المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم هدم كنائس النصارى في أرض العنوة: - مسألة في الكنائس

[ابن تيمية]

الفصل: ‌حكم هدم كنائس النصارى في أرض العنوة:

171 -

173] وقال تعالى في كتابه: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر - 51] . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [سورة محمد - 7] .

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة"(1) . وكل من عرف سير الناس وملوكهم رأى كل من كان أنصر لدين الإسلام، وأعظم جهاداً لأعدائه، وأقوم بطاعة الله ورسوله، أعظم نصرة وطاعة وحرمة، من عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإلى هذا الزمان.

‌حكم هدم كنائس النصارى في أرض العنوة:

وقد أخذ المسلمون منهم كنائس كثيرةً من أرض العنوة، بعد أن أُقروا عليها في خلافة عمر بن عبد العزيز، وغيره من الخلفاء (2) ، وليس في المسلمين من

= كثيراً ما يذكره شيخ الإسلام مع الحاكم بأمر نفسه في عداد أئمة الإسماعيليين كما في المنهاج 4/519 و3/495.

وانظر النبلاء 15/159 ، النجوم الزاهرة 4/74-115 ، البيان المغرب 1/221 وحسن المحاظر 2/15.

(2)

حديث متفق عليه ، وقد نص شيخ الإسلام في الاقتضاء 1/96 على أنه متواتر عنه صلى الله عليه وسلم ، وكذا السيوطي في قطف الأزهار رقم 81 والكتاني في نظم المتناثر. وهو عندهما بألفاظ مقاربه للفظ الشيخ.

فأخرجه البخاري عن جماعة من الصحابة منهم المغيرة ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في كتاب المناقب - باب سؤال المشركين أن يريهم النبي آية 3/1331.

فأخرجه مسلم عن ثوبان والمغيرة وجابر ومعاوية وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم في كتاب الإمارة - باب قوله عليه السلام (لا تزال طائفة) - من الأرقام 1920 - 1924. ولألفاظ الحديث ورواياته والعزو إليها انظر صفة الغرباء للعودة 138-165.

(1)

كما ذكر طرفاً من ذلك ابن القيم في كتابه النفيس أحكام أهل الذمة 1/212-222 وعده بعد عمر =

ص: 122

أنكر ذلك، فعُلم أن هدم كنائس العنوة جائزٌ، إذا لم يكن فيه ضرر على المسلمين (1) . فإعراض من أعرض عنهم كان لقلة المسلمين، ونحو ذلك من الأسباب، كما أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عن إجلاء اليهود، حتى أجلاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

= ابن الخطاب عمر بن عبد العزيز والمنصور والمهدي والرشيد والمأمون والمتوكل وأنهم هدموا الكنائس فذكر أن عمر بن عبد العزيز أمر أن تهدم الكنائس المستخدمة، فيقال إنهم توصلوا إلى بعض ملوك الروم، وسألوه في مكاتبة عمر بن عبد العزيز، فكتب إليه: أما بعد يا عمر فإن هؤلاء الشعب سألوا في مكاتبك لتجري أمورهم على ما وجدناها عليه، فتبقى كنائسهم، ونمكنهم من عمارة ما خرب منها، فإنهم زعموا أن من تقدمك فعل في أمر كنائسهم ما منعتهم منه، فإن كانوا مصيبين في اجتهادهم فاسلك سننهم، وإن يكونوا مخالفين لها فافعل ما أردت. فكتب إليه عمر: أما بعد، فإن مثلي ومثل من تقدمني كما قال الله تعالى في قصة داود وسليمان:{إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} [الأنبياء - 78 - 79] .

وكذا فعل هارون الرشيد فقد ميز النصارى في زيهم وصرفهم عن أعمالهم وخرب كنائسهم بفتوى العلماء. انظر البداية والنهاية 10/ 214.

(1)

لشيخ الإسلام رحمه الله فتوى في هذه المسألة بالخصوص ذكرها ابن القيم في أحكام أهل الذمة وستأتي في الملحق بتمامها. وخلاصة الجواب ما أردفه ابن القيم بعد ذكره الفتوى. وخلاصة الخلاصة، أن الكنائس على ثلاثة أقسام.

1-

ما لا يجوز أخذه ولا هدمه -وهي الكنائس التي أقروا عليها عند فتح بلادهم ما داموا موفين بالعهد والشروط ككنيسة دمشق عند فتح المسلمين لها.

2-

ما يجب أخذه وهدمه، وهي الكنائس المحدثة في بلاد المسلمين، وأحدثها النصارى بعد.

3-

ما يفعل فيها الأصلح للمسلمين بنظر إمام المسلمين لتحقيق إعزاز الدين وقمع أعدائه، وهي مثل الكنائس من أرض العنوة، إذا فتحها المسلمون، فإن القديمة من هذه الكنائس يجوز هدمها ويجوز إقرارهم عليها بالشروط بحسب المصلحة.

وهذه مثل الكنائس القديمة في الصعيد بمصر، وفي بر مصر والشام مما دخله المسلمون وهي موجودة. وقال شيخ الإسلام في فتوى النصراني يشتري أرضاً فيها آثار كنيسة وهي خراب، ثم يعمرها. . من الفتاوى 28 / 6 4 6 فأجاب:

ليس له أن يحدث ما ذكره من الكنيسة. وإن كان هناك آثار كنيسة قديمة ببر الشام، فإن بر الشام فتحه المسلمون عنوة، وملكوا تلك الكنائس ، وجاز لهم تخريبها باتفاق العلماء. =

ص: 123