الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم مظاهرة الذميّين لأهل دينهم على المسلمين:
وليس لأحد من أهل الذمة أن يكاتبوا أهل دينهم من أهل الحرب، ولا يخبرونهم بشيء من أخبار المسلمين، ولا يطلبوا من رسولهم أن يكلف ولي المسلمين ما فيه ضررٌ على المسلمين، ومن فعل ذلك منهم وجبت عقوبته باتفاق المسلمين، وفي أحد القولين يكون قد نُقض عهده، وحل دمه، وماله (1) .
ومن قال إن المسلمين يحصل لهم ضررٌ، وإن* لم يجابوا إلى ذلك؛ لم يكن عارفاً بحقيقة الحال، فإن المسلمين قد فتحوا ساحل الشام، وكان أعظم المصائب عليهم؛ أخذُ أموالهم، وهدم كنائسهم (2) .
= وإنما تنازعوا في وجوب تخريبها ، وليس لأحد أن يعاونه على إحداث ذلك - أي عمارة هذه الخراب - ويجب عقوبة من أعانه على ذلك.
وأما المحدث لذلك من أهل الذمة ، فإنه في أحد قولي العلماء ينتقض عهده ، يباح دمه وماله ، لأنه خالف الشروط التي شرطها عليهم المسلمون ، وشرطوا عليهم أن من نقضها ، فقد حل لهم منها ما يباح من أهل الحرب، والله أعلم. اهـ.
(1)
وهذه المسألة كمسألة الجاسوس ، وفيها أنه يقتل ولو كان مسلماً. قال في الاختيارات ص 320.
[من قطع الطريق على المسلمين أو تجسس عليهم ، أو أعان أهل الحرب على سلب المسلمين أو أسرهم وذهب بهم إلى دار الحرب ونحو ذلك مما فيه مضرة على المسلمين ، فهذا يقتل ولو أسلم.
وهذا النصراني أو اليهودي وغيرهما ينتقض عهده بأقل من هذا وأضعف ضرراً منه كأن يعلو على المسلم أو يعلم أولاده القرآن ، فإنه إذا أصر عليه انتفض عهده ، فكيف بمن خابر على المسلمين وتجسس عليهم؟!] اهـ.
وفي الشروط العمرية: ولا يظهرون شركاً ولا ريبة لأهل الإسلام.
وبحث المسألة طويل ، في هذه الإشارة كفاية والحمد لله.
(2)
في المطبوعة ، وقد ألزموهم بلبس الغيار. وكان ذلك أعظم المصائب ، بل التتار في بلادهم خربوا جميع الكنائس.
[التعليق]
* (وإن) هكذا في المطبوعة، والصواب حذف الواو ليستقيم المعنى، وراجع نص المسألة. (المنصور)
وكان نوروز (1) رحمه الله قد شرط عليهم الشروط، ووضع الجزية، وكان ذلك أعظم المصائب عليهم، ومع هذا لم يدخل على المسلمين بذلك إلا كل خير، فإن المسلمين مستغنون عنهم، وهم إلى ما في بلاد المسلمين أحوج من المسلمين إلى ما في بلادهم، بل مصلحة دينهم ودنياهم لا تقوم إلا بما في بلاد المسلمين، والمسلمون -ولله الحمد والمنة- أغنياء عنهم في دينهم ودنياهم. فأما نصارى الأندلس فهم لا يتركون المسلمين في بلادهم إلا لحاجتهم إليهم، وخوفهم من التتار، فإن المسلمين عند التتار أعز من النصارى وأكرم، ولو قدروا، وإنهم قادرون على من عندهم من النصارى (2) .
والنصارى الذين في ذمة المسلمين فيهم من البتاركة (3) ، وغيرهم من علماء النصارى ورهبانهم، وليس عند النصارى مسلمٌ يحتاج إليه المسلمون ولله
(1) في الظاهرية: نور الدين وهو خطأ ، وقد تكرر اسمه عند شيخ الإسلام في مواضع ومنها في المنهاج 3/477. [ولهذا كانوا - أي الرافضة - من أنقص الناس منزلة عند الأمير نوروز المجاهد في سبيل الله ، الشهيد الذي دعا ملك المغول غازان إلى الإسلام ، والتزم له أن ينصره. إذا أسلم ، وقتل المشركين الذين لم يسلموا من النجشية السحرة وغيرهم ، وهدم الباذخات وكسر الأصنام، ومزق سدنتها كل ممزق وألزم اليهود والنصارى بالجزية والصغار وبسببه ظهر الإسلام في المغول وأتباعهم] .
وهو نوروز نائب غازان ، كان مسلماً عالي الهمة ، ودعاه إلى الإسلام فأسلم قازان وأسلم معه عامة التتار ، وكان من خيار أمرائه ذا عبادة وتطوع وصدق في إسلامه شوش التتار خاطر قازان عليه ، فما زال به حتى قتله= =سنة 696 هـ. شهيداً إن شاء الله. انظر الدليل الشامي رقم 2596 ، والبداية والنهاية 13/372 ، والسلوك 1/3: 837، 874.
(2)
في المطبوعة خلاف النسخ الثلاثة ، ولو قدر أنهم قادرون على من عندهم من المسلمين ، فالمسلمون أقدر على من عندهم من النصارى.
(3)
لعل المقصود بها البطارقة وهي جمع بطريق وهو في معاجم اللغة القائد العظيم عند النصارى يسمى كذلك بطريرك كما كان يسمى به كبيرهم بالإسكندرية. وانظر الجواب الصحيح 3/11.
ومعنى هذا أن علماء النصارى من البطارقة والقسس والرهبان أكثرهم عند المسلمين ، وليس يوجد عند النصارى مسلم يحتاج إليه في علمه أو دنياه. نحمد الله ونشكره.
الحمد، مع أن إفكاك الأسارى من أعظم الواجبات، وبذل ذلك (1) الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات.
وكل مسلمٍ يعلم أنهم لا يتجرون إلى بلاد المسلمين، إلا لأغراضهم، لا لنفع المسلمين؛ ولو منعهم ملوكهم من ذلك لكان حرصهم على المال يمنعهم من الطاعة. فإنهم أرغب الناس في المال (2) ، ولهذا يتقامرون في الكنائس (3) . وهم طوائف مختلفون، وكل طائفة تضاد الأخرى (4) .
(1) في المطبوعة ، بذل المال الموقوف وغيره.
(2)
هذا دأبهم في كل زمان هم واليهود عليهم لعائن الله المتتابعة كما ذكر الله سبحانه في آل عمران. {. . . . . . وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَاّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} كما قال في سورة البقرة: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} الآية. وقوله في سورة النساء: {وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} رقم 161، وكما قال في سورة براءة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} آية 34. وغيرها من الآيات وهي بمجموعها دالة على حال أهل الكتاب واليهود والنصارى، وما هذا إلا من استحكام الشيطان على قلوبهم بالكفر وحب الدنيا وتسلطه عليهم كما قال تعالى في سورة الإسراء: {وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَاّ غُرُوراً} .
(3)
بل وفي غيرها، فلهم الآن أماكن خاصة بالمقامرة في فنادق كبرى وصالات ونواد، حتى تابعهم بعض ضعاف الإيمان أو عديميه من المسلمين متابعتهم لهم بما يفعلون حذو القذة بالقذة كما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. قالوا اليهود والنصارى؟ قال فمن؟ !) متفق عليه.
(4)
وأشهر فرقهم القديمة: اليعقوبية والنسطورية والموحدون.
وهم الآن ثلاث فرق كبار: الأرثوذكس وهي الكنائس الشرقية في اليونان وروسيا والصرب والأقباط، والكاثوليك وهي كنيسة روما وعامة بلاد أوروبا ، والبروتستانت هي أحدثها وتمثلها أمريكا وتسمى كنائسها بالإنجيلية. ولكنهم متفقون على عقائد التثليث والصلب والفداء ، والخلاف بينهم في صوره وتفاصيله - كفى الله الناس شرهم.