المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الانتقاد الصحف والصحافيون ماذا أقول في الصحف الصادقة وما ينبغي أن أقول. - مجلة الحقائق - جـ ١

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌الانتقاد الصحف والصحافيون ماذا أقول في الصحف الصادقة وما ينبغي أن أقول.

‌الانتقاد

الصحف والصحافيون

ماذا أقول في الصحف الصادقة وما ينبغي أن أقول. أن القلم ليعجز والفكر ليمل دون ان يعرف ما لها من الفضائل أو يوفيها حقها من الثناء إذا كانت الأمور تشرف بشرف غاياتها وتعظم بعظم ثمراتها كان للصحف المفيدة من الكرامة أعظم وأوفر نصيب ذلك من حيث أن الوطن ومستوطنيه إذا غشيتهم غاشية ظالم. أو حقت عليهم كلمة آثم. لم يكن لهم موئل يئلون إليه. ولا منهل يتواردون عليه غير تلك الصحف النافعة الآخذة على عهدتها القيام بخدمة الوطن والانتصاب للذب عنه. وضعت الصحف لتبحث فيها يعود بالمنفعة العامة على هذا النوع البشري فليست أقل فائدة من الكتب المحترمة بل لا فرق بينهما إلا أن الصحف تنشر تباعاً والكتب تنشر دفعة واحدة ويشتمل الكتاب على بحث واحد والصحيفة على عدة أبحاث، فالمجموع من بحثها في الأخلاق أخلاقي، ومن بحثها في الدينيات كتاب ديني، ومن بحثها في الأدبيات كتاب إنشاء ومحاضرات الخ وضعت الصحف لتعرف الإنسان بماله وما عليه من الواجبات، لتعرفه أنه إنسان حر في أقواله. مطلق في أفعاله. لا سلطة ترهبه. ولا سيطرة تفزعه. اللهم إلا سلطة الشرع وسيطرة الدين وضعت الصحف لتعرف الإنسان أن الله تعالى برأه ليكون صوت رحمة على بني وطنه. وخيراً محضاً لبلاده. لا راحة له إلا أن رقت. ولا هناء له إلا أن علت لتعرفه كيف يصاحب ولمن يجانب، وكيف يسوس أهله، ويربي أولاده. ويعلمهم ويزكيهم ويهذبهم ويرشدهم وضعت الصحف لتطلع الإنسان على أحوال الناس وآرائهم وعاداتهم وأخلاقهم ليطرح الخبيث ويتحلى بالجيد ويقرب من العلماء ويبتعد عن السفهاء وضعت الصحف لتربي في الإنسان ملكتين أدبية وأخلاقية يتعرف بالأولى صحيح الكتابة من فاسدها وغثها من سمينها ويعتقد بالثانية أنه مدين لدينه بدين يجب وفاؤه وحق يلزم قضاؤه، نحن نجل الصحيفة بالوصف السابق ونقدرها قدرها ونرى أنها الدالة على حضارة قومها، وترقي آلها، وأنها يد البأس وعضد المسكين، ولسان الخائف، وساعد المظلوم، وأنها تاريخ عام للمحسن والمسيء، تنتقد للإصلاح وتسير على نهج الفلاح، تصدع بالحق ولو آلمها وتجهر بالصدق ولو جرحها، تبحث فيما تعلم، وتصدف عما لا تعلم وأنها للوطن كالغيث ينتفع منه الكبير

ص: 17

والصغير، والغني والفقير ولكنا نعترف بأن أكثر صحفنا اليوم خرج عن هذا الوضع، وتباعدت عن هذا الوصف، فاستبدل أصحابها المفاسد بالفوائد والمضار بالمنافع، يهتون عرض هذا، ويأكلون لحم ذاك، ثم لا يكفيهم هذا حتى يدعى أحدهم أنه رب الحرية وزعيمها، وشيخ المسائل العمومية وأميرها، وأن لا غرض له في ثلب أعراض الناس وهتكها إلا إظهار الحقيقة، وخدمة الوطن، أمثال هؤلاء المتهورين أخرجوا الصحف عن وضعها وساروا بها في غير مسيرها ففرقوا الكلمة والصحيفة وضعت لجمها، ونفروا القلوب والصحيفة أنشأت لإئتلافها وعاثو في الأخلاق والصحيفة أسست لإصلاحها، وأماتوا اللغة والصحيفة وجدت لإحيائها، ولذلك كثر عدد عذالها، ونما جمع لوامها، وانقسم الناس فيها شيعاً وأحزاباً، فمن حادث عليها موجب لقراءتها، ومن مانع منها محرم لها، لا لوم على المانع، ولا حرج على المحرم، فإن الصحف بخروجها عن وضعها الأصلي صارت محط الصفات الذميمة، والأخلاق السافلة، يفتتح الإنسان الصحيفة من صحف اليوم فيرى من أخبارها أن فلاناً قد تولى المنصب الفلاني وهو خير كفوء له، وأحق قائم يقوم به لما له من الهمة الفائقة، والفكرة الصادقة، والخبرة والمعرفة والدهاء والذكاء، وحسن الإدارة والسياسة، وصدق القول، وطهارة الوجدان، وغير ذلك مما يدهش القارئ والسامع، والعالم والجاهل، ثم لا يكاد يتم سروره حتى يتناول بعد أيام عدد آخر من تلك الصحيفة فيراها تقول أن فلاناً (الممدوح بالأمس) قد جرد من منصبه وهو رديء الحال، سيئ السمعة، طائش الفكرة، عديم المعرفة، مبغض للخير، عدة للمعارف، هناؤه في شهوته، وراحته في لذته إلى غير ذلك من الوصاف الدنيئة، والنعوت الوضعية التي توجب على القارئ أن يحكم بداهة بتكذيب أحد الخبرين أن لم نقل بكليهما زد على ذلك ما إذا مر نظره على تلك الأخبار الواهية التي يتناقلها أكثر الصحافيين ولا يعلمون لها سنداً أو تلك الأسطر المشوشة للأفكار. الصدعة للخواطر الصغيرة حقيقتها ترجمتها، أو تلك المبالغات والزيادات التي أفسدت خلق الناشئة وهونت الغلو عليها، أمثال هذه السيئات اضطرت المانع أن يمنع والمحرم أن يحرم والقارئ أن يقيس الصحف بمقياس واحد ويحكم بهذا الحكم على سائر الصحافيين ولا يسعنا وأكثر الصحف مصبوغ بهذه الصبغة أن نصوب نحو هذا المندد سهم الاعتراض، ونصلت عليه سيف الانتقاد بل الواجب أن نتدارك ما فرط به بعضنا وننصح

ص: 18

لله جهدنا أملاً بأن يرجع إلى الخطة القويمة والطريقة المستقيمة وإلا فنعده في زمرة المفترين، والقوم المفسدين، وبذلك نخدم الصحافة والصحافيين ونبين فضلهما للناس أجمعين.

ص: 19