الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهج مالك بن أنس في العمل السياسي
د. الدكتور أحمد العوضي
أستاذ مشارك بقسم الفقه واصوله- كلية الشريعة
جامعة مؤتة -الكرك -الأردن
ملخص البحث
يمثل هذا البحث محاولة للكشف عن منهج مالك بن أنس في العمل السياسي. بدأته بتعريف موجز بشخصية مالك، وعرفت بأشهر شيوخه لبيان مدى استقلاله عنهم وعدم تأثره بهم أو تقليده لهم في منهجه السياسي، وإن توافق معهم في بعض جوانب منهجه، فإنما هو توافق ناشيء عن نظر واجتهاد وليس عن تأثر وتقليد، وتعرضت لمنهجه في سلوكه السياسي وخطابه السياسي مع السلطة الحاكمة، ثم أوضحت منهجه في المشاركة السياسية ومنهجه في موقفه من المعارضة المسلحة (الخروج المسلح) . وتكلمت في الجانب السياسي لأصل فكرة تأليف كتابه "الموطأ"، وأوضحت أثر المصلحة باعتبارها أصلا من أصول الفقه عنده في منهجه السياسي، وختمته بسرد أبرز استنتاجاتي فيه.
مقدمة
الحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:
…
فإن مالك بن أنس إمام مدرسة كبرى في الفكر الاجتهادي في الفقه وأصوله، وواحد من كبار أئمة مدرسة أهل السنة والجماعة في الفكر العقدي.
ونشأت لدي رغبة في التعرف على منهجه في العمل السياسي، وأقصد بذلك، منهجه في سلوكه وخطابه السياسيين، ومنهجه في المشاركة السياسية، أي تولي وظائف الحكم والإدارة، ومنهجه في موقف من الخروج على السلطة السياسية، والجانب السياسي وراء محنته، وموقفه من الجانب السياسي في طلب تأليف الموطأ ودور المصلحة في منهجه في تلك القضايا السياسية.
وبعد البحث تشكلت لدي هذه الدراسة، فعزمت على تقديمها تحت عنوان "منهج مالك بن أنس في العمل السياسي".
كذلك، حرصت على إضفاء طابع التحليل والاستنتاج على هذه الدراسة وربطها بواقعنا المعاصر. فمنهجي فيها منهج الجمع والتحليل والاستنتاج وتوظيف الجانب النظري للاستفادة منه في الواقع العملي
هذا، وإن من يتصدى للعمل الإسلامي أحوج ما يكونفي نظري -لمثل هذه الدراسات، ليعتمد فقه الأئمة ومناهجهم في في الخطاب السياسي والعمل السياسي.
وقد جعلت هذه الدراسة في النقاط الآتية:-
اولاً:-
…
ترجمة مختصرة للإمام مالك.
ثانياً:-
…
الحياة السياسية في عصر مالك.
ثالثاً:-
…
منهجه في خطابه وسلوكه السياسيين.
رابعاً:-
…
الجانب السياسي في محنة مالك.
خامساً:-
…
منهجه في المشاركة السياسية (تولي وظائف الحكم والإدارة) .
سادساً:-
…
منهجه في موقفه من الخروج على السلطة السياسية.
سابعاً:-
…
موقفه من الجانب السياسي في تأليف الموطأ.
ثامناً:-
…
أثر أصل المصلحة" في منهجه السياسي.
تاسعاً:-
…
مدى استقلاله عن شيوخه في منهج العمل السياسي.
الخاتمة، وضمنتها أبرز الاستنتاجات في هذه الدراسة.
أولا: ترجمة مختصرة للأمام مالك:
هو مالك بن أنس مالك بن أبي عامر الأصبحي القحطاني اليمني (1) . واسم أمة العالية بنت شريك الأزدية (2) ، فهي من قبيلة عربية مشهورة. فمالك عربي الأبوين، لم يجر عليه ولاء ولا رق، وفي ذلك قال أبو سهيل بن مالك "نحن قوم من ذي أصبح، ليس لأحد علينا عقد ولا عهد". (3)
قدم جده مالك من اليمن متظلما من بعض الولاة، واستقر مقامه قريبا من المدينة المنورة، وكان مالك هذا أحد أربعة حملوا عثمان بن عفان ليلا إلى قبره في البقيع. (4)
ولد مالك بن أنس سنة ثلاث وتسعين هجرية على أشهر الروايات (5) وقدم أبوه به إلى المدينة، فنشأ وعاش فيها، ولم يستوطن غيرها، ولم يخرج منها إلا لحج أو عمرة، ومات فيها سنة تسع وسبعين ومائة (971 هجرية (6) .
وجلس مالك لتدريس العلم وهو ابن سبع عشرة سنة وأشياح متوافرون (7) .
وكان رحمه الله على درجة عالية من العقل والذكاء والهيبة والوقار، قد شهد العلماء الأئمة له بذلك، وأنهت إلينا كتب المناقب والتاريخ الكثير في هذا الجانب، فمن أمثلة ذلك:(8) . قال سفيان بن عينية. إن بالمدينة من بورك له في عقله، يعني مالك.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: دخلت المدينة سنة أربع وأربعين ومائة، ومالك أسود الرأس واللحية، والناس حواليه سكوت لا يتكلم أحد منهم هيبة له، ولا يفتي أحد في مسجد رسول الله غيره، فجلست بين يديه فسألته فحدثني، فاستزدته فزادني، ثم غمزني بعض أصحابه فسكت.
وقال: ما رأيت أثبت عقلا من مالك. وقال: ما أدركت أحدا من علماء الحجاز إلا معظما لمالك. وإن الله لا يجمع أمة محمد في حرمه وحرم نبيه إلا على هدى.
وكان شيخه ربيعه إذا رآه قال: قد جاء العاقل.
وقد شهد لمالك أنه بلغ رتبة الإمامة في العلم، وذكر أثره في حفظ العلم، لا سيما الحديث والفقه من الضياع، فمن ذلك:
قال عبد الله بن المبارك: ما رأيت أحدا ممن كتب عنه علم رسول الله أهيب في نفسي من مالك ولا أشد إعظاما لحديث رسول الله من مالك، ولا أشح على دينه من مالك، ولو قيل: اختر للأمة إماما لاخترت لهم مالكا.
وقال رجل لسفيان بن عيينة: يا أبا محمد، رجل أراد أن يسأل عن مسألة رجلا من أهل العلم ليكون حجة بينه وبين الله، فقال سفيان: مالك ممن يجعله الرجل حجة بينه وبين الله.
وقال النسائي: "وما أحد عندي بعد التابعين أنبل من مالك بن أنس ولا أجل، ولا آمن على الحديث منه (9) ".
…
وقال يحيى بن سعيد القطان "كان مالك أماما في الحديث، وقال سفيان بن عينية: " كان مالك إماما في الحديث (10) .
…
وقال الشافعي:"لولا مالك وسفيان-ابن عينية- ذهب علم الحجاز (11) . وقال:"إذا جاء الأثر فمالك النجم" وفي لفظ آخر: "إذا ذكر العلماء فمالك النجم (12) ".
…
وقال الشافعي:"العلم -يعني الحديث -يدور على ثلاث: مالك بن أنس وسفيان بن عينية، والليث بن سعد (13) .
.. وقال النسائي: "أمناء الله-عز وجل -على علم رسول الله: شعبة ابن الحجاج، ومالك بن أنس، وسفيان بن عينية، ويحيى بن سعيد القطان، والثوري إمام إلا أنه كان يروي عن الضعفاء (14) .
…
وسئل أحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله، رجل يريد أن يحفظ حديث رجل بعينه، فقال أحمد:يحفظ حديث مالك (15) .
…
وقال وهيب بن خالد: أتينا الحجاز فما سمعنا حديثا إلا نعرف وننكر إلا حديث مالك (16) .
وقال علي بن المديني: لم يكن بالمدينة أعلم بمذاهب تابعيهم من مالك (17) .
وقال يحيى بن معين: مالك أمير المؤمنين في الحديث (18) .
…
وكان رحمه الله يكره الجدل والخصومة والنزاع، سواء في ميدان الفكر والعلم النظري وفي الميدان السياسي، وسوف يأتي بحث الجانب السياسي، أما في جانب الفكر والعلم النظري فجاءت روايات نذكر بعضها:
قال الشافعي: كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أما أنا فإني على بينة من دينه، وأما أنت فشاك، إذهب إلى شاك مثلك فخاصمه. (19)
وروي أنه قال: كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم (20) .
وقال له الرشيد يوما: ناظر أبا يوسف- صاحب أبي حنيفة -فقال مالك: إن العلم ليس كالتحريش بين البهائم والديكة (21) .
…
وقيل له: الرجل عالم بالسنة، أيجاد عنها، قال: لا، ولكن ليخبر بالسنة، فإن قبل منه والإ سكت.
فكان مالك يرى الجدل مفسدا للدين، ومبعدا للناس عن الوحي، فلم يكن من منهجه في العلم الخوض في الجدل والخصومة، فانسجم منهجه في العلم مع منهجه في السياسة وهو عدم الميل إلى الصراع والعنف، وحب الأمن والاستقرار، وهو ما سيأتي بيانه-إن شاء الله.
.. وقد استوعى مالك السنة واستوعب الفقه وأصوله، واستجمع فتاوى الصحابة، حتى شهد له سبعون من أكابر فقهاء المدينة بالكفاية للتدريس والإفتاء فقد روي عنه قوله:"ماجلست حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم أن لي موضع لذلك". وقوله: "قل رجل كنت أتعلم منه ما مات حت n يجيئني ويستفتيني"(22) . وكان إماما في العقيدة وعلوم الشريعة، وصاحب منهج متميز في الاجتهاد. ونشأت على أساس من منهجه مدرسة متميزة في الفكر الاجتهادي في الفقه وأصوله نسبت إليه وأطلق عليها "المذهب المالكي".
ثانيا: الحياة السياسية في عصر مالك (23) :
…
كان من مشايخ مالك وأهله من شاهد كثيرا من الأحداث السياسية في القرن الأول الهجري أو سمع من أنبائها، لاسيما أنباء الخروجات والثورات، فسمع مالك من تلك الأنباء، وشاهد بنفسه أحداثا سياسية وقعت في المدينة، وسمع أنباء أحداث وقعت في عصره ضد بني أمية، وعاصر خروج العباسيين على الأمويين واستيلاء العباسيين على الخلافة، وانتهاء أمر الأمويين في المشرق الإسلامي.
…
ولعل مالكا أدرك أن الخروج والثورة كان هو الطابع الغالب على الحياة السياسية منذ أن حاصر الأحزاب المدينة وقتلوا عثمان سنة خمس وثلاثين للهجرة، وكان مالك بن أبي عامر جد الإمام مالك أحد أربعة حملوا عثمان بعد قتله- رضي الله عنه-إلى قبره بالبقيع. (24)
…
وعلم مالك بوقعة الجمل بين جيش علي وجيش عائشة وطلحة وابن الزبير، ثم الفتنة بين علي ومعاوية، ووقعة صفين، وخروج الخوارج على علي وقتله سنه أربعين، وتنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية والصلح بين الأمة على يد الحسن رضي الله عنه،وأثر ذلك على الأمن والاستقرار في الدولة، وثمرات ذلك على الدين والدعوة والفتوح الاسلامية في عهد معاوية.
.. وعلم مالك بأنباء أخذ البيعة ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان بالإكراه وخروج الحسين بن علي على يزيد ومقتل الحسين سنة إحدى وستين، وفرار ابن الزبير من المدينة إلى مكة هربا من الإكراه على البيعة ليزيد، ومحاصرة جيش يزيد له في الحرم ونصب المنجنيق عليها وضربها واحتراق استارها وخشبها، وتصدع جدرانها.
وكذلك، جاءه من أنباء وقعة الحرة سنة ثلاث وستين حيث استولت جيوش يزيد بن معاوية على المدينة بسبب إعلان أهلها خلعه لما علموا من أنباء فسقه وجوره، فاستباحها قائد جيش يزيد واستباحتها، ووقع الجنود على النساء ونهبوا الأموال، قال مالك: قتل يوم الحرة سبعمائة ممن حمل القرآن. (25)
…
وكذلك، تناهى إلى مالك خروج التوابين بقيادة سليمان بن صرد على عبيد الله بن زياد في خلافة مروان بن الحكم سنة خمس وستين ثأرا للحسين، بعد مقتل سليمان بن صرد وأصحابه، ثم خروج إبراهيم بن الاشتر النخعي بالكوفة وقتله عبيد الله بن زياد سنه سبع وستين، ثم مقتل عبد الله بن الزبير سنه ثلاثة وسبعين، بعد أن حاصرته جيوش عبد الملك بن مروان داخل الحرم وضربت الكعبة بالمنجنيق، حتى أصيب ابن الزبير وقتل.
…
وسمع مالك الكثير من أبناء ثورات الخوارج في أرجاء الدولة الإسلامية، وشاهد بعضها.
…
ولعل مالكا نشأ على سماع أخبار الفتن والصراعات، والقتل وسفك الدماء وإزهاق الأرواح وأدرك أثر ذلك على الأمة والدولة والدين والدعوة، وأن ذلك لم يقم حقا ولم يدفع باطلا.
…
وقد رأى مالك أن العباسيين استولوا على الخلافة بطريق الخروج والثورة ولم يكن حالهم بأحسن من حال الأمويين، فقد عضوا عليها وجعلوها وراثية فيهم، وواجهوا العلويين الذين كانوا يرون أنفسهم أحق بالخلافة بالقمع والاضطهاد والتضييق والتشريد.
كذلك، شاهد مالك كيف أن مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم تستباح حرماتها، ويقتل العباسيون فيها أبناء المهاجرين والأنصار، ويستذلونهم في سبيل إقرار الأمن لمصلحة حكمهم وولايتهم.
وشاهد مالك خروج (محمد) النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب في المدينة على أبي جعفر سنة مائة وخمسة وأربعين، وما نتج عن ذلك من تضييق على أهل المدينة جيران رسول الله-صلى الله عليه وسلم واضطهاد لآل علي بن أبي طالب وتقييدهم وجلبهم إلى العراق.
وبعد ذلك وفي السنة نفسها خرج إبراهيم أخو النفس الزكية في البصرة على أبي جعفر وكانت نهايته وأصحابه الهزيمة والقتل.
وقبل ذلك خرج زيد بن علي بن أبي طالب، وهزم وقتل سنه 221هـ، وقتل من معه وخرج بعده ابنه يحيى وهزم وقتل من معه إلا من هرب فنجا.
وفي سنه مائة وثلاثين استولى أبو حمزة الخارجي على المدينة وقتل كثيرا من أهلها، ولعل مالكا أدرك مبكرا أن الخروج يرهق الأمه ويشتت شملها ويفرق صفها، وليس من السهل الميسور على من استولى على السلطة بالقوة أن يفرط بكرسي السلطة أو يفرط في العض عليه وتوريثه لذريته.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن الأمة ومصالحها والدعوة ومقاصدها ستضيع بين متطلع إلى السلطة مهما كان مقصده من الوصول إليها، ومستول عليها متشبث بها، ولا يدرى هل من سيصل إليها سيكون مثل المستولي عليها أو أسوأ حالا.
وإن مواقف مالك كما سيأتي لتدل على أن الواقع الذي سمع مالك بعضا من أبنائه أو شاهده قد رسخ لديه قاعدة فكرية ما أنفكت تترسخ لديه، وهي أن أول ما ينبغي أن يعنى به ويسعى إليه هو الاستقرار السياسي في الدولة، والأمن للأمة والنصح للأئمة، وذلك لما للعنف والصراعات من أثر سيء وثمر نكد على الأمة والدولة وعلى الدنيا والدعوة.
ولعل مالكا قد ترجح لديه أن المفسدة في ظلم أولى الأمر إذا رافقه استقرار سياسي واستتباب للأمن أخف وأهون من المفسدة التي تقترن بالعنف والصراع أو تعقبه، فإن القتل والتشريد والتضييق وضنك العيش المصاحب للخروج على ولي الأمر أو الناتج عنه لا يصيب الخارجين خاصة.
وإن هذا ما يمكن في نظر الباحث أن يفسر به دوام حرص مالك على بذل الطاعة والتزام الجماعة، ولكنها طاعة العالم الإمام، الحريص على نصح ولي الأمر، والذي لا يخاف في الحق لومة لائم فلم يكن- رحمه الله-ملاينا للخلفاء، ولا مبالغا في احترامهم، ومما يروى في ذلك قوله: دخلت على أبي جعفر مرارا وكان لا يدخل عليه أحد من بني هاشم ولا غيرهم إلا قبل يده ولم أقبل يده قط (26) .
ولم يختلف منهج مالك في الدولة العباسية عنه في الدولة الأموية، فلم يخض في عداء ولا تأييد لأي من أطراف الصراعات السياسية، ولم يشارك في خروج ضد أولي الأمر، بقطع النظر عن كون الخارجين محقين أو مبطلين.
ويمكن أن يقال إن منهج مالك في عدم الميل إلى سبيل الخروج ربما نشأ لديه مبكرا، بسبب ما كان يسمع من الفتن والويلات التي كانت تقترن بالثورات والاضطرابات أو تعقبها، وبسبب عدم إفضاء شيء منها إلى إقامة حق أو دفع باطل.
ثالثا:- منهجه في خطابه وسلوكه السياسيين:-
إن من أبرز معالم منهج مالك في خطابه وسلوكه السياسيين ما يأتي:-
1-
…
التلطف في مخاطبة ولي الأمة:
…
لم يكن من منهج مالك معاداة الخلفاء ولا استعدائهم.
.. فمما ورد من ذلك أن أبا جعفر استدعى مالكا وأبا حنيفة وابن أبي ذئب، فسألهم: كيف ترون هذا الأمر الذي أعطاني الله، هل أنا لذلك أهل فقال ابن أبي ذئب:"إن الخلافة تكون بإجماع أهل التقوى عليها، والعون لمن وليها، وأنت وأعوانك كنتم خارجين من التوفيق عالين على الخلق". وكان مما قال أبو حنيفة: "إذا أنت نصحت لنفسك علمت أن ك لم ترد الله باجتماعنا، إن ما أردت أن تعلم العامة أن انقول فيك ما تهواه مخافة سيفك وحبسك، ولقد وليت الخلافة، وما اجتمع عليك نفسان من أهل التقوى، والخلافة تكون عن إجماع المسلمين ومشورتهم". وكان مما قال مالك:"لو يرك الله أهلا لذلك ما قدر لك ملك أمر الأمة، وأزال عنهم من بعد من نبيهم، وقرب هذا الأمر من أهل بيته; أعانك الله على ما ولاك وألهمك الشكر على ما خولك، وأعانك على من استرعاك (27) .
ومن المستبعد جدا في نظري أن لا يكون مالك مسل ما بصدق مقالة ابن أبي ذئب ومقالة أبي حنيفة، لكنه لم يكن قاسيا في الخطاب مثلهما، وهو في نظري معذور في ذلك الموقف السياسي، فلعله رأى نفسه بين مفسدتين: مفسدة استعداء الخليفة، ومفسدة مدحه على الرغم من ظلمه، وكلاهما شر " إذ في كليهما ضرر، فلعله رأى مدح أبي جعفر أهون شرا وأخف ضررا، وذلك ليبقي على نفسه، لا لنفسه ولكن للدين وللأمة فلو حبسه أبو جعفر أو قتله لكان على غيره أجرأ، فيتضرر الدين وتتضرر الأمة، ومالك حريص على أن يبقى أمانا للأمة، فاختار أهون الشرين وأخف الضررين في هذا الموقف.
ولكن لا يعني تلطفه في مخاطبة ولي الأمر الضعف في بذل النصيحة له، ويدل على ذلك أقول رويت عنه، فمن ذلك:(28) . قوله:"لا ينبغي المقام بأرض يعمل فيها بغير الحق، والسب للسلف الصالح، وأرض الله واسعة، ولقد أنعم الله على عبد أدرك حقا فعمل به".
وقوله:"وينبغي للناس أن يأمروا بطاعة الله، فإن عصوا كانوا شهودا على من عصاه".
وقيل له: أيأمر الرجل الوالي أو غيره بالمعروف وينهاه عن المنكر قال: إن رجا أن يطيعه فليفعل. فقيل له: فإن لم يرج هل هو من تركه في سعة فقال: لا أدري.
وفيما يتعلق بابن ذئب فسيأتي- إن شاء الله- أن أبا جعفر أمر مناديا ينادي في المدينة ان لا يفتى الناس في المدينة إلا مالك بن أنس وابن أبي ذئب.
ولعل ابن أبي ذئب تغير اجتهاده في مسألة العلاقة بالخلفاء، ولعل ذلك آت من فقه الواقع والموازنه الشرعية بين المصالح والمفاسد التي تعود على الدين والدعوة والأمة.
وإن من الدعاة، ومن المدارس الفكرية والتيارات السياسية من يتبن ومن منهج العنف في النقد، والقسوة في الخطاب السياسي، وأرى أن اضطراد هذا المنهج والتوسع فيه يجعل العلاقة بين العلماء والسلطة السياسية الظالمة علاقة خصومة، مما يعطل إمكانية التعاون بينهما ويدفع السلطة السياسية الى محاصرة نشاطات العلماء وعرقلتها عن تحقيق أهدافها، والعمل على إضعاف دور العلماء على المستويين الرسمي والشعبي.
وإن جعل العنف في النقد السياسي، والقسوة في الخطاب السياسي من قبل المصلحين المعارضة منهجا مضطردا لا يبعد أن يكون مظنة لغلبة المفسدة على المصلحة، لذلك فإن تحري العلماء منهج الاعتدال في نقد السلطة السياسية أدعى إلى استجلاب التجاوب واستيلاد التقارب والتوصل إلى التعاون المثمر والاحترام المتبادل بينهما.
2-
…
عدم المبالغة في توقير ولي الأمر.
روي عن مالك قوله: دخلت على أبي جعفر فرأيت غير واحد من بني هاشم يقبل يده المرتين والثلاث، ورزقني الله العافية فلم أقبل له يداً (29) .
يظهر من هذه الرواية أن مالكا كان يرى تقبيل يد الخليفة نوع بلاء، لذلك ماكان يفعله. وهذا يؤكد أن مدحه لأبي جعفر في الرواية السالفة كان للضرورة اجتلابا للمصلحة واجتنابا للمفسدة.
3-
…
الصدق والإخلاص:
ظهر ذلك - كما سيأتي- في موقفه من عرض أبي جعفر عليه أن يجمع الناس على قوله، ويجعل قانون القضاء الاجتهادي على وفق رأيه، لكنه رفض ذلك، مبيناً أن أنظار أهل الاجتهاد تختلف، فغيره يرى غير مايراه (30) فتوحيد الفتوى في القضاء الاجتهادي على رأي مجتهد واحد فيه نوع حجر فكري، لاسيما والعصر عصر نشاط فكري متوقد، واجتهاد فقهي مزدهر. وإن موقفه ذلك ليدل على سعة أفقه وبعد نظره ومعرفته بحال عصره
4-
…
عدم رضاه عن ظلم الخلفاء واغتصابهم السلطة:
دلت بعض الروايات التاريخية على أن مالكا لم يكن راضيا عن سيرة الخلفاء العباسيين، وعن أخذهم البيعة بالإكراه، فمن ذلك.
أ-
…
سأل مالك أندلسيا عن عبد الرحمن بن معاوية- الداخل - فأجاب الأندلسي: إنه يأكل خبز الشعير، ويلبس الصوف، ويجاهد في سبيل الله
…
فقال مالك ليت أن الله زين حرمنا بمثله، فنقم العباسيون عليه (31) .
ب
…
-وقال ابن عبد البر: ذكر أحمد بن حنبل أن مالكا كان لا يجيز طلاق المكره، فضرب في ذلك (32) .
وهذا في نظر أبي جعفر وواليه على المدينة يمثل عدم رضا عن العباسيين وقدحا لهم، وتفضيلا لغيرهم عليهم، وهو أمر يسوؤهم لاسيما وأنه يصدر من عالم المدينة وإمامها ولعل من اسباب عدم رضاه عن العباسيين أنهم كانوا ياخذون البيعة بالإكراه، وهو غير جائز شرعا.
ويؤيد فهمنا هذا ما ذكره ابن خلدون اذ قال:"كان الخلفاء يستحلفون على العهد، ويستوعبون الأيمان كل ها لذلك، فسمي الاستيعاب أيمان البيعة، لأنها أيمان تؤكد بها البيعة، وكان الإكراه فيها أكثر وأغلب، ولهذا لما أفتى مالك بسقوط يمين الإكراه أنكرها الولاة عليه، ورأوها قادحة في أيمان البيعة، ووقع في محنة الإمام (33) .
رابعا: الجانب الساسي في محنة مالك:-
ذكر أبو نعيم الأصبهاني ان مالكا ضرب وحلق وحمل على بعير، وأمر أن ينادي على نفسه فنادى: ألا من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي، وأنا أقول: طلاق المكره ليس بشيء فبلغ جعفر بن سليمان -والي المدينة -أنه ينادي على نفسه بذلك، فقال: أدر كوه وأنزلوه (34) .
وذكر ابن عبد البر في سبب محنه مالك:"لما دع ي مالك بن أنس وش وو ر وسمع منه، وقبل قوله شنف له الناس-أي تنكروا له -وحسدوه ونعتوه بكل شيء، فلما ولي جعفر بن سليمان على المدينة سعوا به إليه وكثروا عليه عنده، وقالوا: لايرى أيمان بيعتكم هذه بشئ، وهو يأخذ بحديث في طلاق المكره انه لايجوز (35) .
فغضب جعفر بن سليمان فدعى مالكا وحده وضربه بالسياط ومدت يداه حتى انخلع كتفاه وارتكب منه أمرا عظيما (36) .
ويمكن تفسير تعدد الروايات في أسباب محنه مالك تفسيرات متعددة منها تحديثه بحديث طلاق المكره، ومنها حسد الحاسدين ووشايتهم به لدى الوالي والخليفة، ولعل منها رغبة الخليفة بالتلويح لغير الراضين عنه أن الانتقام والعقاب يطال كل معارض حتى ولو كان إمام المدينة هذا، وتوجد روايات عديدة أخرى في سبب محنة الإمام مالك إلا أنها ضعيفة، والمشهور ما ذكرناه.
…
وفي ذكر من تولى كبر المحنة ورد أن أبا جعفر المنصور عين جعفر بن سليمان واليا على المدينة، في ربيع أول سنة 641هـ (37) ، أي بعد مقتل محمد النفس الزكية بستة أشهر، فقدم جعفر بن سليمان إلى المدينة، وأكره الناس على البيعة وبلغه أن مالكا يحدث بحديث:؛وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (38) .
…
وورد ان مالكا استفتي في الخروج مع محمد النفس الزكية وقيل له: إن في أعناقنا بيعة لأبي جعفر، فقال:" إنما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين، فأسرع الناس إلى محمد، ولزم مالك بيته"(39) .
هذه الرواية تدل على أن والي المدينة جعفر بن سليمان هو الذي تولى كبر محنة مالك. لأنه كان يرى في تحديث مالك تحريضا للناس على نقض بيعتهم للعباسيين، والعباسيون أحوج ما يكونون لإقرار الأمن وإخضاع الناس، لاسيما في المدينة المنورة، بعد فشل ثورة محمد النفس الزكية التي انتهت بمقتله.
ولعل العباسيين لم يكن يهمهم نية مالك وأنه لم يقصد التحريض على نقض البيعة لهم، ولكن كان يهمهم أن التحديث بهذا الحديث يودي إلى تحريض الناس على نقض البيعة، لأنه يشكل سندا شرعيا لهم في نقض البيعة، فلا يخافون إثما أخرويا بسبب نقض البيعة للعباسيين الذين اخذوها منهم بالإكراه، فالسلطة السياسية العباسية في مسألة الخروج المسلح كانت تقف عند المآلات ولا تعتد بالبينات.
فلعل أبا جعفر المنصور وواليه على المدينة لم يخافا نية مالك، ولكنهما كرها تحديثه به، لما لذلك من مآل خطير، وإن كان باعثه عليه حسنا، وأغضبهما منه عدم انصياعه للنهي بعدم التحديث بذلك الحديث فكان عدم مجرد التحديث به في نظرهما معصية وجريمة، ي ستحق بها العقاب.
خامسا:-منهجه في المشاركة السياسية (تولي وظائف الحكم والإدارة) :
روى الطبري أن أبا جعفر المنصور انتدب مالكا سنة 441هـ ليقوم بإقناع آل الحسن بن علي بتسليم محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم إلى أبي جعفر، وأرسل بصحبته قاضي المدينة محمد بن عمران (40) .
وينشأ هنا سؤال: كيف قبل مالك أن يتوسط تلك الوساطة السياسية لتسليم محمد وإبراهيم إلى أبي جعفر، ومصيرهما لو سلما إليه غير مأمون.
والجواب ربما وعد أبو جعفر مالكا أنه سيعفو عنهما لو سلما إليه أو مثلا بين يدية، فأغرى ذلك مالكا فقام بتلك المهمة، لا سيما وأنه كان يتشوف إلى إخراج محمد وإبراهيم من الضيق الذي فرض عليهما والخوف الذي ألبساه من ق ب ل أبي العباس السفاح فأبي جعفر المنصور.
ولعل قبول مالك التوسط بين أبي جعفر واعدائه السياسيين رشحه في نظر أبي جعفر لمنصب سياسي مهم ليس أحد في نظر أبي جعفر أقدر عليه وأصلح إليه من مالك، وهو منصب عام جوهره الرقابة العامة والمحاسبة النافذة في ناحية الحجاز كلها.
وفي عام 841هـ حج أبو جعفر، وكان قد أوعز بأن يكلف مالك بالحج والمثول بين يديه بمنى. وقد روي عن مالك من أمر هذه المقابلة مايأتي: فلما دنوت منه رحب بي وقرب، ثم قال: ههنا إلي. فأوفيت للجلوس. فقال: ههنا. فلم يزل يدنيني حتى جلست إليه وألصقت ركبتي بركبتيه، ثم كان أول ما تكلم به أن قال: والله الذي لا إله إلا هو ما أمرت بالذي كان، ولا علمته، وإنه لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم، وإني إخالك أمانا لهم من عذاب الله، وقد رفع الله بك عنهم سطوة عظيمة، فإنهم أسرع الناس للفتن، وقد أمرت بعدو الله أن يؤتى به من المدينة إلى العراق وأمرت بضيق حبسه والاستبلاغ في امتهانه، ولا بد أن أنزل به من العقوبة أضعاف ما نالك منه (41) .
ويمكن القول: إن تلك المقابلة صنعت م دخلا لأبي جعفر إلى نفس مالك، فقد تضمنت الاعتذار من الخليفة لمالك للإهانة التي ألحقها به جعفر بن سليمان عند تسلمه ولاية المدينة سنة 641هـ وتضمنت الاعتراف بفضل مالك وعظيم قدره والثناء عليه لسيرته السياسية بعد محنته.
كذلك، أشار أبو جعفر إلى أنه عالم بمنهج مالك وعدم ميله الى النشاط السياسي المعادي، وحرصه على النشاط الإصلاحي وتجنبه كل ما من شأنه أن يهيج الأمة أو يوقض الفتنة، ولم يخف أبو جعفر رضاه عن مالك، واعترافه بأن منهج الإصلاح بالمناصحة وهجر الخروج له كبير الأثر في إقرار الأمن، وكان ابو جعفر يسعى لاقرار الأمن، لاسيما في المدينة التي كانت تمثل مركز خطر سياسي على السلطة العباسية، وكان ولاء عامة أهلها للخارجين وليس للسلطة الحاكمة، وكانوا قد تجرأوا على الاستنكاف عن الطاعة للعباسيين، حتى
وصفهم أبو جعفر بأنهم أسرع الناس إلى الفتنة ووصف مالكا بمنهجه الإصلاحي بالمناصحة بأنه أمان لهم من عذاب الله.
…
ولعل أبا جعفر أيقن أن مالكا ناصح أمين، غير متطلع لشق عصى الطاعة ومعارضة الجماعة، عازف عن التكلم في السياسة، قدير على أداء ما يعهد إليه، لذلك عزم على منحه سلطة عامة رقابية ومحاسبية يخضع لها الناس جميعا في الحجاز بما فيهم الولاة والقضاة; فقال له:؛إن رابك ريب في عامل المدنية أو عامل مكة، أو أحد من عمال الحجاز في ذاتك أو ذات غيرك أو سوء سيرة في الرعية فاكتب إلي بذلك، أنزل بهم ما يستحقون، وقد كتبت إلى عمالي بهذا، وأنت حقيق أن تطاع ويسمع منك (42) .
…
لقد قبل مالك ذلك المنصب السياسي العام والعالي الذي استحدثه له أبو جعفر، فتربع مالك على قمة هرم الإدارة والحكم في الحجاز كلها، وأصبح نائبا أول للخليفة في شؤون الرقابة العامة والمحاسبة السياسية في تلك الولاية.
…
وإن قبول مالك لتلك الولاية ليدل على استقرار منهجه لديه، وهو منهج الإصلاح عن طريق المشاركة السياسية، وعلى دوام هجره منهج العداء أو البعد عن السلطة السياسية سبيلا، لكن مما تجدر الإشارة إليه هنا أن المشاركة السياسية التي قبلها مالك كانت مشفوعة بتمكنه من تحقيق الإصلاح الذي كان ينشده.
…
وإن مما ينبغي أن يكون شرطا لأصحاب المنهج الإصلاحي الذين يتوسلون إلى الإصلاح بالمشاركة السياسية أن يمكنوا حقيقة وواقعا من تنفيذ منهجهم الإصلاحي، والإ غدت مشاركتهم السياسية هزيلة الثمرة، وصاروا بذلك أبعد عن أن ينالوا من الناس الثقة.
هذا، وليس أدل على سعة صلاحيات مالك التي أكسبتة إياها مشاركته السياسية من الهيبة العظيمة منه التي وقعت في قلوب الولاة والقضاة، فمما وصل إلينا من أنباء ذلك ما ذكر الشافعي أنه حمل كتابا من والي مكة إلى والي المدينة يطلب منه إيصال الشافعي إلى مالك، قال الشافعي فأبلغت الكتاب إلى الوالي، فلم اقرأه قال: يا فتى: إن المشي من جوف المدينة إلى جوف مكة حافيا راجلا أهون على من المشي إلى باب مالك بن أنس، فلست أرى الذل ة حتى أقف على بابه (43) .
وكذلك، سأله القاضي جرير بن عبد الحميد عن حديث وهو قائم فأمر بحبسه، فقيل: إنه قاض. فقال: أحق أن يؤدب، احبسوه; فحبس إلى الغد (44) .
ولم تقتصر مشاركة مالك السياسية على تسلمه منصب الرقابة المحاسبية على الرعية ورجال الحكم والقضاة في الحجاز، فقد تسلم أيضا منصب الإفتاء في المدينة، وأمر أبو جعفر أن ينادى:"ألا لايفتي الناس في المدينة إلا مالك بن أنس وابن أبي ذئب (45) ، فانجمع لمالك منصبان سياسي ان هام ان يعد صاحبهما من علية رجال الدولة ومن المتقدمين من أفرادها جهاز الحكم والإدارة فيها، وحظي باحترام عظيم من قبل أبي جعفر، فكان إذا دخل عليه لايكاد يراه حتى يناديه: "إلى ههنا يا أبا عبد الله، أنت حقيق بكل خير وإكرام (46) .
…
وكذلك، أراد أبو جعفر توحيد الأمة على مذهب واحد في القضاء الاجتهادي، ووقع اختياره على مالك لتكون آراؤه مذهب الدولة، فعزم على تأسيس سلطة تشريعية اجتهادية، وعزم على حصر تلك السلطة في شخص مالك، وأناط به صلاحيات أشبه ما تكون بصلاحيات تقنين الأحكام التشريعية في الجانب التشريعي.
.. وورد أن أبا جعفر المنصور قال لمالك: "ضع هذا العلم ودونه
…
واقصد إلى أواسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة، ولنحمل الناس-ان شاء الله -على علمك وكتبك، ونبثها في الأمصار، ونعهد إليهم ألا يخالفوها ولا يقضوا بسواها. فقال مالك " أصلح الله أمير المؤمنين، إن أهل العراق لا يرضون علمنا، ولا يرون في عملهم رأينا. فقال أبو جعفر: يحملون عليه، ونضرب عليه هاماتهم بالسيف، ونقطع طي ظهورهم بالسياط، فتعجل (47) .
…
من كل ما سبق يتبين أن مالكا ما كان يجد حرجا في المشاركة السياسية، لكن ينبغي أن لا نطلق نسبة ذلك إليه، ذلك أنني لا أظن أنه كان سيقدم على المشاركة السياسية لو لم يعلم أنه سيتمكن من ممارسة منهجه الإصلاحي، وأن ما سيترتب على المشاركة من المصالح أعظم مما سيترتب عليها من المفاسد وهو في ذلك يغفل ما تستجلبه مشاركته من مفسدة إيذاء شريحة من الناس لسمعته، باتهامهم إياه أنه من علماء السلاطين أو علماء الدنيا، وذلك ما قد وقع فعلا من قبل، فقد قال له بعض تلاميذه في شأن دخوله على الخلفاء: إن الناس يستكثرون أنك تدخل على الأمراء فقال: إن ذلك بالحمل على نفسى، وذلك أنه ربما استشير من لا ينبغي (48) ، فهو يعد مصلحته الخاصة ملغاة في جانب مصلحة الدين والأمة، فيرضى بالدخول على الأمراء لئلا يستفرد بهم الفساق وأهل الفساد. إذ مصير احتكار الفساق وأهل الفساد للشورى، أن يحتكروا الوظائف العليا في الدولة، فينخر الفساد مؤسسات الدولة
كذلك مما يمكن أن أفسر به عدم تردد مالك في قبول المشاركة السياسية هو خصال الخير التي ألفاها في أبي جعفر، ومنها: خصلة العلم، فورد أن مالكا قال في شأن مقابلته لأبي جعفر:؛ ثم فاتحنى –يقصد أبا جعفر – فيمن مضى من السلف والعلماء، فوجدته أعلم الناس، ثم فاتحني في العلم والفقه فوجدته أعلم الناس بما اجتمعوا عليه، وأعرفهم بما اختلفوا فيه، حافظا لما روى (49)، لقد جمع أبو جعفر بين الإمامتين: إمامة العلم وإمامة الحكم. وكان لا يجهل ذلك من نفسه، فقد قال لمالك في مقابلته له بمنى: "لم يبق في الناس أفقه مني ومنك (50)، وفي رواية:؛ يا أبا عبد الله، ذهب الناس فلم يبق غيري وغيرك (51) ، ويؤكد ذلك مناظرات دارت بينه وبين مالك في المسجد النبوي (52) .
ولعل خصال الخير في أبي جعفر حرضت مالكا على قبول المشاركة السياسية، كما حرضه على ذلك خوفه من أن يحتكر الفساق وأهل الفساد الوظائف العامة والعليا في الدولة، فيتأصل الظلم ويتجذر الفساد، واطمئنانه إلى أن صلاحياته في تحقيق الإصلاح ستكون واسعة.
وأرى أن تلك الضوابط كانت تمثل عند مالك ثوابت في منهجه السياسي; كان بناء عليها يحدد موقفه من المشاركة السياسية رفضا أو قبولا.
سادسا: منهجه في موقفه من الخروج على السلطة السياسية:
كان محمد النفس الزكية أفضل آل البيت في زمانه حتى بلغ من فضله وإمامته أن عقد الهاشميون ومنهم العباسيون البيعة له للخروج على الأمويين لكن العباسيين خرجوا على الأمويين قبله، فاستولى أبو العباس السفاح على السلطة، ثم جعل الخلافة من بعده لأخيه أبي جعفر.
وخشي العباسيون حركة محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم، فجعلوها أولى أولوياتهم السياسية، فجهد أبو العباس لاعتقاله وأخيه، لكنه فشل ومات قبل أن يتحقق له اعتقالهما. وتابع أبو جعفر سياسة أبي العباس لاعتقال محمد وأخيه والقضاء على حركتهما، فلم يفلح; فقبض على أبيهما عبد الله فلم يزل يؤذيه ويبالغ في أذاه حتى استفز محمدا، فأعلن الخروج في المدينة فقال أبو جعفر”: استخرجت الثعلب من ج حره" (53) .
…
وكان مالك إذا قال أهل المدينة: إن في أعناقنا بيعة للمنصور قال لهم: بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين (54) ، فأسرعوا إلى محمد. ولم يتخلف منهم عن الخروج معه سوى القليل (55) .
…
وذكر (56) أن أحد الطالبيين شكى إليه مالحقهم من أذى واضطهاد، فقال مالك: اصبر حتى يأتي تأويل هذه الآية: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض فنجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين (57) ، وقد استفتاه الرشيد عن حكم قتال من خرجوا على السلطان، فأجابه مالك: "إن كان خروجهم عن ظلم من السلطان فلا يحل قتالهم، وإن كانوا إنما شقوا عصى الطاعة فقتالهم حلال (58) .
لكن كيف نوفق بين مضمون هذه الروايات التي قد يفهم بعض الناس منها ميل مالك الى تأييد الخروج على أبي جعفر وبين أن مالكا لم يشارك في الخروج؟.
والجواب: إن مالكا كان يحدث بحديث المستكره إذا سئل عنه من باب نشر العلم وليس تحريضا على الخروج، وكان إذا سئل عن حكم نقض البيعة لأبي جعفر أجاب بعدم الاثم في ذلك لأنها اخذت فهم بالاكراه فهو في ذلك يبلغ علما ولا يؤيد خروجا ولا يميل اليه.
ولعله كان يرى مفسدة الخروج راجحة على مصلحته فلم يخرج ولم يؤيد الخارجين، فلا يكون ثمة مناقضة بين تحديثة وإفتائه من جهة وعدم تأييده الخروج من جهة اخرى.
وقد حصل ما رآه مالك وذلك أنه لما خرج محمد حاصر جيش أبي جعفر المدينة وأحكم الحصار عليها، فخطب محمد في أتباعه وأنصاره، فقال: يا أيها الناس، إن هذا الرجل- يقصد عيسى بن موسى قائد جيش أبي حعفر-قد قرب منكم في عدد وعده، وقد حل لتكم من بيعتي، فمن أحب المقام فليقم، ومن أحب الانصراف فلينصرف فتسل لوا حتى بقي في شرذمة ليست بالكثيرة بعد أن كان عدد من خرجوا معه أول الأمر يقارب مائة ألف (59) من أهل المدينة وما حولها.
وقد أكد الواقع اجتهاد مالك فقد فشل الخروج وقضي على الخارجين، وقتل محمد النفس الزكية وأذل أهل المدينة، فكان ذلك دليلا على سعة أفقه، وبعد نظره، واستحضاره لمآلات الأفعال وعواقب الأمور وهو يجتهد في ضوء ثوابت منهجه السياسي ليحدد مواقفه العملية.
وإن مما يدل على أنه كان يرى طاعة ائمة الجور للضرورة، وعدم الخروج لرجحان مفسدة الخروج على مصلحته ما ذكر في المدونة الكبرى: قال مالك: لا أرى بأسا أن يقاتل الروم مع هؤلاء الولاة. قال ابن القاسم وكان فيما بلغني عنه ولم أسمع منه أنه كان يكره قبل ذلك جهاد الروم مع هؤلاء-الولاة-حتى لما صنعت الروم ما صنعت قال: لا بأس بجهادهم.
وقال ابن القاسم: وأما أنا فقد ادركته وهو يقول: لا بأس بجهادهم مع هؤلاء الولاة
…
لو ترك هذا لكان ضررا على أهل الإسلام (60) .
…
فهو يكره ظلم الولاة لكنه لا يرى الخروج عليهم، ولعل كرهه للجهاد تحت رايتهم كان أول الأمرين منه، ثم بعد ذلك رأى رجحان مصلحة الاسلام والأمة في القتال تحت رايتهم، وهذا ما ذكره فقهاء المالكة فذكروا أنه يقاتل العدو مع كل بر وفاجر (61) ، وعللوا ذلك بأن في ترك الجهاد معهم ضرر على المسلمين (62) .
وذكر اللخمي حجة مالك في كرهه القتال تحت راية ولاة الجور، فقال:"وروي عن مالك: لا يجب الخروج معهم لكيلا يعينهم على ما يقصدون من الدماء"(63) .
فرجحان المفسدة في الخروج في نظره هو مستنده في عدم الخروج على أئمة الجور والاكتفاء يبذل النصيحة لهم، واعتماد منهج الاصلاح معهم، والله أعلم.
وقد، أحسن مالك في أنه لم يتجاوز دائرة النشاط السياسي الفكري الإصلاحي، ولم يؤيد الخروج المسلح، ذلك أن الدولة تعتمد الإسلام دستورا، والشريعة الإسلامية مصدرا وحيدا للتشريع، وإن كانت سلطة الحكم تسيء تطبيق التشريع وتجعل الخلافة وراثية.
كذلك، فإن الفئة التي تستهدف الخروج المسلح والاستيلاء على السلطة بالقوة المادية، قد تصبح أشد تمسكا بالسلطة متى تمكنت منها، وأكثر ظلما للشعب، فحري بمن يفتي بالخروج المسلح أن يضع في الحسبان هل سيلتزم الخارجون بالعدل بعد توليهم السلطة، وهل سيجعلون من الشعار مبدأ وواقعا تعيشه الأمة في حياتها، أو أنهم سيخلفون السلطة السابقة في الظلم وتعطيل سلطة الأمة.
هذا، وإن النظر إلى الواقع والمستقبل معا عند إرادة الفتوى بمشروعية الخروج المسلح يجعل المجتهد أكثر تهيبا وأشد تهربا من الفتوى بذلك.
لقد تجنب مالك الخروج وكان منهجه هو هجر كل نشاط سياسي معاد للسلطة السياسية واعتماد منهج الإصلاح من خلال المشاركة السياسية، أي قبول تسلم وظائف عامة وعليا في الدولة.
وفي نظر الباحث إن هجر مالك لمسلك الخروج المسلح إلى مسلك الإصلاح بالمشاركة السياسية كان نتيجة للأحداث السياسية في المجتمع آنذاك فقد أحدثت أضرارا بالغة بالأمة والدولة وبالدين والدعوة، فمن تلك الأضرار: تشديد الرقابة على الأمة بوجه عام وعلى العلماء بوجه خاص فأصبحت السلطة الحاكمة ترصد نشاطات العلماء وأصحاب الفكر، وتصنفهم إلى محايدين، وموالين، وأعداء.
كذلك، أحكمت السلطة الحاكمة قبضتها على الحكم، ولم تتورع في قمع مخالفيها، بل أصبح الحصار الفكري للمخالفين والتضييق عليهم، ومواجهتهم بالاعتقال والحبس أو الإعدام أبرز النشاطات الأمنية الداخلية، لذلك لعل مالكا ما كان له بد من هجر منهج معاداة السلطة الحاكمة، إلى اعتماد منهج المشاركة السياسية وسيلة للإصلاح، ولعله أدرك أن مصلحة الدين والأمة تقتضي ذلك، والمصلحة أصل من أصوله.
سابعا: موقفه من الجانب السياسي في طلب تأليف "الموطأ":
أولا: فكرة تأليف الموطأ لدى مالك وعنايته الفائقة به.
كان اتجاه العلماء الى تدوين الحديث وأقوال الصحابة والتابعين موجودا قبل مالك، قال البخاري: فأول مع جمع من ذلك الربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما، وكانوا يصنفون كل باب على حده الى أن قام كبار أهل الطبقة الثالثة فدونوا الأحكام، فصنف مالك الموطأ، وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم (64) .
فالموطأ يعد أول كتاب ألف في الجمع بين الحديث والفقه، ففتح مالك به الباب للمؤلفين في ذلك فولجوه بعده، وسلكوا طريقه، وقد امتاز مالك فيه عمن سبقوه، بانتقاء القوي من الأحاديث، كما امتاز بترتيب الكتب ووضع التراجم وحسن السياق في التأليف وترتيب التصنيف مما لم يسبقه أحد إليه، مع ما قرنه الله به من التوفيق، وحسن نية مالك في التأليف، ولذلك اشتهر الموطأ وانتشر (65) .
وذكر البخاري في كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، فقال: كتب عمر بن عبد العزيز الى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء (66) .
قال ابن حجر: "ويستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي، وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ"(67) .
وذكر ابن عبد البر أن مالكا قال:كان عمر بن عبد العزيز يكتب إلى الأمصار يعلمهم السنن والفقه، ويكتب إلى المدينه يسألهم عما مضى، وأن يعملوا بما عندهم، وكتب إلى ابن حزم أن يجمع السنن ويكتب إليه، فتوفي عمر وقد كتب ابن حزم كتبا قبل أن يبعث إليه (68) .
وورد أن أول من عمل كتابا بالمدينه على معنى الموطأ من ذكر ما اجتمع عليه أهل المدينه عبد العزيز بن عبد الله الماجشون (ت46هـ) ، ولكنه عمله كلاما بغير حديث، فأتي به مالك فنظر فيه فقال: ما أحسن ما عمل، ولو كنت أنا عملت لبدأت بالأثار ثم سددت ذلك بالكلام، فعزم مالك على تصنيف الموطأ، فعمل من كان يومئذ من العلماء الموطآت، فقيل لمالك:تتعب نفسك بهذا الكتاب وقد تشركك فيه الناس وعملوا أمثاله، فقال: أئتوني بما عملوا: فأتي بذلك، فنظر فيه ثم نبذه وقال: لتعلمن أنه لايرتفع من هذا إلا ما أريد به وجه الله، فكأنما ألقيت الكتب في الآبار، وما ذكر منها شئ بعد ذلك (69) .
فمالك كان مسبوقا إلى أصل فكرة الموطأ، لكنه سبق من سواه في منهجه فيه، حتى شهد العلماء للموطأ بما لم يشهدوا به لغيره من الموطآت، فقد كان مالك "من أشد الناس تركا لشذوذ العلم، وأشدهم انتقادا للرجال، وأقلهم تكلفا، وأتقنهم حفظا، ولذلك صار إماما (70) ، فظهر ذلك في كتابه الموطأ.
ويدل استحسان مالك لصنيع ابن الماجشون على انغراس فكرة تأليف الموطأ في نفس مالك، من أجل حفظ علم المدينة بتدوين السنه النبوية وعلم الصحابة والتابعين، ومن أجل الاستدراك على غيره في منهج التدوين.
وقد أدرك مالك حكمة عمر بن عبد لعزيز في تكليفه أبا عمرو بن حزم بتدوين علم المدينة، وهي خوفه على السنة النبوية أن تضيع، والخوف من دروس العلم، فتعزز لدى مالك وهو إمام المدينة من غير منازع الباعث على تأاليف الموطأ.
وكان مالك يرى أن الحديث هو حديث الحجاز، فقال:؛إذا جاوز الحديث الحرمين ضعف نخاعه (71) ، فعزم على جمعه، خوف ضياعه.
وقد استفاضت شهرة مالك بإعظام حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشدة اتباعه، وتثبته فيما يروي عن النبي وحرصه على معرفة أقوال الصحابة والتابعين، ومما جاء في ذلك (72) .
قال مالك:"إن هذا العلم -يعني الحديث- دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، لقد أدركت سبعين ممن يحدث: قال فلان قال رسول الله، عند هذه الأساطين- وأشار إلى أعمدة مسجد رسوله الله - فما أخذت عنهم شيئا، وإن أحدهم لو أتمن على بيت مال لكان أمينا، لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن وفي لفظ:" ولم أترك الحديث عنهم لأنهم لم يكونوا ثقات فيما حملوا، إلا أنهم حملوا شيئا لم يعقلوه".
وسأله بشر بن عمر عن رجل، فقال مالك: هل رأيتة في كتبي؟ فقال بشر: لا. فقال مالك: لو كان ثقة لرأيته في كتبي.
وقال الشافعي: كان مالك إذا شك في الحديث طرحه كله.
وبهذا التثبت والعناية جاء الموطأ جم النفع، قال عبد الرحمن بن مهدي والشافعي، ما كتاب بعد كتاب الله أنفع للناس من موطأ مالك بن أنس (73) وقال الشافعي:"ما كتاب بعد كتاب الله أكثر صوابا من كتاب مالك (74) ".
وقد شفع مالك حسن عمله بحسن نيته وإخلاصه لله، فقد سأل مالك يوما بعض أصحابه: ما يقول الناس في موطئي؟ فقال: الناس رجلان: محب مطر وحاسد فقير. فقال مالك إن مد بك العمر فسترى ما يراد به الله (75) .
ثانيا: طلب أبي جعفر المنصور تأليف الموطأ:
تدل الروايات التاريخية على أن أبا جعفر المنصور قد انغرست لديه فكرة توحيد القضاء في أرجاء الدولة على رأي يلزم به القضاة كافة لاسيما وأن أنباء اختلاف الأقضية الشديد قد تناهى إليه.
ومن ذلك ما جاء في رسالة ابن المقفع إلى أبي جعفر، فمما جاء فيها: ومما ينظر أمير المؤمنين فيه، اختلاف هذه الأحكام المتناقضة التي قد بلغ اختلافها أمرا عظيما في الدماء والفروج والأموال، في ستحل الدم والفرج بالحيرة وهما يحرمان بالكوفة، ويكون مثل ذلك الاختلاف في جوف الكوفة، فيستحل في ناحية منها ما يحرم في ناحية أخرى، غير أنه على كثرة ألوانه نافذ على المسلمين في دمائهم وحرمهم، حكم به قضاة جائز أمرهم وحكمهم....
فلو رأى أمير المؤمنين أن يأمر بهذه الأقضية والسير المختلفة فترفع إليه في كتاب ويرفع معها ما يحتج به كل قوم من سنة أو قياس ثم نظر أمير المؤمنين في ذلك وقضى في كل قضية رأيه الذي يلهمه الله ويعزم له عليه وينهى عن القضاء بخلافه وكتب بذلك كتابا جامعا عزما لرجونا أن يجعل الله هذه الأحكام المختلطة الصواب بالخطأ حكما واحدا صوابا ورجونا أن يكون في اجتماع السير اجتماع الأمر برأي أمير المؤمنين وعلى لسانه، ثم يكون ذلك من إمام إلى آخر، آخر الدهر، إن شاء الله (76) .
فابن المقفع أشار على أبي جعفر ونصحه أن يوحد عمل القضاة على رأي واحد يتنباه، وقد اتجة أبو جعفر كما اتجه قبله عمر بن عبد العزيز إلى المدينة وعلمها، فهي موطن السنه ومستقر كثير من الصحابة والتابعين، وكان أهلها لا يزالون يتناقلون سنة النبي وأقضيته، فعلمها لا يزال علما نبويا يتناقله الثقاة العدول، فيسهل جمعه، وهذا مالا يتوافر في غيرها شرفها الله.
وإذا كانت المدينة هي ما يصلح ان يتجه إليه أبو جعفر لتحقيق غايته، فإن إمامها وعالمها مالك بن أنس هو خير من يمكن أن ينتدب إلى تلك المهمة الجليلة، وهو ما فعله أبو جعفر، فما أن قدم إلى المدينة من العراق والتقى مالكا، حتى حاوره وطلب منه أن يجمع العلم ويجعله علما واحدا ليتولى أمير المؤمنين حمل الناس عليه، فوافق طلب أبي جعفر عزم مالك على تأليفه، غير أن مالكا أبدى معارضته في مسألة توحيد الأمة على رأي واحد، فاجتمع رأيهما على جمع العلم دون توحيد الأقضية.
وإن مسألة وضع كتاب واحد برأي واحد في كل مسألة ليحمل الناس عليه تكررت من الخليفة المهدي ثم من الخليفة هارون الرشيد، وفي كل مرة كان مالك يبين أن المصلحة في عدم حمل الناس على راي واحد أرجح، فمما روي في ذلك: أن المهدي قال لمالك: ضع كتابا أحمل الأمة عليه، فقال مالك: يا أمير المؤمنين، أما هذا الصقع وأشار إلى المغرب، فقد كفيتكه، وأما الشام ففيهم الرجل الذي علمته، يعني الأوزاعي، وأما أهل العراق فهم أهل العراق (77) .
كذلك ورد أن مالكا قال: شاورني هارون الرشيد في ثلاثة، أن يعلق الموطأ في الكعبة، ويحمل الناس على مافية، وفي أن ينقض منبر رسوله الله صلى الله عليه وسلم -ويجعله من جوهر وذهب وفضه، وفي أن يقدم نافع بن نعيم إماما يصلى بالناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا أمير المؤمنين، أما تعليق الموطأ في الكعبة فإن أصحاب رسول الله اختلفوا في الفروع فافترقوا في البلدان، وكل عند نفسه مصيب، وأما نقض المنبر فلا أرى أن تحرم الناس أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تقدمك نافعا يصلي بالناس فإن نافعا إمام في القراءة لا يؤمن أن تبدر منه في المحراب بادرة فتحفظ عنه. فقال: وفقك الله يا أبا عبد الله (78) .
وهذه الروايات تتعاضد في أن أصل الغرض من طلب المنصور من مالك أن يضع كتابا يدون فيه العلم ويجعله علما -أي قولا -واحدا، كان سياسيا، وهو توحيد القضاء على رأي واحد، وهو ما طلبه المهدي ثم الرشيد من مالك بعد ذلك.
وورد أن أبا جعفر المنصور قال لمالك:"ضع هذا العلم ودونه، ودون منه كتبا، وتجنب شدائد عبد الله بن عمر، ورخص عبد الله بن عباس، وشواذ عبد الله بن مسعود، واقصد إلى أواسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة، ولنحمل الناس-إن شاء الله- على علمك وكتبك، ونبثها في الأمصار، ونعهد إليهم ألايخالفوها ولا يقضوا بسواها. فقال مالك " أصلح الله أمير المؤمنين، إن أهل العراق لا يرضون علمنا، ولا يرون في عملهم رأينا. فقال أبو جعفر: يحملون عليه، ونضرب عليه هاماتهم بالسيف، ونقطع طي ظهورهم بالسياط، فتعجل بذلك وضعها، فسيأتيك محمد المهدي ابني العام القابل-إن شاء الله -إلى المدينة ليسمعها منك، فيجدك قد فرغت من ذلك" (79) .
وذكر المنذري أن أبا جعفر قال لمالك:"لم يبق في الناس أفقه مني ومنك وقد شغلتني الخلافة، فضع للناس كتابا ينتفعون به، وتجنب رخص ابن مسعود (80) .
وفي رواية:"يا أمير المؤمنين، قد رسخ في قلوب أهل كل بلد ما اعتقدوه وعملوا به، ورد العامة عن مثل هذا عسير (81) .
وتدل هذه الرواية على أن أبا جعفر وتقنين الأحكام الشرعية بحيث يستقر القضاء في كل مسألة خلافية على مايراه مالك.
ولعل واقع الحياة في الساحات: الفكرية، والسياسية، والفقهية، في الدولة هو الذي نشأ هذه الفكرة لدى أبي جعفر: أما الساحة الفكرية فكانت تشهد صراعات شديدة بين سائر المدارس الفكرية العقدية، معتزلة وشيعة وجهميه ومعطلة ومشبهة
…
وأما الساحة الفقهية فكانت تشهد اختلافات فقهية متعددة لا تكاد مسألة فقهية تخلو في جانب من جوانبها منها، وهو ما سلف ذكره في رسالة ابن المقفع إلى ابي جعفر، ولعل الخطب قد اشتد في نظر أبي جعفر لما اشتهر أمر مخالفة أبي حنيفة لقضاة الكوفة، وانتقاده لهم وتصريحه بخطئهم إذا خالفوا رأيه مما أضاع هيبة القضاء وول د الجرأة على القضاة. ناهيك عن الفرقة التي انتشرت بين أصحاب الآراء العقدية المتباينة وأتباع المدارس الفكرية المتصارعة، والوحشة التي ظهرت وتزايدت بين أصحاب الآراء الفقهية المختلفة.
وأما الساحة السياسية فكانت تشهد جماعات معادية للسلطة العباسية، منها الفكري ومنها المسلح، فالخوارج كانوا لا يفشلون في ثورة حتى يستأنفوا التخطيط والإعداد لثورة أخرى. والمعتزلة أصحاب فكر عقدي ينزح فكرا سياسيا ثوريا انقلابيا، بل إن فكرهم أسهم كثيرا في نظري في خدمة الدعوة العباسية ضد الأمويين. والطالبيون قد أرق خروجهم المسلح الأمويين ثم العباسيين وبعدم موافقة مالك على طلب أبي جعفر توقف الأمر عند حد الاتفاق على تأليف كتاب يحفظ السنة ويجمع علم الحجاز، فألف مالك كتابه "الموطأ".
ثامنا:- أثر أصل المصلحة في منهجه السياسي:
المصلحة في اصطلاح الاصولين هي: ما اتفق مع مقاصد الشريعة من نفع أو دفع ضرر (82) .
فالمصلحة التي بنى العلماء عليها هي المصلحة المعتبرة، وليست الملغاة ولا المرسلة عن الدليل الشرعي الذي يشهد لها، وقد أكثر الإمام مالك من الاعتماد على المصلحة المعتبرة ووضع أصحابه الضوابط لها.
وفي معرض الكلام عن أخذ الإمام مالك بالمصلحة واسترساله في ذلك، مراعيا مقاصد الشارع غير مناقض لها ولا خارج عنها، قال الشاطبي: أما قسم العادات الذي هو جار على المعنى المناسب الظاهر للعقول، فإنه استرسل فيه استرسال المدل العريق في فهم المعاني المصلحية، نعم مع مراعاة مقصود الشارع أن لا يخرج عنه ولا يناقض أصلا من أصوله (83) .
وقد برزت المصلحة دليلا شرعيا معتمدا بشكل واضح في الفكر السياسي عند مالك، ففي مقابلته وأبي حنيفة وابن أبي ذئب لأبي جعفر لم نجده قاسيا في الكلام كصاحبيه، فهما أخذا بالعزيمة، أما هو فتمسك بالرخصة، ولعله قدر أن المصلحة في الأخذ بها أعظم من المصلحة في الأخذ بالعزيمة فمدح أبا جعفر وبارك له بالخلافة ودعا له بالعون والتوفيق من الله.
وإني أرى موقف أبي حنيفة وابن أبي ذئب أبرا للذمة، وأرى موقف مالك أسلم في سبيل مصلحة الدعوة والأمة، لاسيما وأن صاحبيه قد أديا فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن موقفه كان أدعى لأن يسمع منه أبو جعفر لو طلب منه إصلاحا لبعض ما فسد، وهذا فيه مصلحة عظيمة، وأراهم جميعا قد وف قوا من غير اتفاق في مواقفهم في تلك الجلسة مع الخليفة، فكل واحد منهم حقق مقصدا شرعيا، وذلك أن كلا من العزيمة والرخصة تحقق المصلحة في مجالها.
ولقد راعى مالك الواقع وظروفه، فالواقع يقتضي عدم الاستعداء، وإن كانت القناعة تدفع إلى القسوة، وإن ذلك ليدل على أن المصلحة أظهر ما يمكن أن يكون مستندا لمالك في موقفه ذلك.
كذلك، برزت المصلحة مؤثرة في اختياره سبيل الإصلاح ورغبته عن سبيل الخروج.
الرازي، فخر الدين، المحصول في علم أصول الفقه، ج2، ص 319، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1408هـ، العضد الايجي، شرح العضد على مختصر بن الحاجب، ج2، ص 239، المطبعة الأميرية، د. ت، العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ج1، ص12، مكتبة الاستقامة، د. ت. الغزالي، المستضفي في علم الصول، ط1، ص 286-287، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1403هـ، الطوفي، شرح الأربعين النووية، ملحق برسالة المصلحة في التشريع الإسلامي، ص 211، دار الفكر.
وكانت المصلحة أيضا مستنده في دخوله على الأمراء قبل أن يتسلم منصب الرقابة عليهم، على الرغم مما أخذه الناس عليه في ذلك، وقد سبق قوله لما علم بإنكار الناس عليه "ربما استشير من لا ينبغي".
هذه نماذج من مراعاة مالك للمصلحة في سلوكه السياسي، وهي مع غيرها تدل على أن مراعاة المصلحة كانت ثابتا من ثوابت فكره السياسي.
وإن منهج مالك في الاستناد إلى المصلحة لجدير أن يترسم من قبل مدارس الفكر السياسي المعاصر والأحزاب السياسية الإسلامية في مسألة المشاركة السياسية والخطاب السياسي الإسلامي.
تاسعا:- مدى استقلاله عن شيوخه في منهج العمل السياسي.
بعد أن أوضحنا منهج مالك في العمل السياسي سنوضح مدى استقلاله في ذلك عن منهج شيوخه، فنقول:
إن شيوخ مالك كثيرون، اخترت أربعة منهم، ساعرف موجزا بجانب من منهج كل منهم في العمل السياسي، ليتسنى لي المقارنة -توافقا وافتراقا - بين مالك وبينهم، ولكيما أقترب من الصواب وأنا أتقصده وأتلمسه في الحكم على مالك بالاستقلالية أو بالتأثر والتبعية في منهجه السياسي، والأربعة الذين سأتكلم عنهم هم:-
1-
…
ابن هرمر، أبو بكر عبد الله بن يزيد الأصم (ت841هـ) تتلمذ عليه الإمام مالك ثمانية أعوام (84) ، واستحكمت المودة بينهما، حتى أفضى إليه ابن هرمز بسره السياسي الخطر، وهو مشاركته في الخروج المسلح على سلطة الحكم العباسية. فابن هرمز كان يرى مشروعية الخروج المسلح ضد من تغلب على الحكم وجعله وراثيا ومما يدل على ذلك الاتجاه الفكري عند ابن هرمز موقفه العملي، فقد خرج مع محمد النفس الزكية سنه 541هـ- يحمل قوسه، فقيل له: والله ما فيك شيء. فقال: قد علمت، ولكن يراني جاهل فيقتدي بي (85) فلم يتحلل من بيعته لمحمد النفس الزكية على الرغم من تحلل الآلاف ممن بايعوا.
فابن هرمز شارك فعليا في ثورة محمد النفس الزكية، ولكن مالكا لم يشارك، مما يدل على استقلال مالك في منهجه، وعدم تأثره بمنهج شيخه.
2-
…
ابن شهاب الزهري، أبو بكر بن مسلم المدني بن زهرة، (ت421هـ) ، كان يدخل على الخلفاء ويجالسهم ويتقبل هداياهم، وكان مؤدبا لأبناء هشام (86) .
وقد توافق مالك مع شيخه ابن شهاب في الدخول على الخلفاء وقبول هداياهم، فيروى قبوله عطاء أبي جعفر، فقد قبل ثلاثة ألآف دينار أعطاها له أبو جعفر ليشتري مسكنا له (87) ، كذلك شكى إلى الرشيد دينا ألم به، فأمر له بألف دينار، فلما هم بالانصراف قال: يا أمير المؤمنين: وزوجت ابني محمدا فصار عليَّ فيه ألف دينار; فأمر الرشيد له بألف أخرى (88) وورد أنه سئل عن حكم قبول العطاء فقال:"أما الخلفاء فلا شك، وأما من دونهم فإن فيه شيئا (89) .
…
فكان مالك يرى أن للعالم حقا في بيت المال، وأن الخلفاء إن أعطوا فإنما يعطون من المال العام وليس من خاصة ماله. والعالم له رزق في بيت المال يستحقه لقاء تفرغه للتعليم والتربية والفتيا (90) ، ثم إنه لو لم يقبلها لعل الحاجة تؤدي به إلى ما لا يليق بأمثاله. فكان له مستنده الشرعي وضابطه الفقهي في ذلك الاتجاه الفكري والمنهج السلوكي.
لقد توافق مالك مع شيخه الزهري في الدخول على الخلفاء وقبول عطاياهم، غير أن روايات ذكرت عدم سرور مالك وهو يقبل عطايا الخلفاء وأنه كان يرى في ذلك شيئا ; فروي: أنه سئل عن ذلك، فكرهه، فقيل له: إنك تقبلها. فقال: أتريد أن تبوء بإثمي وإثمك معا (91) وفي رواية:أجئت تبكتني بذنوبي (92) .
وأرجو أن لا أجافي الصواب إذا قررت عدم التعارض بين قبول مالك عطايا الخلفاء وكرهه لذلك، فيحمل قبوله لها وطلبه إياها على حال الاستحقاق في بيت المال. ويحمل كرهه لها على حال أخذها بغير حق، وحال التوسع في أخذها ولو كان بحق، ولعله خشي أن يفسر فعله ذلك على غير وجهه، فيقلده فيه الجهال أو غير الورعين، فيقبلون عليه من غير مستند شرعي أو يقبلون عليه من غير ضابط فقهي.
لقد كان مالك منطلقا في منهجه في قبول العطاء من مستند شرعي ونظر اجتهادي وليس تقليدا لشيخه الزهري ولا تأثرا به.
3-
…
جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ت 841هـ) . لم يعن قط بالسياسة بل كان همه التربية.
وقد توافق موقف مالك مع موقف شيخه جعفر الصادق، فقد اعتزل مالك طريقة الخروج على الخلفاء، ولأن مالكا قد بلغ درجة الاجتهاد فإنني أرى أن توافقه مع شيخه جعفر الصادق ليس ثمرة تقليد وتأثر، ولكنه ثمرة اجتهاد مستقل، فإن مالكا قد بلغ رتبة الاجتهاد المطلق.
4-
…
ربيعة الرأي (بن فروج أبي عبد الرحمن المدني)(ت 631هـ)(93) كان
يدخل على الخلفاء ويقابلهم، لكن لا ليأنس بمقابلتهم أو ينال منهم، وإنما ليفتيهم وينصحهم، فق دروى مالك أن ربيعة قابل أبا العباس السفاح، فأمر له أبوالعباس بجائزة فرفضها ربيعة، فأعطاه أبو العباس خمسة آلأف درهم ليشتري بها جارية فامتنع عن قبولها.
كذلك، تذكر الروايات التاريخية أن أبا العباس استدعى ربيعة لي سلمه ولاية القضاء فأبى، فلما أراد ربيعة السفر قال لمالك:إن سمعت أني حدثتهم شيئا أو أفتيتهم فلا تدعني شيئا، فوصله أبو العباس بخمسة آلاف درهم فرفض أن يقبلها (94) .
هذه الرواية فيها دلالة على أن ربيعة كان يرفض الولاية، ويمكن أن يحمل هذا السلوك على الزهد في الولاية وعلى الخوف من تولي القضاء، ويمكن أن يحمل على أنه فرار من تولي الوظائف في ظل خليفة اغتصب الخلافة وعض عليها، ولم يجعلها شورية تختار الأمة لها من ترتضيه. كان مالك قريبا من شيخه ربيعة، عالما بأحواله، مرافقا له في مقابلاته للخلفاء (95) ، ولكنه كان مستقلا عنه في فكره السياسي، لذلك لم نجده في مسألة تولي الوظائف المهمة في الدولة- متوافقا معه، فلم يرفض مالك -كما سياتي- حسن العلاقة بالسلطة الحاكمة، وتولي الوظائف فيها على الرغم من تيقنه من ظلم تلك السلطة فقد غصبت الأمة منصب الخليفة وجعلته ملكا عائليا وراثيا.
والمسألة اجتهادية، فلعل مالكا كان يرى المصلحة أرجح في أن يتولى الوظائف وإن كان الخليفة ظالما.
ويمكن القول إن المنهج السياسي عند مالك كان يتسم بطابع الاستقلالية، ذلك أن مالكا إمام بلغ درجة الاجتهاد المطلق، وأن منهجه في علاقته بالسلطة الحاكمة جزء من منهجه الكلي في استنباط الأحكام، فجاء منهجه السياسي ثمرة نظر وتفقه سياسيين وليسا ثمرة تأثر أو تقليد.
هذا، ولا يلزم من الاستقلالية في الفكر عدم التوافق في بعض الجوانب، وبناء على عدم اللزوم هذا، نفسر ما وجد من توافق في بعض جوانب الاجتهاد السياسي عند مالك مع الجوانب المناظرة من الفكر السياسي عند شيوخه.
الخاتمة
خلصت في هذا البحث إلى نتائج من أهمها:-
=
…
ما انفك مالك يعتمد المستندات الشرعية والضوابط الفقهية في عمله السياسي، حتى شكل ذلك ثابتا من ثوابت المنهج السياسي عنده.
=
…
كان مالك يقبل عطايا الخلفاء، وكان جوهر فلسفته في منهجه ذلك أن الخلفاء لايعطون من خاصة مالهم، ولكن من بيت المال، والعالم له حق في بيت المال لقاء تفرغه للتربية والتعليم والفتيان
= اعتمد مالك المنهج الإصلاحي بالنصح والمشاركة السياسية، وذلك نزولا على مقتضيات الواقع ; فقد وجد أن مافي المنهج الانقلابي من المفاسد أعظم مما فيه من المصالح.
= الدافع الأساسي وراء أصل فكرة تأليف كتابه " الموطأ" كان سياسي ا، هو توحيد القضاء الاجتهادي على رأي واحد
=
…
أصل المصلحة كان مستندا بارزا في فكره السياسي.
= منهج مالك في العمل السياسي كان ثمرة نظر واجتهاد، وليس ثمرة تبعية أو تقليد، فجاء متسما بالاستقلالية والمنهجية، مما يستحق معه مالك أن يوصف بأنه إمام كبير من أئمة الفكر السياسي الإسلامي.
والحمد لله رب العالمين
الحواشي والتعليقات
السيوطي، جلال الدين، تزيين الممالك بمناقب الإمام ملك، ص 302، ومعه مناقب مالك للزواي، المطبعة الخيرية، 1325، والسيوطي، طبقات الحفاظ، ص 809، القاهرة، ط1، 1973م.
…
وابن سعد، الطبقات الكبرى، ج5، ص63، ترجمة مالك بن أبي عامر، دار صادر، بيروت، د. ت.
…
والسيوطي، طبقات الحفاظ، ص89، القاهرة، ط1، 1973م.
السيوطي، ترتيب الممالك، ص4، مرجع سابق.
المرجع السابق، ص 4.
عياض وترتيب المبارك، ج1، ص111، بيروت، 1967م.
ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، التمهيد، ج1، ص87، تحقيق مصطفى العلوي ومحمد الكبري، د. ت. وابن فرجون، الدبياج المذهب، ص18، ط1، مصر، 1351هـ.
المصدر السابق، ج1، ص 87.
الزواوي، عيسى، مناقب مالك، ص7، مع تزيين الممالك للسيوطي، المطبعة الخيرية، 1325.
الزواوي، مناقب ملك، ص9-12 مرجع سابق، والسيوطي، تزيين الممالك، ص8-11 مرجع سابق.
ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص 63، مصدر سابق.
البخاري، التاريخ الكبير، ج7، ص 310، ترجمة رقم 1323، ودار الكتب العلمية، بيروت، د. ت.
الذهبي، شمس الدين، تذكرة الحفاظ، ج1، ص 208، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت. وابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص 63، مصدر سابق.
ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص 63، مصدر سابق، والذهبي، تذكرة الحفاظ، ج1، ص 208، مرجع سابق.
المرجعان السابقان.
ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص 62، مصدر سابق.
الزواوي، ومناقب مالك، ص4، مرجع سابق.
المرجع السابق، ص15، والسيوطي، تزيين الممالك، ص11، المرجع السابق.
الزواوي، المناقب، ص15، مرجع سابق.
السيوطي، مناقب مالك، ص9، مرجع سابق.
السيوطي، تزيين الممالك، ص 144، مرجع سابق.
المرجع السابق، ص 14.
المرجع السابق، ص 14.
جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي، صفة الصفوة، ط1، حلب، 1389هـ، ومناقب الإمام أحمد بن حنبل، ط1، القاهرة، 1399هـ، ج2، ص 177، وأبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، (ت430) ، حلية الأوليان وطبقات الأصفياء، ط2، بيروت، 1967م) ، عياض بن موسى، ترتيب المدارك، ج1، ص126، مصدر سابق.
تتبعنا الحالة السياسية في الدولة الإسلامية ما بين سنة أربعين هجرية وسنة مائة وخمسة وأربعين في كتاب البداية والنهاية، لابن كثير، الأجزاء (7،8،9) ولخصنا ما يهمنا منه.
السيوطي، تزيين الممالك، ص4، مرجع سابق.
القيرواني، أبو زيد، الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ، ص 155، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1403هـ، 1983م.
(26)
الزواوي، مناقب مالك، ص 25، مرجع سابق.
(27)
الصيمري، أخبار أبي حنيفة وأصحابه، ط2، بيروت، 1976م، ص 59-60.
(28)
القيرواني، أبو زيد، ص 155-157، مرجع سابق.
ابن عبد البر، الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، مالك، الشافعي، وأبي حنيفة، بيروت، د. ت، ص42.
عياض بن موسى، ترتيب المدارك، ج1، ص 192، مصدر سابق، وابن عبد ابر، الانتقاء، ص41، مصدر سابق، مصطفى الشكعة، الئمة الأربعة، ط1، القاهرة، 1979، ص 410-411.
جمال الدين ابن نباتة المصري (686هـ-768هـ) ، سرح العيون في شرح رسالة ابن خلدون، القاهرة، 1383هـ، ص 262.
ابن عبد البر، الانتقاء، ص 23، مصدر سابق.
ابن خلدون، (ت808هـ) ، المقدمة، دار الشعب، د. ت، ص 187.
الأصبهاني، حلية الأولياء، ج6، ص 316، مصدر سابق.
ابن عبد البر، الانتفاء، ص 44.
السيوطي، تزيين الممالك، ص 12-13، مرجع سابق.
الرازي، أدب الشافعي ومناقبه، بيروت، د. ت، ص 203، ابن عبد البر، الانتفاء، ص 44، مصدر سابق.
رواه أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه، السنن، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب، بيروت، د. ت، باب طلاق المكره والناسي، ج1، ص 659، وابن حيان، الصحيح، ترتيب علاء الدين الفارسي المسمى الاحسان بترتيب صحيح ابن حيان، دار الكتب العلمية، ط1، 1987م، باب الإخبار عما وضع الله بفضله عن هذه الأمة، ج9، ص 147.
أبو جعفر الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج7، ص 560، مصدر سابق، وعبد الرحمن سنبط قنيتو اربلي، (ت717هـ) ، الذهب المسبوك مختصر من سير الملوك، بغداد، د. ت، ص 77، وعماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت774هـ) ، ابداية والنهاية، ط2، بيروت، 1977، ج10، ص 84، وعبد العظيم بن عبد القوي المنذري، (ت656هـ) ، الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، ط2، مصر، 1388هـ، ج1، ص 14.
الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج7، ص 539، مصدر سابق.
عياض، ترتيب المدارك، ص 229.
عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 209، مصدر سابق.
ابن عبد البر، الانتفاء، ص 24، مصدر سابق، الرازي، أدب الشافعي ومناقبه، ص 159، مصدر سابق.
ابن فرحون، الديباج المذهب، ص 24، مصدر سابق.
الزواوي، مناقب مالك، ص13، وابن نباتة، سرح العيون، ص 261، مصدر سابق، وابن عبد القوي، الترغيب والترهيب، ج1، ص 15، مصدر سابق.
عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 212، مصدر سابق.
عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص192، مصدر سابق، وابن عبد البر، الانتفاء، ص41، مصدر سابق.
محمد أبو زهرة، مالك، حياته، عصر÷، آراؤه، فقهه، ط2، القاهرة، 1952م، ص 65.
عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 192، مصدر سابق، وابن عبد البر، الانتفاء، ص 41، مصدر سابق، وابن فرحون، الديباج المذهب، ص 25، مصدر سابق.
المنذري، الترغيب والترهيب، ج1، ص14، مصدر سابق.
المناقب، ص 42.
عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 211.
أبو جعفر الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج7، ص 564، مصدر سابق.
المصدر السابق، ج7، ص 564، وابن كثير، البداية النهاية، ج10، ص 84، مصدر سابق.
الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج7، ص559، مصدر سابق.
الصفهاني، مقاتل الطالبيين، بيروت، د. ت، ص 395.
سورة القصص، الآية رقم (5) .
ابن حجر العسقلاني (773-852هـ) ، رفع الإصر عن قضاة مصر، القاهرة، 1957م، ص 169.
الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج7، ص582-586، مصدر سابق.
مالك بن أنس، المدونة الكبرى، ومعها مقدمات ابن رشد، ج1، ص 369، دار الفكر، 1406هـ.
القيرواني، أبو زيد، الرسالة في فقه الإمم مالك، ص 60، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418-1998هـ.
الأبي الأزهري، صالح، التمر الداني، شرح رسالة أبي زيد القيرواني، ص 413، المكتبة الثقافية، ص 128، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418هـ.
القرافي، شهاب الدين، الذخيرة، ج3، ص 404، تحقيق محمد أبو خبزة، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1994م.
البخاري، مقدمة فتح الباري، ص 4، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت.
الزواوي، مناقب مالك، ص4، مرجع سابق.
البخاري، صحيح البخاري، ج1، ص33، دار الفكر، 1401هـ-1981م، وأنظر لزرقاني، محمد، شرح الزرقاني على موطأ مالك، ص9، دار الفكر، د. ت.
ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، شرح صحيح البخاري، ج1، ص 259، دار الكتب العلمية، بيروت، 1410هـ.
ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص81، مصدر سابق.
ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص 86، مصدر سابق، والزواوي، مناقب مالك، ص 16، مرجع سابق.
ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص86، مصدر سابق، والزواوي، مناقب مالك، ص 33، مرجع سابق.
ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص 80، مصدر سابق.
المصدر السابق، ج1، ص 63، 67.
ترتيب المدارك، ج1، ص 191.
ابن عبد البر، التمهيد، ج1، ص 76، مصدر سابق.
المصدر السابق، ج1، ص 85.
رسالة البلغاء، جمع محمد كرد علي، ص 125-126، دار الكتب العربية، د. ت.
الزواوي، مناقب مالك، ص 27، مرجع سابق.
السيوطي، المناقب، ص 46.
عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 192، مصدر سابق، ابن عبد البر، الانتقاء، ص 41، مصدر سابق.
المنذري، الترغيب والترهيب، ج1، ص14، مصدر سابق.
ابن عبد البر، الانتقاء، ص 42.
هذا التعريف وضعته بعد النظر في تعريفها عند عدد من الأصوليين.
(83)
الشاطبي، إبراهيم ابن موسى، الاعتصام، ج2، ص 311، مطبعة المنار، د. ت.
(84)
إبراهيم بن فرحون، الديباج المذهب، ص 20، مصدر سابق.
ابن جرير الطبري، (224هـ-320هـ) ، تاريخ الرسل والملوك، ط2، مصر، 1967م، ج7، ص 597-609، مصدر سابق.
(86)
المرجع السابق، ص 49.
(87)
أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء، ج6، ص 321، مصدر سابق.
ابن عبد ربه الأندلسي (ت318هـ) ، العقد الفريد، دار الفكر، د. ت، ج1، ص 189.
عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 217، مصدر سابق.
أبو زهرة، تاريخ المذاهب الإسلامية، القاهرة، د. ت، ج2، ص 149.
عياض، ترتيب المدارك، ج1، ص 108، مصدر السابق.
المصدر السابق، ج2، ص 218.
الخطيب البغدادي (ت463هت) ، تاريخ بغداد، بيروت، د. ت، ج8، ص 426، والسيوطي، طبقات الحفاظ، ص 68-69، مصدر سابق.
ابن الجوزي، صفة الصفوة، ج2، ص151، مصدر سابق.
شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (608-781هـ) ، وفيات الأعيان وأنباء الزمان، بيروت، 1968م، ج4، ص 135.
المصادر والمراجع
الآبي الأزهري، صالح الثمر الداني شرح رسالة أبي زيد القيرواني، المكتبة الثقافية، بيروت، د ت.
الأربلي، وعبد الرحمن سنبط قنيتو، (ت717هـ) ، الذهب المسبوك مختصر من سير الملوك، بغداد، د ت.
الأصبهاني أحمد بن عبد الله (ت034هـ) ،حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ط2، بيروت، 7691م.
الأصفهاني، علي بن الحسين بن محمد (ت 653هـ) مقاتل الطالبيين، بيروت، د. ت.
…
ابن عبد ربه الأندلسي (ت 813هـ) العقد الفريد، د. ت.
البخاري، التاريخ الكبير، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت
ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج، صفة الصفوة، ط1، حلب، 9831هـ.
ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج مناقب الإمام أحمد بن حنبل، ط1، القاهرة، 9931هـ.
وابن حبان، الصحيح ترتيب علاء الدين الفارسي المسمى الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان دارالكتب العلمية، ط1، 7891م.
ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي (258هـ) ، رفع الإصر عن قضاة مصر، القاهرة، 7591م.
ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار الكتب العلمية، بيروت، 141هـ.
الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، د ت.
ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد (ت 808هـ) ، المقدمة، دار الشعب، د. ت.
ابن خلكان، شمس الدين أحمد بن محمد، (ت 186هـ) ، وفيات الأعيان وأنباء الزمان، بيروت، 8691م.
الرازي، عبد الرحمن بن أبي حاتم، أدب الشافعي ومناقبه، بيروت، (د، ت) .
الزرقاني، محمد، شرح الزرقاني على موطأ مالك، دار الفكر، د ت.
أبو زهرة، محمد، تاريخ المذاهب الإسلامية، القاهرة، د. ت.
أبو زهرة، محمد، مالك،حياته، عصره، آرؤه، فقهه، ط، القاهرة، 2591م.
الزواري، عيسى، مناقب مالك، مع تزيين المماليك في مناقب مالك للسيوطي، المطبعة الخيرية، 5231هـ.
ابن سعد، الطبقات الكبري، دار صادر، بيروت، د ت.
السيوطي، جلال الدين (ت 119هـ) تزيين الممالك في مناقب مالك، المطبعة الخيرية، 5231هـ.
السيوطي، طبقات الحفاظ، ط1، القاهرة 3931هـ.
الشرنوبي، عبد المجيد، تقويب المعاني على رسالة، ابي زيد القيرواني، دار الكتب العلمية، بيروت، 8141هـ.
الشكعة، مصطفى، الائمة الأربعة ط1، القاهرة، 9791.
الشكعة، مصطفى، إسلام بلا مذاهب، ط5، القاهرة، 7791م.
الصيمري، حسين بن علي (ت634) ، أخبار أبي جنيفة وأصحابه، ط2 الناشر، بيروت،6791م.
الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير (320هـ) ، تاريخ الرسل والملوك، ط2، مصر، 7691م.
ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، التمهيد، تحقيق الممالك في مناقب مالك للسيوطي، المطبعة الخيرية، 5231هـ.
ابن عبد ربه، العقد الفريد، دار الفكر، د ت.
عياض، بن موسى بن عياض البحصي (ت 445هـ) ، ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك، بيروت 7691م
ابن فرحون، إبراهيم بن علي بن محمد، الديباج المذهب، ط1، الفحامين، مصر 1531هـ.
المنذري، عبد العظيم بن عبد القوي، (ت 656هـ) ، الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، ط2، مصر، 8831هـ.
القرافي، شهاب الدين، الذخيرة، تحقيق محمد أبو خبزة، دار الغرب الاسلامي، ط1، 4991م.
القرطبي، أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري (ت364هـ) ، الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، مالك، الشافعي، وأبي حنيفة، بيروت، د ت.
القيرواني، ابو زيد، الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ، مؤسسة الرسالة، بيروت، 3041هـ/3891م.
القيروان، ابو زيد، الرسالة في فقه الامام مالك، دار الكتب العلمية، بيروت،8141هـ/8991م.
ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء اسماعيل، (ت 477هـ) ، البداية والنهاية، ط2، بيروت، 7791م.
ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، السنن، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب، بيروت، د، ت.
مالك بن انس، المدونه الكبرى، ومعها مقدمات ابن رشد، دار الفكر، 1406هـ.
ابن نباتة المصري، جمال الدين (768هـ) ، سرح العيون في شرح رسالة ابن خلدون، القاهرة، 3831هـ.