المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الأخلاق1 إنما بثت لأتمم (مكارم الأخلاق) أول واجب على من أراد سعادة - مجلة الحقائق - جـ ١

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌الأخلاق1 إنما بثت لأتمم (مكارم الأخلاق) أول واجب على من أراد سعادة

‌الأخلاق1

إنما بثت لأتمم (مكارم الأخلاق)

أول واجب على من أراد سعادة هذه الأمة أن يسعى بتهذيب أخلاقها وعبثاً يحاول المصلحون العروج إلى الرقي والنجاح من غير هذا الطريق، وفي هذا الحديث دلالة على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أرسلوا بمكارم الأخلاق وأن الرسول متمم ما نقص. وجامع ما تفرق، وفي هذا مع ملاحظة الحصر بإنما من تعظيم قدر الأخلاق ما لا يقدره حق قدره لسان القلم، وقد أصبحنا في زمن نسى أو تناسى فيه المسلمون أخلاقهم تلك الأخلاق التي كانت سبباً لانتشار الدين الإسلامي في أكثر بقاع الأرض بسرعة لم يعهد لها نظير في تاريخ الأديان، صدق في الأقوال وإخلاص في الأعمال وتفان في نصرة الحق (وتعاون على البر والتقوى) قامت هذه العدد المعنوية أمام المعاقل والحصون، والقلاع والأبراج، وغالبتها فغلبتها، ودكت عروش الجبابرة، وهدمت صروح القياصرة، سنة الله في من استرشد بآياته، وتمسك بما أمر به، هذا حال المسلمين في زمن قلتهم وضعفهم. وضيق ثروتهم. فكيف حالهم اليوم نبذوا أوامر الله ظهرياً. واتبعوا أهوائهم، وانكبوا على شهواتهم، وساد فيهم الجهل بالدين وأصوله فبعدوا عن الفضائل، وتحلوا بالرذائل فأخذهم الله ببعض بذنوبهم (أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) كان سلفنا يقول هذا حلال وهذا حرام، وهذه فضيلة، وتلك رذيلة. وميزانهم الشرع ومرجعهم كتاب الله وسنة رسوله فأصبح الخلف يحكمون حكمهم. والميزان الشهوات. والمرجع الأهواء. وبعد أن كان (الحق) و (العدل) و (الأنصاف)(والانتصار للدين) وهكذا سائر الفصائل حقائق لأمور معلومة بينها الشارع ومحصها حتى لم يدع سبيلاً للاختلاف في حقيقتها. أصبحت اليوم تطلق لمعان اصطلاحية (ولا مشاحة في الاصطلاح) فالتهور شجاعة أدبية. والجبن أناة. والوقاحة حرية ضمير. والبعد عن آداب الدين تمدن والتمسك بالفضائل جمود. والقصد والاعتدال في الأمور تعصب.

كتبت إحدى المجلات العلمية صورة كتاب ورد لأحد العلماء من صديق له بأميركا وقدم ذلك العالم بين يدي نجواه مقدمة يبين بها فائدة نشر هذا الكتاب يقول فيها بعد كلام طويل (حتى إذا رأيته نافعاً تتكرم بنشره ليرى الناس كيف يعيش ذلك الشعب الراقي في بحبوحة

ص: 15

السعادة والراحة والغنى إلى أن قال وكيف يعلم الشعوب دروس الآداب العالية والعلم الصحيح الخ)، تقرأ ذلك ثم تقرأ الكتاب فترى من جملته (أما محال التمثيل فإنها مرتقية أكثر من أوربا وأرخص أجوراً حتى أنك لترى في بعض الملاعب مائة فتاة يرقصن معاً وأجور الفرجة رخيصة للغاية) فأنظر يا رعاك الله إلى أي درجة وصلنا من الانحطاط في الأخلاق حتى صار من يدعي في عرف المجلات عالماً ألمعياً يرى أن رقص مائة فتاة بأجور رخيصة من دروس الآداب العالية والعلم الصحيح. اللهم أن هذا نهاية الخذلان.

نام علماء الدين عن وظيفة الإرشاد فقام من ليس في العير ولا في النفير يدعون مقام المرشدين. ووظيفة المصلحين يسيطرون على الأمة في دينها وأخلاقها، وان كانوا خلواً من كل فضيلة. يقولون نحن قادة الأمم إلى خيرها نحن منقذوها من ظلمة الهمجية إلى نور التمدن نحن نحن. . ووجدانهم يكذبهم و (الحقائق) تتبرأ منهم والله من ورائهم محيط.

رأوا أن بضاعتهم من العلم مزجاة فتلمسوا طريقة لأن يروق سعيهم في نظر العامة فلم يجدوا سوى تقيص العلماء واحتقارهم ليوهموا السذج أنهم كما يدعون وفوق ما يصفون. هذه مقدمة خطتهم في وضعهم أنفسهم أمام العامة موضع المصلحين. ثم يعمدون إلى إرضائهم بأن يدخلوا في الدين ما تميل إليه نفوسهم وترغبه شهواتهم، فيجعلوا من الحرام ما يهذب الأخلاق، ومن الرذائل ما يرفع إلى أوج الحضارة، والنفوس (إلا من هذبه العلم) مجبولة على حب الإطلاق ومن دعا إليه وأن كان فيه شرها وتدهورها إلى حضيض الذل والهوان.

اللهم أكثر في هذه الأمة دعاة الخير والإصلاح الحقيقي ولا نحتاج إلى الدعاء على دعاة الشر بالانقراض فإنهم متى آنسوا أن صاحب البيت طلبه قوضوا خيامهم ورضوا من الغنيمة بالأياب ومن أين للظلام أن يثبت مع الشمس أو للجهل أن يقاوم العلم أو للتمويه أن يصادم الصدق وإنما يظهر الباطل في غفلة الحق عنه والحق أبلج والباطل لجلج وقل جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقاً.

ص: 16