الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين الإسلامي والتوحيد
تابع ما قبله
أسس هذا الدين على أصول وفروع، أما أصوله فتوحيد الله عز وجل وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به وهذا (أي التوحيد) هو الأصل الذي ترجع إليه سائر الأصول، والقطب الذي تدور حوله جميع أفلاك العقائد الدينية، وأما فروعه فالاقتداء بالقرآن العظيم، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. وأمتثال المأمورات واجتناب المنهيات والشفقة على عباد الله تعالى. وكف الأذى عنهم، وبذل النصح لهم إلى غير ذلك التوحيد هو أفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتاً وصفات وأفعالاً وهو الغاية العظمى والنهاية القصوى، من بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام الحكام الشرعية منها ما يتعلق بكيفية العمل ومنها ما يتعلق بالاعتقاد فالعلم المتعلق بالأولى يسمي علم الشرائع والأحكام، والمتعلق بالثانية يسمى علم التوحيد والصفات. وهو ما يبحث فيه عن ذات الله وصفاته وأحوال الممكنات في المبدأ والمعاد. ولذا كان أشرف العلوم.
انقسمت مباحث هذا العلم ثلاثة أقسام، في الإلهيات، وهي المسائل المبحوث فيها عن الآله من حيث صفاته، لا من حيث ذاته، للإجماع على عدم وقوع معرفة الكنه فإن الحادث يقصر بالطبع عن عظيم هذا المقام (سبحان من لا يعلم كنهه غيره) والعجز عن ذات الله إدراك والبحث فيها إشراك والثاني في النبويات وهي المسائل المبحوث فيها عن حقيقة النبوة وعن ما يجب للأنبياء، وما يجوز وما يمتنع، والثالث في السمعيات وهي المسائل التي لا تعرف إلا من طريق السمع ولا تؤخذ إلا من الأدلة النقلية كالصراط والميزان ونحو ذلك.
أبحاث الإلهيات يتوقف الشروع فيها على معرفة ثلاثة أشياء، الوجوب والاستحالة والجواز، وهي أقسام المعلوم، فالواجب ما لا يتصور في العقل عدمه كصفات الله تعالى والمستحيل ما لا يتصور في العقل وجوده كالجمع بين النقيضين. والجائز ما يصح في العقل وجوده وعدمه كهذا العالم.
الواجب لله تعالى من الكمالات لا نهاية له لكن بعضه نصب لنا دليل على خصوصه فوجب علينا معرفته تفصيلاً وهو الصفات العشرون وبعضه لم ينصب لنا دليل عليه
بخصوصه فوجب علينا معرفته إجمالاً لعدم ما يدل على تعينه.
الصفات العشرون الواجبة له تعالى هي الوجود والقدم والبقاء والمخالفة للحوادث والقيام بنفسه والوحدانية والقدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام وكونه قادراً مريداً عالماً حياً سمعياً بصيراً متكلماً.
الوجود
لاشك أن الإنسان إذا أعمل الفكر في عجائب مصنوعات الله تعالى اضطر إلى الحكم بأن هذه الموجودات مع هذا الترتيب المحكم لا تستغني عن صانع أوجدها من العدم، وحكيم رتبها على قانون أودع فيه فنون الحكم، قال إعرابي وقد سئل ما الدليل على وجود الصانع أثار القدم تدل على المسير فهيكل علوي ومركز سفلي إلا يدلان على اللطيف الخبير ووقف قس ابن ساعدة الأيادي يعظ قومه في سوق عكاظ فقال يا أيها الناس اجتمعوا واسمعوا وعوا. وأن وعيتم شيئاً فانتقعوا. أن من عاش مات ومن مات فات. وكل ما هو آت آت. مظرونبات. وأرزاق وأقوات. وجمع وأشتات. وآيات بعد آيات، إن في السماء لخبرا، وفي الأرض لعبرا. نجوم تمور وبحار تغور. وسقف مرفوع. ومهاد موضوع. أقسم بالله قسماً. لا حانثاً ولا آتماً. أن الله ديناً أحب من دينكم. ونبياً قد أظلكم أوانه. وأدرككم أبانه. فطوبي لمن أدركه فآمن به وهداه. وويل لمن خالفه وعصاه ثم قال ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون. أرضوا بالمقام فأقاموا. أم تركوا هناك فناموا. يا معشر بني آدم أين الآباء والأجداد. أين المرضى والعواد. طحنهم الثري بكلكله ومزقهم الدهر بتطاوله كلا بل هو الله الواحد المعبود. ليس بوالد ولا مولود. وقال أبو حنيفة رحمه الله وقد همّ بقتله جماعة ممن أنكروا الآله هل يعقل أن سفينة مشحونة بالإحمال. مملوءة من الأثقال. قد احتوشها في لجة البحر أمواج متلاطمة وزياح مختلفة وهي من بينها تجري مستوية بلا اضطراب، لا ملاح لها يجريها. ولا متعهد يدفعها. قالوا لا هذا شيء لا يقبله العقل. فقال أبو حنيفة يا سبحان الله إذا لم يجز في العقل جريان سفينة مستوية من غير متعهد ولا مجر فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها. وتغير أعمالها. وسعة أطرافها. وتباين أكنافها من غير وجود صانع فبكوا جميعاً ثم تابوا وانصرفوا.
وعلى هذا درست العقلاء إلا من لا عبرة بمكابرته من الدهرية والطبيعية اتفقت كلمة من
يعتد بقولهم أنه لا طريق لرقي الإنسان إلى أوج السعادة واقتحامه عقبات هذه الحياة إلا بالنظر في النفس والتأمل في ملكوت السموات والأرض. ليقف على حقائق الكون وطبائعه، فيزداد إيماناً بوجود الصانع وكمال تدبيره.
ليس المراد من النظر تقليب الحدقة فإن البهائم تشارك الإنسان فيه، ومن لم ير من السماء إلا رزقتها، ومن الأرض إلا غبرتها، فهو مشارك للبهائم وأدنى حالة منها وأشد غفلة (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل).
فعلم أن المراد من النظر التفكر في المعقولات، والنظر في المحسوسات والبحث عن حكمتها وتصاريفها لتظهر حقائقها وكلما أمعن الإنسان النظر فيها ازداد هداية ويقيناً ونوراً وتحقيقاً وعجائب السموات والأرض بحار لا تدري سواحلها، ولا تعرف أوئلها ولا أواخرها (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) ومع هذا كله نرى أن الإنسان إذا دهاه أمر، أو ألمت به ملمة، فلابد أن يفزع إلى مرجع يرجع إليه، ويعتمد في كشف بلواه عليه، فيستغيث به طبعاً وجبلة، لا تكلفاً وتصنعاً هذا كله مر كزوفى جبلة الإنسان العاقل ولكن أكثر الناس يذهلون عن ذلك في السراء ويرجعون إليه تعالى في الضراء (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا أياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم) فثبت بهذا أن عامة الناس ارتكز في طبائعهم وتمكن من نفوسهم من غير معلم أرشدهم، ولا اصطلاح وقع بينهم أن لهم خالقاً يدبر شئونهم وهم متساوون في هذا الاعتقاد مهما اختلفت طرائقهم ومشاربهم، وتضاربت آرائهم ونزعاتهم والرسل عليهم الصلاة والسلام لم يرسلوا ليعلموا الناس بوجود الصانع فإنه معلوم الوجود بداهة كما قدمنا وإنما أرسلوا عليهم الصلاة والسلام ليدعوا الناس إلى التوحيد كما تشهد آية (فاعلم أنه لا إله إلا الله).
الصيام
قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تنقون أياماً معدودات) أمر الله جبت حكمته عباده المؤمنين بالصيام وألزمهم به أعتناء بهم. وتفضلاً عليهم. ليطهرهم به من الآثام. ويحررهم من رق الشهوات ليخلقهم ببعض أخلاقه، ويلحق أوصافهم بأوصاف ملائكته، ليستخلصهم لنفسه، ويدخلهم حظيرة قدسه. ثبتت
فرضية صوم رمضان على المكلفين بالآية المتقدمة وبقوله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة إن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة، وأيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، وعلى هذا انعقد الإجماع فيكفر جاحده ويستحق عذاب النار تاركه.
(مسئلة)
الصوم هو الإمساك عن جميع المفطرات من الصبح إلى الغروب بنية مخصوصة وهاك نبذة من المفطرات أثبتناها هنا لكثرة طروها، وشدة الحاجة إليها، وهي الأكل والشرب والجماع، واستعمال الدخان، والسعوط. والاحتقان وسبق الماء إلى الفم أو الأنف في المضمضة والاستنشاق. وتعمد القيء ولو دون ملء الفم. وإعادة ما غلبه منه بصنعه. إذا كان ملء الفم. وأكل ما بين الأسنان إذا كان قدر الحمصة. واستعمال هذه المفطرات أو أحداها عمداً بعدما صدرت نسياناً أو مع الشك في طلوع الفجر والحال أنه قد طلع أو مع ظن أن الشمس غربت وهي لم تغرب. إلى غير ذلك مما يجب على الإنسان طلبه من محاله مهما وجد داعية إليه.
ليس الصيام كما يظن من خصوصية أمة (محمد) صلى الله عليه وسلم بل هو عام في جميع الأمم. حضت عليه الأنبياء وحثت عليه عامة الشرائع لما له من المنافع الدينية والدنيوية. والفوائد الصحية والأدبية. حسبك من مناقبه أن الثواب عليه بعيد من مظان الحصر. وخارج عن دائرة التقدير. إذ كان متميزاً بخاصية نسبة إليه تعالى. لا يدانيه فيها غيره من جلائل الأعمال. ولا يشابهه فيها سواه من عظائم الخصال قال الله تعالى في الحديث القدسي كل حسنة بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به وأنه الغاية التي يرمى إليها كبار الأطباء في حفظ الصحة. والأمر الجامع لتقوية الجسم ونشاطه. وأنه من الدروس العالية في الأخلاق، تنكسر به شهوة النفس. وتضعف سيطرتها وفي ذلك من الفوائد ما لا يخفى. ضعف سيطرة النفس ويقلل الذنوب. ويكسب الإنسان ميلاً إلى الحق. ورغبة في الأنصاف. وبعداً عن كل ما يعيب. حتى أنه لا يهمز ولا يلمز. ولا يعتوا ولا يتعجرف بل يكون لين الجانب سهل الانقياد. (سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى. سمحاً إذا قضى. سمحاً إذا استقضى) لا يظلم ولا يخون. ولا يؤذي أحداً من خلق
الله، الصيام كما أنه يكثر شهوة النفس ويذهب بسيطرتها يسبب صفاء القلب. وسعة الفكر. وطيب السريرة. ويبعث في النفس رحمة تضطر الصائم إلى النظر في حال أولئك الضعفاء المساكين وهو أحد أسباب مشروعية الصيام. فمن أدكر أن بعض الفقراء تلجئه الضرورة في أيام رمضان إلى الاقتصار على لون واحد من الطعام وبعضهم يضطره العدم إلى أن يبيت حزيناً طاوياً يقع في قلبه أثر هذه الرحمة ويشعر بمذاق ذلك الحنان. فتراه يحن على الفقير حنينه على جسده. ويعطف إليه عطفه إلى ولده وبذلك يستوجب رضاء الله ورحمته (الراحمون يرحمهم الرحمان تبارك وتعالى يكون متقبل العمل مكتوباً اسمه في ديوان الصائمين. أما من غفل عن أسرار الصيام وفوائده وظن أنه يحصل بمجرد ترك الكل والشرب وأن نام الإنسان ثلثي النهار وتناول الكثير من الأطعمة ليخفف وطئة الصوم ورفث وفسق وأكل الحرام. وسرح في ميدان الشهوات وأذى آله وجيرانه. ووقع في أعراض الناس. فليس لله حاجة في صيامه روى البخاري مرفوعاً (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) وجاء في بعض روايات الحديث السابق أمره صلى الله عليه وسلم الصائم بحفظ اللسان بقوله (إذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل فإن أمرؤ قاتله أو شاتمة فليقل أني صائم أني صائم) زد على هذا إن الغافل لم يعرف مقدار نعمة الله على عباده فإن من لم يذق ألم الجوع ولا يعرف مقدار نعمة وجود الطعام. وإن نفسه ضعيفة لم تعتد الصبر على تحمل المشاق. والرضا بالقليل عند فقد الكثير. وإنها النفس الشريرة التي تكره الطاعات. وترغب في الشهوات. وبذلك تقل الحسنات وتكثر السيئات ويكون هذا الرجل هو الذي لم ينله من صيامه إلا الجوع وتحمل الأوزار. وفقنا الله لمرضاته وألهمنا العمل بواجباته. مع فهم أسرارها. وجنى ثمارها. وأعاد علينا وعلى المسلمين أمثال هذا الشهر المبارك ممتعين بما يسر الصديق. ويكبت العدو. أمين.