المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المدارس الأجنبية 2 العقول في سن الصغر ساذجة مستعدة لقبول ما يرد - مجلة الحقائق - جـ ٢٠

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌المدارس الأجنبية 2 العقول في سن الصغر ساذجة مستعدة لقبول ما يرد

‌المدارس الأجنبية

2

العقول في سن الصغر ساذجة مستعدة لقبول ما يرد إليها من الأفكار قابلة للتأثر والانفعال بما يطرأ عليها من صور الأعمال والآراء خصوصاً إذا كان ذلك صادراً عمن تكبره النفس وتعظمه كالأستاذ والمؤدب فلا شك أن التلميذ يأخذ جميع ما يراه من أساتذته ومؤدبيه بعين الإعظام والإجلال ويراه غاية الأخلاق ومنتهى الآداب وتنطبع في نفسه صور ما هم عليه حتى يتعمد التخلق بأخلاقهم والعمل بآرائهم ويعد ذلك فضيلة له وآية من آيات النجابة وحسن الاستعداد.

على أن أكثر مدارس الأجانب يشترط في برنامجها تعليم دين النصرانية الذي تنسب تلك المدرسة إليه ودخول جميع التلامذة لمعابدهم الدينية لأداء العبادات ولا يخفى أن هذا كفر صريح قال القاضي عياض في الشفاء عند ذكر المكفرات (وكذا نكفر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر وإن كان صاحبه مصرحاً بالإسلام مع فعله ذلك العمل كالسجود للصنم أو الشمس أو القمر أو الصليب أو النار أو السعي إلى الكنائس مع أهلها والتزيي بزيهم فقد أجمع المسلمون على أن هذا لا يوجد إلا من كافر وأن هذه الأفعال علامة على الكفر وإن صرح فاعلها بالإسلام أهـ. وقال شارحه الشهاب الخفاجي وقيده بقوله مع أهلها لأن المراد به أن يذهب معهم في وقت ذهابهم للعبادة على هيأة تدل على موافقته لهم وإلا فمجرد الذهاب للكنيسة والدخول لها ليس بكفر وإنما هو مكروه وإن كان لغير غرض صحيح أهـ باختصار فأنت ترى أن الدخول إلى الكنيسة مع أهلها على هيئة تدل على موافقته لهم كفر فكيف إذاً كان يؤدي العبادة معهم كما هو شرط تلك المدارس. ومما يقضي بالعجب رضاء الأولياء بإدخال أطفالهم إلى هذه المدارس على هذا الشرط فإنه لا يستغرب من الطفل الذي لا يفقه شيئاً أن يوافق والده وأستاذه على كل ما يريدان منه خصوصاً ما يكون مصوغاً بقالب التهذيب والتأديب والتدين وإنما يستغرب من الرجل المسلم أن يرضى لطفله بالكفر مع علمه أن رضاه بكفره كفر أيضاً. ربما يقول قائل هنا أن بعض المدارس لا تشترط في برنامجها هذين الشرطين وأنه إذا دخل هذا القسم من المدارس من عرف من قواعد دينه القويم مبادئها الأولية انتفى المحذور السالف الذكر قلنا

ص: 10

في الجواب أن الكفر لا يتوقف على فعل العبادة الدينية في الكنيسة فقط بل يحصل بجملة أشياء يقصد إدخالها على التلميذ من قبل أساتذته وهو لا يدري من أمرها شيئاً كان يشك في صحة شيء مما هو معلوم من الدين بالضرورة كالبعث والحساب والجنة والنار أو يشك في صحة شيء من القرآن على أنه إذا سلمنا أنه ربما انتفى جميع ما ذكر فلا ينتفي ما هو أقل من الكفر كالتهاون بالدين وأوامره لعدم مرانه عليها. وماذا يرجى ممن أفنى زهرة شبابه بين يدي قوم يدينون بغير دينه ويحاربونه في معتقداته ويتحينون الفرص ليحولوا بينه وبين الهداية؟ نعم لا يرجى منه إلا أن يكون كما قال ذلك الكاتب الغربي (أضر على الإسلام مما لو تنصر) والعيان شاهد عدل. رأينا ممن تخرج في تلك المدارس من يترك الصلاة عمداً بلا عذر بل سمعنا أن هناك من يرى ترك الصلاة تمدناً ورقياً وينعي على آبائه المحافظة عليها ويعد ذلك من الخرافات وضياع العمر ويستهزئ بفاعلها ويحتقره كما يحتقر أحدنا الحيوان الأعجم.

وهكذا سائر العبادات والأعمال الدينية فإنه يكرهها ويكره المتلبس بها ويعد التمسك بالدين والمحافظة على آدابه ضرباً من ضروب العبث بل قد يترقى به الحال إلى أن يعتقد أن الدين عثرة في المدنية والأخلاق الفاضلة كما يعتقد ذلك بعض أعداء الإسلام. هذا بعض مضار المدارس الأجنبية من الجهة الدينية والاعتقادية. أما مضارها في الأخلاق والآداب الاجتماعية فكثيرة يكاد أن لا يحصيها العد.

وجماع القول أن الأيدي التي تدير تلك المدارس تريد أن تربي التلامذة لها لا لأوطانهم ليكونوا أبناءها، ومن أعز أنصارها. فهي تربي التلميذ وتهيئه لما تستقبله من الأيام.

فلا غرو إذا عملت على كل ما يوسع المسافة بينه وبين مقومات قومه وهي كما تعمل على محو شعوره الديني تعمل أيضاً على تنفيره من لغته ووطنه وقومه وتحاول أن تضع مكان ذلك لغتها ووطنها وقومها واللغتان التي يلزم المسلم العثماني العناية بهما وهما اللغة العربية لغة القرآن والدين والعلم واللغة العثمانية لغة الحكومة والخلافة الإسلامية لا شأن لهما في تلك المدارس وإن كانا يذكران في (برنامجها) ويعدان من دروسها تمويهاً وتضليلاً كما تقدم ولذلك ترى كثيراً من ناشئة تلك المدارس يعلمون اللغة الفرنساوية ويتقنون فنونها وإذا سألتهم قراءة آية من القرآن العظيم صعب عليهم أداؤها من غير لحن فضلاً عن أن تسألهم

ص: 11

معرفة مفرداتها ودقائق معانيها وإذا أردتهم على أن يعبروا عن معنى من المعاني المرادة لهم بلغتهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

ثم تراهم يعرفون من تاريخ نابليون وواشنطون ملا يعرفون من تاريخ الخلفاء الراشدين وملوك الإسلام العادلين. وإذا عرفوا شيئاً من ذلك يأخذونه صورة مشوهة وقضية معكوسة بما عملت به أيدي التحريف والغايات وتراهم إذا ذكر العدل يتلون لك من عدل إنكلترا مثلاً ما يظنونه غاية الغايات ولو سبروا سيرة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وما كانوا عليه من العدل والإنصاف وغير ذلك من الأخلاق العادلة لرأوا بها ما يستصغرون معه ملوك الفرنجة وأخلاقهم وعدلهم.

وكما أولع ذلك التلميذ باللغة الفرنساوية مثلاً يولع بمدنية فرنسا وبباريس عاصمة الفرنساويين فلا يفتأ يذكر معارف فرنسا وعلومها ومدنيتها وأخلاقها وإن كان منها مالا يلتئم مع الشرف ويندى منه وجه الإنسانية خجلاً وربما خال الفاسد من الأخلاق غاية في المدنية والحضارة وذلك لأن حبها وإعظامها ملك عليه مشاعره فلم يبق للفكر معه مجال وعلى العكس ترى محبته لوطنه الذي تربى به هو وأسلافه فإنه بفضل دسائس مؤدبيه ومهذبيه يصبح مبغضاً له كارهاً البقاء فيه طالباً البعد عنه ولو فارق أهله وأقاربه ولو اغتالت وطنه يد أجنبية وقضت على حياة شعبه واستقلاله وثروته لوجدته قرير العين منشرح الصدر.

وفي الختام نسأل الله أن يحفظ المسلمين من غوائل هذه المصيبة الفادحة ويلهم أهل العلم والدين أن لا يدعوا مجالاً لتوسيع نطاقها وأن لا يفتئوا يذكرون مضارها الدينية والأخلاقية علَّ الأمة تنتبه من رقادها فلا تعمل على خراب بيوتها. والسلام على كل عامل بإخلاص.

ص: 12