الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجوبة للشيخ عبد الرحمن بن حسن سأل عنها عبد الرحمن بن محمد القاضي
…
قال الشيخ الإمام العالم العلامة عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -أحسن الله لنا ولهم المآب وأدخلنا وإياهم الجنة بغير حساب بمنه وكرمه-:
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فهذا جواب ما سأل عنه الأخ عبد الرحمن بن محمد القاضي -وفقنا الله وإياه لما يحبه ويرضاه-:
[استعمل الماء في الوضوء ولم يدخل يده في الإناء]
(السؤال الأول): في قول العلماء -رحمهم الله تعالى-: فلو استعمل الماء، ولم يدخل يده في الإناء لم يصح وضوءه، وفسد الماء إلى آخره.
(الجواب) -وبالله التوفيق-: فساد الماء هنا سلب طهوريته، فما حصل في يده قبل غسلها ثلاثا بنيةٍ من نوم ليل فسد، وإن لم يدخلها الإناء هذا معنى ما جزم به في الإقناع والمنتهى وشرح الزاد، قال الشيخ عثمان في حاشية المنتهى: ومعنى قوله: وفسد الماء: أي: الذي حصل في يده، وهو مبني فيما يظهر على القول بأن حصوله في بعضها كحصوله في كلها كما اختاره جمع، أما على الصحيح، فينبغي صحة الوضوء، ونحوه حيث لم يحصل في جميع اليد. انتهى.
وهو مفرع على ما هو الصحيح من المذهب أن غسلهما لمعنى فيهما، وقال في الشرح: وذكر أبو الحسن رواية أنه لأجل إدخالها الإناء فيصح وضوؤه، ولم يفسد الماء إذا استعمله من غير إدخال. انتهى.
[نية الغسل لا يرتفع بها الحدث]
(الثاني): إذا كان على الشخص موجب للغسل، ونوى الغسل، فهل يرتفع ما دونه إلى آخره؟
(الجواب): نية الغسل لا يرتفع بها الحدث لكونها ليست من الصور المعتبرة في الطهارة، وسنذكرها -إن شاء الله تعالى- وقول السائل: أم لا بد من التخصيص بالفعل، أو بالنية، أو بهما، قول لا معنى للتخصيص بالفعل هنا دون نية أصلا، والصور المعتبرة في الغسل ست:
نية رفع الحدث الأكبر، نية رفع الحدثين، نية رفع الحدث، ويطلق نية استباحة أمر يتوقف على الوضوء والغسل معا، نية أمر يتوقف على الغسل وحده، نية ما يسن له لغسل ناسيا للواجب، ففي هذه كلها يرتفع الأكبر، ويرتفع الأصغر أيضا فيما عدا الأولى والأخيرتين، أفاده الشيخ عثمان قلت: واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أنه يرتفع الأصغر في الأولى أيضا.
وهذه الست يتأتى نظيرها في الأصغر، ويزيد بأنه يرتفع إذا قصد بطهارته ما تسن له الطهارة ذاكرا الحدث، فافهم الفرق بين البابين فإنه مهم جدا، والله أعلم، قاله الشيخ عثمان.
[غسل اليد بنية القيام من الليل أو من الجنابة]
قال السائل: وهل يكفي غسل اليد بنية القيام من نوم الليل أو من الجنابة عن الآخر أم لا؟
(الجواب): النية هنا ليست مرادة للقيام، وإنما تراد لأجل النوم، فافهم. ولا يكفي نية غسلهما من نوم الليل عن الجنابة كالعكس على الأصح فيه، لأنهما أمران مختلفان فيعتبر لكل منهما نيته، أما على الوجه الثاني، وهو أن غسلهما من النوم لا يفتقر إلى نية، فيجزي عند نيته الحدث الأكبر، وكذا على قول الجمهور: إنه لا يجب غسلهما من نوم الليل بل يستحب. وقوله أو الأعلى يرتفع به الأدنى جوابه يظهر مما قبله.
وقوله: وما الأعلى منهما؟
أقول: اتفقوا على أن ما يوجب الوضوء وحده يسمى أصغر، وما يوجب الغسل يسمى أكبر، ونصوا على أن الحدث الأصغر يقوم بالبدن كله، ويرتفع بغسل الأعضاء الأربعة بشرطه، فكيف يقال: إن غسل اليدين من نوم الليل أكبر مع كونه خاصا بالكفين، على أنه مختلف في وجوبه. والقائلون بالوجوب لم يسموه حدثا، فافهم. وقوله: وهل يكفي أحد اليدين؟
فالجواب: إن الذي مشى عليه العلماء -رحمهم الله تعالى- أن هذا الحكم يتعلق باليدين معا، فلا تختص به اليمنى دون الشمال مع أن الوارد في الحديث الإفراد، فلنذكر الحديث ببعض ألفاظه منسوبا إلى مخرجيه -إن شاء الله تعالى-. فأقول: أخرجه الإمام مالك والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم-رحمهم الله تعالى- من حديث أبي هريرة مرفوعا: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وَضوء، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده"1، هذا لفظ مالك والبخاري، وللشافعي نحوه، وللنسائي:"فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثا"2 وله والدارقطني: "فإنه لا يدري أين باتت يده"3 وللدارمي: "في الوضوء" ولأبي داود: "إذا استيقظ أحدكم من الليل"4، وكذا للترمذي وفي الباب عن جابر، وابن عمر رضي الله عنهم.
ووجه تعميم اليدين بهذا الحكم، والله أعلم لكونه مفردا مضافا، وهو يعم، وهو ظاهر على ما ذهب إليه الإمام أحمد-رحمه الله تعالى- تبعا لعلي، وابن عباس رضي الله عنهم والمحكي عن الشافعية، والحنفية خلافه، ذكره في القواعد الأصولية، فعلى قولهم لا يظهر لي وجهه، والله أعلم.
[خصائص يوم الجمعة]
(الثالث): ما ورد في يوم الجمعة من الخصائص، هل يختص بما قبل الزوال أم لا، مثل قراءة سورة الكهف وغيرها؟ لو قال: قبل الصلاة كان أولى.
1 البخاري: الوضوء (162).
2 مسلم: الطهارة (278)، والنسائي: الطهارة (1)، وأبو داود: الطهارة (105) ، وأحمد (2/ 241،2/ 471)، والدارمي: الطهارة (766).
3 البخاري: الوضوء (162).
4 الترمذي: الطهارة (24)، والنسائي: الغسل والتيمم (441)، وابن ماجه: الطهارة وسننها (393).
والجواب: خصائص الجمعة على ثلاثة أضرب:
الأول: محله قبل الصلاة كالاغتسال والطيب ولبس أحسن الثياب، وتأكد السواك، ومنع من تلزمه الجمعة إذا دخل وقتها من السفر، ونحو ذلك.
الثاني: ما لا يختص بما قبل الصلاة كاستحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومزية الذكر، والصدقة، ونحو ذلك.
الثالث: متردد بينهما بحسب ما ورد كقراءة سورة الكهف، وساعة الإجابة. فأما قراءة سورة الكهف فورد في قراءتها ما يقتضي أن ليلة الجمعة كيومها محلا لحصول الفضل الوارد لما اقتضاه مجموع هذه الآثار، فروى الدارمي عن أبي سعيد موقوفا:"من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق". ومنها ما يقتضي تخصيصه باليوم كما روى أبو بكر ابن مردويه في تفسيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين".
قال الحافظ المنذري: إسناده لا بأس به، وقال ابن كثير: في رفعه نظر، وذكر في المغني عن خالد بن معدان:"من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة قبل أن يخرج الإمام كانت له كفارة ما بين الجمعة، وبلغ نوره البيت العتيق"1 وظاهر كلام الفقهاء أنه كالذي قبله لا يختص بما قبل الصلاة.
أما ساعة الإجابة ففيها أقوال تزيد على ثلاثين ذكرها ابن حجر في الفتح، والجلال السيوطي في شرح الموطأ. وذكر العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- كثيرا منها، ثم قال: وأرجح الأقوال فيها قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة، أحدهما أرجح من الآخر: الأول: أنها ما بين جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، رجحه البيهقي، وابن العربي، والقرطبي، وقال
1 الدارمي: فضائل القرآن (3407).
النووي: إنه الصحيح أو الصواب. قال ابن القيم: الثاني: أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلام، وأبي هريرة، والإمام أحمد، وخلق، وساق ما يدل على ذلك كحديث عبد الله بن سلام، ثم قال: وهذا القول هو قول أكثر السلف، ويليه القول بأنها ساعة الصلاة، وبقية الأقوال لا دليل عليها. انتهى ملخصا.
وقال المحب الطبري: إن أصح الحديث فيها حديث أبي موسى في مسلم، وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام. قال ابن حجر: وما عداهما إما ضعيف الإسناد، أو موقوف استند صاحبه إلى اجتهاد دون توقيف. انتهى. والله أعلم.
وأما حديث: "من مس الحصى فقد لغا"1 فرواه مسلم في صحيحه، وليس فيه:"ومن لغا فلا جمعة له"2 ولفظه "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا"3، لكن روى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده من حديث علي:"ومن قال لصاحبه: صه! فقد تكلم، ومن تكلم فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له"4 قال النووي في شرح حديث مسلم: فيه النهي عن مس الحصى وغيره من أنواع العبث في حال الخطبة، وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة. انتهى، وهو واف بالمقصود والله أعلم.
[شهادة العدل برؤية هلال ذي الحجة]
الرابع: إذا شهد شاهد عدل برؤية هلال ذي الحجة، ولم يُرَ ليلة إحدى وثلاثين إلى آخره.
الجواب: إن الذي نص عليه العلماء رحمهم الله أن الناس إذا وقفوا
1 مسلم: الجمعة (857)، والترمذي: الجمعة (498)، وأبو داود: الصلاة (1050)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1090) ، وأحمد (2/ 424).
2 أبو داود: الصلاة (1051) ، وأحمد (1/ 93).
3 مسلم: الجمعة (857)، والترمذي: الجمعة (498)، وأبو داود: الصلاة (1050)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (1090) ، وأحمد (2/ 424).
4 أبو داود: الصلاة (1051) ، وأحمد (1/ 93).
الثامن أو العاشر خطأ أجزأهم، نص عليه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- دليله حديث أبي هريرة مرفوعا "فطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون"1.
ورواه أبو داود والدارقطني، وروي أيضا من حديث عائشة مثله، قال الخطابي في معالم السنن: معنى الحديث أن الخطأ موضوع عن الناس فيما سبيله الاجتهاد، فلو أن قوما اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد؛ ثم ثبت أن الشهر كان تسعا وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماض. وكذلك هذا في الحج إذا أخطؤوا يوم عرفة فإنهم ليس عليهم إعادة وتجزئهم ضحاياهم.
[غيَّر الطريق النافذ مسجدا]
(الخامس): إذا غير الطريق النافذ مسجدًا، فهل هو جائز أم لا؟ إلى آخره.
(الجواب): أن الذي رأينا من كلام العلماء-رحمهم الله تعالى- كصاحب الإنصاف وغيره، أنه لا يجوز البناء في طريق نافذ مطلقا، قال في المغني والشرح: لا نعلم فيه خلافا، قال شيخ الإسلام في الفتاوى المصرية: لا يجوز لأحد أن يخرج في طريق المسلمين شيئا من أجزاء البناء حتى إنه يُنْهى عن تجصيص الحائط إلا أن يدخل في حده بقدر الجص. انتهى. فعلى هذا يكون مغصوبا لا تصح الصلاة فيه.
[صلى بجماعة وبعد فراغه رأى في ثوبه أو بدنه نجاسة]
(السادس): إمام صلى بجماعة، وبعد فراغه رأى في بقعته أو ثوبه أو بدنه نجاسة فما حكم صلاته وصلاة من خلفه
…
إلى آخره.
الجواب: أما حكم صلاته فعدم الصحة على الصحيح من المذهب، لأن اجتناب النجاسة شرط للصلاة فلم تسقط بالنسيان، ولا بالجهل كطهارة الحدث. وعن الإمام رحمه الله أنها تصح إذا نسي، أو جهل قال في الإنصاف: وهي الصحيحة عند أكثر المتأخرين، اختارها المصنف والمجد والشيخ تقي
1 الترمذي: الصوم (697)، وأبو داود: الصوم (2324)، وابن ماجه: الصيام (1660).
الدين، لكن قال الشيخ: الروايتان في الجاهل، أما الناسي فليس عن الإمام نص فيه قال في الإنصاف: والصحيح أن الخلاف جارٍ في الجاهل والناسي، قاله المجد، وحكى الخلاف فيهما أكثر المتأخرين والله أعلم. وأما المأموم فصلاته صحيحة.
[إخفاء اللقطة وأخذ الجعل على ردها]
(السابع): فيمن التقط لقطة وكتمها فأنشدها صاحبها، وأخرج عليها جعلا فأخذ الملتقط الجعل، وأخرج اللقطة
…
إلى آخره؟
الجواب: إن هذه لُقطة، ويكون آثما بتركه التعريف، وحكمه حكم الغاصب فلا يستحق شيئا أصلا. والجعالة قد عرفها الفقهاء -رحمهم الله تعالى- بأنها جعل شيء معلوم لمن يعمل له عملا، فمن فعله بعد أن بلغه الجعل استحقه، وفي أثنائه استحق حصة تمامه، ومن فعله قبل ذلك لم يستحقه، وحُرم أخذه. انتهى من التنقيح ملخصا، وبه يحصل الجواب.
[الإشهاد على استئذان البكر]
(الثامن): إذا قال ولي البكر: استأمرتها فلم تتكلم، وشاهد الحال قد قرر ذلك، وعملوا له عمله، فهل يكفي أم لا بد من الإشهاد؟
الجواب: لا يشترط للبكر النطق لحديث: "وإذنها صماتها"1، والإشهاد على استئذانها لا يشترط بل يستحب، لكن لو أنكرته قبل الدخول، فالقول قولها وبعده لا يقبل. وأما الإشهاد على العقد فيشترط لصحة النكاح، وأدلة ذلك معروفة في كتب الحديث والفقه، والله أعلم وصلى الله على محمد.
أملاه الفقير إلى الله عبد الرحمن بن حسن.
1 مسلم: النكاح (1421)، والترمذي: النكاح (1108)، والنسائي: النكاح (3260،3261)، وأبو داود: النكاح (2098) ، وأحمد (1/ 219،1/ 241)، ومالك: النكاح (1114)، والدارمي: النكاح (2188،2189).