحية

المقدسة. هل لك أن تتخيل قيام اليهود بمنح المسلمين الحقوق فوق كنيسة القيامة

وهي أقدس مكان للنصارى في القدس؟ وأي مسلمين؟ منظمة التحرير الفلسطينية؟ يا للغباء!

س: وماذا عن فكرة كون أبو ديس العاصمة الفلسطينية. وأي قيمة لتلك

الفكرة؟

أولمرت: إنها سخيفة، إن أولئك الذي يتحدثون عن تلك الخطة يعتقدون أن

العرب سيقبلون بحل يبقيهم خارج القدس الفعلية، لو كان العرب جاهزين لذلك فإن

السؤال سيكون مختلفاً جداً إلا أنني أشك بذلك جداً.

س: هل تقول إن أبو ديس تشبه الحملة القديمة التي تقول بأن (الأردن هو

فلسطين) أي منح الفلسطينيين شيئاً لا يرغبونه بالذات على أمل إزاحة عبئهم عن

إسرائيل؟

أولمرت: أجل، ربما يأخذون ما قدم لهم، إلا أن ذلك لن يقنعهم لفترة طويلة.

س: هل من العدل القول إن السياسة الأمريكية الرسمية تجاه القدس مجمدة

زمنياً؟ بمعنى أنها لا زالت تدعو لتدويل المدينة وترفض الاعتراف بالسيطرة

الإسرائيلية على الجزء الشرقي منها ولا زالت تحتفظ بالسفارة في تل أبيب؟

أولمرت: للأسف فإن السياسة الأمريكية الرسمية لم تتحرك بأي تطورات

فعلية ولا بالنظرة التي يبديها معظم الشعب الأمريكي.

س: ولِمَ لا؟

أولمرت: إن هذا شيء ربما بإمكان الأمريكان تفسيره أفضل مني. إنه

بإمكاني فقط ملاحظة أنه إذا كان الكونغرس يعكس فعلياً التوجهات الشعبية الأمريكية،

ويفترض فيه هذا؛ لأن مجلس النواب ينتخب كل سنتين، فليس بإمكان أحد أن

يتجاهل حقيقة أن الغالبية العظمى من رجال الكونغرس (والشيوخ) قد صوّتوا

لصالح الاعتراف بالقدس العاصمة الموحدة وغير المقسمة لدولة إسرائيل؛

وبالإضافة إلى ذلك فقد طالبوا بنقل السفارة الأمريكية للقدس.

س: وهل تتصرف إدارة كلينتون وفق القانون فيما يتعلق بالاعتراف بالقدس

عاصمة لإسرائيل؟

أولمرت: حسب الجدول الزمني في القانون؛ فإن الإدارة لا زال لديها بعض

الوقت، حتى عام 1999م، لتقوم بنقل السفارة، ولا استشعر أن الإدارة تقوم

بجهود كبيرة في ذلك، إنني آمل استمرار تزايد الضغط حتى تصبح السفارة

الأمريكية بالفعل في القدس بحلول عام 1999م.

س: لقد قال أحمد الطيبي مستشار عرفات حول إسرائيل (أنا لا أعرف ما

الذي يحرك أيهود أولمرت) إن هذا الموضوع يستحق بحثاً جدياً؛ فهل لك أن ترد

على ذلك؟

أولمرت: لماذا لا يقوم الطيبي باستغلال وقته ويُجري أبحاثاً حول هذا

الموضوع ينصح فيها عرفات بدلاً من هدر طاقته كعميل أجنبي، إن دوافعي بسيطة

وهي حماية وحدة القدس، هذا هو طموحي وتطلعي وحلمي.

س: هل تستمتع بوظيفتك؟

أولمرت: إنني أعتبر نفسي ربما أكثر يهودي تميزاً في الكون؛ وذلك نتيجة

المصادفة التاريخية التي منحتني القوة لقيادة هذه المدينة في هذا الوقت من تاريخها، ماذا يمكن أن يكون أكثر إثارة وأكثر سحراً وأكثر أهمية وأكثر مسؤولية من أن

تكون قائداً للمدينة التي صلى من أجلها كل يهودي على مدى الألفي سنة الماضية؟

س: ماذا يعني كونك عمدة لبلدية القدس؟

أولمرت: دعني أخبرك بقصة قد تعطيك فكرة عن ذلك. لقد وصلت إلى

نيويورك قبل أيام قليلة على متن الطيران الفرنسي بعد تغيير الطائرات في باريس،

وعند وصولي جاءني أحد موظفي شركة الطيران وكنت مع زوجتي عندما كنا نهم

بمغادرة الطائرة وسألني: (هل أنت السيد أو لمرت؟) أجبته (نعم) فقال: إذن لديّ

بعض الأخبار السيئة لك، لقد خفق قلبي؛ حيث كان هناك تفجيران انتحاريان

رئيسيان في الشهرين السابقين وخفت على الفور من أخبار انفجار آخر، أو أي

نوع من الكوارث في المدينة، فسألته بقلق:(ما الأمر؟) فأجاب: إن حقائبك لم

تلحق الطائرة في باريس، ولن تصل لهنا قبل الغد. عندها بدأت أضحك بارتياح،

ونظرت إليّ امرأة تعمل في شركة الطيران معتقدة أنني مجنون. إن هذا ما يعنيه

أن تكون عمدة لبلدية القدس. إنها ليست بالوظيفة المريحة.

(*) هو رئيس بلدية القدس منذ عام 1993م، وهو من مواليد فلسطين عمل محامياً وكاتباً صحفياً ودخل البرلمان الإسرائيلي عام 1973م وعيين وزيراً للصحة في الفترة من 1988 1992م وقد أجرت معه هذه المقابلة دورية (الشرق الأوسط) الربع سنوية ديسمبر 1997م وهي دورية تهتم بالدعاية للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، ويرأس تحريرها (دانيال بايبس) وهو كاتب معروف بعدائه الشديد للمسلمين ودفاعه المستميت عن مصالح إسرائيل في أمريكا.

ص: 58