الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القصة القصيرة عند شيخة الناخي
رائدة القصة الإماراتية
د. زينب بيره جكلي
أستاذ مساعد في جامعة الشارقة
ملخص البحث
القصة القصيرة عند شيخة الناخي رائدة القصة الإماراتية
بقلم الباحثة: د. زينب بيره جكلي
يتحدث بحث " القصة القصيرة عند شيخة الناخي " عن العصر الذي عاشت فيه الأديبة وهو عهد التحول الاجتماعي في الإمارات العربية المتحدة من مرحلة ما قبل النفط إلى ما بعده، والتقدم الاجتماعي والثقافي الذي حصل في هذه الدولة وعن فن القصة في الإمارات وريادة شيخة الناخي لهذا الفن إذ كانت قد نشرت أولى قصصها " الرحيل " منذ 1970.
وقد ترجم البحث لهذه الأديبة التي تعمل حالياً مديرة لأكبر ثانوية في الشارقة فضلاً عن نشاطها الثقافي في أندية فتيات الشارقة وفي غيرها.
ثم انتقل الحديث إلى مجموعتين قصصيتين وهما " الرحيل " و " رياح الشمال "، وكانت تتحدثان
مضموناً عن الأوضاع الاجتماعية في الإمارات خاصة ولا سيما في موضوع الحياة الزوجية والتغيرات
الحضارية والاجتماعية والثقافية في البلاد، أما القصص السياسية فقد أبانت عن أوضاع داخلية لبلد
ما، وتحدثت عن الاغتراب السياسي وعن الحروب بين الأقطار العربية.
ثم انتقلت الباحثة إلى الحديث عن بناء القصة، حوادثها ومعناها وشخصياتها فأبانت عن سماتها العامة مبينة استخدامها أساليب شتى في عرض حوادثها، كما تحدثت عن الشخصيات وطرق عرضها وعن نسيج القصة لغوياً، ودرست لغة القصة الفصحى وردت على من شجع على كتابة هذا اللون
الأدبي باللغة العامية، ثم انتقلت إلى الوصف وطريقة السرد والتقرير وانتهت إلى الخاتمة التي لخصت دورها القصصي وهو أن الأديبة كانت مصلحة اجتماعية، وكانت عفة القلم، وقد نبهت الأجيال إلى الهفوات الاجتماعية دون أن ينحدر أدبها وبذلك وضعت لبنة في كتابة القصة كتابة هادفة وأغنت المكتبة الأدبية عامة والخليجية خاصة بآداب رفيعة شكلاً ومضموناً.
***
مخطط بحث القصة القصيرة عند شيخة الناخي
رائدة القصة في الإمارات
مقدمة:
تمهيد:
عصر الأديبة.
لمحة عن القصة القصيرة في الإمارات.
لمحة عن حياة الأديبة.
دراسة القصة القصيرة عند شيخة الناخي
أولاً: مضمون القصص:
القصص الاجتماعي:
أ - الحياة الزوجية.
ب- التغيرات الحضارية، وآثارها.
2-
القصص السياسي:
أ. قصص الأوضاع الداخلية.
ب. قصص الاغتراب السياسي
ج. قصص الحروب العربية.
د. قصص عن الاستعمار.
ثانيا: الدراسة الفنية للقصص:
1-
بناء القصة:
أ - الحوادث.
المعنى ولحظة التنوير.
ج - شخصيات القصة.
2-
نسيج القصة
أ- التشكيل اللغوي.
ب- الوصف.
ج – الحوار.
د- السرد
المقدمة
باسم الله أبدأ، وعلى نهجه أسير، وأسوتي في ذلك رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
فالله ربي جعل القصة عبرة للقارئين، ورسوله العظيم اتخذها مطية للدعوة إلى الله، وإلى الخلق النبيل.
وهاهي ذي شيخة الناخي ابنة الإمارات العربية المتحدة ترى الوضع المتردي للقيم الاجتماعية، وانحرافها عن نهج الله، فيهولها هذا، ويقض مضجعها أن ترى في القصص نأيا عن الصراط السوي حين تصور المرأة متعة للرجل في دنيا بعيدة عن أعراف البلاد وعقيدتها، كما ترى الوضع السياسي المتدهور للأمتين العربية والإسلامية فتكتب مجموعتين قصصيتين هما " الرحيل، ورياح الشمال " وكانت في الأولى رائدة القصة الإماراتية، وبها تبدو وقد خطت في مدارج هذا الفن، وألقت فيه أولى إشعاعات الخير والإصلاح، ولكنها كانت في الثانية، وبعد اطلاعها على أصول هذا الفن الأدبي إبان دراستها الجامعية، أقدر على كتابة هذا اللون الأدبي، وأكثر وعيا لقضايا الأمة، ففي " الرحيل " كانت مصلحة اجتماعية، وفي " رياح الشمال " شاركت أمتها في قضاياها السياسية والاجتماعية دون أن تسمي غالبا قطرا أو معركة، لتبقى القصة رمزا لكل حين وحال مشابهة.
وقد درست في هذا البحث هاتين المجموعتين، وبدأت بتمهيد أوجز الحديث عن العصر الذي عاشته الأديبة، وعن حياتها، لقلة ما نشر في هذين المجالين ثم أتبعته بالحديث عن مضمون القصة الناخية، ودرستها فنيا، مضمونا وشكلا، وكان اهتمامي بالشكل يفوق اهتمامي بالمضمون بعد أن رأيت الدراسات المعاصرة تصب اهتمامهاعلى الثاني، حتى غدت القصة كبحث عن الدراسات الاجتماعية والسياسية لاعلاقة لها باللغة خاصة، وبالفن عامة إلا لمما.
القصة القصيرة عند شيخة الناخي رائدة القصة الإماراتية
كتاب القصة ورواتها مصلحون لا تستغني عنهم الحضارة الإنسانية فهم يصورون العالم ويخططون حدوده وأشكاله في الأذهان
التمهيد:
سأتحدث فيه عن عصر الأديبة والنشاط القصصي في الإمارات، وعن حياة شيخة الناخي بإيجاز يناسب البحث، ويتعلق به.
1-
عصر الأديبة:
عاشت شيخة الناخي على أرض الإمارات العربية المتحدة، وغذت من معين ثقافاتها، وعاداتها، وشهدت تحولات مجتمعها بعد اكتشاف النفط خاصة، وانفتاحها على العالم اجتماعيا وسياسيا، ونشاط الحركة التعليمية فيها، وتحولها من الكتاتيب إلى التعليم الرسمي، ورأت بأم عينها الاتساع الثقافي، ودور المرأة فيه، ودخول أجهزة الإعلام التي أطلعت الشعب على ما يجري في الساحتين العربية والإسلامية في كفاحهما ضد الاستعمار والصهيونية، كما اطلعت على الوعي السياسي والديني الذي كان قد بدأ بتأثيرالحركة الوهابية، ثم اتسع فقضى على البدع والخرافات ونشر الوعي الديني السديد.
وقد تسربت في الربع الأخير من القرن العشرين تيارات فكرية وفنية جديدة أدت إلى تغير البنى الاجتماعية، وقلب معايير العلاقات بين الناس، وتضاءلت فكرة الانتماء القبلي، وساعدت الصحافة التي ظهرت في البلاد منذ 1969 م على نشرالثقافات المتعددة والتطلعات الجديدة، وعلى تقديم القصص للقراء، وكانت جريدتا الخليج والاتحاد تستقبلان نتاج الأدباء وكذلك فعلت المجلات كالرافد والآداب والمنتدى.
وفي عام 1976م أنشئت جامعة الإمارات قي مدينة العين فكان لها دورها الثقافي الكبير، وانتسبت الأديبة إلى قسم اللغة العربية فيها، كما عملت البعثات التعليميةعلى تنشيط الثقافة إضافة إلى النوادي الأدبية والجمعيات الثقافية، وكان للمرأة دورها المبكر في هذين المجالين، وكانت "شيخة الناخي " من مؤسسات نادي فتيات الشارقة، ورئيسة القسم الثقافي فيه، وذلك يشير إلى أن المرأة الإماراتية قد حصلت على كثير من حقوقها الثقافية والاجتماعية 0
وقد عمل " اتحاد كتاب وأدباء الإمارات " على تنشيط الفن القصصي في الإمارات وكان يضم أربع عشرة قاصة، وهذه ظاهرة مثيرة للإعجاب في مجتمع محافظ ناشئ كالإمارات (1) .
2-
لمحة عن القصة القصيرة في الإمارات:
مع ولادة الحركة الأدبية الحديثة في الإمارات برزت القصة كلون أدبي مؤثر، ذلك لأنها من أقدر الفنون الأدبية على تمثيل الأخلاق وتصوير العادات، ورسم خلجات النفوس، وحث القراء على المثل العليا وكريم الخلال 0
وكان للقصة جذورها في أدبنا العربي القديم ولكن الإمارات المعزولة عن العالم بصحرائها الشاسعة لم تعرف الرواية والقصة كجنس أدبي له شروط فنية جديدة إلا بعد ظهور النفط، واحتكاكها بالعالم ثقافيا وتجاريا، ولهذا برز في القصص الإماراتي التفاعل الثقافي، واصطبغ في كثير منه بالصبغة الإماراتية0
وكانت القصص الأولى ودراسات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات التي بدأت في لقائه الأول 1985م (2) تهتم بالمضمون لا بالشكل الفني، وكان للمرأة مشاركات في هذا المضمار، إذ تحدثت بنبرة واقعية عن حياة مجتمعها، والتغيرات الحضارية التي ظهرت على الساحة، وما صاحبها من قلق روحي ونفسي، ووجدت في القصة القصيرة بغيتها مما أدى إلى نموها كما وكيفا بصورة تلفت النظر، وكان صوت المرأة ينم عن سخطها على التقاليد ورفضها للأعراف القديمة، ولا سيما سطوة الآباء، وكان في نبرة بعضهن نزعة إنسانية تخطت الحدود المحلية الضيقة وإن لم تتضح فيها تسمية أماكن أو أزمنة محددة، إذ جاءت على شكل تداعيات عن واقع مؤلم أحسسن به، وهو يمثل شريحة في مجتمع ما (3) كما بدا في القصص أيضا التأثر الواضح بالقصص العربية التي سادت في أجواء العصر الحديث، ولا سيما في مصر والشام إذ ركزت هذه على الفقر، والعلاقة بين الجنسين (4) فقلدها قصاص الإمارات وصوروا الطبقية وجعلوا العلاقة بين الرجل والمرأة قائمة على الخيانة أو على سوء الفهم (5) ، حتى بدت كأنها تحكي مجتمعا كمجتمع الغرب لا تحكمه قيم ولا دين، ولا تؤثر فيه أخلاق البداوة وعفتها ونقاؤها.
فالكاتب " عبد الله صقر " تحدث في مجموعته القصصية " الخشبة " في جرأة تخدش الحياء مما أدى إلى حرقها لمنعها من الانتشار (6) ، والأديبة " سارة الجروان " صورت الرجل أنانيا وقاسيا وزير نساء، مما دعا الكاتب " عزت عمر" أن ينتقدها ويبين أن قصصها لا تصور الرجل على حقيقته إذ جعلته سلبيا، وانحازت إلى صف الأنثى، أو أنها تأثرت بالفكر الاستشراقي في رؤيتها عنهما، وأوضح أن الخلافات الزوجية موجودة في المجتمعات كافة، وعلى المرأة ألا تكون عاطفية في تصويرها للرجل لئلا تنسب إليه أسوأ الصفات (7) .
أما " أمينة عبد الله " فقد صورت المرأة خرقة مهترئة ترمى لحي البغاء وتسعى إلى الدعارة، والرجل خبيث الطوية لا مزية إنسانية فيه، وفي قلبه ثعلب شرير، وهو يسخر من الفقراء، ويغري الأطفال بالمال، ونواياه شيطانية، وهو يكره أهل البلد وهم يكرهونه إلا أنهم يزوجونه بناتهم لغناه، والفتيات يكرهنه إلا أنهن يرغمن على الزواج منه ثم يخضعن لسطوته (8) .
وقصص "سلمى مطر سيف " تمثل المرأة التي لا تحتمل حياة التقاليد فتنحرف إلى الدعارة، وتجعل الرجل لا يصمد أمام إغرائها، وهي تسعى للانتقام منه ولا سيما إن كان غنيا بطريقتها الخاصة القائمة على السكر والعربدة (9) 000
وتهتم " مريم جمعة فرج " بالعمالة الوافدة وبالناس البسطاء أما " شيخة الناخي " فعفة القلم تنأى عن القصص الجنسي المنحرف، وتهتم بوصف المجتمع النسوي البعيد عن الشبهات، تصف أغوار النفس الأنثوية، وتبين ضعف المرأة أمام تسلط الرجل أباً كان أم زوجاً، وكأنها أرادت أن تنبه الوعي إلى أنها إنسانة هدرت كرامتها بتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، وعلى المجتمع أن يتخلى عن هذه التقاليد المنحرفة القاهرة 0
وسألقي الضوء على قصص هذه الأديبة بعد أن أعرف بها تعريفا موجزا 0
3-
…
حياة الأديبة:
في سنة 1952ولدت شيخة الناخي في إمارة الشارقة، وتعد هذه ثالث إمارات الدولة في اتساعها وأهميتها، وفي نشاطها الثقافي والتجاري، كما عرفت بوقوفها أمام العدوان الإنجليزي. وكانت أسرتها أسرة علم وأدب، فوالدها مبارك الناخي شاعر يكتب بالفصيح في وقت قل فيه شعراء الفصحى إذ كان الشعرالنبطي هو السائد، وقد تلقت تعليمها الأولي في مدارس مدينتها، ثم انتسبت إلى جامعة الإمارات، وحازت على شهادة الليسانس في الآداب سنة 1985 وعلى الدبلوم العام في التربية سنة 1987 من الجامعة نفسها، ثم عملت في التدريس، وشغلت منصب مديرة أكبر ثانوية في الشارقة هي ثانوية الغبيبة، ولا تزال على رأس عملها.
تعد شيخة الناخي من أوائل المثقفات النشطات في الدولة اللواتي ساهمن في إثراء الثقافة كما أنها رائدة فن القصة القصيرة، فقد نشرت قصتها الأولى " الرحيل" في1970 (10) ثم نشطت القصص بعد ذلك، فدل ذلك على بداية مرحلة اجتماعية وثقافية جديدة.
عرفت الأديبة بين زميلاتها بحسن العشرة والأحدوثة، وبالتزامها بالإسلام في تصرفاتها الشخصية والمهنية، ولا سيما الحجاب وعدم الاختلاط، وهي مخلصة في عملها، هادئة، وقور، تقول الكلمة فتسمع، وتعاشر من تعاشره باحترام وهذا ما أكسبها محبة القلوب.
والأديبة عضو في " اتحاد كتاب وأدباء الإمارات " الذي كان يساهم منذ 1985في تنشيط الفن القصصي كما أنها رئيسة رابطة أديبات الإمارات في " أندية فتيات الشارقة، ودورها فيه بارز إلى الآن.
ولها مجموعتان قصصيتان هما الرحيل، ورياح الشمال، وتضم الأولى تسع قصص هي حسب تسلسلها: (الرحيل، خيوط من الوهم، أنامل على الأسلاك، وكان ذلك اليوم، حصار، رحلة الضياع، القرار الأخير، الصمت الصاخب، من زوايا الذاكرة، وهي جميعاً أقاصيص اجتماعية تصور قطاعاً من الحياة، وقد التقطت الأديبة مواقفها من المجتمع.
أما رياح الشمال فتحوي عشر قصص سبع منها سياسية وهي حسب تسلسلها: " رماد، أحزان ليل، إعصار، للجدران آذان، لا تكن جلاداً، حطام المخاوف، انكسارات روح، حزمة الألوان، هواجس، رياح الشمال ".
وسأدرس قصص هاتين المجموعتين مبينة مضامينها وفنيتها.
القصة القصيرة عند شيخة الناخي
القصة القصيرة أكثر الفنون الأدبية انتشارا في العصر الحديث، وهي تقوم على عناصرعدة يجمعها بناء يحوي حادثة يسلط الضوء فيها على جانب معين أو محدد من الحياة، وتتحرك الشخصيات لأدائه في زمن محدد ومكان ضيق، ويتماسك هذا البناء مع نسيج القصة:" الحوار والوصف والسرد " لأداء هدف يتضح في لحظة التنوير، وبها يتجلى المعنى (11) .
وسأدرس قصص شيخة الناخي بادئة بتعريف القارئ على مضامينها ثم أنتقل إلى دراستها فنيا، بناء ونسيجا.
أولا: مضمون القصة:
مع تغير المجتمع الإماراتي من عصر البحر إلى عصر النفط، ومن الانتماء القبلي إلى الانتماء الدولي برزت تغيرات اجتماعية عديدة رصدها الأدباء وحكوا عنها، وكانت شيخة الناخي قد عايشت هذه التبدلات فراح قلمها يسطر ذلك بأسلوب فني، وقد أولت اهتمامها القضايا الاجتماعية في الإمارات، والسياسية للأمتين العربية والإسلامية اللتين تعانيان في عصرنا هذا من تكالب الاستعمار والصهيونية عليهما.
وسأبين هذين الاتجاهين في مجموعتيها الرحيل ورياح الشمال:
1-
القصص الاجتماعي:
صورت الأديبة الواقع الاجتماعي في الإمارات العربية المتحدة ولا سيما أوضاع المرأة، ومن الجدير بالذكر أن هذه الكاتبة امتازت بعفة قلمها، إذ ربأت بالمرأة أن تجعلها تعيش في بؤرة فساد أو تقلد نساء مجتمع بعيد عن عاداتها وتقاليدها، ولهذا راحت ترصد واقع المرأة الإماراتية في أسرتها، مع زوجها وأبيها
…
وتتأمل بفكر ثاقب ما تعاني منه في مجتمعها، ثم تقدم قصصاً إصلاحية تنظر إلى الحياة من وجهة نظر إسلامية وتظهر الصراع على القيم والسلوكيات في نبرة غلبت فيها سلبية المرأة.
ولعل أبرز الموضوعات التي عالجتها هي:
الحياة الزوجية.
التغيرات الحضارية وآثارها الاجتماعية والثقافية المباشرة وغير المباشرة.
الحياة الزوجية:
تحدثت الأديبة، ولا سيما في مجموعتها الأولى " الرحيل " عن ظواهر اجتماعية بدت في مجتمعها الجديد، كظاهرة غلاء المهور، والزواج من المسنين والأغنياء، ومن النساء الأجنبيات، كما حكت انحراف الشباب وأخطاره على الحياة الأسرية.
ففي قصتها " الرحيل "(12) وهي أول قصة نشرتها نراها تتحدث عن الزواج من الأغنياء، وغلاء المهور من خلال مأساة علياء التي تفتح قلبها منذ صغرها على حب بريء لابن جيرانها دون أن تتكلم معه، وكذلك كان هو، فلما شبا صارت خالته رسولاً بينهما، وكان يمني نفسه بخطبتها، ولكن والدها رفض لأنه فقير، وهو يريد لابنته زوجاً ثرياً، وباءت المحاولات كلها بالإخفاق، بل طرد من البيت ولهذا قرر الرحيل بعد أن خلف رسالة يخبر بسفره، فدهشت للنبأ غير المتوقع (13) .
وفي قصة " رحلة الضياع "(14) تبين لنا أضرار الزواج من الكبار، وتحكم الأب بمصير البنات، وذلك من خلال حديثها عن فتاة توفيت والدتها، فتزوج أبوها من أخرى كانت قاسية جافية فتحولت حياة الصغيرة إلى جحيم ملتهب، ورفض أبوها أن يستمع إلىشكواها، ثم أجبرت على الزواج من رجل مسنّ مريض، وحاولت عبثاً رده عن فكرته، وكانت ليلة الزفاف أليمة، بكت كثيراً، وتذكرت أمها
…
وحاولت أن تخلص لزوجها، ولكن نوبات المرض كانت تفقده أعصابه فيضربها بكل ما يقع تحت يده، ويقذفها، ثم ينكر ما اقترفت يداه حين يصحو، ويتهمها بالجنون
…
وأحست المسكينة أن السعادة سراب ووهم، ولا سيما بعدما فوجئت بورقة الطلاق ولما أفاقت من الصدمة تطلعت إلى ما حولها في ذهول، وحملت حقيبتها وعادت من حيث أتت.
أما قضية الزواج من الأجنبيات فقد ألمحت إليها الكاتبة إلماحاً من خلال نقدها لعادة تسمية الزواج منذ الصغر في قصتها " خيوط من الوهم "(15) ، إذ تحدثت عن فتاة كانت منذ نعومة أظفارها تسمع أنها ستكون زوجاً لعلي، وشغل هذا تفكيرها، ونسجت حوله أحلامها، ولكن ابن عمها هذا لم يفاتح أهلها بالقضية عندما جاء ليودعهم قبيل سفره، بل لم يلق نظرة وداع أو تحية عليها فأدركت الفتاة أنها كانت تعيش في حلم وهمي، وسرعان ما تكشفت لها الحقيقة في رسالة أخبرها فيها أنه أكمل نصف دينه بزواجه من أجنبية.
وظاهرة انحراف الشباب وإهمالهم لأسرهم، ولهوهم مع رفاق سوء جاءت في قصة " حصار "(16) ؛ وتصف لنا شيخة الناخي بإسهاب معاناة الزوجة وسهرها في انتظار قرينها حتى ساعة متأخرة من الليل، وحين يقدم ثملاً لا يعي من حديثها شيئاً، فتضيق من هذه الحياة
…
ويصحوان صباح العيد ليذهب إلى صحبه، ويأتي أبوها فترجو منه المرحمة، فيحزن أمضّ الحزن على واقع فلذة كبده، ولكنهما يفاجأان بهاتف من المستشفى يخبرها أن الزوج في حالة خطرة من حادث سيارة، فتهوي السماعة من يدها، وتروح تدور حول نفسها وهي تصرخ " لا.. لا يمكن، إن حياتنا لم تبدأ بعد ".
لم تقف شيخة عند سلبيات المجتمع وإنما أبانت عن إيجابياته أيضاً لتحث الرجال على الحفاظ على الروابط الأسرية، ففي قصتها " أنامل على الأسلاك "(17) تطالعنا بحديثها عن امرأة تربي صغيرتها على هم قاتل نتج من إهمال زوجها، ولكن هذا عاد إلى الأسرة بعدما حرك شغاف قلبه حديث ابنته ببراءتها ووداعتها.
وفي " القرار الأخير "(18) يبدو جاسم بطل القصة موزع اللب، قد خيم الظلام عليه وهو يقطع أرض الشاطئ جيئة وذهاباً، بعد أن أمضه مطلب زوجته الثانية إذ خيرته بينها وبين الأولى، وكانت هذه قد أصيبت بالعجز، فأصرت عليه أن يقترن بأخرى ليعيش كغيره من الرجال
…
وراحت ذكريات فاطمة تنثال على مخيلته، ونسيم البحر يداعب صفحة محياه، ثم اتخذ قراره الأخير وعزم على صرم الثانية إن أصرت على موقفها.
التغيرات الحضارية:
ولهذه أثرها في القصص الإماراتي، وقد بدت في نواح اجتماعية وأخرى ثقافية، وبصورة مباشرة تارة، وغير مباشرة أخرى.
فمن التغيرات الاجتماعية ما تحدثت به الأديبة في قصتها " هواجس "(19) عن ضيق الإماراتي بالمعطيات الحضارية الجديدة التي أدت إلى ازدحام الشوارع بالوافدين من ذوي الوجوه المتعددة الذين لوّثوا نقاء البلد مادياً ومعنوياً، وهم يتكلمون لغة عربية مكسرة، ويحاولون أن ينشروا لغتهم، وعاداتهم وتقاليدهم المغايرة لعادات الإمارات، حتى بات الصغار يطلبون الأفلام المكسيكية، ووجبات الطعام الأمريكية، ولكن ذوي الوعي من أبناء البلد ضاقوا بهذه الحضارة التي جلبت لهم الشر، وحاولوا توجيه الشعب نحو الإفادة من معطياتها الثقافية الجديدة.
وهذه القصة التي سطرتها الأديبة في سنة 1995 تمثل أخطار العمالة الوافدة التي باتت مشكلة تتطلب حلاً ناجعاً يحمي الدولة من أخطارها، بعد أن ازدادت نسبة الوافدين أضعاف ما كانت عليه، وكانت الأمم المتحدة في السنة المذكورة تطالب بإعطاء الكثيرين منهم جنسيات إماراتية، وقد تنبه الشعب الإماراتي إلى هذا الخطر الذي يحكم قبضته عليهم، وكان للأدباء دورهم في التحذير من مخاطر سيطرة الغرباء، ولا سيما الهنود على مقدرات الدولة إن أعطيت لهم الهوية الإماراتية، لئلا تصير الإمارات فلسطيناً ثانية (20) ، وشاركت الأديبة الناخي بذلك وحذرت من ذلك، وجاء في قصتها " ما بال الوجوه الغريبة تقتحم عليه كل الأمكنة "(21) و " لم تعد المدينة نقية، أصابها التلوث "(22) ، و " حرك كلامه في نفسه مشاعر حزينة، ورغبة في التمرد على الواقع، وعلى كل الأصوات الغريبة التي تحكم حصارها من حوله، غير أن الحياة تجري لاهثة تصادر هويته، وتتحفز للحظة الانقضاض "(23) .
ومن التغيرات الثقافية قضية انتشار التعليم الرسمي في المدارس، والتخلي عن الكتاتيب، مما عرّض معلميها أو المُطَوِّعين فيها كما يسمون للحاجة المادية.
وتحكي لنا الأديبة في قصتها " من زوايا الذاكرة "(24) هذا التغيير فتصور لنا امرأة لفت نظرها وهي تقود سيارتها مبكراً في طريقها إلى مدرسة ابنتها – شيخاً ينكب على صندوق القمامة، ويبحث في مخلفاته بحذر، ولما رأته تذكرته وذكرت تعليمه والخميسية التي كان يحصل عليها كل أسبوع، والتربية الناجعة التي كان يربي عليها الأولاد إضافة إلى تعليمهم، وكانت كلماته المؤثرة في حياتها لا تبرح مخيلتها فأسفت على ما آل إليه وضعه بعد التغير الثقافي في البلاد.
أما قصة " حزمة الألوان "(25) فتشير إلى عناية الدولة بالمكفوفين وتعليمهم والمتاعب النفسية التي يعاني منها هؤلاء، وهي ترمز بقصة " الوعد الحق " موضوعاً للدرس إلى حياة صاحبها " طه حسين " الذي ثقف وكان أعمى، وكأن هذه القصة الإصلاحية نداء إنساني ليتابع المسؤولون رعايتهم لهؤلاء المبتلين.
وهناك قصص عرضت التغيرات الحضارية بشكل غير مباشر، فقصة " حطام المخاوف "(26) تتحدث عن العلاج الطبي خارج الإمارات، وعن السفر للنزهة صيفاً بعيداً عن حر البلاد، وقصة " الصمت الصاخب "(27) تتحدث عن السفر إلى خارج الدولة عن طريق البر، والمخاطر التي قد تتعرض لها الأسر، ولا سيما إن اعتمدت على سائق غريب لا يدرك أخطار البحر.
من خلال استعراضي لهذه القصص الاجتماعية تبين لي أن الأديبة رسمت المشاكل الاجتماعية التي ينوء المجتمع تحت وطأتها، وكان الكثير منها يتحدث عن الحياة الزوجية، والمرأة أقدر على تصوير عواطف أختها وقضاياها؛ كما حكى لنا بعض آخر الآثار الإيجابية والسلبية للحضارة الجديدة في الإمارات، وأثرها على نفوس الأبناء كباراً وصغاراً، مثقفين وغير مثقفين.
القصص السياسية:
شيخة الناخي أديبة تتمتع بوعي سياسي واضح يجعلها تعيش مع أوضاع الأمة سياسياً كما عايشتها اجتماعياً، ولذلك لم تدع جانباً من الجوانب السياسية إلا أولته عنايتها، ولا سيما أن الفترة التي كتبت فيها " رياح الشمال "، وهي التي احتوت قصصها السياسي، كانت الإمارات فيها تحتضن شعوباً إسلامية عديدة تعاني الاضطهاد السياسي هنا أو هناك، وقد وعت مخيلتها صور مآسيها وأحاديث معذبيها، ثم كانت حرب البوسنة والهرسك وكوسوفو وأذربيجان، وكشمير والشيشان، والهجوم العراقي على الكويت، وحرب اليمن
…
وهذه الحروب والأجواء المكفهرة تركت بصماتها على أدبها قصصاً تحكي المآسي والحروب دون أن تسمي بلداً أو تشير – غالباً – إلى دولة، لتكون المأساة عامة تصلح لكل حرب ضد الطغيان كما صرحت لي (28) ....
وسأدرس قصصها السياسية مقسمة إياها (29) إلى: -
أ - قصص تتحدث عن أوضاع داخلية لبلد ما.
ب - قصص تتحدث عن الاغتراب السياسي.
ج - قصص تتحدث عن الحروب العربية.
د - قصص تتحدث عن الاستعمار.
أ - قصص الأوضاع الداخلية:
وتحكي هذه معاناة شعب من السجون الداخلية، وقد ابتغت القاصة من ذلك تحريك الرأي العام ضد من ينتهك حرمات شعبه، ويحكم عليه أحكاماً جائرة لمجرد الشبهة أو الظنة، لأن ذلك يخلف في نفوسهم معاناة مادية ومعنوية، ولاسيما إن كانوا أبرياء، كبطل قصة " للجدران آذان "(30) ، إذ جرى حديث بينه وبين سجّانه أبان عن الظلم الذي وقع عليه، كما كشف عن أجهزة التصنت التي يستخدمها الطغاة ضد شعوبهم، وقد عبرت الأديبة عنها بكلمة " للجدران آذان ".
ب - أما قصص الاغتراب السياسي:
فقد تابعت فيها الناخي رسمها للأجواء السياسية التي يعاني منها العرب والمسلمون، ففي لا تكن جلاداً (31) يتمكن البطل من الفرار من وطنه واللجوء السياسي إلى دولة ما، وهي ظاهرة كثر أمثالها في عصرنا هذا، وتصوره القاصة يناجي طائراً فيكشف بذلك عن مكنونات نفسه المعذبة، ومن توارد الأفكار على مخيلته ندرك مدى الشقاء الذي يحس به، فهو يجوع طويلاً، وإن أكل فكسرة خبز يطفئ بها هياج أمعائه الخاوية، وهو يعاني الذل والهوان ويحس كأن الناس يطؤونه بأقدامهم، ويفتقر وسط هذه الحضارة المادية إلى الأخوة الإنسانية، وأنى له هذا في مجتمع الغرباء الذي ازدحم فيه الناس، وغدا كلٌّ يفكر بنفسه وسط ضجيج الحياة، وضجيج الكنائس الذي يمقته ويجعله يحن إلى صوت المآذن.. ويتخيل البطل وهو شارد الذهن أن الطغاة يلاحقونه فيتلفت هنا وهناك.. ثم تنقله أفكاره إلى أهله وأولاده، فيتصور نفسه بينهم، ولكن هؤلاء ينصحونه بالعودة إلى مغتربه
…
ويظل الرجل يذكر الوطن والمعذبين حتى تأتيه رسالة تخبره أن العدو اعتقل ابنه الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، وبذلك تكتمل صورة الإجرام الوحشي للمستعمر الذي يجثم على صدر الوطن، وينكل بأبناء البلاد كبارهم وصغارهم.
هذه القصة حسب تقديري (32) تمثل واقع الإنسان الفلسطيني الذي يلاقي العنت من الاحتلال الإسرائيلي، إذ يعذب من يناوئه أشد العذاب حتى إن الكثيرين يلاقون حتفهم على أيديه وهم لا يزالون في عمر الورود.
أما القصص التي تتحدث عن الحروب العربية التي جرت بين الأشقاء فقد صورتها الكاتبة في قصتين هما: " إعصار "(33) و " رياح الشمال "(34) ، وصرحت لي أنها تعني في الأولى ما جرى بين العراق والكويت، وقد كشفت عن التوتر النفسي الذي أصاب الناس يومذاك ممثلاً بجاسم بطل القصة إذ أحس أن النبأ كان كقذائف حارقة، وتهاوى متهالكاً بعدما اتصل بصديقه لينقذه، وعبثاً حاول هذا أن يهدئ روعه ليفكرا بهدوء فيما سيفعلانه، ولكن الرجل فارق الحياة بعد أن أوصى صديقه بالعمل الدؤوب لتحرير الوطن.
أما " رياح الشمال " فتحدثت عن قلق فتاة وأمها من الحرب الدائرة بين اليمن الشمالي والجنوبي، ورفض أب تزويج ابنته من شاب ينتمي إلى الشمال، وعدّه غريباً بسبب الحرب القائمة بين الجزأين، وكأن الأديبة أرادت أن تنبه الرأي إلى أن هذه الخلافات والمجازر بين الأخوة تقطع الأواصر وتدع الشعوب في قلق قد يودي بمستقبل أولادهم.
أما قصص الاستعمار الذي جثم على الأراضي الإسلامية الأخرى بوصفها أرض أخوة لنا تجمعنا وإياهم رابطة العقيدة، فقد صورتها قصة " انكسارات روح "(35) حيث التقطت صوراً من صور التعذيب الوحشي الذي تعرضت له هذه المناطق على أيدي الصرب وقدمت ذلك في أسلوب رمزي يشف عن المعنى (36) ، ويشير إلى الممارسات الجنونية والانزلاق في حفر الهاوية الجهنمية، وإلى الوحش الذي يغرز أنيابه القذرة في أعناق الفتيات العاجية، وأشارت إلى ضرورة الثورة على هؤلاء المجرمين لمقاومة عبثهم الجنوني بنفحات الإيمان، ولئن تطايرت بها الأشلاء فإنها ستكون زهوراً تعبق بشذا رياحين الجنة حتى تزول الأرواح الشريرة وتنكسر حدتها.
وهكذا كانت قصص شيخة الناخي معبرة عن آلامها مما يعاني منه العرب والمسلمون في هذا العصر، سواء في الداخل أم في الخارج، وكانت غالباً لا تعين للحدث زماناً ولا مكاناً ليكون أشمل للواقع المحسوس في كل أرض يسودها طغيان.
ثانياً: الدراسة الفنية:
إن أهم ما يميز القصة القصيرة عن غيرها أمران: -
أولاهما طول القصة، إذ يجب ألا تزيد عن عشرين إلى ثلاثين صفحة، كما قد تصغر حتى لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وحينذاك تسمى أقصوصة.
وثانيهما وهو الفارق الجوهري أن القصة القصيرة تحكي حدثاً أو موقفاً تقوم عليه القصة بشكل موجز ومركز، فكأنه منظر التقطته عدسة آلة تصوير من زاوية واحدة، ولذلك لا يمكننا أن نحول القصة الطويلة أو الرواية إلى قصة قصيرة باختصارها وضغط حوادثها.
وحتى يصل الأديب إلى بغيته عليه أن يختار مشهداً من الحياة أو حدثاً ما، ويعرضه عن طريق الشخصيات المحددة، وقد تصل إلى واحدة أو اثنتين في زمان محدد بيوم أو يومين أو حتى في لحظات، وكذلك حال المكان يجب ألا يتعدى حدود البلد أو الحي، وتقود الشخصية الرئيسة البناء الفني للقصة، ولذلك يذكر فيها ما هو ضروري لخدمة الحدث إذ لا مجال للاستطراد والتكرار وترادف العبارات (37) .
هذه هي الشروط الفنية للقصة القصيرة، ويمكنني أن أجملها في أمرين هامين هما:-
1) بناء القصة: ويعني الوحدة بين أركان الحدث الثلاثة: الحوادث والشخصيات والمعنى، وبذلك يصير الحدث كامل التطور، له بداية ووسط ونهاية، فيتحقق بذلك الشكل، ويميز هذا العمل الفني من غيره.
2) نسيج القصة: ويعني أن يقوم على خدمة الحدث كل من التشكيل اللغوي والوصف والحوار والسرد.
والقصة القصيرة سواء من ناحية البناء أو من ناحية النسيج، تهدف إلى تصوير حدث متكامل له بداية ووسط ونهاية، في وحدة مستقلة لها كيان ذاتي لا يجزأ.
فهل حققت الأديبة شيخة الناخي هذه الشروط الفنية في قصصها؟
الدراسة الفنية خير ما يجيب على هذا السؤال
…
(1)
بناء القصص:
…
كما ذكرت فإن البناء يجب أن تتوفر فيه ثلاثة عناصر هي:
الحوادث.
المعنى.
الشخصيات.
وسأبين عن سماتها في قصص شيخة الناخي:
أ - الحوادث:
من شروط الحوادث أن تكون مترابطة متآخية يأخذ بعضها برقاب بعض، وإلا غدت مفككة الأوصال، وأن تنشأ من موقف معين ثم تتطور وتنمو، حتى تصل إلى نقطة معينة هي لحظة التنوير التي يكتمل بها الحدث ويبدو بها المعنى (38) .
والأديبة الناخي استمدت مواقف قصصها وحوادثها من واقع الحياة السياسية والاجتماعية، وانطلقت تترجم عن هذا الواقع برؤية إسلامية ووعي يقظ جعلاها تشارك الأمة في أحداثها وتبصر مجتمعها بما يدور حولها بأسلوب قصصي مزج الواقع فيه بالخيال، وبطريقة سوية لا تحرف الجيل ولا تحرك الغرائز الشاذة، وهذه أسمى مهمات الأدب، وبذلك تكون قد دفعت عجلة الأدب الإسلامي إلى الإمام (39) .
لقد حكت الواقع، ونقدت العادات والتقاليد التي لا تستند إلى شرع أو دين، والتي سببت معاناة للمجتمع كعادة غلاء المهور، وزواج الصغيرات بالمسنين الأغنياء، وإهمال الزوجة والانشغال عنها مع الصحب، كما كشفت عن واقع الأمة السياسي من ثورات داخلية وحروب بين الأشقاء، وإرهاب ضد المسلمين وبذلك وضعت الأديبة لبنة في بناء القصص على أسس واقعية ومعالجتها بنبرة نقدية إصلاحية فيها بعض الروح الإيمانية.
ولقد عنيت الكاتبة بمقدمات قصصها، وللمقدمة أثرها في النفس، وقد أشار البلاغيون بأهميتها لأنها أول ما يلاحظ القارئ فيقبل بعدها على النص أو يعرض عنه، كما قد تبين أحياناً نظرة الأديب إلى الحياة.
ومقدمات شيخة الناخي إجمالاً تناسب سياق القصص، ففي " الرحيل "(40) وهي قصة تتحدث عن اضطراب حياة علياء والنهاية التعسة التي آلت إليها بعد أن كانت تعيش على الأماني العذاب، نراها تستهل قصتها بوصف الحياة، وتشبهها بسفينة تتقلب في بحر هادر لا يرحم، فكأن هذه المقدمة تشي بما سيكون في هذا المجتمع المادي الجديد الذي خدع بالمظاهر وأثر على حياة أبنائه وبناته فعاشوا على حلم ثم اصطدموا بمجتمع يحكمه عرف لا يستند إلى شرع أو منطق.
وفي " القرار الأخير "(41) نرى الشمس تتمايل نحو الغروب تمد أشعتها الناعسة، وتتزاحم في الأفق ألوان من الشفق الأحمر الذي يبعث في النفس راحة وطمأنينة، وكانت تداعب أمواج البحر في فرح وابتهاج، فكأن القاصة عبرت بالأشعة الناعسة وباللون الأحمر عن حالة القلق والاضطراب التي كان عليها جاسم بطل القصة، لكن النهاية السعيدة التي قرّ قراره عليها يلائمها أن تذكر لها الراحة والاطمئنان، والفرح والابتهاج بعد الحمرة والنَّعَس.
وندرت المقدمات التي لا توحي بمضمون القصص، وبما ستؤول إليه من نحو " أنامل على الأسلاك " إذ بدأت بالشكوى من الزوج وانتهت بالفرحة بعودته ولكن هذه النهاية لم تتضح إلا قبيل النهاية بقليل.
ومما يلاحظ على المقدمات أيضاً أنها استمدت معظمها من الطبيعة، ولا سيما عالم البحر، ولا ننسى أنها ابنة الإمارات التي تطل على الخليج العربي، ويعيش أهلها – قبل النفط – من خيراته، ولذا بدا أثره في أحاديثهم وآدابهم جلياً، من ذلك مقدمات قصصها: الرحيل، وكان ذلك اليوم، والقرار الأخير، ورماد، وحطام المخاوف (42) .
وقد تنأى عن ذلك إلى تصوير الحالة النفسية التي كان عليها البطل كما في " إعصار "(43) إذ طالعتنا بالبطل وقد تشبثت يداه بجانبي رأسه في قوة، وكادت أصابعه تنزع خصلات من شعره الكث، وأطبق جفنيه، بينما راحت شفته السفلي تئن تحت وطأة أسنان فكه العلوي، وهذه الحالة الانفعالية الأليمة تناسب الحدث الفجائي الذي حلّ بأرض الكويت من جراء الاعتداء العراقي عليها.
وقد عرضت الأديبة حوادث قصصها في أساليب عدة، منها:
أ - أسلوب الترجمة الذاتية أو السرد الذاتي على لسان البطل: كما في " خيوط من وهم، ورحلة الضياع "(44)، كقولها على لسان البطلة في الثانية:
"صعقتُ لكلامه الذي اخترقه جدار صدري كسهم سكن في الصميم، وراح يمزق أحشاء قلبي، أحسست بالمرارة كل المرارة، وبالحزن كل الحزن، وأنا أرى أبي يقف بجانب زوجته دون أن يكلف نفسه عناء معرفة الحقيقة، وعندها أيقنْتُ أن لا فائدة من اللجوء إليه مرة أخرى
…
" (45) .
ب - أسلوب السرد بضمير الغائب، وبقلم الكاتبة، فكأن الحدث خبر تسجيلي يحكي قضية تاريخية، مع أن كاتبة القصة غير كاتبة التاريخ (46) ، ويكثر هذا في مجموعتها " الرحيل " على نحو قولها في القصة المسماة بهذا الاسم " وأقدم على الخطوة التي ستقرر مصيريهما، وتقدم يطلب يدها من أبيها، ولكن توقعه كان في محلّه
…
الرفض بالطبع، فهذا الوالد من ذاك المجتمع المتكالب على المادة، وهو يريد لابنته زوجاً ثرياً لا شاباً فقيراً كسعيد " (47) .
ج - وقد تمزج بين الحوار والسرد، ويكثر هذا في مجموعتها الثانية " رياح الشمال " وكأنها بعد أن درست الفن القصصي في الجامعة طورت إنتاجها الأدبي فصارت تعرض الحوادث من خلال الحوار الذي يجري بين الشخصيات، كما في قصة " رماد "(48) .
د - وقد تعرض الحوادث من خلال النجوى الداخلية أو " الحديث اللاواعي "، أو ما يسمى بالمونولوج الداخلي: كما في قصة " لا تكن جلاداً " إذ بدأت بمناجاة البطل للطير، ثم عرضت علينا الحوادث واحدة تلو الأخرى من خلال تذكر البطل أو تخيله لما حدث أو سيحدث لو عاد إلى وطنه الذي يقبع تحت سلطة مستعمر أو طاغية لم تسّمهما وإن كان السياق يدل عليهما.
وغالباً ما تكون الحوادث معروضة بدءاً من مستهل الحدث إلى نهايته كما في " الرحيل " و " حصار " و " إعصار "(49) ، ولكن بعضها رجع بالقارئ القهقرى كما في " من زوايا الذاكرة "(50) حيث طالعتنا الأديبة بالمصير الذي آل إليه المطوع وعُرف فقره بسبب تغير أساليب التعليم من تقليدية إلى معاصرة.
وقد وفقت الأديبة في ربط حوادث القصص بعضها إلى بعض برابط السببية، فالمقدمة تنقلنا إلى الحدث، وهذا يتطور حتى النهاية، وكل جزئية تصلنا إلى ما بعدها؛ فصوت الإنذار بالخطر في " أحزان ليل "(51) والمتكلم الذي ينادي " ادخلوا مساكنكم قبل أن تطأكم أقدامهم " وحيرة الجميع، والأسئلة التي تعصف بالرؤوس تبحث عن أسئلة شافية كل هذا يدعو إلى الذعر وإلى الظن بأن عدواً يتربص بهم، وأنهم وقعوا في الفخ، ولهذا أرسل الخفير، ولما تأخر تطوع الشيخ بنفسه ليبحث عن السبب، وانتظر الجميع عودة الشيخ المهيب على حد قول الأديبة، ولكن بلا جدوى.
وقد يتدخل القدر لينهي الحدث بطريقة غير منطقية كما في " رحلة الضياع "(52) ، إذ فوجئت بورقة الطلاق على الرغم من إخلاصها لزوجها وتحملها لنوباته التشنجية؛ وقد يكون القدر ناتجاً عن خطأ ارتكبته الشخصية كما في " الصمت الصاخب "(53) إذا كان السائق الغريب لا يدرك هياج البحر في مدّه، ولهذا تعرّضت الأسرة للخطر.
وتسير الناخي في حوادث القصص مفصلة لجزئياتها حيناً، ويصير هذا التفصيل عنصر تشويق في القصة، كما في " إعصار " إذ صورت الحالة النفسية التي كان عليها البطل تصويراً مفصلاً مما دعا إلى الإشفاق عليه، لنقرأ لها قولها تحدثنا عن حالته إثر قراءة نبأ احتلال العراق للكويت:
" بدأ بقراءة العناوين
…
وما إن انتهت سطورها العريضة حتى انطلقت من داخله صرخة حبيسة:
اكتملت اللعبة.. الدائرة تدور
أسرع نحو الهاتف.. أداره في عصبية، أرسل رنينه المتتابع في إلحاح:
أريدك حالاً.
لعل الداعي خير.
تعال بسرعة
…
إني أحترق.
لم يستطع إتمام حديثه، كان منهاراً، تهاوى متهالكاً، سقطت سماعة الهاتف من يده، بدأت روحه تحلق في سماء الغرفة التي أحس بجدرانها تنطبق على جسده لتسحقه، وشعر بكتل من اليأس تتراكض حوله بحزن العالم كله.. تهاجر إلى قلبه (54) .
فالأديبة أسهبت في حديثها عن انهيار البطل النفسي إثر تلقي نبأ الهجوم وكان هذا الإسهاب مدعاة لمتابعة الحدث الذي سبب له هذا التوتر والضيق.
وهناك وسائل تشويق أخر كالإرهاصات التي تنتشر هنا وهناك ففي " خيوط من الوهم " نرى الفتاة قد تعلق قلبها بمن عرفته منذ صغرها خِطباً لها، ولكن تصرفاته كانت تشي بعدم رغبته في الزواج، فهو مثلاً جاء ليودع الأسرة قبيل السفر ولم يتكلم بشيء عن مصيرهما، وسافر ولم يلق نظرة وداع أو تحية، وهذه الإشارات أو الإرهاصات تشوقنا لمعرفة نهاية الحدث، وتجعلنا شبه متيقنين بما سيحدث لها.
وقد يكون عنصر الزمن أداة تشويق تحفزنا إلى مواصلة القراءة، كما في " حصار "(55) ، إذ نرى الزوجة تسهر وحيدة تنتظر قرينها إلى ما بعد الثانية والنصف ليلاً، وتقتل وقتها بقراءة صحيفة، أو بالوجوم والتفكير، ثم يقدم الزوج ثملاً تفوح منه رائحة كريهة وهو يجر قدميه جراً، وهنا راحت الأديبة تطيل في تصوير جزيئات هذا الموقف في بطء زمني يوحي بثقل الحدث على قلب الزوجة وسط هذا الليل الطويل حتى أدركت أن لا فائدة من الحديث مع رجل مخمور لا يعي مما تقول شيئاً..
وقد يكون رسم البيئة عنصر تشويق أيضاً، كما في " الصمت الصاخب "(56) ، إذ شوقنا هجوم البحر بمدّه إلى متابعة ما سيحدث لهذه الأسرة القابعة في سيارتها المصفحة بعد أن غمر البحر المكان وتعرضت للخطر.
وللبيئة في قصة " هواجس "(57) أثرها في حثنا على متابعة القصة وقد بانت لنا أوضاعها المادية والمعنوية من خلال رؤى خلفان لواقع المدينة، ومن حواره مع السائق ومع أخيه الصغير إذ عرفنا على التغيرات الحضارية وعلى تبدلات الأخلاق، والتأثير الثقافي للوافدين.
ومعظم قصص الناخي باهتة الحبكة، وكأنها تأثرت بنظرة الواقعيين إلى عناصر القصة، إذ لم يعودوا يشترطونها، ولا يتطلبون روعة المفاجأة فيها، بل صاروا يدخلون إلى الحياة الإنسانية في القصة من أي جانب، ويهتمون بتصوير الحدث في قوة وعمق، ومن غير مبالغة أو تحريف وقد حققت الأديبة هذا حين استعاضت عن هذا العنصر المشوق بذكر التفصيلات كما مر، أو بالحديث عن العواطف المتأججة كما في " لا تكن جلاداً "(58) أو بتصوير المفارقة بالحيرة مثلاً التي تنتاب الشخصية إزاء أمر ما كما في " القرار الأخير "(59) .
وكانت الحبكة في بعضها الآخر لا تتعدى خواطر بسيطة تجول في مخيلة فتاة، أو هاجساً يمتزج بتفكير البطل، ثم لا تلبث الخاتمة أن تكشف الأمر بسرعة.
وقد عنيت الأديبة بنهايات قصصها، والخاتمة نهاية المطاف، وهي آخر ما يعيه القارئ أو السامع، ويرتسم في ذهنه، وهي اللحظة الحاسمة، وتشير إلى قدرة الأديب على أن يرسخ الفكرة أو يؤجج العاطفة، وكانت نهايات القصص عندها مفتوحة غالباً، إذ لم تصرّح فيها بالحقيقة أو بالمصير بل تدعنا نتخيل أموراً عدة، وإن كان ما سبق من تصوير أو إشارات تجعلنا نرجح أمراً على أمر كما في " أنامل على الأسلاك " إذ نتصور عودة الحياة الزوجية إلى القرينين وإن لم تفصح الأديبة عن ذلك، لأن وصفها لمعاناة الزوجة ولندم الزوج،ثم قولها في خاتمة القصة " والتفت لتلتقي نظراته بمن تقف ذاهلة وقد استغرقتها المفاجأة
…
و
…
" (60) تجعلنا نتوقع ما ذكرناه، وكأن الأديبة بهذه الخاتمة المفتوحة أرادت أن تثير مشاعرنا أكثر من تعريفنا على الحقيقة، وذلك فن من فنون القصة.
ولكني أرى أن الأديبة لو أنطقت شخصية من شخصياتها بما ينم عن الخاتمة وأضافت إلى الحديث ما يكشف عن رؤيا إسلامية أو إيجابية للقضية لكان دور القصة أبين وأجلى، كأن تجعل راوية " من زوايا الذاكرة " تعمل على إيجاد عمل للمطوع بدلاً من أن تنظر إليه وهو يغيب عنها كطائر أبيض ويظل هم الفقر يجثم على كلكله؛ ولعل كثرة مشاهد البؤس في هذا المجتمع غدت – على ما يبدو – لا تحرك ساكناً نحو ذويه.
والأديبة تميل إلى النهايات المأساوية – ولهذا أنهت ثلاث عشرة قصة بالمآسي كالموت أو الدمار، واعتقال الصغار وتشريد الكبار، وكان ثلاث قصص فحسب قد انتهت نهاية سعيدة بعودة الزوج، أو الأمل في عودته (61) .
ولعل الظروف السياسية والاجتماعية التي تغمر العالمين العربي والإسلامي بالمآسي، وتفشي قيم نتجت عن عصبية جاهلية لا عن شرع صائب أديا بالكاتبة إلى هذه النظرة السلبية في قصصها، وكل إناء بما فيه ينضح.
ب - المعنى ولحظة التنوير:
وإذا ذكرت الخاتمة ذكر معها لحظة التنوير، وهي النقطة التي تنتهي إليها خيوط الحدث، فيكتسب بها معناه المحدد الذي أراده له الكاتب، ونحن لا نستطيع أن نفصلها عن الخاتمة، إن لم نقل إنها نهاية الخاتمة، وقد أجادت الأديبة تصوير هذه اللحظة بعباراتها الأخيرة الدالة على المعنى كقولها في " رماد " على لسان الصغيرة التي أشفقت على دميتها على حين لم يشفق بنو البشر على بعضهم بعضاً:
" وبين حطام النوافذ والأبواب يأتي صوتها من الداخل واهناً مستغيثاً:
أنا قادمة إليكم يا أبي، لا تتركوني هنا، أحضرت دميتي معي (62) .
وفي " لا تكن جلاداً " تقول على لسان البطل المغترب المشرد متحدثاً عن اعتقال ابنه " عمره لم يتجاوز الثانية عشرة
…
مازال صغيراً، ترى ماذا يريد منه الجلادون، وانخرط في البكاء " (63) .
فالأديبة في كلتا النهايتين أبانت عن جرائم العدو الذي لا يرحم صغيراً ولا كبيراً إلا ويودى به.
أما في قصة " هواجس " فنرى خلفان يثقل بتكاليف الأسرة ومطالبها ثم ينذر لأنه لم يدفع ثمن فاتورة المياه والكهرباء، وتنهي القاصة حديثها بقوله: " وعاوده هاجس الخوف والصوت الهامس:
تجلد يا خلفان، عليك بالصبر، الطريق طويل، أنت رب الدار " (64) .
وبلحظة التنوير هذه تتضح معاناة الشاب في أسرته بعد وفاة والده، وهذه الفكرة وإن لازمت مسيرة القصة طويلاً إلا أنها ليست الغاية – فيما أرى – لأن تركيز الحديث كان عن التغيرات الحضارية في المجتمع، ولهذا لم تكن الخاتمة في هذه القصة مناسبة للعنصر السائد فيها (65) ، خلافاً لأعمالها القصصية الأخرى إذ كشفت عن أوضاع المجتمع الإماراتي، وعن الواقع السياسي للأمة – العربية والإسلامية، وهذا العنصر السائد فيها أبان عن وعي الكاتبة لما يجري حولها من إرهاب وأخطار وأخطاء.
شخصيات القصص:
لا نستطيع الفصل بين الشخصيات والأحداث، لأن الحدث ليس نقل أخبار فحسب بل هو عمل متكامل موحد، أو هو تصوير الشخصية وهي تعمل.
وقد برزت شخصيات قصص الناخي في ثلاث طرق:
1" - الطريقة التحليلية (66) :
وبها صورت شخصياتها من الخارج، وتحدثت عن عواطفها ودوافعها، وأصدرت أحياناً أحكامها عليها، وكانت هي المفضلة لديها في مجموعتها القصصية الأولى " الرحيل " التي نشرت أولاها منذ سنة 1970، وقد برزت في قصة " الرحيل، وأنامل على الأسلاك، وكان ذلك اليوم، وحصار "(67) ؛ وأرى أن طريقة الترجمة الذاتية تشبه هذه، إذ رويت بلسان المتكلم بدلاً من الغائب، وكانت كلتاهما تعتمدان على السرد، ومن هذه القصص " خيوط من الوهم، ورحلة الضياع، والقرار الأخير ".
2" - ولكن الأديبة بدت في مجموعتها الثانية " رياح الشمال " أقدر على كتابة القصة الفنية، وكأنها أفادت من دراستها العربية في الجامعة، ولهذا نراها تعرض شخصياتها بالطريقة التمثيلية، فتسمح لها بذلك أن تكشف عن نوازعها من خلال أحاديثها، لنقرأ لها قولها الذي يبين عن نفسية السجان وسجينه:
«لم تقل لي أنت ما تهمتك؟
لا أدري.
ولكن من حقك أن تعرف.
لقد دفعوني إلى هنا دون أن أعرف التهمة المنسوبة إليّ.
لا يعقل هذا، هل هي وشاية؟
سمها بما شئت، والحقائق تصبح مرة حين تفسر بعدة وجوه، بينما الآخرون تمتد الأرض وتطول من تحت أقدامهم.
لا أفهم ما تقصده.
أعذرك.
أفصح بالله عليه.
لن تصل معي إلى شيء، أترى الأشجار من حولنا؟
نعم.
إنها تحاصرنا، وللجدران آذان صاغية.
سمعت هذا القول من قبل (68) » .
فالأديبة هنا عبرت عن ظلم فئة متسلطة تمتد الأرض وتطول من تحت أقدامها على حد قولها وهي لا تبالي بمعاناة الشعب، ولهذا تتجسس عليه فتسجن أبناءه وتراقبهم وتتسمع إلى ألفاظهم حتى في أقبية سجونهم، حتى شاع المثل " للجدران آذان "؛ وهذا الحديث يكشف عن ضيق الشعب من الجبابرة الطغاة، مع أن الأديبة لم تذكراً قطراً، ولم تحدد بلداً.
3-
طريقة تداعي الأفكار:
وبهذه تتضح نوازع الشخصيات وأهواؤها، ومواقفها، كما في " لا تكن جلاداً " إذ نحس أثر المعاناة والضغوط النفسية من خلال ما يجري في مخيلة البطل من خواطر وأحاديث ذهنية على نحو قولها:
" أطلق تنهيدة حارة، شعر بوطأة الوحدة
…
بالصوت المخيف في قريته يقتحم سمعه وقلبه معاً:
قف مكانك.. لا تتحرك.. امتثل للأوامر.. لا تقاوم.
قفز من مكانه يهرول مسرعاً، مديراً رأسه خلفه:
لا أحد يطاردني.
تعوذ من الشيطان وقال مواسياً نفسه:
دع عنك المخاوف، اقتل كل الأوهام، اسحقها بأقدامك، لا تضعف
مسح بيديه وجهه وبدأ يخفف سرعة خطواته، تناهى إلى سمعه صوت صغيرة وهو يقول له في اضطراب وخوف:
لقد عادوا للبحث عنك، كانوا هناك في بيتنا بأحذيتهم السميكة، ماذا ستفعل يا أبي؟ جاء سؤال الصغير حاداً أدماه من الداخل:
جميعهم في انتظارك، أمي قلقة، وأخوتي خائفون.
تلقى في ذهول تلك الإشارات المشؤومة، أمسك بيد الصغير، ضمه إليه وساروا في طريق العودة وهو يهمس قائلاً: لا تخف (69) » .
فالأصوات التي تأتيه من هنا وهناك، فتشعره بالمطاردة والخوف لم تكن إلا من عقله الباطني إذ يحس بها نتيجة الضغوط النفسية في ظروف سياسية قاهرة، أقصته عن الأهل وجعلته يعيش في مغترب ناءٍ بعيد، فكأن الكاتبة قد امتزجت بالشخصية وترجمت عما في أعماقها من مشاعر، بل سبقت عالم النفس في الحديث عن أغوارها، وقد جاء هذا العرض المركز للاشعور موفقاً في القصة، إذ جعلنا ننفعل مع الشخصية، نتألم، ونحقد على الطغاة الظالمين، وبذلك يكون للفن أثره في القراء.
ويقول أ. د " بهجت الحديثي " معلقاً على هذه القصة، متحدثاً عن الانطباع الذي خلفته في نفسه: «التمتع بالجمال الفني
…
هو غاية قائمة بذاتها، ورؤية فيها الشيء الكثير من الإبداع في إعادة تشكيل الصور الفنية، والتحرر من كل القيود التي تكبل المبدع والمتلقي حيث أن الفن أوسع من أن يعرف أو يصب في قوالب جاهزة
…
وهذه وقفة سريعة إلا أنها تسجل انطباعات وملاحظات، وربما وجهة نظر كونتها كقارئ
…
«قصة " لا تكن جلاداً " هي بيت القصيدة من حيث أسلوبها وروعة تصويرها
…
لقد نقلتني تلك القصة بعيداً وأنا أسبح في بحر خيالها، وهي تحكي حالة إنسانية، وتنطوي على غايات نبيلة، وتفتح آفاقاً رحبة أمام القارئ ليطلّ منها على عوالمنا البائسة الخاوية على عروشها إلا من القهر والتسلط واللاإنسانية، وما فيها من جنون وعنجهية وسادية إن صح التعبير
…
أما لغتها فلا أجمل منها
…
» (70) .
وهذا التأثر الشديد بالنص يذكرنا بالمذهب " التأثري أو الانطباعي "(71) الذي يعولّ على ما يخلفه النص في نفس القارئ والناقد من انطباعات ذاتية تشعره باللذة النابعة من النص، لأن هذا التأثر أو الانطباع هو وحده القادر على تقدير هذا النص تقديراً جمالياً، وقيمة العبقرية في رأي "أناتول " تكمن في السر الذي تعجز العقول عن تفسيره، ولكن النفوس تشعر به وتنجذب إليه بما يحدثه من متعة سحرية تتجاوز العقل والمنطق، ومقياس هذا المذهب لا يعود إلى قواعد مسبقة أو قضايا اجتماعية أو أخلاقية، فتلك تتبدل وتتغير، ولكن أثر النص في النفس يبقى فيها (72) .
أما الناقد الإيطالي " كروتشه" صاحب مذهب " النزعة التعبيرية " النقدي فيرى أن المهم في النص الأدبي هو التعبير عما في النفس لا عن الواقع (73) .
وقد أجادت الأديبة في هذه القصة في تعبيرها عما تحس به من خلال معايشتها للظروف السياسية التي كانت الأمة تعاني منها في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، وكانت أجهزة الإعلام تنقل الصور المؤثرة عن فلسطين ولبنان والعراق والكويت، وعما يحدث في سوريا والجزائر وفي البوسنة والهرسك وأفغانستان، وأذربيجان.. وإذا أضفنا إلى هذا الحساسية الإيمانية التي تتمتع بها الأديبة الناخي أدركنا التأثر والانفعال الذي كان يمضها من جراء سماع هذه الأنباء، وقد انعكس هذا في قصصها، فبرعت في تصوير نفسيات أبطالها والأديبة في قصصها وصافة للنفسيات، وهاهي في " حطام المخاوف " أيضاً نراها تتحدث عما انتابها – بوصفها البطلة والكاتبة معاً – إثر سماعها نبأ تراجع صحة والدتها، وتوقع وفاتها، وكانت بعيدة عنها:
" أتاني الصوت وفيه نبرة رجاء ملهوف:
جف حلقها من مناداتكم.
انزلقت سماعة الهاتف لتسقط متدلية، وانخرطت في بكاء حار.. أصوات متداخلة وأقدام كثيرة تقترب وتبتعد، صوته يخترق سمعي مواسياً كعهدي به دائماً، رفعت رأسي تصفحت وجهه، كان ينم عما في داخله من قلق دفين.
أحسست ساعتها بفقدان قدرتي على التحكم بأعصابي، وقد تراءت لي الأشياء بألوان مختلفة، والزمن يتمطط، وحين يقع الإنسان فريسة للمخاوف يصبح عاجزاً عن الصمود أمامها ومواجهتها بصلابة " (74) .
لقد استطاعت الأديبة أن تترجم عن إحساسها بهذه التجربة الشعورية التي أحست بها، فكأنها رسامة عواطف بقلم فني مداده ألفاظ صادقة نبعت من سويداء قلبها، فجعلها تختار كلمة " جف حلقها من مناداتكم " لتشير إلى شدة شوق أمها لأولادها و " وانزلقت سماعة الهاتف.. ولا تعي إلا أقداماً تقترب وتبتعد " لتعبر بذلك عن أثر الصدمة والذهول الذي أصابها، وعن إحساسها بالعجز عن مواجهة الخطب بجلد وقوة.
وقد تدع الأديبة شخصياتها تتصرف تصرفات فجائية، لكن المفاجأة تبدو مقنعة فعودة الزوج في " أنامل على الأسلاك "(75) بعد إهمال الأسرة طويلاً كان أمراً مفاجئاً للبطلة، ولكنه كان استجابة لوازع الضمير الذي حركه سماع صوت ابنته الطفولي من الهاتف، وموت البطل في " إعصار "(76) كان بسبب الصدمة النفسية التي أصابته عندما سمع نبأ اعتداء العراق على الكويت.
وشخصيات قصصها إجمالاً مسطحة تلازم حالة واحدة لا تحيد عنها، ففي " خيوط من الوهم "(77) نرى حصة تخلص لخطبها وتكبر مع أحلامها ولكن علياً يبدو غير مبالٍ بها ثم يسافر دون أن يودعها، ويذهب إلى البلد الأجنبي ليتزوج هناك مؤكداً بذلك عدم رغبته في الزواج ممن كانت له خطباً وانتظرته طويلاً؛ وفي " رحلة الضياع "(78) نرى الفتاة معذبة منكودة في بيت أبيها وقرينها، لا تعرف الرحمة إلى قلبها سبيلاً
…
أما في " أنامل على الأسلاك "(79) فقد بدت شخصية الزوج نامية أو من النوع المستدير (80) إذ غير سلوكه وجعلنا نحس بوازع ضميره.
والأديبة محايدة في نظرتها إلى شخصياتها، تبين فضائلها وتكشف عن عيوبها بإلماح لا تجريح فيه، ولكنها تقنعنا من خلال حوادثها بالظلم الواقع على المرأة، فهي تنتظر الزوج، وهو يلهو في عربدته ومع صحبه (81) ، أو يتزوج من أجنبية ويدعها (82) ، وقد يقسو عليها ويضربها (83) ، وهي تعيش على أحلام وردية، ولكن مجتمعها بعاداته وتقاليده غير المنطقية ولا الشرعية كغلاء المهور يقف حائلاً دون سعادتها (84) ، وهي المسؤولة عن رعاية البيت (85) ، وليس لها دور في القضايا السياسية إلا أن تخفف عن زوجها وأولادها الضغوط السياسية بأحاديثها واحتضان أولادها (86) .
أما الرجل اجتماعياً فهو، كما في الحياة الواقعية، المسؤول عن جلب لقمة العيش، ودفع مهر الزوجة (87) ، وقد يفي لخطبة، أو يغدر فيتزوج من أخرى أجنبية (88) وقد يتزوج من ثانية فيقسو على أسرته بسببها (89) ، أو يكون وفياً لعهده (90) .
والرجل السكير اللاهي لا خير فيه، ونهاية مشؤومة غالباً (91) .
أما الرجل سياسياً فيدافع عن وطنه بكل حمية ويجاهد العدو إرضاء لله سبحانه (92) وقد يسجن (93) أو يهاجر خلاصاً من ظلم طاغية (94) أو عدو، أو يجاهد فيتقد وجهه بنفحات إيمانية ويشجع أسرته على الصمود في سبيل استرداد الكرامة، ويدرك أن سبيله إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة (95) ، وقد لا يحتمل نبأ سقوط بلاده بأيدي عدو فيصاب بتوتر شديد يودي بحياته (96) .
وبهذا يكون الرجل والمرأة في قصص الناخي نموذجين للبشر في حياتهما اليومية، وكان تصويرهما عفاً، إذ لم تجعلهما ذئباً وفريسة يلهثان وراء الجنس أو المتاع كما فعلت أمينة عبد الله وسلمى مطر سيف في قصصهما، وقد أشرت إلى ذلك في التمهيد.
(2)
نسيج القصص:
…
القصة القصيرة وحدة مستقلة لها كيانها الذاتي الذي لا يتجزأ إلى بناء ونسيج، لأن كلاً منهما يعمل على تصوير الحدث بمعونة الآخر، ويؤدي إلى لحظة تنوير تتضح بها الفكرة، ولكن الفصل بينهما يكون لتسهيل الدراسة فحسب.
ونسيج القصة يعني كل ما ساهم في أداء المعنى وتصوير الحدث أو تطويره، من بداية القصة إلى نهايتها، بحيث تصبح كالكائن الحي، ويمكننا أن نقول إنه:
أ-التشكيل اللغوي.
ب-الوصف.
ج_الحوار.
د-السرد.
وسأدرس هذه العناصر في قصص شيخة الناخي موضحة خصائصها الإيجابية والسلبية.
أ-التشكيل اللغوي:
لا فصل بين اللغة والمضمون في العمل الفني، فكلاهما يلتحم التحاماً تاماً في بوتقة واحدة، وكل منهما أداة ووسيلة، ولكن " الأسلوب هو الرجل " فلكل أديب ميزة تميزه عن الآخر.
وأولى ميزات الأديبة أنها حافظت على اللغة الفصحى في مجموعتيها، وهذا أمر أساسي في آدابنا العربية كلها، حتى في القصة، وإن كان للدكتور رشاد رشدي رأي يخالف ما عليه النقاد، إذ يرى أن الواقعية القصصية لا تتحقق إلا إن نطقت الشخصية باللغة التي تتكلم بها في حياتها اليومية ويؤكد على ذلك ويستشهد بأدباء الغرب الذين يُنطقون شخصياتهم باللغة التي يتحدثون بها، كما يندد بمن يخالف ذلك وينسبه إلى الروح التقليدية في الآداب لتمسكه بالقديم وطرق صياغته وهذا برأيه يخالف فنية القصة التي هي لون جديد في أدبنا العربي (97) .
ولكن نقاداً آخرين ردوا عليه، ويأتي في مقدمتهم " د. محمد غنيمي هلال " إذ ناقش قضية العامية والفصحى مناقشة مسهبة في كتابة " النقد الأدبي الحديث " وبين أن الواقعية ليست في اللغة وإنما في الموقف والتصوير، وفي مسيرة الحوادث وتصرفات الشخصيات، وأن الفصحى قادرة على التعبير، ولو كتبنا بغيرها لما أدينا رسالة أدبنا العربي، لأن الفصحى أقدر على تنويع الدلالات وتعميقها من العامية المحدودة في مفرداتها والمتصلة بالمحسوسات، والمتعددة تعدد البلدان العربية بل مدنها وأحيائها أيضاً، وأن علينا أن نرقى بمجهودنا العربي لغوياً عن طريق القصة كما أن علينا أن نرقى بهذا اللون الأدبي ليصبح ضمن آدابنا العربية الهامة (98) .
وأقول أيضاً إن طبيعة اللغات الأجنبية غير طبيعة لغتنا العربية، فتلك تفرعت عن اللاتينية ولم تحافظ على كيانها، أما لغتنا فقد قاومت هذا التعدد، وحافظت على أصالتها على مر السنين وكتبت بها حضارات الأمم وآدابها، ثم إن الحفاظ عليها حفاظ على تراثنا، والهجمة ضدها فكرة استعمارية لا نزال نشهد آثارها في الدعوة إلى العولمة، والانصياع للهجات العامية باسم التراث أو باسم الواقعية أو تحت أي اسم براق قضاء على شخصيتنا وهويتنا، ولهذا أحسنت الأديبة شيخة الناخي حين التزمت الفصحى لغة لقصصها، وبها يكتب لها الخلود لا باللغة العامية.
والأديبة فضلاً عن ذلك عمدت إلى اللغة الواقعية السهلة في مجمل قصص مجموعتها الأولى الرحيل، إلا أنها جملّت مقدماتها بلغة إنشائية تستهوي بوقعها الجميل قراءها من غير مبالغة في الصنعة، من ذلك قولها في مستهل:" وكان ذلك اليوم ": " كانت تحلق في الفضاء بخيال واسع وأمان، تمخر بأحلامها عباب أمواج البحر الشاسع، حيث الأفق البعيد،وفوق رمال شاطئ الخليج البراقة الجميلة ترى حلمها يرتسم فوق صفحة القمر، وفي خيوط الشمس مع نسمة الهواء، وهي تداعب أوراق الأشجار في دلال، في عين كل طفل وطفلة، وهما يلعبان ويمرحان في براءة وطهر "(99) .
فالأديبة لجأت إلى الأسلوب الوصفي الذي استمدت عناصره من الطبيعة لتعبر به عن بهجتها في الحياة، وأمانيها العذاب، وهي ترسم أحلامها المستقبلية.
وبعض النقاد يعيبون هذا التأنق في الصياغة وينفرون منه أشد النفور، ويعّدونه بعداً عن الواقعية، ويفضلون عليه المضمون، ويطلبون السهل غير المدبج من الأسلوب، وأرى أن لا ضير في ذلك إن لم يكن متكلفاً، وكان يساعد على أداء الفكرة كهذه المقدمة، إذ يوحي فيها جو الطبيعة بالسعادة التي آلت إليها الشخصية، ولا سيما أن الأديبة كانت تعود إلى الأسلوب الواقعي بعد مقدماتها، بل قد تأخذ به في مستهل قصصها كما في " من زوايا الذاكرة "، وهذا مقطع يبين عن هذا الأسلوب في هذه القصة:
" في ركن بعيد آخذ في الانزواء سقطت أنظاري على رجل يقف عند الجانب الآخر من الطريق بالقرب من صندوق للمخلفات، وكان يبدو عليه أنه منهمك في عمل ما، وبين الفنية والأخرى كانت قامته تنتصب يرسل خلالها نظرات فاحصة لكل ما حوله، ثم يعود لما كان عليه "(100) .
ولم تخل مجموعتها الثانية " رياح الشمال " من الأسلوب الواقعي أيضاً، وقصة" هواجس "(101) فيها خير شاهد على هذا إذ تحدثت بلغة سهلة وعرض واقعي عن أوضاع الإمارات بعد نهضتها الحديثة المعتمدة على العمالة الوافدة في كثير من أمورها، وأثر هذه العمالة.
ولكن الأديبة عمدت إلى الأسلوب الإيحائي تعرض به كثيراً من قصصها لتكون أكثر تأثيراً على نفوس قرائها ففي قصة " إعصار " أشارت إلى شدة انفعال البطل لخبر الهجوم العراقي بلغة موحية بمعناها ومبناها على نحو قولها: " جاء الخبر قذائف حارقة أصابته في الصميم فحطمته، أحس بالغوص في أنفاق مظلمة، وبأيدٍ ممتدة نحوه، تشده في كل الاتجاهات، شعر بالاختناق، صرخ بأعلى صوته
…
كيف.. لماذا..؟
تباً لك من حياة.. مازلت تنسجين خيوط الأحزان أثواباً للبائسين تباع على قارعة الطريق، وانخراط في بكاء متواصل.
كبرت دائرة الألم، أحس معها بخناجر مسمومة تنغرس بلا رحمة لتصل أعماق قلبه المكلوم
…
قفز نحو الشرفة وهو يضرب بكلتا يديه، ووقف مشدوهاً وقد اعتصرته الفاجعة بدأ كيانه بالغليان..
جبناء، كلهم جبناء " (102) .
فهنا نرى الأديبة تستعين لإظهار الضيق النفسي الذي أحس به البطل بلغة موحية مصورة فالخبر " قذائف حارقة " أصابته في " الصميم "، وكلمة الصميم لها مغزاها، وقد أدى به هذا الخبر إلى " التحطيم "، وكأنه " غاص في نفق مظلم "، ولعل اختيارها لكلمة الغوص كان بتأثير بيئتها البحرية عليها، ولكن غوص هذا المسكين كان في نفق مؤلم، ولم يكن لجلب اللؤلؤ، وهو يحس " بأيد ضاغطة، وبالاختناق، وبالخناجر المسمومة، وبخيوط الأحزان تنسج أثواباً، فيضرب بكلتا يده " و " قد عصرته الفاجعة، وأحس بالغليان ".
وهذه اللغة المصورة الموحية تشي بصدق التعبير وجماليته في آن واحد وهي أقدر في الدلالة من اللغة المباشرة، إذ تآزرت فيها الصورة مع اللغة، وجاءت الحروف الجزلة، والانفجارية (103) معاً لتكمل صورة المعاناة النفسية، وللحروف إيقاعها وظلها وإشعاعها، ولهذا رأينا الأديبة تكثر من الكلمات التي تحوي هذه الحروف:
فالباء مثلاً وردت في: البائسين، تباع، بكاء، بخناجر، بلد.
والتاء في مثل: تباً، مازلت تنسجين، تباع، تنغرس، لتصل، اعتصرته
والطاء في: خيوط، الطريق، انخراط.
والكاف في: بكاء، كبرت.
والقاف في: قارعة، أعماق قلبه، قفز، وقد، وقف.
فهذه الحروف الانفجارية ذات النبر القوي شاركت التصوير في التعبير عن الضغوط النفسية التي كان البطل يعاني منها من جراء القصف العراقي للكويت، كما شاركت في الدلالة على هذه المعاناة أيضاً الهاء اللاهثة والحاء التي تشي ببحة الصوت، ووردتا كثيراً في هذا المقطع:
فالهاء جاءت في: أصابته، تشده، الاتجاهات، صوته، قلبه، هو، يديه، مشدوهاً، اعتصرته، كيان، كلهم.
والحاء في: حارقة، حطمته، أحس، نحوه، حياة، الأحزان.
وكان هذا كله دليلاً على شدة التوتر والضغط النفسي الذي أحس به البطل، ثم أودى بحياته.
وكان للفواصل التي تكاثرت بين الأسطر على شكل نقط متواليات دورها في التعبير أيضاً فقد زادت الإحساس بالألم عمقاً، حتى بدت وقفاتها وسكناتها ناطقة لا صامتة، وكأنها تدع القارئ يتملى الموقف، ويفكر وسط زخم من الصور التي تنم عن الانفعالات المتكررة الأليمة.
ولنقرأ للأديبة أيضاً هذا المقطع من قصة " أحزان ليل "، وفيه فواصل زمنية متعددة لها إيحاءاتها ودلالاتها على شدة الخوف والذعر الذي أحاط بالناس من جراء القصف المتواصل:
«شيء مخيف.
ماذا تقصد؟
تكلم.
أتقول الحقيقة؟
.....................
لا، لا يمكن أن يحدث هذا.
إنك تلعب بأعصابنا.
لزم الصمت برهة وسرح بعيداً.. ثم تكلم متابعاً حديثه:
ليت الساعة تقوم.
…
الساعة؟
نعم الساعة
…
بل القيامة» (104) .
فالفواصل المنقطة هنا تدل على الزمن الذي استغرقه المتحدث وهو صامت لا يجيب، وهذا الصمت شارك في الدلالة التعبيرية، إذ أشعرنا بأن الخفير غير قادر على التعبير عن هول الموقف، ولهذا كان يسكت، فلما تكلم قال " ليت القيامة قامت" مشيراً بذلك إلى شدة ذعره من العدو.
والأديبة لجأت في معظم قصص رياح الشمال إلى اللغة الرمزية، ولكن الرمز فيها واضح، لاسريالي (105) إذ لا غموص فيه، بل هو يستشف من السياق العام بما فيه من إيحاءات، فيكون أبلغ في الدلالة التعبيرية.
قالت في قصتها " انكسارات روح " وهي كما ذكرت لي " تتحدث عن حرب البوسنة والهرسك ويمكن أن نعدها تتكلم عن كل حرب ضد الإسلام والمسلمين"(106) :
«إذا كانوا قد سلبوك حقك في الدفاع عن كرامتك فما عليك إلا الصمود.
لكنهم يصادرون أحلامي.. يلوثون مساحاتي.
المطر لا يزال ينهمر، سيغسل بواباتك المخلوعة، وزجاج نوافذك المهشمة.. وسيطوي الليل رذاذ أنفاسهم القذرة.. وعندها ستمدين يدك نحو القمر مصافحة، ويمتد الفرح ليغمر مساحة روحك وأنت تودعين كآبتك الجنائزية» (107) .
فالقاصة هنا استخدمت الرمز للتلويح بالانتهاكات التي تعرضت لها المرأة البوسنية من الصرب المجرمين، ونقلت لنا الحالة الوجدانية التي كانت عليها البطلة بهذه الألفاظ الموحية بالثورة التي كانت لرد الكرامة، ولهذا جاءت الأديبة بما ينم عن هذه المعاني من مثل " مصادرة الأحلام، تلويث المساحات، البوابة المخلوعة، زجاج النوافذ المهشمة، الأنفاس القذرة، الكآبة الجنائزية، المطر ينهمر ليغسل
…
الليل سيطوي، القمر سيصافح، الفرحة تغمر مساحة الروح "
وهذه الألفاظ كلها جاءت من استدعاء القاصة للمعاني الإيحائية، فالكلمة تستدعي أخرى، فسلب الحق يدعو إلى الدفاع عن الكرامة، وهذا يؤدي إلى الصمود، ويذكر بانتهاكات العدو، ومصادرة الأحلام، وتلويث المساحات
…
وهذا التلويث وتلك الجرائم تستدعي المطر ليغسلها، والعدو يهشم، وهذا يعني الكآبة الجنائزية
…
وهناك تفاؤل.. والتفاؤل يذكر بالقمر، والفرح، والمصافحة
…
لكأن الأديبة كرست رصيدها اللغوي والصور التي التقطتها مخيلتها من أجهزة الإعلام، واحتفظت بها ذاكرتها لتقدم بهما حكاية للمآسي مؤثرة في الأعماق بألفاظها التي يجمع بينها علاقات التضاد حيناً، والتدرج أخرى (108) .
فمن التضاد قولها: السلب والصمود، والفرح والكآبة، والتلويث والغسل، ومن التدرج: سلبوك حقك
…
يصادرون أحلامي، يلوثون مساحاتي، المطر ينهمر، الزجاج يهشم، الأنفاس القذرة، الكآبة الجنائزية.
فالجرائم بدأت بسلب الحقوق، ومصادرة الأحلام، ثم تلويث المساحة، فكان المطر وهذا أدى إلى ازدياد التهشيم والتحطيم والقذارة، ثم كانت الكآبة الجنائزية، وهذا التدرج أوحى بكثرة الجرائم التي صبت على الشعب المسلم في البوسنة وأمثالها صباً..
إن الكلمات كما تقول د. نور الهدى لوشن " تظل حاملة للمعاني المتعارف عليها إلى أن يأتي الأديب المقتدر الذي يفجر طاقات معانيها لتخرج إلى السياقات المختلفة لكي تتنفس الكلمات وتنبص بالحياة (109) " وهنا برز دور شيخة الناخي وإبداعها في تفجير طاقات كلماتها التي أحكمتها في تراكيب دقيقة وفي سياقات متعددة.. لتعبر عما تريده وعما أحست به تجاه الشعب البوسني المنكوب، بل تجاه كل شعب مسلم في كل أرض يشهد أبناؤها بالله الواحد وبدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ولقد كان هذا الأسلوب الإيحائي التصويري عنصراً من عناصر التشويق في القصة، عوض عن فقدان الحبكة، ودل على حسن اختيار الأديبة لألفاظها للدلالة على المعاني التي تريدها بعمق وأصالة.
وأسلوب الأديبة في بعض قصصها في مجموعتها رياح الشمال قد ارتقى حتى شابه الشعر في إيقاعه الموسيقي الجميل وإيقاع الشعر وشعور أحاسيس.
هاهي ذي تعبر عن حالة المغترب النفسية وهو يناجي الطير ويطلب منه أن يحمل له رسالة إلى أهله فتقول على لسانه:
" لا يأتيني ردك بالرفض، فقد اكتوت نفسي بناره دهراً، غرس الخنجر بداخلي ليقطع أحشائي المشتعلة بحرارة الانتظار، تسافر روحي إليك، أطير محلقاً في خيال الأوهام والآهات، أسكب الدمع أنهاراً تغسل نفسي الهائمة، أتدثر بأغطية الوحشة القاتلة تطاردني بمخالبها اللعينة تهز أوتار قلبي، تلقي بي فوق أرصفة المحطات وزوايا الطرق، تتزاحم الأجساد الملهوفة تخترق الأرض بقوة، تعبر فوق جثتي بأحذية قذرة، أتنفس الهواء المتعفن بالأتربة المتطايرة، أبذل المحاولات في النهوض، أتعثر في خطاي، أرتشف قطرة من عبراتي المنهمرة فوق وجهي المطارد، أقضم كسرة خبز أخمد بها هياج أمعائي الخاوية (110) .
في هذا المقطع أرى إيقاعاً صوتياً بين مقدمات جملها، من مثل:
أتنفس الهواء.
أتعثر في خطاي.
أرتشف قطرة.
أقضم كسرة.
وهذه خاصية من خصائص جملها في المجموعة الثانية، وقد أضفى هذا الإيقاع الصوتي على النص نغمة موسيقية عذبة، ونبرة حلوة، إضافة إلى الشحنات العاطفية المستمدة من العبارات المصورة الموحية، وقد أدى هذا إلى مشاركة المغترب في أحاسيسه؛ والأدب الجميل ما هز المشاعر.
ولغة الأديبة ولا سيما في مجموعتها الثانية مصورة بعمق ما تريد أن تعبر عنه، فكثرة الوافدين، ومادية البلد في حضارتها الجديدة عبرت عنهما بعبارة " الأجساد الملهوفة تخترق الأرض بقوة "، والفقر الشديد صورته ب " هياج أمعائي الخاوية "، وأي كلمة أبلغ من " هياج " للدلالة على آلام الجوع، والسيارة " أشبعت " بلوازم السفر للدلالة على الامتلاء الشديد، و " البحر هائج يلتهم الرمال " فكأنه وحش أمام فريسته، و " الصباح يزحف مرسلاً وميضه "،فأشعته الوادعة تشبه الوميض في لغة الأديبة، ولسياط الجلاد لهيب، وهي كوحش جائع، والأجساد لا تقوى على الصمود أمام لهيب السياط المسعورة، وحروف الكلمات " عباءة أتدثربها في لياّلي المرعبة " والخوف سكن في أعماقها كجان يرعبها، والثورة عبث جنوني
…
وهذا مجاز ذو علاقة فاعلية يقوم بعمل التجريد، فيحول الخوف من الإنسان المادي إلى الأسئلة المعنوية للدلالة على شدة الذعر وقد بدا في قولها:" لزم الجميع الصمت، والصغار يمطرونهم بوابل من أسئلتهم الخائفة ".
وهذه صور اشتركت فيها حاستا السمع والبصر معاً للدلالة على إحساس البطل بالضيق جاءت في قولها: " والخبر يئز في أذنيه، كل ما حوله بدا موحشاً كئيباً ".
ولننظر كيف عبرت عن جنود الاحتلال: " كانوا هنا بأحذيتهم السميكة " وكيف عبرت عن التغرب القسري: " لماذا لفظتني مطروداً " وما أكثر المشردين الذين لفظتهم أوطانهم، ولذلك نراها تقول:" الأرض حبلى بالمطرودين أمثالك ".
ولم تخل مجموعة الرحيل وهي أول مجموعة كتبتها من خاصية التصوير أيضاً، فهي حين تشير إلى إحساس المرأة بالمرارة تقول " انطويت على نفسي " وإلى الثورة النفسية في الأعماق:" الاستغاثة المتشنجة "، وإلى الركض وراء خطب لا يلقى لها بالاً:" تلهثين خلف سراب الوهم ".
ولكل كاتب أسلوبه، والأسلوب هو الرجل كما يقولون، وهو يبرز في آدابه كثيراً كان أم قليلاً، ومن خلال استعراضي لهذه الصور أرى أن الأديبة تمكنت بأسلوبها هذا من التعبير عن الأحاسيس بما تعجز عنه اللغة الحقيقية، والمجاز من عوامل قوة لغتنا، وهو في بعده عن الحقيقة أدى وظيفته الجمالية المرجوة منه بشكل أقوى وأعمق.
ومن ميزات أسلوب الأديبة أيضاً أنها تخفي ما يعود إليه الضمير ليفهم من سياق الكلام، والتعمية عامة من نهجها اللغوي والمعنوي، وقد بدت في خواتيم القصص كما بدت في الأسلوب ولكن هذه التعمية أساءت إلى فهم الفكرة أحياناً، وأحاجت القارئ أن ينتظر طويلاً ليعرف من المتكلم، ولا سيما إن كانت في أول القصة، كما في " حزمة الألوان ورياح الشمال "(111) .
ويكثر في أسلوبها الألفاظ الرومانسية التي تدل على التشاؤم والمعاناة، وقد بدت هذه الخاصية حتى في عناوين القصص مثل: الرحيل، الحصار، الضياع، انكسارات روح، إعصار
…
" ومن عباراتها " الحفر النارية، هذيان الركض، الممارسات الجنونية، الجدار الأخرس
…
".
وقلما نرى الأديبة متفائلة في قصصها، وكأن الجو السياسي للعالمين العربي والإسلامي والواقع الاجتماعي المتردي، والتغيرات الحضارية وما آلت إليه من رفض القيم قد انعكس في قصصها.
كما بدا في أسلوبها تأثر بالقرآن الكريم، فقد اقتبست منه قولها " وقلبها يكاد يتميز من الغيظ "(112) و " ادخلوا مساكنكم قبل أن تطأكم أقدامهم "(113) ، و " تلطف حتى لا يشعر بك أحد "(114)، كما تأثرت بالأسلوب المترجم مضموناً وشكلاً فقد تسربت إلى لغتها مفردات من القاموس الأجنبي مثل:" النشيد الجنائزي "، " وروح مصلوبة فوق جدار الألم " و " لتصلب في فضاءات
…
"، و " سيمفونية " ومن أساليب الترجمة قولها: " كم هي المرات "، والأولى أن تقول: كم مرةٍ، وقولها: " هل مازلْتِ في انتظار المكالمة؟ " والأجود أمازلت ....؟
والنقد القصصي يتجنب الإشارة إلى الهنات اللغوية أو النحوية، ولكني على تقديري للمؤلفة وأسلوبها – لا أرى مندوحة من ذلك، ومن ذلك قولها:" فأجهشت بالبكاء " بزيادة البكاء لأن الفعل الأول يدل على البكاء، وفي قولها:" بالأمس القريب جداً " وأمس المعرفة بأل تدل على يوم ما مضى، أما أمسِ المبنية على الكسر فتدل على الزمن القريب قبل يومين " أو يوم واحد، والأولى كذلك أن يأتي بعد إذا الفجائية اسم مرفوع لا مجرور ولكن الأديبة قالت " فإذا بالقلوب تخفق "، وحين الظرفية تسبق بحرف الجر على، والكاتبة قالت: " في حين تتسلق يداك
…
، وهي تستخدم كلمة الفشل بمعنى الإخفاق، وتعرف كلمة بعض بأل التعريف، وهذه كلها من الأخطاء الشائعة (115) .
ب - الوصف:
لا يصاغ الوصف في القصة الفنية لمجرد الوصف، ولكن ليخدم الحدث أو الشخصية، ولهذا يعد جزءاً لا يتجزأ من القصة (116) ، وكذلك كان في قصص الناخي، فالفتاة وأمها في قصة " حطام المخاوف " تتلقيان نبأ الطبيب المعالج للأم، فتغرق الفتاة في بحر من ذهول مؤلم، وتغدو الأم سلبية الإرادة، غارقة في عذابها؛ لنقرأ لها قولها:
" كان ذلك اليوم الحزين حين أدخلت المستشفى لتتلقى علاجها الأخير، وهي عنه راغبة، وقهرني التخاذل، وغرقت في ذهول سكنه الوجع حين نقل إلي الخبر، تدفق في داخلي لحظتها شلال الأحزان ليجرف معه بقايا أمل يسكن الأعماق، ثار في رأسي طوفان الأفكار المتصارعة، وأنا أنقل إليها القرار المفاجئ لمعالجها، كانت نظراتها تنوء بحزن مقهور بذاك الخبر التفتت إلي في إعياء مشوب بالدهشة وصرخة نفس مكتومة:
هل انتهت محاولاته؟ لم يبق أمامه شيء؟
…
أليس كذلك؟ ! .
أغمضت عيني بتعب مرهق، وأحسست في الساعة بالذات أنها أضحت مسلوبة الإرادة، وأنها تغرق في عذابها، وأن الخلاص من عذابها أخذ يبتعد عنها " (117) .
فالأديبة هنا عبرت عن إحساسها بالخبر المؤلم في قولها " قهرني التخاذل – غرقت في ذهول سكنه الوجع، تدفق شلال الأحزان، ثار في رأسي طوفان الأفكار المتصارعة
…
" وهذا كله يشير إلى المعاناة النفسية من إحساسها بدنو أجل أمها.
أما الأم فقد تكلمت في إعياء، ودهشة، وصرخة مكتومة، وقالت في يأس شديد:
هل انتهت محاولاته.
ثم استخدمت القاصة أسلوب التقرير " لم يبق أمامه شيء " ثم جاءت بالاستفهام فكأنها تشير به إلى عدم تصديق الأم عجز الأطباء مشيرة بذلك إلى أثر القول.
ومن الوصف ما طور الحوادث فالزوج المخمور اللاهي في قصة " حصار " ستنتهي حياته نهاية مؤلمة بحادث سيارة، وستصاب قرينته بالدهشة لأنها كانت تحس أن حياتها لم تبدأ بعد بسبب انشغاله عنها بصحبه، تقول الناخي في القصة مصورة شقاء المرأة الذي كان سبباً في إحساسها بالمرارة:
" كل شيء كان في البيت ساكناً، قبعت فوق الكرسي في انتظار زوجها، ولم تلبث أن شعرت بوحدة مخيفة، وتقاطرت عليها ضروب الهواجس، وامتزجت بتفكيرها، وتساءلت وهي تجول ببصرها في أرجاء البيت، وتمتمت: الحل، ألا يوجد حل لهذه الحالة؟ لهذه الحياة؟ لقد أكدوا لي بان الزواج هو الحل السعيد للفتاة، والحياة الزوجية نهاية المطاف، وهي أمتع اللحظات، بحق السماء هل هي كذلك؟ لست أدري.. وألقت بجسدها الواهن الذي أضناه السهر وحطمه الانتظار فوق كرسي في صدر الصالة، وبين لحظة وأخرى كانت عقارب الساعة تمزق السكون القاتل "(118) .
ويبدو جمال الوصف أيضاً عن طريق المفارقة بين أمرين، فالفتاة في " رحلة الضياع " تجبر على الزواج من الأشيب العجوز، ولهذا لم تحس بسعادة الزفاف على الرغم من مظاهر البهجة المحيطة بها. وهاهي الأديبة تصور لنا هذه المفارقة لتشير إلى ضيق الفتاة في ليلة زفافها:
" ولم أشعر إلا وبيد أخرى تسقط فوق كتفي بقوة لتقول:
- هيا سارعي، جهزي نفسك، أنسيت أن اليوم عرسك، لا تتأخري
كانت يد زوجة أبي، تراجعت إلى الوراء، رحت أذرع أرض غرفتي في حيرة وقلق واضطراب، أجل، إن مصير حياتي تقرر، وليس هناك من مفر أو خلاص، كل شيء حولي.. الصخب.. الهزج.. الزغاريد تفرض علي الانقياد.
قمت أجر قدميّ جراً فكأنما أساق إلى موت محقق لأكون كما يريدونني عروساً تلبس ثوب زفاف أبيض.
كنت أشعر لحظتها بمدى كذبي على نفسي أولاً وعلى الناس، وأنا أساق لموكب زفافي
…
جلست وسط جموع كثيرة، ودعوات كثيرة، وزغاريد متتالية.. لم أشعر بما يجري حولي فقد كنت ساهمة كتمثال جامد، ضغطت على نفسي في محاولة يائسة حتى أرد على المهنئين بابتسامة باهتة شاحبة.. وكان الزواج " (119) .
لقد أجادت الأديبة في تصوير المفارقة إذ كان الناس في فرحة غامرة، وهي تبدو في ثوب زفافها لا مبالية
…
تنقاد للزفاف، وترد على المهنئين بابتسامة باهتة كأنها تمثال جامد
…
وبذلك عمقت إحساسنا بمأساة الفتاة المكبوتة.
ووسط الأجواء العاطفية المحملة بمشاعر الحزن والأسى كانت الأديبة تغرق أحياناً في الوصف، فتبدو بعض المواقف العادية بسبب وصفها ذات تأثير كبير على القراء، هاهي ذي تخاطب الطير لتعرفه على إحساسها بالوحدة وبالحزن اللذين أمضا قلبها وهي ترافق أمها في بلد العلاج:
" أعرفك أنني مكبلة بالوحدة، وكل ما حولي يتسكع على أرصفة سفر طويل.. مثلك تماماً يا من ضللت الطريق مهاجراً تطارده أشباح عالم غريب.. محاصر بالخواء من سفري المشحون بالألم نسجت من حروف الكلمات عباءة أتدثّر بها في لياليّ المرعبة.. تحاصرني وحوش الخوف شاهرة سلاحها، تحركه في كل الاتجاهات، ليت الليل الخائف ينام على وسادة من ريش ناعم، وغطاء دافئ، وأحلام وردية؛ يمر الفجر على العيون المسهدة فإذا هي غفوة من نوم خاطف، حتى امتدت أشعة من ضوء النهار تعود روحك الهائمة ويبدأ همسنا معاً، وليس لنا غيره (120) .
فإحساس الأديبة بالخوف على حياة أمها جعلها تشعر بالقلق والوحشة، وقد عبرت عن هذا بمثل: الوحدة، الشبح، الليالي المرعبة، الليل الخائف، الغفوة الخاطفة.. ومع أن الفكرة بسيطة يسرة إلا أن خيالها المبدع قد صبغها بألوان من الحزن نمّ عن حالتها النفسية وجعلنا نشاركها في أحزانها ومصابها.
ومن الأوصاف ما كان واقعياً، ولا سيما في مجموعتها الأولى الرحيل فالبحر في قصتها " الصمت الصاخب ":" يرسل إشاراته التحذيرية واحدة تلو الأخرى، شاهراً أسلحته أمواجاً صاخبة تنطلق مسرعة نحونا " والفتاة تعبر عن رؤيتها فتقول: " لا بد من اللحاق بوالدي.. الدقائق تمر من عمر الساعة، ودقات قلبي تزداد سرعة واضطراباً، تتلاحق أنفاسي، ومن حولي تكاثفت المخاوف من هول هذا الاتساع الموحش "(121) .
فالبحر هنا هائج يحذر الناس منه، وكأن مدّه صار إنذاراً أدى إلى خوف البطلة وإحساسها بأن الزمن يمر بسرعة على غياب أبيها ولا بد من اللحاق به لإنقاذه.. وهذا كله يحدث في بيئة صحراوية وبحرية معاً، ولكن الذي لا أراه واقعياً هو أن تذهب الفتاة في هذه العاصفة للبحث عن أبيها.
وهناك وصف آخر لواقع مادي ينم عن التغيرات الحضارية بدا في قصة " هواجس " فأبواق السيارات ترتفع، والمحلات صار لها واجهات زجاجية، ووجوه الناس ملونة وحركة المرور مختنقة، وأشجار النخيل وسط الشوارع العريضة تمتد بقامتها الطويلة (122) ، وهذا كله يشير إلى التطور الحضاري المادي لمجتمع الإمارات يقابله ضيق نفسي لذويها بسبب تأثير التركيبية السكانية على أوضاعها.
أما وصف الطبيعة فقد وظفته القاصة ليخدم الفكرة، فالشمس في قصتها " القرار الأخير "، " ترسل أشعتها الناعسة ترسم خيوطاً ذهبية، وتتزاحم في الأفق ألوان من الشفق الأحمر الذي يبعث في النفس راحة وطمأنينة، وتنساب في حقه لتملأ المكان وتلاعب أمواجها رمال الشاطئ في فرح " وهذا يناسب الغضبة الحمراء التي كان عليها جاسم من مطلب قرينته الثانية، ثم الطمأنينة التي أحس بها حين اتخذ قراره الأخير إزاء مريم إن أصرت على موقفها من زوجه الأولى.
ج - الحوار:
وهو جزء لا يتجزأ من نسيج القصة، وقد عمدت الأديبة إليه لتعرض به فكرة أو حدثاً أو تنميه وتطوره، أو ترسم به شخصية، وكان وسيلة لاستهلال بعض القصص كما في" للجدران آذان " إذ طالعتنا القصة بحوار جرى بين السجان وسجينه عرفنا من خلاله أن السجين كان بريئاً، وأنه سيفرج عنه (123) .
وقد تتخذّ " الناخي " الحوار لتنمية الحدث، ففي قصة " رماد " عرفنا إصابة الرجل، وتذمر الأسرة من الأوضاع الراهنة، واحتلال الجنود للمنازل، والانفجار الهائل عن طريقه (124) وفي " الصمت الصاخب " أدركنا المأزق الحرج الذي كانت فيه الأسرة وهي في طريق سفرها إذ تحركت شفتا السائق متمتماً بكلام غير مسموع، غير أن الوالد فاجأه بسؤال غير منتظر:
" ماذا تقول؟
أشعر بقلق.
لماذا؟
البحر.
ما به.
هو في طريقه إلينا.
ماذا؟
انظر هناك.. أتراه، سيداهمنا.. ما العمل؟
فلنتوقف وننتظر.
وانتابته رجفة فبدأ يخفف من اندفاع السيارة.
أوقف السيارة.
وخيمت لحظة صمت.
لقد صدق حدسي.
شعوري الداخلي لا يخطئ " (125) .
فهذا الحوار الذي داربين السائق ورب الأسرة أطلعنا على حدث جديد وهو أن تيار الموج بدأ يهجم على الطريق، وأن الخطر بدأ يحيق بالمسافرين، وقد أدى هذا إلى النهاية المفجعة التي آلت إليها هذه الرحلة البرية، وبذلك يكون للحوار دوره في تطوير الحدث ودفعه نحو الخاتمة.
وكان بعضه يكشف عن التغيير الاجتماعي في الإمارات كما في قصة " هواجس " إذ عرفنا من الحديث الذي داربين خلفان وأخيه رغبة الصغير في رؤيا الأفلام المكسيكية وإن كان لا يدرك خطرها لصغر سنه، وتغير وجبات الطعام اليومية بالأكل في المطاعم..
ولعل من أهم أدوار الحوار عرض نفسيات الشخصيات، ففي " أحزان ليل " لا حظنا الخوف الذي انتابها من تأخر عودة الخفير، ولهذا قالت:
" تأخر كثيراً.
سقطنا في الفخ.
فخ.
أجاب وهو يرتجف:
شيء مخيف.
ماذا تقصد؟
تكلم.
أتقول الحقيقة.
...................
ماذا تقول؟
...................
لا، لا يمكن أن يحدث هذا.
إنك تلعب بأعصابنا ".
فالحوار الذي دار كشف لنا ذعر الناس من صوت الإنذار، ثم من تأخر الخفير.. فشارك بذلك في إحساسنا بالخطر الذي تتعرض له البلاد، وفي تنمية الوعي ضد العدوان الخارجي.
ولكن بعض القصص خلت من الحوار كقصة " القرار الأخير " إذ جاءت بلسان السرد بلهجة الغائب، وقل حوار بعضها الآخر " كأنامل على الأسلاك ".
ويمكنني أن أقول إن الأديبة في مجموعتها الثانية كانت أقدر على استخدام الحوار أداة فنية تخدم بناء القصة، وهذا يدل على تطور في فنية القصة عند شيخة الناخي.
د - السرد والتقرير:
اتكأت الأديبة على السرد في معظم قصص مجموعتها الأولى " الرحيل " وقل في " رياح الشمال " ولكن اللغة الشاعرية فيها جعلته مقبولاً، وقد عرضت به حوادثها في اثنتي عشرة قصة، وجاء معه بعض التقرير ليحكي رأي القاصة في أمر ما من أمور مجتمعها، وذلك على نحو قولها في " الرحيل ":
" أي حياة هذه التي ستحياها؟ فمجتمعها قاس وعنيد لا يقيم وزناً للفتاة، إذاً فهي لا تملك من أمر حياتها سوى الأحلام والأوهام "(126)، وكقولها أيضاً:" فهذا الوالد من ذاك المجتمع المتكالب على المادة، وهو يريد لابنته زوجاً ثرياً لا شاباً فقيراً كسعيد"(127) .
وهذا التقرير من عيوب القصة، ذلك لأن الكاتب لا يتدخل تدخلاً مباشراً بالشرح أو بالتعليق، وإنما يوجه الحوادث لتفهم الفكرة من خلالها، إلا إن قصد الغوص إلى أعماق الشخصية، ولو أوردت القاصة الفكرة على لسان شخصية ما لكانت أفضل وأجود.
الخاتمة
وأخيراً..
فقد وجد الأدباء، ومنهم شيخة الناخي، أن القصة القصيرة مجال خصب لعرض الأفكار التي يرغبون، سياسية كانت أم اجتماعية، فاتخذوها مطية لتصوير معاناة المرأة خاصة، من زوج أهمل الأسرة والولد وشغل بلهوه مع صحبه، أو أب انصاع لزوجه الثانية..، في مجتمع لا يقدرها حق قدرها، وقد عرضت الأديبة هذه المآسي بريشة المصلحة الاجتماعية لتنير للأجيال الدرب القويم بأسلوب مشوق جذاب وهذه مهمة الأديب في الحياة، ولا سيما ممن وعي الإسلام حق وعي.
وقد ربأت القاصة عن أن تجعل المرأة من سقط المتاع، واتخذت من الأسلوب العف، واللفظ المهذب نهجها في قصصها، فأرتنا المرأة الإماراتية على حقيقتها، لا كما فعلت صاحبتها أمينة عبد الله وسلمى سيف مطر، فنبهت بذلك الأجيال إلى الأخطاء والهفوات في طهر ونقاء.. وحققت بذلك ما يهفو إليه الجيل من قصص هادف، يرتقي بالبلاد حضارياً واجتماعياً وثقافياً، وتلك من أهم عوامل الصدق الفني (128) ، ونحن في أمس الحاجة إلى مثل هذا اللون الأدبي الجديد.
ولا ننسى الدور الهام الذي كان لأدبها في إغناء المكتبة الخليجية بآداب رفيعة في مضمونها وشكلها – إجمالاً – وإغناء المكتبة العربية بل والإنسانية عامة.
…
الحواشي والتعليقات
(1)
ينظر: بوشعير: الرشيد: الشعر العربي الحديث في منطقة الخليج، ط 1418هـ / 1997م، دار الفكر المعاصر بيروت لبنان، دار الفكر دمشق سوريا. ومجلة الرافد عدد خاص بالقصة القصيرة (ملف القصة القصيرة شهادات ورؤى) الشارقة ص 22، وفيه يذكر أن نسبة القاصات في المجموعة القصصية " كلنا 00كلنا 00كلنا نحب البحر " كانت 35 % من مجموع القصاص المشاركين.
(2)
ينظر: ملكاوي: ثابت: الرواية والقصة القصيرة في الإمارات نشأة وتطور منشورات المجمع الثقافي في أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة ص 27.
(3)
ينظر عبد الملك: بدر: القصة القصيرة والصوت النسائي في دولة الإمارات العربية المتحدة 1995م منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات – الشارقة –ص 5.
(4)
ينظر: مريدن: عزيزة: القصة الشعرية الحديثة في العصر الحديث 1404هـ/1998م دار الفكر دمشق سوريا.
(5)
…
مجلة الرافد عدد خاص بالقصة القصيرة /150
(6)
بوشعير: الرشيد: مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية 1998 ن ويرى المؤلف أن هذا هو سبب حرقها ومنعها لا هجومه على الإنكليز كما ورد في كتاب ثابت الملكاوي الرواية والقصة القصيرة في الإمارات ص 118 ن لأن الاستعمار كان قد خرج من الإمارات وأبيحت إدانته.
ينظر مجلة الرافد ع خاص ص 19
ينظر: عبد الملك: بدر: القصة القصيرة والصوت النسائي/ 30-37.
نفسه / 40-58
بوشعير: الرشيد: مدخل إلى القصة القصيرة ص/8، وفيه أن عبد الله صقر نشر قصته "قلوب لاترحم" في نادي النصر الرياضي في أواخر الستينات، ولكنه لم ينشر هذه القصة في مجموعته الأولى التي صدرت في 1975م، وهذا يعني أنها كانت أشبه بمقالة قصصية لم يعترف بها بعد، أما قصصه في مجموعته الأولى (الخشبة) فقد أرخت بين (1974-1975) على حين كتبت شيخة الناخي أولى قصصها 1970 كما ذكر في مجموعة (كلنا 00كلنا000كلنا نحب البحر) التي صدرت عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، كما أنها شاركت بها في المسابقة الأدبية التي نظمتها وزارة الشباب بالإمارات 1972م، وفازت بالجائزة الأولى فيها.
ينظر رشدي: رشاد: فن القصة القصيرة 1982م دار العودة بيروت ط2: ويعرف من خلال عرضه لعناصر القصة في ص / 29،50،82،97.
الناخي: شيخة: الرحيل مجموعة قصصية 1992م، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ص 11.
تحار الأديبة بين خاتمتين للقصة، فقد ظهرت في طبعتها الأولى 1970م تتحدث عن انتحار البطلة تحت عجلات سيارة مسرعة، وفي طبعة 1992م أنهتها بالدهشة فحسب، ينظر لذلك في: بوشعير: الرشيد: مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية /19-20.
الناخي: شيخة: من المجموعة القصصية الرحيل / 51
نفسه / 19
نفسه / 43
نفسه / 25
نفسه / 59
الناخي: شيخة: من المجموعة القصصية رياح الشمال 1992 منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات /75
بوشعير: الرشيد: مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية /15، وقد عايشت هذه الظروف السياسية التي مرت على البلاد، واطلعت على ما كتب في الصحف من أخطار ما تطلبه الأمم المتحدة من تجنيس، وعلى وقفة الإماراتيين الحميدة والقوية أمام هذا الخطر الداهم على بلادهم.
الناخي: شيخة: رياح الشمال / 83
نفسه / 84
نفسه / 78
نفسه / 77
نفسه / 67
نفسه / 53
نفسه / 65
في الحديث الذي أجريته معها في 31/10/2000م
كما رأيتها من خلال الحديث المذكور معها، أو من خلال قرائن تشير إلى ذلك.
الناخي: رياح الشمال /37
نفسه / 45
إذ لم تصرح الأديبة بذلك على عادتها في تعمية العدو وزمانه ومكانه لتكون دلالة القصة عامة تصلح لكل زمان ومكان.
رياح الشمال /27
نفسه /87
نفسه /63
رشدي: رشاد: فن القصة القصيرة / 15 وما بعدها
نفسه / 15 وما بعدها
نفسه / 15
الأدب الإسلامي يهتم بقضايا الأمة ويواجه مشكلاتها بطريقة جادة يلتزم فيها نظرة الإسلام إلى الحياة، ويعرض بالكلمة الطيبة المعبرة والمؤثرة ما يراه ويوجه نحو ما يجب أن يكون برؤية إسلامية أيضا: ينظر لذلك: د. قصاب: وليد: في الأدب الإسلامي 1419هـ 1988م دار القلم دبي ص/ 91، و: د. القاعود: حلمي محمد: الواقعية الإسلامية في روايات نجيب الكيلاني 1996 دار البشير عمان الأردن ص / 131، والقبسي: عودة الله منيع: تجارب في النقد الأدبي التطبيقي 1405هـ /1985م دار البشير عمان الأردن ص 94
الناخي: مجموعة الرحيل /9
نفسه / 59
ينظر لذلك الصفحات الآتية من: الرحيل9،33،95، ومن رياح الشمال 7 و 51
رياح الشمال / 25 ويشبهها في ذلك قصتا أحزان ليل، ولا تكن جلادا في مجموعة رياح الشمال ص 17و43
و (45) الرحيل / 19و53
(46)
ينظر لذلك: نجم: محمد يوسف: 1996 دار صادر بيروت، ودار الشروق عمان – الأردن / 50
(47)
الرحيل / 14-15 ومثلها في قصة " وكان ذلك اليوم " في المرجع نفسه /35
(48)
رياح الشمال / 14-15
(49)
هي حسب تسلسل صفحات ورودها في الرحيل / 9 و 41 ورياح الشمال / 25
(50)
الرحيل 75
(51)
رياح الشمال / 17
(52)
الرحيل/49
(53)
نفسه /65
(54)
رياح الشمال / 28-29، وينظر لمثلها في المجموعة نفسها في قصتي حطام المخاوف / 51، ولا تكن جلادا / 43، وفي: أنامل على الأسلاك في مجموعة الرحيل / 27.
(55)
الرحيل / 41
(56)
نفسه / 65
(57)
رياح الشمال / 73
(58)
نفسه / 45
(59)
الرحيل / 59
(60)
نفسه / 31، وينظر لمثلها في المجموعة نفسها في قصتي " وكان ذلك اليوم " /33، و" القرار الأخير " ص 59، وفي مجموعة رياح الشمال في قصتي إعصار / 25، وأحزان ليل ص 17
(61)
كما في قصص مجموعتها الرحيل: أنامل على الأسلاك / 25، وكان ذلك اليوم /33 والقرار الأخير ص 59
(62)
من مجموعة رياح الشمال / 16
(63)
نفسه/50
(64)
نفسه / 84
(65)
يعرف د. محمد يوسف نجم العنصر السائد في القصة بأنه الأثر الذي تخلفه في نفوس القراء، وينتج عن سيادة الحدث أو الشخصبة أو البيئة أو الفكرة، ينظر لذلك فن القصة /13
(66)
ينظر أمين: أحمد: النقد الأدبي جزءان 1972منشر مكتبة النهضة المصرية ط4/ 123
(67)
الرحيل وبالتتابع /9،27،25،43
(68)
رياح الشمال / 39
(69)
نفسه 46-47
(70)
جريدة الخليج، الإمارات العربية المتحدة ع 7695 تاريخ 13/7/2000م
(71)
ينظر له: الحوراني: رامز: نشوء النقد الأدبي وتطوره، جزءان 1996م جامعة سبها الإدارة العامة للمكتبات الدار العربية للنشر والتوزيع القاهرة مصر ج2/83
(72)
نفسه 2/78
(73)
نفسه / 85
(74)
رياح الشمال / 59
(75)
الرحيل / 25
(76)
رياح الشمال / 25
(77)
الرحيل/17
(78)
نفسه / 49
(79)
نفسه/25
(80)
الشخصية المستديرة هي التي تتغير سلوكياتها وتدهشنا في أعمالها، وتستطيع أن توقظ فينا المشاعر، ينظر لذلك في فورستر: أركان القصة /90
(81)
كما في مجموعة الرحيل: قصة حصار / 49
(82)
مجموعة الرحيل / 17
(83)
نفسه: قصة رحلة الضياع / 49
(84)
نفسه / 9
(85)
نفسه /41
(86)
من مجموعة رياح الشمال / 43
(87)
الرحيل/9
(88)
نفسه/17
(89)
نفسه 49
(90)
نفسه/ 59
(91)
نفسه / 41
(92)
نفسه /17
(93)
رياح الشمال /35
(94)
نفسه/43
(95)
نفسه 61
(96)
نفسه/ 25
(97)
رشدي: رشاد: فن القصة القصيرة / 100-103
(98)
هلال: محمد غنيمي: النقد الأدبي الحديث 1987 بيروت / 614-627
(99)
مجموعة الرحيل /33
(100)
نفسه / 77
(101)
رياح الشمال / 73
(102)
نفسه / 27-28
(103)
الحروف الانفجارية هي (ب-ت-د-ط- ض- ق- ك) ينظر لذلك:د. نور الهدى لوشن: علم الدلالة دراسة وتطبيق 1995م، منشورات جامعة قار يونس – بنغازي- ليبيا / 73و76، ومن الحروف الجزلة: الجيم والميم.
(104)
رياح الشمال /21-22
(105)
ينظر إلى هذا الرمز في كتاب فضل: صلاح: نظرية البنائية في النقد الأدبي 1419هـ1998م، دالا الشروق، القاهرة ص 254
(106)
في حديثي معها في 31/10/2000م
(107)
رياح الشمال / 65
(108)
دلالات الألفاظ لها علاقات مع بعضها بعضا منها علاقات التضاد والتماثل والترادف والتنافر و000: ينظر لذلك في: د. لوشن: نور الهدى علم الدلالة / 117-119م
(109)
علم الدلالة 101
(110)
رياح الشمال / 45-46
(111)
نفسه/ 67و85
(112)
نفسه / 22 وهو مقتبس من قوله تعالى (تكاد تميز من الغيظ) : (تبارك /8)
(113)
نفسه / 19 " "" " " (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده: (النمل/ 18)
(114)
نفسه / 20 وهو مقتبس من قوله تعالى:" وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا "(الكهف / 19)
(115)
ينظر لصحة هذه المعلومات في ابن منظور: لسان العرب، ومغني اللبيب وجامع الدروس العربية للرافعي /26
(116)
رشدي: رشاد: فن القصة القصيرة 115
(117)
رياح الشمال /7 5
(118)
الرحيل / 44
(119)
نفسه 55-56
(120)
رياح الشمال / 54
(121)
الرحيل / 71
(122)
ينظر رياح الشمال / 76-77
(123)
نفسه/37
(124)
نفسه /7
(125)
الرحيل/ 69-70
(126)
و (127) نفسه / 12و 15
(128)
ينظر: مريدن: عزيزة: القصة القصيرة في العصر الحديث / 19، ولوي كابانس: جان: النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، ترجمة فهد عكام 1402هـ 1982م دار الفكر دمشق.