المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قوله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن] - مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل - جـ ٢

[عبد الله الزيد]

فهرس الكتاب

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ]

- ‌[قوله تعالى وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ]

- ‌[قوله تَعَالَى وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ]

- ‌[قوله تعالى وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ]

- ‌[قوله تعالى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ]

- ‌[قوله تعالى وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ]

- ‌[قوله تعالى وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا]

- ‌[قوله تعالى وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا]

- ‌[قوله تعالى فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ]

- ‌[قوله تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ]

- ‌[سُورَةُ الأعراف]

- ‌[قوله تعالى المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ]

- ‌[قوله تعالى قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ]

- ‌[قوله تعالى قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ]

- ‌[قوله تعالى قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ]

- ‌[قوله تعالى وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ]

- ‌[قوله تعالى وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ]

- ‌[قوله تعالى أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ]

- ‌[قوله تعالى وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا

- ‌[قوله تعالى قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا]

- ‌[قوله تعالى وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ]

- ‌[قوله تعالى وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا]

- ‌[قوله تعالى قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ]

- ‌[قوله تعالى وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا]

- ‌[قوله تعالى وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي]

- ‌[قوله تعالى وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ]

- ‌[قوله تعالى وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ]

- ‌[قوله تَعَالَى قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا]

- ‌[قوله تعالى إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ]

- ‌[سورة الأنفال]

- ‌[قوله تعالى يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا]

الفصل: ‌[قوله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن]

شَيْءٍ يَلْهَثُ إِنَّمَا يَلْهَثُ مِنْ إِعْيَاءٍ أَوْ عَطَشٍ إِلَّا الْكَلْبَ فَإِنَّهُ يَلْهَثُ فِي حَالِ الْكَلَالِ وفي حالة الرَّاحَةِ وَفِي حَالِ الْعَطَشِ، فَضَرَبَهُ اللَّهُ مَثَلًا لِمَنْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ فَقَالَ: إِنْ وَعَظْتَهُ فَهُوَ ضَالٌّ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ فَهُوَ ضَالٌّ، كَالْكَلْبِ إِنْ طَرَدَتْهُ لَهَثَ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ عَلَى حَالِهِ لَهَثَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الْأَعْرَافُ: 193] ثُمَّ عَمَّ بِهَذَا التَّمْثِيلِ جَمِيعَ مَنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِ اللَّهِ فَقَالَ: {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176] وَقِيلَ: هَذَا مَثَلٌ لِكُفَّارِ مَكَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ هَادِيًا يَهْدِيهِمْ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَبِيٌّ لَا يَشُكُّونَ فِي صِدْقِهِ كَذَّبُوهُ فَلَمْ يَهْتَدُوا تُركوا أَوْ دُعُوا.

[177]

{سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأعراف: 177] أَيْ: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا، وَتَقْدِيرُهُ: سَاءَ مَثَلًا مَثَلُ الْقَوْمِ، فَحَذَفَ مَثَلَ وَأُقِيمَ الْقَوْمُ مَقَامَهُ فَرُفِعَ، {وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 177]

[178]

{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 178]

[قوله تعالى وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ]

وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا. . . .

[179]

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 179] أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لِلنَّارِ، وَهُمُ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمُ الْكَلِمَةُ الْأَزَلِيَّةُ بِالشَّقَاوَةِ، وَمَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ لِجَهَنَّمَ فَلَا حِيلَةَ لَهُ فِي الخلاص منها وَقِيلَ: اللَّامُ فِي قَوْلِهِ {لِجَهَنَّمَ} [الأعراف: 179] لَامُ الْعَاقِبَةِ، أَيْ: ذَرَأْنَاهُمْ، وَعَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ جَهَنَّمُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [الْقَصَصِ: 8] ثُمَّ وَصَفَهُمْ فَقَالَ: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف: 179] أَيْ: لَا يَعْلَمُونَ بِهَا الْخَيْرَ وَالْهُدَى، {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا} [الأعراف: 179] وطريق الْحَقِّ وَسَبِيلَ الرَّشَادِ، {وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 179] مَوَاعِظَ الْقُرْآنِ فَيَتَفَكَّرُونَ فِيهَا، وَيَعْتَبِرُونَ بِهَا، ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا فِي الْجَهْلِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، فَقَالَ:{أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179] أَيْ: كَالْأَنْعَامِ فِي أَنَّ هِمَّتَهُمْ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالتَّمَتُّعِ بِالشَّهَوَاتِ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ لِأَنَّ الْأَنْعَامَ تُمَيِّزُ بَيْنَ الْمَضَارِّ وَالْمَنَافِعِ، فَلَا تُقْدِمُ عَلَى الْمَضَارِّ، وَهَؤُلَاءِ يُقْدِمُونَ عَلَى النَّارِ مُعَانَدَةً مَعَ الْعِلْمِ بالهلاك، {أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]

[180]

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] قَالَ مُقَاتِلٌ: وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا دَعَا اللَّهَ فِي صَلَاتِهِ، وَدَعَا الرَّحْمَنَ فَقَالَ بَعْضُ مُشْرِكِي مَكَّةَ: أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ رَبًّا وَاحِدًا فَمَا بَالُ هَذَا يَدْعُو اثْنَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] وَالْحُسْنَى تَأْنِيثُ الْأَحْسَنِ كَالْكُبْرَى وَالصُّغْرَى، فادعوه بها. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ

ص: 335

الْجَنَّةَ، إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» (1) . {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180] قَرَأَ حَمْزَةُ (يَلْحَدُونَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْحَاءِ حَيْثُ كَانَ وَافَقَهُ الْكِسَائِيُّ فِي النَّحْلِ وَالْبَاقُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ، وَمَعْنَى الْإِلْحَادِ: هُوَ الْمَيْلُ عَنِ الْمَقْصِدِ، يُقَالُ: أَلْحَدَ يُلحد إِلْحَادًا، وَلَحَدَ يَلْحَدُ لُحُودًا إِذَا مَالَ. قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ السُّكَيْتِ: الْإِلْحَادُ هُوَ الْعُدُولُ عَنِ الْحَقِّ وَإِدْخَالُ مَا لَيْسَ مِنْهُ فيه {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف: 180] هُمُ الْمُشْرِكُونَ عَدَلُوا بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ، فَسَمُّوا بِهَا أَوْثَانَهُمْ، فَزَادُوا، وَنَقَصُوا فَاشْتَقُّوا اللَّاتَ مِنَ اللَّهِ وَالْعُزَّى مِنَ الْعُزَيْزِ وَمَنَاةَ مِنَ الْمَنَّانِ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ. وَقِيلَ: هُوَ تَسْمِيَتُهُمُ الْأَصْنَامَ آلِهَةً. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ أَيْ: يَكْذِبُونَ. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: الْإِلْحَادُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَسْمِيَتُهُ بِمَا لَمْ يُسَمَّ بِهِ، وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَلَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى التَّوْقِيفِ فإنه يسمى جواد، وَلَا يُسَمَّى سَخِيًّا، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْجَوَادِ، وَيُسَمَّى رَحِيمًا، وَلَا يُسَمَّى رَفِيقًا، وَيُسَمَّى عَالِمًا، ولا يسمى عاقلا {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180] في الآخرة.

[181]

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ} [الأعراف: 181] أَيْ: عِصَابَةٌ، {يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 181] قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. يُرِيدُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وهم الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ: «هَذِهِ لَكُمْ وَقَدْ أُعْطِي الْقَوْمُ بين أيديكم مثلها ومع قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» .

[182]

{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182] قَالَ عَطَاءٌ: سَنَمْكُرُ بِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ. وَقِيلَ. نَأْتِيهِمْ مِنْ مَأْمَنِهِمْ، كَمَا قَالَ:{فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الْحَشْرُ: 2] قَالَ الْكَلْبِيُّ: يُزَيِّنُ لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ، وَيُهْلِكُهُمْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كُلَّمَا جَدَّدُوا مَعْصِيَةً جَدَّدْنَا لَهُمْ نِعْمَةً. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: نُسْبِغُ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ، وَنُنْسِيهِمُ الشُّكْرَ. قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: الِاسْتِدْرَاجُ أَنْ يَتَدَرَّجَ إِلَى الشَّيْءِ فِي خُفْيَةٍ قَلِيلًا قَلِيلًا فَلَا يُبَاغِتُ، وَلَا يُجَاهِرُ، وَمِنْهُ دَرَجَ الصَّبِيُّ إِذَا قَارَبَ بَيْنَ خُطَاهُ فِي الْمَشْيِ، وَمِنْهُ دَرَجَ الْكِتَابَ إِذَا طَوَاهُ شَيْئًا بَعْدَ شيء.

[183]

{وَأُمْلِي لَهُمْ} [الأعراف: 183] أَيْ: أُمْهِلُهُمْ، وَأُطِيلُ لَهُمْ مُدَّةَ عُمْرِهِمْ لِيَتَمَادَوْا فِي الْمَعَاصِي، {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 183] أَيْ: إِنَّ أَخْذِي قَوِيٌّ شَدِيدٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ مَكْرِي شَدِيدٌ. قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ، فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ.

[184]

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} [الأعراف: 184] قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الصَّفَا لَيْلًا فَجَعْلَ يَدْعُو قُرَيْشًا فَخِذًا فَخِذًا يَا بَنِي فُلَانٍ يَا بَنِي فُلَانٍ يُحَذِّرُهُمْ بِأُسَ اللَّهِ وَوَقَائِعَهُ، فَقَالَ قَائِلُهُمْ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا لَمَجْنُونٌ بَاتَ يُصَوِّتُ إِلَى الصَّبَاحِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ} [الأعراف: 184] مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: {مِنْ جِنَّةٍ} [الأعراف: 184] جنون. {إِنْ هُوَ} [الأعراف: 184] مَا هُوَ، {إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الأعراف: 184] ثُمَّ حَثَّهُمْ عَلَى النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْعِلْمِ فَقَالَ:

[185]

{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ} [الأعراف: 185] فيهما، {مِنْ شَيْءٍ} [الأعراف: 185] أَيْ: وَيَنْظُرُوا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ لِيَسْتَدِلُّوا بِهَا عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف: 185] أَيْ: لَعَلَّ أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَيَمُوتُوا قَبْلَ أَنْ يُؤْمِنُوا، وَيَصِيرُوا إِلَى الْعَذَابِ، {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 185] أَيْ: بَعْدَ الْقُرْآنِ يُؤْمِنُونَ، يَقُولُ: بِأَيِّ كِتَابٍ غَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم يُصَدِّقُونَ، وَلَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ وَلَا كِتَابٌ، ثُمَّ ذَكَرَ عِلَّةَ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ:

[186]

{مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} [الأعراف: 186] قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَعَاصِمٌ بِالْيَاءِ ورفع الراء، وقرأ

(1) أخرجه البخاري في الدعوات 11 / 214 وفي الشروط وفي التوحيد ومسلم في الذكر والدعاء رقم (2677) 4 / 2062 والمصنف في شرح السنة 5 / 30.

ص: 336