المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العلماء علماء الدين في الإسلام ما الفخر إلا لأهل العلم أنهم … - مجلة الحقائق - جـ ١

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌العلماء علماء الدين في الإسلام ما الفخر إلا لأهل العلم أنهم …

‌العلماء

علماء الدين في الإسلام

ما الفخر إلا لأهل العلم أنهم

على الهدى لمن استهدى أدلاء

وقد كل أمرئ ما كان يحسنه

والجاهلون لأهل العلم أعداء

ففز بعلم تعش حياً به أبداً

فالناس موتى وأهل العلم أحياءُ

العلماء حياة الشعب وظل الله في الأرض وركن الدولة. وفريق الهدى، وأعضاد الملة، وحضنة الإسلام. قال الله تعالى (أنما يخشى الله من عباده العلماء).

حكمة بالغة تعجز أفاضل الكتاب عن أن يلموا باطرافها أو يصوروا بعض معانيها أولو دأبو السنين العديدة. وكتبوا المجلدات الضخمة. تنزيل من رب العالمين.

تصور أيها القارئ ما أفادته هذه الآية من تعظيم أمر العلماء وتبين مقامهم المحمود. حصرت خشية الله بهم ومعنى الخشية الرهبة من الله والخوف من عقابه.

صفة جليلة إذا تخلق بها الإنسان ائتمر بأوامر الله. وانتهى عن مناهبه. وهناك الخير العظيم. والنفع العميم. ثم أرجع البصر إلى ما الزم الله به عباده. وما فرض عليهم التباعد عنه تجده غاية في الرقيّ. ونهاية في المدنية. وقانوناً كافلاً لسائر أسباب النجاح.

لنأت بهذا الرجل الذي خصه الله بخشيته وآتاه الحكمة. وعلمه مما يشاء. ثم لنجله في هذا المجتمع الإنساني مجده هو (والله) حامل تلك الصفات التي يتلمسها علماء العمران. طهارة وجدان. وبراءة ذمة. وأناة وحلم. وأنصاف وعدل. ورفق وإحسان وتباعد من الظلم. واستنكاف من الباطل. ونبذ للرشا. ومحافظة على الحقوق قدر الجهد ونهاية الاستطاعة إلى غير ذلك مما نتصوره من الصفات العالية والأخلاق الفاضلة الكبيرة. وهي كلها على التحقيق فرع لخشية الله والإئتمار بأوامره. اللهم علمنا مدارك التأويل.

كان الصدر الأول أيام كان الإسلام يشرف من أعلى قمم المجد ويخضع لسلطانه كل جبار عنيد. ظرفاً لإعزار العلماء ونفوذهم حتى أن الخلفاء كانوا يغشونهم في دورهم لسماع الوعظ وافرشاد كما وقع للرشيد مع ابن عبينة. وكان حكمهم فوق كل حكم. وكلمتهم تعلو كل كلمة. تدنو لهم رقاب الملوك. وتعنو لهم الخاصة والعامة وشواهد هذا في التاريخ كثيرة فقد حكى المؤرخون أن بني أمية لم يكونوا ليقطعوا أمراً إلا برأي علماء المدينة وذكر

ص: 12

الفخري أن الرشيد قد صب الماء على يدي أبي معاوية الضرير وهو يغسل وروى صاحب طبقات الأدباء أن الأمين والمأمون ولدي الرشيد تنازعاً في حمل نعل أستاذهما الفراء وتقديمها له حتى اصطلحا على أن يقدم كل منها واحدة.

كذلك كانوا يكرمون العلماء الحقيقيين ويجلونهم

استقام الأمر على ذلك مدة مديدة ثم طرأ على مركزهم التزلزل والانحطاط كما طرأ على المسلمين. وكان العامل الأقوى في هذا السقوط انخراط شرذمة من الجهلاء وأهل الأهواء في هذا السلك الشريف. أخذوا يدجلون على العاملة ثم التفوا حول المراء والملوك فجاورهم في أهوائهم وزينوا لهم سيئاتهم وقضوا لهم فيما يشتهون.

أضف إلى ذلك ما جرت عليه الأمة من ذلك الحين. وأنها كانت إذا مات العالم وخلفه جاهل أفضت بالأمر إليه وأفرغت الدروس عليه كان العلم عقار أو مال أو متاع، وهكذا أخذ الجهال وظائف العلماء ولم يبق مرغب في العلم ولا داع إليه ولا حامل عليه.

فسدت الأخلاق. وراج النفاق. وانقلب العز ذلاً، والعلم جهلاً. وصارت علماء الدين مرمي للسهام. ومشحذة للأقلام. بعدما كانوا في منزلة تقر بها عيون الدين. وتنشرح لها صدور المسلمين عظم الأمر وعم الخطب وبلغ التحامل على العلماء مبلغاً لم يعهد من قبل حتى قام بعض الكتاب ممن أولعوا بالتقليد العمى للغربيين ينددون بالسلطة الدينية. ويطلبون فصل السلطتين الدينية والسياسية. مدّعين أن الدين إذا خالط السياسية أفسدها إلى غير ذلك من المزاعم الباطلة وخزعبلات القول ذلك لأنهم رأوا أن الغربيين ينتقدون السلطة الدينية ويطلبون القضاء عليها لأنهم ذاقوا من تلك السلطة ما أظهر لهم أنها تحول دون رقيهم العقلي فقلدوهم على غير هدى. (وهكذا الأمم المنحطة تتشبه بالأمم الراقية. ولو فيما لا ينطبق على مصالحا) اللهم أرزقنا استقلالاً في الفهم على رسلكم أيها الكتاب لا سلطة في الدين الإسلامي إلا للشرع، أن العالم ليقضى بين الناس ويصدر الفتاوي (هذا حلال وهذا حرام) ويأمر بالمعروف. وينهى عن المكر. ويهذب العامة. ويرشد الخاصة. وهو المرجع في الحيرة والمرجو لدفع الشبه عن المسلمين.

لا سلطة ولا تسلط. ولا غفران ولا حرمان إنما هي رتبة خوله إياها العلم. وقضت له فيها الحكمة.

ص: 13

أيها الكاتبون: أن الدين الإسلامي هو دين الشورى دين المدنية، دين الحضارة. هو الدين وحده الذي يصلح أن يكون شريعة دائمة. وهداية عامة للبشر فكونوا يداً واحدة على نشر هذا الدين المبين. والصراط المستقيم. وما نشره إلا بإعزاز علمائه والسعي وراء رقيهم وإيجاد الوسائل لنشر التعليم الديني بين طبقات الأمة ليذوقوا طعم الإسلام وينبذوا من يريد تفريق حكمتهم باسم الدين تارة وباسم الجنس أخرى وليعلموا أن الشريعة الغراء تقضي بالاتحاد والائتلاف. والتكافل والتضامن. لتعيش الناس وادعين آمنين وفق الله الأمة لما فيه صلاحها.

ص: 14