الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النساء وتبرجهن
قال الله تعالى ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى
كانت المرأة في الشرق من أمد بعيد امرأة حقيقية شغلها الشاغل إصلاح إدارتها البيتية، وبغيتها الوحيدة تربية أطفالها وما يلتحق بذلك من حمل ووضع وإرضاع، كانت وغايتها القيام بالوظيفة الزوجية وعمل ما خلقت له. كانت وكان شعارها العفة، ودثارها الحياء ورداؤها التربية والأخلاق. ولم تزل حالها كذلك حتى تسربت إليها تلك الفتنة العظيمة فتنة الاختلاط بالمتفرنجات اللواتي نفثت فيهن المدنية الغربية سمومها فأودت بأخلاقهن وآدابهن. نشأ عن هذا الاختلاط ترك المرأة الشرقية لعاداتها وبغضها لآدابها وميلها إلى هذه الأزياء الجديدة (الموضة) فسقطت في وسط هذه المعممة ضعيفة ثم قويت حتى عدت من أكبر أنصارها.
من يجهل منا معاشر الدمشقيين ما كانت عليه المرأة الدمشقية من سنين قليلة من النزاهة والعفة، والأدب والحياء. من يجهل بم كانت تتزين في دارها أما زوجها، ومن كان يخيط لها ثيابها، وكم كانت قيمة ما تلبسه، وبماذا كانت ترتدي إذا عرضت لها حاجة شرعية ألزمتها الخروج إلى السوق.
تهتك النساء وتبرجهن في الثياب خصوصاً بعد إعلان الدستور في المملكة العثمانية لظنهن بأن الحرية هي إطلاق العنان لكل إنسان أي أن للشخص أن يعمل ما تشتهيه النفس، ويبعث عليه الهوى، وإن أضر بالأخلاق وهدم صروح الآداب، وأوجب مقت الله تعالى وسخطه.
أعان المرأة على ذلك نداء شرذمة من الكتاب المتفرنجين برفع الحجاب ووجوب إزالته، وندبهم حظ المرأة التعيس، وتصويرهم الحجاب لها بأقبح الصور، وإيهامها أنه هو الحائل بينها وبين رقيها، والمانع الأعظم من تقدمها وأن حياة الحجاب حياة الموت، وعيشة الضيق والآلام مع ما تقدم من احتكاكها ببعض المتفرنجات وتقليدها لهن بالزي والملبس وميل النفس للإطلاق وإغضاء الرجل عن كبح جماحها وردها إلى الطريق الأمثل، وعدم تربيتها التربية الشرعية الدينية.
من مجموع هذا كله فسد أمر المرأة، وتغير حالها حتى أصبحت كما هي اليوم.
ليس منا من يجهل حسن الحجاب للنساء ومنافعه وضرورة وجوبه بعد أن رأينا بأم العين
خلاعة بعض النسوة، وتبرجهن علانية في الأسواق، ومجتمعات الناس على مرأى من الخاصة والعامة من غير استحياء ولا خجل والكثيرون من ساقطي المروءة والشرف، وفاقدي التربية والأدب يطمحون إلى مغازلتهن وعلى الأقل إلى الإشارة لهن والتمتع برؤيتهن.
يخرج بعض النساء من دورهن لا لحاجة سوى النزهة والتسلي وربما كان ذلك لموعد ضربنه بينهن وبين أحد صويحباتهن ليس الحامل عليه إلا الاسترسال في التهتك وإرخاء العنان لتأخذ حظها من الغواية.
يخرجن متعطرات متزينات لابسات ثياباً خيراً من ثياب زينتهن أمام بعولتهن ليلفتن نظر صواحباتهن إلى جمالهن أو ليستلفتن إليهن نظر بعض الشباب. فيا للمروءة والشرف. ويا للفضيحة والعار! هكذا يصير حال النساء وإلى هذه الدرجة يؤول أمر أخلاقهن. والرجال إزاء هذه الأعمال الفظيعة كلها ساهون لاهون لا يبدون حراكاً كأنما غفلوا عما توجبه المروءة والشهامة، وتدعو إليه الغيرة على العرض!!
دمشق مع أنها بلدة الدين، بلدة الأمانة، مهبط وحي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. تنظر إليها الناس من أقطار الأرض كما ينظرون إلى الكواكب اللامعة في السماء، ويحسدونها على ما أوتيته من الفضيلة والفضل غفل أو تغافل أهلها عن تبرج النساء حتى استرسلوا استرسالاً سيعود عليهم (لا قدر الله) بالوبال والخزي إن لم يتداركه عقلاؤهم بالحكمة والاهتمام.
أدركت الحكومة السنية مغبة هذا الأمر، ووخيم عاقبته فأصدرت أوامرها بمنع النساء من التبرج ومن كل ما يخالف الآداب الشرعية، ولا يلتئم مع روح التربية والأخلاق. وإليك نص البلاغ الوارد إلى الولاية من المشيخة الإسلامية الجليلة بواسطة نظارة الداخلية:
إن أحكام الدين الإسلامي بحق تستر النساء هي جالبة لمنافع متعددة ومانعة لمفاسد شتى وبينما نرى عدداً كثيراً من حكماء أوروبا يقدرون هذا حق قدره يشاهد عندنا بعين الأسف سقوط هذه الوظيفة الدينية وما يبنى عليها من العادات الملية المستحسنة وإن القصد من تستر النساء المسلمات هو من القديم استعمال الإزار ولكن بهذه الأيام يستعملون عكس ذلك يغيرونه أشكالاً وألواناً وحتى أن الشكل الذي اكتسب منذ مدة أتباعاً للزي (الموضة) قد أثر
كثيراً في جميع أصحاب العقول. فيجب على النساء المسلمات اللواتي يحافظن على ناموسهن وعصمتهن وعفتهن أن يتوقين هذه الحالات المستوجبة الشقاء بهذه الدنيا والداعية للسؤال والعذاب الأليم بدار الآخرة. فيجب علينا نحن الرجال الذين نرى مثل هذا الرأي القبيح بنظر أصحاب الناموس أن نمنع الزوجات اللواتي يردن الخروج عن دائرة الآداب ونؤدب أنفسنا عن كل ما يؤول لحركة مخالفة. فالترقي المطلوب للأمة هو قائم بحسن المحافظة على الآداب الدينية والعادات القومية المستحسنة وإن ما نسمعه عن ترقي أمة اليابان الفائق التصور قد تيسر لها بمساعدة هذه العادات بخلال ثلاثين أو أربعين سنة.
فإذا أغفلنا هذه الحقائق وملنا مع هوى أنفسنا فبدلاً من الترقي الذي نأمله ونحتاج ىإليه تكون عاقبتنا الخسران كما أن أرباب الأديان المعروفة في الممالك العثمانية هم مكلفون بإجراء ايجابات آداب مذاهبهم كذلك يمنعون عن كل حركة مخالفة وذلك وفقاً للمادة التاسعة والتسعين من الذيل الثالث لقانون الجزاء الذي صار إعلانه بموجب إرادة سنية وقد تأيد هذا النظام لدى الحكومة العثمانية وتقررت معاقبة مرتكبي الجرائم التي لها تعلق بهذه الفقرة لدى المحاكم الجزائية ولكي لا يكون الإنسان معرضاً بنفسه لهذه التعقيبات القانونية ولكي لا يكون سخرية بنظر أقرانه يجب عليه أن يدعو نساءه لرعاية قاعدة التستر حسب الإيجابات الشرعية وأن يوصيهن بتجنب مظان التهمة التي تنشأ عن الحيلة بداعي الأشغال. وعلى رؤوساء العائلة أن يلتزموا الأوامر الدينية والآداب الملية وأن يبذلوا اهتمامهم بذلك ونوصيكم ونحظركم بصورة مخصوصة تفهيم ذلك إلى الأهالي المحترمين. أهـ
وقد أبلغت الولاية هذا البلاغ إلى الصحف والأئمة وحثت الناس على الامتثال، وحذرتهم من المخالفة فنشكر عنايتها بحفظ الأخلاق الإسلامية والآداب الدينية، ونسأل الله تعالى تقوية شوكتها وتبكيت أعدائها وتسهيل أسباب التوفيق لجميع عمالها وأن يكثر فيهم من أمثال حضرة صاحب السماحة شيخ الإسلام عبد الرحمن أفندي نسيب الذي عرف بالتقوى والصلاح، وميز بالصدق والاستقامة.
ربما يقول قائل إذا كانت الحكومة أيدها الله أصدرت أوامرها بوجوب تستر النساء وأبلغت ذلك للولايات فلم تهاملت الولاية بتنفيذ هذا الأمر؟ وهلا كان من الواجب عليها أن تصدع بما تؤمر خصوصاً وهي تعلم ما وصلت إليه حالة النساء؟ وهل ليس في إمكانها منع هذه
المسألة المميتة للعواطف والأخلاق؟ وهلا تعلم أنها لو ضربت على يد واحدة منهن وأذاقتها طعم العدالة تملأ قلوب جميع النساء رعباً وخوفاً؟
والجواب عن هذا أن يقال أن عادة كعادة تبرج النساء فشت في الأمة بمدة سنوات متعددة وتأصلت في نفوسها تأصلاً مستحكماً لا يمكن إرجاعها عنها بيوم أو بعض يوم. ووالي الولاية مشهود له بالمقدرة والدربة والكفاءة وحسن السياسة ولكن العجلة وحسن السياسة لا يجتمعان.
اجتمعنا بأحد أعضاء مجلس إدارة الولاية فشافهنا بهذا الأمر وسألناه عن سبب عدم اهتمام الولاية فيه فأجابنا بأن الولاية مما يسرها أمثال هذه الأوامر وما قط أرادت إهمالها ولكن العجلة لا تأتي بخير. وليس من الإصلاح استعمال القوة إلا بعد التبليغ والنصائح وها قد زوعزت إلى مختاري المحلات ليجروا التنبيهات اللازمة على جميع البيوت. وسترون بحوله تعالى مايسر ويفرح. هذا وليت شعري أما كان الأولى من المعترض أن يوجه سهام اللوم على الأهلين وعلى العلماء لتقصيرهم في امتثال أوامر الحكومة وقد كان من الواجب تأليف جمعية من مقدمي أهل البلدة تأخذ العهد على نفسها بالعمل بمقتضى هذا البلاغ المفيد وأقل ما ينتج عن ذلك مساعدة الحكومة على تنفيذ أوامرها وتشويق بقية الناس إلى ذلك إذ لا يخفى حب الناس للتقليد.
وفي الختام نرجو أن تكون كلمتنا هذه كلمة لا يقصد منها النظر إلى حروفها والتسلي بقراءتها بل يقصد منها العمل بمقتضاها. وسلفاً نقدم الشكر لمن يبادر بتأليف جمعية هذه غايتها. وفي اعتقادنا أن هذا خير ما يعمله المرء في هذه الدار.