المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المستقبل لمن ؟   في يوم السبت السابع من رجب 1412 هـ الموافق - مجلة البيان - جـ ٤٨

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ ‌المستقبل لمن ؟   في يوم السبت السابع من رجب 1412 هـ الموافق

‌المستقبل لمن

؟

في يوم السبت السابع من رجب 1412 هـ الموافق 212/1/1992 ظهر

الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد على شاشة التلفزيون وألقى كلمة قصيرة أعلن

فيها استقالته قائلاً: إنه قرر الاستقالة لكي لا يصبح عقبة تعرقل التفكير في حل

يحفظ الوحدة الوطنية. وقال أيضاً: إن انسحابه ليس تهرباً من المسؤولية، بل

وطلب من الجزائريين أن يعتبروا ذلك تضحية. إن أخطر ما قاله هو أنه قرر

الاستقالة لكي لا يصبح عقبة تعرقل التفكير في حل يحفظ الوحدة الوطنية! ! ..

فمن الذي يهدد الوحدة الوطنية؟ ومن الذي يفكر في حل يصرح الرئيس المستقيل

أنه عقبة تعرقل هذا الحل؟ لا أظن أن الإجابة على هذه التساؤلات تحتاج إلى عناء

كبير، فإن الأمر الذي أشغل الساحة الجزائرية بل والعربية والعالمية هو فوز جبهة

الإنقاذ الإسلامية في الانتخابات الجزائرية فوزاً ساحقاً يعبر بوضوح عن حالة جديدة

تمر بها هذه الأمة للخروج من حالة الضياع والتشرذم الذي تعيشه، وعلى الرغم

من أن الأحداث في الجزائر تمر بمرحلة انتقالية يصعب التكهن بنتائجها، فإنه يجب

على كل مسلم أن يعيش مع إخوانه في آمالهم وآلامهم وتجاربهم، وألا يبخل عليهم

بما يستطيع من دعوة صالحة في ظهر الغيب، ونصيحة مشفقة خالصة مع دعمهم

بكل ما يستطيع. ومساهمة في هذا السبيل نقدم هذه القراءة المتواضعة في أحداث

الجزائر لعلها تكون عوناً على فهم الحاضر والتعامل مع المستقبل.

وجيز الأحداث:

في الأول من نوفمبر 1954 أعلن حزب جبهة التحرير الوطنية ميثاقه ومما

جاء في ذلك الإعلان:

استعادة دولة جزائرية ذات سيادة ديموقراطية واجتماعية في نطاق المبادئ

الإسلامية. وقامت حرب التحرير على أساس إسلامي شديد الوضوح، وقدم

الجزائريون التضحيات العظيمة من أجل استعادة إسلامهم وعروبتهم، حتى سميت

الجزائر بلد المليون شهيد، ولكن ما إن تم التحرير، وخرج المستعمر؛ حتى تربع

على السلطة من سرق ثمرة الجهاد، فكافأ رجاله بفتح المعتقلات والسجون لمن؟

لعملاء الاستعمار؟ لا، بل للدعاة المخلصين الذين لهم الدور الأكبر في مجاهدة

المستعمر، وقام (بن بلا) ومن بعده (بومدين) بفرض النهج الاشتراكي، وأقاموا

دولة بوليسية قائمة على الكبت والاضطهاد، مع ما صاحب ذلك من عمليات سلب

لثروات الأمة.

وفي عهد (بن جديد) الذي خلف (بومدين) لم يتغير شيء سوى ازدياد عمليات

النهب المنظمة للثروة، أو عجز الحكومة، أو قل: عدم اهتمامها بتقديم الخدمات

الأساسية للشعب المطحون، فحصلت أحداث شغب في يونيو (حزيران) 1988 م

مما أوقع مئات القتلى، واتضح فشل النظام وترهله مما أرغمه على اللعب بورقة

التعددية الحزبية، وسياسة الانفتاح والحرية، وفتح المجال لتكوين الأحزاب، ولم

تعد جبهة التحرير متفردة بالساحة السياسية، فقد تم تسجيل حوالي 58حزباً

تراوحت بين إسلامية من طرف وإلحادية من طرف آخر وكثير من اللافتات

المتنوعة في الوسط، مما يدل على شراسة الهجوم الفكري الذي تعرض له هذا

الشعب المسلم، ومن هذه الأحزاب:

1-

جبهة الإنقاذ الإسلامية تم إعلانها رسمياً في مطلع 1989 م وذلك بمبادرة

من عدد من الدعاة من بينهم رئيس الجبهة الشيخ عباسي مدني، ونائبه الشيخ علي

بلحاج وللجبهة مجلس شورى يتكون من 60 عضواً.

2-

حركة المجتمع الإسلامي (حماس) وتم إعلانها في ديسمبر 1990 م على

يد الشيخ محفوظ النحناح.

3-

حركة النهضة الإسلامية: قام بإعلانها الشيخ عبد الله جاب الله.

4-

حزب الأمة: أسسه يوسف بن خده رئيس الوزراء سابقاً، وهو يؤكد

على الأهداف الإسلامية والعربية.

5-

حزب القوى الاشتراكية: (FFS) قام بتأسيسه حسين آيت أحمد عام

1989م. ويدعو إلى ضرورة فصل الدين عن الدولة، وتبني التعددية اللغوية

والثقافية بين عربية وبربرية وفرنسية (علماني بربري فرانكفوني) .

6-

التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية: أسسه الدكتور سعيد سعدي وهو

حزب بربري شبيه بالحزب السابق.

7-

الحركة من أجل الديموقراطية: أسسه أحمد بن بلا الرئيس السابق.

8-

حزب العدالة والإصلاح: أسسه قاصدي مرباح رئيس الحكومة السابق

بعد خروجه من جبهة التحرير.

9-

حزب الطليعة الجزائري (الحزب الشيوعي) .

10-

حزب التجديد الجزائري.

11-

الحزب الوطني للتضامن الإسلامي.

12-

حزب التجمع الجزائري البومديني الإسلامي.

13-

الحركة الجزائرية من أجل العدالة والتنمية.

وغيرها بالإضافة إلى جبهة التحرير الوطني التي حكمت الجزائر لمدة ثلاثين

سنة متوالية.

انتخابات الجزائر، حقائق وأرقام:

جرت الانتخابات يوم الخميس 26/12/1991 وقد بلغت نسبة التصويت

58 % من أصل 12. 2 مليون ناخب. وبلغت الأصوات الباطلة حوالي 10% وأعلن وزر الداخلية عن عدم وصول ما يقارب من مليون بطاقة انتخابية إلى أصحابها، وقد بلغ عدد الذين أدلوا بأصواتهم حوالى 7 مليون و700 ألف وهي نسبة كبيرة إذا ما قورنت بنسبة المشاركة في الدول الغربية، أما نتائج الانتخابات فقد كانت صدمة لمن أجروها ولمن أعلنوها، وتباينت ردود الفعل فقد كانت الصدمة بادية على محيا وزير الداخلية وهو يعلن الفوز الكاسح لجبهة الإنقاذ، كان متعباً وهو يقرأ النتائج بصوت متهدج، أما رئيس الوزراء فقد حلّ ضيفاً على القناة الثانية في التلفزيون الفرنسي، وقد كان شاحباً وحزيناً متلعثماً وكان يبدو تحت وقع الصدمة [1] .

وخلافاً للتوقعات التي كانت تنتظر أن تكون النسب على الشكل التالي:

* 150 مقعداً للجبهة الإسلامية.

* 120 مقعداً لجبهة التحرير.

* 70 مقعداً لجبهة القوى الاشتراكية.

* 40- 50 مقعداً للتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية.

* 40 مقعداً للأحزاب الأخرى والمستقلين.

فقد جاءت النتائج على النحو التالي:

لقد شارك 49 حزباً من أصل 58 فازت جبهة الإنقاذ بـ 188 مقعداً من

أصل 228 وحلت جبهة القوى الاشتراكية في المركز الثاني بحصولها على 27

مقعداً، أما جبهة التحرير الوطني فقد جاءت في المرتبة الأخيرة وحصلت على 16

مقعداً فقط، والمستقلون حصلوا على 3 مقاعد.

كانت ردود الفعل متباينة، ويمكن معرفة ردود الفعل الرسمية غير المعلنة عن

طريق متابعة وسائل الإعلام، وهذه أهم ملامح التوجهات الإعلامية في تلك الفترة:

* في اليوم الأول الذي أعلن فيه الفوز الساحق لجبهة الإنقاذ بأكثرية

الأصوات لم تشر جل الصحف إلى ذلك، مع أن وكالات الأنباء نقلت هذا الفوز

الكبير. وبعد أن أفاقوا من الصدمة بدأت مرحلة التهوين من الانتصار وتحليل

أسباب انتصار الجبهة، وحيث أن حكم الإسلام غير مطروح فقد كثرت التحليلات

لكيفية الخروج من هذا المأزق وإليك بعضها:

1-

التركيز على أن التصويت للجبهة كان بسبب كراهية الناس لجبهة

التحرير، وليس حباً في جبهة الإنقاذ أو كما يتولون: (ليس حباً في زيد لكن

كراهية في عمرو) وكأن الجبهة الإسلامية هي الحزب الوحيد بجانب جبهة التحرير.

2 -

تبنوا طروحات الأحزاب العلمانية الجزائرية الخاسرة وادعوا أن

الانتخابات فيها الكثير من التجاوزات من جانب جبهة الإنقاذ، بل وقدمت طعون

كثيرة بصورة مبالغ فيها حيث بلغت 341 طعناً قدمت فيها جبهة التحرير 174

طعناً، وهولوا من خطورة هذه الطعون على مستقبل الجبهة حيث ستفقد أغلبية

المقاعد التي حصلت عليها، ولكن المجلس الدستوري رفض هذه الطعون وكان

على وشك إعلان ذلك ومنعه من ذلك الأحداث اللاحقة.

3-

أكثروا من الكلام حول امتناع حوالي نصف الناخبين عن المشاركة وأنهم

ضد الجبهة، وأن الفرصة سانحة لتعديل النتيجة في الدور الثاني، ولكن هذا

التحليل تهافت سريعاً، حيث بدأت الأحزاب العلمانية تحذر من الخطر على

الديموقراطية عندما تحكم جبهة الإنقاذ، وطالب بعض الديموقراطيين بالغاء

الانتخابات.

4-

وفي النهاية تعلقوا بالأمل الأخير لحماية الديموقراطية والحفاظ على

الدستور وهو الجيش الذي تتجاذبه النزعات الفرنسية والأمريكية.

5-

ولقوة هذا الخيار فقد بدأوا بالكلام عن السيناريو والإخراج لهذا الترتيب،

حيث تحدثوا عن خلاف بين بن جديد والجيش واحتمال استقالة بن جديد، وذلك بعد

فشل الأحزاب العلمانية في محاولة جر الجبهة للاصطدام بها، ليكون ذلك ذريعة

لتدخل الجيش بدعوى حفظ النظام.

أما مراسل هيئة الإذاعة البريطانية فقد قال في سلسلة أحاديثه (الجزائر عشية

أول انتخابات حرة) إن رئيس الوزراء هو مرشح الجيش لتشكيل حكومة ائتلاف

ديموقراطي بعد الانتخابات، وفي الحلقة الثانية شكك بقبول جبهة الإنقاذ لقواعد

اللعبة الديموقراطية، وفي الحلقة الرابعة تحدث عن الجماعات الإسلامية وأشاع

دعاوى كاذبة حول إهدار الإنقاذ لدم محفوظ النحناح. وفي الحلقة الخامسة تحدث

عن آيت أحمد المتفرنس البربري وعن تكتيكه الجديد وكيف أن مرشحيه صاروا

يستعملون العربية الفصحى.

أما موقف الإعلام في شمال أفريقيا فهو كما يلي:

* بعد ظهور نتائج الانتخابات بدأت الصحافة الجزائرية الناطقة بالفرنسية

وأجهزة الإعلام الأخرى التي يسيطر عليها الشيوعيون؛ بدأوا بحملة ضارية ضد

الجبهة وتخويف الناس من مستقبلهم إذا اختاروا الجبهة، أما في المغرب فقد

التزمت الصحف الرسمية الصمت في البداية، مما يوحي بأنها لا تريد تحديد موقف

متسرع وأن الأمر متعلق بأمور داخلية، ثم تحول الأمر إلى هجوم على الأصولية.

* وفي تونس كانت الانتخابات محل اهتمام كبير لدى الأوساط السياسية

والرسمية حيث جاءت النتائج مخالفة لما توقعته من فوز جبهة التحرير، وأبدت تلك

الأوساط قلقاً صريحاً من فوز الإسلاميين في الجزائر.

* وفي مصر عكست الصحافة القلق من هذه التطورات وأهمية اتخاذ المثال

المصري للديموقراطية القائم على خنق الأفكار الإسلامية والسماح بأحزاب تحددها

السلطة سلفاً.

أما وسائل الإعلام الغربية فإنها منذ بدء الانتخابات وهي تهول وتحذر من المد

الأصولي القادم الذي سيخرب البناء الجزائري، وسيعيد البلاد إلى عصور التأخر،

ولمحت بعض الصحف من جانب آخر إلى أن وصول الإسلاميين ربما يجعلهم

يهتمون بالسلاح النووي، وفي برنامج أسبوعيات الصحافة البريطانية، الذي أذيع

في يوم الجمعة 28/6/1412 هـ (3/1/1992م) نقل البرنامج العديد من وجهات

النظر البريطانية المتشنجة وفيها صحيفة (اليوربيان) التي أسسها اليهودي

(ماكسويل) ، التي نشرت تحليلاً يثير الخوف والهلع من استلام الإسلاميين، وقالت

بأن الجيش سيتولى الحكم وسيحكم مجلس مكون من جنرالين ورائد وهم وزير

الدفاع ووزير الداخلية ورئيس الشرطة السرية حتى لا يتمكن الإسلاميون من الحكم.

أما (الايكونومست) فقالت بأن الجزائريين لن يصمتوا حيال حكم مستبد جديد

بدل حكم مستبد سابق.

أما فرنسا فقد تعاملت في البداية بحذر يعكسه ما نسب إلى الأمين العام لوزارة

الخارجية حين قال: (إن بلاده تعتبر ما تشهده الجزائر قضية داخلية فرنسية نظراً

لامتداداتها داخل فرنسا، وأضاف بأن علاقاتنا بالجزائر ثابتة لا تتأثر بعوامل

ظرفية مؤقتة) . ويوضح الخلاف الحاصل في الوقت الحاضر بين فرنسا والحكومة

الانقلابية تحسس فرنسا من عدم ثبات النظام الجديد، وبالتالي لا تريد التورط معه

في علاقة تؤثر على مستقبل العلاقات، وقد يكون الانقلاب أمريكياً يقصد منه إبعاد

الإسلاميين وأيضاً النفوذ الفرنسي، ولا ننسى انقلاب عبد الناصر الأمريكي على

النفوذ البريطاني في مصر.

الموقف الإيراني:

كانت السياسة الخارجية الإيرانية ناجحة كعادتها في محاولة توظيف الأحداث

التي تحدث في العالم الإسلامي لصالحها، وقد استفادت إيران كثيراً من قضية

سلمان رشدي رغم أنها ركبت هذه الموجة متأخرة، وكانت الرابح الأكبر من حرب

الخليج وتحطيم العراق، وها هي تستفيد مما يعانيه السودان من ضيق اقتصادى،

وهي الآن تحاول الاستفادة من أحداث الجزائر وتوظيفها لصالح النفوذ المتزايد

لشيعة إيران، حيث تظهر بمظهر الحكومة الوحيدة التي تتبنى التحولات الحاصلة

نحو الإسلام. مع أنهم في الحقيقة لا يحبذون قيام حكومة سنية في الجزائر كشأنهم

مع أفغانستان، ولكنه موقف سياسي، وقد وقع 170 نائباً إيرانياً رسالة أوضحوا

فيها دعمهم الكامل للشعب الجزائري، ولذلك وصلت الأمور بين البلدين إلى سحب

الجزائر سفيرها في طهران، ولا يسعنا هنا إلا أن نقول للإخوة في جبهة الإنقاذ:

حذار من إيران.

جبهة الإنقاذ بعد الانقلاب:

من المؤكد أن ما جرى كان احتمالاً وارداً، ولكن الجبهة استفادت من الخيار

المطروح لتثبت للعالم أن الشعوب تريد الإسلام، وأيضاً تريد إحراج أدعياء

الديموقراطية في كل مكان وبالتالي كان تعاملها مع النظام الجديد بحكمة، فقد

حرصوا على أن لا يُجَرُّوا بالاستفزاز حين بدأ النظام بحملة اعتقالات القصد منها

استفزاز الجبهة لردة فعل تكون مبرراً لضربة عنيفة، وقد توجت هذه الحملة

باعتقال الشيخ عبد القادر حشاني الرئيس المؤقت للجبهة يوم الأربعاء 18 رجب

1412 هـ (22/1/1992م) بتهمة تحريض الجيش على التمرد، وكانت هيئة

الإذاعة البريطانية قد أجرت مقابلة معه قبل اعتقاله بقليل أوضح فيها أن الجبهة لن

تتخلى عن اختيار الشعب لها.

وإننا نرجو الله سبحانه وتعالى أن ينصر عباده المخلصين وأن تصمد

الجبهة أمام هذه الهجمة، وأن تستمر متماسكة وتعود أقوى مما كانت، وإننا على

ثقة بنصر الله، والله غالب على أمره، ولا ننسى قوله تعالى:

[يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ..] .

(1) الأسبوع العربي 6 / 1 / 1992.

ص: 83

كتب

أقوال العلماء في كتاب

إحياء علوم الدين

اختيار: أم قتيبة

إن كتاب إحياء علوم الدين للشيخ أبي حامد الغزالي المتوفى سنة (505 هـ)

رحمه الله وعفا عنه، وهو كتاب عرفه العامة والمثقفون والعلماء والجاهلون، وقد

كثرت فيه أقوال العلماء سلباً وإيجاباً، وقيل عنه بأنه يحتوي على أحاديث وآثار

ضعيفة بل موضوعة كثيرة، وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وترهاتهم، وقد رأيت

أن أورد أقوال بعض العلماء في هذا، الكتاب:

1-

الذهبي:

قال في (سير أعلام النبلاء)[1] :

(أما (الإحياء) ففيه من الأحاديث الباطلة جملة، وفيه خير كثير، لولا ما

فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية، نسأل الله علماً

نافعاً، تدري ما العلم النافع؟ هو ما نزل به القرآن، وفسره الرسول -صلى الله

عليه وسلم- قولاً وفعلاً

)

إلى أن قال معرضاً:

(وإياك وآراء عباد الفلاسفة، ووظائف أهل الرياضيات، وجوع الرهبان،

وخطاب طيش أصحاب الخلوات، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة، فواغوثاه

بالله، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم) .

2-

ابن كثير:

قال في (البداية والنهاية)[2] عن الغزالي:

(وصنف في هذه المدة كتابه (إحياء علوم الدين) وهو كتاب عجيب،

يشتمل على علوم كثيرة من الشرعيات، وممزوج بأشياء لطيفة من التصوّف

وأعمال القلوب، لكن فيه أحاديث كثيرة غرائب، ومنكرات، وموضوعات، كما

يوجد في غيره من كتب الفروع التي يستدل بها على الحلال والحرام، فالكتاب

الموضوع للرقائق والترغيب والترهيب أسهل أمراً من غيره.

وقد شنَّع عليه أبو الفرج ابن الجوزي، ثم ابن الصلاح، في ذلك تشنيعاً

كثيراً، وأراد المازري أن يحرق كتابه (إحياء علوم الدين) وكذلك غيره من

المغاربة، وقالوا،: هذا كتاب إحياء علوم دينه، وأما ديننا، فإحياء علومه كتاب

الله وسنة رسوله، كما قد حكيت ذلك في ترجمة من (الطبقات) ولقد زيَّف ابن

شكر مواضع (إحياء علوم الدين) . وبيّن زيفها في مصنَّف مفيد، وقد كان الغزالي

يقول: أنا مُزْجى البضاعة في الحديث..) .

3-

ابن تيمية:

قال في (درء تعارض العقل والنقل)[3]

(ذكر أبو حامد في كتاب الإحياء كلاماً طويلاً في علم الظاهر والباطن، قال: (وذهبت طائفة إلى التأويل فيما يتعلق بصفات الله تعالى، وتركوا ما يتعلق

بالآخرة على ظواهره، ومنعوا التأويل، وهم الأشعرية - أي متأخروهم الموافقون

لصاحب (الإرشاد) - قال: وزاد المعتزلة عليهم حتى أولوا كونه سميعاً بصيراً

والرؤية والمعراج وأنه لم يكن بالجسد، وأولوا عذاب القبر والميزان والصراط،

وجملة من أحكام الآخرة، ولكن أقروا بحشر الأجساد والجنة، واشتمالها على

المأكولات) .

قلت -أي ابن تيمية -،: تأويل الميزان والصراط، وعذاب بالقبر، والسمع

والبصر، إنما هو قول البغداديين من المعتزلة دون البصرية.

قال أبو حامد: وبترقّيهم إلى هذا الحدّ زاد الفلاسفة، فأولوا كل ما ورد في

الآخرة إلى أمور عقلية روحانية ولذات عقلية.

إلى أن قال: (وهؤلاء هم المسرفون في التأويل، وَحَدُّ الاقتصاد بين هذا

وهذا دقيق غامض لا يطَّلع - عليه - إلا الموفقون، الذين يدركون الأمور بنور

إلهي لا بالسماع، ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هم عليه، ونظروا إلى

السمع والألفاظ الواردة فيه، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه، وما خالف

أوَّلوه، فأما من يأخذ هذه الأمور كلها من السمع، فلا يستقر له قدم) .

قلت - أي ابن تيمية -: هذا الكلام مضمونه أنه لا يستفاد من خبر

الرسول صلى الله عليه وسلم شيء من الأمور العلمية، بل إنما يدرك ذلك كل إنسان بما حصل له من المشاهدة والنور والمكاشفة. وهذان أصلان للإلحاد فإنَّ كل ذي مكاشفة إن لم يزنها بالكتاب والسنة وإلا دخل في الضلالات.

وقال رحمه الله في (مجموع الفتاوي)[4] في معرض كلامه في الصفات

والأسماء ونقضه كلام الفلاسفة:

(وأبو حامد في (الإحياء) ذكر قول هؤلاء المتأولين من الفلاسفة وقال:

إنهم أسرفوا في التأويل، وأسرفت الحنابلة في الجمود، وذكر عن أحمد بن حنبل

كلاماً لم يقله أحمد، فإنه لم يكن يعرف ما قاله أحمد، ولا ما قاله غيره من السلف

في هذا الباب، ولا ما جاء به القرآن والحديث، وقد سمع مضافاً إلى الحنابلة ما

يقوله طائفة منهم، ومن غيرهم من المالكية والشافعية، وغيرهم من الحرف

والصوت. وبعض الصفات مثل قولهم: إن الأصوات المسموعة من القراء قديمة

أزلية، وإن الحروف المتعاقبة قديمة الأعيان، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا ويخلو

منه العرش، حتى يبقى بعض المخلوقات فوقه، وبعضها تحته، إلى غير ذلك من

المنكرات. فإنه ما من طائفة إلا وفي بعضهم من يقول أقوالاً ظاهرها الفساد، وهي

التي يحفظها من ينفر عنهم، ويشنع بها عليهم، وإن كان أكثرهم ينكرها ويدفعها،

كما في هذه المسائل المنكرة التي يقولها بعض أصحاب أحمد ومالك والشافعي، فإن

جماهير هذه الطوائف ينكرها، وأحمد وجمهور أصحابه منكرون لها.

4-

ابن الجوزي:

قال في (تلبيس إبليس) : [5]

وجاء حامد الغزالي فصنف لهم كتاب (الإحياء) على طريقة القوم، وملأه

بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بطلانها، وتكلم في علم المكاشفة، وخرج عن قانون

الفقه، قال: إن المراد بالكوكب والشمس والقمر اللواتي رآهن إبراهيم -صلوات

الله عليه- أنوار هي حُجُبُ عز وجل، ولم يرد هذه المعروفات! وهذا من جنس

كلام الباطنية!

وقال في (منهاج القاصدين)[6]

واعلم أن في كتاب (الإحياء) آفات لا يعلمها إلا العلماء، وأقلها الأحاديث

الباطلة الموضوعة، والموقوفة وقد جعلها مرفوعة، وإنما نقلها كما اقتراها لا أنه

افتراها، ولا ينبغي التعبد بحديث موضوع، والاغترار بلفظ مصنوع.

5-

محمد ناصر الدين الألباني:

قال في (سلسلة الأحاديث الضعيفة)[7] :

(وكم في كتاب (الإحياء) من أحاديث جزم بنسبتها إلى النبي - صلى الله

عليه وسلم - وهي مما يقول الحافظ العراقي وغيره فيها: لا أصل له) .

(1) 19/339.

(2)

12/180.

(3)

5/347.

(4)

17/362.

(5)

ص 186.

(6)

المختصر ص 3.

(7)

1/18.

ص: 92

الانصهار في حمأة التهلكة

د. عبد الله عمر سلطان

ما من يوم تطلع فيه الشمس، إلا يزداد اليقين بأن هذه الأمة أُتيت من مقتل،

وجوبهت من جهة ضعف، وتخاذلت عن صيحات التحذير، وآيات النذير

،

فالقرآن الكريم، منهجها الذي يجب أن تتحاكم إليه، مليء بأخبار المهالك، والفتن

وأسبابها، والسنة الكريمة أتت محذرة من الوهن وأسبابه، والضمور ومقدماته..

والإخلاد للدنيا والانغماس في حمأتها كان في معظم الأطوار البشرية نتيجة لتمكن

أمة وعلو كعبها وشأنها.. حتى إذا فرحت بما نالت وظفرت، كان ذلك سبب زوالها

وحقها

أما أمتنا اليوم، التي تفجر من تحت أقدامها خزائن الأرض فإنها حرقت كل

مراحل النصر والتمكين واكتفت بالنعم، كما ينقلب السفيه الأحمق في مال موروث

لم يبذل فيه عرقاً ولا أنفق فيه جهدا أو كدحاً.

نحن أمة عالة على ثروتها، وثروتها - ويا للبشاعة - خنجر يوجه إلى

صدرها لإغراقها في التافه والسطحي والهامشي حتى فقدت كل أسباب المنعة والقوة، وبدلاً من أن تكون هذه النعمة الموهوبة أداة بناء، كانت أداة هدم، وبدلاً من أن

ترقى إلى وسيلة تمكين، صارت قنطرة انكسار متتال.

نحن أمة حتى قرن مضى، كانت تعيش التكافل وتشعر بأحاسيس الجسد

الواحد..، وما إن انقلبت أعضاؤها في عصر الانحطاط إلى قبائل تسمى دولاً،

وعشائر تملك مقعداً في الأمم المتحدة، حتى غُذي لدى الأغنياء شعور العزة والأنفة

انطلاقاً من الثروة الزائلة، وغرس في يقين الضعفاء هذا الحقد المريع على إخوانهم

الميسورين لكونهم ميسورين

أصبح الغني لا يعرف قيمة سوى للدرهم

والدينار

والفقير لا يلهث سوى من أجل ذلك البريق

بل وفي غفلة وجهل

رضينا أن صارت دنانيرنا ودراهمنا أوراقاً خضراً نقش عليها الطاغوت الأمريكي عبارته الكاذبة (بالله نحن نثق In God We Trust) وأصبحنا لا نثق إلا بهذه الورقة القادمة عبر البحار

أليست التهلكة

كما رواها لنا أبو أيوب

حينما حمل رجل من المسلمين على الروم فقال الناس: مه مه، لا إ له إلا الله، يلقي بأيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب الأنصاري: إنما تأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة، أو يبلى من نفسه! ؟ إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، فلما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا: هلم نقيم في أحوالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى:[وأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ] فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها دون الجهاد، قال أبو عمران: - راوي الحديث - فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية.

التهلكة الإقامة والتركيز على مظاهر الزينة المنتفشة، وترك رسالة الله في

الأرض وحملتها يلاقون أبشع عصور السحق والاضطهاد.

التهلكة أن ترسم لنا جامعة ستانفورد (خطط التنمية) كما حصل في بعض

الدول العربية، ومن ثم تضع وزارات التخطيط زوراً اسمها على هذه الخطط

التهلكة أن تهجم الأمة بلا ضابط ولا رادع نحو بيع العينة والأخذ بأذناب البقر، والرضى بالزرع، وترك الجهاد.

التهلكة أن تصبح أمتنا نهباً للأعداء وعملائهم من البيادق المحلية الذين سقوا

أمتنا المر والعلقم، حتى أصبحنا كالقصعة تماماً والتي يحيط بها الواهنون من غثاء

الأمم.

التهلكة أن تتحول آلاء الله ونعمه إلى وسيلة انتحار بطيء نتجرعه بحبور

وننتظر مزيداً منه في مرحلة الغيبوبة التي لا بد أن تنجلي! !

ص: 97