المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ واقع المسلمين المتخلف: - مدرسة الدعوة

[محمد السيد الوكيل]

الفصل: ‌ واقع المسلمين المتخلف:

ج-‌

‌ وَاقع الْمُسلمين المتخلف:

لاشك أَن الْمُسلمين متخلفون عَن الركب الحضاري المتطور الَّذِي يبدع كل يَوْم جَدِيدا، ويستغل هَذَا التَّخَلُّف أَعدَاء الْإِسْلَام مدعين أَنه لَو كَانَ الْإِسْلَام قَادِرًا بالنهوض بالأمم والشعوب لما صَار الْمُسلمُونَ إِلَى هَذَا الْحَد من التَّخَلُّف المقيت.

وَالْحق أَن وَاقع الْمُسلمين يُعْطي هَذَا الانطباع السَّيئ فِي نفوس النَّاس، وَلَكِن على الدعاة أَن يتعرفوا على حَقِيقَة الْأَمر، ويقفوا على الْأَسْبَاب الْحَقِيقِيَّة المؤدية إِلَى هَذَا التَّخَلُّف البغيض، وَحِينَئِذٍ يُمكنهُم أَن يردوا تِلْكَ الشُّبْهَة، ويحطموا هَذِه الْعقبَة.

إِن تخلف الْمُسلمين عَن ركب الحضارة المتطور الْمُبْدع يرجع إِلَى سببين، وَكِلَاهُمَا بعيدان كل الْبعد عَن حَقِيقَة الْإِسْلَام وماهيته.

أما أولاهما: فالاستعمار الغربي الَّذِي استولى على الْبِلَاد الإسلامية فِي غَفلَة من أَهلهَا، وَقد خرج هَذَا الْغَزْو الصليبي مكشرا عَن أنيابه السود، مملوءا بالحقد والكراهية لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين، وَعمل جاهدا على إبعاد الْمُسلمين عَن مصدر قوتهم وتقدمهم.

لقد علم هَؤُلَاءِ المستعمرون أَن الْإِسْلَام هُوَ سر قُوَّة الْمُسلمين، وَهُوَ الْعَامِل الْحَقِيقِيّ للتقدم الَّذِي أحرزوه يَوْم كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِهِ؛ فعملوا على إبعاد الْمُسلمين عَن دينهم، وَعَلمُوا أَن الْبِلَاد الإسلامية الْعَرَبيَّة مِنْهَا وَغير الْعَرَبيَّة فِيهَا من الْخيرَات والثروات مَا يَجْعَلهَا أغْنى وأرقى

1 يُرَاجع تَارِيخ الْعلم عِنْد الْعَرَب لِلْكَاتِبِ الإيطالي أليدو مييلي.

ص: 247

بِلَاد الْعَالم، فاستغلوا هَذِه الْخيرَات لأَنْفُسِهِمْ وحرموا سكان الْبِلَاد الأصليين من خيرات بِلَادهمْ، وَأَقَامُوا صناعات بِلَادهمْ على تِلْكَ الخامات الَّتِي استخرجوها من بِلَاد الْمُسلمين.

إِن أبسط قَوَاعِد الذَّوْق الإنساني أَن يحترم النزيل صَاحب الْبَيْت الَّذِي ينزل فِيهِ، وَأَن يقدم لَهُ العون فِيمَا يعجز عَن الْقيام بِهِ، وَأَن يقف إِلَى جواره فِيمَا يحْتَاج إِلَى مَعُونَة، وَلَكِن الاستعمار الغربي كَانَ قد حرم من أبسط قَاعد هَذَا التذوق؛ فَسرق خيرات الْبِلَاد الَّتِي نزل فِيهَا، وأذل صَاحب الْبَيْت الَّذِي آوى إِلَيْهِ، لقد كَانَ من وَاجِب الاستعمار ذوقيا وإنسانيا أَن يطور هَذِه الْبِلَاد الَّتِي احتلها، وَأَن يدرب أَهلهَا على مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من أَنْوَاع الصناعات الَّتِي حذقها، وَلَكِن هَيْهَات! وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة لم يستعمرها إِلَّا لإضعافها وإذلالها.

وَأما ثَانِيهمَا: فَهُوَ ابتعاد الْمُسلمين عَن دينهم - الْإِسْلَام – وَهَذَا السَّبَب كَمَا رَأينَا يرجع إِلَى السَّبَب الأول، وَإِن تصريحات زعماء الاستعمار لتعطي هَذَا التَّصَوُّر بوضوح، وَلم يحاول الاستعمار أَن يخفي وَجهه الكالح فِي محاربة الْإِسْلَام ومحاولة إبعاد الْمُسلمين عَن دينهم، يَقُول القسيس زويمر فِي مؤتمر الْقُدس الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ المبشرين فِي الْعَالم: لَيست مهمتكم إِدْخَال الْمُسلمين فِي المسيحية، فَإِن فِي هَذَا هِدَايَة لَهُم وتكريما، وَإِنَّمَا مهمتكم أَن تخْرجُوا الْمُسلم من الْإِسْلَام ليُصبح مخلوقا لَا صلَة لَهُ بِاللَّه، وبالتالي فَلَا صلَة تربطه بالأخلاق الَّتِي تعتمد عَلَيْهَا الْأُمَم فِي حَيَاتهَا1.

لقد كَانَ إبعاد الْمُسلمين عَن دينهم هدفا أساسيا من أهداف الْكَنِيسَة بالتعاون مَعَ الجيوش الصليبية الغازية، وَقد نجحت فعلا فِي ذَلِك نجاحا يفوق كل نجاح.

وَهَكَذَا يكون الاستعمار هُوَ السَّبَب الْحَقِيقِيّ فِي هَذَا التَّخَلُّف الخطير فِي الدول الإسلامية، وَلَيْسَ الْإِسْلَام، وَهَكَذَا يتَحَمَّل الاستعمار وزر هَذَا التَّخَلُّف وَحده دون أَن يُشَارِكهُ فِيهِ أحد، وَلِهَذَا اسْتحق الاستعمار لعنة الله - تَعَالَى - كَمَا اسْتحق لعنة هَذِه الشعوب الَّتِي رزئت بِهِ.

هَذِه هِيَ أهم العقبات فِي طَرِيق الدعاة فِي الْعَصْر الحَدِيث، وَلَا أنكر أَن هُنَاكَ عقبات أُخْرَى، وَلكنهَا لَا تبلغ مبلغ هَذِه من الأهمية.

وَلنْ يَسْتَطِيع الدعاة التغلب على هَذِه العقبات وَغَيرهَا إِلَّا بِالْعلمِ والدراسة الموضوعية المدعمة بالبراهين والأدلة، وَلَعَلَّ هَذَا من الْأَسْبَاب الَّتِي نلتمسها لنزول أول آيَات من الْقُرْآن الْكَرِيم تحث على الْقِرَاءَة وَتَدْعُو إِلَى الْعلم.

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} 1.

1 المخططات الاستعمارية ص78.

1 سُورَة العلق الْآيَات1-5.

ص: 248