الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نص شعري
قصة القدس
د. عبد الغني أحمد مزهر التميمي [*]
ليس للتين أو الزيتون نغضبْ
…
نحن للإسلام لا للأرض ننسبْ
…
ليس للموز أو الليمون أو قمح الموانئ
…
نحن لسنا من عبيد الطقس ديدان الشواطئ
…
ما عشقنا في فلسطين صِباها
…
أو صَباها، أو رباها
…
ما عشقناها عروساً في بهاها تتطيّبْ
…
كفّها في ليلة الحنّاء تخضبْ
…
ما عشقناها مناخاً وفصولاً
…
وجبالاً وهضاباً وسهولا
…
بل عشقناها دويّاً وصليلا
…
وغباراً في سبيل الله يُسفى، وصهيلا
…
وسطوراً بل فصولاً في كتاب المجد تكتب
…
عبر أجنادين، أو حطين، أو غزة طولا
…
وسرايا أمّة الكفر على صدر صليب الكفر تصلب
…
* * *
وعشقنا في فلسطين من الأهوال جيلاً
…
جعل التكبير والأحجار أقوى خطبة للعصر تخطبْ
…
جيل أبطالٍ من الأطفال في الضفة ينجبْ
…
هكذا تبقى فلسطين ضميراً، وكياناً في دمانا يتلهبْ
…
هي في عمق هوانا درة من درر الإسلام تسلبْ
…
ولهذا ليس للتين أو الزيتون نغضبْ
…
* * *
مزقونا وانثروا اللحم على كل طريقْ
…
لا تبالوا، حرّقونا وارقصوا حول الحريق
…
وزعونا في الصحاري، أطعمونا للحواجز
…
كل هذا في نظام الغاب جائز
…
غير أنا لن نبيع القدس أو أيَّ مدينةْ
…
هل يبيع المؤمن الصادق للأعداء دينهْ؟
…
* * *
ارحمونا من تفاهات حلولٍ في المزادْ
…
ودروسٍ من مساق الذلّ تقرا وتعادْ
…
ما رضينا، فقبول الظلم ظلمٌ، والرضا بالعار عارْ
…
قد نذرنا دمنا لقنديل الجهادْ
…
حلُّنا يأتي عزيزاً فوق صهْوات الجيادْ
…
ليس في الأكفان محمولاً إلى «أرض الميعاد»
…
* * *
جرِّدونا من رداء المجد من نبض الفضيلةْ
…
أسعروا الحرب علينا بقوانين القبيلةْ
…
لم نكن يوماً على دين (غُزَيّةْ)[1]
…
بل على أقدامنا تنهار دعوى الجاهليةْ
…
عهدنا باق إلى آخر مسجدْ
…
لن نبيع القدس يوماً ما بقيْ فينا موحِّدْ
…
* * *
ثم ماذا قيل عن هذي القضيّةْ؟
…
قال حكامٌ، وقوادٌ كبارٌ وجنودْ
…
أرضكم أرض ككلِّ الأرض في هذا الوجودْ
…
لا تزيدوا وجع الرأس علينا واتركوها لليهودْ
…
هي لا تُنبت دُرّاً أو زبرجدْ
…
ليست الأحجار فيها من عقيق لا ولا التربة عسجدْ
…
قلت: يا قوم أقلوا إنها مسرى محمّدْ
…
إنها معراجه المفضي لأطباق السماءْ
…
وبها صلى بكل الأنبياءْ
…
هل رأيتم في رؤى الماضي، أو الدنيا الجديدةْ
…
هل علمتم، أو سمعتم، أو قرأتم في كتاب أو جريدةْ
…
أن فينا مؤمناً يطرح للبيع (عقيدةْ)
…
* * *
أرضنا القدسُ مزيجٌ من صمود ومرارةْ
…
لم تكن يوماً لبيع أو إعارةْ
…
هي للأمة (ميزان الحرارةْ)
…
ناطق التاريخ في أحيائها يطلب ثارهْ
…
كل شبر من ثراها فيه للتلمود غارةْ
…
هذه القدس نسيج من سناء وطهارةْ
…
ها هو الفاروق في أفيائها يرفو إزارهْ
…
وصلاح الدين يمحو أثر الكفر الصّليبيِّ وعارهْ
…
ثم في غفوة قومي
…
قبض الرايةَ أطفالُ الحجارةْ
…
* * *
ثم ماذا؟ ولماذا؟
…
تسعة الأصفار تبقى أمةً تلهو وتلعبْ
…
أدمىً نحن؟ رجال من عجين نتقولبْ
…
أم ظهورٌ ومطايا «كل من يرغب يركبْ» ؟
…
سخر التاريخ منَّا
…
دمنا يرخص كالماء، ولا كالماء يُشربْ
…
إن تكن تعجب من كثرتنا، فالجُبنُ أعجب
…
قد يخيف الذئبُ من أنيابه مليارَ أرنبْ
…
* * *
آهِ! واقدساه من ظلم قريبي
…
وهو يكويني، ومن كيد البعيدْ
…
لا تلوميني على غمي وحزني
…
لا تلوميني على بؤسي ووهني
…
لا تظني غيْبتي من سوء ظنّي
…
أو قعودي عن لظى الحرب لجبني، أو لسنّي
…
لا تلوميني فإني
…
زرعوا قيدين في رجليّ: قيداً من حديدْ
…
مدمنَ العضِّ، وقيداً من حدودْ
…
كلما جئت مطاراً أو قطاراً للعبورْ
…
قدَّم القوم اعتذاراً: أنت ممنوع المرور! !
…
هذه أوراق إثباتي بأني عربي
…
مولدي، أمي، أبي، عمّي، أخي، جد أبي
…
سحنتي، لوني، لساني، نسبي
…
عشت في هذي البراري منذ عاش الدينصورْ
…
وأكلت الحنظل المرّ ومنقوع القشورْ
…
قذفوا الأوراق في وجهي ولفوا طلبي
…
وجهاراً أقسموا لي: أن سرّ المنع أني عربي
…
هذه التهمة مهما بلغت نصف الحقيقةْ
…
نصفها الآخر يكمن في تلك (الوثيقةْ)
…
كتب الكاتب فيها أنني من أهل (غزةْ)
…
قرروا أن يشطبوها، كرهوها
…
إنها تشبه في الأحرف (عزّةْ)
…
* * *
ثم ماذا؟ !
…
حرموني من صغاري، من عيوني ويديَّا
…
حرّموا الحبَّ عليَّا
…
جربوا كل سياط القهر فيّا
…
صادروا الحرف الذي أقوى على النطق به
…
قلعوا الأضراس من فكيّ قصوا شفتيَّا
…
حطموا كل عظامي
…
وبعنف مارسوا الإرهاب في ذاك الحطامِ
…
وتلا القاضي على الناس اتهامي:
…
أنني شخص أصولي أجيد العربيةْ
…
ولدى نفسي بقايا من حميةْ
…
أنني (مُعدٍ) لكوني فيّ (فيروس) القضيّةْ
…
ثم ماذا؟!
…
ذات يوم أبصروا في شعر وجهي بعض آيات الصلاحْ
…
هذه الشعرات عنوان الرجولةْ
…
فتنادى علماء النفس والخبرة من كل البطاحْ
…
درسوني وطنيّا
…
درسوني عربيّا
…
درسوني عالميّا
…
فإذا التقرير قد أوصى بنتف الشعر بحثاً عن سلاحْ
…
ثم ماذا؟!
…
ذات يوم هدموا جدران بيتي
…
ورموني في العراءْ
…
تحت نهش البرد والظلمة في فصل الشتاءْ
…
ليس شي بين جلدي وصقيع الأرض أو قطر السماءْ
…
رجفت أعضاء جسمي واستقر الموت في لحمي وعظمي
…
فتنادوْا لاكتشافي
…
رصدوا كل خفايا حركاتي باهتمامْ
…
فحصوا نبضات قلبي ودمائي بانتظامْ
…
درسوني وطنيّا
…
درسوني عربيّا
…
درسوني عالميّا
…
وأداروا آلة التنقيب عن أسرار همي
…
فأتى التقرير مختوماً بتوقيعي وختمي:
…
هو شخص دموي حركي
…
قلبه يخطر في أعماقه (قلب النّظام)
…
* * *
ثم ماذا؟ !
…
ذات يوم وقف العالم يدعو لحقوق الكائنات
…
كل إنسان هنا، أو حيوانٍ، أو نبات
…
كل مخلوق له كل الحقوق
…
هكذا النصّ صريحاً جاء في كل اللغات
…
قلت للعالم: شكراً أعطني بعض حقوقي
…
حقَّ أرضي، وقراري، وحياتي
…
فتداعى علماء الأرض والأحياء من كل الجهات
…
درسوني عالميا
…
فأتى التقرير: «لا مانع من إعطائه حقَّ الممات»
…
* * *
كيف أمسيتِ بلادي؟ كيف أصبحتِ بلادي؟
…
كيف أمسى البدر في جوّك مغلول الأيادي
…
آه يا قدسي الحزينة، كيف أنسى شامة الشام السجينةْ
…
لا تلومي صارخاً يصرخ في كل النوادي
…
لا تلومي باكياً أبحر في الدمع سفينهْ
…
لا يلام المقعد المكروب إن أدمى عيونهْ
…
لا يلام الهائم المشتاق إن أبدى أنينهْ
…
قصة القدس دماء، وجراح، وكرامات طعينةْ
…
ليست القدس شعاراً عربيّاً كي نخونهْ
…
ليست القدس مناخاً للسياحات المشينةْ
…
ليست القدس يتامى، وطحيناً، ومعونةْ
…
إنها القدس، وحسبي أنها أخت المدينةْ
…
بسط البغي لها كفاً من الغدر، لعينةْ
…
كفَّ جزار رهيب، جعل الإرهاب دينهْ
…
قبل أن يبسط للسلم يديه وقرونهْ
…
مدّ للأغوار رجليه، وللنفط عيونهْ
…
واقرؤوا القرآن يا قومي لما لا تقرؤونهْ
…
كم نبي، وتقي دون حق يقتلونهْ
…
كم عهودٍ خفروها، واتفاق يهدرونهْ
…
لو هدمتم لهمُ الأقصى ودمرتم حصونهْ
…
وبنيتم لهمُ الهيكل أو ما يطلبونهْ
…
ثم أهديتم فلسطين لهم دون مؤونةْ
…
طالبوكم عبر أمريكا وأوروبا بإبداء المرونةْ
…
* * *
هذه القصة لا سلم ولا ما يحزنونهْ
…
قصة القدس انتقامٌ، صفقاتٌ، ومجازرْ
…
قصة القدس خياناتٌ، وعهرٌ، وكبائرْ
…
وذروني أُجمل القصة في هذا المقامْ:
…
قام قُصَّاصٌ، ووُعَّاظٌ، وتجار كلامْ
…
بشرونا بسلامٍ، ونظام عالمي لا يضامْ
…
هكذا يزعم أقطاب النظامْ
…
يا لقومي! منحة السلم عصا، طبخة السّلم حصى
…
هل سنطهو من حصى السّلم طعامْ؟
…
يا بني قومي اسمعوها
…
صرخة مني تدوي في الأنامْ:
…
عن قريب، عن قريب، تلد الأجواءُ إعصارَ السلامْ
…
وعلينا، وعليكم، وعلى الدنيا السلامْ
…
(*) شاعر وأديب فلسطيني، أستاذ مشارك في الحديث الشريف وعلومه.
(1)
(دين غزية) كناية عن متابعة الجماعة في الحق والباطل، وهو مأخوذ من قول الشاعر:
…
وهل أنا إلا من غُزية إن غوت
…
غويت وإن ترشد غزية أرشد.