الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين الإسلامي والتوحيد
القضاء والقدر
10
القضاء إرادة الله تعالى الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال والقدر إيجاده تعالى الأشياء على وفق علمه وإرادته فكل حادث في الكون بقضاء الله وقدره وللعباد اختيارات جزئية قابلة للتعلق بالضدين الطاعات والمعاصي تسمى بالكسب وهي مناط الثواب والعقاب ومدار التكليف الشرعي وقد جعلها الله تعالى شرطاً عادياً لخلقه أفعال العباد بمنزلة الأسباب العادية كالسكين للقطع والنار للإحراق وكون أفعال العباد بعلم الله تعالى وإرادته لا ستلزم كون صدورها منهم بالجبر كما زعمت (الجبرية) القائلون بأنه لا فعل للهبد أصلاً وأن حركاته بمنزلة حركات الجمادات لا قدرة للعبد عليها ولا قصد ولا اختيار وهو مذهب باطل لانا نفرق بالضرورة بين حركة البطش وحركة الارتعاش ونعلم أن الأول باختيار دون الثاني ولأنه أو لم يكن للعبد فعل أصلاً لما صح تكليفه ولما ترتب استحقاق الثواب والعقاب على أفعاله ولما ورد الأمر بالعمل في الكتاب العزيز والسنة الصحيحة قال تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) وقال تعالى (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) وقال رسول صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكل مسير لما خلق له على غير ذلك من الآيات والأحاديث ويؤيد ذلك أيضاً ما روي أن عمر رضي الله عنه آتي بسارق فقال له ما حملك على السرقة فقال قضاء الله وقدره فقطع يده فحسمت ثم آتي به فجلده فقال له عمر قطعت يدك لسرقتك وجلدتك لكذبك على الله تعالى.
وما روي أن شيخاً من أهل الشام حضر صفين مع علي رضي الله عنه فقال له أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله وقدره فقال له نعم يا أخا أهل الشام والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئاً ولا هبطنا وادياً ولا علونا تلعة إلا بقضاء من الله وقدرة فقال الشامي فعند ذلك احتسب عنائي يا أمير المؤمنين وما أظن أن لي أجراً في سعيي إذا كان الله تعالى قضاه عليّ وقدره فقال له علي أن الله تعالى قد أعظم الأجر على مسيركم وأنتم سائرون وعلي مقامكم وأنتم مقيمون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم
مكرهين ولا إليها مضطرين ولا عليها مجبورين فقال الشامي وكيف ذلك والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا وانصرافنا فقال على ويحك يا أخا الشام لعلك ظننت قضاء حتماً لازماً وقدرا حاتماً جازماً لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد والأمر من الله والنهي وما كان المحسن أولى بثواب الإحسان من المسيء ولا المسيء بعقوبة الذنب من المحسن تلك مقالة عبدة الأوثان وحزب الشيطان وخصماً الرحمن وشهداً الزرر وقدرية هذه الأمة ومجوسها أن الله تعالى أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً وكلف يسيرا ولم يكلف عسيرا ولم يرسل الأنبياء لعبا ولم ينزل الكتاب عبثاً ولا خلق السموات والأرض باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار فقال الشامي وما القضاء والقدر اللذان ساقانا وكان مسيرنا بهما وعنهما فقال علي الأمر من الله بذلك ثم تلا قوله تعالى (وكان أمر الله قدراً مقدوراً) فقام الشامي فرحاً مسروراً لما سمع من المقال وقال فرجت عني فرج الله عنك.
إذا تبين هذا عرفت فساد ما يتقوله المتفرجون على الدين الإسلامي من أن الاعتقاد بالقضاء والقدر يقعد عن العمل، ويورث الفتور في العزائم وأنه السبب الوحيد في انحطاطو المسلمين والعقبة الكؤد في سبيل رقيهم.
تالله أنهم أعظموا الفرية وتجاوزوا واحد الاعتدال بتقولهم على الإسلام والمسلمين ما هم منه براء. إلا فليقصر هؤلاء المتحرضون على الدين الإسلامي ولينظروا على ما فعله المسلمون في زمن قصير ومدة يسيرة مع قلة عددهم وعددهم وكيف نهضوا نهضة لم يسبق لها مثيل في التاريخ حتى دخلوا الدول وقهروا الأمم وفتحوا البلاد وإذا والأكاسر وأرغموا القياصرة وكانت عقيدة القضاء والقدر من أكبر الأسباب الباعثة على أقدامهم واقتحامهم تلك المشاق العظيمة عقيدة القضاء والقدر أصل من أصول العقائد الإسلامية وركن من أركان الإيمان وهي من المسائل العظمى التي تستدعي إقامة الإنسان على منهاج الفطرة بالاستسلام إلى خالقه والرضوخ لأحكامه والرضا بتدبيره ولا يستقيم إيمان المرء حتى يعتقد من صميم قلبه اعتقاداً جازماً لا يعتريه شك ولا يشوبه تردد بأن الله تعالى قدر الخير والشر وأن جميع الكائنات بقضاء الله وقدره وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه عقيدة القضاء والقدر تطبع النفوس على الثبات والسكينة وتؤثر في القلوب
الراحة والطمأنينة وتزحزح عن الأفئدة غيوم القلق والاضطراب وتسهل على الخلق صعوبات الحياة ومرارة العيش كما أنهم تبعثهم على احتمال المكاره ومقارعة الشدائد وتهون عليهم مصادمة الأهوال واقتحام المهالك وتأخذ بهم إلى مصاعد الكرامة ومعارج العز والسعادة وهي نعم المسلي عند حلول المصائب واشتداد النوائب وأقوى باعث للإنسان على ملازمة الصبر عند تفاقم الأحزان وتراكم النوازل وأكرم مرشد على الاعتصام بالخالق في المخاوف والالتجاء إليه في المعاطب من فقدها فقد طيب الجياة وعاش في الدنيا مهينا قال صاحب العروة الوثقى ما نصه أنه ما وجد فاتح عظيم ولا محارب شهير ثبت في أواسط الطبقات ثم رقى بهمته أعلا الدرجات فذللت له الصعاب، وخضعت له الرقاب، وبلغ من بسطه ما يدعو إلى العجب ويبعث الفكر على طلب السبب إلا كان معتقداً بأن الأمور تجري بقضاء وقدر وهذا أمر يعترف به طلاب الحقائق فضلاً عن الواصلين وأن بعض حلماء الإفرنج وعلماء سياستها التجأوا إلى الخضوع لسلطة القضاء والقدر وأطالوا البيان في إثباتهما ولسنا في حاجة إلى الاستشهاد بآرائهم. أهـ