الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: محمد رشيد رضا
فاتحة المجلد الحادي والثلاثين
بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ
عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (الزمر: 46) .
{وَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (النمل: 93) {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ} (القصص: 70) .
لبيك اللهم ولك الحمد كما تحب وترضى، وصلواتك الطيبات، وتحياتك
المباركات الزاكيات، وصلاة ملائكتك المقربين وعبادك المؤمنين على رسولك
محمد خاتم النبيين، الذي أرسلته رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، أُولي قرابته
وقربه، وعلى التابعين لهم في طاعته وحبه، واتباع سُنته في بيان كتاب ربه،
على ما نقلوه لنا عنه من قول وعمل، وفضيلة وأدب، وتشريع وحكم.
أما بعد:
فإنني أُذكِّر قراء المنار في فاتحة مجلده الحادي والثلاثين، بنحوٍ مما كنت
أذكرهم به فيما سلف من السنين، من حظ المسلمين من الإسلام وأثر الإسلام في
المسلمين، ولا سيما حال ملاحدتهم ومبتدعتهم، وفساقهم وظلمتهم، وجامديهم
ومقلدتهم. وقد كان من قدر الله تعالى أن ألممت في فاتحة المجلد الثلاثين بشيء من
دعاية التجديد الإلحادية. ومفاسد فوضى النساء الشهوانية، ثم كان أن اصطدمت
بالفريقين في أثناء تلك السنة بالمناظرة والمحاضرة، فكانت الحجة والغلب لهداية
الإسلام، وظهر ذلك للخاص والعام، وعلمنا به أن ما كانوا يذيعونه عن شباب
مصر وسائر نابتة العصر، من انسلاخهم من وجدان الدين، واتباعهم غير سبيل
المؤمنين، وانتظامهم جندًا خاضعًا لدعاية الإلحاد، وقيادة الإباحة والفساد - إنما هو
زور وبهتان، وإرجاف وإيهام، فقد نصر جمهورُ طلبة الجامعة المصرية داعية
الإسلام نصرًا عزيزًا، واقترحوا عليه أن يكتب مقالات في بعض الجرائد اليومية
يفصِّل بها ما أجمل في مناظرة الجامعة تفصيلاً، فكتبنا في جريدة (كوكب الشرق)
مقالات تجاوزت جمع القلة إلى جمع الكثرة، فكان لها ما كان من حسن التأثير في
الأمة، ولم يرتفع للملحدين والإباحيين في الرد عليها صوت، على ما حذقه أكثرهم
من خلابة المِراء وسخف القول. وإن لها لبقية، ستكون إن شاء الله تعالى راضية
مرضية.
بيد أن ريح الطيش طارت بلب داعية قبطي منهم كان أول مَن عاب الإسلام،
وقال بتفضيل الذكور على الإناث في الميراث، ودعا المسلمين إلى نبذ الفرائض
المقررة في نصوص القرآن، فلم يجد حيلة في مقاومتنا إلا إثارة العصبية الجنسية
الفرعونية. ودعوة المصريين كافة إلى ترك قراءة كل ما يكتبه مَن لا يجري في
عروقه الدم المصري الفرعوني، ولا سيما مَن كان من أصل سوري، كأنه لغروره
بقبطيته يتوهم أن مسلمي مصر كلهم يفضلون نسب فرعون - الذي لعنه الله ولعن
آله وقومه في كتبه، وعلى ألسنة رسله - على نسب سيد ولد آدم، وأكمل مصلح
ظهر في العالم، وهو محمد رسول الله وخاتم النبيين، الذي تعبَّدهم الله تعالى
بالصلاة عليه وعلى آله الطاهرين، كما تعبَّدهم بلعن فرعون وقومه الوثنيين،
بقوله تعالى بعد ذكر غرقهم وعاقبة ظلمهم {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ
القِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُم مِّنَ المَقْبُوحِينَ} (القصص: 41-42) .
ولو شئنا لأثرنا عصبية إسلامية على هذه العصبية الفرعونية فاجتاحتها وكان
أهلها الخاسرين، ولكننا نكرم أنفسنا عن مثل هذا السلاح، ومن العجيب أن أعداء
الدين الذين يزعمون أن التعصب له هو الذي يفرق بين أهل الوطن - يستبيحون
التفريق والتعادي والتخاصم بالتعصب للجنس والنسب؛ لأنهم لا يكرهون شرور
العصبيات وضررها، وإنما يكرهون مثارها من النفس وسببها، كأنهم يكرهون
الغرائز والعقائد الدينية الإسلامية - وهي وجدانية اضطرارية - دون المفاسد التي
تتولد من الغلو والإفراط فيها وهي اختيارية. وأما نحن فنكره سوء استعمال الغرائز
والأديان، الذي هو كسوء استعمال العقل والجوارح والحواس. ويرى جماهير
المسلمين في مصر أن القبط قد أسرفوا في تعصبهم الملي، واستغلال نفوذهم في
الوفد المصري، فصبر الأكثرون عليهم صبر الكرام، حرصًا على الوحدة السياسية
أن يصدعها الانقسام، وإن تصدى خصوم الوفد منهم لإثارة النعرة الإسلامية عليهم
وعلى الوفد بغضًا في الوفد لا تمسكًا بالإسلام، ونحن نربأ بنفسنا أن تعبث بها هذه
الأهواء، وإنما هذه كلمة قد حبذها الاستطراد.
بيد أن الذي أتأياه في هذه الفاتحة، وأذكِّر بخطره الأذهانَ الغافلة، هو أن
أنصار الجمود والبدع المأوفة، وحماة التقاليد المألوفة، ممن سماهم الأستاذ الإمام
(حملة العمائم وسكنة الأثواب العباعب) قد أثار بعضهم في هذا العهد عصبية
مذهبية هي أضر على المسلمين من أثرة القبط عليهم في مصالح الحكومة، ومن
فريقي المبشرين والملاحدة. فإن انتصارنا على هذين الخصمين بالحجة والبرهان
يفهمه ويغتبط به جميع طبقات المسلمين من الخواص والعوام.
وأما انتصارنا على أولئك بآيات كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
وسيرة السلف الصالح فلا يعقله إلا من أوتي من سلامة الفطرة واستقلال الفكر ما
كان به ممن قال الله تعالى فيهم {فَبِشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ
أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (الزمر: 17-18) ولا
يزال أكثر طلاب العلوم الشرعية على الطريقة التقليدية يطلبون معرفة الحق بشهرة
قائله، أو سعة جبته وشكل عمامته، أو بلقبه الوهمي، أو بمنصبه الرسمي، وهم
ينفرون من الدليل ومن صاحبه، ويسيئون الظن به.
وقد كان طلاب الإصلاح الإسلامي يسمعون من هؤلاء الجامدين ومن
المبتدعين أذًى كثيرًا ويصبرون عليهم، إذ يرون أن مبلغ أذاهم لا يعدو بطء
انتشار الإصلاح فيمن حولهم، ويسُرّ الذين يعرفون تاريخ الأمم والملل أن مقاومة
الإصلاح في تاريخ الإسلام أضعف من مثلها في تاريخ النصرانية، ويحمدون الله
تعالى أن الجامدين من كبار علماء الدين الرسميين لم يبلغ منهم الجمود أن يتصدى
أحد له قيمة منهم للكتابة والنشر في الرد على دعاة الإصلاح المستقلين، ذلك بأنهم
يعلمون أنهم يدعون إلى حق وخير وهو الاهتداء بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم في الدين على منهج السلف الصالح الذين هم خيار هذه الأمة، والأخذ
في مصالح الدنيا بما ثبت للبشر نفعه بالتجارِب الفنية والعملية، مع مراعاة القواعد
الشرعية، وإنما يمتعضون من هذه الدعوة لأمرين:
(أحدهما) خشية إفضاء الاستقلال في فهم الدين إلى الخروج عن المذاهب
المتبعة إلى دعوى الاجتهاد المطلق، ولا يتسع هذا التذكير لبيان مثار هذه الخشية
من النفس وما لها من الهوى فيها.
(وثانيهما) أن هذا تجديد في الإسلام تخرج به الزعامة الدينية من عهدتهم
لعدم استعدادهم للنهوض به، وعجزهم عن تولي القيادة في ميدان جهاده، وأذكّّرهم
بما بينته مرارًا من التفرقة بين الاجتهاد المطلق بوضع مذهب جديد، والاستقلال
في العلم واتباع السلف في هداية الدين.
ولكن نجم في هذه السنين الأخيرة رجل من أعداء السنن، كما ينجم قرن
المعز، لم يلبث أن تصدى لنطاح صخرة هداية السنة النبوية والسيرة السلفية،
دون غيرها من المقاصد الإصلاحية، وهو شيخ تركي لا ندري أكان من أولئك
الجامدين الذين فتنوا رجال الدولة العثمانية عن الدين بتعصبهم لتقاليد كتب الحنفية،
فصدوا أولئك السياسيين عن أصل الملة الحنيفية، أم هو دسيسة كمالية يبغي بها
الكماليون مقاومة حركة الإصلاح الإسلامية، التي تقاوم دعاية التفرنج الكمالية؟ !
بدأ هذا التركي نطاحه للسنة وحُفَّاظها بدسائس ببثها في حواشي المطبوعات
من كتبها، التي يتَّجر تلميذ له من الأغرار بطبعها، ثم بث دعايته في الأزهر
فاستمال لمشايعته عليها عالم من أشياخه المشهورين، كان في موقف التجاذب
والتدافع بين الجامدين والمجددين، حتى كان بعض تلاميذه وأصدقائه يرجون أن
يخلف الأستاذ الإمام في ناحية من نواحي خدمته للإسلام، فخابت فيه الآمال.. أو
يعود إلى الاعتدال.
كان الشيخ التركي أحذق من الشيخ المصري في الصد عن السنة وحفاظها،
وعن مذهب السلف وأنصاره. فإنه سلك فيه مسلك الدسائس السياسية، وقدر السير
فيها مراحل كالمراحل الكمالية في هدم الشريعة الإسلامية، فبدأ هو بالطعن على
بعض حفاظ السنة المشهورين، وتفضيل أهل الرأي على أهل الحديث، وسخَّر
الشيخ المصري للجهر بما لم يتجرأ هو على الجهر به من مناجزة المعاصرين،
واستدرجه إلى كتابة شيء جهر فيه بالنيل من شيخ الإسلام، وهجر بغميزة الأستاذ
الإمام، ونشره له مطبوعًا باسمه، ولعله فعل ذلك بدون إذنه، ليجعله دريئة له في
ميدان الجدال، ومِجَنًّا يتقي به في معارك النزال.
لا خوف اليوم على مذهب السلف من سيف هذا التركي ولا من مِجَنِّهِ. وقد
أعلى الله مناره، وأعز مهاجرته وأنصاره، وأنشأ له دولة، وجعل له صولة،
فتعددت جمعياته وصحفه، وكثرت رسائله وكتبه، فتضاءلت أمامه التأويلات
الكلامية والتقاليد الخرافية، ولا خوف على طريقة الأستاذ الإمام في الإصلاح،
بعد أن اتفقت الكلمة على إمامته، وانكشفت بموته الحجب التي كانت مضروبة أمام
جلالته، من استبداد أمير، وحسد شيخ كبير، وتقليد غر جاهل، وحقد غمر
متجاهل. وإن ظهر أن لحسد بعض الأشياخ بقية في الزاوية، أخرجها منها ذلك
التركي الداهية، وسنفرُغ في هذا المجلد لرد هذا الهجوم ببيان بطلانه وضرره في
الإسلام والمسلمين في هذا العصر، الذي يهاجم الإسلام جيشان قويان من جحافل
الكفر أقواهما جيش الملاحدة الذين صار لهم دولة، وإن كانت واحدة، وأضعفهما
جيش المبشرين وإن كان لهم دول متعددة، فيجب على أهل العلم وحملة الأقلام من
المسلمين الاتحاد والتعاون للجهاد في هذه السبيل سبيل الله، بدلاً من إضعاف
الإسلام بالتعصبات المذهبية التي كانت أضر عليه في عهد قوته من كل أعدائه من
الكفار. فكيف يكون ضررها الآن؟ ! .
وقد كان من حكمة الله في تقديره ولطفه في تدبيره أن بلغنا عند كتابة هذه
الفاتحة الكلام على تأسيس جمعية العروة الوثقى من تاريخ الأستاذ الإمام الذي
ألجأتنا أحداث السياسة إلى تأخير نشره إلى هذا العام. فرأينا أن ننشر لقراء المنار
بعض تعاليمها السرية؛ لأنها قد صارت من الحوادث التاريخية، فهي أفضل أطوار
الإصلاح الذي نتخوَّلهم به في هذه الفواتح، وخير صدمة لتقحم الجامح، وتهجم
الطامح، وهذا نصها:
بعض الأصول العملية
لأعضاء جمعية العروة الوثقى السياسية
العقد الرابع للعروة الوثقى:
(1)
ينعقد بثلاثة يقسمون اليمين المعهود.
(2)
مذاكرة المجتمعين عند الالتئام المعتاد تكون في أمور: التذكير بآيات
الله - النظر في حالة الإسلام عند بدئه وما كان عليه النبي وخلفاؤه فقط - البحث في
السبب الذي امتدت به سطوة الإسلام حتى صال على جميع الأديان وكان يبتلعها في
زمن قصير - كيف انقلب الحال وآل إلى ما نراه؟ .
(3)
يلاحظ كل باحث أن ذاته في موضوع البحث فيطلب العلة من نفسه
قبل أن يطلبها في غيره، ويقارن بين حاله وحال السلف بوجه الدقة والإنصاف.
(4)
مدارسة أحكام الجهاد وحقوق المسلم وما هو مكلف به في معاملة غيره
وما يُفرض عليه إذا زحف الأعداء لخضد شوكة الإسلام.
(5)
النظر في حال المسلمين لهذا الوقت أخذًا من أقوالهم وأعمالهم للوقوف
على إحساسهم الديني ومقدار الداعية الاعتقادية ليعلم الداء ويعالج بالدواء اللائق به.
(6)
كتب كل فكر وتدوينه مفصلًا ثم مجملاً مع ما تستقر عليه الآراء.
(7)
العمل في الدواء بالقول (ومنه الكتابة والتأليف) وبذل المال في
مساعدة من يقوم بنصر الدين وحمل السلاح للمقاتلة بين يديه عند المُكنة.
(8)
كل واحد من أهل العقد مكلف بالعمل وإعداد أسبابه وما لا يتم إلا به،
وبدعوة الناس إلى عقده والارتباط به؛ مع الاحتراس التام من كل ما يفيد أن هناك
عقدًا، والثقة بمريد الانضمام إنما تتحقق عند اتفاق آراء أهل العقد عليها.
(9)
يكون معظم الاهتمام بضم الصالحين للأمر من ذوي المكانة على
اختلاف طبقاتهم من علماء وأمراء ورؤساء عشائر وغيرهم. وفريضة كل منهم أن
يعمل للإسلام فيما خوله الله.
(10)
في كل حالة يراعى تمكين الفكر وتأسيس الارتباط حتى يكون عند
كل واحد أن مصلحة الكل بمنزلة الشخص أو أعلى، ولا يُقبل قول من قائل حتى
يكون عمله أزيد من قوله أو مساويًا. العمل: بذْل المال والروح، والأول أقرب
الدليلين.
(11)
على أهل العقد أن يرسلوا رسلاً إلى نواحي الوطن الحالِّين به وإلى
المواطن المستعدة من غيره؛ متى أمكنهم ذلك.
(12)
لا يكون الشخص رسولاً حتى يكون سير العقد ملكة راسخة فيه،
ويكون على قدرة كاملة في تصريف القول، وتوفيق النصح مع طباع المنصوحين
وحالة السلطة العارضة عليهم، فيكون حكيمًا في عمله لا يحتاج لوصية من غيره،
ولا لقَيِّم يلاحظ عمله.
(13)
يسمح للعقد أن يبعث رسلاً من الخارجين عنه على أنهم وعاظ
يعملون المعروف من الدين ويؤيدون مناطيق القرآن، وعلى العقد أن يرسم لهم
طريق النصيحة بدون أن يعرفوا أن هناك عقدًا.
(14)
على الرسول إن كان من أهل العقد أن يكاشف عقده بما يحس به من
انفعالات الناس، وما يأخذ قوله من قلوب السامعين لدعوته، وما أثر تعليم الوعاظ
المبعوثين من طرف العقد.
(15)
من استحق باستعداده الدخول في العقد فعليه أن يقدم رسمًا ماليًّا أقله
مائة فرنكٍ وأوسطه مائتان وأكثره ثلاثمائة، ولا يُستثنى من ذلك إلا عالم أو معتقَد
عند الناس لا يستطيع أداءً، على شريطة أن يبذل العالم وسعه في تبيين الحق وبثه،
والمعتقد جهده في حمل معتقديه على العمل في مقاصد العقد، فإن استطاع هذان
الصِّنفان تأدية النقد فهم أولى الناس بها.
(16)
يجتمع أهل العقد في كل أسبوع مرتين للمذاكرة فيما سبق بيانه في
الفصل الأول وما بعده.
(17)
يجب على كل واحد أن يؤدي في آخر كل جلسة مقدارًا من النقد
على حسب استطاعته قليلاً أو كثيرًا يدور على الحاضرين مَن أصغرهم سنًّا
بصندوق صغير له فوهة ضيقة يضع فيها كل واحد ما تيسر خفية حتى لا يُعلم مَن
أدى أقل ومن أدى أكثر. لا يستثنى من ذلك أحد، ويسمى هذا الصندوق صندوق
التبرع.
(18)
يحفظ النقد المجتمع من الرسوم الابتدائية والتبرع عند من ينتخبه
العقد أمينًا.
(19)
يودع في ظرف تكتب عليه هذه العبارة: (هذا مال حق التصرف
فيه لعقد الإخلاص تحت رئاسة فلان) (يُذكر اسم الرئيس) .
(20)
يستعمل هذا المال في النفقة على محل الاجتماع ولوازمه، وفي
سبيل نشر المشرب وإرسال الرسل الداعين إلى الحق، وفي إغاثة المقصرين مما
ترجى منهم فائدة لمقصد الجمعية، وما يفضل عن ذلك فالنظر فيه للجمعية العليا
(جمعية العروة الوثقى) إما مباشرة أو على يد أحد نوابها.
(21)
يكون للعقد أربعة دفاتر (أحدها) لحصر أسماء رجاله (ثانيها)
لأسماء رسله (ثالثها) لحصر النقد المجتمع (رابعها) لإحصاء النفقات.
(22)
إذا توفر في الصندوق مبلغ من النقد وافر وأمكن تنميته على وجه
شرعي مأمون الخسارة فعلى أهل العقد أن يدبروا أمر نموه.
(23)
على القائم بضبط الحساب في الإيراد والصرف أن ينهج الطريقة
المعهودة في مركز العقد: أن يضعوا لها نظامًا حسب المعروف في بلادهم.
(24)
لا يصرف شيء إلا بقرار من أهل العقد يتفق عليه جميعهم أو
أكثرهم.
(25)
إذا قضت الحوادث بعمل عاجل يقرب من مقصد الجمعية وخيف
فوات الفرصة بفوات الوقت واحتيج إلى نفقة تقتضي زيادة عن الموجود وجب على
أهل العقد أن يبذلوا ما في وسعهم لإتمام العمل.
(26)
لا يباح لأحد من رجال العقد أن يذكر شيئًا من أحوالهم ومقاصدهم
ومذاكراتهم عند مَن ليس من مقصده في شيء، بل لا يباح التصريح باسم العقد
وأهله إلا لمن حصلت الثقة بحاله عند رجال العقد.
(27)
على رجال العقد أن يحمي بعضهم بعضًا ويعِين كل منهم باقيهم بقدر
الاستطاعة.
(28)
الاستطاعة لا تفسر بالأهواء حتى يعد كل وهم عجزًا وإنما هي
المعروفة عند المخلصين التي لا يعدمها الإنسان ما دام حيًّا قادرًا على الحركة.
(29)
إذا رأى أهل العقد أن يزيدوا شيئًا فيما وصلهم من قانون الجمعية
حسب حالة بلادهم فعليهم مخابرة من يتولى مواصلتهم فيما يريدون.
(30)
القانون الداخلي للاجتماع يضعه أهل العقد.
***
اليمين الذي يحلفه المرتبطون بالعقد
أقسم بالله العالِم بالكلي والجزئي، والجلي والخفي، القائم على كل نفس بما
كسبت، الآخذ لكل جارحة بما اجترحت - لأُحَكِّمَنَّ كتاب الله تعالى في أعمالي
وأخلاقي بلا تأويل ولا تضليل. ولأجيبن داعيه فيما دعا إليه ولا أتقاعد عن تلبيته
في أمر ولا في نهي، ولأدعون لنصرته، ولأقومن بها ما دمت حيًّا، لا أُفضل
على الفوز بها مالاً ولا ولدًا.
أقسم بالله مالك روحي، ومالي، القابض على ناصيتي، المصرف لإحساسي
ووجداني، الناصر لمن نصره، الخاذل لمن خذله - لأبذلن ما في وسعي لإحياء
الأُخوَّة الإسلامية، ولأنزلنها منزلة الأبوة والبنوة الصحيحتين، ولأعرفنها كذلك
لكل من ارتبط برابطة العروة الوثقى وانتظم في عقد من عقودها، ولأراعينها في
غيرهم من المسلمين، إلا أن يصدر عن أحد ما يضر بشوكة الإسلام، فإني أبذل
جهدي في إبطال عمله المضر بالدين، وآخذ على نفسي في أثره مثل ما آخذ عليها
في المدافعة عن شخصي.
أقسم بهيبة الله وجبروته الأعلى أن لا أقدم إلا ما قدمه الدين، ولا أؤخر إلا ما
أخره الدين، ولا أسعى قدمًا واحدة أتوهم فيها ضررًا يعود على الدين جزئيًّا كان أو
كليًّا، وأن لا أخالف أهل العقد الذين ارتبطت معهم بهذا اليمين في شيء يتفق رأي
أكثرهم عليه، وعليّ عهد الله وميثاقه أن أطلب الوسائل لتقوية الإسلام والمسلمين
عقلاً وقدرة بكل وجه أعرفه، وما جهلته أطلب علمه من العارفين، لا أدع وسيلة
حتى أحيط بها بقدر ما يسعه إمكاني الوجودي.
وأسأل الله نجاح العمل، وتقريب الأمل، وتأييد القائم بأمره، والناشر لواء
دينه، آمين.
…
...
…
...
…
...
…
...
…
النائب: محمد عبده
(المؤلف) مَن تأمل هذه الأصول وهذه اليمين حق التأمل تجلى له أن كاتبها
الداعي إليها، المجاهد في سبيل غايتها - من أقوى المؤمنين بالله وبما جاء به محمد
رسول الله وخاتم النبيين إيمانًا، وأشدهم في إيمانهم إيقانًا، وأرسخهم في يقينه
وجدانًا، وأعلمهم بمقاصد هذا الدين وتاريخه وإصلاحه لأمور البشر، وأعظمهم
غيرة عليه وجهادًا في سبيل الله لإعادة مجده، وتجديد ملكه، وإحياء شرعه، وإنقاذ
أهله من الذل.
ومن قرأ مكتوباته - قدس الله روحه - لبعض العلماء والكبراء من المنتظمين
في سلك العقد في الفصل الأول من الباب الخامس من منشآته، المصدَّر أكثرها بكلمة
شعاره (لا إله إلا الله وحده لا شريك له وبه الحول والقوة) رأى فيها شرحًا جليًّا لهذه
الأصول الجليلة، وعلم من هذا وذاك أن خدمة الجم الغفير من كبار علماء الأزهر
وغيره من المصنفين في العلوم الإسلامية المختلفة منذ عدة قرون للإسلام لَتصغُر
وتتضاءل في جانب خدمة هذا الرجل وأستاذه، فإن علومهم ومصنفاتهم كانت في العهد
الذي تهدَّم فيه ملك الإسلام وضعفت هدايته ولم يكن لها أقل تأثير في العلم والعمل؛
لأنها كلها مباحث لفظية، ومناقشات في عبارات بعض كتب المقلدين، وليس لأحد
منهم فيها كلمة تدل على الشعور بذلك، فضلاً عن الدعوة إلى تداركه، والجهاد في
سبيله.
ولو شئنا شرح هذه الأصول وما أدمج فيها من الحِكَم والعبر لزدنا القارئ
إعجابًا بأمر هذين الحكيمين وجهادهما، ولا تظن أن بين ما في الأصل الثاني من
التذكير بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه فقط، وما في الأصل
الثالث من الاعتبار بسيرة السلف، وما في الأصل الرابع من الإشارة إلى أحكام
الفقه - لا تظن أن بين ما ذكر شيئًا من التعارض فإن لكل نوع منها غرضًا خاصًّا،
فالأول للاعتبار بنشأة الإسلام وتأسيسه، وما بعده ظاهر لا يحتاج إلى بيان.اهـ.
من الجزء الأول من تاريخ الأستاذ الإمام.
فليعتبر قراء المنار بهذا الجهاد، ونسأله تعالى أن يهدينا سبيل الرشاد.
…
...
…
...
…
...
…
... منشئ المنار ومحرره
…
...
…
...
…
...
…
... محمد رشيد رضا
_________
الكاتب: محمد رشيد رضا
نتيجة ما تقدم في حقيقة ربا القرآن
أو الربا المحرم القطعي المراد بالوعيد الشديد
إن هؤلاء العلماء الأعلام من محققي المفسرين والمحدِّثين والأصوليين
والفقهاء قد صرحوا بأن الربا الذي حرمه الله تعالى بنص كتابه العزيز، وتوعد
آكليه أشد الوعيد، هو الربا الذي كان فاشيًا في الجاهلية ومعروفًا عند المخاطبين
في زمن التنزيل، وهو أخذ مال في مقابلة تأجيل دَيْن مستَحَقّ في الذمة من قبل،
وهو المسمى (ربا النسيئة) لأن أخذ الزيادة على رأس المال إنما سببه إنساء
أجل الدين المستحق - أي تأخيره - لا في مقابلة منفعة ما لمعطيها. وهو قول الحبر
ابن عباس في تفسير آيات سورة البقرة وتدل عليه نصوص الآيات بإباحة ما سلف
منه وإيجاب الاكتفاء برأس المال على مَن تاب كما تقدم عنه رضي الله عنه.
ويؤيد هذا أمران: (أحدهما) الاستعمال اللغوي، ووجهه: أن هذا اللفظ كان
مستعملاً عند عرب الجاهلية من المشركين وأهل الكتاب وغيرهم وذكر في بعض
السور المكية، فهو ليس من الألفاظ التي وضعت وضعًا جديدًا في الشريعة
فكانت مجملة ثم فسرت بعد ذلك بالأحاديث عند الحاجة إليها في التشريع العملي،
بل اللام في (الربا) للعهد كما صرح به بعضهم.
(ثانيهما) أن الله توعد على أكل الربا بضروب من الوعيد لم تُعهد في
التنزيل ولا في السنة ولا ما يماثلها إلا في الترهيب والزجر عما عظم إثمه وفحش
ضرره من الكبائر، ويؤكده الوعيد الوارد في الأحاديث النبوية، وهاك الإشارة
إليها بالإيجاز:
(1)
قوله تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ} (البقرة: 275) أي
من قبورهم يوم البعث والنشور {إِلَاّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ} (البقرة: 275) وهو الجنون، وقد ورد أن المرء يبعث على ما مات عليه، فإذا
كان هذا حال آكل الربا عند البعث وقبل الحساب، فكيف يكون حاله بعد ذلك في
النار؟ وهو:
(2)
قوله تعالى فيمن عاد إلى أكل الربا بعد تحريمه {فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ
النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 81) وقد حملوه على المستحِلِّ له لأن استحلاله
كفر.
(3)
قوله تعالى {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} (البقرة: 276) أي يمحق بركته.
(4)
قوله تعالى بعد ذلك {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كُفَّارٍ أَثِيمٍ} (البقرة: 276) وحرمانه من محبة الله تعالى يستلزم بغضه ومقته عز وجل.
(5)
تسميته كفَّارًا أي مبالغًا في كفر النعمة بقسوته على العاجز عن القضاء
واستغلاله لما يعرض له من الضرورة بدلاً من انتظاره وتأخير دينه إلى الميسرة، أو
إسعافه بالصدقة.
(6)
تسميته أثيمًا، وهي صيغة مبالغة من الإثم وهو كل ما فيه ضرر في
النفس أو المال أو غيرهما وأشدها المضار والمفاسد الاجتماعية.
(7)
إعلامه بحرب من الله ورسوله لأنه عدو لهما، في قوله تعالى بعد الأمر
بترك ما بقي للمرابين من الربا بعد التحريم {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ} (البقرة: 279) .
(8)
وصفه بالظلم في قوله {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا
تُظْلَمُونَ} (البقرة: 279) .
(9)
عَدّ النبي صلى الله عليه وسلم إياه من أهل الموبقات وهي أكبر
الكبائر ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعًا: (اجتنبوا السبع
الموبقات) أي المهلكات قالوا وما هن يا رسول الله؟ قال: (الشرك بالله والسحر
وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم
الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) .
(10)
ورود عدة أحاديث صحيحة في لعنه صلى الله عليه وسلم لآكل الربا
وموكله، وفي بعضها زيادة كاتبه وشاهديه.
(11)
في غير الصحاح أحاديث كثيرة في الوعيد الشديد عليه منها أن
درهم ربا أشد من ثلاث وثلاثين زنية في الإسلام وفي بعضها 36 زنية، وفي
بعضها بضع وثلاثين زنية وفي بعضها (الربا اثنان وسبعون بابًا أدناها مثل إتيان
الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عِرض أخيه) رواه الطبراني في
الأوسط من طريق عمرو بن راشد وقد وثقه ابن حبان على نكارة حديثه هذا.
وجملة القول أن هذا الوعيد الشديد كله لا يمكن أن يكون على ربا الفضل
الوارد في حديث عبادة وأبي سعيد وغيرهما لأنه لا ضرر فيه ولذلك اضطر بعض
الفقهاء إلى القول بأن تحريمه تعبدي لا يعقل معناه. ومن المعلوم من الدين
بالضرورة لصراحة أدلته في الكتاب والسنة أن الإسلام يسر لا عسر فيه ولا حرج،
وأنه الحنيفية السمحة، وقال العلماء: إن من علامة الحديث الموضوع أن يكون
فيه وعد بثواب عظيم على عمل تافه أو سهل قليل التأثير - أو وعيد شديد على
عمل ليس فيه ضرر في الدين ولا في الدنيا أو فيه ضرر قليل.
هذا، وإن بيع الأجناس الستة بعضها ببعض مع التفاضل المعتاد بالتراضي
أو بيع جنس بآخر مع تأخير القبض ليس فيه من الضرر والفساد ما يستحق فاعله
شيئًا من أنواع ذلك الوعيد فلا يفهم له علة إلا سد ذريعة ربا النسيئة الذي نهى الله
عنه وتوعد فاعله بما لخصناه آنفًا، فهو كنهيه صلى الله عليه وسلم عن خلوة
الرجل بالمرأة الأجنبية، وعن سفرها إلا مع ذي رحم محرم، وعن الانتباذ في
الأواني التي يسرع فيها اختمار النقيع المنبوذ فيها من تمر أو زبيب، وعن الجلوس
على مائدة يشرب عليها الخمر؛ لأن هذا وذاك مما يسهل وجود الخمر ويجرئ على
شربها بتأثير الألفة والقدوة، ومثله أو أشد شرب القليل من الشراب الذي لا يسكر
إلا الكثير منه. وأبلغ من هذا في النهي لسد الذريعة نهي الله عز وجل للمؤمنين
عن سب آلهة المشركين وأصنامهم مع تعليله الدالّ على ذلك وهو قوله: {وَلَا
تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام: 108) .
وأما تسمية ذلك ربا في بعض الروايات فمن باب المجاز المرسل كقوله تعالى
حكاية عن أحد صاحبي يوسف في السجن {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} (يوسف:
36) وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بما يدل على هذا في بعض روايات
هذه الأحاديث كحديث ابن عمر عند الإمام أحمد والطبراني (لا تبيعوا الدينار
بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين ولا الصاع بالصاعين فإني أخاف عليكم الربا) وقد
ورد في روايات متعددة إطلاق لفظ الربا أو أشد الربا على استطالة الرجل في
عرض أخيه يعني بالغيبة، وإطلاق لفظ الزنا على مقدماته في حديث مرفوع
معروف.
وروى مالك وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن ابن عمر قال: قال
عمر بن الخطاب لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مِثْلاً بِمِثْل ولا تبيعوا الورِق بالذهب
أحدهما غائب، والآخر ناجز، وإن استنظرك حتى يلج بيته فلا تنتظره إلا يدًا بيد
هات وهاء، إني أخشى عليكم الرماء. والرماء هو الربا.
وروى مالك والبيهقي عن نافع قال: كان ابن عمر يحدث عن عمر في الصرف
ولم يسمع فيه من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا. قال: قال عمر: لا تبايعوا
الذهب بالذهب ولا الورِق بالورِق إلا مثلًا بِمِثْلٍ سواءً بسواء ولا تشفوا بعضه على
بعض؛ إني أخاف عليكم الرماء.
ولكن الوعيد الشديد في الربا وما يقتضيه من الورع واتقاء الشبهات أوقع
الناس في مشكلات من هذه المسألة منذ ذلك العصر إلى اليوم، فترى أن عمر
رضي الله عنه على نهيه عن ربا الفضل خوفًا من إفضائه إلى الربا وعلى
تصريحه بأن آية البقرة آخر ما نزل يعني من آيات الأحكام وأنه صلى الله عليه
وسلم توفي ولم يقل لهم فيها شيئًا غير ما كانوا يعلمونه من ربا الجاهلية، ومن
وضعه وإبطاله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وقوله فدعوا الربا والريبة -
تراه على هذا قد قال فيما رواه عنه ابن أبي شيبة لقد خفت أن نكون قد زدنا في
الربا عشرة أضعافه بمخافته، ولقد صدق رضي الله عنه فكل من جاوز حد شيء
وقع في ضده.
***
فصل مهم
في إلحاق الفقهاء ذرائع الربا وشبهاته
بالربا القطعي بالنص
قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآيات: وإنما حرمت المخابرة وهي
المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض، والمزابنة وهي اشتراء الرطب في رءوس
النخل بالتمر على وجه الأرض، والمحاقلة وهي اشتراء الحب في سنبله في الحقل
بالحب على وجه الأرض - إنما حرمت هذه الأشياء وما شاكلها حسمًا لمادة الربا
لأنه لا يعلم التساوي بين الشيئين قبل الجفاف، ومن هذا حرموا أشياء بما فهموا من
تضييق المسالك المفضية إلى الربا والوسائل الموصلة إليه، وتفاوت نظرهم بحسب
ما وهب الله لكل منهم من العلم، وقد قال الله تعالى:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (يوسف: 76) وباب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم. وقد قال
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث وددت أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم عهد إلينا فيهن عهدًا تنتهي إليه: الجد، والكلالة، وأبواب من الربا.
يعني بذلك بعض المسائل التي فيها شائبة الربا. والشريعة شاهدة بأن كل حرام
فالوسيلة إليه مثله لأن ما أفضى إلى الحرام حرام، كما أن ما لا يتم الواجب إلا به
فهو واجب. اهـ كلام ابن كثير، وأورد بعده حديث النعمان في الحلال والحرام
والشبهات وهو معروف وسيأتي البحث فيه.
أقول: إن العماد ابن كثير رحمه الله تعالى قد فطن لما غفل عنه جمهور العلماء
أو قصروا في بيانه في هذه المسألة الخطيرة ولكنه لم يسلم من مجاراتهم في بعض
ما أخطأوا فيه بل أقرهم عليه واحتج لهم بما لا حجة فيه، ويؤخذ منه ومما قدمناه
عليه أمور يجب تدبرها لتحرير هذه المسألة المشكلة فنقول:
(1)
إذا كان عمر أمير المؤمنين (الذي قال فيه عبد الله بن مسعود من
أكبر علماء الصحابة إنه قد مات بموته تسعة أعشار العلم) قد خشي أن يكون
مسلمو عصره قد زادوا في الربا عشرة أضعافه من شدة خوفهم من الوقوع في شيء
منه، فإن من بعدهم قد زادوا عليهم أضعاف ما وقعوا فيه من باب الاحتياط واتقاء
الشبهات، فإنهم عدوا منه ما نُهي عنه من البيوع مهما تكن صفة النهي ومهما يكن
سببه، وعدوا منه البيوع الفاسدة عندهم، وإن يكن سبب ما قالوه في فسادها رأي
لبعضهم ما أنزل الله به قرآنًا، ولا ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فيه بيانًا،
وصارت هذه الأنواع التي لا تكاد تُحصى مقرونة في أذهان الجميع بذلك الوعيد
الشديد في كتاب الله تعالى وفي الأحاديث الصحيحة وكذا الضعيفة والمنكرة والشاذة
والموضوعة التي رووها في ذلك، ويقل في المسلمين في هذه الأعصار من يميز
بين ما يصح منها وما لا يصح فأوقعوا المسلمين في أشد الحرج المنفي بنص كتاب
الله تعالى المحكم في دينه.
(2)
إن قولهم الذي جعلوه أصلاً تتدلى منه فروع لا تحصى في الربا وهو
(إن الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة) غير مسَلَّم فالجهل ليس كالعلم ولا يصح أن
يُجعل دليلاً على التحريم الذي تقدم أن السلف الصالحين لم يكونوا يقولون به إلا
بنص قطعي الرواية والدلالة؛ بل نقل الإمام أبو يوسف عنهم اشتراط وروده في
كتاب الله تعالى بنص جلي لا يحتاج إلى تفسير. وقد علمنا أن الله تعالى لم يحرم
في كتابه إلا ربا النسيئة الذي هو أخذ الزيادة في المال لأجل تأخير ما في الذمة منه
الذي من شأنه أن يتضاعف ويكون مخربًا للبيوت ومفسدًا للعمران، ومبطلاً
لفضائل التراحم والتعاون بين الناس. ومن الغريب أن ينوه العماد رحمه الله تعالى
بعلم هؤلاء الذين قال فيهم: إنهم حرموا أشياء بما فهموا من تضييق المسالك
المفضية إلى الربا، وغفل عن كونهم إنما ضيقوا ما وسَّعه الله تعالى وعسروا ما
يسره مخالفين في ذلك لنص كتابه ولسنة رسوله الذي أمر أصحابه وعماله وأمته
بالتيسير ونهاهم عن التعسير كما هو ثابت في أحاديث الصحاح والسنن المشهورة.
(3)
قوله في توجيه مسلكهم إن الشريعة شاهدة بأن كل حرام فالوسيلة إليه
مثله؛ لأن ما أفضى إلى الحرام حرام - فيه نظر من ثلاثة وجوه:
(أحدها) أن الوسائل ليست كالمقاصد في نفسها بل هي دونها في الخير
والشر والنفع والضر والحلال والحرام كما يظهر من الأمثلة التي ذكرنا آنفًا (في ص
39) أن النصوص وردت في النهي عنها لأنها ذريعة إلى الحرام القطعي.
(ثانيها) أن تحديد الوسائل في المسائل ودرجة إفضائها إلى المقاصد من
أشق الأمور فإذا لم تكن منصوصة اختلفت باختلاف الأفهام والآراء.
(ثالثها) جهة الدلالة فيها فإن من أحكام المقاصد مما لا يثبت إلا بالنص
القطعي كأصل العبادة والتحريم الديني فالوسيلة له أولى بذلك، ومنها ما يثبت
بالدليل الظني. واعتبر ذلك بقوله تعالى في الزواج: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَاّ تَعُولُوا} (النساء: 3) فقد أوجب تعالى على مَن
خاف على نفسه عدم العدل بين الزوجتين أو الأزواج أن يتزوج واحدة لأن التعدد
وسيلة للعول وهو الظلم المحرم لذاته. وكون تعدد الزوجات وسيلة إليه عند أكثر
المعددين في هذه الأزمنة مشاهَد، ويدل عليه من النص قوله تعالى: {وَلَن
تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} (النساء: 129) الآية ومع هذا لم
يقل أحد من هؤلاء الفقهاء بتحريم التعدد وعدم ثبوت الزوجية وما يترتب عليها من
الأحكام به.
(4)
استدل العماد على القاعدة الكلية التي ذكرها بحديث النعمان بن بشير
مرفوعًا: (إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن
كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في
الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن
لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه) الحديث وهو في الصحيحين وهذا
اللفظ هو الذي اختاره النووي في الأربعين. وقد روي عن غير النعمان بألفاظ
تختلف بعض الاختلاف. وهو لا يدل على تلك القاعدة الكلية لإجماع المسلمين على
أن من رعى سائمته أو دابته حول حمى وأمكنه اجتناب الوقوع فيه لا يكون رعيه
حرامًا كالرعي في الحمى وأن اتقاء الرعي حول الحمى إنما يطلب تورُّعًا واحتياطًا.
وللعلماء في تفسير (ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) تفصيل؛ لأنه إما أن
يكون من الكثيرين الذين لا يعلمونهن وإما أن يكون ممن يعلمون الحكم ولا يشتبهون
فيه، فإن كان ممن يعلمون أن هذا المشتبه فيه - لخفاء في وجه حله أو حرمته -
حلال فإنه لا يأثم به وإن كان ممن يعلمون أنه حرام فإنه يأثم. وأما من يقع في
المشتبه مع اشتباهه عليه فإنه لا يأمن أن يكون الحرام فكأنه تجرأ على الحرام، وكذا
من علم أنه ذريعة إلى الحرام كالذي يتزوج على امرأته وهو لا يثق من نفسه بالعدل
لكراهته للأولى وحبه للثانية فإنه لا يلبث أن يظلم، فهذان محملان للحكم بوقوعه في
الحرام وليس المعنى أن نفس المشتبه فيه حرام لأنه يخرج بهذا عن كونه مشتبهًا
فيه.
قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث من فتح الباري: ونختلف في حكم
الشبهات فقيل التحريم وهو مردود، وقيل الكراهة، وقيل الوقف كالخلاف فيما
يقبل الشرع. وحاصل ما فسره به العلماء الشبهات أربعة أشياء: (أحدها)
تعارض الأدلة كما تقدم (ثانيها) اختلاف العلماء وهي منتزعة من الأولى (ثالثها)
أن المراد بها مسمى المكروه لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك (رابعها) أن المراد
بها المباح. ولا يمكن لقائل هذا أن يحمله على متساوي الطرفين من كل وجه بل
يمكن حمله على ما يكون من قسم خلاف الأولى بأن يكون متساوي الطرفين باعتبار
ذاته راجح الفعل أو الترك باعتبار أمر خارج.. إلخ.
ومن ألفاظ الحديث ما هو صريح في أن الوقوع في الشبهات مدرجة للوقوع
في الحرام لا وقوع فيه كحديث ابن عمر (الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما
مشتبهات فمن اتقاها كان أنزه لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات أوشك أن يقع
في الحرام) .
وقال الحافظ ابن رجب في شرح الحديث: وقد فسر الإمام أحمد الشبهة بأنها
منزلة بين الحلال والحرام - يعني الحلال المحض والحرام المحض - وفسرها
تارة باختلاط الحلال والحرام. وذكر أن أصحابهم الحنابلة اختلفوا فيه هل هو
مكروه أو محرم؟ على وجهين وأن منهم من حمل ذلك على الورع.
وذكر هو وابن مفلح في الآداب الشرعية آثارًا عن كبار علماء السلف في
ذلك: (منها) ما رواه الحارث عن علي رضي الله عنه أنه قال في جوائز السلطان
لا بأس بها ما يعطيكم من الحلال أكثر مما يعطيكم من الحرام (ومنها) كان النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعاملون المشركين وأهل الكتاب مع علمهم بأنهم لا
يجتنبون الحرام كله.
قال الحافظ ابن رجب: وإن اشتبه الأمر فهو شبهة والورع تركه. قال سفيان:
لا يعجبني ذلك وتركه أعجب إليَّ. وقال الزهري ومكحول: لا بأس أن يؤكل
منه ما لم يعرف أنه حرام بعينه، فإن لم يعرف في ماله حرام بعينه ولكن علم أن
فيه شبهة فلا بأس بالأكل منه. نص عليه أحمد في رواية حنبل. وذهب إسحاق بن
راهويه إلى ما روي عن ابن مسعود وسلمان رضي الله عنهما وغيرهما من
الرخصة - وإلى ما روي عن الحسن وابن سيرين في إباحة الأخذ بما يقضي (؟)
من الربا والقِمَار، ونقله عن ابن منصور. وقال الإمام أحمد في المال المشتبه
حلاله بحرامه: إن كان المال كثيرًا أخرج منه قدر الحرام وتصرَّف في الباقي،
وإن كان المال قليلاً اجتنبه كله. وهذا لأن القليل إذا تناول منه شيئًا فإنه يتعذر معه
السلامة من الحرام بخلاف الكثير.
ثم قال: ومن أصحابنا مَن حمل ذلك على الورع دون التحريم، وأباح
التصرف في القليل والكثير بعد إخراج قدر الحرام منه وهو قول الحنفية وغيرهم
وأخذ به قوم من أهل الورع منهم بِشْر الحافي. ورخص قوم من السلف في الأكل
ممن يعلم في ماله حرام ما لم يعلم أنه من الحرام بعينه كما تقدم عن مكحول
والزُّهْرِي، وروي مثله عن الفضيل بن عياض، وروي في ذلك آثار عن السلف،
فصحَّ عن ابن مسعود أنه سئل عمن له جار يأكل الربا علانية لا يتحرج من مال
خبيث يأخذه يدعوه إلى طعام؟ ! قال: أجيبوه فإنما الهناء (أو المهنأة) لكم والوزر
عليه. اهـ. المراد منه.
فعلم بهذا كله أن من الجهل المبين أن يُعد ما يشتبه في أمره ولا يتبين وجه
الحلال والحرمة فيه من الحرام المحض ولو من الصغائر، فكيف يجوز أن يعد من
أكبر الكبائر التي أنذر الله مرتكبها بأشد الوعد ولعنه رسوله صلى الله عليه وسلم؟
وإنما يكثر مثله في كلام المقلدين الذين يأخذون بالتسليم كل ما يرونه في كتب مَن
قبلهم ولا سيما علماء مذاهبهم، ولا يعنون بالنظر في أدلتهم، بل يأخذونها بالتسليم
على علاتها. وعلى من ينظر في الأدلة أن يستقصي ما قاله أهلها المستقلون ويتحرى
في البحث عن غيرها وينصب الميزان المستقيم لترجيح بعضها على بعض، لا كما
فعل أخونا المفتي الهندي في مسألة الربا.
إذا تمهد هذا ظهر به الحق في الربا الذي نهى الله تعالى عنه في كتابه وتوعد
فاعله بما لم يتوعد بمثله على ذنب آخر - أنه ربا النسيئة الذي كان معروفًا في
الجاهلية كما قال من ذكرنا عباراتهم من أعلام العلماء المستقلين والتابعين لبعض
الأئمة في النظر والاستدلال، لا مجرد التعبد بالآراء والأقوال.
وإمام هؤلاء القائلين بذلك حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس
رضي الله عنهما. ونعيد القول ونكرره بأنه هو ما يؤخذ من المال لأجل تأخير
الدين المستحق في الذمة إلى أجل آخر مهما يكن أصل ذلك الدين من بيع أو قرض
أو غيرهما، وهذا النوع هو الذي كان يتضاعف بعجز المدين عن القضاء مرة
أخرى حتى يصير أضعافًا مضاعفة ويستهلك جميع ما يملكه المدين في كثير من
الأحيان.
وبهذا تظهر حكمة العليم الحكيم في ذلك الوعيد الشديد عليه وفي تسميته ظلمًا،
ولا يظهر هذا في كل قرض جر نفعًا، ولا في بيع أحد الأجناس بمثله متفاضلاً
نقدًا أو نسيئة، فضلاً عن تثمير الأموال بالشركات التجارية التي لا تلتزم شروط
الفقهاء فيها كما يأتي بعد وإنما يظهر من سبب النهي عن هذه البيوع أنه سد لذريعة
الربا المحرم القطعي، وهذه الذريعة مظنونة لا قطعية، وقد ذكرنا آنفًا بعض ما لها
في الشريعة من الأمثلة، ومن المنهيات في الأحاديث ما هو محرم وما هو مكروه
أو خلاف الأولى، وما هو لمحض الإرشاد لا للتشريع الديني، وإنما يكون التمييز
بين هذه الأنواع بالأدلة الخاصة أو القواعد العامة أو التعارض بين النصوص
وترجيح الأقوى كالنهي عن أكل لحوم سباع الوحش والطير مع حصر نصوص
القرآن لمحرمات الطعام في الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وما أُهل لغير الله
به. وقد حققنا أن النهي فيه للكراهة وفاقًا لمذهب مالك جمعًا بينه وبين نصوص
القرآن القطعية الرواية والدلالة بصيغتي الحصر. وبينا فيه أن التعبير في بعض
الروايات بالتحريم قد يكون رواية بالمعنى لفهم الراوي أن المراد من النهي التحريم.
وكذلك يقال في النهي عن بيع النقدين وأصول الأغذية المذكورة في حديث
عبادة (إلا يدًا بيد مثلاً) بمثل إذا اتحد الجنس، والاكتفاء بالتقابُض إذا اختلف.
ومما يدل على أن هذا النهي غير مقصود بالذات ما صح في إباحة بيع العرايا
والحيلة في بيع الكثير من التمر الرديء بالقليل من التمر الجيد بأن يجعل العقد على
بيع كل منها بالثمن. وهذا أصل من أصول أدلة مَن جوزوا الحيلة في الشرع ولكن
لا يصح هذا الاستدلال إلا في المسائل التي لا تضيع فيها علة الحكم وتذهب حكمة
الشارع فيه كمسألة بيع التمر بالتمر التي أفتى فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
وسنعقد لهذا البحث فصلاً خاصًّا إتمامًا لتحقيق مسألة الربا العامة من كل وجه.
_________
الكاتب: محمد رشيد رضا
فتاوى المنار
حكم قراءة الجرائد والمجلات
(س1) من صاحب الإمضاء في دبي - خليج فارس
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة السيد الأجلّ مفتي الأمة، وبحر العلوم، وعلامة الزمان، وترجمان
القرآن، قامع المبتدعين، البحر الزاخر، والصارم الباتر، السيد محمد رشيد رضا
رضي الله عنه وأرضاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فالمرجو من فضيلتكم الجواب عن هذا السؤال: وهو أنه قد حصل في بلدتنا
خلاف بين طلبة العلم؛ فإن فريقًا منهم يعترض على فريق آخر بسبب انكبابهم على
قراءة الجرائد والمجلات الأسبوعية واليومية؛ ويشمل ذلك الجرائد المصورة،
فالواجب أن تصرفوا أوقاتكم في مطالعة كتب السنة والتفاسير والفقه؛ لأن بها سعادة
الدارين، وهذه الجرائد من لهو الحديث المشار إليه في الآية، والدليل في عدم الفائدة
منها أن هذه مصر؛ الجرائد والمجلات بها مذ عهد بعيد ولم تنتفع ولم تتخلص من
الرق، وهذه الأمة العربية جند الإمام ابن السعود أيده الله بنهوضهم في هذه المدة
القريبة حصل خير كثير والمستقبل يبشر بالخير مع أنهم لم يطالعوا جرائد
ولا مجلات.
ويقول الفريق الآخر هل الخير إلا في الجرائد وهي تذكي الذهن وتحرك
الأفكار وتفيد عن تطور العالم وهي من أنعُم الله الكبار.
فالرجاء من فضيلتكم الإيضاح والتخطئة والتصويب لأنه حصلت مشاحنة
تكدر الخاطر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
…
...
…
...
…
...
…
...
…
أحمد بن حسن
(ج) إن الجرائد والمجلات التي توصف بالدورية مثل الرسائل والكتب في
القصص والأدب والتاريخ والعلوم منها الضار والنافع، وفيها الحق والباطل، فلكل
من مادحيها وذامِّيها وجه، ويختلف حكم قراءتها باختلاف موضوعاتها واستعداد
قارئيها في العلم ورسوخ العقيدة الصحيحة، والآداب الشرعية القويمة، فإن في
بعضها ما هو كفر صريح وصد عن الدين بضروب من الشبهة والتأويل، وفي
بعضها تزيين للشهوات المحرمة وغير ذلك من المعاصي، كما أن في هذه وغيرها
كثيرًا من المسائل العلمية والتاريخية وأخبار السياسة التي تفيد صاحبها عبرة وخبرة
وتثقيفًا، وإنني أعلم أن كثيرًا من قرائها قد فسدت عقائدهم وآدابهم، ولا بد أن
تكونوا رأيتم في المنار ردودًا على بعضها بالتعيين تارة وبالإبهام تارة، وأن كثيرًا
من قرائها لا يحملهم عليها إلا التلذُّذ والتسلِّي بما فيها من الغرائب، دون ما
يزعمون من الفوائد، وناهيك بالمصورة التي تعنى بصور النساء العاريات
والمتبرجات، وأخبار العاشقين والمعشوقات، والمدار في نفع ذلك وضره منوط
بحسن الاختيار وسوء الاختيار.
فمن الجرائد المصرية التي يحسن اختيارها في قطر إسلامي كبلادكم جريدة
كوكب الشرق اليومية والفتح والشورى والمصلح الأسبوعيات، ومن المجلات
المصرية مجلة مكارم الأخلاق والزهراء والهداية ومجلة الشبان المسلمين، ومن
الجرائد السورية العهد الجديد والنداء اليوميتان والنذير الأسبوعية من جرائد بيروت
وجريدتا الحياة والجامعة العربية من جرائد فلسطين والهداية البغدادية والحلبية،
وأم القرى الحجازية.
ومن المجلات مجلة الكشاف البيروتية والإصلاح الحجازية ومجلة الكويت.
فمَن كان يريد قراءة الصحف من أهل بلادكم الإسلامية العربية لما فيها من
الفوائد العلمية والأدبية والسياسية مع الأمن من المفاسد الدينية ونزعات الإلحاد،
وإباحة الفسق والفساد، فليختر لنفسه بعض هذه الجرائد والمجلات، ومن رغب
عنها إلى الصحف التي ينشرها بعض الملاحدة أو الكفرة لإفساد عقائد المسلمين
وأخلاقهم وتفريق كلمتهم ويجذبون الشبان إلى قراءتها بصور النساء العاريات وغير
ذلك من مثارات الشهوات - فهم يجنون على أنفسهم وعلى أمتهم وبلادهم من حيث
لا يشعرون.
***
تفسير آية (ما ننسخ
…
)
(س2) من صاحب الإمضاء (الطلفون - الدار البيضاء بالمغرب)
صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل رشيد رضا دامت معاليه، تحية وسلامًا لائقين
بمقامكم الشريف، هذا فالمنهى لسماحتكم سؤال أرجو الجواب عنه وهو قوله تعالى:
{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلَا المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن
رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ * مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ
نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة:
105-
106) .
ملخص السؤال المعروض لفضيلتكم هو قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ
نُنسِهَا} (البقرة: 106) هنا قد ظهر لي أن ما ننسخ من توراة وإنجيل أو نُنسي
اليهود في التوراة وننسي النصارى في الإنجيل. لا كما قال بعض المفسرين أن
عشرين آية نسخت ويستدلون بالآية، وأستدل على رأيي بأن الآية السابقة قوله
تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلَا المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ
خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} (البقرة: 105) وأي خير أفضل من القرآن؟
هذا وإني ملتمس من فضيلتكم أن تمنحوني عفوًا والكريم مَن عذر مَن اعتذر،
وأقال عثرة من عثر، إن وقع غلط في فهمي للآية، مع أتمّ الرجاء أن تلهمني إلى
الصواب، وتبدي نظركم السديد، وأسأله سبحانه أن يسدد أعمالنا ويوفقنا لما يحبه
ويرضاه، ودمتم محروسين بعنايته، والسلام ختام.
…
...
…
...
…
...
…
... السيد محمد اليعقوبي
(ج) جمهور المفسرين والفقهاء على أن النسخ المراد من هذه الآية هو
نسخ آيات الأحكام الشرعية، فعلى هذا القول يظهر لفهمكم في الآية وجه وجيه
بقرينة الآية التي قبلها. وللآخذين برأيهم أن يقولوا: إن هذه القرينة لا تقتضي
الحصر فالآية تدل على أن ما ينسخه الله تعالى من التوراة والإنجيل وما ينسخه من
القرآن أو ينسيه منهما سواء في كونه يأتي بخير منه أو مثله، ولكن هذا لا يدل
على أن في القرآن عشرين آية منسوخة وهو العدد الذي اعتمده السيوطي في
الإتقان، ولا على ما قال بعضهم من أن المنسوخ بضع آيات فقط، فالعدد لا يدخل
في مفهوم الآية من باب ولا من طاق.
وفي الآية وجه آخر وهو أن لفظ (آية) فيها معناه، الآية الكونية أي المعجزة
التي يؤيد الله بها الرسل عليهم السلام؛ إذ كان الكفار يطالبونه عليه السلام بآية من
تلك الآيات ولا سيما آيات موسى عليه السلام إذ {قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا
أُوتِيَ مُوسَى} (القصص: 48) ويؤيده قوله تعالى بعدها: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن
تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ} (البقرة: 108) وهو الذي اختاره
شيخنا وتجدونه مفصلاً في تفسيرها من الجزء الأول من تفسيرنا.
***
حبوط أعمال المشركين بالشرك
(س3) من صاحب الإمضاء في البترون (لبنان)
حضرة الأستاذ الجليل، إمام المسلمين، ومحيي شريعة سيد المرسلين،
الشيخ رشيد أفندي رضا المحترم.
السلام عليكم وبعد:
فقد قرأت في العدد الرابع من المجلد الثلاثين في مجلتكم الغراء ما يأتي:
بعد ما ذكر الله في كتابه أن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا هم أعظم درجة وأسمى
مقاماً من الذين يسقون الحاج ويخدمون البيت. قلتم في تفسير هذه الآية التي تؤدي
هذا المعنى: لا مراء في كون هذين العملين من أعمال البر التي يكون لصاحبها
درجة عند الله إذا فعلا ما يرضي الله ولذلك أقرهما الإسلام دون غيرهما من وظائف
الجاهلية، ولكن الشرك يحبطهما ويحبط غيرهما من أعمال البر التي كانوا يفعلونها
كما تقدم. اهـ.
فالعجبُ كيف يُحْبِطُ الشركُ الأعمالَ التي هي بحد ذاتها حسنة خيرية والله لا
يضيع للإنسان مثقال ذرة من خير أو شر كما جاء في قوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَهُ} (الزلزلة: 7-8) وعدل
الله أجلُّ من أن يجعل المشرك الذي يفسد في الأرض كالمشرك الذي يعمل الأعمال
الخيرية. ومعلومكم أن كلمة (مَن) عامة كما هو معلوم من علم الأصول تعم
المؤمن والمشرك. فالرجاء نشر الجواب على صفحات مجلتكم الغراء ودمتم.
…
...
…
...
…
...
…
مدير مدرسة البترون الإسلامية
…
...
…
...
…
...
…
... محمد فؤاد إشراقية
…
...
…
...
…
...
…
... من طرابلس الشام
(ج) أما الدليل على الحبوط فآيات صريحة في القرآن، منها قوله تعالى:
{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (الزمر: 65) {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا
كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام: 88) {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي
الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ} (المائدة: 5) {فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ
وَزْناً} (الكهف: 105) وأما وجهه المعقول فهو أن الشرك بالله والكفر بأصول
الدين من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر يفسد الأنفس البشرية
ويدنسها دنساً لا تؤثر معه الأعمال البدنية في إزالته وتزكية الأنفس منه بل تكون
كقليل من الماء أو نقط من العطر تُلقَى في مجتمع القذر من الكنيف لا يكون لها
أدنى تأثير في تطهيره، فضلاً عن تطييبه.
وأما قوله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
…
} (الزلزلة: 7) إلخ فيجيب عنه
العلماء بأنه عام مخصوص بغير المشركين والكافرين وقالوا: إنهم يُجزَوْن في الدنيا
على أعمالهم الحسنة، ولكن موضوع النص أن كل أحد يعرض عليه يوم الجزاء ما
عمل من خير فيراه في الحساب الذي يترتب عليه الجزاء فإذا وُزنت أعمال
المشرك الحسنة مع شركه وما له من سوء التأثير في تدنيس نفسه بالخرافات
والسيئات تطيش كِفَّة تلك الحسنات فيكون معنى حبوط عمله أنه لا يرى له تأثيرًا
في النجاة من العذاب ودخول الجنة، فكأنه لا وجود له إلا أن يكون في كون عذابه
يكون دون عذاب مَن لم يعمل تلك الأعمال، وبهذا تنتفي المساواة بين المشركين
المنافية للعدل، وقد بيَّنا في الكلام على الجزاء أن عذاب الكفار في النار يتفاوت
بحسب أعمالهم وما كان لها من التأثير في أنفسهم كغيرهم إلا أنها لا تبلغ درجة أقل
المؤمنين عملاً صالحًا، وقد ورد في أصحاب المعاصي من المسلمين أن أصحاب
الحقوق عليهم من العباد يأخذون من حسناتهم بقدر حقوقهم عليهم فإذا لم تفِ بها
حملوا من أوزارهم بقدر ما بقي منها، وورد في الحديث تسمية هؤلاء بالمفلسين.
ولكن مَن مات على الإيمان الصحيح لا بد أن تكون عاقبته الخروج من النار إذا
عُذب فيها بمعاصيه ثم يدخل الجنة.
_________
الكاتب: محمد رشيد رضا
فتاوى المنار
أسئلة من صاحب الإمضاء في بيروت
(س 4 - 6)
حضرة صاحب الفضل والفضيلة سيدنا ومولانا العالم العلامة الأستاذ الجليل
السيد محمد أفندي رشيد رضا صاحب مجلة المنار الغراء حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإني أرفع لفضيلتكم ما يأتي، راجياً التفضل بالإجابة عليه:
1-
هل يجوز لجمعية إسلامية أُسست لخدمة الدين وأبناء الأمة الإسلامية
كجمعية المقاصد الإسلامية في بيروت وغيرها - أن تُدخل في مدارسها معلمين غير
مسلمين لتعليم أولاد الأمة الذين هم مطمح أنظارها في نشر الدين وتقويته مع وجود
معلمين مسلمين فيهم الكفاءة التامة لما عساه أن ينشأ عن غير المسلمين أمور تنافي
ديننا الإسلامي سواء بالمقال كبثّ بذور الفساد في النفوس، أو بالحال ككونهم
بصفات لا تلائم مبادئ الدين مما تنتشر به النفوس الساذجة؛ لأن التلاميذ مرآة
معلميهم، وفيهم قابلية انطباع ما يصدر عنهم من صلاح أو فساد، هل ذلك يجوز
أم لا؟
2-
ما قول السادة علماء الدين الإسلامي الحنيف فيمن لا يصوم ولا يصلي
خوفاً من تجعيد ثيابه كالبنطلون وغيره فهل هو مسلم أم لا؟ وما هي الضرورة التي
يباح فيها عدم الصوم والصلاة؟
أرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا جميع أسماء مؤلفاتكم؛ لأننا نريد اقتناءها
وأن تتكرموا بالجواب الكافي عن ذلك كله.
ولكم من الله تعالى عظيم الأجر والثواب.
…
...
…
...
…
...
…
... مصطفى أحمد شهاب
…
...
…
...
…
...
…
...
…
... بيروت
أجوبة المنار
(4)
حكم جعل غير المسلم معلماً لأولاد المسلمين:
يجوز للأفراد وللجمعيات استئجار غير المسلم لتعليم أولاد المسلمين ما
يحتاجون إليه من العلوم الدنيوية النافعة؛ كالحساب والاقتصاد مثلاً، إذا كان متقنًا
لذلك ولا يُخشى على الأولاد ضرر منه في دينهم ولا في تربيتهم القومية والملية، ولا
يجوز مع خشية الضرر مطلقاً مهما يكن نوعه وإذا وجد معلمان سيان في ذلك العلم
وفي فن التعليم أحدهما مسلم والآخر غير مسلم فإسلام المسلم كافٍٍ في ترجيحه كما
أن المسلم التقي الحسن الآداب يرجح على مَن دونه في التقوى والأدب لا على
الفاسق فقط. ورُبَّ كافر أقل ضرراً في التربية من فاسق، فالعبرة بدرء المفسدة أولاً
ثم بتحقق المصلحة.
***
(5)
ترك الصيام والصلاة لغير عذر شرعي:
لا يترك الصلاة مسلم صحيح الإيمان خوفاً من تجعيد ثيابه، ولا لما هو فوق
ذلك تشعيثاً لهيئته وهندامه، ففاعل ذلك ليس له من الإسلام نصيب إلا لقبه
الموروث عن آبائه، وإنما الإسلام الإذعان العملي الذي يقتضيه الإيمان الصحيح
بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. والمراد أن ترك الصلاة في مثل هذا
مسبب عن عدم الإسلام لا سبب له في الغالب كما فصلناه في تفسير قوله تعالى:
{.. فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (التوبة: 11)
فراجعْه. ولا عذر يبيح ترك الصلاة إلا سقوط التكليف مطلقاً كالجنون أو موقتاً
بنوم أو إغماء أو نسيان مثلاً. وأما الصيام فيباح تركه في المرض والسفر على أن
يقضي ما فاته بعد الشفاء والإقامة ويجوز كذلك للحامل والمرضع أن تفطر في
رمضان إذا خافت على نفسها أو ولدها. ومن عجز عن الصيام لهرم أو مرض لا
يرجي برؤه أفطر وأطعم مسكيناً عن كل يوم من رمضان كما هو مفصَّل في كتب
الفقه، فمن كان غير عالم بذلك فعليه أن يسأل عنه أهل العلم ولا تتسع هذه الفتاوى
لتفصيله كل ما سُئلنا عنه.
***
(6)
مؤلفاتنا المطبوعة:
(1)
تفسير القرآن الحكيم وقد تم منه تسعة أجزاء.
(2)
تفسير الفاتحة وقد طُبع معه مقالات في التفسير وغيره للأستاذ الإمام.
(3)
خلاصة السيرة المحمدية وكليات الإسلام.
(4)
الوحدة الإسلامية وفيه مقالات المصلح والمقلد.
(5)
يسر الإسلام والتشريع العام.
(6)
شبهات النصارى وحجج الإسلام.
(7)
نظرة في عقيدة الصلب والفداء عند النصارى.
(8)
الخلافة أو الإمامة الكبرى.
وتجدون أسماء هذه الكتب وغيرها مع بيان أثمانها في غلاف المنار أحياناً.
***
أسئلة من صاحب الإمضاء في زِنْجِبَار
(س7 - 12) لصاحب الإمضاء
حضرة العلامة صاحب المنار الأغرّ السيد محمد رشيد رضا:
1-
نقدم إلى فضيلتكم السؤال الآتي لتجاوبوا عنه في مجلتكم الشريفة.
سيدي مَن هم المحققون من علماء الإسلام، فهل يطلق هذا اللقب على علماء معينين
أو لكل فن من فنون علوم الدين ووسائلها محققون؟ فإن كان يطلق على معينين
فاسردوا لنا أسماء بعضهم، وإن كان لكل فن محققون فاسردوا لنا أيضًا أسماء
بعض من محققي التفسير.
ولكم من الله الأجر الجزيل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2-
ما قولكم في الترضِّي على الخلفاء الراشدين، وبقية العشرة والدعاء
لسلطان البلد في الخطب كخطبة الجمعة أو العيدين أو الخسوفين أو الاستسقاء،
وحقيقة أنه جارٍ من عهد سيدنا عمر رضي الله عنه أم لا؟
3-
هل الأذان الثاني يوم الجمعة بين يدي الخطيب تحت المنبر كان في عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا؟
4-
هل ما يفعله المؤذنون على مئذنة المساجد قبل أذان صلاة الصبح ويوم
الجمعة من الأذكار والأدعية والصلاة على رسول الله بصوت نُكُر - واجب؟
5-
هل من وقف أو أوصى بأن يصنع يوم موته أو بعده طعام أو إعطاء
دراهم معدودة لمن يتلو القرآن العظيم أو يسبح أو يهلل أو يصلي على النبي صلى
الله عليه وسلم أو يصلي نوافل ويهدي ذلك إلى روح الموصي أو من يريده هل
تكون وصيته ووقفه صحيحين أم لا؟
6-
هل كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين
التهليل أو أي ذكر مع تشييع الجنائز؟ فإن قلتم: لا، هل يجوز، أم بدعة،
أيحسن عملها أم لا؟
سيدي: الرجاء من فضيلتكم فيما تثبتون ابتداعه أسماء المبتدعين وإماتتهم به
الدين. ولكم الأجر الجزيل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
…
...
…
...
…
...
…
... محمد عبد الله قرنح
أجوبة المنار
(7)
العلماء المحققون:
في علماء كل علم وفن محققون كالأئمة الواضعين لها والمجتهدين فيها، ونقلة
مقلدون لهم، والمؤلفون يطلقون لقب المحقق على من يعجبهم بحثه واستدلاله، وقد
اشتهر بلقب المحقق أفراد من العلماء عند أكثر المؤلفين كالسعد التفتازاني في
العلوم النظرية وابن القيم في العلوم الشرعية من الكتاب والسنة والكمال بن الهمام
في فقه الحنفية والنووي في فقه الشافعية. وابن هشام في النحو. وأما التفسير
فللعلماء فيه مسالك لا نعرف أحداً محققًا فيها كلها ولكن الإمام الطبري أجمعهم
للروايات والمعاني الفقهية والتاريخية، والحافظ ابن كثير أمثلهم في تحقيق التفسير
المأثور، والزمخشري أدقّهم في تحرِّي المعاني اللغوية للألفاظ متناً ونحواً وبياناً إلا
ما يؤيد به مذهب جماعته المعتزلة، ومثله البيضاوي من مفسري الأشعرية في
المسائل الكلامية والفقهية والعربية، والخفاجي مُحَشِّيه في العلوم العربية، وأبو
السعود في نكت البلاغة.
***
(8)
الترضِّي عن الصحابة والدعاء للسلاطين:
الترضي عن الخلفاء الراشدين وسائر العشرة من الصحابة المبشرين بالجنة
رضي الله عنهم حسن وقد شرع الله لنا أن ندعو لأنفسنا ولإخواننا الذين سبقونا
بالإيمان وهؤلاء العشرة خيارهم، ولا ينبغي أن يلتزم دائماً لئلا يظن العوام أنه
واجب، وإذا كان ملتزماً في بلد وخشي من سوء تأثير تركه في العامة فينبغي
للخطيب أن يتقي سوء هذا التأثير بأن يذكر على المنبر أن هذا دعاء مستحب على
إطلاقه ولم يطلبه الشرع في الخطبة فهو ليس من أركانها ولا من سننها. وإلا بقي
مواظباً عليه.
وكذلك الدعاء لولي أمر المسلمين أو لأولياء، أمورهم ويراعَى فيه أن لا يكون
متضمناً لمنكر كإقرار الظلم أو الفسق ومدح أهلهما، ولا لألفاظ من الإطراء في
المدح والتعظيم الذي لا يليق أن يوجَّه إلا إلى الله تعالى.
وأما الدعاء للسلطان المعين باسمه فهو بدعة استحسنها بعض المؤلفين
بشرطها.
قال الإمام النووي في المجموع - أي شرح المهذب -: وأما الدعاء للسلطان
فاتفق أصحابنا على أنه لا يجب ولا يستحب، وظاهر كلام المصنف وغيره أنه بدعة
إما مكروه وإما خلاف الأولى. هذا إذا دعا له بعينه، فأما الدعاء لأئمة المسلمين
وولاة أمورهم بالصلاح والإعانة على الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك ولجيوش
الإسلام - فمستحب بالاتفاق.
والمختار أنه لا بأس بالدعاء للسلطان بعينه إذا لم يكن مجازفة في وصفه والله
أعلم. اهـ.
وقد صرح بعض الفقهاء بأن ما يجب من الإنصات عند إلقاء خطبة الجمعة
يستثنى منه الإنصات وقت الدعاء للسلاطين وخاصة الظلمة والفساق منهم. وقد
بينا هذا في مواضع لا أذكر منها الآن إلا ما في المجلد التاسع من المنار (سنة
1324) (الموافق 1906) ، ونقلنا هنالك عبارة من شرح الإحياء للزبيدي نعيدها
هنا مع ما قبلها مما قاله في الدعاء للخلفاء والصحابة وهو:
وينبغي أن تكون الخطبة الثانية هكذا: الحمد لله نحمده ونستعينه.... إلخ؛
لأن هذا هو الثانية التي كان يخطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر
الخلفاء الراشدين عموماً والعمين والسبطين وأمهما وجدتهما مستحسن، وإن احتاج
إلى ذكر الأربعة الخلفاء على الخصوص بأن كان في بلد فيه الرافضة فلا بأس أن
يطيل بذكرهم كل واحد باسمه مع الأوصاف اللائقة بهم ثم يعطف عليهم بالباقين من
العشرة. ومما يكره للخطيب المجازفة في أوصاف السلاطين بالدعاء لهم، فأما أصل
الدعاء للسلطان فقد ذكر صاحب المهذب وغيره أنه مكروه، والاختيار أنه لا بأس به
إذا لم يكن فيه مجازفة في وصفه ولا نحو ذلك فإنه يستحب الدعاء بصلاح ولاة
الأمر والآن صار واجباً؛ لأنه مأمور به من السلطان.
هذا ما ذكره عن فقهاء الشافعية وهو معنى ما تقدم عن المجموع إلا قوله
الأخير بوجوبه فلم أره في كتبهم ثم أورد جملة مما قاله علماء مذهبه الحنفية فقال:
وكرهوا الإطناب في مدح الجائرين من الملوك بأن يصفه عادلاً وهو ظالم أو
يصفه بالغازي وهو لم يوجف على العدو بخيل ولا ركاب، ولكن مطلق الدعاء لهم
بالصلاح لا بأس به وكذا لا بأس بأن يصفه ببعض الألقاب اللائقة بحاله؛ فإن
تعظيم الملوك شعار أهل الإسلام [1] وفيه إرهاب على الأعداء [2] وقد اتفق أن
الملك الظاهر بيبرس رحمه الله تعالى لما وصل الشام وحضر لصلاة الجمعة أبدع
الخطيب بألفاظ حسنة يشير بها إلى مدح السلطان وأطنب فيه فلما فرغ من صلاته
أنكر عليه وقال - مع كونه تركيًّا -: ما لهذا الخطيب يقول في خطبته.. السلطان
السلطان ليس شرط الخطبة هكذا؟ ! ، وأمر به أن يُضرب بالمقارع فتشفَّع له
الحاضرون. هذا مع كمال علم الخطيب وصلاحه وورعه، فما خلص إلا بعد الجهد
الشديد. واتفق مثل هذا لبعض أمراء مصر في زماننا لما صلى الجمعة في أحد
جوامع مصر وكان مغروراً بدولته مستبدًّا برأيه، وربما نازعته نفسه في خلافه على
مولانا السلطان نصره الله تعالى، فأطنب الخطيب في مدحه بعد أن ذكر اسمه بعد
اسم السلطان فلما فرغ من صلاته أمر بضرب ذلك الخطيب وإهانته ونفيه عن
مصر إلى بعض القرى. فهذا وأمثال ذلك ينفي للخطباء أن يلتمسوا سخط الله تعالى
برضا الناس فإن ذلك موجب لسخط الله تعالى والمقت الأبدي، نسأل الله العفو منه
آمين. اهـ.
***
(9)
أذان الجمعة:
إنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أذان واحد لصلاة الجمعة
وهو الأذان بين يدي الخطيب؛ لأن كل المؤمنين الموجودين في المدينة كانوا
يجتمعون في المسجد ويتسابقون إلى التبكير إليه. وحدث الأذان الآخر في عهد
عثمان رضي الله عنه للحاجة إليه بكثرة الناس وذلك معروف في كتب الصحاح
والسنن المشهورة، وقد بيناه من قبل.
***
(10)
الزيادة في الأذان:
ما يفعله المؤذنون في كثير من البلاد من الأذكار وغيرها قبل أذان الصبح
وأذان الجمعة على المنارة - كله بدع، وكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
بعد الأذان متصلاً به مع رفع الصوت، ولا يدخل ذلك في عموم الذكر والصلاة
عليه صلى الله عليه وسلم الواردة في الأحاديث المطلقة؛ لأنه يجب علينا التزام
ما كان عليه المسلمون في الصدر الأول من إطلاق وتقييد ولا سيما شعائر الإسلام
كالأذان والإقامة، فلا نزيد فيهما ولا ننقص منهما، وقد شرحنا هذه المسألة مراراً،
ولو قلت لمن يفعلون ذلك ولمن يقرونهم عليه: هل لنا أن نزيد في إقامة الصلاة
ذكراً أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لقالوا: لا يجوز ذلك؛ لأنه من
الشعائر التي يجب فيه التزام المأثور الذي كان عليه المسلمون في عهده صلى الله
عليه وسلم فقل: أوَ ليس الأذان كذلك؟ وكذلك المدائح الشعرية التي يتغنى بها
المؤذنون يوم الجمعة قبل الأذان بدعة، ومنهم من كان يفعلها قبل الخطبة أيضًا وقد
كثر في عصرنا من أنكرها من أنصار السنة في ديار مصر والشام فتُركت في كثير
من المساجد وستُترك في باقيها إن شاء الله تعالى.
***
(11)
الوصية والوقف في إهداء العبادة للميت:
الذي أعتقده أن العبادات البدنية لا تنفع إلا مَن عبد الله تعالى بها مخلصاً له
فيها، وأن فاعلها لا يملك إهداءها إلى غيره ولا ينتفع بها من تُهدَى إليه، وعلى هذا
لا يصح أن يوصى لفاعلها بمال لأجل إهدائها للموصي ولا الوقف لأجل ذلك.
ولكن بعض الفقهاء يرون أن ثواب قراءة القرآن يصل إلى الميت الذي يُقرأ
لأجله ويُهدى ثوابه إليه كالصدقة لا الصلاة، ويجيزون الوصية به والوقف عليه،
فالمسألة مما تنازع فيه العلماء فوجب ردّها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم، فمن كان أهلاً لمعرفة أدلتها منهما وجب عليه اتباع ما ظهر له من
دلائلهما بنفسه؛ وإلا فبإرشاد بعض العلماء بهما، وقد بينت أدلة ذلك بالتفصيل في
تفسير آخر سورة الأنعام (ص256، ج8 تفسير) .
***
(12)
الذكر برفع الصوت في الجنائز:
إن ما اعتاده بعض أهل الطرق وغيرهم من الذكر في حال تشييع الجنازة
برفع الصوت وزيادة بعضهم قراءة أبيات من البردة - كله من البدع، وقد ورد
النهي عن رفع الصوت في الجنازة مرفوعاً وفي عمل الصحابة. قال ابن مفلح في
الفروع: ويُسن الذكر والقراءة سِرًّا وإلا الصمت، ويُكره رفع الصوت ولو بالقراءة
اتفاقاً. قاله شيخنا، وحرمه جماعة من الحنفية وغيرهم. وقال الشيخ الموفق في
المُغني:
ويكره رفع الصوت عند الجنازة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تتبع
الجنازة بصوت، قال ابن المنذر: روينا عن قيس بن عباس أنه قال: كان
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث: عند
الجنائز، وعند الذكر، وعند القتال. وذكر الحسن عن أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنهم كانوا يستحبون خفض الصوت عند ثلاثة فذكر نحوه.
وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وإمامنا (أي
أحمد) وإسحاق قول القائل خلف الجنازة: استغفروا له. وقال الأوزاعي:
بدعة، وقال عطاء: محدثة. وقال سعيد بن المسيب في مرضه: إياي وحاديهم هذا
الذي يحدو لهم يقول: استغفروا له غفر الله لكم، فقال ابن عمر: لا غفر الله
لك، رواهما سعيد. قال أحمد: ولا يقول خلف الجنازة: سلم رحمك الله، فإنه بدعة،
ولكن يقول: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر الله إذا
تناول السرير.
_________
(1)
هذه دعوى باطلة؛ لأن زمن التشريع والأحكام الدينية - ولا سيما الشعائر - لم يكن فيه شيء من، ذلك بل لم يكن فيه ملوك مفتونون بالتعظيم.
(2)
وهذا باطل أيضًا؛ فإن أعداءنا يحتقروننا بشدة إطرائنا وتذللنا للسلاطين.
الكاتب: محمد رشيد رضا
مساواة المرأة للرجل
في الحقوق والواجبات
الشبهات على حق المساواة في الميراث
- 12 -
كتب الدكتور فخري ميخائيل الكاثوليكي في محاضرته كل ما قاله الدكتور
عزمي اللاديني في مناظرته، وما أيدته به الآنسة هانم محمد - والظاهر أنها على
عقيدته - من الشبهات على وجوب مساواة المرأة للرجل في الميراث، وزاد
شبهاتهما إيضاحًا وشرحًا، إذ كان أوسع منهما وقتًا، وانفرد عزمي دونه بزعم
واحد، وهو أن نظام الإرث وُضع في الإسلام للاستدراك على ما في أحكام الإرث
من جمود تقتضي أطوار الزمان الخروج عنه، فالمسلمون يتركون بعض أحكام
الميراث بوقف أموالهم على من يريدون إعطاءهم من مال مورِّثهم فوق ما تعطيهم
تلك الآيات.
هذا ما فهمته من كلامه في هذا الزعم فأبدأ بالتصريح ببطلانه، ثم أنقل كلام
الدكتور فخري بنصه وأفنده بالدليل العقلي فيتم الرد على الجميع.
ألا فليعلم مُفْتَحِر هذا الزعم أن الوقف على الذرية بما يخالف الفريضة
الشرعية ليس فيه نص من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم
يرتقي في قطعيته إلى أن يكون مخصصًا لكتاب الله تعالى، بل هو من توسُّع بعض
الفقهاء المختلف فيه بينهم وحجة من يقول ببطلان هذا الوقف وحظره أقوى من
حجة من يقول بجوازه وصحته.
ومن القائلين ببطلانه المحققون من الحنابلة، وقد صرحوا ببطلان قاعدة
الحنفية: أن شرط الواقف كنص الشارع، وإنما الوقف الصحيح هو ما يُحبس على
أعمال البر قربة لله تعالى، وكل شرط خالف كتاب الله تعالى فهو باطل بنص
الحديث الصحيح الذي لا خلاف في صحته، وقد بينا هذا في المنار من قبل، ولا
محل له في هذا البحث.
ثم إن الذين ينتقصون من بعض أحكام الشريعة في الميراث إنما يخالفونها في
توريث البنات غالبًا فيحبسون أملاكهم على الذكور وحدهم، فالتطور الذي يحتج به
طلاب المساواة بين المرأة والرجل في الإرث يقتضي حرمانها منه ألبتة لا مساواتها
للرجل فيه، فإن الذين يقفون أطيانهم ودورهم على أبنائهم يرون أن بناتهم لسن
أهلاً لإرث شيء منها؛ لأنهن صرن أو سيصرن أرومات لأسر (عائلات) أخرى
غير أسرة أبيهن، ومن ثم كانوا فاسقين عن شرع الله العدل المبني على أساس
الحكمة والرحمة.
وأما ما كتبه الدكتور فخري في بحث الواجب المالي للأمومة على المرأة
المقتضي للمساواة عنده فهذا نصه السقيم بحروفه:
(على المرأة واجبات مالية للأمومة؛ لأنها - رغم قيام الرجل بمصروفاتها
وأطفالها - مكلفة بحالة عجز زوجها عن القيام بواجباته المادية نحو العائلة بالعناية
بأطفالها وبنفسها على الأقل، هذا إذا لم تفكر - بعطفها المعروف عنها كامرأة تحب-
في العناية بزوجها في حالة عجزه. فإذا كان لها موارد ثروة خاصة فإنها
ستصرف على العائلة، ولذلك طالبنا بتعليم الفتاة حتى العلوم العالية أو الفنية التي
تليق بها لترجع إلى هذه المعارف إذا اضطرتها الظروف المعيشية إلى الجهاد للحياة،
فتكون أسلحة الجهاد الشريف بين يديها. ومن هذا ترون أن المرأة عليها واجبات
مالية للأمومة رغم عناية الزوج بهذه الواجبات. وفي حالة قيام الزوج بكل واجبات
العائلة المالية ثروة الزوجة تُختزن للظروف ولتحسين حالة أبنائها وبناتها من بعدها
سواء بسواء، كما لو كانت الزوجة غنية وزوجها فقيرًا؛ فإنهما سيصرفان على
قدر ثروة الزوج إذا كان أبيًّا وسيخزنان ثروة الزوجة للأولاد. وأما إذا قبل الزوج
الصرف من مال زوجته فستكون مورد رزق العائلة.
هذا من جهة المرأة وواجبها نحو الأمومة المتزوجة فما بالك في أمومة
مترملة أو أمومة مطلقة أو أمومة غير شرعية؟ هي هي كل شيء في القيام بحمل
الصرف المالي على هذه الأمومة، ومن هذا ترون - حضراتكم - أن المرأة
معرضة في حياتها لحمل عبء الأمومة حملاً تامًّا كالرجل، فلست أدري لماذا يريد
الرجل أن يعطيها نصف حقه في الميراث وهي إنسانة مثله لها الحق في التمتع
بميراثها كأخيها الرجل وعليها واجبات نحو أمومتها لا تقل عن واجباته نحو زوجته
أهمية.
وإن كان حق الميراث ناتجًا عن البنوة فهي أكثر منه عطفًا على والديها وهي
أكثر منه برًّا بهما في شيخوختهما وفي مرضهما وفي ساعات بؤسهما وشقائهما) .
هذا نص ما كتبه الدكتور فخري بعد قدح زناد الفكر، وطول التروي في
الأمر، ثم ألقاه في قاعة الخطابة من المدرسة الجامعة الأميركانية التبشيرية، كتبه
بعد هذيان كثير في شأن المرأة وظلم الرجل لها وقفَّى عليه بما تقدم تفنيده في المقالة
الماضية من التحكك بالشريعة الإسلامية. وهو يفرض - بل يزعم - أن أحكام
الشريعة من تحكم الرجال وظلمهم للنساء.
وإنني أفند هذه الشبهات الواهية بصريح من القول لا أدعمه بشيء من
المسلَّمات الخطابية، ولا أزينه بشيء من التخيلات الشعرية، ولا أشينه بشيء من
الإفك والبهتان، ولا من مكابرة الحس والوجدان، كما فعل فخري، وسبقه إلى مثله
سلامة موسى وعزمي، وأبني التفنيد على رد كلامه وأقصد به الرد على جميع
هؤلاء الدعاة إلى فوضى الإلحاد فأقول:
يعترف هؤلاء الذين يوجبون بأهوائهم مساواة المرأة للرجل في الميراث -
بأن الرجل هو الذي ينفق على المرأة وعلى أولادها منه، ويعلمون أن هذا واجب لها
عليه في الشريعة الإسلامية لها حق المطالبة به، وأن القاضي الشرعي يحكم لها به
ويُكرِه الرجل عليه في حال الامتناع، وأن لها أن تقترض عليه، ولا تكلَّف أن
تشتري لنفسها رغيفًا ولا ثوبًا، وإن كانت أغنى من (هدى شعراوي) .
ولعلهم لا يجهلون أيضًا أنه إذا امتنع أو عجز عن النفقة كان لها حق فسخ عقد
الزوجية، وكان على القاضي أن يحكم بذلك إذا طلبته منه وثبت عنده الامتناع ثم هم
يعترفون بأنها إذا أنفقت شيئًا في دارها على نفسها أو أولادها فإنما تكون في حكم
الشريعة متبرعة متفضلة، وإن قال الدكتور فخري إنها (واجبات مالية للأمومة)
فإنه لا يفهم المعاني الصحيحة للألفاظ التي يكتبها وإن كانت أقرب إلى لغته العامية
منها إلى العربية الفصيحة، ألا ترى أنه لا يميز بين ما للأمومة وما عليها؟
ثم إنه يصرح بأنه في حال قيام الزوج بكل ما يجب للعائلة من الحقوق المالية
(تختزن ثروة الزوجة للظروف ولتحسين حالة أبنائها وبناتها من بعدها) يعني أنها
تكون مالاً احتياطيًّا للعائلة يخزن في الصندوق إلى وقت الحاجة إليه ولو بعد الموت!
فليخبِِرْنا هؤلاء الجناة على الشريعة الحق العادلة، وعلى أفضل النظم لقوام
العائلة، أي عقل وأي قانون مالي في العالم جعل المال الاحتياطي الذي يدخر
للحاجة العارضة في المستقبل مساويًا للمال المعد في الميزانية لجميع النفقات
الواجبة التي لا يمكن تأخير شيء منها؟ !
نقول هذا وهو برهان لا يمكن رده على بطلان قولهم - على تقدير صحة
زعمهم - أن مال الزوجة المكنوز احتياطي مدخر للعائلة. وهو لا يصح على إطلاقه
بالاطِّراد كما هو مشاهَد في هذا الزمان، وسيصير شاذًّا إذا تفاقم خطب هذه
الفوضى في حرية النسوان، التي يسرف فيها دعاة الخروج على الشريعة والفسوق
من هداية الأديان.
والحجة عليهم أظهر فيما ظنوا أن الحجة لهم فيه، وهو ما عبر عنه الدكتور
فخري بقوله: (فما بالك في أمومة أرملة أو أمومة مطلقة، أو أمومة غير شرعية)
وهو يعلم من فساد هذه الأمومات الآن ما لا يعلمه أكثر الناس ونقول قبل البحث
فيها: إن المطلقة الرجعية زوجة تجب لها النفقة، فإذا لم يراجعها الزوج قبل
انقضاء عدتها بانت منه وصارت كالأرملة، وكثيرًا ما تتزوج المرأة منهن وتنفق
جُل ما كانت تدخره في سبيل الزوج الجديد إن لم تنفقه كله، ومنهن من تقف
أملاكها عليه وعلى أولاده منها دون أولادها من مطلقها، وقد وقع في هذه الأيام أن
امرأة وقفت عقارها على زوجها وعلى أولاده من غيرها!
هذا ما يقع كثيرًا ممن عندهن بقية من الدين، وأما اللائي قضت حرية
الإباحة على عصمتهن الدينية فهن ينفقن ما ادخرن من الثروة في سبل اتخاذ
الأخدان، والتمتع بالفسوق والعصيان، ومن أغرب ما سمعته من أخبارهن في هذا
العهد أن الوطنيات منهن يفضلن الأجانب من الأخدان على الوطنيين وينفقن عليهم
الألوف الكثيرة من الجنيهات، وأن بعض الوطنيين سأل بعضهن عن سبب هذا
الاختيار والتفضيل قائلاً: ألسنا نحن أولى بكن من (الخواجات) ؟ ! فكان الجواب:
إنكم أنتم كثيرو الكلام دون الخواجات! وأخبرنا بعض المحامين أن أرملة من
هؤلاء الأرامل الغنيات ورثت من زوجها مالاً كثيرًا، ولم يعجبها قصر أبيها الغني
بعد أن أقامت فيه مدة قليلة فاستأجرت لنفسها دارًا واسعة زينتها بأحسن الأثاث
والرياش والماعون واتخذت فيها الخدم الكثيرين، وكان مما عابته من دار أبيها أن
الثلج يأتي إليها متأخرًا!
(للمقالات بقية)
((يتبع بمقال تالٍ))
_________
الكاتب: محمد رشيد رضا
الانتقاد على المنار
انشقاق القمر - همّ يوسف بامرأة العزيز - التأويل لدفع الشبهات
جاءت الرسالة التالية من البصرة بعد طبع جزء ذي الحجة فنشرناها في هذا
الجزء، وإن كانت على خلاف شرطنا والشرط العرفي عند أرباب الصحف، وهو
أن لا ينشروا شيئًا لمن يكتم اسمه عنهم وهي:
بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي الكريم المصلح الكبير والعالم الشهير السيد محمد رشيد رضا حفظه الله
وبارك له في سعيه وسدده في كل ما يأتي وما يذر، آمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد استفدت من الجزء الأخير في المنار الأغر ميلكم إلى عدم انشقاق القمر
معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم معللين ذلك بما يأتي، ولرجائي أن أكون معكم من
المتعاونين على البر والتقوى سأبدي رأيي راجيًا العفو عما أتقدم به: إن أحاديث
الانشقاق أتت في عامة الأمهات لا سيما الصحيحين على ما فيها من حسن وصحيح
ومرسل ومسند وأثبته التاريخ العربي والعجمي، وأظهر من ذلك أن الآية في
الانشقاق قد كانت تُتلى بمحضر المسلم والكافر، فلم نسمع بمنكر مع أن الضد
بالمرصاد، ومضى على ذلك القرون الكثيرة ما بين ناقل لذلك ومُقر عليه.
واختلاف الأحاديث فيه مع ورودها على معنى واحد وهو الإثبات - لا يوجب
الرد، واتفاق آية (سبحان) مع آية الانشقاق سهل يسير، وهو أن آية سبحان دلت
على منع الاقتراح المعين وآية الانشقاق أتت بغير اقتراح أو باقتراح لم يعين، هذا
ما دلت عليه الأحاديث المعتمدة. وأما مجيء آية الانشقاق باقتراح معين فلا يصح
كما بينتموه، وفرق بين حصول الآية باقتراح معين وحصولها بغير اقتراح أو
باقتراح لم يعين: القسم الأول يعقبه الهلاك؛ لأنه جاءهم عين ما طلبوا فلم تبق لهم
شبهة، وأما القسمان الأخيران فلهم شبهة تدرأ نزول العذاب بكون الآية لم تقنعهم.
وأما تفسيركم الآية بأن الانشقاق كناية عن ظهور الأمر واتضاحه، واستشهادكم
عليه من اللغة فلا ريب أن العرب تقول: انشق الصبح؛ بمعنى ظهر وبان، وأما
انشق القمر بمعنى: ظهر الحق وبان، فلا نسلم أن العرب تستعمل مثل ذلك ويكاد أن
يكون لغزًا لا يتفق مع بيان القرآن.
وقد ذكرني ذلك تفسيركم لهمّ يوسف بامرأة العزيز بالضرب، وكلا التفسيرين
بالنفس منهما شيء، فقوله تعالى:{.. لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} (يوسف: 24)
دليل على أن المتقدم أمر لا يليق بمنصبه الشريف، والهم عارض لا مستقر ولا هو
بوسع الإنسان وإذا دفعه بعد رؤية البرهان فهو من الكمال ولا يمس منصب النبوة
بسوء.
ومما يناسب ذكره قولكم جوابًا لرسالة عالِم القصيم عبد الرحمن السعدي: (قد
يكون التأويل هو المنقذ الوحيد في الرد على..) إلخ وهذا لا يتفق مع جهادكم
الجهمية وأمثالهم، وليس في القرآن ولا السنة ما ظاهره يحتاج للتأويل على شرط أن
يؤخذ الحكم من مجموع السياق لا من مفرداته.
وأما قولكم: لا علاقة بين الانشقاق ودعوى النبوة حتى يكون علامة عليها، فله
علاقة لاصقة وهي أنه لما أخبر الله باقتراب الساعة التي هي خراب العالم أجمع
وكانت قريش تنكر ذلك أراهم الله آية محسوسة وهي شق القمر فِرقتين، فالقادر على
تخريب هذا الجرم الكبير - وإعادته كما كان - قادرٌ على إيجاد الساعة التي أخبر
بها الرسول صلى الله عليه وسلم والآية بعدها تثبته، وأما تصدير الجملة بالشرط
فهو يفيد أنهم سيكذبون بكل آية يأتي بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس التكذيب
مختصًّا بهذه المعجزة. وإن رغبتم الوقوف على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في
الانشقاق فهو في نمرة 55 من الجزء الأول من الجواب الصحيح.
وبالختام أرجو الله أن يكون معكم وفي عونكم كما أننا نسأله أن يجعلكم
مؤثرين للحق، وقد علمت من بعض الإخوان محبتهم لمبادلتكم الأفكار في شيء من
البحوث بَيد أنهم يخشون عدم رغبتكم، فهذا رأيي الضعيف، والمرجو أن عفوكم
يسع ما تقدمت به حضرتكم.
…
...
…
...
…
...
…
...
…
... صديق نجديّ
تعليق المنار
رغبتنا في انتقاد النجديين
لقد كان أخونا الكاتب في غنًى عن الاعتذار وطلب العفو في أول رسالته
وآخرها، فإنما يكون الاعتذار وطلب العفو عما كان ذنبًا وإن في العرف، ونحن
نُسَر بالانتقاد، ونعدّه إحسانًا إلينا وإلى قراء مجلتنا؛ لأنه من أسباب تمحيص
الحقائق، ولا سيما انتقاد طالب الحق المخلص فيه، بخلاف مريد النيل من المنتقَد
عليه، أو مريد إظهار علمه إعجابًا به. وقد سبق لنا أن نشرنا لبعض المنتقدين ما
فيه تصريح بتجهيلنا، بل ما يتضمن تكفيرنا لئلا يتوهموا أننا تركنا نشره كراهة
لإظهار علمهم أو لأجل إخفاء جهلنا، ومنه ما لامنا كثير من فضلاء القراء على
إضاعة وقتنا ووقتهم به.
وأزيدهم أنني كنت منذ سنين كثيرة أتمنى لو يطَّلع علماء نجد على المنار
ويكتبون إلينا بما يرونه فيه منتقَدًا لما نرجو أن نستفيد منهم ويستفيدوا منا.
أما الأول: فلأنهم لشدة اعتصامهم بالسنة ومقتهم للبدع والمعاصي وقلة وجودها
في بلادهم وقلة قراءتهم للكتب التي يكثر فيها تأويل بعض البدع وعدّها مشروعة -
يكون لهم دقة نظر في نزعات الشرك الخفية والمشتبهات بين الحلال والحرام
والتأويلات المنكرة وسائر ما يخالف طريق السلف مما قد يخفى علينا بعضه أو
يفوتنا إنكاره لكثرته وألفته بكثرة أهله وكثرة كتبهم.
وأما الثاني: فلأنه يُخشى أن يكون من لوازم التشدد في الدين وقوع بعضهم في
الغلو المنهي عنه بِعَدّ بعض المباحات المستحدثة من البدع المنكرة، أو ما ليس من
الشرك الجلي منه، أو تحريم ما لم يحرمه الله ورسوله. ويدخل في هذا بعض
العلوم والفنون والصناعات الحادثة التي تقوم الدلائل على ندبها أو وجوبها لما فيها
من المصالح العامة في قوة الأمة والدولة الحربية والمالية.
وقد كنت كتبت إلى إمام نجد منذ بضع عشرة سنة كتابًا ذكرت له فيه أنني
أرغب في اطِّلاع علماء نجد على المنار وطالبتهم بأن يكتبوا إليّ بما يرونه فيه
منتقَدًا بالأدلة الشرعية لأجل نشره وفتح باب المناظرة بيني وبينهم فيه، وأنني
سأرسل إليه عشر نسخ من كل جزء لأجل توزيعها على كبارهم هدية مني، وقد
ظللت أرسل هذه النسخ من طريق البحرين عدة سنين ولكن لم يصل إليَّ ما يدل
على وصولها، فلا أدري ما فعل الله بها، ولكن علمت أن عمال البريد البريطاني
الذي ينقل الرسائل والمطبوعات إلى بلاد العرب من طريق الهند كانوا يمنعون
بعض ما لا يحبون وصوله إلى أهله من المطبوعات، حتى إذا كانت الحرب العامة
اشتدت المراقبة عندهم وفي جميع مكاتب البريد الدولية، وكثر اختزال كل ما
يرونه ضارًّا بسياستهم ولو بالشبهة البعيدة.
ولما صار يسهل على النجديين الاطلاع على المنار في الحجاز لم يبلغني عن
أحد منهم انتقاد على شيء مما يُنشر فيه ولو في أحاديثهم مع بعض الناس إلا
ونشرته وبينت ما عندي فيه، إلا أن يكون شيئًا سخيفًا يُعَدُّ نشره إهانة لقائله ولا يفيد
أحدًا.
بعد هذا التمهيد المقصود لذاته في باب الانتقاد على المنار أقول:
مسألة انشقاق القمر
(1)
إن شُراح دواوين السنة - ولا سيما فتح الباري شرح صحيح البخاري
وبعض المفسرين - قد ذكروا أن بعض الناس أنكروا هذه القصة، وأن بعضهم
استشكلوها من عدة وجوه: منها أنها مما تتوفر الدواعي على نقل الأمم لها بالتواتر ولم
تنقل كذلك، فمن المستغرب أن يدعي المنتقد إثبات تواريخ الأمم لها وأن جميع الناس
تلقوها بالقبول.
(2)
ذكرنا أن الإشكال الأكبر عليها عندنا هو التعارض بين الحديث
والآيات الكثيرة في مسألة التحدي بالقرآن ولا حاجة إلى شرحه هنا، ولم أر أحدًا
من العلماء ذكره وأجاب عنه كما ذكروا غيره من الإشكالات وأجابوا عنها، وليس
التعارض بين آية الانشقاق وآية الإسراء وحدها، بل هناك آيات متعددة ذكرنا بعضها
في بحثنا، فمن كان يرى أن لا تعارض في المسألة كالمنتقِد فلا إشكال عنده فيها،
وها نحن أولاء قد ذكرنا دليله على عدم التعارض ونود أن يقبله جميع الناس،
ولهذا لا نرد على ما نرى فيه من ضعف؛ فإنه لا غرض لنا من البحث كله إلا أن
يكون القرآن في الأفق الأعلى من توجيه أي اعتراض عليه فيتضاءل دون وصوله
إليه، إلا أننا نقول: إن صح فرضه أن الآية وقعت بدون اقتراح، يزول هذا
الإشكال من أصله.
والفرق بيننا وبين مَن يكتبون لتأييد مذهب كلامي أو فقهي: أن هؤلاء على
اختلاف صفاتهم لا يقبلون ما يخالف مذاهبهم. وأما نحن فلا نلتزم مذهب إمام معين
فنجعله أصلاً ترد إليه نصوص الكتاب والسنة بل كلام الله ثم كلام رسوله عندنا
فوق كل مذهب وكل إمام فكل ما وافقهما فهو مقبول عندنا وكل ما خالفهما فهو
مردود، فإن تعارضا ولم نهتدِ إلى الجمع بين المتعارضين ببحثنا ولا بإرشاد غيرنا
لم يكن لنا مندوحة عن ترجيح كلام الله تعالى وهو القاعدة المتفق عليها عند سلفنا
الصالح وأئمة السنة. وأهون من ذلك أن يكون التعارض بين نص كلام الله أو كلام
رسوله وبين أقوال مروية عن بعض الصحابة في بيانهم لشيء منهما كحديث
انشقاق القمر، فإنه لم يروه أحد مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(3)
قوله: وأما تفسيركم لانشقاق القمر
…
إلخ - يدل على أنه تفسير انفردنا
به لم يسبقنا إليه أحد، وليس الأمر كذلك وإنما نقلناه عن غيرنا واخترناه على تقدير
ما ظهر لنا في الرواية. وعدم تسليمه إياه ليس حجة على الذين قالوا به وهم أعلم
منه ومنا بهذه اللغة وناهيك بالراغب - صاحب كتاب مفردات القرآن - الذي لا
نعرف أحدًا من علماء اللغة يحدد معاني الكلمات العربية مثله. ولا تتوقف صحته
على سبق نطق العرب به فالقرآن حجة على العرب وغيرهم، وكم له من تعبير
مبتكَر لم يُعلم نطق العرب به بل يعجزون عنه. وقد نقله شارح القاموس عن
الراغب وأقره ولم يقل: إن اللغة العربية تتبرأ منه ولا أنه لا يفهم ويصح أن يعد
من الألغاز. ولعله لو لم ينقل عن العرب قولهم: انشق الفجر والبرق - لعدَّه المنتقِد
مما لا يُفهم أيضًا.
(4)
ما ذكره من العلاقة بين دعوى النبوة وانشقاق القمر بصرف النظر
عن الحديث فيه وهو إثبات قدرة الله على البعث - غريب جدًّا ولا حاجة بنا إلى
المناقشة فيه ولا سيما دلالته وإنما نذكره بأنه يخرج بالحدث عن موضوعه وعن
كونه تفسيرًا للآية، وبأن العرب لم تكن تنكر قدرة الله تعالى وما كل ما يقدر تعالى
عليه يفعله.
(5)
ما كتبه لشيخ الإسلام في المسألة قد اطلعنا عليه من قبل وهو مبني
على المشهور المسلَّم من أن القمر قد انشق جرمه بالفعل، وأن المنكرين لذلك من
المخالفين فيه إنما ينكرونه؛ لأنه معارض عندهم بعقولهم وبقول علماء الهيئة
المتقدمين: إن الفلك لا يقبل الخرق والالتئام ويرد عليهم كغيره بقدرة الله على ذلك.
وقد بينا أن مسألة الأفلاك واستحالة عروض الخرق والالتئام لها نظرية
يونانية سخيفة أجمع علماء الفلك في هذا العصر على بطلانها، ولو فكر شيخ
الإسلام رحمه الله تعالى في مسألة معارضة الآيات لحديث اقتراح كفار قريش على
النبي صلى الله عليه وسلم آية على صدقه وكون القمر قد انشق إجابة لهم إلى هذا
الاقتراح كما جرى عليه هو وغيره أخذًا بحديث أنس المرسل وكون المعارضة من
وجهين أحدهما الاكتفاء بالقرآن في إقامة الحجة على رسالته صلى الله عليه وسلم،
وثانيهما: كون إعطاء الآية باقتراح الكفار يقتضي وقوع العذاب كالذي وقع على
الأولين، وثَمّ وجه ثالث مصرَّح به في بعض الآيات وهو عدم الفائدة في إجابتهم
إليها - نعم، لو فكر وأجال قلمه السيال في هذا لرأينا من تحقيقه فيها ما لا يدع
مجالاً لقائل، كدأبه في أكثر ما يحققه من المسائل، ولكن شَغَله عن التفكر في هذا
توجيه همته كلها إلى الرد على أولئك الفلاسفة والمبتدعة الذين يردون كل ما يخالف
نظرياتهم وآراءهم. وهذا الفقير في اعترافه بل افتخاره بأنه استفاد من كتب شيخ
الإسلام قدس الله روحه ما كان أعظم مُثبِّت لقلبه ومقوٍّ لحجته في مذهب السلف
الصالح - يصرح بأنه على إعجابه بتحقيقه لا يقلده في شيء من أقواله تقليدًا، بل
يعده ممن يدخل في عموم قاعدة الإمام مالك رضي الله عنه: كل أحد يؤخذ من
كلامه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر؛ يعني النبي صلى الله عليه وسلم. ومن
المعلوم أن له - كأمثاله من المجتهدين - عدة مسائل انفرد بها أو اختارها على ما
هو أقوى منها في مذهب الإمام أحمد لا يوافقه جمهور الحنابلة عليها كلها ومنهم
علماء نجد المتأخرون.
مسألة همّ يوسف وامرأة العزيز
استدل الأخ المنتقد على رد ما اخترناه في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ
بِهِ وَهَمَّ بِهَا} (يوسف: 24) بأن قوله بعده: {.. لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} (يوسف: 24) يدل على أن موضوع الهم لا يليق بمنصب يوسف الشريف (عليه
السلام) وهو غفلة منه عن كون همه بمثل ما همت به من الانتقام بالضرب لا يليق
بمنصبه الشريف أيضًا، وإذا كان الضرب الخفيف من المعاصي الصغائر في نفسه
فهو في مثل هذه الحال قد يفضي إلى القتل أو إلى ما يقرب منه كما وقع لموسى
عليه السلام؛ إذ وكز القبطي دفاعًا عن الإسرائيلي فقتله.
وليعلم الأخ المنتقد أنني ما اخترت هذا القول لأجل موافقة الآية لقول مَن قال
من المتكلمين بعصمة الأنبياء عليهم السلام قبل النبوة وبعدها من كل ذنب، فالقرآن
عندي فوق المتكلمين وغيرهم، بل فوق كل علم وكل شيء خلقه الله. وإني أقول
إن آدم قد عصى ربه حقيقة كما قال الله تعالى بغير تأويل، وإنما اخترت ذلك القول
في الهم؛ لأنه المتبادر من استعمال اللغة والموافق للمعهود من طباع البشر والمؤيد
بما بعده مما بينته في محله، وقد قال به بعض العلماء قبلي.
مسألة التأويل
ما قاله المنتقد في مسألة التأويل مجمل وهو يدل على أنه لم يَرَ في المنار ولا
في تفسيره شيئًا مما كتبته في هذا الموضوع مرارًا، وملخصه أن ما أَدين الله تعالى
به في صفات الله تعالى وأخبار عالم الغيب وغيرهما من كل ما كان عليه السلف
من أمر الدين هو اتباع جمهورهم في إثبات ما أثبته الله تعالى ورسوله ونفي ما نفياه
من غير تعطيل ولا تأويل. وإنني إن ذكرت لبعض الآيات في ذلك تأويلاً فإنما
أذكره لما أعلم بالاختبار من أن من الناس مَن لا يقتنع بحقيقة النص بدونه مع العلم
بأن علماء السنة قد صرحوا في القديم والحديث بأن من خالف ظواهر النصوص
متأولاً لا يكفر. وأن إنقاذ كثير من الناس من الكفر بضرب من التأويل الذي ينافيه
أمر عظيم و (لأنْ يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حُمْر النَّعَم) .
وأما قوله: (إنه ليس في الكتاب ولا في السنة ما يحتاج إلى التأويل إلخ) إن
أراد به تأويل غلاة المبتدعة كالباطنية وقدماء الجهمية المعطلين المخرج للكلام
عن مدلولات اللغة - فهو حق؛ وهذا لا يجوز بحال من الأحوال، ولا هو بالذي يُعَد عذرًا للمتأول. وإن أراد به ما يشمل صرف الكلام عن ظاهر مدلوله اللغوي
الذي يسمى حقيقة لغوية إلى مجاز أو كناية أو تمثيل - فقد قضى على بلاغة
القرآن وسعة علومه قضاءً لا يقوم عليه دليل، بل يقوم الدليل على خلافه،
وقد صح في الأحاديث المرفوعة تأويل بعض الآيات؛ كما يرى في تفسير {يَوْمَ
يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} (التوبة: 35) من هذا الجزء. ومجال القول في
تأويل الأحاديث أوسع؛ لأن أكثرها منقول بالمعنى ولم يتواتر باللفظ إلا قليل منها؛
كما صرحوا به. وماذا يقول المنتقد في حديث خروج النيل والفرات من أصل سدرة
المنتهى فوق السماء السابعة؟ ! ومنابع هذين النهرين وغيرهما في الأرض
معروفة بمساحتها ومجاريها، يستطيع أن يراها كل أحد ولا سيما النيل، أفلا
يحتاج هذا الحديث إلى تأويل؟ ولا يتسع هذا التعليق لأكثر من هذه الكلمة
الموجزة فيه وفي أصل التأويل.
{وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} (الأحزاب: 4) .
_________
الكاتب: محمد رشيد رضا
أحوال مسلمي روسية
جاءنا الخطاب الآتي مطبوعًا فنشرناه مع تصحيح قليل وحذف بعض المكرر
منه.
إلى العالم الإسلامي..
عالم الإسلام! هل تعرف كيف يعيش إخوانك المسلمون في روسيا؟ هل
تتصور كيف يتألمون من الظلم هناك؟ هل تشعر كيف ينال الثلاثين مليون مسلم
حربٌ دينية لم يسبق لها مثيل في التاريخ؟ لا، لا تعرف ذلك ولا ترى ولا تشعر
بذلك. أنت لا تسمع العويل من هذا الرق. فلو تصورت دماء المسلمين المراقة هناك
منذ 12 سنة والدموع السائلة، والزفرات الصاعدة، ما كنت ترضى بها دون أن تقوم
ضدها. ولو نظرت إلى الآلام التي يصاب بها المسلمون لأنهم مسلمون ما كنت
تحافظ على قلة اهتمامك حتى الآن.
عالم الإسلام! انظر إلى الأحوال هناك!
يعيش في روسيا في الأصقاع المختلفة مثل قريم والقوقاس والتوركستان
والولغا أورال 30 مليون مسلم لم يهاجروا إلى تلك البلاد من بلاد أخرى بل هم أهلها
الأصليون. وقد وقعت بلادهم الغنية الجميلة في أيدي الروس المتعصبين الذين لا
يعرفون احترام الأديان الأخرى وصاروا رعيّتهم. وبذلك اضطروا إلى مقاومة
الظلم الروسي منذ عصور، الذي (كان) يرمي إلى تنصيرهم وجعلهم روسًا بالقوة.
وليس من النادر أن ماتوا في الحرب من أجل دينهم المحترم المحبوب موتة
فظاعة وشهادة. وهم أبوا إجابة طلب ظالمهم أن يخونوا مدنيتهم التي جاوروها
واتصلوا بها عصورًا طويلة ويتخذوا مدنية غريبة. وقد تحملوا لثباتهم تضحيات
كبيرة جدًّا. وبالرغم من الظلم قد دافعوا عن عقيدتهم حتى الآن، وإذ لم يستطع
الروس تنصيرهم فقد استطاعوا محو أكثر معالم مدنيتهم.
والآن (صارت) الأمة الروسية متهافتة على شيوعية متعصبة كما كانت
متهافتة على نصرانية متعصبة. وهي تفكر في جعل روسيا الواسعة شيوعية وفي
إدخال الثلاثين مليون مسلم في الدين الجديد اللينيني، وتريد قطعهم عن دينهم ذي
الألف سنة وعن عاداتهم الإسلامية وهكذا تخرب الجماعات الإسلامية التي تعيش
هناك وتهدم المدنية الإسلامية.
عالم الإسلام!
إن الأصقاع الإسلامية سواء كانت حرة سياسية أو تحت حكم حكومات أوربية
لم تَرَ ظلمًا مثل ما في روسيا. اسمعوا ماذا يحدث هناك:
في مدن وقرى هؤلاء الثلاثين مليون مسلم أغلقوا المدارس التي يدرس فيها
الدين. واليوم لا يوجد ولا مدرسة تعلم الأمة القديمة الإسلامية الإسلام، والتي
تخرِّج لهذه الأمة الإمام، والمؤذن، والخطيب والواعظ. هذه المدارس صارت
معسكرات (كومونيستية) وليس هناك حرية لإعادة المدارس ثانية. كانت تُطبع
من قديم لسد حاجة الثلاثين مليون مسلم في مطابع إسلامية ملايين من نسخ القرآن
والكتب الإسلامية. وكان هناك 40-50 مطبعة وآلاف من المكاتب التي لم تنشر
هذه الكتب بين المسلمين في روسيا فقط بل كانت ترسلها إلى عالم الإسلام أجمع.
الآن لا يوجد شيء من هذا، فحكومة موسكو امتلكت المطابع كافة. فبدلاً من
القرآن والكتب الأخرى تطبع الآن المقالات الشيوعية.
والمكاتب الإسلامية ومحتوياتها أُخذت من طرف الحكومة البولشفية ونُهبت،
ومنذ تحكم البولشفية في بلادنا لم يطبع القرآن ولا كتاب ديني؛ لأن طبع وتوزيع
أي كتاب ديني ممنوع، واستجلاب الكتب الدينية من الخارج مستحيل وفاعله يعاقب.
عالم المحمديين!
أنت حر في احترام دينك أينما تعيش في وطنك أو في أوربا أو في إفريقيَّة لا
يمنعك عن ذلك أحد، ويمكن أن تقوم في كل وقت بصلواتك وصيامك. ويمكنك أن
تعيد أعيادك في بلدان أوربا الكبرى كبرلين ولندرة وباريس ورومية كما تحب،
وإن الأوربي والأميركي يحترم دينك وصلاتك، ولكن الحال في روسيا
الكومونيستية الحالية غير ذلك. هناك تعد الصلاة والدعاء والصيام والذهاب إلى
الجامع جريمة. والموظف يضيع وظيفته إذا صلى وصام. وإذا ما عقد زوجان
شابان زواجهما على يد إمام يُطردان من وظيفتهما، وإذا رؤي عامل في الجامع
وجب عليه ترك شغله. وفي أيام العيد الإسلامية تقام مظاهرات بالموسيقى والأبواق
أثناء صلاة العيد لجرح عواطف المسلمين، وهؤلاء المظاهرون يدورون صارخين
حول الجامع ليشاغبوا على المصلين في صلاتهم وسكوتهم، ويرمون المصلين
بالأقذار، ويقذفون الإسلام ونبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بأقبح الكلام، ويغنون
أغاني قذرة على قديسي الإسلام، وفي عيد الأضحى يأتي هؤلاء المظاهرون
ببعض الخنازير ويدعوها تصيح أثناء الصلاة، ويذبحوها قرب الجامع وهم
يسمونها ضحية، وأولاد المسلمين الذين هم تلاميذ يضطرونهم لأكل طعام الضحية
من الخنزير، وكل هذه المسائل تحسب من ذنوب الحكومة الشيوعية، وبمساعدة
الحكومة يقوم عسكر وموظفون ودرك في مثال هذه الأعياد الإسلامية بهذه الفظائع
التي تثقل الضمير الإسلامي.
عالم الإسلام!
إن المؤمنين الشجعان يذهبون لنجاة أرواحهم كل سنة آلافًا مؤلفة إلى البلاد
المقدسة ويحجون إلى الكعبة المقدسة، ويمسون بوجوههم القبر المقدس للنبي عليه
الصلاة والسلام، ويطلبون رحمة القديسين [1] وهم يرجعون فرحين مؤمنين إلى
أوطانهم. وقد كان مسلمو الروسيا يزورون في السابق أيضًا البلاد المقدسة، وهناك
يقابلون المسلمين من أقطار أخرى، ويتزودون بحديثهم تجارب دينية، فكان يذهب
لا أقل من عشرة آلاف حاج إلى البلاد المقدسة، أما اليوم فلا يراهم ولا يسمعهم
هناك أحد ولم يُرَ منذ اثني عشر عامًا حاج واحد من روسيا؛ لأن السيادة الشيوعية
تمنع الحج [2] .
عالم الإسلام!
في كل مكان - حيث أنت موجود - يمكنك أن تسير على القوانين الإسلامية
وتتبعها. وأئمتك ومؤذنوك ومدرسوك وجميع وكلاء الدين الآخرين محترمون وقد
كان الأمر في بلادنا أيضًا كذلك. أما الآن فمنذ وقعت بلادنا تحت الحكم البولشفي
فإن أئمتنا وخطباءنا ووعاظنا ومؤذنينا ليسوا محترمين. وإنهم خارجون عن كافة
الحقوق الإنسانية حسب القوانين الكومونيستية، ولا يمكنهم أن يتقلدوا وظائف
دنيوية أم معنوية، ولا يمكنهم أن يَنتخبوا أو يُنتخبوا، ولا أن يشتركوا بالرأي
والمشورة عقليًّا. بل تمامًا بلا حقوق. وقد وضع عليهم بصفتهم من طبقة دينية
خاصة ضريبة. وهي أن يدفعوا 40-50 في المئة بل 100 في المئة أكثر مما
يدفع سائر الناس من الضرائب، وإذا لم يستطيعوا الدفع لفقرهم فإن الحكومة
البوليشفية تصادر دورهم وأملاكهم وترسلهم إلى سيبيريا.
أيها المسلمون:
كان عندنا قريب 25000 جامع وهذه كانت تُبنى منذ ألف سنة من الجماعات
الإسلامية وقد اشتريت لها من دراهم المسلمين سجاجيد وما شابهها وأسست خزائن
مخصوصة للمحافظة على هذه الجوامع، وهذا كله مالنا وإرثنا من آبائنا، ولكن بعد
أن وقعت بلادنا في أيدي الكومنيست أعلنوا أن هذه الجوامع وخزائنها هي أميرية
أي ملك الروس المسكاو. وقد نهبت السجاجيد والأشياء الثمينة التي في الجوامع
وصودرت السجادة التي وهبها الخليفة السلطان محمد رشاد سنة 1917 لجامع
بطرسبورغ (اليوم لينينغراد) ويطلبون للصلاة في الجامع ضريبة خاصة، وهذه
الضريبة عالية فوق الطاقة. وإن الجوامع التي لا تدفع جماعاتها ضرائب تغلق أو
تجعل أندية عامة أو صالات رقص ولعب أو مدارس غير دينية، أو إلى حانات
حمراء. وكثير من الجوامع التاريخية القيمة تخرب وتهدم.
وأما في وطننا (إيدل أورال)(ولغا أورال) - وهي مركز الإدارة العليا
للمسلمين في روسيا - فإن حرب الأديان في منتهى الشدة. وفي سنة 1929
تأسست في (إيدل أورال، قازان، أستراخان، أوفا، أورينبورغ) بمساعدة
الحكومة جمعيات لا دينية من العسكر والموظفين لهدم كافة الجوامع، وهؤلاء
يغلقون الجوامع بالقوة، وينهبون من المقابر الإسلامية الأحجار التاريخية والشبابيك
من قبور القديسين ويخربونها.
وقد أغلق في السنين الأخيرة في باشكيرستان - قسم من (إيدل أورال) -
عدد كبير من الجوامع، وأقيل كثير من الروحيين من وظائفهم، تأخذ هذا كله من
الجريدة الكومونيستية الرسمية (ينا أول) وأن عدد الذين استقالوا مضطرين 502
من الأئمة و363 مؤذنًا وأغلق 103 من الجوامع.
نحن ننظر إلى هذه المظالم في المسلمين في الروسيا ونعطي هذه التفاصيل
كمحاربين لاستقلال منطقة (إيدل أورال) ونرجو المساعدة منكم ومن باقي إخواننا
في العقيدة.
أفِقْ يا عالم الإسلام ولا تدع عقيدتك تدنس بأيدٍ وسخة، ولا تسمح بأن يداس
إخوانك بأرجل الظلم، فاستيقظ! اهـ.
…
...
…
...
…
...
…
...
…
(ختم الجمعية)
(المنار)
جاءتنا هذه الرسالة في البريد مطبوعة مختومة بختم المركز العام لجمعية
استقلال (إيدل أورال) فنشرناها انتصارًا لإخواننا المسلمين المظلومين في البلاد
الروسية الذين انتقلوا من ظلم القياصرة إلى ظلم الشيوعية الذي يفوقه في القسوة
والاستعباد أضعافًا مضاعفة، والعجب من غفلة هؤلاء الأشقياء كيف يطمعون في
نشر نفوذهم في الأقطار الإسلامية حتى العربية منها مع هذا الاضطهاد الذي
يسومون به مسلمي بلادهم سوء العذاب.
إن الشعوب الإسلامية قد ضاقت صدورها من عدوان الدول الرأسمالية
المستعمرة واستبدادهم ولكنهم لا يرجحون عليها دولة كافرة معطلة تعادي الأديان
وتكفر بالرحمن، وتحتقر وجدان الإنسان، ولو لم تقهر الدولة البولشفية الناس
وتكرههم على ترك دينهم لكثر أنصارها في كل مكان.
إن احتجاج الصحف وحده لا يرد هؤلاء البغاة عن بغيهم، وإننا نذكِّر إخواننا
المسلمين الذين يرون بعض دعاة البولشفية في بلادهم بأنه يجب عليهم أن يبينوا لهم
سوء تأثير اضطهادهم لأبناء دينهم في بلادهم، ونقترح على كل حكومة إسلامية
عندها سفير أو ما دون السفير من المعتمدين السياسيين أن تخاطبه في ذلك وتفعل ما
فعلت دول أوربة في الاحتجاج على اضطهاد النصارى، وأولى الحكومات
الإسلامية بهذا حكومتا اليمن والحجاز ونجد؛ لأنهما دينيتان يلقب رئيس كل منهما
بإمام المسلمين.
هذا، وإن في قطر آخر من الأقطار الإسلامية اضطهادًا لشعب إسلامي كبير
ومحاولة منظمة لرد أولادهم عن دينهم بتعميم التربية والتعليم الإجباريين، وهذا لا
يقل خطره عن اضطهاد دولة الروس البلشفية لمسلمي بلادها، بل ربما كان هذا
الخطر الهادئ المنظم أشد وعاقبته أسوأ، والواقع عليهم يرون أنهم لا يستطيعون
التظلم والشكوى؛ لأن كل من اعترض منهم يسام سوء العذاب، والحق أنهم يجب
عليهم ذلك وأن ما يقع عليهم من العقاب لا يكون أشد مما هم صائرون إليه في الدنيا
ثم في الآخرة، ولكن لابد لذلك من نظام، ليكون له قوة الرأي العام.
_________
(1)
المنار: القبر الشريف لا يمسه أحد من الزائرين بل قلما يراه أحد؛ لأنه في الحجرة النبوية الشريفة وإنما يقف الزائرون أمام الحجرة ويسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه رضي الله عنهما ويدعون الله تعالى وحده ويطلبون رحمته، لا رحمة القديسين، ويعني بهم الكاتب
(الصالحين) والتعبير بالقديسين اصطلاح نصراني.
(2)
منذ خمس سنين حج بعض مسلمي روسية وحضروا المؤتمر الإسلامي بمكة المكرمة وما سمعنا أن أحدًا منهم حج بعد ذلك.
الكاتب: محمد رشيد رضا
رسالة مهمة من الصين
في حال مَن فيها من المسلمين
إلى منشئ المنار وناظر دار الدعوة والإرشاد بمصر مولانا رئيس أهل السنة
والجماعة محمد رشيد رضا:
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فيا مولانا، إني رجل من معلمي العلوم الإسلامية في بلد (القواندن) ، يا
سيدي؛ إن دين الإسلام في الصين داخل في الضعف والخمود يومًا فيومًا كأنه على
شفا جرف هارٍ، لا حول ولا قوة إلا بالله تعالى. سببه: أن مسلمي الصين أكثرهم
قليلو الديانة وجاهلون للعلوم الإسلامية والقرآن والحديث وتاركون للصلاة
والفرائض، بل أكثرهم لا يعلمون حقيقة الإيمان وهم مقلدون. وأكثرهم ما كان
لهم علم واسع ولا ديانة. يشتغلون بقراءة القرآن عن الغير عن تعليم العلوم
الإسلامية ونظر الكتب الدينية وتبليغ الشرع.
وإن الفقير (أنا) تحسر على غربة الدين في الصين، ووضع هو وإخوانه
مجلة الإسلامية الدينية العلمية المترجمة بالصينية. ويرتجي الآن أن يستعين على
هذا الخطاب الخطير من جنابكم، وأنه استمع أن مجلة المنار كأنها شمس، ولم يَرَ
وجهها الجميل، وترجى أن يشتري نصيبًا منها كل شهر وترجمه وشاعه (كذا
والمراد ترجمة هذا النصيب وإشاعته في الصين) ولكن لم يدرِ محلة مجلتكم
الشريفة. فالمرجو من كرمكم أن تخبروني محلة مجلتكم وكيفية الشراء وثمن
الجرائد المنارية كم هو لأرسل إلى جنابكم الثمن والسلام.
في أوائل شهر المحرم الحرام.
الداعي أحقر خادم الطلبة ومبلّغ الدين الإسلامي ومدير المجلة الإسلامية في
القواندن.
…
...
…
...
…
عثمان بن الحاج نور الحق الصيني الحنفي
الجواب
(المنار)
لبيك لبيك، وسلام عليك وعلى مَن لديك ورحمة الله وبركاته.
ومجلة المنار تُرسل إليك هدية مع هدايا أخرى، واعلم أن صاحب المنار
ليس رئيسًا لأهل السنة والجماعة بل خادمًا ضعيفًا مخلصًا، بل ليس لأهل السنة
والجماعة رئيس عام يعني بشؤون الإسلام، والذنب في ذلك عليهم فإنهم فوضى،
ولكن يرجى أن يتجدد لهم في هذا العصر شيء من النظام.
_________
الكاتب: إبراهيم عريقات
الدين قبل كل شيء
إلى حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك الإسلامي الغيور على دينه فؤاد
الأول نصره الله.
ثم إلى دولة رئيس الوزراء وأصحاب المعالي الوزراء ثم إلى مجلسي شيوخنا
الأجلاء ونوابنا المحترمين
نبث آلامًا أحاطت بنا حتى كدنا نموت أسفًا وحزنًا على ما حل بديننا الحنيف
في هذا القطر. ذلك القطر العربي الإسلامي العظيم وبه الأزهر الذي هو أكبر
جامعة إسلامية ومن مواد الدستور المصري أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام ومع
هذا فقد راعنا أن معالم الدين الآن آخذة في الاضمحلال والفناء، والأخلاق انهارت
وتدهورت، والرذيلة سادت الفضيلة، وحشرات الإلحاد برزت إلى حيز الوجود
ترفع رأسها غير آبهة، وصحفنا اليومية تمحضت للسياسة إلا قليلاً جدًّا وتركت
معاول التضليل تهدم في صرح دين الدولة المصرية الرسمي حتى أفسدت أخلاق
الشبيبة. وبالجملة فالأمر جد خطير وأملنا وطيد في رجال حكومتنا الذين لا نشك
في إخلاصهم للوطن وحبهم لرفعته أن يأخذوا بناصر الدين ويضربوا على أيدي
الملحدين والمفسدين، وأن يعطوا لتلك المادة القائلة بأن دين الدولة الرسمي هو
الإسلام حقيقتها ومدلولها وإلا كانت اسمية فقط، وتتلخص فيما يلي:
(1)
أن يدخل التعليم الديني في المدارس الحكومية وغيرها دخولاً يكون
معها مادة أصلية أساسية لا إضافية حتى يخرج النشء عارفًا بدينه نافعًا لأمته.
(2)
أن يقرر بجميع المدارس الإلزامية قسم لحفظ القرآن الكريم جميعه.
(3)
منع البغاء الرسمي في الدولة المصرية المسلمة.
(4)
تحريم الخمر الرسمي في الدولة المصرية المسلمة.
(5)
عقاب تارك الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وبتعميمها في
أفراد الأمة المصرية يستتب الأمن، ويقل الأشرار وتتلاشى الجرائم وتستريح
الحكومة.
(6)
عقاب مَن يتجاهر بالفطر في نهار رمضان.
(7)
مما لا مراء فيه أن الدين الإسلامي ليس كغيره من الأديان بل هو
صالح لكل زمان ومكان؛ ولذا ختم الله به الدين وجعله عامًّا للخلق أجمعين، ولا
يعجز حكومتنا - الإسلامية رسمًا - أن تكون إسلامية فعلاً بالعمل بقواطع
الدين وتخصيص لجنة لذلك من هيئة كبار العلماء والمفكرين.
لا زلتم للدين الحنيف ناصرين، وللواء الفضيلة رافعين، آمين.
…
...
…
...
…
... أهالي برنبال مركز فُوَّة مديرية الغربية
…
...
…
...
…
...
…
عنهم: إبراهيم عريقات
_________
الكاتب: إميل درمنغام
رسالة من مؤلف كتاب
حياة محمد في باريس
الحمد لله وحده
إلى سيدي مدير مجلة (المنار) الغراء.
تحيةً وسلامًا وبعد:
فإني قرأت في مجلتكم مقالاً للسيد اليزيدي على كتابي (حياة محمد) ، أنا لا
أريد هنا مناقشة مطولة مع صاحب المقال فيكفي القارئ أن يراجع كتابي نفسه فيجد
فيه الأجوبة لاعتراضاته التي لم تأتِ بشيء جديد، ولكن يجب عليَّ أن أعلمكم أن
فكري قد حُرِّفَ تحريفًا كاملاً؛ فإن صاحب المقال لم يفهم شيئًا مما قلته.
الله شاهد على أن ليس لي المقاصد التي أعارنيها، وحقيقة قصدي في نشر
(حياة محمد) هو البحث الحق الذي هو من أسماء الله تعالى، وعاملت القرآن مثل
معاملتي التوراة والإنجيل، وأظهرت في كل حين ميلي للرسول صلى الله عليه وسلم
وعطفي إلى الإسلام دين الغزالي وابن (العربي) وابن الفارض وابن رشد
وابن سينا وابن خلدون رضي الله عنهم. ورجال أكابر الدين إنما فهموا مقصدي
وفكري لو أنهم قرأوا كتابي (؟) إن الشيخ الأكبر قال - ولله دره -:
إذا علم الله الكريم سريرتي
…
فلست أبالي من سواه إذا سخط
وليت علماء مسلمين قرأوا كتابي ودرسوه بمثل الإنصاف والميل اللذين كتبته
بهما، وقد علق عليه بعضهم منهم السيد بلا فريج في (الفتح) ومكاتب (فتى
العرب) اللذين إن لم يكونا في الكل من فكري علما صدق ضميري، وإني أطلب
من لطافتكم، أيها المدير أن تنشروا في مجلتكم هذه الكلمات لتقويم ما علق على
كتابي في مجلتكم.
وفي الختام اقبلوا تحياتي واحترامي والسلام.
…
...
…
...
…
...
…
...
…
إميل درمنغام
_________
الكاتب: محمد رشيد رضا
معاملة البنوك
استدراك على ترجمة تيمور
أقامت جمعية الهداية الإسلامية حفلة تأبين للفقيد رحمه الله ومما ذكره بعض
المؤبِّنين: أنه كان يعامل بنك الكريدي ليونيه خلافًا لما كنا نسمعه من أنه كان لا يودع نقوده في المصارف المالية حتى لا يعينها على استغلاله بالربا، ولكن يا ليت
شعري هل كان يأخذ هو ربحًا على نقوده أم لا؟
المشهور أن كثيرًا من المسلمين يودعون الأموال الكثيرة في المصارف
الأوروبية، ولا يقبلون أخذ شيء من الربح عليها فينفعون بها الأجانب، ولا
ينتفعون منهم من حيث يأخذ آخرون الربح منهم ولا يعدونه من الربا المحرم،
وبعضهم لا يبالي أن يكون منه، واستحسن بعض الباحثين أخذه وإنفاقه في المصالح
الخيرية التي ترقي الأمة، فماذا كان يفعل فقيدنا وهو المتفقه في دينه، المعتصم به
في عمله؟
لعل نجلَيْ الفقيد أو بعض بطانته يخبرنا بالحقيقة.
_________
الكاتب: عبد الله بك الأنصاري
نفثة حزن لعالِم دُفن
للأستاذ عبد الله بك الأنصاري أستاذ العلوم العربية في المدرسة التوفيقية
(كان) :
يا دار أحمد تيمور أتيناك
…
فأين ربك غوث اللاجئ الشاكي
يا دار أحمد دار العلم آهلة
…
بالفاضلين وأهل المذهب الذاكي
يا مُسدي الفضل والإحسان في ترف المـ لوك عزًّا وفي أخلاق أملاك
دين بدون رياء في شعائره
…
وفي العلوم خبير جدٌّ درَّاك
ما كنت أحسب أن الموت يفجعنا
…
فيه سريعًا فيخلو منه مثواك
يا روضة العلم تلك الكتب ناطقة
…
بما تجمع في حجرات مغناك
لم يألُ جهدًا ولم يبخل بدرهمه
…
في وفرة العلم أو في رحمة الباكي
له فضائل ليس العد يحصرها
…
ودون أيسرها قد يعجز الحاكي
فحسبه من ثناء الناس ما اجتمعت
…
عليه ألسنهم في صدق إدراك
واحسرتاه على ذلك العظيم ومن
…
سمت به نفسه في غير تحراك
نادى الفضائل فانحازت لدعوته
…
وحاد عن كل كفار وأفاك
كانت مجالسه بالعلم زاهية
…
نقية لم يشبها أي إشراك
ونفسه نفس حر لا يمازجها
…
كبر الغني ولا إعجاب ملاك
عليه رحمة ربي في معارجه
…
إلى منازل أبرار ونساك
وأفرغ الخير والصبر الجميل على
…
نجليه في طول عمر طيب زاكي
_________
الكاتب: محمد رشيد رضا
تهنئة للمنار بالعام الجديد
سيدي الكريم وأستاذي العظيم حجة الإسلام السيد الإمام حفظه الله تعالى.
أهدي إليكم سلام المخلص لذاتكم، المعجب بفضلكم، الداعي لكم بالثبات في
طريقكم، والاستزادة من صالح أعمالكم، أما بعد:
فيسرني في هذا العام الهجري الجديد وقد هل هلاله أن أهنئكم وأهنئ نفسي
والمسلمين بما متَّعكم الله من صحة وعافية، ووفقكم إليه من جهاد في سبيله،
تنيرون السبيل للناس بمناركم، وتدفعون الأباطيل بسديد آرائكم وقوي حججكم.
ولقد أصبحت حياتكم مرتبطة بحياة الحق والمسلمين، ومناركم مصدرًا للنور الذي
به يهتدون، فإن يكن الناس لا يزالون في غيهم يعمهون، وعن الحق عمين؛ فلأن
عملكم لا يزال بعيدًا عن الغاية، وأنه لا بد لكم من متابعة السير سنوات وسنوات
حتى يتم لكم النصر إن شاء الله في النهاية، والله نصير العاملين وولي المؤمنين.
إن نفسي لتكاد تذوب حسرة من هذه الحال، فلقد انحطت الأخلاق، وقل
العمل بالدين في نفوس المسلمين بقدر ما تقدموا في العلوم العصرية، ونبغوا
في مظاهر المدنية الغربية، فكثرت الاعتداءات، واغتيلت الحقوق، وضاعت
الأمانات، وضعفت شوكة الحكومات، ولا غرو فلا يمكن حكم القلوب بغير سلطان
الدين {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (الشعراء: 227) .
ففي مجاهل هذه الحال ترفعون صوتكم ولا يلقى من يردد صداه، وبين هذه
الظلمات المتكاثفة تنشرون مناركم ولا نور في تجديد الدعوة على وجهها سواه،
فاثبتوا - وفقكم الله - فسيُظهر الله دينه ولو تأخر النصر، وسيهزم عدوه مهما
عظمت شوكته واستفحل الشر، واعلموا أن هناك نفوسًا تحنُّ إليكم، وقلوبًا تحفّ
بكم، ستجتمع حولكم لشد أزركم، متى جدَّ العمل، وقوي الأمل {وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (البقرة: 143){وَمَا النَّصْرُ إِلَاّ مِنْ عِندِ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ} (آل عمران: 126) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
…
...
…
...
…
...
…
...
…
...
…
نجيب
(المنار)
نشكر لأخينا المهنئ حسن ظنه وإخلاصه فيما لا نستحق من إطرائه، وكان
في كل سنة يهنئنا فنشكره بكتاب خاص، وقد آن لنا إعلان شكره على صفحات
المنار.
_________