المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[قوله تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله] - مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل - جـ ٢

[عبد الله الزيد]

فهرس الكتاب

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ]

- ‌[قوله تعالى وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ]

- ‌[قوله تَعَالَى وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ]

- ‌[قوله تعالى وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ]

- ‌[قوله تعالى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ]

- ‌[قوله تعالى وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ]

- ‌[قوله تعالى وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا]

- ‌[قوله تعالى وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا]

- ‌[قوله تعالى فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ]

- ‌[قوله تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ]

- ‌[سُورَةُ الأعراف]

- ‌[قوله تعالى المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ]

- ‌[قوله تعالى قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ]

- ‌[قوله تعالى قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ]

- ‌[قوله تعالى قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ]

- ‌[قوله تعالى وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ]

- ‌[قوله تعالى وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ]

- ‌[قوله تعالى أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ]

- ‌[قوله تعالى وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا

- ‌[قوله تعالى قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا]

- ‌[قوله تعالى وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ]

- ‌[قوله تعالى وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا]

- ‌[قوله تعالى قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ]

- ‌[قوله تعالى وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا]

- ‌[قوله تعالى وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي]

- ‌[قوله تعالى وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ]

- ‌[قوله تعالى وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ]

- ‌[قوله تَعَالَى قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا]

- ‌[قوله تعالى إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ]

- ‌[سورة الأنفال]

- ‌[قوله تعالى يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي]

- ‌[قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا]

الفصل: ‌[قوله تعالى يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله]

، اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ. رُوِيَ عن أبي هريرة أنهم كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ بِحَوَائِجِهِمْ، فَأُمِرُوا بِالسُّكُوتِ وَالِاسْتِمَاعِ إِلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ قَوْمٌ: نَزَلَتْ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ. ورُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَفْعِ الْأَصْوَاتِ وَهُمْ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ فِي الصَّلَاةِ حِينَ يَسْمَعُونَ ذِكْرَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سمع ناسا يقرؤون مَعَ الْإِمَامِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: أَمَا آنَ لَكُمْ أَنْ تَفْقَهُوا، وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ؟ وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ: أَنَّ الْآيَةَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ: إِنَّ الْآيَةَ فِي الْخُطْبَةِ، أُمِرُوا بِالْإِنْصَاتِ لِخُطْبَةِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هَذَا فِي الْإِنْصَاتِ يَوْمَ الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَفِيمَا يَجْهَرُ بِهِ الْإِمَامُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لِقَوْلِ كُلِّ وَاعِظٍ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَاهَا، وَهُوَ أَنَّهَا فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَالْجُمُعَةُ وَجَبَتْ بِالْمَدِينَةِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْصَاتِ حَالَةَ مَا يَخْطُبُ الْإِمَامُ.

[205]

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} [الأعراف: 205] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَعْنِي بِالذِّكْرِ: الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ، يُرِيدُ يَقْرَأُ سِرًّا فِي نَفْسِهِ، {تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} [الأعراف: 205] خَوْفًا، أَيْ: تَتَضَرَّعُ إِلَيَّ وَتَخَافُ مِنِّي هَذَا فِي صَلَاةِ السِّرِّ. وَقَوْلُهُ: {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} [الأعراف: 205] أَرَادَ فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ لَا تَجْهَرْ جَهْرًا شَدِيدًا بَلْ فِي خَفْضٍ وَسُكُونٍ، يَسْمَعُ مَنْ خَلْفَكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ: أَمَرَ أَنْ يَذْكُرُوهُ فِي الصُّدُورِ بِالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ فِي الدُّعَاءِ وَالِاسْتِكَانَةِ، دُونَ رَفْعِ الصَّوْتِ وَالصِّيَاحِ بِالدُّعَاءِ. {بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205] أَيْ: بِالْبُكَرِ وَالْعَشِيَّاتِ، وَاحِدُ آصَالٍ: أَصِيلٌ، مِثْلَ يَمِينٍ وَأَيْمَانٍ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ.

[206]

{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} [الأعراف: 206] يعني الملائكة المقربين، {لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [الأعراف: 206] لَا يَتَكَبَّرُونَ {عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ} [الأعراف: 206] وَيُنَزِّهُونَهُ، وَيَذْكُرُونَهُ، فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ. {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بها سيئة» (1) .

[سورة الأنفال]

[قوله تعالى يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ]

وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ. . . .

(8)

سورة الأنفال [1] قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الْأَنْفَالِ: 1] أَيْ: عَنْ حُكْمِ الْأَنْفَالِ وَعِلْمِهَا، وَهُوَ سُؤَالُ اسْتِخْبَارٍ لَا سُؤَالُ طَلَبٍ. وَقِيلَ: هُوَ سُؤَالُ طَلَبٍ. قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَعِكْرِمَةُ. وَقَوْلُهُ: {عَنِ الْأَنْفَالِ} [الْأَنْفَالِ: 1] أَيْ: مِنَ الْأَنْفَالِ، عَنْ بِمَعْنَى مِنْ. وَقِيلَ: عَنْ صِلَةٌ أَيْ: يَسْأَلُونَكَ الْأَنْفَالَ، وَهَكَذَا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ بِحَذْفِ عَنْ. وَالْأَنْفَالُ: الْغَنَائِمُ، وَاحِدُهَا نَفَلٌ، وَأَصْلُهُ الزِّيَادَةُ، يُقَالُ: نَفَلْتُكَ وَأَنْفَلْتُكَ أَيْ: زِدْتُكَ، سُمِّيَتِ الْغَنَائِمُ أَنْفَالًا؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الْخُصُوصِ. وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ فِي غَنَائِمَ بَدْرٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: هِيَ مَا شَذَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَمَتَاعٍ فَهُوَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] يقسمانها كما شاءا، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ. كَانَتِ الْغَنَائِمُ يَوْمَئِذٍ لِلنَّبِيِّ

(1) أخرجه ابن ماجه رقم (1423) 1 / 457 والإمام أحمد في المسند 5 / 276، 280، روى نحوه مسلم في الصلاة برقم (488) .

ص: 341

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَسَخَهَا اللَّهُ عز وجل بِالْخُمُسِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: هِيَ ثَابِتَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ مَعَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلِلرَّسُولِ يَضَعُهَا حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَيْ: الْحُكْمُ فِيهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ مَصَارِفَهَا فِي قَوْلِهِ عز وجل:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ، {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] أَيْ: اتَّقُوا اللَّهَ بِطَاعَتِهِ وَأَصْلِحُوا الْحَالَ بَيْنَكُمْ بِتَرْكِ الْمُنَازَعَةِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَتَسْلِيمِ أَمْرِ الْغَنِيمَةِ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم. {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1]

[2]

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} [الأنفال: 2] يَقُولُ: لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِفُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الصَّادِقُونَ فِي إِيمَانِهِمْ {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] خَافَتْ، وَفَرِقَتْ قُلُوبُهُمْ. وَقِيلَ: إِذَا خُوِّفُوا بِاللَّهِ انْقَادُوا خَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2] تَصْدِيقًا وَيَقِينًا، وَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ حَبِيبٍ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ: إِنَّ للإيمان زيادة ونقصانا، وقيل: فَمَا زِيَادَتُهُ؟ قَالَ: إِذَا ذَكَرْنَا اللَّهَ عز وجل، وَحَمِدْنَاهُ فَذَلِكَ زِيَادَتُهُ، وَإِذَا سَهَوْنَا، وَغَفَلْنَا فَذَلِكَ نُقْصَانُهُ، وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِطَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْإِيمَانَ. {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2] أَيْ: يُفَوِّضُونَ إِلَيْهِ أُمُورَهُمْ، وَيَثِقُونَ بِهِ، وَلَا يَرْجُونَ غَيْرَهُ، وَلَا يخافون سواه.

[3]

{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الأنفال: 3]

[4]

{أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 4] يَعْنِي: يَقِينًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: برؤوا مِنَ الْكُفْرِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: حَقًّا لَا شَكَّ فِي إِيمَانِهِمْ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا حَقًّا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا وَصَفَ بِذَلِكَ قَوْمًا مَخْصُوصِينَ عَلَى أَوْصَافٍ مَخْصُوصَةٍ، وَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ تِلْكَ الْأَوْصَافِ فيه {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الأنفال: 4] قَالَ عَطَاءٌ: يَعْنِي دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ يَرْتَقُونَهَا بِأَعْمَالِهِمْ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: سَبْعُونَ دَرَجَةً مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ حَضَرُ الْفَرَسِ الْمُضَمَّرِ سبعين سنة. {وَمَغْفِرَةٌ} [الأنفال: 4] لذنوبهم {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 4] حَسَنٌ يَعْنِي مَا أَعَدَّ لَهُمْ في الجنة.

[5]

قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} [الأنفال: 5] اخْتَلَفُوا فِي الْجَالِبِ لِهَذِهِ الْكَافِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} [الأنفال: 5] قَالَ الْمُبَرِّدُ: تَقْدِيرُهُ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ والرسول، وَإِنْ كَرِهُوا كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ، وَإِنْ كَرِهُوا. وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ امْضِ لِأَمْرِ اللَّهِ فِي الْأَنْفَالِ، وَإِنْ كَرِهُوا كَمَا مَضَيْتَ لِأَمْرِ اللَّهِ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْبَيْتِ لِطَلَبِ الْعِيرِ وَهُمْ كَارِهُونَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَعْنَاهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا

ص: 342