الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسائل وردت إلى الشيخ حسن بن حسين من الأخ عبد الله
…
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يقول الحق، وهو يهدي السبيل، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الهادي إلى الدليل.
من حسن بن حسين إلى الأخ عبد الله، وفقه الله تعالى، وسدده.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والخط المشتمل على السؤال وصل، وهذا صورته متبوعا بجوابه:
[اقتراض النقود وردها]
(المسألة الأولى): رجل عنده لآخر جدد حال كونه صرف الريال خمس من الجدد؛ فطالت المدة حتى بلغ صرف الريال هذا المبلغ، وطلب صاحب الحق حقه من الغريم، فهل يحكم له بالقيمة حال الاستدانة أو القرض أم ليس له إلا الجدد التي وقع العقد عليها؟
(فالجواب): قال في شرح المفردات عند قول الناظم -رحمه الله تعالى-:
والنص بالقيمة في بطلانها
…
لا في ازدياد القدر أو نقصانها
ما لفظه: أي: إن النص إنما ورد عن الإمام أحمد فيما إذا أبطله السلطان، فمنع المعاملة بها لا فيما إذا زادت قيمتها أو نقصت مع بقاء التعامل بها، وعدم تحريم السلطان لها؛ فيرد مثلها سواء غلت، أو رخصت أو كسدت، وسواء كان الغلاء والرخص كثيرا بأن كان عشرة بدانق، فصارت عشرين بدانق، وعكسه أو قليلا، لأنه لم يحدث فيه شيء إنما تغير السعر، فأشبه الحنطة إذا رخصت أو غلت قال:
والشيخ في زيادة أو نقص
…
مثلا كقرض في الغلا والرخص
أي: وقال الشيخ الموفق: إذا زادت قيمة الفلوس أو نقصت، رد مثلها كما لو افترض عرضا مثليا كَبُرٍّ وشعير، ونحاس، وحديد فإنه يرد مثله، ولو
غلا أو رخص، لأن غلو القيمة ونقصانها لا يسقط المثل عن ذمة المستقرض، فلا يجب المطالبة بالقيمة، وهذا معنى ما تقدم من أن نص الإمام بالقيمة إنما هو إذا أبطل السلطان المعاملة بها لا في زيادة القيمة، أو نقصانها. انتهى.
وحكى فيه مذهب مالك والشافعي والليث القول بالمثل، ثم قال: ولنا أن تحريمها منع إنفاقها، وإبطال ماليتها فأشبه كسرها. انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين في شرح المحرر: إذا أقرضه أو غصبه طعاما فنقصت قيمته فهو نقص النوع، فلا يجبر على أخذه ناقصا، فيرجع إلى القيمة، وهذا هو العدل، فإن المالين إنما يتماثلان إذا استوت قيمتهما، وأما مع اختلاف القيمة فلا تماثل فعيب الدين إفلاس المدين وعيب العين المعينة خروجها عن المعتاد. انتهى. وكلام الشيخ هذا هو الذي ذكره الناظم عنه تخريجا له واختيارا.
فقد عرفت أنه تحصل في المسألة من حيث هي ثلاثة أقوال: التفريق بين ما إذا حرمها السلطان فبطلت المعاملة بها بالكلية، ومثله إن تكسرت أو كسدت فلا يتعامل بها، فالقيمة، وبين ما إذا كان غايته الغلاء والرخص مع بقاء المعاملة بحالها، فالمثل والمثل مطلقا كما هو المنقول عن مالك، والشافعي، والليث. وثالثها اختيار أبي العباس، وهو المعتمد لدينا في الفتوى.
{تنبيه} : في المثلي الذي اختار أبو العباس القيمة فيه أوجه: أصحها أن المثلي ما حصره كيل، أو وزن وجاز السلم فيه؛ فإن وجد أحد الوصفين دون الآخر فليس بمثلي. قاله في مقدمة الحائض 1 وذكر معناه في الروض وغيره من كتب الأصحاب. وعلى هذا فالجدد ليست مثلية، لأنه لا يجوز السلم
1 كذا في الأصل.
فيها لعدم الانضباط، فإنها تختلف بالكبر والصغر والثقل والخفة والطول والصفاء والخضرة وقلة الفضة وكثرتها، وأيضا ففيها فضة؛ ولا يجوز إسلام أحد النقدين في الآخر، لكن رأيته جزم في الإقناع بأن الدراهم المغشوشة مثلية، والجدد مثلها فيما يظهر لي، والله -سبحانه- أعلم.
[رد الدابة المشتراة بعد ركوبها]
(المسألة الثانية): رجل اشترى دابة، واستعملها بركوب، وسقي وغيره، أو نحو ذلك، ثم بان له به عيب قديم فرد المبيع، فهل يرد معه قدر استعماله مدة مقامه عنده، أم لا؟ إلى آخر السؤال.
(الجواب): إذا رد المبيع، فلا يخلو إما أن يكون بحاله، أو يكون قد زاد أو نقص؛ فإن كان بحاله رده، وأخذ الثمن، وإن زاد بعد العقد، أو حصلت له فائدة، فإن كانت الزيادة متصلة كالسمن والحمل والثمرة قبل الظهور، فإنه يرده بنمائه، لأنه يتبع في العقود والفسوخ. وإن كانت الزيادة منفصلة، فإن كانت من غير المبيع كالكسب والأجرة، فهو للمشتري في مقابلة ضمانه، وهو معنى قوله عليه السلام:"الخراج بالضمان"1 ولا نعلم في هذا خلافا.
وروى ابن ماجه عن عائشة أن رجلا اشترى عبدا فاستعمله ما شاء الله، ثم وجد به عيبا فرده فقال: يا رسول الله، استعمل غلامي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الخراج بالضمان"2 رواه أبو داود، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم. وإن كانت الزيادة من عين المبيع كالولد، والثمرة، واللبن، فهو للمشتري أيضا، ويرد الأصل بدونها، وبهذا قال الشافعي إلا أن الولد إذا كان لآدمية لم يملك ردها دونه.
وعنه ليس له رده دون نمائه المنفصل قياسا على النماء المتصل، فإن اشتراها أي: الدابة حاملا فولدت عند المشتري فردها رد ولدها معها؛ لأنها من جملة المبيع،
1 الترمذي: البيوع (1285)، والنسائي: البيوع (4490)، وأبو داود: البيوع (3508)، وابن ماجه: التجارات (2243).
2 الترمذي: البيوع (1285)، والنسائي: البيوع (4490)، وأبو داود: البيوع (3508)، وابن ماجه: التجارات (2243).
والولادة هنا نماء متصل. وإن نقص المبيع فسيأتي حكمه. انتهى من الشرح الكبير، وحكمه أن يرد مع المعيب أَرْش النقص عنده كأن وطئ البكر، أو قطع الثوب، أو هزلت الدابة، ونحو ذلك مما تنقص به قيمته. صرح به في المغني وغيره. قال في شرح الإقناع: لما روى الخلال بإسناده عن ابن سيرين أن عثمان قال في رجل اشترى ثوبا فلبسه ثم اطلع على عيب
…
1 وما نقص، وأجاز الرد مع النقص، وعليه اعتماد أحمد. انتهى. وقال في الإنصاف عند قول المقنع: وعنه ليس له رده دون نمائه: أي: المنفصل، فلو صدر العقد وهي حامل فولدت عنده، ثم ردها رد ولدها معها، وأما إذا حملت وولدت بعد الشراء فهو نماء منفصل بلا نزاع، والصحيح من المذهب أنه لا يردها إلا بولدها فتعين الأرش جزم به في المحرر. انتهى. فقد عرفت أنه إن كان بحاله رده مجانا، وأخذ ثمنه، وإن زاد ففيه التفصيل، أو نقص فإنه يرد معه أرش ما نقص عنده.
[ما يجوز فيه شهادة النساء]
(المسألة الثالثة): ما تقولون في شهادة النساء منفردات عن الرجال؟ وهل القدور والمقتول هما مما تعرفه المرأة مما يقبل فيه شهادتهن منفردات؟ هذا معنى سؤالكم.
(الجواب): قال في المغني في باب القضاء: ولا تقبل شهادتها، ولو كان معها ألف امرأة إن لم يكن معهن رجل. انتهى .. ومراده فيما يطلع عليه غيرهن، وقال في كتاب الشهادة: وفي شهادة النساء شبهة بدليل قول الله تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} 2 وأنه لا تقبل
1 بياض بالأصل.
2 سورة البقرة آية: 282.
شهادتهن، ولو كثرت ما لم يكن معهن رجل، وقال فيه: ولا نعلم خلافا في قبول شهادة النساء في الجملة
…
1 يعني في بعض المسائل كما ذكره الشرّاح، وذلك فيما لا يطلع عليه الرجال غالبا كعيوب النساء تحت الثياب، والبكارة، والثيوبة، والحيض، والولادة، والرضاع، والاستهلال، ونحو ذلك.
حديث عقبة بن الحارث رواه أحمد، وسعيد قال أبو محمد: إلا أنه من رواية جابر الجعفي. قال: وكل موضع تقبل فيه شهادة النساء منفردات فإنه يقبل فيه شهادة المرأة الواحدة، واستدل بحديث عقبة، وبما روي عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة، رواه الفقهاء في كتبهم. وذكر أبو محمد في المقنع في باب اليمين في الدعاوى احتمالا قبول امرأتين ويمين في المال، وما يقصد به المال، وقال الشيخ تقي الدين: لو قيل: يقبل امرأتان، ويمين توجه، لأنهما أقيما مقام رجل في التحمل، ونصره ابن القيم في الإعلام والطرق وغيرهما، وذكره مذهب مالك.
وذكر أبو محمد وغيره أن أبا طالب نقل عن أحمد في مسألة الأسير: يقبل رجل ويمين، واختاره أبو بكر، وعنه في الوصية: إن لم يحضره إلا النساء فامرأة واحدة. وسأله ابن صدقة: الرجل يوصي ويعتق ولا يحضره إلا النساء، تجوز شهادتهن؟ قال: نعم في الحقوق، ذكره في الإنصاف، ولم يُقَيّده، والمجزوم به عند المتأخرين هو الأول، وعليه المعوّل.
وأما قول السائل: وهل القدور والمقتول من عورات النساء الذي لا يطلع عليه الرجال غالبا؟ فهل هذه إلا المال نفسه؟ فتنبه لذلك.
(تتمة): لا مدخل للنساء، ولو مع الرجال في العقوبات والحدود، ذكروه اتفاقا عن الأئمة الأربعة، ولا يقبل الجرح والتعديل من النساء. قاله في المغني،
1 بياض بالأصل.