المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خطبة في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا - مجموع فتاوى ورسائل العثيمين - جـ ٦

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌شرح ثلاثة الأصول

- ‌ترجمة الشارح

- ‌الثانية: العمل به

- ‌ يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث مسائل والعمل بهن

- ‌ المسألة الثانية مما يجب علينا علمه أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد

- ‌ المسألة الثالثة مما يجب علينا علمه الولاء والبراء

- ‌أعظم ما أمر الله به التوحيد

- ‌ أعظم ما نهى الله عنه الشرك

- ‌ الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها

- ‌أنواع العبادة

- ‌ الإيمان بالبعث

- ‌ الكفر بالطاغوت

- ‌من ادعى شيئا من علم الغيب

- ‌من حكم بغير ما أنزل الله

- ‌خطب في العقيدة

- ‌خطبة في شرح بعض أسماء الله الحسنى

- ‌خطبة في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا

- ‌خطبة في الحث على الإيمان بأسماء الله تعالى

- ‌خطبة في ذكر بعض آيات الله الكونية

- ‌خطبة في ذكر بعض آيات الله الكونية أيضا

- ‌خطبة في بيان بدعة عيد المولد

- ‌خطبة في ذكر شيء من آيات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌خطبة في ذكر شيء من آيات الرسل الكرام

- ‌خطبة في الدجال ونزول عيسى ابن مريم

- ‌خطبة في ذكر يأجوج ومأجوج

- ‌خطبة في ذكر عدد من أشراط الساعة

- ‌خطبة في حكم الإيمان بالقدر

- ‌خطبة في حكم الإيمان بالقدر وكيفيته أيضا

- ‌خطبة في كمال الإسلام ويسره وسهولته

- ‌خطبة في حماية الإسلام للدين والنفس والعرض والمال

- ‌خطبة في شكر نعمة الإسلام بالعمل به

- ‌خطبة في تحقيق التوحيد وتخليصه من شوائب الشرك

- ‌خطبة في حقيقة الإيمان وعلاماته

الفصل: ‌خطبة في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا

‌خطبة في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا

الحمد لله العلي الأعلى الكامل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من سوء المأوى وآمل بها الفوز بالنعيم المقيم والدرجات العلا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى - صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه النجباء وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم المعاد والجزاء وسلم تسليما.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعرفوا ما لله تعالى من الأسماء والصفات فإن معرفة ذلك زيادة في الإيمان وبصيرة في دين الله وعرفان، ولله تعالى تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة ألا وإن من إحصائها أن يعرف العبد لفظها ومعناها ويتعبد لله تعالى بموجبها ومقتضاها.

فمن أسمائه تعالى (الحي القيوم) وهو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى فهو الحي الكامل في حياته حياة لم يسبقها عدم ولا يلحقها زوال، فهو الحي الذي لا يموت وهو الباقي وكل من عليها فان، أما القيوم فهو الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع خلقه. وفي الحديث القدسي أن الله تعالى يقول:«يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر»

ص: 170

«قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر ذلك بأني جواد واجد ماجد أفعل ما أريد، عطائي كلام وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له: كن فيكون» .

وللقيوم معنى آخر وهو القائم على غيره فكل ما في السماوات والأرض فإنه مضطر إلى الله لا قيام له ولا ثبات ولا وجود إلا بالله {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} . ومن أسمائه تعالى (العليم) الذي يعلم كل شيء جملة وتفصيلا فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} . {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} .

ومن أسمائه تعالى (القدير) ذو القدرة الكاملة فما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون أرأيتم كيف خلق هذا الكون

ص: 171

العظيم في ستة أيام ثم استوى على العرش خلق هذا الكون بأرضه وسمائه وشمسه وقمره وبحره وبره ووهاده وجباله وأنهاره وبحاره وبقوله وأشجاره ورطبه ويابسه وظاهره وباطنه، خلق هذا الكون على أحسن نظام وأتمه لمصالح عباده، خلقه كله في ستة أيام ولو شاء لخلقه بلحظة ولكنه حكيم يقدر الأمور بأسبابها.

أيها المسلمون إن ما غاب عنا من مشاهد قدرته أعظم وأعظم بكثير مما نشاهده فلقد جاء في الحديث: «إن السماوات السبع والأرضين السبع بالنسبة إلى الكرسي الذي وسع السماوات والأرض كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وإن نسبة هذا الكرسي إلى العرش كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض» فسبحان الله العلي الكبير القوي القدير.

ومن أسمائه تعالى (السميع البصير) يسمع كل شيء ويرى كل شيء لا يخفى عليه دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث، إن جهرت بقولك سمعه وإن أسررت به لصاحبك سمعه وإن أخفيته في نفسك سمعه وأبلغ من ذلك أنه يعلم ما توسوس به نفسك وإن لم تنطق به. إن فعلت فعلا ظاهرا رآك وإن فعلت فعلا باطنا ولو في جوف بيت مظلم رآك، وإن تحركت بجميع بدنك رآك وإن حركت عضوا من أعضائك رآك وأبلغ من ذلك أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

ص: 172

ومن أسمائه تعالى (الرحمن الرحيم) فكل ما نحن فيه من نعمة فهي من آثار رحمته، معاشنا من آثار رحمته وصحتنا من رحمته وأموالنا وأولادنا من رحمته. الليل والنهار والمطر والنبات من رحمته. الأمن والرغد من رحمته. إرسال الرسل وإنزال الكتب من رحمته. {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} بارك الله لي ولكم

إلخ.

ص: 173

خطبة في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا

الحمد لله المتفرد بكمال الصفات المتنزه عن العيوب والنقائص والآفات، خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ولو شاء لخلقها في لحظات، له الملك وله الحمد وله الخلق وله الأمر في جميع الأوقات، فسبحانه من إله عظيم وملك رب رحيم ولطيف بالعباد عليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته والأسماء والصفات وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى على جميع البريات صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان مدى الأوقات وسلم تسليما.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعرفوا ما له من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا فإن معرفة ذلك زيادة في الإيمان وتثبيت على الحق وإيقان وعبادة لله على بصيرة وبرهان، فمن أسماء الله تعالى (الملك) وهو ذو السلطان الكامل والملك الشامل المتصرف بخلقه كما يشاء من غير ممانع ولا مدافع؛ ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها له الملك المطلق لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير، بيده ملكوت السماوات والأرض يحيي ويميت يغني فقيرا ويفقر غنيا ويضع شريفا ويرفع وضيعا ويوجد معدوما ويعدم موجودا

ص: 174

ويبتلي بالنعم ويبتلي بالمصائب ليبلو عباده أيشكرون النعمة أم يكفرون وهل يصبرون على المصائب أو يجزعون يقلب الله الليل والنهار بالرخاء والشدة والأمن والمخافة كل يوم هو في شأن، ملكه ظاهر في السماوات وفي الأرض ويظهر تماما حينما يتلاشى الملك عن كل أحد حينما يعرض الخلائق عليه فرادى كما خلقوا أول مرة {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} .

ومن أسمائه تعالى (الجبار) وله ثلاثة معان: جبر القوة، وجبر الرحمة، وجبر العلو. فأما جبر القوة فهو تعالى الجبار الذي يقهر الجبابرة ويغلبهم بجبروته وعظمته فكل جبار وإن عظم فهو تحت قهر الله وجبروته وفي يده وقبضته.

وأما جبر الرحمة فإنه سبحانه يجبر الضعيف بالغنى والقوة ويجبر الكسير بالسلامة ويجبر المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها وإحلال الفرج والطمأنينة فيها، وما يحصل لهم من الثواب والعاقبة الحميدة إذا صبروا على ذلك من أجله.

أما جبر العلو فإنه سبحانه فوق خلقه عال عليهم وهو مع علوه عليهم قريب منهم يسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ويعلم ما توسوس به نفوسهم.

ومن أسمائه تعالى (القدوس السلام) فأما القدوس فهو الذي تقدس وتعالى عن كل نقص وعيب، فالنقص لا يجوز عليه

ص: 175

ولا يمكن في حقه لأنه تعالى الرب الكامل المستحق للعبادة.

وأما السلام فهو السالم من كل نقص وعيب ومن مماثلة المخلوقين، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وفي الحديث أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون قبل أن يفرض عليهم التشهد: السلام على الله من عباده، السلام على جبريل، السلام على فلان وفلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تقولوا: السلام على الله من عباده فإن الله هو السلام» .

أيها الناس: تفكروا في أسماء الله وصفاته واعرفوا معناها وتعبدوا لله تعالى بها وانظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله فيهما من الآيات الدالة عليه التي هي مقتضى أسمائه وصفاته، فإن في كل شيء له آية تدل على أنه واحد.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.... إلخ.

ص: 176

خطبة في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا

الحمد لله العلي الأعلى الكامل في الأسماء الحسنى والصفات العليا رب السماوات ورب الأرض ورب الآخرة والأولى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والجود الذي لا يحصى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من تعبد الله ودعا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى وسلم تسليما.

أما بعد: أيها الناس اتقوا الله تعالى واعلموا أن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، وإحصاؤها معرفة لفظها ومعناها والتعبد لله بها، فمن أسمائه تعالى:(الله، الحي، القيوم، العليم، القدير، السميع، البصير، الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم، القوي، الملك، القدوس، السلام، الجبار) ، ومن أسمائه تعالى (المتكبر) أي ذو الكبرياء والعظمة، فالكبرياء وصفه المختص به فليس لأحد من المخلوقين أن ينازعه في ذلك ومن نازعه في الكبرياء أذاقه الله الذل والهوان، والمتكبرون يحشرون يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم.

ومن أسمائه تعالى (الخالق) الذي خلق السماوات والأرض وما فيهما من المصالح وما بينهما من المخلوقات خلقها الله تعالى كلها في ستة أيام وأحسن خلقها وأكمله ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ولا تناقض

ص: 177

{فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} {يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} : ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة غشاء الجنين في بطن أمه ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو فأنى تصرفون، يقدر لكم في ذلك الموضع من الغذاء ما لا يستطيع أحد أن يوصله إليكم وذلك بواسطة السرة المنغرسة في عروق الرحم فتمتص من الدم ما يتغذى به جسم الجنين ولا يحتاج معه إلى البول والغائط فسبحان الله رب العالمين.

خلق الله تعالى كرسيه وعرشه وهما من أعظم المخلوقات، فالكرسي وسع السماوات والأرض، وما السماوات السبع والأرضون السبع بالنسبة إليه إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، والعرش استوى عليه الرحمن وهو أعظم المخلوقات وأعلاها، وما الكرسي بالنسبة إليه إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض.

أيها المسلمون: إن هذه المخلوقات العظيمة وما فيها من الإتقان والكمال لتدل دلالة ظاهرة على عظمة خالقها وكماله وأنه أتقن كل شيء وأحسن كل شيء خلقه فتبارك الله أحسن الخالقين.

ومن أسماء الله تعالى (الرزاق) الذي عم برزقه كل شيء، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها. رزق الله الأجنة في

ص: 178

بطون الأمهات والحيتان في قعار البحار والسباع في مهامه القفار والطيور في أعالي الأوكار، ورزق كل حيوان وهداه لتحصيل معاشه، فأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، ولو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو في الصباح خماصا جائعة ثم تروح في المساء بطانا ممتلئة بطونها بما يسر الله لها من الرزق والأقوات؛ ومن رزق الله تعالى ما يمن الله به على من شاء من خلقه من حسن الخلق وسماحة النفس، ومن رزقه تعالى ما يمن الله به على من يشاء من العلم النافع والإيمان الصحيح والعمل الصالح الدائب، وهذا أعظم رزق يمن الله به على العبد {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} .

وهو سبحانه المعطي المانع فكم من سائل أعطاه سؤله، وكم من محتاج أعطاه سؤله، وكم من محتاج أعطاه حاجته ودفع ضرورته؛ وإنه تعالى ليستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا، وكم منع سبحانه من بلاء انعقدت أسبابه فمنعه عن عباده ودفعه عنهم، فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع وهو سبحانه الذي بيده النفع والضر، إن جاءك نفع فمن الله وإن حصل عليك ضر لم يكشفه سواه ولو اجتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمع الناس على أن يضروك بشيء لا يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، فربك هو المدبر المتصرف بخلقه كما يشاء فالجأ إليه عند

ص: 179

الشدائد تجده قريبا، وافزع إليه بالدعاء تجده مجيبا وإذا عملت سوءا أو ظلمت نفسك فاستغفره تجده غفورا رحيما.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} بارك الله لي ولكم

إلخ.

ص: 180

خطبة في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا

الحمد لله العلي الأعلى الكامل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة من سوء المأوى ونؤمل بها الفوز بالنعيم المقيم والدرجات العلا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه النجباء وعلى التابعين لهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء وسلم تسليما.

أما بعد: فإن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة وإحصاؤها هو معرفة لفظها ومعناها والتعبد لله بمقتضاها فاتقوا الله أيها المسلمون وحققوا هذه الأسماء وما تدل عليه من الصفات العظيمة والمعاني الجليلة لتعبدوا ربكم على بصيرة فإنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.

أيها الناس: في هذه الخطبة سنتكلم على ثلاثة أسماء من أسماء الله، فمن أسماء الله تعالى (العزيز) فلله العزة جميعا ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، فهو العزيز الذي لا يغلب فما من جموع ولا أجناد ولا قوة إلا وهي ذليلة أمام عزة الله، ذلت لعزته الصعاب ولانت لقوته الشدائد الصلاب {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} . {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} .

ومن أسماء الله تعالى (الحكيم) فهو سبحانه الحاكم والخلق

ص: 181

محكومون، له الحكم كله وإليه يرجع الأمر كله، يحكم على عباده بقضائه وقدره ويحكم بينهم بدينه وشرعه ثم يوم القيامة يحكم بينهم بالجزاء بين فضله وعدله فلا حاكم إلا الله ولا يجوز تحكيم قانون ولا نظام سوى حكم الله {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} . فهو سبحانه الحاكم على عباده لا راد لحكمه وقضائه ولا حكم فوق حكمه.

وللحكيم معنى آخر وهو ذو الحكمة. والحكمة ضد السفه فهي وضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها، ولذلك كانت أحكام الله الكونية والشرعية والجزائية مقرونة بالحكمة ومربوطة بها، فلم يخلق سبحانه شيئا عبثا ولم يترك خلقه سدى لا يؤمرون ولا ينهون ولا يثابون ولا يعاقبون، فما أعطى الله شيئا إلا لحكمة، وما منع شيئا إلا لحكمة ولا أنعم بنعمة إلا لحكمة ولا أصاب بمصيبة إلا لحكمة وما أمر الله بشيء إلا والحكمة في فعله والتزامه، ولا نهى عن شيء إلا والحكمة في تركه واجتنابه. يقول الله تعالى مقررا هذه الصفة العظيمة صفة الحكمة:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} .

ص: 182

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} . {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} . {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} .

أيها المسلمون: لقد تبين أن للحكيم معنيين:

أحدهما: الحاكم الذي له الحكم المطلق الكامل من جميع الوجوه.

والثاني: أنه ذو الحكمة الذي لم يخلق شيئا عبثا ولم يشرع شيئا باطلا ولم يجز عاملا إلا بما عمل، المحسن بالإحسان والمسيء بمثل سيئته.

وله معنى ثالث وهو المحكم الذي أحكم كل شيء خلقه فما في خلق الرحمن من تفاوت ولا تناقض ولا خلل. صنع الله الذي أتقن كل شيء، وليس في شرعه من تناقض ولا اختلاف، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.

ومن أسماء الله تعالى (القوي) والقوة ضد الضعف فهو سبحانه وتعالى يخلق المخلوقات العظيمة من غير ضعف لم يزل ولا يزال قويا والخلق ضعفاء، ضعفاء في ذاتهم وضعفاء في أعمالهم يقول الله تعالى مقررا هذه الصفة العظيمة:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} يعني من تعب ولا ضعف فهو القوي ذو القوة الكاملة والخلق ضعفاء

ص: 183

مهما بلغت قوتهم {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} ، وهؤلاء عاد إرم ذات العماد والقوة، كان بعضهم يحمل الصخرة العظيمة من غير مبالاة حتى بلغ بهم الغرور أن قالوا: من أشد منا قوة فقال الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} . فكل قوة مهما عظمت فهي ضعيفة أمام قوة الخالق العظيم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

إلخ.

ص: 184