المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التاريخ تابع ما قبله أبو بكر رضي الله عنه ومن يتدبر التاريخ - مجلة الحقائق - جـ ٢

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌التاريخ تابع ما قبله أبو بكر رضي الله عنه ومن يتدبر التاريخ

‌التاريخ

تابع ما قبله أبو بكر رضي الله عنه

ومن يتدبر التاريخ الإسلامي ويلاحظ الحوادث بعد رسول اله صلى الله عليه وسلم يعلم ما لأبي بكر رضي الله من الأعمال الخطيرة في سبيل التأيد مركز الإسلام.

فهو مسكن ما حدث بالصحابة يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. توفي رسول الله فأخذة الدهشة من الصحابة مأحذها حتى أن عمر رضى الله عنه جعل يهدد من يقول ان رسول الله قد مات إلى أن أتى أبو بكر رضي الله عنه وكان في أهله بالسنح بإذن من رسول الله صلى الله عليه فأقبل لايلوي على أحد حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة وهو مسجى في ناحية البيت عليه برد حبره فأقبل حتى كشف عن وجهه فقبله ثم قال بأبي أنت وأمي أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذاقتها ثم لن يصيبك بعدها موتة أبداً ثم رد الثوب على وجهه وخرج وعمر يكلم الناس فقال على رسولك يا عمر فأنصت بأبي ألا أن يتكلم فلما رأه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر فهمد الله وأثني عليه ثم قال أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. ثم تلا هذه الآية (وما محمد إلا رسول قد خلد من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقبلتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزى الله الشاكرين) قال أبو هريرة فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت على رسول الله حتى تلاها أبو بكر يومئذ قال وأخذها الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم قال عمر والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها فعقلت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله قد مات فلله هذه القلوب ما أسرع أوبتها وأعترفها بالحق ولله در أبي بكر وأشد ثباته وأقوى جأشه رضي الله عنهم أجمعين.

كان أبو بكر من أكبر العاملين على جمع كلمة الصحابة على الخلافة بعدما كادوا يتفرقون. اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة يتفاوضون بشئون الخلافة فنما الخبر إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فانطلاقا مسرعين خشية تغرق الكلمة فتكلم أبو بكر رضي الله عنه فأدلى بالحجة ثم قال إني أختار لكم أحد هذين الرجلين. عمر بن الخطاب وأبا عبيدة الجراح فقالا لا نتقدم عليك أنت أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في النار وخليفة

ص: 18

رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين.

ثم مد أبو بكر وعمر أيدهما كل منهم يريد أن يبايع صاحبه وكان عمر أقوى رجلين ففتح يد أبي بكر فبايعه وتتابع الناس على البيعة وكفى الله المؤمنين ما كان يخشى حدوثه من الفتنة وافتراق الكلمة.

وهو الذي انفذ جيش أسامة في ذلك الوقت الحرج ولم تفزعه المصائب ولن تقف في سبيل مضاء عزمته الخطوب. عن الحسن ابن أبي الحسن البصرة قال ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بعثاً على أهل المدينة ومن حولهم وفيهم عمر بن الخطاب وأمر عليهم أسامة بن زيد فلم يجاوز أخرهم الخندق حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف أسامة بالناس ثم قال لعمر أرجع إلى خليفة رسول الله فاستأذنه يأذن لي أن أرجع بالناس فإن معي وجوه الناس ولا أمن على خليفة رسول الله وثقل رسول الله وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون. وقالت الأنصار فإن أبي الآن نمضي فبلغه عنا واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلاً قدم سناً من أسامة. فخرج عمر بأمر أسامة فأتي أبا بكر فأخبره بما قال أسامة فقال أبو بكر لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاءً قضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن الأنصار أمروني أن أبلغك وأنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلاً أقدم سناً من أسامة فوثب أبو بكر وكان جالساً فأخذ بلحية عمر فقال له ثكلتك أمة وعدمتك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه فخرج عمر إلى الناس فقالوا له ما صنعت فقال أمضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت في سببكم من خليفة رسول الله، ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب وعبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر فقال أسامة يا خليفة رسول الله والله لتركبن أولأ نزلن فقال والله لا تنزل ووالله لا أركب وما على أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة فإن للغازي لكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة تكتب له وسبعمائة درجة ترفع له وترفع عنه سبعمائة خطيئة حتى إذا انتهى قال أن رأيت أن تعينني بعمر ففعل فإذن له ثم قال يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني لا تخونوا ولا تغلوا ولا تقدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا أمرأ ولاة تعقروا نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا

ص: 19

أنفسهم في السوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلم منها شيئاً بعد شيء فاذكروا الله عليها اسم وتلقون أقواماً قد فحصوا أوصات رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيف خفقاً اندفعوا باسم الله أقناكم الله بالطعن والطاعون وعظهم رضي الله عنه بحاله وقاله، مشى بين يدي أسامة وهو راكب ليعلمهم كيف يكون احترامهم لأميرهم وطاعتهم له وتعظيمهم لشأنه لأن الاستقامة لا توجد في جيش ما لم يكن أميرهم مطاعاً. وألقي عليهم تلك الخطبة الحكمية التي تمثل رفق الشريعة الغراء وعد لهم تمثيلاً تتضائل أمامه نفوس كبار الغربيين الذين يتشدقون بمحبة الإنسانية ويدعون إلى تخفيف ويلات الحروب. إلا فليعلموا أن الدين الإسلامي سبقهم لهذا وإنه هو الدين الوقيم.

وهو الذي استعمل الثبات والحزم يوم ارتدت العرب ومنعوا الزكاة واشرأب النفاق، وتأججت جذوة الشقاق، وأشار عليه عمر رضي الله عنه بالرفق بهم فقال لو منعوني عقالاً لقتلتهم عليه كما قدمنا صحيفة 31ج وكان رأيه الصائب وفكره الموفق فجرد الجيوش لقتالهم فما هو إلا أن نصر الله أو لياءه وأيد هذا اليد على يد أبي بكر وعادت العرب إلى أداء الزكاة طائعين عن أبي هريرة رضي الله عنه فقال والله الذي لا إله غيره ولا إن أبا بكر استخلف ما عبد الله ثم قالها ثانية وثالثة فقيل مه يا أبا هريرة فذكر اليوم الذي ارتدت فيه العرب.

هذه بعض حسنات أبي بكر رضي الله عنه تجاه الإسلام سجلها التاريخ ليذكر المسلمون ذلك الرجل العظيم والخليفة العادل الذي كان أيامه عقداً في جيد العالم الإسلامي ولا ينكر هذه الحقيقة التاريخية إلا من أعمى الله بصيرته فمال عن الحق واتبع سبيل الهوى (ومن يضلل الله فلا هادي له) ولم استقرت له الخلافة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فاعيوني. وإن أسأت فقوموني.

الصدق أمانة. والكذب خيانة. والقوي فيكم ضعيف عندي حتى أخذ منه الحق والضعيف فيكم قوي عندي حتى أخذ له الحق إنشاء الله تعالى. لا يدع أحد منكم الجهاد فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله فالبذل ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء.

أطيعوني ما اطعت الله ورسوله فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم فقوموا إلي صلاتكم

ص: 20

رحمكم الله.

علم أبو بكر رضي الله عنه أن الأمة هي التي تنصب الحكام وتختارهم لمصلحها وانهالها الحق في انتقاد أعمالهم. ومراقبة أحوالهم. فإن عملوا بما ينطبق على مصالها. وسعوا وراء رقيها أعانتهم. وإن أساؤا أقومتهم. فصدح بما خالج ضميره من معرفة تلك السلطة وإنها حق طبيعي للأمة مهما حاول إبطاله المستبدون.

كلمات قالها أول خليفة للمسلمين ليعلم الشعوب الإسلامية دروس الحرية والمساواة الحقيقة التي يتطلبها فلاسفة الغربيين اليوم وما هم لها بواجدين سار رضي الله عنه بالمسلمين أيام خلافته سيرة العدل والاستقامة والرأفة والحنان. يرحم صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويحمل كلهم، ويعينهم على نوائب الدهر، ولم يأل جهداً في تعزيز الدين وأعلاء كلمة المسلمين جيش الجيوش وبعث البعوث في سبيل الدعوة الإسلامية وتابعه عمر رضي الله عنه على ذلك فدكوا عروش القياصرة. وثلوا صروح إلا كاسرة. ونشروا لواء العدل بين تلك الأمم التي كانت ترسف في قيود العبودية لملوكهم. والله يتولى الصالحين.

ص: 21