الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه
- (*)
1 -
أخبرنا الحافظ أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي قراءة عليه، أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن بن محمد الجنزروذي قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان الحيري الفقيه قراءة عليه، قال: أخبرنا الإمام أبو يعلى أحمد بن على بن المثنى الموصلي بالموصل، سنة ست وثلاث مئة، قال: حدّثنا على بن الجعد، حدّثنا قيس بن الربيع، حدّثنا عثمان بن المغيرة عن علي بن ربيعة عن أسماء بن الحكم الفزاري، عن على، قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا نفعني الله بما شاء منه وإذا حدثني غيرى لم أصدقه إلا أن يحلف فإذا حلف صدقته.
(*) هو الإمام الهمام، أسد الإسلام، أول من أسلم من الرجال، وأول خلفاء الرسول، وأول من جمع القرآن، مَن لم يعرفه فما عرف الصحابة أصلًا، كان رجلًا يزن أمة بأكملها ولا نستثنى، كيف لا وهو المجاهد البطل المغوار إذا ادلهمَّ ليلُ المشكلات بالناس؟! ومواقفه الشريفة إزاء تلك النكبات التى مُنِىَ بها الإسلام إثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنادى عليه، في كل خطوة من خطواته، بالبطولة والإمامَة والشجاعة والكمال في كل شئ يتحلَّى بمثله جبال الرجال. ومَنْ أتَى على بنيان مسيلمة الكذاب من القواعد سواه؟! ومَنْ استأصل شأفة الأسود العنسي - مدعى النبوة باليمن - سواه؟! ومَنْ ردع تلك العصابة المرتدة عن الإسلام بما جعل أكثرهم يثوب إلى دينه - مرة أخرى - قبل أن يأتيه الموت من كل مكان؟! ومن تصدَّى لمانعى الزكاة سوى ذلك الإمام النبيل!! لم يفتْه مشهد من تلك المشاهد الكبار البتة، حتى آل إليه زمام الخلافة فقام بحقها كما يحب الله ورسوله إلى أن وافتْه المنية راضيًا عن الله محتسبًا. وكيف لا يرضى الله عنه؟ ومآثره وأخباره وفضائله وزهده وورعه وتقواه منشورة في بطون أمهات المصادر والمراجع؟! فيغنينا ذلك عن الإحالة على ترجمة له. رزقنا الله رؤيته والاجتماع به {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر: 54، 55].
1 -
حسن: أخرجه أبو داود [1521]، وابن ماجه [1395]، والترمذي [3006]، والنسائي في "الكبرى"[10247، 10250]، وأحمد [1/ 2، 10]، وابن أبي شيبة [17642] =
وحدثنى أبو بكر وصدق أبو بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ مُسْلِمٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيَسْتَغْفِرُ اللهَ إِلَّا غَفَرَ لَهُ".
= والطيالسي [رقم/ 1]، وابن حبان [623]، والحميدي [رقم/ 1]، وابن المبارك في "الزهد"[رقم/ 1088]،
والبيهقي في "الشعب"[5/ رقم 7077]، وابن بشران في "الأمالي"[رقم/ 678]، وتمام في فوائده [2/ رقم/ 1408]، وأبو مطيع محمد بن عبد الواحد المصري في "مجلسين من أماليه"[رقم/ 81 مخطوط/ بترقيمي]، وجماعة كثيرة من طرق عن عثمان بن المغيرة عن علي بن ربيعة عن أسماء بن الحكم عن علي بن أبي طالب عن أبي بكر الصديق به مرفوعًا
…
، وليس عند بعضهم: ذكْرُ الركعتين.
وقد زاد أبوَ داود والترمذي والبيهقي وأبو مطيع في آخره: "ثم قرأ هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} إلى آخر الآية"، وهو رواية للنسائي وأحمد والمؤلف كما يأتى [برقم/ 11].
قلتُ: هكذا رواه الثوري ومسعر وقيس بن الربيع ومسدد وأبو عوانة وشريك القاضي وشعبة - واضطرب في تسمية أسماء - وزائدة وإسرائيل وجماعة كلهم عن عثمان بن المغيرة عن علي بن ربيعة عن أسماء بن الحكم عن علي به. كما مضى. ثم جاء على بن عابس الكوفي وخالف الجميع.
فرواه عن عثمان بن المغيرة فقال: عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد [وتحرَّف عند الطبراني إلى: "ناجذ"! بالذال في آخره! وإنما هو بالدال في آخره كما نصَّ عليه الخزرجي في "الخلاصة"، عن على بن أبي طالب عن أبي بكر به. هكذا أخرجه الطبراني في "الدعاء" [1/ رقم 1843/ طبعة دار البشائر]، من طريق يحيى بن عثمان بن صالح ثنا أصبغ بن الفرج ثنا ابن وهب عن علي بن عابس به، وهذه مخالفة منكرة. وابن عابس: قد ضعفه النقاد كلمة واحدة، بل تركه بعضهم وهو من رجال الترمذي وحده. والطريق إليه مخدوش أيضًا، فيه: يحيى بن عثمان بن صالح، وقد تكلموا فيه.
وقد اختلف على ابن عابس في سنده! كما تراه في علل "الدارقطني"[1/ 771].
• والصواب: ما رواه الجماعة عن عثمان بن المغيرة على الوجه الماضي.
وقد تُوبع عثمان بن المغيرة عليه: تابعه:=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= معاوية بن أبي العباس القيسى: عند الطبراني في "الأوسط"[1/ رقم 584]، وفى "الدعاء"[رقم/ 1844]، وابن عدى في "الكامل"[1/ 430]، والإسماعيلى في "معجمه"[1/ رقم/ 330] بإسناد صحيح إلى معاوية به نحوه. وقد أعل الترمذي هذا الحديث في "سننه"[5/ 228]، بالوقف.
فقال: "قد رواه شعبة وغير واحد عن عثمان بن المغيرة فرفعوه، ورواه مسعر وسفيان - يعنى الثوري - عن عثمان بن المغيرة فلم يرفعاه، وقد رواه بعضهم عن مسعر فأوقفه ورفعه بعضهم.
ورواه سفيان الثوري عن عثمان بن المغيرة فأوقفه .. ".
قلتُ: الظاهر أنه قد اختلف على الثوري ومسعر في الرفع والوقف، غير أن الرفع أرجح دون تردد. وقد مضى أن عثمان قد توبع عليه.
والحديث قد حسنه جماعة: منهم الترمذي وابن عدى وموسى بن هارون الحمال والذهبي وابن حجر وغيرهم. وصححه جماعة سواهم. ومداره على أسماء بن الحكم، وهو شيخ صدوق إن شاء الله، ولم يصب من رماه بالجهالة، كالبزار وبعضهم!
نعم: لم يذكروا من الرواة عنه سوى رجلين! ولم يوثقه - نصًا - غير العجلي وابن حبان، والأخير قال:"يخطئ"، ثم أخرج حديثه في "صحيحه". وتعجب منه الحافظ بما تراه في "التهذيب"[1/ 268]، وتعجُّبُه مردود - بمجموعه - عند النظر.
وعبارته هناك: "وقال ابن حبان في "الثقات": "يخطئ"، وأخرج له هذا الحديث في "صحيحه"، وهذا عجيب؛ لأنه إذا حكم بأنه يخطئ وجزم البخاري بأنه لم يرو غير حديثين، يخرج من كلاهما أن أحد الحديثين خطأ، ويلزم من تصحيحه أحدهما انحصار الخطأ في الثاني".
قلتُ: ما كان له أن يحاكم الرجلَ إلى جَزْمِ غيره! ومن أين له أن ابن حبان يوافق البخاريَّ على أن أسماء ليس له سوى حديثين اثنين في حياته كلها؟! على أن جَزْمَ البخارى إنما كان بالنسبة إلى ما وقع إليه من حديث أسماء، ولا ينفى أن يكون له سواهما في عالم الإمكان.
وكذا مشَّى "أسماء" كلُّ من حسَّن له هذا الحديث أو صححه. لكن ذكره جماعة في "الضعفاء".
وقال البخارى في "تاريخه"[2/ 54]: "
…
ولم يُرو عن أسماء بن الحكم إلا هذا الواحد - يريد الحديث الماضى - وحديث آخر لم يُتابع عليه .... ".=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد تعقبه الذمبى في "الميزان" كما في تخريج "الكشاف" للزيلعي [1/ 429 - 430] فقال: "وَهَذَا لَا يقْدَح؛ إذ لَيْسَ من شَرط الصَّحيح المُتابَعَة، وَفى الصَّحِيح أحَادِيث لَا تُعرف إِلَّا من ذَلِك الْوَجْه كَحَديَث الأعْمَال بِالنِّيَّاتِ". وَكلام الذهبي هذَا: ساقط من مطبوَعة "الميزان".
وبنحو هذا: أجاب المزي في "تهذيبه"[2/ 533]، فقال:"ما ذكره البخاري رحمه الله لا يقدح في صحة هذا الحديث، ولا يوجب ضعفه، أما كونه لم يتابع عليه، فليس شرطًا في صحة كل حديث صحيح أن يكون لراويه متابع عليه، وفى الصحيح عدة أحاديث لا تعرف إلا من وجه واحد، نحو حديث: "الأعمال بالنية" الذي أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول، وغير ذلك
…
".
ثم قال البخاري: "وقد روى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم عن بعض فلم يُحَلِّف بعضهم بعضًا".
وليس هذا بعلة يُردُ بها الحديث على التحقيق. وقد ردَّ عليه المزي أيضًا فقال: "وأما ما أنكره من الاستحلاف، فليس فيه أن كل واحد من الصحابة كان يستحلف مَنْ حدَّثه عن النبي صلى الله عليه وسلم بل فيه أن عليًّا - رضى الله عنه - كان يفعل ذلك، وليس ذلك بمنكر أن يحتاط في حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل عمر - رضى الله عنه - في سؤاله البينة بعض من كان يروى له شيئًا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مشهور عنه، والاستحلاف أيسر من سؤاله البينة، وقد رُوى الاستحلاف عن غيره أيضًا، على أن هذا الحديث له متابع، رواه عبد الله بن نافع الصائغ، عن سليمان بن يزيد الكعبي عن المقبري، عن أبي هريرة، عن علي.
ورواه حجاج بن نصير، عن المعارك بن عباد، عن عبد الله بن سعيد بن أبي سجد المقبري، عن جده، عن علي. ورواه داود بن مهران الدباغ، عن عمر بن يزيد عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن علي، ولم يذكروا قصة الاستحلاف. واللَّه أعلم".
وقد تعقب الحافظ في "تهذيبه"[1/ 268] أبا الحجاج المزيَّ فقال: "والمتابعات التى ذكرها لا تشد هذا الحديث شيئًا؛ لأنها ضعيفة جدًّا، ولعل البخاري إنما أراد بعدم المتابعة في الاستحلاف، أو الحديث الآخر الذي أشار إليه". والذى عندى أن مقولة البخاري: "
…
لم يتابع عليه
…
" متوجهة إلى ضبط الراوى نفسه، وهذا معروف من صنيع البخاري في "تاريخه".
فلم أجده يطلق هذه المقولة - غالبًا - إلا فيمن تُكلِّم فيه، أو كان فيه جهالة، أو يراه البخاري ليس ممن يحتمل تفرده، ويريد بتلك العبارة الغمز ممن قيلت فيه.
ولهذا ذكره العقيلى في "الضعفاء"[1/ 106]، وحكى كلام البخاري ثم أقره عليه.=
2 -
حدَّثنا أبو خيثمة، حدّثنا بشر بن عمر الزهرانى، حدّثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس بن الحدثان.
= وكذا أورده الذهبي في "الميزان"[1/ 255]، وسبقه ابن عدى في "الكامل" لكنه قال في ختام ترجمته:"وهذا الحديث طريقه حسن، وأرجو أن يكون صحيحًا".
وللحديث: طرق أخرى عن علي رضي الله عنه: وكلها معلولة، بل لم يصح منها شئ أصلًا - على تفاوتٍ في درجات ضعفها - وقد ذكرها - أو أكثرها - الدارقطني في "العلل"[1/ 180]، وحكى وجوه الاختلاف فيها ثم قال: "وأحسنها إسنادًا وأصحها: ما رواه الثوري ومسعر ومن تابعهما عن عثمان بن المغيرة
…
".
قلت: يعنى به الطريق الماضي.
وقوله: "وأحسنها
…
وأصحها
…
" لا يعنى به التحسين والتصحيح الاصطلاحي، على ما يبدو لى، بل مراده: الحُسْن والصحة باعتبار عدم تأثير الاختلاف في هذا الطريق، أو أنه أرجح مِنْ كل ما مضى، أو هذا الطريق هو أنظف طرقه التى ساقها.
هَكذا وجدتُ الدارقطني يتصرف بهذا المسلك في جملة من الأحاديث. بل وهذا تصرفٌ معروف في نقد قدماء المحدثين. نعم: قد يطلق الدارقطني مثل تلك العبارة ويريد بها التصحيح الاصطلاحي وكذا التحسين، فإن كان هذا مراده هنا - وهو الظاهر بعد إمعان النظر أخيرًا - فالقول بتحسين هذا الحديث - دون تصحيحه - قول قوى إن شاء الله.
ولا يُحسِّنه - إن صح التعبير - مثل الدارقطني إلا ويكون أسماء بن الحكم عنده مرضيًّا.
وقبله قال الحافظ موسى بن هارون الحمال: "هذا الحديث جيد الإسناد"، كما نقله عنه الحافظ في "التهذيب". وقد مضى أن جماعة قد صححوه وحسنوه. والتحسين هو الذي يروق لى.
وللحديث: شواهد عن جماعة من الصحابة - دون هذا السياق - ذكرهم الترمذي في "سننه"[2/ 257/ عقب رقم/ 406]. وقد بسطنا تخريج هذا الحديث والكلام عليه في كتابنا: "غرس الأشجار بتخريج منتقى الأخبار". واللَّه المستعان.
2 -
صحيح: أخرجه البخاري [6347]، ومسلم [1757]، والترمذي [1610]، والبيهقي [12508]، والطحاوي في "شرح المعاني"[3/ 280]، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"[1/ رقم 161] وابن عبد البر في "التمهيد"[8/ 155]، وجماعة من طرق عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن ابن الحدثان عن عمر عن أبي بكر به مرفوعًا.
قلتُ: وقد اختلف في سنده على مالك بن أنس فرواه جماعة عنه على الوجه الماضي به.=
عن عمر قال: لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أنت وهذا - يعنى العباس وعليًا - تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ"، إسناده صحيح.
= وخالفهم البعض فرواه عن مالك فقال: عن ابن شهاب عن ابن الحدثان عن عمر بن الخطاب به مرفوعًا. وجعله من مسند "عمر بن الخطاب" وقد رجَّح ابن عبد البر الوجه الأول وقال - كما في "التمهيد"[8/ 158]-: "والصحيح فيه عندى عن عمر عن أبي بكر
…
".
* والصواب عندى: أن الوجهين محفوظان معًا، ولا سيما وقد توبع مالك على هذا الوجه الثاني.
تابعه: معمر عند أحمد [1/ 47]، وجماعة.
وكذا تابعه: عمرو بن دنيار: عند النسائي في "الكبرى"[6308]، وعند المؤلف كما سيأتي.
وكذا تابعه: يونس الأيلي وغيره.
وما المانع: من أن يكون عمر قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ثم بواسطة عنه؟! والخطب سهل إن شاء الله.
وقد رواه عن الزهري - على الوجهين - جماعة من أصحابه.
ثم جاء تليد بن سليمان - ذلك الرافضي المحترق! - فرواه عن عبد الملك بن عمير عن الزهري فقال: عن مالك بن أوس عن أبي بكر به مرفوعًا
…
وأسقط منه عمر بن الخطاب هكذا ذكره الدارقطني في "علله"[1/ 170]، ثم ضعَّف تليدًا وقال:"لم يكن بالقوى في الحديث".
قلتُ: بل صح عنه - بنقل الثقات - أنه كان يشتم عثمان بن عفان ويسبه، وقد صح عن ابن معين - كما أخرجه الخطيب في "تاريخه"[7/ 137،]، بسندٍ صحيح - أنه قال:"تليد كذاب كان يشتم عثمان، وكل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دجَّال، لا يكتب عنه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
قلتُ: ولنا بحث في إسقاط عدالة كل من سب أحدًا من الصحابة، ولو ثبت عنه أنه أحفظ أهل الأرض أو أضبط أهل الدنيا. واللَّه المستعان.
وقد توبع الزهري على هذا الحديث: تابعه عكرمة بن خالد، ومحمد بن عمرو بن عطاء وغيرهما.
3 -
حدّثنا أبو هشام الرفاعى حدّثنا بشر بن عمر، حدّثنا مالك عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر بن الخطاب: عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نُورَثُ ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ".
4 -
حدّثنا الحارث بن سريج أبو عمر، حدّثنا سفيان بن عيينة، حدّثنا عمرو، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه حدثه قال: أرسل إليَّ عمر بعدما متع النهار، فأذن لى، فدخلت عليه، وهو على سرير ليف، مسند ظهره إلى رماله متكئ على وسادة من أدم فقال لى: يا مال، إنه قد دف دافة من قومك، وقد أمرت لهم بمال، فخذه فاقسمه بينهم، فقلت له: يا أمير المؤمنين مالى على ذلك من قوة، فلو أمرت به غيرى فقال: خذه فاقسمه فيهم قال: ثم جاءه يرفأ فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد؟ قال: نعم، فأذن لهم فدخلوا ثم جاءه فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك في على و العباس؟ قال نعم قال: فدخلا والعباس يقول: يا أمير
3 - صحيح: انظر قبله.
وأبو هشام الرفاعي: ضعيف الحديث. ومن أثنى عليه - فضلًا عمن وثقه - فلم يَخْبُر حديثه جيدًا.
4 -
صحيح: انظر قبله.
وطريق عمرو - وهو ابن دينار -: عند أحمد [1/ 191]، والبزار [رقم/ 2]، والبيهقى في "سننه"[13147]، والنسائى في "الكبرى"[6309]، وأبى بكر المروزي في مسند أبي بكر [رقم 3]، وغيرهم مختصرًا، وعندهم موضع الشاهد:"لا نورث، ما تركنا صدقة".
وعزاه حسين أسد في تعليقه على "مسند المؤلف" إلى مسلم [1757]، وأبى داود [2965].
وهو عندهما دون موضع الشاهد أصلًا ولو صحّ هذا العزو لكان عزوه إلى البخاري أولى؛ لأنه عنده من هذا الطريق [رقم 2748]، وكذا الترمذي [1719]، والنسائي [4140]، وجماعة بنحو ما عند مسلم وأبى داود، وللَّه الأمر.
والحديث ثابت بنحو هذا السياق هنا: من طريق مالك عن الزهري بإسناده به
…
عند البخاري [رقم/ 2927]، ومسلم [رقم/ 1757]، وجماعة.
وهكذا رواه معمر وغيره عن الزهري مطولًا أيضا. وفى سند المؤلف: "الحارث بن سريج" وهو على فقهه وعلمه ساقط الرواية على التحقيق. واضطرب فيه قول ابن معين.
المؤمنين اقض بينى وبين هذا - قال سفيان: وذكر كلامًا شديدًا - فقال القوم: يا أمير المؤمنين، اقض بينهما وأرح كل واحد منهما من صاحبه! فقال لهم عمر: أنشدكم باللَّه الذي بإذنه تقوم السموات والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صدقةٌ؟ " قالوا: نعم، فقال عمر: إن الله خص رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة لم يخص بها أحدًا غيره ثم قرأ الآية: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} الآية [الحشر: 6]، قال سفيان: ولا أدرى قرأ الآية التي بعدها أم لا. قال: فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكم أموال بنى النضير، فواللَّه ما استأثر عليكم ولا أحرزها دونكم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منه نفقته ونفقة عياله لسنته ويجعل ما فضل في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله، ثم قال لهم: أنشدكم بالذى بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون ذلك؟ قالوا: نعم ثم نشد عليًا والعباس بما نشد القوم. به: أتعلمان ذلك؟ قالا: نعم قال: فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت يا عباس تطلب ميراثك من ابن أخيك وجاء على يطلب ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نُورَثُ ما تَرَكْنَا صَدَقَةٌ" فرأيتمانى واللَّه يعلم أنه مضى بارًا راشدًا تابعًا للحق، فلما توفى أبو بكر فقلت: أنا ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وولى أبي بكر فرأيتمانى واللَّه يعلم أنى صادق بار راشد تابع للحق فجئتمانى وأمركما واحد فسألتماني أن أدفعها إليكم فقلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذى كان يعمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذتماها بذلك فقال لهما: أكذاك؟ قالا: نعم قال: ثم جئتمانى لأقضى بينكما، واللَّه لا أقضى بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما فرداها إليَّ.
5 -
حدثنا موسى بن محمد بن حيان، أخببرنا عبد الصمد بن عبد الوارث، أخبرنا
5 - صحيح: الموقوف منه فقط: أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"[1/ رقم/ 7/ مع عجالة الراغب]، والبيهقى في "الشعب"[4/ 4947]، والدارقطني في "العلل"[1/ 161]، وفى "الأفراد والغرائب"[1/ 33/ أطرافه/ الطبعة التدمرية]، والضياء في "المختارة"[1/ 76]، والخطيب في "الفصل للوصل"[1/ 201]، كلهم من طريق موسى بن محمد بن حيان عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن الدراوردى، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، عن أبي بكر به. =
عبد العزيز الأندراوردي، عن زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر اطلع على أبي بكر وهو يمد لسانه فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟ فقال: إن هذا أوردني الموارد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَيسَ شَيْءٌ مِنَ الجْسَدِ، إِلَّا وَهُوَ يَشْكو ذَرَبَ اللِّسانِ".
= قال الهيثمي في "المجمع"[10/ 543]: "رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير موسى بن محمد بن حيان، وقد وثقه ابن حبان". وتعقبه المناوي في "الفيض"[5/ 367] بقوله: "وأقول: ليس توثيقه بمتفق عليه؛ فقد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أبو زرعة".
ولم يُعْجب أبا الفيض الغمارى هذا التعقب! فقال في الداوى [5/ 342] يردُ على المناوي: "انظر هذَا وتعجَّب من غفلة هذا الرجل! - يعنى المناوي -
…
" ثم ذكر أن موسى بن حيان قد توبع عليه.
والغماري مغرم بانتقاد المنهاوي في كل ما دق وجلَّ، كما كان المناوي مغرم بتعقب السيوطي في كل صغير وكبير! ولا يخفى ما يكون في هذا الانتقاد وذاك التعقب من التمحُّل في كثير من المواطن.
وتعقُّبُ المنهاوى الماضي في محله الذي خُلِقَ له! وهو لم يُضَعِّف الحديث رأسًا، أو لم يجزم بتفرد "موسى بن حيان" به حتى يروق للغمارى سعيَه بتطلُّب التعجُّب من الناظر في كلامه.
نعم: موسى بن حيان وإن ذكره ابن حبان في "الثقات" ومشَّاه الخطيب، لكن ترك أبو زرعة الرازى حديثه! غير أنه لم ينفرد به، بل تابعه عليه غيره عن عبد الصمد به .. منهم:
1 -
عبد الرحمن بن زبَّان بن الحكم الطائى: عند ابن أبي الدنيا في الورع [رقم 92]، وفى الصمت [رقم 31/ طبعة دار الكتاب العربى]، ومن طريقه الخطيب في "الفصل للوصل"[1/ 201، 202]، والدارقطنى في "العلل"[1/ 161]، وأبو بكر بن النقور في الفوائد الحسان [رقم/ 13/ طبعة أضواء السلف]، وغيرهم من طريق عبد الرحمن به نحوه.
وابن زبان هذا: ترجمه الخطيب في "تاريخه"[10/ 367]، والذهبي في تاريخه "وفيات: 249 هـ"، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا! وقد تصحف اسمه عند ابن النقور إلى "عبد الله" بدل: "عبد الرحمن"! فظنه المعلق عليه: "عبد الله بن محمد بن شاكر البغدادي المقرئ! " وشَرعَ يترجم له، ولم يفعل شيئًا! وكذا قد تصحَّف اسم أبيه "زبَّان" - بالباء - عند ابن أبي الدنيا في "الصمت" طبعة دار الكتاب العربي، وكذا في طبعة مؤسسة الكتب الثقافية [ص/ 37/ رقم 13] " إلى: "زيَّان" بالياء! ولم ينتبه له المحدث الحويني في تعليقه عليه.=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 2 - ومحمد بن الحسين بن إشكاب: عند العسكرى في تصحيفات المحدثين [1/ 295/ طبعة المطبعة العربية الحديثة]، وابن السنى "في اليوم والليلة"[رقم/ 7/ مع عجالة الراغب]، وابن المقرئ في "معجمه"[ص/ رقم 823/ طبعة الرشد]، وأبى نعيم للأصبهاني في تسمية الرواة عن سعيد بن منصور [رقم/ 25]، وغيرهم من طريق ابن إشكاب به نحوه
…
وهو عند العسكري بالموقوف منه فقط. وعند الدارقطني إشارة! وابن إشكاب هذا: ثقة حافظ مأمون من رجال التهذيب.
فالإسناد ثابت إلى عبد الصمد بن عبد الوارث به. وقد ساقه الإمام الألباني من هذا الطريق في الصحيحة [2/ 34] ثم قال: "فالحديث صحيح الإسناد! ". وقبله قال ابن كثير: "إسناده جيد"! نقله عنه السيوطي في "الجامع الكبير"[2/ 527/ 2 - مصورة المكتب]، كما في الصحيحة [2/ 34]، وكما ذكره الهندى في كنز العمال [رقم / 8890].
والتحقيق: أن المرفوع من الحديث منكر ولا بد! والموقوف منه صحيح ثابت. والطريق المرفوع الماضي وإن كان ظاهره السلامة إلا أنه معلول!
وعبد الصمد بن عبد الوارث - وإن كان ثقة له أوهام - إلا أنه لم يضبطه عن الدراوردي!
فقعال الدارقطني عقب روايته في الأفراد: "تفرد به عبد الصمد بن عبد الوارث عن عبد العزيز بن محمد الدَّرَاوَرْدي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر.
قال ابن صاعد: كذا قال عبد الصمد، أدرج الحديث المسند بالموقوف، وفَصَلَه لنا عبد الله بن عمران العابدى عن الدَّرَاوَرْدي عن زيد عن أبيه: أن عمر اطلع على أبي بكر وهو يَدْلَع لسانه آخذَه بيده، فَقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: وهل أوردني الوارد إلا هذا.
قالَ ابن صاعد: هذا آخر الحديث، ثم ابتدأ آخَرُ في إِثْره: قال العابدى: ثنا الدَّرَاوَرْدي عن زيد بن أسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عضو من الأعضاء إلا ويشتكى إلى الله عز وجل ما يلقى من اللسان على حِدَتِه".
وقال الدارقطني أيضًا في "العلل" بعد أن ساق رواية عبد الصمد: "وهم فيه يعنى عبد الصمد - على الدراوردي! والصواب عنه - يعنى عن الدراوردي - عن زيد بن أسلم عن أبيه: "أن عمر اطلع على أبي بكر وهو آخذ بلسانه فقال: هذا أوردني الموارد" وقال الدراوردي: عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل عضو يشكو.". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال الخطيب في "الفصل" بعد أن ساق كلام ابن صاعد الماضي، أعنى قوله:"كذا قال عبد الصمد، أدرج الحديث المسند بالموقوف، وفَصَلَه لنا عبد الله بن عمران العابِدي .. ".
قال الخطيب: "أما المسند المذكور في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنما يرويه الدراوردي عن زيد بن أسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلًا لا ذكر فيه لأبي بكر ولا لعمر ولا أسلم!
وأما الوقوف: فهو كما ساقه عبد الصمد من أول حديثه إلى آخر قول أبي بكر "هذا أوردني الموارد".
ثم قال الخطيب في ختام كلامه: "ليس في هذا الحديث إشكال يتخوف منه اختلاط كلام النبي صلى الله عليه وسلم بكلام أبي بكر الصديق، وإنما المشكل منه: أن عبد الصمد بن عبد الوارث روى حديث أبي بكر وأتبعه بكلام النبي صلى الله عليه وسلم من غير فاصلة! فشبه بذلك أن أبا بكر هو الذي رواه إثر قوله، ونسقه في كلامه، ولو ذكر في أحاديث من وصل المرسل المقطوع بالمتصل المرفوع، لكان لائقًا بذلك الباب، واللَّه الموفق لإدراك الصواب".
قلتُ: فحاصل هذا: أن عبد الصمد أخطأ في هذا الحديث على الدراوردي! فأدرج ما أرسله زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "ليس شئ من الجسد إلا وهو يشكو ذرب اللسان"، عقب قول أبي بكر الموقوف عليه:"هذا أوردني الموارد"، ولم يفصل بين الموقوف والمرسل! فأوهم أن المرفوع موصول من رواية أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم!
واغتر بذلك من صحح أو جوَّد هذا الطريق من المتأخرين، ومشوا على ظاهِر ذلك الإدراج الخفى، وقد خولف فيه عبد الصمد! خالفه عبد الله بن عمران العابِدي - وهو صدوق صالح من رجال الترمذي، فرواه عن الدراوردي ففصَّله تفصيلًا، وميَّز الموقوف من قول أبي بكر، والمرسل عن زيد بن أسلم. فقال:"ثنا الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب اطلع على أبي بكر وهو مدلع لسانه، [فـ] أخذ بيده فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟ فقال: وهل أوردني الموارد إلا هذا" ثم قال عقب هذا: "أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي. عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عضو من الأعضاء إلا وهو يشتكى إلى الله ما يلقى من اللسان على حدته" هكذا أخرجه الخطيب في "الفصل"[1/ 208 - 209]- واللفظ له - والدارقطني في "العلل"[1/ 161]، وفى الأفراد [1/ 33/ أطرافه]، من طريق أبي محمد بن صاعد عن العابدي به. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال الخطيب: "وروى عبد الله بن عمران العابدي عن عبد العزيز الدراوردي الحديث الذي سقناه عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن الدراوردي بطوله، إلا أنه فصل كلام أبي بكر الصديق منكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفرد لكل واحد منهما إسنادًا".
قلتَ: وهكذا رواه عبيد الله بن عمر القواريري - الثقة الحافظ - عن الدراوردى فقال: عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر أنه رأى أبا بكر وهو مدلع لسانه، [فـ] أخذه يده فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟! "فقال: وهل أوردني الوارد إلا هذا" ولم يذكر المرفوع من مرسل زيد بن أسلم! أخرجه عبد اللَّه بن أحمد في زوائده على "الزهد"[رقم/ 581/ طبعة دار ابن رجب] قال: حدثنى عبيد الله بن عمر به. وهذا إسناد جيد من هذا الوجه، وقد توبع عليه الدراوردي كما سيأتي. وقد وهم المُحدِّث الحُويني في تعليقه على كتاب "الصمت/ لابن أبي الدنيا"[ص/ 51] في هذا الموطن! وظن أن عبيد الله القواريري يروى مذا الحديث الوقوف عن زيد بن أسلم! فساق روايته في جملة من تابع الدراوردي عليه عن زيد بن أسلم! وكذلك رأيته صنع في كتابه النافلة [رقم/ 16]! وهى غفلة مكشوفة بلا ريب! إنما يرويه القواريري عن الدراوردي عن زيد بن أسلم. فانتبه يا رعاك الله.
فإن قلتَ: قد توبع عبد الصمد بن عبد الوارث على الوجه الأول عن الدراوردي!
تابعه سعيد بن منصور، وإسماعيل بن أبي أويس، ويعقوب بن حميد، قالوا: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر - رضى الله عنه -:"أنه اطلع على أبي بكر - رضى الله عنه - وهو يمد لسانه، فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما تصنع؟ قال: إن هذا أوردني الموارد، وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس شئ من الجسد إلا وهو يشكو اللسان إلى اللَّه على حدته"! وها قد صرَّح أبو بكر بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
قلنا: هذه متابعة باطلة ولو أوقد عليها مُوقدٌ ألفَ سنة! فقد أخرجها أبو نعيم في الرواة عن سعيد بن منصور [رقم/ 23]، من طريق أبي الفَرج أحمد بن جعفر النسائي عن أحمد بن محمد بن الصلت عن الثلاثة به. أما شيخ أبي نعيم: فمخفيُّ الحال غائب الأحوال، قال البرقاني:"لا أعرف حاله"، كما في تاريخ الخطيب [4/ 72]، لَكن نقل الذهبي في "الميزان"[1/ 87]، عن ابن الفرات الحافظ أنه قال:"ليس بثقة". ولا يثبت هذا عن ابن الفرات إن شاء الله. والذهبي قد نقله من تاريخ بغداد [4/ 72]، ولفظ الخطيب هناك:"حُدِّثت عن محمد بن العباس بن الفرات قال .... " وذكره. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وهذا منقطع لا تقوم به حجة في ثلب الرجل. والصواب التوقف في شأنه حتى يثبت التوثيق أو نقضه.
وأما ابن الصلت: فما أدراك ما ابن الصلت؟! هو ذلك الساقط المنحط، وفد كذَّبه الأئمة بخط عريض وماذا يُجْدي تحمس الكوثري دونه وهو المكشوف الأمر وقد عركنا أُذُنَ كل مَنْ تعصَّب لهذا الكذاب الأشر في كتابنا:"المحارب الكفيل بتقويم أسنَّة التنكيل". وراجع ترجمته في "تاريخ بغداد"، و"تنكيل المعلمى". ولسنا نشك في كون تلك المتابعة: هي أنسوجة مزركشة مما عملتْه يداه! وقد كان ابن الصلت بارعًا جدًّا في نسْج الأكاذيب على ألسنة ثقات الرواة والنَّقَلة! عامله الله بما يستحق.
والحديث: لا يثبت منه إلا الموقوف على أبي بكر وحسب.
وقد توبع الدراوردي على هذا الوجه الموقوف عن زيد بن أسلم، تابعه جماعة منهم:
1 -
مالك بن أنس - الجبل الراسخ -: وروايته في كتابه "الموطأ"[رقم/ 1788/ رواية يحيى الليثي]، و [2/ رقم/ 2578/ رواية أبي مصعب الزهري] ومن طريقه ابن وهب في "الجامع"[1/ رقم/ 308/ طبعة ابن الجوزي]، وأبو نعيم في "الحلية"[1/ 33]، والبيهقي في "الشعب"[4/ رقم 4990]، والخطيب في "الفصل للوصل"[1/ 204]، وغيرهم.
2 -
ومحمد بن عجلان - وهو ثقة له أوهام -: عند ابن أبي شيبة [رقم/ 26500]، و [رقم/ 37047]، وفى الأدب [رقم/ 222]، وابن أبي عاصم في "الزهد"[رقم/ 81]، وغيرهما.
3 -
وأسامة بن زيد بن أسلم: عند ابن أبي عاصم في "الزهد"[رقم 22]، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية"[9/ 17]، والعسكري في تصحيفات المحدثين [ص 294].
4 -
والقاسم بن عبد الله بن عمر - وهو واهٍ - عند ابن وهب في "الجامع"[2/ رقم/ 412].
5 -
وهشام بن سعد المدني - ضعيف إلا في زيد بن أسلم -: عند البلاذري في أنساب الأشراف [10/ 17/ طبعة دار الفكر]، والخطيب في "الفصل للوصل"[1/ 206]، وأبي عبيد في "غريب الحديث" ومن طريقه الخطيب أيضًا [1/ 257]، وغيرهم من طريق هشام به نحوه ..
• تنبيه: قال الخطيب في "الفصل للوصل" بعد أن ذكر رواية مالك وغيره لهذا الخبر عن زيد بن أسلم: "وخالف الجميع هشام بن سعد! فرواه عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب عن أبي بكر الصديق
…
".=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ومراده بالمخالفة: هي قول هشام، "عن زيد عن أبيه عن عمر"، والآخرون يروونه عن "زيد عن أبيه أن عمر
…
"، فيكون هشام قد جوَّده عن أبيه عن عمر، ويكون غيره قد أرسله عن زيد عن أبيه.
وهو خلاف غير مؤثِّر على التحقيق. والظاهر عندى أن أسلم قد سمعه من عمر، فتارة كان يذكر ما يدل على سماعه، وتارة كان يسوق الخبر ولا ينشط لإقامة ما يدل على سماعه له من عمر.
وهشام بن سعد: وإن كان جماعة قد تكلموا فيه، إلا أنه أثبت الناس في زيد بن أسلم، كما يقول أبو داود.
ولو رجَّحنا رواية مالك ومن تابعه على رواية هشام عن زيد، فالأثر موصول عندنا - أيضًا - إن شاء الله، فهو وإن كان صورته صورة المرسل: "زيد بن أسلم عن أبيه: أن عمر اطلع على أبي بكر
…
" لكنه محمول على الاتصال؛ لكونه من رواية أسلم مولى عمر، وهو مَنْ هو في معرفته وخبرته بأحوال عمر.
وبمثل هذا: أجاب الحافظ عن الحديث الذي يرويه هشام بن عروة عند البخاري [36831]- عن أبيه قال: "توفيت خديجة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين فلبث، سنتين أو قريبًا من ذلك، ونكح عائشة وهى بنت ست سنين، ثم بنى بها وهى بنت تسع سنين".
فقال في "الفتح"[7/ 224]: "قوله عن أبيه هذا صورته مرسل، لكنه لما كان من رواية عروة مع كثرة خبرته بأحوال عائشة يُحمل على أنه حمله عنها".
وقد اختلف على هشام بن سعد في إسناده! فرواه عنه شعيب بن حرب، وأبو نعيم الملائي على الوجه الماضي. وخالفهما ابن وهب! فرواه عن هشام فقال: عن زيد بن أسلم عن عمر عن أبي بكر به
…
وأسقط منه والد زيد، هكذا رواه ابن وهب في "الجامع"[1/ رقم/ 307].
وتابع هشامًا على هذا الوجه الثاني: يحيى بن عبد الله بن سالم وعبد الله بن عمر العمري عند ابن وهب أيضًا [1/ رقم/ 307]- واختلف فيه على العمرى كما سيأتي في كلام ابن النقور.
وتابعهم أيضًا على هذا الوجه: داود بن قيس كما ذكره الدارقطني في "العلل"[1/ 161]- واختلف عليه كما سيأتي في كلام ابن النقور.
وتابعهم أيضًا: سعير بن الخمس
…
ذكره الدارقطني أيضًا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ثم جاء سفيان الثوري وخالف الجميع واختلف عليه فيه! فرواه عنه ابن المبارك ووكيع ومحمد بن كثير، وأبو داود الحفري، وابن مهدى كلهم قالوا: عن الثوري عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي بكر الصديق به
…
وأسقط منه عمر، هكذا أخرجه ابن المبارك في "الزهد"[رقم 369]، وابن أبي عاصم في "الزهد"[رقم 19، 20]، وأبو داود في "الزهد"[رقم/ 30]، وأحمد في "الزهد"[رقم 563/ طبعة دار ابن رجب]، ووكيع في "الزهد"[رقم/ 281]، ومن طريقه الخرائطي في مكارم الأخلاق [رقم/ 201/ المنتقى منه للسِّلَفي/ طبعة دار الفكر]، والخطيب في "الفصل للوصل"[1/ 205، 207]، وغيرهم.
وخالفهم جميعًا: قبيصة بن عقبة؛ فرواه عن الثوري فقال: "عن زيد بن أسلم عن أبيه أن أبا بكر جعل يلوى لسانه أو يحرك لسانه ويقول هذا أوردني الموارد"! وأسقط منه "أسلم" والد زيد.
هكذا أخرجه هناد في "الزهد"[2/ رقم/ 1093]، ومن طريقه الخطيب في "الفصل للوصل"[1/ 206]، قال: حدثنا قبيصة به.
قلتُ: ورواية الجماعة عن الثوري أصح. وقد غلط المعلق على "الزهد لهناد/ طبعة دار الخلفاء للكتاب الإسلامي]، وأقحم في إسناد هناد قوله: "عن أبيه" بين زيد بن أسلم وأبي بكر!
وأشار بالهامش إلى أن تلك الزيادة لم ترد في المخطوط الذي بين يديه، ولكنه زادها لاتفاق أصحاب الثوري عليها، وهذا تجاوز منه للحدود، وتعدٍّ على الأصول بالزيادة فيها على المعهود.
ولم ينهض الثوري بإسناد هذا الخبر عن زيد بن أسلم! وقول من رواه عن زيد بن أسلم على الوجه الأول - بزيادة عمر فيه - هو الأصح.
فقال الدارقطني في "علله"[1/ 161]: بعد أن ذكر رواية الثوري: "ويقال: إن هذا وهم من الثوري. والصحيح من ذلك ما قاله ابن عجلان وهشام بن سعد ومن تابعهما ..... ". يعنى: في روايتهم عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن أبي بكر به.
وقال أبو بكر بن النقور في الجزء الأول من الفوائد الحسان [1/ 133]، كما في "الصحيحة" [رقم/ 535]: "
…
وقيل: إن هذا وهم من الثوري
…
".
وقبل ذلك رواه من طريق الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن أبي بكر باللفظ المتقدم - أول التخريج - به مرفوعًا ثم قال: "واختلف عن زيد - يعنى ابن أسلم - فرؤاه هشام بن سعد ومحمد بن عجلان وداود بن قيس وعبد الله بن عمر العمري كرواية عبد العزيز التى رويناها
…
".=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلت: ففهم الإمام في الصحيحة [رقم 535] أن هؤلاء المذكورين جميعهم قد تابعوا الدراوردي على لفظه المرفوع فقال - يرحمه الله -: "قلتُ: فالحديث صحيح الإسناد على شرط البخاري؛ فإن الدراوردي ثقة وإن كان من أفراد مسلم، فقد تابعه الجماعة الذين ذكرهم ابن النقور
…
".
قلتُ: وهذا ما كان أصلا ولن يكون، ولو كان الإمام - يرحمه الله - تتبع طرق هؤلاء المذكورين - وقد مضت - لأدرك أن هؤلاء ما وافقوا الدراوردي على رفعه البتة بذلك اللفظ المعهود.
بل ما وافقوه إلا في إسناده عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن أبي بكر به موقوفًا بلفظ: "هذا الذي أوردني الموارد .... "، وهذا هو الذي لا يُفهم من كلام ابن النقور سواه. أما سائر المرفوع فمرسل ليس فيه خير. ثم قال الإمام:" .... فالحديث عن زيد بن أسلم صحيح مشهور .. ".
قلت: نعم ولكن موقوفًا عن أبيه عن عمر عن أبي بكر كما مضى شرحه.
وأما المرفوع: فهو من مرسل زيد بن أسلم، كما بيَّن ذلك عبد الله بن عمران العابدي في روايته عن الدراوردي عن زيد بن أسلم كما مضى. وقد جزم الحافظ البزار في مسنده "المعلل"[1/ 161/ البحر الزخار] بكون الوجه المرفوع منكرًا؛ فلهذا لم يُسْنده في كتابه وإنما علَّقه
…
كذا قال.
وقد وجدت للموقوف عن أبي بكر: طريقًا آخر يرويه النضر بن إسماعيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال: "رأيت أبا بكر - رضى الله عنه - آخذًا بطرف لسانه وهو يقول: هذا أوردني الموارد". أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت [رقم/ 19]، ومن طريقه زين الدين بن الشماع الحلبى في "ثَبَتِ شيوخه/ الأول منه"، وأحمد في "العلل"[2/ 132، 269/ رواية عبد الله]، ومن طريقه العقيلى في "الضعفاء"[4/ 290]، من طرق عن النضر بن إسماعيل به
…
قلت: وهذا إسناد منكر! والنضر هذا قد ضعفوه وتكلموا فيه، وانفرد العجلى بتوثيقه! ولم يلتفت أحد إلى هذا التوثيق! ثم وجدتُ بعضهم قد مشَّاه أيضًا.
* والصواب: أنه شيخ ضعيف، ولا يحتمل لمثل هذا النضر التفرد عن مثل إسماعيل بن أبي خالد أصلًا.
وقد أنكر عليه الإمام أحمد هذه الرواية من هذا الطريق.
فقال عبد الله بن أحمد في "العلل"[3/ 297]، ومن طريقه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"[8/ 474]، العقيلى في "الضعفاء" [4/ 290]:=
6 -
حدّثنا سويد أخبرنا الوليد بن محمد عن الزهري حدثني سالم: أنه سمع أباه يحدث أن عمر لما تأيمت حفصة من ابن حذافة.
= "سألت أبي عن النضر بن إسماعيل أبي المغيرة القاص. قال: لم يكن يحفظ الإسناد، روى عن إسماعيل حديثًا منكرًا عن قيس رأيت أبا بكر آخذًا بلسانه. ونحن نروى عنه، وإنما هذا حديث زيد بن أسلم". ومذا النص: نقله البخاري في "تاريخه"[8/ 90]، ومن طريقه ابن عدى في "الكامل"[9/ 26]، عن الإمام أحمد، في ترجمة "النضر بن إسماعيل القاص".
وقد رأيتُ صاحب "الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات" قد ذكر رواية النضر هذه [ص/ 339 - 340]، وتكلم عليها بكلام حسن يشرح فيه عبارة الإمام أحمد الماضية. ومن كلامه هناك: "فقول الإمام أحمد: روى حديثًا منكرًا، بعد قوله لم يكن يحفظ الإسناد، يدل على أن النكارة هاهنا متعلقة بالإسناد، لا بالمتن.
ثم قوله: إنما هذا حديث زيد بن أسلم، يشير إلى أن أبا المغيرة القاص دخل عليه حديث في حديث، وأن الحديث هو كما يرويه زيد بن أسلم، لا كما قال أبو المغيرة هذا، وعليه؛ فلا اعتبار بإسناد أبي المغيرة هذا، لأنه إسناد خطأ منكر، لا علاقة له بهذا المتن
…
" راجع كلامه.
لكنى وجدتُ الدارقطني قد قال في "علله"[1/ 161]: "
…
ورُوىَ هذا الحديث عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر ولا علة له! تفرد به النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاص عن إسماعيل بن أبي خالد عنه".
والتحقيق: ما قاله الإمام أحمد، وما يحتمل هذا للنضر بن إسماعيل أصلًا! وقد كان الدارقطني حسن القول فيه! قال عنه:"كوفى صالح" كما في سؤالات البرقانى له [رقم/ 520]. وهذا الذي دعاه إلى أنه يقول عن خبر النضر هنا: "لا علة له"! وقد عرفتَ أنه معلول حتى النخاع.
تنبيه: قد تحرَّف "النضر بن إسماعيل" عند ابن أبي الدنيا في الصمت "طبعة دار الكتاب العربي، وطبعة مؤسسة الكتب الثقافية" إلى "النضر بن أبي إسماعيل"! فانتبه أيها المسترشد. وباللَّه التوفيق.
6 -
صحيح: أخرجه البخاري [3783]، والنسائي [3248]، وأحمد [1/ 12]، وابن حبان [4039]، والبزار [116]، والبيهقي في "الكبرى"[13527]، وأبو بكر المروزي في مسند أبي بكر [رقم 5]، والطبراني في "مسند الشاميين"[4/ رقم 233]، وابن سعد في "الطبقات"[8/ 82]، وجماعة كثيرة من طرق عن الزهري عن سالم عن أبيه به. =
قال عمر: لقيت عثمان فعرضت عليه حفصة؛ قال: سأنظر في أمرى فلبثت ليالى ثم لقينى فقال: قد بدا لى أن لا أتزوج يومى هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت: أنكحك حفصة فلم يرجع إلى شيئًا، فكنت عليه أوجد منى على عثمان فلبثت ليالى ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحته إياها، فلقينى أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليَّ حين عرضت عليَّ حفصة؟ قال: نعم قال: لم يمنعنى أن أرجع إليك إلا أننى كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها فلم أكن لأفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها قبلتُها.
قال عمر: فشكوت عثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَزَوَّجَ حَفْصَة خيرٌ من عُثْمانَ، ويزوج عُثمانُ خَيْرًا مِنْ حَفْصَةَ" فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنته.
7 -
حدّثنا أبو خيثمة أخبرنا يعقوب بن إبراهيم أخبرنا أبي، عن صالح عن ابن شهاب أخبرنا سالم بن عبد الله: أنه سمع عبد الله بن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خُنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عمر: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة بنت عمر.
قال: قلت: إن شئت أنكحتك حفصة، فقال: سأنظر في أمرى فلبثت ليالى ثم لقينى فقال: قد بدا لى أن لا أتزوج يومى هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت له: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر فصمت أبو بكر فلم يرجع إليَّ شيئًا فكنت عليه أوجد منى على عثمان، فلبثت أيامًا ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليَّ حين عرضت عليَّ حفصة فلم أرجع إليك شيئًا؟ قال: قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعنى أن أرجع إليك فيما عرضت عليَّ إلا أنى قد كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن أفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبلتها.
= وسويد - شيخ المؤلف -: هو ابن سعيد الحدثاني من رجال مسلم على ضعفٍ فيه.
والوليد بن محمد: هو البلقاوي المتروك وقد توبع عليه.
7 -
صحيح: هذا إسناده صحيح .. وانظر قبله.
8 -
حدّثنا أبو خيثمة حدّثنا عبد الرحمن بن مهدى حدّثنا سليم بن حيان عن قتادة، عن حميد بن عبد الرحمن الحِمْيَرِي.
أن عمر بن الخطاب قال: إن أبا بكر قام خطيبًا، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قام فينا عام أول فقال: "إِنَّه لمْ يُقْسمْ بيْنَ النَّاسِ شَيْءٌ أَفْضَلُ من المُعَافاة بَعْدَ اليَقينِ، أَلا إنَّ الصِّدْقَ والْبرَّ في الجْنَّة، أَلا إِنَّ والْكَذِبَ والْفُجورَ في النَّارِ".
9 -
حدّثنا مسروق بن المرزبان الكوفي قال: أخبرنا عبد السلام عن عبد الله بن بشر
8 - صحيح: أخرجه أحمد [1/ 9]، والطبراني في "الأوسط"[7/ رقم 6704]، والنسائي في "الكبرى"[10721]، وفى "عمل اليوم والليلة"[رقم 885]، وأبو بكر المروزي في مسند أبي بكر [رقم 6]، والمزى في "تهذيبه"[11/ 350]، وغيرهم من طريق سليم بن حيان عن قتادة عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن عمر بن الخطاب عن أبي بكر به مرفوعًا.
قلتُ: وهذا إسناد ضعيف وله علتان:
الأولى: عدم تصريح قتادة بالسماع! وهو إمام في التدليس.
والثانية: الانقطاع بين حميد وعمر بن الخطاب، فلم يدركه أصلًا، لكن الحديث ثابت من غير هذا الوجه. فقد أخرجه ابن ماجه [3849]، وأحمد [3/ 1، 7]، والطيالسي [5]، والمؤلف [رقم 121]، - كما سيأتي - والبزار [57]، والبيهقي في "الشعب"[4/ رقم 4783]، والحميدي [7]، وأبو بكر المروزي في مسند أبي بكر [رقم 59]، وابن عساكر في "تاريخه"[9/ 393]، وجماعة كثيرة من طرق عن شعبة عن يزيد بن خمير عن سليم بن عامر عن أوسط البجلى عن أبي بكر بمثله مرفوعًا
…
مع زيادة في آخره. وهذا إسناد حسن صالح، رجاله ثقات سوى أوسط فهو صدوق.
وله طريق آخر: - مثل لفظه هنا - عند الطبراني في "الصغير"[1/ رقم 163]، وابن مردويه في أحاديث ابن حيان [رقم 100]، وغيرهما. وسنده ضعيف. وله طرق أخرى. سيأتي بعضها.
9 -
ضعيف: أخرجه البزار [5]، والبيهقي في "الشعب"[1/ رقم 92]، والمروزي في مسند أبي بكر [رقم 7، 8]، والخطيب في "تاريخه"[1/ 272]، وابن عدى في "الكامل"[4/ 245]، والعقيلى في "الضعفاء"[2/ 235]، وغيرهم، من طرق عن عبد الله بن بشر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عثمان عن أبي بكر به نحوه.=
عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عثمان بن عفان قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم وسوس ناس من أصحابه فكنت فيمن وسوس قال: فمر عمر على فسلم على فلم أرد عليه فشكاني إلى أبي بكر قال: فجاءنا فقال لى: سلم عليك أخوك فلم ترد عليه! قال: قلت: ما علمت بتسليمه إنى عن ذاك في شغل قال: ولم؟ قلت: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أسأله من نجاة هذا الآمر قال: فقد سألته قال: فقمت إليه فاعتنقته قال: قلت: بأبى أنت وأمى أنت أحق بذلك قال: قد سألته فقال: "مَنْ قَبِلَ الْكَلِمَةَ الَّتى عَرَضْتُها عَلى عَمِّى فَهِىَ لَه نَجاةٌ".
= وعبد الله بن بشر هو الكوفى مشَّاه جماعة، وغمزه الدارقطني وغيره في حفظه، وقال ابن خلفون:"ليس بالقوى في الزهري" وسباقه البزار إلى هذا كما سيأتي. لكنه لم ينفرد به، فقد تابعه:
1 -
مالك بن أنس وابن أبي ذئب معًا عن الزهري به .. رواه محمد بن عبد الله بن الجهيد - أو الجهدي - عن حماد بن خالد عن مالك وعن أبي قطن عن ابن أبي ذئب
…
هكذا ذكره الدارقطني في "علله"[1/ 173]، وعنه الحافظ في اللسان [5/ 235]. وهذه متابعة لا تصح، والجهيد قال عنه الدارقطني:"كان ضعيفًا".
2 -
وعمر بن سعيد التنوخي: عند العقيلي في "الضعفاء"[2/ 235]، من طريق فضيل بن سليمان النميري حدثنا عمر بن سعيد التنوخي بإسناده به نحوه مختصرًا. وقد اختلف على عمر بن سعيد في سنده، فرواه عنه إبراهيم بن محمد - ولم أُميِّزه! على الوجه الماضي عند العقيلي.
وخالفه أحمد بن الحسين الصوفي، فقال: ثنا عمرو بن مالك ثنا الفضيل بن سليمان ثنا عمر بن سعيد بن سرحة التنوخي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن عثمان بن عفان عن أبي بكر به نحوه مختصرًا ....
فزاد فيه عبد الله بن عمرو بن العاص" بين ابن المسيب وعثمان! هكذا أخرجه ابن عدى في "الكامل" [5/ 62]، قال: ثنا أحمد بن الحسين الصوفي به.
قلت: يبدو لى أن عمر بن سعيد قد تلوَّن فيه، وهو شيخ ضعيف على التحقيق، قال أبو حاتم الرازي: "مضطرب الحديث ليس بقوى يروى عن الزهري
…
" كما في ترجمته من "الجرح والتعديل" [5/ 162]، وكذا ضعفه الدارقطني وغيره، وقال ابن عدى "أحاديثه عن الزهري ليست بمستقيمة"، راجع ترجمته من "الميزان" ولسانه. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد ساق له ابن عدى هذا الحديث في ترجمته من "الكامل" ثم قال: "وهذا الحديث لم يجود إسناده عن الزهري غير عمر بن سعيد هذا، وأتى في إسناده ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم عن بعض"!. وقد توبع عمر بن سعيد على هذا الوجه الثاني عن الزهري.
تابعه: ابن أخى الزهري، فرواه عن عمه فقال: عن ابن المسيب عن عبد الله بن عمرو عن عثمان عن أبي بكر الصديق به نحوه مختصرًا. هكذا أخرجه ابن سعد في "الطبقات"[2/ 313]، والعقيلي في "الضعفاء"[2/ 235]، كلاهما من طريق الواقدي عن ابن أخى الزهري به. وهذه متابعة ساقطة جدًّا! والواقدى ساقط عندهم.
وهكذا: رواه عيسى بن المطلب وأبو هارون المدني كلاهما عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن عثمان عن أبي بكر الصديق على هذا الوجه
…
كما ذكره الدارقطني في "علله"[1/ 171]. وعيسى وأبو هارون: ضعفهما الدارقطني عقب ذكْره هذه المتابعة عنهما!
وَقد خُولف كل هؤلاء في سنده، خالفهم جماعة من ثقات أصحاب الزهري، فرووه عنه فقالوا: عَن رجل من الأنصار من أهل الفقه
…
عن عثمان بن عفان عن أبي بكر الصديق به نحوه مطولًا ومختصرًا
…
ومنهم:
1 -
شعيب بن أبي حمزة عند أحمد [6/ 1]، والعقيلي في "الضعفاء"[2/ 236]، من طريق أبي اليمان عن شعيب به. وقد وقع في سنده تخليط عند العقيلي، فلفظه هناك:"حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا الحسن بن على وعيسى بن محمد الكسائي قالا حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري .... "!
هكذا: "شعيب عن عبد الرزاق"! وهذا ما كان ولن يكون! وهذا التخليط ثابت في "الضعفاء/ الطبعة العلمية" وكذا في "طبعة دار الصميعي/ [2/ 628] ".
وكذا رأيته في النسخة المحفوطة المحفوظة بـ "مكتبة برلين/ بألمانيا" فانظر منها: [ق/ 138/ ب]. وعندى صورة منها.
وهذا الكتاب العظيم: لا يزال بحاجة ماسة إلى القيام بتحقيقه وضبط نصه على أصول معتمدة، ومثله "كامل ابن عدى" تمامًا. فعل الله يقيض لهما من ينشط لإخراجهما في حلة قشيبة تُسَرُّ بها أعين الناظرين. ولو كنا نجد متسعًا من المال والوقت، لما قعدنا عن النهوض بذلك الأمر! واللَّه حسيبنا على ما نقول.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
2 - وصالح بن كيسان عند المؤلف [رقم / 10]، - الآتى - وعند البزار [رقم/ 4]، والعقيلي في "الضعفاء"[2/ 226]، من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن صالح به
…
3 -
وعقيل بن خالد عند العقيلي أيضًا [2/ 236]، من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث عن عقيل به. وهذه متابعة مخدوشة، وكاتب الليث فيه مقال معروف.
4 -
معمر بن راشد عند البزار [رقم 4]، والعقيلي في "الضعفاء"[236/ 2]، من طريق عبد الرزاق عن معمر به. وقد وقع في سند العقيلي ذلك التخليط الذي مضى الإشارة إليه آنفًا! وقد اختلف في سنده على عبد الرزاق في سنده؛ كما تراه عند عبد الرزاق في المصنف [20554].
5 -
ويونس بن يزيد الأيلي .... ذكره الخطيب في "تاريخه"[1/ 273]، والدارقطني في "علله"[1/ 173]، كلهم رووه عن الزهري فقالوا: عن رجل من الأنصار
…
عن عثمان عن أي بكر الصديق به.
وهذا هو المحفوظ عن الزهري بلا ريب، وهو الذي رجحه الدارقطني في "علله" والخطيب في "تاريخه"، لكن ذكر أن الزهري قال فيه: "حدثنى رجال من الأنصار
…
" وأظنه تحريف من الناسخ أو الطابع إن شاء الله. وقد رجَّح هذا الوجه أيضًا: العقيلي في "الضعفاء"، والبزار في "مسنده"، وأشار إلى ذلك ابن عدى في ترجمة "عمر بن سعيد التنوخي" من "الكامل"، وهو كما قالوا.
إذا عرفت هذا: علمتَ أن الإسناد ضعيف لانقطاعه.
قال الهيثمي في "المجمع"[1/ 157]: "رواه أحمد والطبراني في الأوسط باختصار، وأبو يعلى بتمامه والبزار بنحوه، وفيه رجل لم يُسم. ولكن الزهري وثقه وأبهمه .... " فتعقبه حسين أسد في تعليقه على "مسند المؤلف" فقال: "أقول: لعله نفسه الذي صرح به في الرواية السابقة، وهو سعيد بن المسيب .. "
قلتُ: وهذا لا يكون أصلًا! والرواية المشار إليها منكرة كما مضى، والمنكر أبدًا منكر كما قاله أحمد وغيره. وقد يصح تعليله لو كانت الطريقة الزائدة - يعنى بتمييز الرجل الأنصاري - محفوظة مثل أختها الناقصة - يعنى بدون تسمية الرجل الأنصاري - وأين هذا مما نحن فيه؟!
وقول الهيثمي عن ذلك الرجل الذي لم يُسّم: "ولكن الزهري وثقه وأبهمه
…
" فمن مبالغات أبي الحسن بن أبي بكر!! فلم يوثقه الزهري أصلًا؛ إنما وصفه بكونه "رجلًا من الأنصار من أهل الفقه غير متهم" ومن لا يكون متهمًا عند الزهري، ربما يكون متهمًا عند غيره.=
10 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم حدّثنا أبي عن صالح، عن ابن شهاب حدثنى رجل من الأنصار، من أهل الفقه، غير متهم، أنه سمع عثمان بن عفان يحدث: أن رجالًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنوا عليه، حتى كاد بعضهم أن يوسوس، فقال عثمان: فكنت منهم. فبينا أنا جالس في ظل أُطُم، مر عليَّ عمر بن الخطاب، فسلم عليَّ فلم أشعر أنه مر ولا سلم، فانطلق عمر حتى دخل على أبي بكر، فقال: ألا أعجبك؟ مررت على عثمان فسلمت عليه، فلم يرد عليَّ السلام، فأقبل أبو بكر وعمر - في ولاية أبي بكر - حتى أتيا فسلما جميعًا، ثم قال أبو بكر: جاءنى أخوك عمر فزعم أنه مر عليك فسلم، فلم ترد عليه السلام، فما الذي حملك على ذلك؟ فقلت: ما فعلت. قال عمر: بلى، ولكنها عُبيتكُم يا بنى أمية قال عثمان: فقلت: واللَّه ما شعرت بأنك مررت ولا سلمت، قال: فقال أبو بكر: صدق عثمان، وقد شغلك عن ذلك أمر؟ قال: قلت: أجل قال: فما هو؟ قال عثمان: قلت: توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم قبل أن أسأله عن نجاة هذا الأمر. قال أبو بكر: قد سألته عن ذلك قال عثمان: فقلت: بأبى أنت وأمى أنت أحق بها، فقال أبو بكر: قلت: يا رسول الله، ما نجاة هذا الأمر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قَبِلَ مِنِّىَ الْكَلِمَةَ الَّتي عَرَضْتُ عَلى عَمِّي فَرَدَّها، فَهِىَ لَهُ نَجاةٌ".
11 -
حدّثنا عبد الواحد بن غياث أبو بحر، حدّثنا أبو عوانة، عن عثمان بن المغيرة، عن علي بن ربيعة الأسدي، عن أسماء بن الحكم الفزاري قال: قال على: كنت امرأ إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا نفعنى الله بما شاء أن ينفعنى، وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفتُه فإذا حلف لى صدقته، وأنه حدثنى أبو بكر - وصدق أبو بكر - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أَيُّما عَبْدٍ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضوءَ، ثُمَّ قامَ فَصَلَّى، ثُمَّ
= وللحديث طرق: ذكرها الدارقطني في "علله"[1/ 174/ 175]، وكلها معلولة لا يصلح منها شيء.
وله طريق آخر: أخرجه المؤلف [رقم/ 133]، وسيأتي .. وسنده منقطع أيضًا.
10 -
ضعيف: انظر قبله.
11 -
حسن: انظر الحديث الماضي [رقم 1].
اسْتَغْفَرَ اللَّهَ إِلَّا غَفَرَ لَهُ". ثم قرأ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: 135]
12 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا وكيع بن الجراح، حدّثنا مسعر وسفيان، عن عثمان بن المغيرة الثقفي، عن علي بن ربيعة الوَالبِيِّ، عن أسماء بن الحكم الفزاري، عن علي قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حَديثًا نفعنى الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه غيره استحلفته، فإذا حلف لى صدقته، وإن أبا بكر حدثني - وصدق أبو بكر - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما مِنْ أَحَدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فيتوضَّأ فَيُحْسِنُ الْوُضوءَ - قال مسعر: ثم يصلى - قال سفيان: يُصَلى رَكْعَتَينِ - ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ".
13 -
حدّثنا عبيد الله بن عمر القواريري، حدّثنا غندر، حدّثنا شعبة قال: سمعت عثمان بن المغيرة الثقفي قال: سمعت على بن ربيعة، عن رجل من بنى فزارة يقال له أسماء عن علي بن أبي طالب، قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا شفعنى الله بما شاء أن ينفعنى منه، فحدثنى أبو بكر - وصدق أبو بكر - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما مِنْ عَبْدٍ - قال شعبة: أحسبه قال: مُسْلم - يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَتوَّضَّأُ، ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثمَ يَسْتَغْفِر الله لِذلكَ الذَّنْبِ، إِلَّا غَفَر لَهُ".
قال شعبة: وقرأ إحدى هاتين الآيتين: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 124]، {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: 135].
14 -
حدّثنا به أبو خيثمة، حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدّثنا شعبة، عن عثمان بن المغيرة قال: سمعت على بن ربيعة - رجلًا من بنى أسد - يحدث، عن أسماء أو ابن أسماء من بنى فزارة، عن علي قال: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا نفعنى
12 - حسن: انظر الحديث [رقم 1].
13 -
حسن: انظر الحديث [رقم 1].
14 -
حسن: انظر قبله. وقد كان شعبة يشك فيه
…
راجع تهذيب الحافظ [1/ 268]، ومسند البزار [1/ 61].
الله بما شاء أن ينفعنى منه، وحدثنى أبو بكر - وصدق أبو بكر - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، في الدنيا، ثم ذكر نحوه.
15 -
حدثنا عبيد الله بن عمر الجُشمي حدّثنا يحيى بن سعيد، حدّثنا سفيان بن سعيد الثوري، حدّثنا عثمان بن المغيرة الثقفي قال: وحدّثنا عبيد الله بن عمر، حدّثنا محمد بن عبد الله بن الزبير، حدّثنا سفيان، عن عثمان بن المغيرة، عن علي بن ربيعة، عن أسماء بن الحكم الفزاري، عن علي قال: كنت إذا حُدِّثْتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا استحلفت صاحبه، فإذا حلف لى صدقته فحدثنى أبو بكر - وصدق أبو بكر - أنه صلى الله عليه وسلم قال:"لَيْس منْ عَبْدٍ يُذْنبُ ذَنْبًا فَيَتَوَضَّأُ، ويُصَلِّي رَكْعَتْينِ، وَيَسْتَغْفر الله إِلَّا غَفَرَ لَهُ".
96 -
حدَّثنا أبو كريب محمد بن العلاء: حدّثنا حسين بن على الجعفي عن زائدة: حدَّثنا عاصم بن أبي النجود، عن زر، عن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بين أبي بكر وعمرو عبد الله يصلى فافتتح سورة النساء، فسنح لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أَحَبَّ
15 - حسن: انظر الحديث [رقم 1].
16 -
صحيح لغيره: أخرجه أحمد [1/ 445]، والطبراني في الكبير [9/ رقم 8417]، وابن عبد البر في الاستيعاب [1/ 303]، وابن عساكر في "تاريخه"[33/ 95]، والبيهقي في الدعوات [1/ رقم 190]، وابن أبي شيبة في "مسنده"[رقم 399]، وابن حبان [7067]، والبزار [رقم 7]، وجماعة من طرق عن زائدة بن قدامة عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن ابن مسعود به نحوه.
وهذا إسناد حسن رائق. وعاصم صدوق متماسك. وقد توبع عليه زائدة:
تابعه أبو بكر بن عياش: عند ابن ماجه [138]، وأحمد [1/ 7]، وفى "فضائل الصحابة"[2/ رقم/ 1554]، وابن حبان [7066]، والمؤلف [رقم 17]- وهو الآتى - والبزار [21]، والنحاس في الناسخ والمنسوخ [ص/ 399]، وجماعة من طرق عن يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش به
…
مختصرًا ومطولًا. وقد خُولف يحيى بن آدم في إسناده: خالفه فرات بن محبوب؛ فرواه عن ابن عياش فقال: عن الأعمش عن إبراهم عن علقمة عن ابن مسعود به نحوه
…
هكذا أخرجه الطبراني في الكبير [9/ رقم 8423]، من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة ثنا فرات بن محبوب به
…
=
أَنْ يَقرَأَ الْقرْآنَ غَضًّا كَما أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأهُ قِراءَةَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ". ثم سأل فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهُ" فقال فيما يسأل: اللَّهم إني أسألك إيمانًا لا يرتد ونعيمًا لا ينفذ ومرافقة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الخلد، فأتى عمر عبد الله ليبشره فوجد أبا بكر خارجًا قد سبقه فقال: إن فعلت إنك لسباق بالخير.
17 -
حدّثنا أبو كريب حدّثنا يحيى بن آدم، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: كنت في المسجد أصلى فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر فَسَحَلْتُ سورة النساء فقرأتها فلما فرغت جلست فبدأت الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعوت لنفسى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَلْ تُعْطَ" ثم قال: "مَنْ أَحبَّ أَنْ يَقْرَأ الْقَرْآنَ غَضًّا فَلْيَقْرَأْةُ كَما يَقْرَأُ ابْنُ أُمِّ عَبْدِ" قال: فرجعت إلى منزلى فأتانى أبو بكر فقال: هل تحفظ مما كنت تدعو شيئًا؟ قلت: نعم اللَّهم إنى أسألك إيمانًا لا يرتد ونعيمًا لا ينفذ ومرافقة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الخلد، فأتى عمر عبد الله ليبشره فوجد أبا بكر خارجًا قد سبقه فقال: إن فعلت إنك لسباق بالخير.
= قال الدارقطني في "علله"[1/ 184]: "تفرد بهذا القول فرات بن محبوب وكان كوفيًا لا بأس به إلا أنه وهم في هذا .... ".
قلت: والقول ما قالت حَذامِ. وقد توبع زائدة وابن عياش على الوجه قبل الماضي:
تابعهما: حماد بن سلمة عند أحمد [1/ 454،]، واختلف فيه على ابن سلمة، فرواه عنه بعضهم فقال: عن عاصم عن زر به مرسلًا
…
هكذا ذكره الدارقطني في "علله"[1/ 183]. والحديث بهذا السياق: قد رواه الأعمش واختلف عليه في إسناده، بل وخولف فيه أيضًا. وشرح ذلك هنا يطول. راجع علل الدارقطني [2/ 203]، وعلل الترمذي "الكبير"[2/ 351]، وتاريخ ابن عساكر [33/ 100، 101، 102]، وسيأتي طرف من هذا الاختلاف في الكلام على طريق الأعمش في الحديث [رقم/ 194].
وللحديث: شواهد عن جماعة من الصحابة بجملة: "من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأه قراءة ابن أم عبد"
…
وبعضهم بالقصة كلها.
17 -
صحيح لغيره: انظر قبله.
18 -
حدّثنا سريج بن يونس، حدّثنا عبد الوهاب بن عطاءٍ، عن زياد بن أبي زيادٍ الجصاص، عن علي بن زيدٍ، عن مجاهدٍ، قال: قال ابن عمر لغلامه: لا تمر بى على ابن الزبير، فغفل الغلام، فمر به، فرفع رأسه فرآه، فقال: رحمك الله، ما علمتك إلا صوامًا قوامًا، وصولًا للرحم، أما واللَّه إنى لأرجو مع مساوئ ما قد عملت من الذنوب، أن لا يعذبك، قال مجاهدٌ: ثم التفت إليَّ، فقال حدثنى أبو بكرٍ الصديق، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ فِي الدُّنْيَا".
18 - ضعيف: أخرجه الطبري في تفسيره [4/ 287]، والحاكم [3/ 637]، والبزار [رقم 12]، وأبو نعيم في "الحلية"[1/ 334]، وأحمد [6/ 1]، ومن طريقه الحافظ في الأمالي المطنقة [ص 18]، وابن عدي في "الكامل"[3/ 187]، والعقيلي [2/ 79]، والمروزي في مسند أبي بكر [رقم 22]، وابن الأعرابى في "معجمه"[رقم 1303]، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخه"[28/ 239]، وجماعة كلهم رووه من طرق عن عبد الوهاب بن عطاء عن زياد الجصاص عن علي بن زيد بن جدعان عن مجاهد عن ابن عمر به نحوه.
قلت: وهذا إسناد تالف وابن جدعان ضعيف صاحب مناكير. وقد وهَّاه أحمد وغيره، والجصاص متروك الحديث جملة واحدة.
وقد خولف عبد الوهاب في سنده خالفه أبو عاصم العباداني - الضعيف المعروف - فرواه عن زياد الجصاص فقال: عن سالم بن عمر عن أبيه به نحوه ..
هكذا ذكره الدارقطني في "علله"[1/ 225]، وهو عند العقيلي في "الضعفاء" [2/ 79] من طريق عبد الأعلى بن حماد قال: أخبرنا أبو عاصم العباداني به.
قال الدارقطني: "ورواه سليم بن حيان عن أبيه عن ابن عمر عن الزبير بن العوام .... قال ذلك عبد الرحيم بن سليم بن حيان، وسليم ثقة، ويشبه أن يكون الوهم من ابنه".
قلتُ: وهذا الوجه أخرجه البزار [رقم 864]، وابن عساكر "تاريخه"[28/ 241]، كلاهما من طريق عبد الرحمن [هكذا وقع عندهما والصواب: عبد الرحيم كما سيأتي]، بن سليم بن حيان عن أبيه عن جده عن ابن عمر عن الزبير بن العوام به نحوه مرفوعًا .. فجعله من "مسند الزبير" قال البزار:"لا نعلمه يروى عن الزبير إلا من هذا الوجه .... "، وتعقبه الإمام في الضعيفة [رقم 1494]، فقال: "قلتُ: وهو ضعيف - يعنى الإسناد الماضي - لم أعرف أحدًا منهم غير حيان بن بسطام
…
".=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلت: وهذه غفلة دون تردد، وسليم - ابن حيان - ثقة صدوق من رجال الجماعة.
وقابله الهيثمي! فقال في "المجمع"[7/ 73]: "رواه البزار وفيه عبد الرحمن [هكذا عنده]، بن سليم بن حيان ولم أعرفه، وباقية رجاله ثقات".
قلت: مَنْ وثَّق حيان بن بسطام سوى ابن حبان وحده - فيما نعلم - من أهل الدنيا يا أبا الحسن؟!
ثم هو لم يرو عنه إلا ولده سليم وحسب! فمثله مجهول الجهالتين.
لكن الهيثمي مغرم بمتابعة ابن حبان في توثيقه هذا الضرب من أغمار الرجال. و "عبد الرحمن بن سليم" هكذا وقع عند البزار وابن عساكر والهيثمي، فرجعتُ إلى "تهذيب الكمال"[11/ 349]، ترجمة سليم بن حيان فرأيتُ المزي قد ذكر في الرواة عنه:"عبد الرحمن بن سليم بن حيان" وقال: "ابنه" ثم ذكر بعده براوٍ: "عبد الرحيم بن سليم بن حيان" وقال: "ابنه" وهذا ظاهر في أن لسليم بن حيان، ولدين:
أحدهما: "عبد الرحمن"، والآخر:"عبد الرحيم".
والصواب عندى: أن ذلك من أوهام الحافظ المزي المعدودة في كتابه هذا، وأن ليس لسليم سوى ولدٍ واحد هو:"عبد الرحيم" وبعضهم يجعله "عبد الرحمن" فظنهما المرى رجلين اثنين.
برهان ذلك: أن الحافظ ابن عساكر قد ساق هذا الحديث من هذا الوجه في "تاريخه"[240/ 28]، من طريق الكديمي عن عبد الرحيم بن سليم عن أبيه عن جده عن ابن عمر عن الزبير بن العوام به نحوه.
ثم نقل عن الحاكم أنه قال: "سليم من ثقات البصريين الذين يعز حديثهم، ولا أعرف له عن أبيه غير هذا، وأما عبد الرحيم فلم أسمع بذكره إلا في هذا الحديث .... ".
ثم تعقبه ابن عساكر فقال: "كذا قال: عبد الرحيم وسمَّاه غيره: عبد الرحمن
…
" ثم ذكر الطريق إليه بذلك.
وهذا سافر على كونهما رجلًا واحدًا قد اختلف في اسمه وحسب. والأرجح أن اسمه: "عبد الرحيم" فقد ذكره ابن ماكولا في الإكمال [4/ 331]، قائلًا:"وعبد الرحيم بن سليم بن حيان يروى عن أبيه"، وهذا يدل على أنه ليس لسليم إلا ولد فقط.
وهكذا سماه الدارقطني "عبد الرحيم" في موضعين من "علله"[1/ 225]، و [4/ 223]، بشأن هذا الحديث نفسه
…
والحمد للَّه كثيرًا. =
19 -
حدّثنا الحسن بن شبيب، حدّثنا هشيمٌ، حدّثنا كوثر بن حكيمٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن أبي بكرٍ الصديق، قال: قلت: يا رسول الله، ما نجاة هذا الأمر الذي نحن فيه؟ قال:"مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، فَهُوَ لَهُ نَجَاةٌ".
= إذا عرفت هذا: فاعلم أن عبد الرحيم هذا رجل مجهول لا يُعرف، ونكرة لا تُتعرَّف، وقد اضطرب في إسناده أيضًا. راجع علل الدارقطني [1/ 225]. ثم وجدتُ الدارقطني قد قال في [4/ 223]:"وعبد الرحيم ضعيف" فالحمد للَّه على توفيقه. وكل هذه الطرق لا يثبت منها شيء كما قاله الدارقطني. وللحديث طريق آخر: عن ابن عمر بنحوه عند المؤلف [رقم 12] وسيأتى الكلام عليه.
وله طرق أخرى عن أبي بكر بنحوه ولا يصح منها شئ أصلًا، كما ستراه في الكلام على بعضها الآتى:[برقم 98، 99، 100، 101].
ويُغنى عن هذا الحديث: ما أخرجه مسلم [7574]، وأحمد [2/ 248]، وجماعة من حديث أبي هريرة:"لما نزلت: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، بلغت من المسلمين مبلغًا شديدًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاربوا وسددوا؛ ففى كل ما يُصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها، أو الشوكة يشاكها .... " هذا لفظ مسلم.
19 -
ضعيف: هذا إسناد ساقط والحسن بن شبيب هو ابن راشد بن مطر المؤدب، وثقه ابن حبان والمحاملي. لكن يقول ابن عدي:"حدَّث عن الثقات بالبواطيل، ووصل أحاديث هي مرسلة".
قال الذهبي في "ميزانه"[1/ 495]: "قلتُ: المتعين ما قال ابن عدي فيه"، ونقل الخطيب في "تاريخه"[7/ 328]، عن الدارقطني أنه قال:"إخبارى يعتبر به وليس بالقوي".
قلت: وعلى كل حال فهو لم ينفرد به، فقد تابعه عليه جماعة منهم:
1 -
عبد الله بن مطيع البكري - الثقة المعروف -: عند المروزي في مسند أبي بكر [رقم 32]، وابن عدي في "الكامل"[6/ 77]، وابن عساكر في "تاريخه"[62/ 13].
2 -
وروح بن حاتم: عند ابن عدي أيضًا [6/ 77].
3 -
والخضر بن محمد بن شجاع: كما ذكره الدارقطني في "علله"[1/ 193]، ثلاثتهم رووه عن هشيم بن بشير عن كوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر عن أبي بكر به نحوه. وخالفهم أحمد بن منيع - الحافظ الثقة - فرواه عن هشيم بن بشير فقال: عن كوثر عن نافع عن أبي بكر=
20 -
حدّثنا أبو سعيدٍ القواريري، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا سفيان بن حسينٍ، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر، قال: لما تأيمت حفصة، وكانت تحت خُنيس بن حذافة، أتى عمر أبا بكرٍ فعرضها عليه، فسكت، فأتى عثمان فعرضها عليه، فقال عثمان: ما لى في النساء من حاجةٍ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خطبها فزوجها فلقى أبا بكرٍ، فقال: إنى كنت عرضت عليك حفصة فسكتَّ، فلئن كنت عليك
= وأسقط منه ابن عمر، هكذا ذكره الدارقطني في "علله"[1/ 193]، وذكر الدارقطني أنه شك في ذكر "ابن عمر" ثم قال: "وغير أحمد بن منيع يرويه مرسلًا - يعنى منقطعًا - بلا شك
…
".
قلت: وسواء كان كل ذلك محفوظًا عن هشيم فلا أدرى إلا أن كوثر بن حكيم كان يتلوَّن فيه على تلك الوجوه، وهو الذي يقول عنه أحمد:"أحاديثه بواطيل ليس بشئ"، وأسقطه سائر النقاد فسقط إلى الأبد راجع ترجمته من "اللسان"[4/ 490].
وقد مضى طريق آخر: عن أبي بكر بنحوه في الحديث [رقم/ 9]، فانظره. وفى الإسناد علة أخرى، وهى أن هشيمًا كان مكثرًا من التدليس! ولم يذكر فيه سماعًا، لكن يقول حسين أسد في تعليقه على "مسند المؤلف":"وهشيم هو ابن بشير، وقد صرح بالتحديث؛ فانتفتْ شبهة تدليسه".
قلت: كذا قال، وكأنه غفل عن أن الذي رواه عن هشيم بالتحديث هو الحسن بن شبيب، وعنه يقول ابن عدي:"حدَّث عن الثقات بالبواطيل، وأوصل أحاديث هي مرسلة" وتبعه الذهبي على هذا في "ميزانه". ومثله لا تقبل روايته عن هشيم أصلًا، فضلًا عما يُوجَد في طريقه من التصريح بالسماعات أو العنعنات! بل لو صحَّ أن القول عنه هو ما قاله الدارقطني:"ليس بالقوي يُعتبر به"، لم يُقْبَل منه تصريحه بسماع هشيم من شيخه، فمثله لا يُؤمن عليه أن يقلب العنعنة إلى سماع، وهذا مشهور معروف في رواية الضعفاء، بل لو صح أنه ثقة كما قال ابن حبان - مع كونه قال: ربما أغرب - والمحاملى، فقد خولف في ذلك خالفه: عبد الله بن مطيع - الثقة المعروف - والخضر بن محمد بن شجاع - الثقة المشهور - وروح بن حاتم، ثلاثتهم رووه عن هشيم بالعنعنة وهو المحفوظ عن هشيم.
وعلى كل حال: فآفة الحديث هي كوثر بن حكيم الحلبي. وبه أعله النقاد وذكروه في ترجمته.
2 -
صحيح: مضى تخريجه في الحديث [رقم 6]، فانظره.
وسفيان بن حسين: ضعيف في الزهري. لكن تابعه جماعة عن الزهري به.
أشد غضبًا منى على عثمان، وقد ردنى، قال أبو بكرٍ: إنه قد كان من أمرها ذكرٌ، ولكنه كان سرًا، فكرهت أن أفضى السر.
21 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا روح بن عبادة، حدّثنا موسى بن عبيدة، حدثنى مولى ابن سباعٍ، قال: سمعت عبد الله بن عمر يحدث، عن أبى بكرٍ الصديق، قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلت هذه الآية: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا
2 - ضعيف: أخرجه الترمذى [3039]، والبزار [20]، وعبد بن حميد في "مسنده/ المنتخب"[رقم/ 7]، ومن طريقه الحافظ في "الأمالى المطلقة"[ص 76]، والمروزى في مسند أبى بكر [رقم 20]، والذهبى في "الدينار"[رقم 94]، وابن عدى في "الكامل"[7/ 301]، وابن مردويه في "تفسيره" كما في تفسير ابن كثير [1/ 740]، كلهم من طرق عن موسى بن عبيدة عن مولى ابن سباع عن ابن عمر عن أبى بكر به. وهذا إسناد لا يصح.
• وفيه علتان:
الأولى: موسى بن عبيدة، هو الربذى العابد الزاهد الصالح، وقد ضعفوه في الرواية؛ لكثرة ما يأتى به من الخطأ، وقد كان سيئ الحفظ على صلاحه.
والثانية: جهالة مولى ابن سباع هذا! فهو مغمور كما قاله الترمذى وابن عدى وغيرهما. وقال البزار: "لا نعلم أحدًا سمَّاه. . ." وقبل ذلك قال: "لا يُروى عن أبى بكر إلا من هذا الوجه".
وقال الترمذى بعد أن جزم بجهالة مولى ابن سباع وضعْفِ موسى بن عبيدة: "وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبى بكر، وليس له إسناد صحيح أيضًا". وقد جمع الحافظ بين قول الترمذى وقول البزار الماضى، فقال في "الأمالى المطلقة" [ص 77]:"والجمع بينه - أي الترمذى - وبين كلامه - أي البزار - أن مراد الترمذى بمجيئه من غير هذا الوجه: أصل الحديث، ومراد البزار: خصوص هذا السياق". وقد مضى له وجه آخر عن أبى بكر في الحديث الماضى [رقم 18].
وسيأتى وجه آخر [برقم/ 98، 99، 100، 101]، وله وجوه أخرى عن أبى بكر، ولا يصح منها شئ. وقد مضى قول الترمذى:"وليس له إسناد صحيح، وفى الباب عن عائشة".
قلتُ: وحديث عائشة سيأتي [برقم 4839]، و [رقم 4675]، وهناك يكون الكلام عليه إن شاء الله.
وَلَا نَصِيرًا (123)} [النساء: 123]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلا أُقْرِئكَ آيَةً أُنْزلَتْ عليَّ؟ " قلت: بلى يا رسول الله، قال: فأقرأنيها، قال: فلا أعلم إلا وأنى وجدت انقصامًا في ظهرى، حتى تمطأت لها في ظهرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا أَنْتَ يا أَبا بَكْرٍ، وَأَصْحَابُكَ الْمؤمنُونَ فَتجْزَوْنَ بِذلكَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى تَلْقوا الله وَلَيْسَتْ لَكمْ ذُنُوبٌ، وَأَمَّا الآخَرونَ فَيُجْمَعُ ذَلِكَ لَهُمْ حَتَى يُجْزَوْا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
22 -
حدّثنا جعفر بن مهران السباك، حدّثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامى، عن
22 - صحيح بطرقه: المرفوع منه فقط: آخرجه ابن ماجه [1628]، والبزار [رقم 18]، والمروزى في مسند أبى بكر [رقم 26]، وابن عدى في "الكامل"[2/ 349]، وابن عبد البر في "التمهيد"[24/ 399]، والآجرى في "الشريعة"[رقم 1790]، وأبو الحسن الحربى في "الفوائد المنتقاة"[رقم 64]، والبيهقى في "دلائل النبوة"[رقم 3234]، وجماعة غيرهم من طرق عن ابن إسحاق عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس به نحوه.
وهذا إسناد منكر. والحسين بن عبد الله هو القرشى الهاشمى ضعيف يروى مناكير، لاسيما عن عكرمة، وما أثنى عليه أحد.
والحديث: عزاه حسين أسد في تعليقه على "مسند المؤلف" أيضًا إلى أحمد [39]، و [2357] ، و [2661]، والبيهقي في "سننه" [3/ 407] وقال:"من طرق عن ابن إسحاق بهذا الإسناد".
قلتُ: وهو عندهما كذلك. ولكن أين موضع الشاهد؟! فقد أخرجه أحمد والبيهقى في سننه وغيرهما دون المرفوع منه وهو قول أبى بكر: "إنى سمعته يقول: ما قُبِض نبى إلا دُفِن حيث يقبض" فانتبه.
وقد توبع عليه حسين بن عبد الله: تابعه داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس به نحوه.
أخرجه البيهقى في "دلائل النبوة"[414/ 8]، وابن سعد في "الطبقات"[2/ 292] ، كلاهما من طريق الواقدى عن ابن أبى حبيبة عن داود بن الحصين به. . .
قلتُ: وهذه متابعة لا يُفرح بها أصلًا، والواقدى إمام الكذابين بالمدينة، كما كان يقول أبو عبد الرحمن النسائي. فأيش نفعه العلم وسعة المعرفة بالمغازى والسير؟! وهو الذي كذَّبه النقاد بخط عريض.=
محمد بن إسحاق، قال: حدثنى حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو عبيدة بن الجراح يضرح - يحفر - لأهل مكة، وكان أبو طلحة زيد بن سهلٍ هو الذي كان يحفر لأهل المدينة، وكان يلحد، فدعا العباس رجلين، فقال لأحدهما: اذهب إلى أبى عبيدة، وللآخر: اذهب إلى أبى طلحة، اللَّهم خر لرسولك، فوجد صاحب أبى طلحة أبا طلحة فجاء به، فلحد لرسول الله. فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء، وُضِعَ على سريره، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه، فقال قائلٌ: ندفنه في مسجده، وقال قائلٌ: بل يدفن مع أصحابه، فقال أبو بكرٍ: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلا دُفِنَ حَيْثُ قُبِضَ". فَرُفِعَ فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفى فيه، فحفر له تحته، ثم دعى الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالًا: الرجال، حتى إذا فُرِغَ منهم، أدخل النساء، حتى إذا فُرِغَ من النساء أدخل الصبيان، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد، فَدُفنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوسط الليل ليلة الأربعاء.
= وماذا يُفيده نِفاحُ ابن سيد الناس عنه وهو المكشوف الأمر؟! وهو كافٍ في التعلق به لإسقاط هذا الطريق دونَ التعريج على ما تكلم به النقاد في شيخه وشيخ شيخه.
وعلى كل حال: فلبعض فقرات الحديث شواهد يتقوى بها، وهو هنا ضعيف بهذا السياق جميعًا.
فلنذكر هنا: شواهد المرفوع - وهو قول أبى بكر: "إنى سمعته يقول: ما قُبِض نبى إلا دُفن حيث يُقبض" - فنقول: قد رُوى هذا الحديث من طرق - أكثرها منقطع - عن أبى بكر به مرفوعًا منها:
1 -
طريق ابن عباس. وهو الماضى.
2 -
طريق عائشة: أخرجه الترمذى [1018]، وفى "الشمائل"[رقم 390]، والمروزى في مسند أبى بكر [رقم 43]، والمؤلف [رقم 45]- كما سيأتي - والبزار [60]، وابن عبد البر في "التمهيد"[24/ 399]، وجماعة من طريق أبى معاوية عن عبد الرحمن بن أبى بكر المليكى عن ابن أبى مليكة عن عائشة عن أبى بكر به نحوه. قال الترمذى: هذا حديث غريب، وعبد الرحمن بن أبى بكر المليكى يضعف من قبل حفظه، وقد روى هذا الحديث من غير هذا الوجه.=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلتُ: والمليكى قد ضعفه النقاد، حتى تركه بعضهم. وقد اختلف في سنده عليه أيضًا، فرواه عنه أبو معاوية الضرير على الوجه الماضى. وخالفه عبد العزيز بن أبان فرواه عن المليكى فقال: عن أبيه عن عبيد بن عمير عن أبى بكر به نحوه. هكذا أخرجه الحارث [رقم/ 955/ زوائد الهيثمى] قال: حدّثنا عبد العزيز بن أبان به. لكن عبد العزيز ساقط متروك! بل صح عن ابن معين أنه كذبَّه. وقد خولف المليكى في سنده، خالفه جعفر بن محمد الصادق! فرواه عن ابن أبى مليكة عن أبى بكر به نحوه.
هكذا أخرجه ابن سعد في "الطبقات"[2/ 293]، لكن الطريق إليه تالف جدًّا!
3 -
طريق عبد العزيز بن جريج: أخرجه أحمد [7/ 1]، وعبد الرزاق [6534]، من طريق عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج قال: أخبرنى أبى: "أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يدروا أين يقبرون النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو بكر. . ." وذكر المرفوع بنحوه.
وهذا إسناد منقطع على ضعْفِه، وعبد العزيز بن جريج لم يدرك أبا بكر أصلًا، وقد غمزه بعض النقاد.
4 -
عروة بن الزبير: أخرجه ابن سعد في "الطبقات"، [2/ 292]، من طريق حماد بن أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبى بكر به نحوه. . .
قلتُ: وهذا إسناد صحيح لولا أنه منقطع، وعروة بن الزبير يرسل كثيرًا عن أبى بكر وعمر.
راجع جامع التحصيل [ص 236]، وقد اختلف في سنده على عروة، كما تراه في تخريج الحديث الآتى [برقم/ 54].
5 -
أبو بكر بن عمر بن حفص: أخرجه ابن سعد في "الطبقات"[2/ 293]، من طريق الفضل ابن دكين عن عمر بن ذر عن أبى بكر بن عمر بن حفص عن أبى بكر به نحوه.
وهذا إسناد صحيح لولا أنه منقطع أيضًا.
6 -
محمد بن جعفر بن الزبير: عند البيهقى في [8/ 414]، من طريق الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن أبى بكر به.
وهذا إسناد حسن لكنه منقطع جدًّا
7 -
عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع: أخرجه البيهقى في "الدلائل"[8/ 415]، من طريق الحاكم عن الأصم عن الصغانى عن الواقدى عن عبد الحميد بن جعفر عن عثمان بن محمد الأخنسى عن عبد الرحمن بن سعيد عن أبى بكر به نحوه. وهذا إسناد ضائع على انقطاعه.=
23 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا أبى، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثنى حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، عن أبى بكرٍ، قال: إنى سمعته، يقول:"مَا قُبِضَ نَبِيِّ إِلا دُفِنَ حيْثُ يُقْبَضُ".
24 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا الجراح بن مخلدٍ البصرى أبو عبد الله، حدّثنا موسى ابن داود، حدّثنا حسام بن مِصَكّ، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباسٍ، عن أبى بكرٍ، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهس كتفًا، ثم صَلَّى ولم يتوضّأ.
= 8 - القاسم بن محمد بن أبى بكر: رواه عنه يحيى بن سعيد الأنصارى. ذكره عنه البيهقى في "الدلائل"[415/ 8].
9 -
مالك بن أنس بلاغًا عن أبى بكر به نحوه. أخرجه عنه ابن سعد في "الطبقات"[2/ 293]، وهو في موطئه [رقم/ 545]. وله طرق أخرى منقطعة عن أبى بكر به نحوه.
وفى الباب: عن أبى بكر موقوفًا عليه عند النسائي في الكبرى [7119]، والبيهقى في "الدلائل"[8/ 412]، والطبرانى في "الكبير"[7/ رقم 6367]، والترمذى في "الشمائل"[رقم 397]، وعبد بن حميد في "مسنده/ المنتخب"[365]، وابن أبى عاصم في "الآحاد والمثانى"[3/ رقم 1299]، وجماعة من طريق سلمة بن نبيط بن شريط عن نعيم بن أبى هند عن نبيط بن شريط عن سالم بن عبيد الأشجعى عن أبى بكر به نحوه.
ولفظ موضع الشاهد عند النسائي: "قالوا يا صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، هل يدفن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قالوا: وأين يدفن؟ قال: في المكان التى قبض الله فيها روحه، فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيبة". وسنده صحيح مستقيم.
وقد اختلف في سنده على سلمة بن نبيط كما تراه عند البيهقى في "سننه"[رقم 6448]، و [6697]، وفى "الدلائل"[8/ 412]، والوجه الأول هو المحفوظ. وصححه الحافظ في "الفتح"[529/ 1].
23 -
صحيح لغيره: انظر قبله.
24 -
صحيح: أخرجه البزار [91]، وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه [رقم 66]، وتمام في فوائد [1/ رقم 561]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 33]، وابن الأعرابى في "معجمه"[رقم/ 1176]، وجماعة من طرق عن حسام بن مصك عن ابن سيرين عن ابن عباس عن أبى بكر الصديق به نحوه. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلتُ: وهذا إسناد منكر، وحسام بن مصك إلى الترك أقرب منه إلى الضعف، وقد أنكروا عليه لهذا الإسناد. فقال الترمذى في "سننه" [1/ 135]:"ولا يصح حديث أبى بكر في هذا الباب من قبل إسناده؛ إنما رواه حسام بن مصك عن ابن سيرين عن ابن عباس عن أبى بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم. والصحيح: إنما هو عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. . . هكذا رواه الحفاظ، وروى من غير وجه عن ابن سيرين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. . .".
قلتُ: يشير إلى أن ذِكْرَ أبى بكرٍ فيه غير محفوظ. وهكذا قال البزار في مسنده [1/ 72].
وذكره الدارقطنى في "علله"[1/ 211]، من طريق حسام بن مصك ثم قال:"وخالفه أيوب السختيانى وهشام بن حسان وأشعث بن سوار وغيرهم! فرووه عن ابن سيرين عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا فيه أبا بكر. . . وهم أثبت من حسام، والقول قولهم".
قلتُ: وهاك تخريج طرق هؤلاء وغيرهم مختصرًا:
1 -
فطريق أيوب عن ابن سيرين: أخرجه البخارى في صحيحه [5089]، وأحمد [1/ 244]، والطبرانى في "الكبير"[رقم 12865].
2 -
وطريق هشام بن حسان: أخرجه أحمد [1/ 353].
3 -
وطريق أشعث بن سوار: أخرجه الطبراني في "الكبير"[21/ رقم 12867].
4 -
وتابعهم أيضًا: أشعث بن عبد الملك. . . ذكره عنه البزار في مسنده [1/ 72]. كلهم رووه عن ابن سيرين عن ابن عباس به نحوه.
وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب واختلف عليه فيه: فرواه عنه يونس المؤدب وعبد الله بن عبد الوهاب وعارم أبو الفضل وسليمان بن حرب وجماعة، عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس به. وخالفهم محمد بن عيسى بن الطباع - وهو ثقة مأمون - فرواه عن حماد فقال: عن أيوب عن ابن سيرين عن عكرمة عن ابن عباس به. فزاد فيه واسطة بين ابن سيرين وابن عباس!
هكذا أخرجه الإسيماعيلى في "المستخرج" كما في "الفتح"[9/ 546]. ولعل هذا هو الأصح.
وابن سيرين: قد أنكر النقاد سماعه من ابن عباس، هكذا جزم أحمد وابن معين وابن المدينى، وقبلهم شعبة وخالد الحذاء وجماعة. وعلى كل حال: فقد توبع عليه ابن سيرين على الوجه الثاني، تابعه عطاء بن يسار وعكرمة ومحمد بن عمرو بن عطاء وعلى بن عبد الله بن عباس وغير واحد، كما ذكره الترمذى في "سننه"[1/ 116]، كلهم رووه عن ابن عباس به. وله شواهد عن غير ابن عباس أيضًا.
25 -
حدّثنا محمد بن موسى الطوسى، حدّثنا أبو أحمد الزبيرى، حدّثنا عبد السلام بن حربٍ، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: لما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} [المسد: 1]، جاءت امرأة أبى لهبٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه أبو بكرٍ، فلما رآها أبو بكرٍ، قال: يا رسول الله، إنها امرأةٌ بذيئةً، وأخاف أن تؤذيك، فلو قمت؟ قال:"إنَّهَا لَنْ تَرَانِى"، فجاءت فقالت: يا أبا بكرٍ، صاحبك هجانى، قال: ما يقول الشعر، قالت: أنت عندى مصدقٌ، وانصرفت، قلت: يا رسول الله، لم ترك، قال:"لَمْ يَزَلْ مَلَكٌ يَسْتُرُنِى مِنْهَا بِجَنَاحَيهِ".
25 - ضعيف: بهذا التمام: أخرجه ابن حبان [رقم / 6511]، والبزار [1/ 68، 212/ البحر الزخار]، والدارقطنى في "الأفراد"[3/ 73/ أطرافه/ الطبعة العلمية]، وأبو نعيم في "دلائل النبوة"[1/ رقم / 141/ طبعة دار النفائس]، والضياء في "المختارة"[10/ 279 - 280]، وغيرهم من طريق عبد السلام بن حرب عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به نحوه.
قال البزار: هَذَا الحدِيثُ لا نَعْلَمُ أحَدًا يَرْوِيهِ بِأحْسَنَ مِنْ هَذَا الإِسْنَادِ عَنْ أبِى بَكْرٍ.
قال الدارقطنى: غريب من حديث عطاء عنه - يعنى عن ابن جبير - تفرد به عبد السلام بن حرب عنه.
قلتُ: وهذا إسناد ضعيف، وعطاء بن السائب هو إمام المختلطين، وليس عبد السلام بن حرب من قدماء أصحابه.
قال الحافظ في ترجمة "عطاء" من هدى السارى [ص/ 425]:". . . وتحصَّل لى من مجموع كلام الأئمة: أن رواية شعبة وسفيان الثورى وزهير بن معاوية وزائدة وأيوب وحماد بن زيد عنه قبل الاختلاط، وأن جميع من روى عنه غير هؤلاء فحديثه ضعيف؛ لأنه بعد اختلاطه، إلا حماد بن سلمة فاختلف قولهم فيه. . .".
قلتُ: ومثله قاله في "التهذيب"[7/ 206]. ثم نسى كل هذا، وقال في "الفتح"[738/ 8]،:"وروى البزار بإسناد حسن عن ابن عباس. . ." ثم ساق هذا الحديث!
وقبله قال البزار عقب روايته: "وهذا الحديث حسن الإسناد! " كذا قال! وقد تعقبه الهيثمى في "المجمع"[7/ 302]، قائلًا:"قلت: ولكن فيه عطاء بن السائب وقد اختلط". =
26 -
حدّثنا أبو خيثمة حدّثنا يحيى بن حماد، حدّثنا أبو عوانة، عن سليمان الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن عمير مولى العباس: عن ابن عباس قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر خاصم العباس عليًا في أشياء تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبى بكر فقال أبو بكر: شئ تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يحركه فلا أحركه.
= ويؤيد أن عطاء قد حدَّث بهذا الحديث بعد اختلاطه: أنه قد اضطرب في إسناده فلم يُقمْه.
فتارة رواه عنه عبد السلام بن حرب كما مضى. ثم عاد ورواه عنه محمد بن فضيل فقال: عن سعيد بن جبير به نحوه مرسلًا. . . . ليس فيه ابن عباس! هكذا أخرجه ابن أبى شيبة [رقم/ 31768]، وأبو نعيم في "دلائل النبوة"[1/ رقم / 140/ طبعة دار النفائس].
والظاهر عندى: أن أصل الحديث هكذا مرسلًا، فقد قال الحافظ البزار:"وقد روى هذا الحديث عن عطاء بن السائب: جماعة كلهم يرويه عن عطاء عن سعيد مرسلًا إلا عبد السلام بن حرب".
وللحديث: شاهد ضعيف عن أسماء بنت أبى بكر يأتى عند المؤلف [برقم 53]، وسنستوعب تخريجه هناك إن شاء الله. وفى تحسينه به نظر لا يخفى! وقد صح الحديث: ولكن دون هذا التمام هنا. فانظر ما علقناه على حديث أسماء المشار إليه آنفًا.
• تنبيه: وقع شيخ المؤلف في الطبعتين: "محمد بن موسى الطوسى"! والصواب أنه: "مُحَمد بن مَنصور الطُّوسِى". وسيأتى هذا الحديث [برقم/ 2358]، وهناك قال المؤلف:"حدثنى محمد بن منصور الطوسى"، وهكذا رواه ابن حبان والضياء المقدسى من طريق المؤلف:"حَدَّثنا مُحَمد بن مَنصور الطُّوسِى" به. ولا أعرف للمؤلف شيخًا يقال له: "محمد بن موسى الطوسى".
26 -
ضعيف: أخرجه أحمد [1/ 13]، والبخارى في "تاريخه"[5/ 274]، والبزار [رقم / 41]، والمروزى في مسند أبى بكر [رقم 28، 29]، وابن شبة في "أخبار المدينة"[1/ 135]، والطبرانى في "الكبير"[1/ رقم/ 44]، والضياء في "المختارة"[1/ 97]، وابن عبد البر في "التمهيد"[8/ 159]، وغيرهم من طريقين عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى العباس عن ابن عباس به نحوه. . .
ولفظ البخارى وابن شبة والطبرانى وابن عبد البر: "اختصم عليٌّ والعباس إلى أبى بكر - رضى الله عنهم - في ميراث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما كنت لأحوله عن موضعه الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ".=
27 -
حدّثنا القواريرى حدّثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن موسى بن أبى عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله: عن ابن عباس، وعائشة: أن أبا بكر قَبَّلَ النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميتٌ.
28 -
حدّثنا وهب بن بقية، حدّثنا خالد يعنى ابن عبد الله، عن خالدٍ يعنى الحذاء، عن يوسف أبى يعقوب، عن محمد بن حاطبٍ، أو الحارث، قال: ذكر ابن الزبير، فقال:
= قال البزار: وهذا الحديث إسناده حسن! ولا أحفظ أن أحدًا روى هذا الحديث إلا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء بهذا الإسناد.
قلتُ: بل هذا إسناد صحيح لولا أن الأعمش لم يذكر فيه سماعًا! وهو عريق في التدليس! ولو كان قليل التدليس ما كان مغيرة بن مقسم ليقول: "ما أفسد أحد حديث الكوفة إلا أبو إسحاق - يعنى السبيعى - وسليمان الأعمش! " يعنى للتدليس، كما قال الحافظ في ترجمة أبى إسحاق من "التهذيب". وأثر مغيرة هذا: أخرجه أحمد في "العلل"[1/ 244/ رواية عبد الله] قال: حدّثنا أبو أسامة عن مفضل بن مهلهل عن مغيرة به. وقد أجاد الهيثمى حيث قال في "المجمع"[4/ 374]: "رواه أحمد ورجاله ثقات" فلم يجزم بصحة سنده كما فعل بعض المتأخرين!
ولم يكن إسماعيل بن رجاء من كبار شيوخ الأعمش الذين أكثر عنهم حتى نُعْمل هنا قاعدة الذهبى المذكورة في ترجمة الأعمش من "الميزان"[2/ 224]؟.
ولقصة تخاصم على مع العباس: شاهد ثابت من حديث مالك بن أوش بن الحدثان الثابت: عند البخارى [2927]، ومسلم [1757]، وغيرهما.
2 -
صحيح: أخرجه البخارى [4188]، والنسائى [1840]، وابن ماجه [1457]، وأحمد [1/ 229]، وابن حبان [3029]، وابن أبى شيبة [12066]، والترمذى في "الشمائل"[رقم/ 391]، وابن المنذر في "الأوسط"[رقم/ 2863]، وأبو نعيم في فضائل "الخلفاء الراشدين"[رقم 148]، وجماعة، من طرق عن موسى بن أبى عائشة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس وعائشة به نحوه، وله طرق أخرى.
28 -
صحيح: أخرجه ابن أبى عاصم في "الآحاد والمثانى"[2/ رقم 785]، ومن طريقه ابن الأثير في "أسد الغابة"[1/ 204]، وابن عساكر في "تاريخه"[28/ 164] من طريق وهب بن بقية عن خالد بن عبد الله الواسطى عن خالد الحذاء عن يوسف بن يعقوب.
[وحرَّفه المعلقون على مسند أبى يعلى إلى "يوسف أبى يعقوب! " وليس بشئ كما سيأتي] عن محمد بن حاطب أو الحارث به. =
طالما حرص على الإمارة، قلت: وما ذاك؟ قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلصٍ، فأمر بقتله، فقيل: إنه سرق، قال:"اقْطَعُوهُ"، ثم جئ به بعد ذلك إلى أبى بكر قد سرق، وقد قطعت قوائمه، فقال أبو بكرٍ: ما أجد لك شيئًا إلا ما قضى فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أمر بقتلك، فإنه كان أعلم بك، فأمر بقتله أغيلمةً من أبناء المهاجرين، أنا فيهم، قال ابن الزبير: أمرونى عليكم، فأمرناه علينا، فانطلقنا به إلى البقيع فقتلناه.
= هكذا رواه أبو يعلى وابن أبى عاصم عن بقية، وخالفهما أبو القاسم البغوى؛ فرواه عن بقية فقال: أخبرنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذاء عن يوسف بن يعقوب عن محمد بن حاطب أن الحارث قال:. . . وذكره. فلم يشك فيه! وجعله عن "محمد بن حاطب أن الحارث" بدل: "عن محمد بن حاطب أو الحارث" بالشك! وقد توبع البغوى على هذا الوجه عن بقية: تابعه الحسين بن إسحاق التسترى عند الطبراني في "الكبير"[3/ رقم/ 3409]، وعنه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" [2/ رقم/ 2041] قال: حدّثنا الحسين بن إسحاق به.
ويبدو لى أن قوله: "أو الحارث" محرفة من قوله "أن الحارث"! أو ربما العكس! وسواء كان الراجح هذا أو ذاك، فالخلاف غير ضار، لأن الحارث بن حاطب وأخاه محمد بن حاطب كلاهما من "الصحابة".
وقد اختلف سنده على أبى يعلى صاحب هذا "المسند"! فرواه عنه أبو عمرو بن حمدان - راوى المسند الصغير عنه الذي نعمل فيه - فقال: "عن يوسف بن يعقوب" كما مضى.
وخالفه: أبو بكر بن المقرئ - راوى المسند الكبير عنه -! فقال: "عن يوسف أبى يعقوب"! هكذا أخرجه الضياء في "المختارة"[1/ 127 - 128]، وابن عساكر في "تاريخه"[28/ 164]، من طريق إبراهيم بن منصور عن أبى بكر بن المقرئ به.
قلتُ: و "يوسف أبى يعقوب" أصح، فهو الذي يروى هذا الحديث عن محمد بن حاطب، ومن طريقه خالد الحذاء، وهو يوسف بن سعد أبو يعقوب الجمحى الثقة المعروف. وهو من رجال النسائي والترمذى. وقد روى عنه حماد بن سلمة هذا الحديث فقال:"عن يوسف بن يعقوب" كما يأتى الإشارة إلى ذلك. وقد أخطأ حسين أسد في تعليقه على "مسند المؤلف"! ومثله المعلقون على "الطبعة العلمية"! فعمدوا إلى إبدال: "يوسف بن يعقوب" في إسناد المؤلف إلى "يوسف أبى يعقوب"! فقال الأسد في تعليقه بالهامش [1/ 35]: "في الأصل: "بن" - يعنى: يوسف بن يعقوب - وهو خطأ!. . .". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد اغترَّ بذلك المعلق على "إتحاف الخيرة/ للبوصيرى"[4/ 263/ طبعة دار الوطن] هو الآخر! فقد ساق البوصيرى إسناد أبى يعلى على الصواب، وفيه:"يوسف بن يعقوب". فجاء هذا المعلق وأبدله إلى "يوسف أبى يعقوب"، وقال بالهامش:"بالأصل: "ابن" وهو تحريف. . .".
وإنما التحريف حقّا: هو تصرُّفه وتصرُّف مَنْ قبله! وقد خَفِىَ عليهم: أن اسم هذا الرجل: "يوسف بن يعقوب" قد وقع هكذا عند ابن عساكر في "تاريخه" وهو يرويه من طريق المؤلف به. . .!
وهكذا هو في نسخة الهيثمى من "مسند أبى يعلى" كما يأتى كلامه في "المجمع" قريبًا.
وهكذا وقع اسمه: عند أبى القاسم البغوى، والطبرانى، وعنه نعيم، وعند ابن أبى عاصم، ومن طريقه ابن الأثير كما مضى. ودعوى التحريف في جميع هذه الصادر يحتاج إلى برهان!
ولا يكفى فيه أن يكون اسم هذا الرجل قد وقع على الصواب في رواية أبى بكر بن المقرئ عند المؤلف كما سبق، فربما كان اسمه على الوجه الأول غلطًا من بعض الرواة تتابعوا عليه! وهذا أقرب من احتمال وقوع التحريف في تلك الأصول جميعًا، لا سيما "مستد المؤلف".
والحديث قد أورده الهيثمى في "المجمع"[6/ 427] ثم قال: "رواه أبو يعلى ورجاله ثقات إلا أنى لم أجد ليوسف بن يعقوب سماعًا من أحد من الصحابة". وصنيعه هذا يقتضى أن يكون قد عرف: "يوسف بن يعقوب"! ولا إخاله عرفه. والصواب أنه: "يوسف أبى يعقوب" كما يأتى. ثم جاء الإمام الألبانى وساق هذا الحديث في "الإرواء"[8/ 88]، من طريق الطبراني به. . . ثم قال:"ويوسف بن يعقوب هذا لم أعرفه"! وهو كما قال! وليس له إلى المعرفة سبيل قط!
* والصواب: أن راوى هذا الحديث عن: "محمد بن حاطب" هو: "يوسف أبى يعقوب"، وهو ابن سعد الجمحى الثقة المشهور. فمَد روى عنه حماد بن سلمة هذا الحديث فسماه وقال:"عن يوسف بن سعد عن الحارث بن حاطب به نحوه. . ." وروايته ثابتة عند النسائي والحاكم وجماعة.
والحديث من هذا الوجه؛ صحيح ثابت لا علة له! رجاله كلهم ثقات معروفون.
ثم جاء الذهبى وساق هذا الحديث في "سير النبلاء"[3/ 366] من طريق خالد الحذاء بإسناده به.
ثم قال: "هذا خبر منكر"! كذا قال! ولم يفصح عن سبب نكارته، وهل هي في متنه أو سنده؟! =
29 -
حدّثنا غسان بن الربيع، عن ليث بن سعدٍ، عن يزيد بن أبى حبيبٍ، عن أبى الخير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبى بكرٍ
30 -
وحدّثنا زهير بن حربٍ، حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا الليث بن سعدٍ، قال: حدثنى يزيد بن أبى حبيبٍ، عن أبى الخير، عن عبد الله بن عمرٍو، عن أبى بكرٍ، قال:. .
31 -
وحدّثنا عبيد الله بن عمر القواريرى، حدّثنا هشام بن عبد الملك، وعاصم بن علي، قالا: حدّثنا الليث، عن يزيد بن أبى حبيبٍ، عن أبى الخير، عن عبد الله بن عمرٍو، عن أبى بكرٍ، واللفظ لحديث غسان، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمنى دعاءً أدعو به في صلاتى، قال:"اللَّهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِى ظُلْمًا كَثِيرًا - وفى حديث القواريرى وحده عن عاصمٍ: كبيرًا - وَلا يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفرَةً مِنْ عنْدِكَ، وَارحَمنِى إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"، قال أبو يعلى: قال الليث: عن أبى بكرٍ الصديق، وقال عمرو بن الحارث، عن عبد الله بن عمرٍو، لم يجاوز به.
= وقد وجدتُه ردَّد تلك العبارة في "تلخيص المستدرك"! فإنه قال بعد أن ذكر تصحيح الحاكم له من طريق حماد بن سلمة عن يوسف قال: "بل منكر"! وكلامه مدفوع على التحقيق.
وقد استوفينا تخريج هذا الحديث - مع شواهده - في كتابنا: "غرس الأشجار" بما لا مزيد عليه.
29 -
صحيح: انظر الآتى.
30 -
صحيح: انظر الآتى.
31 -
صحيح: أخرجه البخارى [799]، ومسلم [2705]، والترمذى [3531]، والنسائى [1302]، وابن ماجه [3835]، وأحمد [3/ 1]، وابن خزيمة [846]، وابن حبان [1976]، والبزار [92].
وابن أبى شيبة [29354]، والبيهقى في "سننه"[2704]، وعبد بن حميد في"مسنده"[رقم/ 5/ المنتخب]، والمروزى في مسند أبى بكر [رقم 60]، وجماعة كثيرة من طرق عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير مرثد بن عبد الله اليزنى عن عبد الله بن عمرو عن أبى بكر الصديق به نحوه. وقد وقع في سنده اختلاف على يزيد بن أبى حبيب، لكنه اختلاف غير مؤثِّر إن شاء الله.
32 -
حدّثنا هارون بن معروفٍ، حدّثنا عبد الله بن وهبٍ، أخبرنى عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن أبى الخير، أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص، يقول: إن أبا بكرٍ الصديق، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، علمنى دعاءً أدعو به في صلاتى، وفى بيتى، قال:"قُلِ اللَّهمَّ إنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِى إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".
33 -
حدّثنا أبو موسى محمد بن المثنى، وأحمد بن إبراهيم الدَّوْرَقى، قالا: حدّثنا
32 - صحيح: انظر قبله.
وطريق عمرو بن الحارث: عند البخارى [6953]، ومسلم [2705]، وابن خزيمة [846]، والنسائى في الكبرى [رقم/ 10007]، وفى اليوم والليلة [رقم 179]، وجماعة غيرهم.
33 -
حسن: أخرجه الترمذى [2237]، وابن ماجه [4072]، وأحمد [4/ 1]، والحاكم [4/ 573]، وعبد بن حميد في "المنتخب"[4]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 57]، والخطيب في "تاريخه"[67/ 14]، والمروزى "قيام الليل"[رقم 4]، والضياء في "المختارة"[1/ 117]، والبزار [رقم/ 84]، والمزى في "التهذيب"[28/ 364]، وجماعة من طرق عن روح بن عبادة عن سعيد بن أبى عروبة عن أبى التياح يزيد بن حميد. عن المغيرة بن سبيع عن عمرو بن حريث عن أبى بكر الصديق به نحوه. .
وهذا إسناد ظاهره الصحة! قال الترمذى: "حديث حسن غريب"، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. وقال القرطبى في التذكرة [ص/ 744]، بعد أن ذكره من طريق الترمذى:"إسناده صحيح". وكذا صحَّح إسناده - من الطريق الماضى -: جماعة من المعاصرين: كالإمام في الصحيحة [رقم/ 1591]، وكذا حسين أسد وغيره.
وأقول: بل الحديث معلول بعلة أفصح عنها البزار، فقال عقب روايته:"وهذا الحَديثُ لا نعْلمُ أحدًا رواهُ عن النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهذا اللَّفْظ إِلّا أبُو بكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضى الله عنه - ولا نعْلمُ رَواهُ عنْ أبى بكْرٍ إلّا عمْرُو بْنُ حُريْثٍ، ولا عن عمْرو إلّا المُغيرةُ بْنُ سُبيْع، والمُغِيرةُ بْنُ سُبيع لا نحْفظُ أَنّ أحَدًا حدّث عنْهُ غيْر أبى التّيّاحِ، ولا نعْلمُهُ روىَ غيْر هذا الحديث، وابْنُ أبى عرُوبة لمْ يسْمعْ مِنْ أبى التّيّاحِ! إِنّما يُقَالُ: سمعهُ مِنِ ابْنِ شوْذبٍ، عنْ أبى التّيّاحِ، وكانَ ابن أبى عروبة قد يحدث عن جماعة يرسل عنهم لَم يسمع من واحد منهم!. . . فإذا قال: "أنا" و"سمعتُ" كان مأمونًا على ما قال. .". =
روحٌ، حدّثنا سعيد بن أبى عروبة، عن أبى التياح، عن المغيرة بن سُبيعٍ، عن عمرو بن حريثٍ، عن أبى بكرٍ الصديق، وفى حديث أبى موسى، قال: حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ قِبَلَ المْشْرِقِ يُقَالَ لَهَا خُرَاسَانُ، يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المْجَانُّ المطْرَقَةُ".
= قلتُ: وهذا من فوائد "مسند البزار" التى لا يرفع البعض لها رأسًا.
ومفاد كلامه: أن سعيد بن أبى عروبة إما أن يكون سمعه من ابن شوذب ثم دلسه عنه، وإما أن يكون بلغه عنه فأرسله - وهذه صورة المرسل الخفى - إن لم يثبت سماع ابن أبى عروبة من ابن شوذب.
وعلى كل حال: فالحديث مُعلٌّ بالانقطاع. وابن أبى عروبة معلوم اختلاطه. وسماع روح لم يظهر لى أنه قبل اختلاطه، وإن ذهب إليه بعضهم، وأخرج له الشيخان من طريق روح عنه.
لكن يقول الترمذى: "وقد رواه عبد الله بن شوذب وغير واحد عن أبى التياح. . .".
ومتابعة ابن شوذب أخرجها: البزار [رقم/ 47، 46]، والمؤلف [رقم/ 34، 35، 36]- الآتى وما بعده - ومن طريقه الضياء في "المختارة"[1/ 116، 117]،
والطبرانى في "مسند الشاميين"[2/ رقم/ 1285]، وأبو بكر المروزى في "مسند أبى بكر"[رقم/ 58، 59]، والسهمى في "تاريخ جرجان"[ص/ 359]، وابن قانع في "معجم الصحابة"[2/ 61]، وغيرهم من طريقين عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ أبى التَّيَّاحِ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ سُبَيْعٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أبِى بَكْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الدَّجَّالُ يَخْرُجُ مِنْ أرْضٍ يُقَالُ لَهَا: خُرَاسَانُ بِالمُشْرِقِ، يَتْبَعُهُ أقْوَامٌ كَأنَّ وُجُوهَهُمُ المُجَان المُطرَقَة". هذا لفظ البزار.
وبتلك المتابعة: يصح الحديث. وابن شوذب ثقة عابد؛ فالإسناد حسن فقط؛ لأن المغيرة بن سبيع ما وثقه سوى ابن حبان والعجلى فقط ومسلكهما في التوثيق معروف. ولم يحتج به أحد الشيخين وإنما روى له الترمذى والنسائى وابن ماجه من الستة. فقول الحافظ عنه: "ثقة" فيه نظر. بل هو صدوق مقبول لا بأس به وحسب.
وقد توبع عليه ابن شوذب أيضًا: تابعه شعبة بن الحجاج كما ذكر الخليلى في "الإرشاد"[2/ 174]، في قصة عن أبى حاتم الرازى. غير أنها متابعة تحتاج إلى متابعة! وإن شئت غارم بها في مكان سحيق، فقد رواها داود بن إبراهيم العقيلى الواسطى القزوينى عن شعبة به. =
34 -
حدّثنا أبو موسى هارون بن عبد الله، حدّثنا أبو أسامة، حدثنى الفزارى - يعنى أبا إسحاق - عن عبد الله بن شوذبٍ.
35 -
وَحدّثنا الدَّوْرَقى، حدّثنا ابن أبى غنية - ختن أبى إسحاق - حدّثنا أبو إسحاق الفزارى، عن عبد الله بن شوذبٍ، عن أبى التياح، عن المغيرة بن سُبيعٍ، عن عمرو بن حُريثٍ، عن أبى بكرٍ، قال:. .
36 -
وحدثنا الدورقى، حدّثنا محمد بن كثيرٍ، عن ابن شَوْذَبٍ، عن أبى التياح، عن المغيرة بن سبيعٍ، عن عمرو بن حريثٍ، عن أبى بكرٍ الصديق، أنه مرض، فلما كُشِرَ عنه،
= وداود هذا يقول عنه أبو حاتم الرازى: "متروك الحديث كان يكذب" ثم قصَّ فقال: "قدمتُ قزوين مع خالى فحمل إلى خالى مسنده - يعنى مسند داود - فنظرت في أول مسند أبى بكر - رضى الله عنه - فإذا حديث كذب عن شعبة - يقصد به هذا الحديث من طريق شعبة عن أبى التياح - فتركته. . ." راجع "الجرح والتعديل"[2/ 174]. وتمام القصة كما عند الخليلى في الإرشاد [2/ 174] ، ومن طريقه الرافعى في التدوين في تاريخ قزوين [3/ 1/ الطبعة العلمية]، قال أبو حاتم:". . . فقلتُ: ليس هذا من حديث شعبة عن أبى التياح؛ وإنما هو من حديث سعيد بن أبى عروبة.، وعبد الله بن شوذب عن أبى التياح. . . فقلتُ لخالى: لا أكتب عنه إلا أن يرجع عن هذا. . .".
قلتُ: وقد كان النقاد إذا ظهر لهم خطأ راوٍ نبَّهوه عليه كى يرجع، فإن أصَّر عليه؛ تركوه وأسقطوا حديثه وجعلوا يجرحونه، كما فعلوا مع سفيان بن وكيع وعلى بن عاصم وجماعة.
لكن هناك طائفة من الثقات الأثبات ربما كان يقع منهم الخطأ فلا يرجعون عنه؛ لشدة وثوقهم بأصولهم مع تواتر ثناء النقاد عليهم. ومن هؤلاء: سعيد بن منصور وإبراهيم بن مرزوق ومحمد بن عبيد الطنافسى ومالك بن أنس وابن علية وعارم وجماعة. ولنا بحث في تقرير هذه المسألة. وبالله التوفيق.
34 -
حسن: انظر قبله.
35 -
حسن: انظر قبله.
36 -
حسن: انظر قبله.
وقد وقع في متن الحديث زيادة غريبة تكلم عليها الإمام في الصحيحة [4/ 165].
قال: أيها الناس، إنى لم آلكم نصحًا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمشْرِقِ يُقَالَ لَهَا خُرَاسَانُ، يَتْبَعُهُ قَوْمٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ المْجَانُّ"، واللفظ لحديث ابن كثيرٍ، ولم يتمه هارون كما أتمه الدورقى.
37 -
حدّثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدّثنا محمد بن فُضيل، عن الوليد بن جُميعٍ، عن أبى الطفيل، قال: أرسلت فاطمة إلى أبى بكرٍ، فقالت: ما لك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنت ورثت رسول الله، أم أهله؟ قال: لا، بل أهله، قالت: فما بال سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنى سمعته، يقول: "إِنَّ الله إِذَا أَطْعَمَ نَبِيًّا طُعْمَةً، ثُمَّ قَبَضَهُ إِلَيْهِ جَعَلَهُ لِلَّذى
37 - حسن: أخرجه أحمد [4/ 1]، وأبو داود [2973]، والبيهقى في "سننه"[12536]، والبزار [رقم / 54]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 78]، وابن عبد البر في "التمهيد"[8/ 167] وجماعة، من طرق عن محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع عن أبى الطفيل به. . .
قلتُ: وهذا إسناد حسن مقبول. رجاله كلهم ثقات أئمة سوى الوليد بن جميع، فهو صدوق متماسك، وثقه ابن معين وابن سعد والعجلى، ومشاه أحمد وأبو داود وأبو حاتم والبزار وغيرهم. . . أما ابن حبان: فقد ذكره في "الثقات"[5/ 492]، ثم تناكد وذكره في "المجروحين"! وقال:"كان ممن ينفرد عن الأثبات بما لا يُشبه حديث الثقات، فلما فحش ذلك منه بطل الاحتجاج به! " ثم أخرج بسنده عن الفلاس أنه قال: "كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن الوليد بن جميع".
وأقول: غوائل جرح ابن حبان لا تنتهى، ويحيى بن سعيد وإن كان لا يُحدِّث عن الوليد في أول الأمر، إلا أنه ثبت أنه حدَّث عنه قبل موته كما ذكره الفلاس نفسه عنه فقال:"كان يحيى بن سعيد لا يحدّثنا عن الوليد بن جميع، فلما كان قبل موته بقليل حدَّثنا عنه". نقله عنه ابن أبى حاتم في "الجرح والتعديل"[9/ 8]، وحديثه عنه عند النسائي وغيره. ويحيى لا يروى إلا عن ثقة عنده، والوليد قد مشَّاه أحمد وروى عنه - وهو لا يروى إلا عن ثقة عنده - وتبعه جماعة كما مضى.
لكن يقول العقيلى في "ضعفائه"[4/ 317]: "في حديثه اضطراب" فلنعتدُّ به لكونه مفسرًا، ونقول: ليس الوليد بالثقة الثبت في حديثه، وإنما هو صدوق له أوهام، كما قال نحوه الحافظ في "التقريب" فالرجل صالح الحديث إن شاء الله. =
يَقُومُ بَعْدهُ فَرَأَيْتُ، أَنَا بَعْدَهُ"، أن أرده على المسلمين، قالت: أنت وما سمعته من رسول الله.
= إذا عرفت هذا: فاعلم أن هذا الحديث قد ذكره العينى في "العمدة"[15/ 20]، ثم قال:"قلتُ: في لفظه غرابة ونكارة! وفى إسناده من يتشيَّع"، وهذا كأنه أخذه من كلام الحافظ ابن كثير في البداية [5/ 289]، حيث قال:"في لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة ولعله رُوِىَ بمعنى فهمه بعض الرواة! وفيهم من يتشيَّع. . .".
قلتُ: وهذا كلام غريب، وليس في إسناده مَنْ رموه بالتشيع سوى محمد بن فضيل الإمام الثقة المأمون. وتشيعه دون غضٍّ للشيخين أو غيرهما. بل كان معظِّمًا لهما كما قاله الذهبى في "سير النبلاء" [9/ 174]. وقد أخرج الحافظ المأمون أبو العباس الأبار في "تاريخه" بسندٍ صحيح إلى أبى هشام الرفاعى قال:"سمعتُ ابن فضيل يقول: رحم الله عثمان بن عفان، ولا رحم من لا يترحم عليه" نقله الباجى في "التعديل"[2/ 674].
وقد أثنى عليه النقاد، غير أن بعضهم لم يرض تشيُّعه. وقد علمتَ أنه لم يكن مغاليًا فيه، بل صح عنه أنه كان يحلف باللَّه أنه صاحب سنة وجماعة، وهو صادق في قسمه إن شاء الله.
أما قول ابن سعد: "وبعضهم لا يحتج به" فهذا على إبهامه محمول على مَنْ كره منه تشيعه فقط. وقد قال الحافظ في "هدى السارى"[ص/ 441]: "إنما توقَّف مَنْ توقف فيه لتشيعه؛ فالرجل ثقة لا يُتَوقَّف في قبول مروياته، وقد أخرج حديثه الأئمة الستة في كتبهم". والعجب أن يُعلَّه المناوى في "فيض القدير"[2/ 205]، بهذا الإمام الفاضل فيقول:"وفيه محمد بن فضيل، أورده الذهبى في "ذيل الضعفاء" وقال "ثقة شيعى" وقال ابن سعد: "بعضهم لا يحتج به" وقال أبو حاتم: كثير الخطأ".
قلتُ: أما قول ابن سعد فقد عرفتَ ما فيه، ومثله صنيع الذهبى في إيراده له في "ذيل الضعفاء".
وأما قول أبى حاتم: "كثير الخطأ" فهذا مما ينفرد به المناوى عن أهل الأرض، والموجود عن أبى حاتم إنما قوله فيه:"شيخ" وأين هذا من نقْلِ المناوى؟ وله في كتابه "الفيض" أوهام في التخريج والرجال استقصاها له أبو الفيض الغمارى في "الداوى" أجاد فيه ما شاء، لولا ما شأنه من تحامل كثير وشطط في النقد لا يخفى!
والعجب: أن يسكت الغمارى عن تعقب المناوى في إعلاله الحديث بابن فضيل! مع غلطه في النقل عن أبى حاتم في تجريحه أيضًا! كأنه يقرُّه على ذلك! راجع المداوى [2/ 268]. =
38 -
حدّثنا القواريرى حدّثنا أبو أحمد الزبيرى، عن عمر بن سعيد بن أبى حسين، عن ابن أبى مليكة، عن عقبة بن الحارث قال: خرجت مع أبى بكر الصديق من صلاة العصر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بليال وعليٌّ يمشى إلى جنبه فمر بالحسن بن على وهو يلعب مع الغلمان فاحتمله أبو بكر على عاتقه وجعل يقول: وا بأبى شبيهُ النبي ليس شبيهٌ بعلى! قال: وعليٌّ يضحك.
39 -
حدّثنا زهير بن حرب حدّثنا قبيصة حدّثنا سفيان، عن عمر بن سعيد بن أبى
= * وخلاصة المرام: أن ابن فضيل ثقة فاضل. وليس هو مما يقال في حديثه ما قاله ابن كثير: "ولعله رُوىَ بمعنى ما فهمه بعض الرواة وفيهم من فيه تشيُّع" والثقات بمنأىً بعيد عن فذلكة الألفاظ وَسَبْك مفرداتها كما تُمليه عليهم مذاهبم التى لم يُجاوزوا بها حدَّ الاعتدال. اللَّهم إلا ما قام البرهان عليه من ذلك فقط. والذى دعى ابن كثير إلى هذا القول: هو أنه استنكر بعض المعانى الواقعة في لفظ الحديث. ومثله قال ابن حجر أيضًا! فنقل عنه المناوى في "الفيض"[2/ 205]، أنه قال في "تخريج المختصر":"رجاله ثقات أخرج لهم مسلم، لكنه شاذ المتن لأن ظاهره إثبات كون النبي صلى الله عليه وسلم يُورث وهو مخالف للأحاديث الصحيحة المتواترة".
قلتً: يريد بذلك قول أبى بكر - رضى الله عنه - لفاطمة - رضى الله عنها - حين قالت له: "أنت ورثتَ رسول الله أم أهله؟! " فقال لها أبو بكر: "لا بل أهله"، وقد صرح بذلك الحافظ في "الفتح" [6/ 202]! وأقول: ليستْ تلك اللفظة منكرة إن شاء الله، ويدفع نكارتها بقية كلام أبى بكر، على أن الحافظ ابن عبد البر قد رأيته دفع عنه النكارة رأسًا، وتأوَّله تأويلًا حسنًا. فانظر "التمهيد"[8/ 168].
38 -
صحيح: أخرجه البخارى [3349]، وأحمد [1/ 8]، والنسائى في الكبرى [8161]، والبزار [53]، وابن أبى عاصم في "الآحاد والمثانى"[1/ رقم 409]، والحاكم [3/ 184]، وابن أبى الدنيا في العيال [رقم 262]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 106]، والعجلى في "الثقات"[1/ 297]، وأبو نعيم في "فضائل الخلفاء الراشدين"[رقم 126]، والخطيب في "تاريخه"[1/ 139]، وابن عساكر في "تاريخه"[13/ 174]، والمزى في "التهذيب"[6/ 24]، وجماعة، من طرق عن عمر بن سعيد بن أبى حسين عن ابن أبى مليكة عن عقبة بن الحارث به نحوه. . .
39 -
صحيح: انظر قبله.
حسين، عن ابن أبى مليكة، عن عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر يحمل الحسن بن على ويقول: "يا بأبى شبيهُ النبي ليس شبيهٌ بعلى وعلى معه يتبسَّم".
40 -
حدّثنا عباد بن موسى الخُتَّلِيّ، حدّثنا إسماعيل بن جعفر، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامرٍ، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبى بكرٍ الصديق، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه ماعز بن مالكٍ فاعترف بالزنى، فرده، ثم عاد الثانية فرده، ثم عاد الثالثة فرده، فقلت: إن عدت الرابعة رجمك، فعاد الرابعة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحبسه، ثم أرسل فسأل عنه، قالوا: لا نعلم إلا خيرًا فأمر برجمه.
40 - ضعيف جدًّا: أخرجه أحمد [1/ 8]، وابن أبى شيبة [28769]، والترمذى في علله "الكبير"[رقم/ 411/ طبعة عالم الكتب]، والبزار [رقم/ 55]، والطبرانى في "الأوسط"[3/ 2553]، والطحاوى في "شرح المعانى"[3/ 141]، والحارث [رقم/ 512/ زوائد الهيثمى]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 79]، وابن الجوزى في "التحقيق"[2/ 329]، وغيرهم من طرق عن إسرائيل عن برابر عن عامر الشعبى عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبى بكر به نحوه. . .
قلتُ: وهذا إسناد مُنْهار، وجابر هو ابن يزيد الجعفى، ذلك الرافضى الخبيث ماله وزن عند النقاد أصلًا، ومَنْ أثنى عليه فلم يعرف دخائله، وقد كذبه جماعة. وهو رجل مكشوف الأمر لا يحتاج حاله إلى مزيد بيان. وقد قال الترمذى في علله بعد أن روى هذا الحديث:"سألتُ محمدًا - يعنى البخارى - عن هذا الحديث. فقال: لا أعلم أحدًا روى هذا الحديث عن الشعبى يخر جابر الجعفى، وضعَّف محمدٌ جابرًا جدًّا. . .".
قلتُ: والحديث منكر بهذا السياق، وقد صح أصل الحديث من طرق أخرى، بل هو صحيح لغيره دون جملة:"فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحبسه" فهذه زيادة منكرة، وكذا قول أبى بكر في وسطه وآخره.
وشواهد الحديث كثيرة:
منها: عن جابر بن سمرة عند مسلم [1692]، وأبى داود [4422]، وأحمد [5/ 91].
ومنها: عن ابن عباس عند مسلم أيضًا [1693]، وأبى داود [4425]، والترمذى [1427]، وأحمد [1/ 245]، وجماعة.
وراجع "الإرواء"[رقم 2322، 2357] للإمام الألبانى.
41 -
حدّثنا موسى بن حيان، حدّثنا أبو أحمد الكوفي الزبيرى، حدّثنا إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامرٍ، عن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبى بكرٍ، أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ماعز بن مالكٍ أربع مراتٍ.
42 -
حدّثنا عبيد الله بن عمر القواريرى، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، حدّثنا عبد الله بن المبارك، حدّثنا معمرٌ، عن الزهرى، عن عروة، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مئةً من أصحابه، حتى إذا كانوا بذى الحُلَيفةِ قلَّدَ النبي صلى الله عليه وسلم الهدى، وأشعره، وأحرم بالعمرة، فجاء عروة بن مسعود الثقفى، قال:"إنى أرى أوجهًا خليقًا أن يفروا ويدعوك"، فقال أبو بكر: مُصَّ بَظرَ اللات، أنحن نفر وندعه؟!
43 -
حدّثنا زهير بن حربٍ، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا أبى، عن صالحٍ، عن ابن شهابٍ، أخبرنى عروة بن الزبير، أن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرت أن فاطمة بنت
41 - صحيح لغيره: انظر قبله. وهو بهذا اللفظ صحيح لغيره. ويشهد له: حديث ابن عباس الماضى الإشارة إليه، وهو عند مسلم وأبى داود والترمذى وأحمد والطيالسى وجماعة. ولفظ الطيالسى [رقم/ 2627]:"عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك: أحق ما بلغنى عنك؟! قال: وما بلغك عنى؟! قال: بلغنى أنك زنيت بأمة بنى فلان قال: نعم، فردَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات، ثم أمر برجمه" وسنده قوى.
وفى الباب عن جماعة من الصحابة به نحوه، يأتى منها: حديث أنس بن مالك [1215].
42 -
صحيح: أخرجه عبد الرزاق [9720]، ومن طريقه البخارى [2581]، وأحمد [4/ 323]، وابن أبى شيبة [36855]، والبيهقى في "سننه"[18567]، وجماعة، من طرق عن الزهرى عن عروة عن المسور ومروان به نحوه. . . مطولًا. وعندهم موضع الشاهد هنا.
43 -
صحيح: أخرجه البخارى [2926]، ومسلم [1759]، والنسائى [4141]، وأحمد [1/ 4]، وابن حبان [4833]، والطحاوى في شرح المعانى [2/ 4]، وابن الجارود [1098]، والمروزى في مسند أبى بكر [رقم 35]، وابن سعد في "الطبقات"[2/ 315]، والطبرانى في "الأوسط"[4/ رقم 3718]، والبيهقى في "سننه"[43]، وجماعة كثيرة من طرق عن الزهرى عن عروة عن عائشة مطولًا ومختصرًا به نحوه. وللحديث شواهد.
رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت أبا بكرٍ بعد وفاة رسول الله أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكرٍ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ".
44 -
حدّثنا محمد بن أبى بكرٍ المُقَدَّمِيّ، وموسى بن محمد بن حيان، قالا: حدّثنا ابن أبى الوزير، حدّثنا زَنْفَل العَرَفِيّ، ينزل عرفة، حدّثنا عبد الله بن أبى مليكة، عن عائشة، عن أبى بكرٍ، وفى حديث موسى بن حيان، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الأمر، يقول:"اللَّهمَّ خِرْ لِي، وَاخْتَرْ لِي".
45 -
حدّثنا أبو موسى الهروى إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا
44 - ضعيف: أخرجه الترمذى [3516]، والبزار [95]، والبيهقى في "الشعب"[1/ رقم 204]، والقضاعى في الشهاب [2/ رقم 1471]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 44]، والمزى في "تهذيبه"[9/ 395]، وابن عدى في "الكامل"[3/ 235]، والعقيلى في "الضعفاء"[2/ 97]، وابن عساكر في "تاريخه" كما في مختصره لابن منظور [1/ 3303]، والخرائطى في مكارم الأخلاق [2/ رقم 867]، وابن السنى في "اليوم والليلة"[رقم / 591]، وتمام في فوائده [2/ رقم 1758]، والعسكرى في "المواعظ" كما في "كنز العمال"[17148]، وجماعة من طرق عن زنفل بن عبد الله عن ابن أبى مليكة عن عائشة عن أبى بكر الصديق به نحوه مرفوعًا. . .
قلتُ: هذا إسناد منكر، آفته زَنْفل هذا، وهو ضعيف صاحب مناكير على قلة حديثه. قال ابن معين:"ليس بشئ"، وقال أبو داود:"ضعيف تجئ عنه مناكير". وقال ابن عدي: "لا يتابع على ما يرويه"، وضعفه سائر النقاد. بل قال الحميدى:"كان يلعب به الصبيان"، فيدل هذا على أن الرجل قد اختل عقله وخرف حتى أصبح ملعبةً لغلمان أهل مكة، وهذا مما يزيده ضعفًا. ونقل الحافظ في "تهذيبه"[3/ 341]، عن البخارى أنه قال في "تاريخه": - لعله الأوسط -: "كان به خبل" يعنى زنفلًا.
والحديث ضعفه جماعة: منهم الحافظ في "الفتح"[11/ 84].
45 -
صحيح لغيره: هذا إسناد لا يصح. وعبد الرحمن بن أبى بكر هو المليكى الضعيف المشهور.
وقد مضى تخريج هذا الطريق في الحديث [رقم/ 22]، فانظره ثَمَّ. =
عبد الرحمن بن أبى بكرٍ، عن ابن أبى مليكة، عن عائشة، قالت: اختلفوا في دفن النبي صلى الله عليه وسلم حين قُبضَ، فقال أبو بكرٍ: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يُقْبَضُ النَّبِيُّ إِلا فِي أَحَبِّ الأَمْكِنَةِ إِلَيْهَ"، فقال: ادفنوه حيث قُبِضَ.
46 -
حدّثنا موسى بن حيان، حدّثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفى، حدّثنا موسى بن مُطَيرٍ، حدثنى أبى، عن عائشة، قالت: حدثنى أبو بكرٍ، قال: جاء رجلٌ من المشركين
= والحديث قوى بشواهده المذكورة هناك. ثم وجدتُ له طريقًا آخر: من حديث عائشة لم أذكره في الموضع المشار إليه. . .
وهو: ما أخرجه يحيى بن سعيد الأموى في "مغازيه" كما في "البداية والنهاية"[5/ 266]، قال:"حدّثنا أبى عن ابن إسحاق عن رجل حدثه عن عروة عن عائشة أن أبا بكر قال: "سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه لم يدفن نبى قط إلا حيث قُبض".
قلت: وهذا إسناد ضعيف منقطع، وقد اختلف في سنده على عروة بن الزبير على ألوان ذكرنا بعضها هناك في تخريج الحديث [رقم/ 22].
ونقول هنا: في الإسناد الماضى: يحيى بن سعيد الأموى، وهو ثقة فيه كلام خفيف، وأبوه قوى الحديث. لكن ابن إسحاق مدلس ولم يذكر فيه سماعًا! وشيخه رجل مجهول أيضًا.
وقد رواه هشام بن عروة عن أبيه فقال: عن أبى بكر به مرفوعًا. هكذا دون ذكر "عائشة" أخرجه ابن سعد في "الطبقات"[2/ 292]، من طريق حماد بن أسامة عن هشام به. وقد خولف حماد بن أسامة في سنده ورفْعه! خالفه حماد بن سلمة فرواه عن هشام عن أبيه فقال: عن عائشة قالت: "لما مات النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: أين يدفن؟! فقال أبو بكر: في المكان الذي مات فيه" هكذا رواه موقوفًا! أخرجه ابن سعد في "طبقاته"[2/ 292]، وابن أبى الدنيا كما في "البداية والنهاية"[5/ 266]، كلاهما من طريق أبى الوليد الطيالسى عن حماد به. وهذا الوجه هو الصواب عندى.
46 -
منكر: هذا إسناد ساقط. وشيخ المولف ترك حديثه أبو زرعة الرازى كما في "الجرح"[8/ 161]، ومشَّاه غيره.
وعبيد الله: وثقه جماعة ومشَّاه آخرون، وقال الحافظ:"صدوق لم يثبت أن يحيى بن معين ضعفه". =
حتى استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعورته يبول، قلت: يا رسول الله، أليس الرجل يرانا؟ قال:"لَوْ رَآنَا لَمْ يَسْتَقْبِلْنَا بِعَوْرَتِهِ"، يعنى وهما في الغار.
= قلتُ: بل ثبت ذلك! قال العقيلى في "ضعفائه"[3/ 123]: "حدّثنا أحمد بن محمد قال: حدّثنا عثمان بن سعيد قال: قلتُ ليحيى - يعنى ابن معين -: عبيد الله بن عبد المجيد الحنفى أخو أبى بكر ما حاله؟! قال: ليس بشئ" وهذا إسناد قوى. وعثمان هو الدارمى الحافظ الإمام رغم أنف الكوثرى. وأحمد بن محمود: أكثر عنه العقيلى جدًّا، وإذا روى عن الدارمى أو أبى بكر الأعين فإنما بواسطته، وقد نسبه هرويًّا في كثير من المواضع، ولم أُميِّزه بعد! ثم ظهر لى: أنه "أحمد بن محمود بن مقاتل بن صبيح أبو الحسن الهروى". هكذا وجدته في مواضع من أسانيد ابن عساكر في "تاريخه"[65/ 317]، و [19/ 45]، يروى من طريق أبى القاسم ابن أبى العقب عنه عن الدارمى عن ابن معين ببعض السؤالات.
ثم رأيت ابن عساكر قد ترجمه في [6/ 4]، وذكر أنه يروى عن الدارمى، ثم نقل عن بعضهم أنه وصفه بالصلاح. وكذا وصفه به أبو القاسم بن أبى العقب كما تراه في [19/ 45]، من "تاريخ دمشق". ثم وجدت الخطيب قد ترجمه في "تاريخه"[5/ 156]، ثم نقل عن داود بن يحيى أنه قال:"قلَّ من رأيتُ من هؤلاء الغرباء خيرًا منه". وكذا: رأيتُ الحافظ الذهبى ذكره في "تاريخه"[1/ 2307]، وفيات "سنة 310 هـ" وقال:"وكان ثقة صالحًا".
* وبالجملة: فالإسناد صحيح إلى ابن معين كما مضى.
لكن يُعكِّر عليه: أنه وقع في تاريخ ابن معين - رواية الدارمى -[1/ 178/ رقم 644]، أن الدارمى سأله فقال:"قلتُ: فعبيد الله بن عبد المجيد الحنفى أخو أبى بكر ما حاله؟! فقال: ليس به بأس" وهذه الرواية هي التى نقلها المزى في "التهذيب"[19/ 105]، واعتمدها الحافظ في "التقريب" وغمز من الرواية الماضية كما سبق نقله. وتابعه بشار عواد في تعليقه على "تهذيب الكمال" أيضًا! وساق رواية العقيلى ثم قال:"كذا زعم العقيلى في نقله، عن الدارمى" ثم حكى ما في "تاريخ الدارمى". ثم قال: "ويؤيد عدم صحة ما نقله العقيلى: أن أحدًا من المتقدمين لم يذكره في الضعفاء مثل البخارى و. . . غير أن الذهبى ذكره في الضعفاء متابعًا - على ما يبدو - العقيليَّ؛ فيُحرَّر ما نقله العقيلى، وما نظنه إلا واهمًا. . .".
قلتُ: ونحن قد حرَّرنا ذلك فوجدنا ما نقله العقيلى صحيح الإسناد إلى ابن معين، وأن الوهم لا يُرمى به الثقات هكذا بمجرد الظن دون إقامة البرهان. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وما المانع أن يكون لابن معين قولان في عبيد الله ابن عبد المجيد؟ بل هذا هو الظاهر؛ لما عرف عن ابن معين من تضارب أقواله في الرجال حسب تغيُّر اجتهاده. وقد اعتمد الذهبي: هذه الرواية عن ابن معين، وذكر عبيد الله في "الميزان"[3/ 13]، وفى "ديوان الضعفاء"[رقم/ 2701]، وفى المغنى [رقم/ 3936]، وغير ذلك.
ثم رأيتُ الأستاذ البحاثة محمد عوامة: قد جزم في مقدمته النفيسة لـ: "الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة"[1/ 165]: بكون ما وقع عند العقيلى من قول ابن معين: "ليس بشئ"! ما هو إلا تحريف فاحش، أو تشويش شديد وقع للعقيلى أثناء ترتيب نسخته من "تاريخ الدارمى"! وأن الصواب عن الدارمى هو الموجود في تاريخه المطبوع، من قول ابن معين:"ليس به بأس". وفى وقوع التحريف بتلك الصورة نظر عندى! نعم: قد كنتُ أحتمل أن يكون ذلك من جملة تلك الأخطاء الطباعية الكثيرة في "ضعفاء العقيلى"! فعندى منه: مطبوعتان فيهما من التحريف والتصحيف ما شاء الله!
إحداهما: "طبعة المكتبة العلمية".
والثانية: "طبعة دار الصميعى".
لكنى: رجعتُ إلى نسخة نفيسة عندى مصورة عن "المكتبة الظاهرية/ بدمشق" وهى منقولة من النسخة الخاصة التى كانت عند محدث بغداد: الإمام الحافظ عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد أبى البركات الأنماطى - وهو من مشيخة أبى طاهر السلفى وابن الجوزى وابن السمعانى وجماعة -[المتوفى/ 538 هـ]. فوجدت النص فيها [ق/ 137/ ب] كما هو في المطبوع تمامًا! نعم: ربما يتوجه تعصيب جناية هذا التحريف - لو سلمنا به - برقبة أحمد بن محمود بن مقاتل راوى ذلك النص عند العقيلى! فقد خالفه زكريا بن أحمد بن يحيى البلخى - المحدث الفقيه المشهور، وهو أشهر من ابن مقاتل وأثبت - وروى هذا النص عن الدارمى أنه سأل ابن معين عن عبيد الله بن عبد المجيد فقال:"ليس به بأس" كما هو ثابت في "تاريخ الدارمى" المطبوع. وهذا أولى من تحميل العقيلى تبعة هذا التحريف - مع التسليم به - وهو الإمام الحافظ الناقد العارف.
وعلى كل حال: فعبيد الله هذا صدوق صالح. ونعتذر عن هذا الاستطراد المفيد بشأنه.
وعلة هذا الحديث: هي موسى بن مطير ذلك الساقط الذي كذبه ابن معين، وقال عنه أبو حاتم:"متروك ذاهب الحديث"، وتركه جماعة وضعفه آخرون. قال ابن حبان:"كان صاحب عجائب ومناكير لا يشك المستمع لها أنها موضوعة" راجع "اللسان"[6/ 130]. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأبوه: قريب من ولده، وعنه يقول أبو حاتم:"متروك الحديث" وضعفه أبو زرعة وغمزه البخارى. واسمه: مطير بن أبى خالد. راجع "الجرح والتعديل"[8/ 394]، وضعفاء العقيلى [4/ 252].
والحديث: أورده البوصيرى في "إتحاف الخيرة"[5/ 81] ثم قال: "هَذَا إسْنَادٌ ضَعيفٌ؛ لِضَعْفِ مُوسَى بْنِ مُطَيْرٍ"!
قلتُ: كذا يتساهل البوصيرى في حق الرجل! هلا قال مثل صاحبه الهيثمى في "المجمع"[6/ 68]: "فيه موسى بن مطير وهو متروك". وقد غفل الرجلان عن "مطير" والد موسى.
وللحديث شاهد أخرجه الطبراني في "الكبير"[24/ رقم/ 284]، من حديث أسماء بنت أبى بكر في قصة طويلة وفيه:". . . فقال أبو بكر لرجلٍ يراه مواجه الغار: يا رسول الله: إنه ليرانا فقال: كلا. . . فجلس ذلك الرجل [فبال]، مواجه الغار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان يرانا ما فعل هذا. . .".
قلتُ: ذكره الحافظ في "الفتح"[24/ 7]، وسكت عليه. وتكلَّم عليه الهيثمى في "المجمع"[6/ 66]، فقال:"رواه الطبراني وفيه يعقوب بن حميد بن كاسب وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه أبو حاتم وغيره، وبقية رجاله رجاله الصحيح".
* والصواب: أن يعقوب إلى الضعف أقرب منه إلى غيره، وإن كان في الأصل صدوقًا كثير الحديث، وله مناكير معروفة.
والراوى عنه في هذا الحديث هو: "أحمد بن عمرو الخلال" أحد شيوخ الطبراني، لم نقف على توثيق له نُقوِّم به حاله، وقد ذكره الذهبى في "تاريخه"[1/ 2240]، وفيات "سنة 300 هـ" ولم يذكر من حاله شيئًا. وقد رواه يعقوب بن حميد عن يوسف بن الماجشون عن أبيه عن أسماء به. ويوسف: ثقة معروف، وأبوه صدوق صالح الحديث. لكن غالب ظنى أن أباه لم يلق أسماء فضلًا عن سماعه منها. والحديث: ذكره "صاحب الكنز"[46281]، وعزاه إلى أبى نعيم في "الدلائل" قائلًا:"من طريق آخر". ولم أقف عليه في "دلائل أبى نعيم" المطبوع فلعله في أصله المخطوط إن لم يكن مفقودًا، وقد يكون أبو نعيم قد رواه من طريق شيخه "الطبراني" بهذا الإسناد وقد عرفتَ ما فيه.
وقد ذكره الحافظ في "الفتح"[7/ 11]، بنحوه وعزاه للواقدى في "السير" والواقدى مكشوف الأمر جدًّا؟! فالله المستعان.
47 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا محمد بن الحسن بن أبى الحسن المخزومى، حدّثنا سليمان بن بلالٍ، عن عبد الحكيم بن عبد الله بن أبى فروة، عن يعقوب بن عتبة، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، أن عبد الله بن أبى بكر لما توفى بُكىَ عليه، فخرج أبو بكرٍ، إلى الرجال، فقال: إنى أعتذر إليكم من شأن أولاء، إنهن حديثات عهدٍ بجاهليةٍ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إِن المْيِّتَ يُنْضَحُ عَلَيْهِ الحْمِيمُ بِبُكَاءِ الحْيِّ".
47 - منكر: أخرجه البزار [رقم/ 64]، والمروزى في مسند أبى بكر [رقم 37]، والشيرازى في "الألقاب" من طريق محمد بن الحسن بن زبالة عن سليمان بن بلال عن عبد الحكيم بن عبد الله بن أبى فروة عن يعقوب بن عتبة عن عروة بن الزبير عن عائشة به نحوه.
قال البزار: "وهذا الحديثُ لا نعلمُه يروى عن أبى بكر من غير هذا الوجه، ولا نعلم أنّه يروى هذا اللّفظ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحو هذا الكلام ومعناه، وعبدًا لحكيم بن عبد الله رجلٌ من أهل المدينة صالحٌ، ويعقوب بن عتبة مشهورٌ، ومحمّد بن الحسن المدنيّ ليّن الحديث قد روى أحاديث لم يتابع عليها، وقد حدّث عنه أهلُ العلم واحتملُوا حديثهُ، وإنّما ذكرناهُ على ما فيه من علّةٍ؛ لأنّا لم نحفظ لفظهُ إلّا من هذا الوجه بهذا الإسناد".
قلتُ: وإسناده مظلم؛ وابن زَبالة قد فرغ النقاد من شأنه منذ دهر. وعنه يقول ابن معين: "كذاب خبيث لم يكن بثقة ولا مأمون يسرق - يعنى الحديث -"، وكذا كذبه أبو داود. واتهمه الساجى بالوضع على مالك، وأسقطه باقى النقاد فسقط إلى الأبد.
وبالجملة: فابن زَبالة كاسمه في التنكب عن حديثه. وقد تساهل الحافظ البزار بشأنه في "مسنده". ومثله الهيثمى في "المجمع"[3/ 105]، فقال الثاني:"رواه البزار وأبو يعلى، وفيه محمد بن الحسن بن زبالة وهو ضعيف".
* والصواب: أنه شيخ تالف الرواية كما مضى. قال الحافظ في التلخيص [2/ 140]: "ولقد أتى - يعنى ابن زبالة - في هذه الرواية بطامة؛ لأن المشهور أن عائشة كانت تنكر هذا الإطلاق".
قلتُ: يقصد بهذا الإطلاق: "تعذيب الميت ببكاء الحى عليه"، وإنكار عائشة ثابت في الصحيح.
وعبد الحكيم بن أبى فروة: صدوق قوى الحديث على التحقيق. فدعك من قول العقيلى عنه في "الضعفاء"[3/ 854/ طبعة الصميعى]: "عبد الحكيم بن عبد الله بن أبى فروة عن عباس بن سهل لا يُتابع عليه ولا يُعرف إلا بالواقدى عنه! حدّثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدّثنا محمد بن عمر الواقدى، قال حدّثنا عبد الحكيم بن عبد الله بن أبى فروة، عن عباس بن سهل بن =
48 -
حدّثنا القواريرى حدّثنا مرحوم بن عبد العزيز، حدّثنا أبو عمران الجَوْنِى عن يزيد بن بابَنُوس عن عائشة: أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه ووضع يديه على صدغيه وقال: "وانبياه واخليلاه واصفيَّاه".
= سعد، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ذهب أحدكم إلى الخلاء فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها"! بل الرجل: معروف مشهور، روى عنه جماعة من الثقات الأكابر، فما لنا والواقدى؟!
وقد وثقه ابن معين وأبو حاتم - على تعنُّته - ومشاه أبو زرعة. كما في ترجمته من "الجرح والتعديل"، وكذا ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال البزار كما مضى:"صالح الحديث". وهو من رجال "الميزان" ولسانه. والحديث الماضى الذي يرويه عن عباس بن سهل ويقول عنه العقيلى: "لا يتابع عليه" إنما رواه عنه الواقدى كذاب أهل المدينة.
ثم وجدتُ ابن أبى فروة قد توبع عليه: تابعه الوليد بن مسافع عن يعقوب بن عتبة عن عروة عن عائشة به نحوه. أخرجه ابن النجار في "التاريخ المجدد لمدينة السلام"[5/ 100/ الطبعة العلمية]، من طريق عمر بن محمد أبى نصر الصوفى - وثقه ابن النجار - عن عبد الأول بن عيسى - المسْند المعروف - عن أبى عاصم الفضيل بن يحيى بن الفضيل - وثقه السمعانى - عن عبد الرحمن بن أحمد الأنصارى - وهو ابن أبى شريح الثقة الصالح - عن يحيى بن محمد - هو ابن صاعد الإمام - عن محمد بن ميمون الخياط - الصدوق المتماسك - عن إسماعيل بن داود المخارقى - وهو آفة هذا الطريق - عن الدراوردى عن الوليد بن مسافع عن يعقوب [وقع بالأصل: أيوب" عن أوقع بالأصل: عن عتبة، عروة عن عائشة به.
وهذه متابعة لا يفرح بها إلا من لا يعرف المخارقى، وحو الذي يقول عنه أبو داود:"لا يساوى شيئًا" وضعافه أبو حاتم جدًّا. راجع "اللسان"[1/ 403]، وابن مسافع هو الوليد بن عمرو العامرى صدوق صالح.
وقد رأيتُ أبا حاتم الرازى قد سئل عن هذا الحديث - كما في العلل [رقم/ 1036]- من الطريق الأول، فقال:"هذا حديثٌ مُنكرٌ، وابنُ زبالة ضعِيفُ الحدِيثِ". فللَّه الحمد.
48 -
حسن: أخرجه أحمد [6/ 219] ، وابن راهويه [رقم / 1718]، و [رقم / 1333]، والترمذى في "الشمائل"[رقم/ 392]، وابن سعد في "الطبقات"[2/ 265] والبيهقى في "الدلائل"[رقم/ 3152]، وأبو نعيم في "الحلية"[9/ 228]، والخطيب في "تاريخه"[5/ 231]، وأبو منصور بن عساكر في "الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين"[34]، وغيرهم، من طرق عن=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مرحوم بن عبد العزيز العطار عن أبى عمران الجونى عن يزيد بن بابنوس عن عائشة به مختصرًا ومطولًا.
وهذا إسناد حسن رائق، رجاله كلهم ثقات سوى ابن بابنوس، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات".
وقال الدارقطني في سؤالات البرقانى [ص 72/ رقم 559]: "بصرى لا بأس به"، وصحَّح له الحاكم في مواضع من "المستدرك"[2/ 426]، و [4/ 185]، و [4/ 185]. وغمزه آخرون! فنقل ابن الجوزى في "الضعفاء والمتروكين"[3/ 207]، عن أبى حاتم الرازى أنه قال:"مجهول" وتبعه الحافظ في "التهذيب"[11/ 276]، واغترَّ بذلك الذهبى في "ديوان الضعفاء"[ص/ 444]، فقال عنه:"مجهول". ولم أجده في "الجرح والتعديل"[9/ 254] لابن أبى حاتم. ثم وجدتُ المعلِّق على "تهذيب المزى"[32/ 93]، تعقَّب ابن الجوزى قائلًا:"لكن الحافظ زكى الدين المنذرى تعقب ابن الجوزى في حاشية نسخته المخطوطة من "ضعفائه"، فذكر أنه لم يجد قول أبى حاتم". ثم قال المعلِّق: "والحق مع الحافظ المنذرى".
قلتُ: وهو الصواب إن شاء الله. وابن الجوزى كثير المجازفة واسع الوهم على معرفته، وهو ينفرد كثيرًا بنقولات عن المتقدمين في تجريح الرواة لا نجد لها أثرًا إلا عن سبيله! وهذا أمر يعرفه مَنْ له اشتغال بهذا الفن اللطيف. . .
وقد بسطنا البراهين على ذلك في ترجمته من كتابنا: "المحارب الكفيل بتقويم أسنة التنكيل".
وراجع ترجمة "الحارث بن عمير" من "التنكيل" ورسالة "درء الضعف عن حديث من عشق ضعف" لأبى الفيض الغمارى. لكن غمزه البخارى بآفة أخرى، فقال في "تاريخه" [8/ 323]:"كان من الشيعة الذين قاتلوا عليًّا. . ."؟!
قلتُ: وهذا غريب جدًّا ومتى حارب الشيعة عليًا أصلًا؟ نعم إن كان البخارى يريد أنه كان شيعيًا - في أول أمره - ثم انقلب خارجيًا - مثلًا - وقاتل عليًا. . . فهذا مستقيم. وقد يكون مراد البخارى من "الشيعة": يعنى شيعة عثمان الذين طالبوا بدمه، وهذه العبارة أخذها البخارى من قول أبى عمران الجونى كما أخرجه العقيلى [4/ 374/ الطبعة العلمية] عنه، ووقع عنده:"وكان من السبعة [هكذا وقع في المطبوع، وفى نسختين مخطوطتين عندى وهو تحريف، وصوابه: الشيعة]، الذين قاتلوا عليًا. . .". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ثم ذكر له حديثًا. واقتصر أبو داود على قوله: "كان شيعيًا" وهذا بإطلاقه لا يطلق إلا على من يناصر عليَّ بن أبى طالب وآل بيته، وهو بتلك الصورة بعكس ما مضى. والصواب الأول؛ لكونه من قول الراوى عنه، وهو أعلم الناس به. ولأجل هذا القول - مع ما مضى من القول بجهالته -: أدرجه جماعة في الضعفاء.
أما ما يتعلق بالجهالة: فقد مضى أن قول أبى حاتم ما صح عنه. نعم: قد انفرد عنه أبو عمران الجونى - وهو ثقة معروف - بالرواية! لكن مضى أن الدارقطنى قد قال عنه: "لا بأس به" وهذا ظاهر في كونه سبر حديثه فلم يجد فيه ما ينكر. وكذا ذكره ابن عدى في "الكامل"[7/ 278]، ثم قال:"ومن طريقه عن عائشة أحاديث مشاهير" ولم يتكلم فيه ببنْت شَفة. فقول الدارقطنى عندى معتمد في تمشية حال الرجل، ولا عبرة بتوثيق ابن حبان له؛ فإنى لا أراه سبر حديثه، كما يدل على ذلك ترجمته القصيرة جدًّا له، وكما هو المعروف من توثيقه أمثال هذه الطبقة المتقدمة من رجالات الصدر الأول.
وأما قولهم: "كان من الشيعة الذين قاتلوا عليًا" فلم أفهم منه إلا أحد أمرين:
1 -
إما أن يكون ابن بابنوس كان رجلًا شيعيًا ثم انقلب على على - رضى الله عنه - والتحق بكلاب النار! - أعنى: هؤلاء المَرَقة المعروفين بالخوارج - فإن كان كذلك - وهو عندى بعيد - فلم يظهر لنا أنه كان يدعو إلى مذهبه الخارجى، ورواية أهل البدع - غير الدعاة لها - مجروفة لدى المحققين.
2 -
وإما أن يكون من أولئك الذين حاربوا عليًا، لأجل مطالبتهم بدم عثمان. وقد يكون تشيَّع أول أمره، ثم تحوَّل عثمانيًا يسعى إلى ما سعى إليه جماعات مشهورة، ولو صح عنه ذلك - وهو الأقرب لى - فليس كل مَنْ حارب عليًا؛ لأجل المطالبة بدم عثمان يعد فاسقًا ساقط العدالة.
نعم هو معدود من الطائفة الباغية الخاطئة، لكن هذا لا يوجب التجريح أصلًا. وقد حارب عليًا جماعةٌ من صفوة الصحابة والتابعين، فما غمزهم في دينهم أو عدالتهم إلا كل هالك، فانتبه فالمقام ضيِّقٌ للغاية. بل أزيد وأقول: ليس بمجرد كون الراوى لا يحب عليًا - مع كونه لا يُبغضه فضلًا عن أن يسبَّه - يصير ناصبيًا، بل لا يكون النصب إلا مع البُغض أو السب. وكذلك لا يُرْمَى الرجل بالرفض إلا إذا سبَّ أحد الصحابة سبًا صريحًا. أما عدم المحبة مع التوقف عن الشتم والثلْب: ففيها تفصيل مشروح - مع الذي مضى - في مكان آخر. =
49 -
حدّثنا كامل بن طلحة، حدّثنا ابن لَهِيعة، حدّثنا أبو الأسود، عن عروة، عن عائشة، أو أسماء، أن أبا بكرٍ، قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام المقبل الذي توفى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنى سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم بالصيف عام الأول، في مثل مقامى هذا،
= * وبالجملة: فهذا ما وقفتُ عليه مما ظاهره يتماشى مع إعلال هذا الحديث. وقد ذكر الإمام الألبانى هذا الحديث في "الإرواء"[3/ 157]، من رواية أحمد [6/ 219 - 200]، ثم قال:"وسنده على شرط مسلم". وهذا وهَمٌ منه دون تردد! ولم يرو مسلم لابن بابنوس في الأصول ولا في الشواهد والمتابعات. ثم ذكر الإمام رواية أخرى لأحمد [6/ 31]- من نفس الطريق - ثم قال: "وسنده صحيح أيضًا".
قلتُ: قد مضى ما عانيناه لتحسين هذا الطريق، فلا طاقة لنا بتصحيحه - بمفرده - أصلًا. ثم وجدته - يرحمه الله - قد حسَّنه فقط في مختصر "الشمائل"[رقم 328]. وهذا هو الأليق بحال سنده.
49 -
صحيح لغيره: المرفوع منه فقط: هذا إسناد لا يثبت. وابن لهيعة إمام فقيه مقبول في كل شئ سوى الحديث، والكلام فيه طويل الذيل حتى ألَّف بعضهم في شرح حاله. والذى ذهبنا إليه قديمًا وما زلنا عليه: أن الرجل ضعيف الحديث مطلقًا ولا عبرة برواية الأقدمين عنه إلا في شئ واحد لا دخل له في تصحيح حديثه كما فهمه بعض أصحابنا وجمع من المتأخرين. بل لم نر أحدًا - ممن رأينا - أجاد في شرح حال الرجل مثل الباحث البارع: طارق بن عوض الله أبى معاذ شى رسالته "النقد البنَّاء لحديث أسماء" وهو من أفاضل الباحثين بالديار المصرية. وكامل بن طلحة صدوق متماسك.
وأبو الأسود: هو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشى الثقة المعروف. والتردد في راوية الحديث: "عائشة أو أسماء" هو من سوء حفظ أبى عبد الرحمن بن لهيعة! وقد نقل صاحب "كنز العمال"[رقم/ 4925]، عن الحافظ ابن كثير أنه قال عن هذا المتن بذاك الطريق:"إسناده جيد". كذا قال وقد عرفتَ ما فيه. وابن كثير وجدتُه يُحسِّن لابن لهيعة - بل يقوى - جملةً من الأحاديث وتابعه على ذلك الإمام أحمد شاكر أيضًا، ويكون ذلك منهما دون اعتبارٍ لرواية العبادلة عنه مَنْ غيرها، ولهما رأيهما في ذلك فهما مجتهدان إمامان مرضيان. والمرفوع من الحديث: ثابت من طرق أخرى عن أبى بكر الصديق. كما سيأتي بهذه الأرقام [74، 75، 124، 134، 135]، وغيرها. ومضى نحوها [برقم/ 8].
ثم فاضت عيناه، ثم قال: إنى سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم في الصيف عام الأول، في مثل مقامى، ثم فاضت عيناه، ثم قال: إنى سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم في الصيف عام الأول، في مثل مقامى هذا، ثم فاضت عيناه، ثم قال: إنى سمعت نبيكم عليه السلام، في مثل مقامى هذا، يقول:"سَلُوا الله الْعَفوَ وَالْعَافِيَةَ، والمُعَافاةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخرَة".
50 -
حدّثنا القواريرى، حدّثنا غندرٌ، حدّثنا معمرٌ، حدّثنا ابن شهابٍ، عن عروة، عن عائشة، أن أبا بكرٍ، دخل عليها، وعندها جاريتان تضربان بدفين، فانتهرهما أبو بكرٍ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"دَعْهُنَّ، فَإِنَّ لِكُلِّ قوْمٍ عِيدًا".
51 -
حدّثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدّثنا محمد بن عمر الأسلمى، حدّثنا الضحاك بن عثمان، عن حبيبٍ مولى عروة، قال: سمعت أسماء بنت أبى بكرٍ، قالت:"رأيت أبى يصلى في ثوبٍ واحد، فقلت: يا أبه، تصلى في ثوبٍ واحد، وثيابك موضوعةٌ؟ فقال: يا بنية، إن آخر صَلاةٍ صَلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفى في ثوبٍ واحدٍ".
50 - صحيح: أخرجه البخارى [944]، ومسلم [892]، والنسائى [1593] ، وأحمد [6/ 33]، وابن حبان [5869] ، والبيهقى في "سننه"[13305]، وابن راهويه [779]، وأبو نعيم في "أماليه"[برقم 9]، والطبرانى في "الكبير"[23/ رقم 285]، وابن عساكر في "تاريخه"[8/ 121]، وجماعة كثيرة من طرق عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة به نحوه مختصرًا وبأطول منه هنا. وقد توبع عليه الزهرى: تابعه هشام بن عروة، وأبو الأسود القرشى وغيرهما.
51 -
صحيح: أخرجه ابن أبى شيبة [3195]، ومن طريقه المؤلف، ومن طريقه المروزى في مسند أبى بكر [رقم 115]، من طريق محمد بن عمر الواقدى الأسلمى حدّثنا الضحاك بن عثمان عن حبيب مولى عروة قال: سمعت أسماء بنت أبى بكر عن أبى بكر به. قال الهيثمى في "المجمع"[2/ 179]: "رواه أبو يعلى، وفيه الواقدى وهو ضعيف".
قلتُ: تساهل الهيثمى في حق الرجل مع كونه مكشوف الأمر، وهو الذي كذبه الأئمة يخط عريض، حتى قال حافظ عصره أبو عبد الرحمن النسائي في كتابه "الضعفاء والمتروكين":"الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعة: الواقدى بالمدينة. . ." وكذا كذبه أحمد بن حنبل ومحمد بن بشار وغيرهما. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال الشافعي: "كتب الواقدى كلها كذب". وقال أبو داود: "ما أشك أنه كان يفتعل الحديث.
وقال ابن راهويه: "هو عندى ممن يضع". وأسقطه سائر النقاد، ولم يوثقه إلا مَنْ تساهل أو من لم يعرفه أصلًا، فالعجب من الحافظ الذهبى حيث يقول في "سير النبلاء"[9/ 469]، في كلام عن الواقدى:". . . مع أن وزنه عندى: أنه يكتب حديثه ويُروى لأنى لا أتهمه بالوضع، وقول مَن أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه. . .".
وأقول: بل شهادة هؤلاء الأئمة الأثبات عليه بالكذب وافتعال الحديث كافية - وحدها - بإسقاطه على أم رأسه وإن كان غير مدفوع عن الشهادة له بسعة علمه واطلاعه وبراعته في المغازى والسير. ومعلوم أن رأس مال المحدث هو الصدق والأمانة، وأين الواقدى منهما بشهادة حُذَّاق النقاد؟! وللذهبى رأيه في الواقدى كما يشاء، ولو مال إلى توثيقه كما ذهب صاحبه ابن سيد الناس في كتابه "عيون الأثر" لكن له اجتهاده في ذلك ولا تثريب عليه، لكن أن يرمى صنيع كل من أهدر الواقدى وأسقطه جملة واحدة بـ "المجازفة" فهذا لا يقبل منه أصلًا بل هذا هو المجازفة بعينها. نعم: إن كنا نرى جواز كتابة حديثه - يعنى الواقدى - فإنما ذلك للمعرفة، أو كما قال ابن معين لأحمد لما رآه يكتب أحاديث أبان بن أبى عياش. وليس الواقدى بصالح لأن يُؤخذ عنه شئ أصلًا على سبيل الاحتجاج به في دين الله؛ لاحتمال تزيُّده فيه أو افتعاله رأسًا. وقد نورد آراءه للاستئناس وحسب. فانتبه. والله المستعان.
وللحديث: شاهد عن أنس بن مالك قال: "آخر صلاة صلَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم صلَّى في ثوب واحد متوشحًا خلف أبى بكر" أخرجه النسائي [785]، وأحمد [3/ 159]، وابن حبان [2125]، والطبرانى في "الأوسط"[4/ رقم 4509]، وعبد الرزاق [1367]، وابن سعد في "الطبقات"[1/ 462]، والبيهقى في "الدلائل"[رقم 3121]، وجماعة من طرق عن حميد الطويل عن أنس بن مالك به. وهذا إسناد قوى، وحميد قد صرح بالسماع عند البيهقى، لكن قد اختلف عليه في إسناده. فرواه عنه: أنس بن عياض وإسماعيل بن جعفر ومعتمر بن سليمان ومحمد بن جعفر بن أبى كثير وهشيم وعبد الوهاب الثقفى وعبد الله بن عمر العمرى وغيرهم، كلهم رووه عن حميد الطويل عن أنس - بالعنعنة بينه وبين أنس - بلفظه الماضى.
وانفرد محمد بن جعفر بن أبى كثير دون هؤلاء فقال: "أخبرنا حميد أنه سمع أنسًا. . .". هكذا بالسماع، لكن في الطريق إليه عبيد بن عبد الواحد بن شريك البزار، وهو صدوق صالح، لكن صحَّ عن ابن المنادى أنه قال:"أصابه أذى فغيَّره في آخر أيامه. . ." كما في "تاريخ بغداد" =
52 -
حدّثنا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الهروى، حدّثنا سفيان، عن الوليد بن كثيرٍ، عن ابن تدرس مولى حكيم بن حزامٍ، عن أسماء بنت أبى بكرٍ، أنهم قالوا لها: ما أشد ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان المشركون قعدوا في المسجد يتذاكرون رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقول في آلهتهم، فبينا هم كذلك، إذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاموا إليه بأجمعهم، فأتى الصريخ إلى أبى بكرٍ، فقيل: أدرك صاحبك: فخرج من عندنا
= [11/ 99]، وقال أبو مزاحم:"كان أحد الثقات ولم أكتب عنه في تغيُّره شيئًا" وتعقبه الذهبى قائلًا: "قلتُ: فما ضره التغيير ولله الحمد".
قلت: يريد أنه لم يفحش بحيث يُهْجر حديث الرجل، ولا ينافى هذا أن يكون في حفظه اختلال!
وعليه نقول: لعلَّ تصريحه عن حميد بالسماع من أنس إنما هو من أوهامه في آخر عمره، والصواب عن حميد العنعنة بينه وبين أنس كما رواه جماعة مضى ذكر بعضهم آنفًا. وقد خالفهم جميعًا: سليمان بن بلال - الإمام الثبت - فرواه عن حميد فقال: عن ثابت البنانى عن أنس به. هكذا أخرجه ابن حبان [2125]، والبيهقى في "الاعتقاد"[ص 339]، بإسناد صحيح إليه. وقد توبع سليمان بن بلال على هذا الوجه: تابعه يحيى بن أيوب المصرى عند البيهقى في "الدلائل"[رقم/ 3122]، والطحاوى في شرح المعانى [1/ 406]، من طريقين صحيحين عن يحيى بن أيوب قال: حدثنى حميد قال: حدثنى ثابت البنانى عن أنس بن مالك به. وهذا عندى أرجح، لأن فيه زيادة علم ليست عند الأخرين الذين رووه عن حميد دون واسطة. وحميد قد وُصفَ بالتدليس، فالظاهر أنه دلس ثابتًا في الطريق الأول! والإسناد ثابت على كل حال. لكن جاء عبد الوهاب بن عطاء الخفَّاف وخالف الكل ورواه عن حميد فقال: عن أيوب عن أنس به. هكذا أخرجه أبو نعيم الأصبهانى في أخبار أصبهان [1/ 218/ الطبعة العلمية]، لكن الطريق إليه لا يصح.
وسيأتى حديث أنس من الطريق الأول عند المؤلف [برقم/ 3751]. وللحديث شاهد بلفظه عن جابر: أخرجه ابن عساكر [37/ 21]، و [51/ 173]، وغيره. وسنده غير محفوظ.
52 -
صحيح لغيره: حتى نهاية الآية فقط: أخرجه الحميدى [324]، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية"[1/ 155] ، وفى فضائل الخلفاء الراشدين [ص 143/ رقم 81]، والحكيم الترمذى في "نوادر الأصول"[2/ رقم/ 1580/ المسندة/ طبعة مكتبة البخارى]، وسعيد بن منصور [2/ رقم 2899]، وابن أبى عاصم في "الآحاد والمثانى"[1/ رقم 25]، - وعنده مختصرًا. =
وإن له لغدائر أربعًا، وهو يقول: "ويلكم: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28]، فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبى بكرٍ، قالت: فرجع إلينا أبو بكرٍ، فجعل لا يمس شيئًا من غدائره إلا جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
= وابن شاهين في "شرح مذاهب أهل السنة"[رقم 136]- وغيرهم من طريق سفيان بن عيينة عن الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن أسماء به نحوه. وهذا إسناد رجاله ثقات سوى ابن تدرس هذا فهو مغمور لا يُعْرَف! ونكرة لا تُتَعرَّف. لكن يقول البوصيرى في "مختصر إتحاف الخيرة"[9/ 72]: "رواه الحميدى وأبو يعلى بسند رجاله ثقات! ". وهذا يقتضى أن يكون البوصيرى قد عرفه ووقف على توثيق بعض النقاد له!
لكن يبدو لى أن ذلك من أوهام البوصيرى الكثيرة في "الإتحاف"! وما كان يمنعه أن يُسمى لنا من وثَّق "ابن تدرس"؟ أو يذكر لنا شيئًا من حاله؛ كيما نستدل به على كونه قد عرفه حقًا، ثم جاء صاحبه الهيثمى وقال في "المجمع" [6/ 11]:"رواه أبو يعلى، وفيه تدرس جد أبى الزبير ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات". كذا قال! وقد أصاب بعضًا وأخطأ بعضًا!
1 -
أما ما أصاب فيه: فهو ما نفاه من عدم معرفته بـ "ابن تدرس" وهو كما قال فإنى قد بحثتُ عنه طويلًا فلم أهتد إليه، وكل ما وجدناه: هو قول الحافظ المزى في ترجمة أسماء بنت أبى بكر من كتابه "التهذيب"[35/ 123]: "روى عنها: تدرس جد أبى الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكى مولى حكيم بن حزام. . ." وهذا لا يشفى الغُلَّة فالظاهر أنه تابعى مجهول لا يُعرف له حال. وقد أخطأ المزى في تسميته: "تدرسًا"! إنما هو: ابن تدرس"، وقد تابعه الهيثمى على تلك الغفلة كما سيأتي.
وقد رأيتُ الإمام أحمد قد سئل عن ابن تدرس هذا فقال: "لا أعرفه"! كما في "العلل ومعرفة الرجال"[ص/ 196 - 197/ رواية المرُّوذى].
2 -
وأما ما أخطأ فيه الهيثمى: فهو قوله: "وفيه تدرس جد أبى الزبير"! فقد تابع المزى على هذا الوهم في تسميته: "تدرسًا"! وكذا في وصفه بكونه: "جد أبى الزبير"! أما قوله: "تدرس"! فهو مخالف لما وقع في جميع المصادر التى وقفت عليها من كونه: "ابن تدرس" وليس: "تدرسًا"!
وأما قوله: "جد أبى الزبير " فكأن المزى والهيثمى قد أخذاه من كونه وصِف بذلك في إسناد المؤلف! =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لكن يُعكِّر عليه: أن "ابن تدرس" هذا قد روى حديثا آخر عن أسماء، وهو الآتى عند المؤلف، وقد نقل ابن كثير إسناد المؤلف في "تفسيره"[5/ 82/ طبعة دار طيبة، وفيه: "حدّثنا أبو موسى الهروى إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا سفيان، عن الوليد بن كثير، عن يزيد بن تدرس، عن أسماء بنت أبى بكر" هكذا: "يزيد بن تدرس". وليس في إسناد المؤلف: "يزيد"! وقد تحرفت عند البوصيرى في "إتحاف الخيرة" [6/ 309] إلى: "الوليد بن تدرس"! وقد أخطأ من ظن أن "ابن تدرس" هنا هو نفسه "أبو الزبير المكى محمد بن مسلم بن تدرس"! نُسِبَ إلى: "جده"! كما زعم ذلك بعض المتأخرين، وليس بشئ عندى. وعلى كل حال: فـ "ابن تدرس" مغمور غائب، ويكفى أن الإمام أحمد لم يعرفه! لكن يقول الحافظ في "الفتح" [7/ 170]:". . . وقد أخرجه - يعنى الحديث - أبو يعلى بإسناد حسن مطولًا من حديث أسماء بنت أبى بكر. . ." ثم ساقه فهل عرف الحافظ تَدْرسًا حتى يُحسِّن له؟! وللحديث شواهد يتقوى بها إن شاء الله:
1 -
منها ما رواه محمد بن إبراهيم التيمى قال حدثنى عروة بن الزبير قال: "قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرنى: بأشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبى معيط؛ فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} " أخرجه البخارى [رقم/ 4537]- واللفظ له - وأحمد [2/ 204]، وَالبيهقى في "سننه"[رقم / 17506]، وجماعة من طريق الأوزاعى قال حدثنى يحيى بن أبى كثير حدثنى محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمى به.
وقد اختلف في سنده على عروة على ألوان! راجع: الفتح [7/ 168]، و [7/ 169].
2 -
ومنها: ما رواه محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن عمرو بن العاصر به نحوه في سياق أطول. أخرجه ابن أبى شيبة [رقم/ 36561]، ومن طريقه المؤلف [برقم/ 7339]، وعنه ابن حبان [رقم/ 6569]، من طريق محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن عمرو بن العاص به نحوه. وهذا إسناد حسن لو ثبت سماع أبي سلمة من عمرو؛ فإن الحافظ جزرة قد جزم بكونه لم يسمع من عمرو بن العاص، كما نقله عنه الحافظ العلائى في "جامع التحصيل" [ص 213]. لكن: ذكر البخارى هذا الطريق في صحيحه عقب الحديث [رقم/ 3643]، فقال:"وقال: محمد بن عمرو عن أبى سلمة: حدثنى عمرو بن العاص" فصرح فيه بالسماع. وهذا مقدم على مَنْ نفاه. =
53 -
حدّثنا أبو موسى، حدّثنا سفيان، عن الوليد، عن ابن تَدْرُس، عن أسماء، قالت: لما نزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)} [المسد: 1]، جاءت العوراء أم جميلٍ، ولها ولولةٌ، وفى يدها فهرٌ، وهى تقول: مذممٌ أبينا، أو أتينا الشك من أبى موسى،
= وهذا الطريق: ذكر الحافظ في "الفتح"[7/ 169]، وفى "تغليق التعليق"[4/ 87 - 88] أن البخارى وصله في كتابه "خلق الأفعال" من هذا الطريق.
قلتُ: وقد وجدته في [رقم/ 221]، لكن وقع عنده:"حدثنى عبد الله بن عمرو بن العاص به. . ." هكذا في طبعة دار المعارف ومثله في طبعة الرسالة [ص/ 58]. وهذا خطأ من الناسخ - أو الطابع - إن شاء الله، وصوابه:"حدثنى عمرو بن العاص" وتكون "عبد الله" زيادة مقحمة.
ويؤيده: أن الحافظ نقله "من خلق الأفعال" دون "عبد الله" كما مضى. ثم وقفتُ على "خلق أفعال العباد/ طبعة دار أطلس الخضراء"[1/ 163 رقم/ 322]، فوجدتُ المعلق عليه قد جزم بالهامش بكون الحديث لـ " عمرو بن العاص" دون ابنه "عبد الله بن عمرو "كما قلنا. وأشار إلى وقوع التحريف في سند البخارى مع اتفاق الأصول الخطية عليه! فلله الحمد.
3 -
ومنها: حديث أنس بن مالك. وسيأتى الكلام عليه عند المؤلف [رقم/ 3691]، فارتقبه واصطبر.
4 -
ومنها حديث على بن أبى طالب: وحديثه عند البزار [3/ رقم/ 761]، قال الهيثمى في "المجمع" [9/ 29]:"رواه البزار وفيه من لم أعرفه".
قلتُ: وفى سنده ضعف وانقطاع، والحديث: ثابت بتلك الشواهد، دون قوله في آخره:"فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إلخ. فلم أجد ما يشهد لتلك الفقرة.
5 -
ضعيف بهذا السياق: أخرجه الحميدى [رقم/ 323]، ومن طريقه ابن أبى حاتم في "تفسيره"[10/ 3472/ طبعة المكتبة العصرية]، وكذا الحاكم [2/ 393]، وعنه البيهقى في "الدلائل"[2/ 195 - 196/ الطبعة العلمية]، وأبو نعيم في "الدلائل"[1/ 71]، والأزرقى في "أخبار مكة"[1/ 316/ طبعة دار الأندلس]، وأبو نصر الوائلى كما في "التذكار في أفضل الأذكار"[ص/ 193/ الطبعة العلمية]، وأبو القاسم التميمى في "دلائل النبوة"[ص/ 193]- وعنده معلقًا - وغيرهم من طريق سفيان بن عيينة عن الوليد بن كثير عن ابن تدرس عن أسماء به نحوه. . . وهو عند بعضهم في سياق أتم.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. =
ودينه قلينا، وأمره عصينا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ، وأبو بكرٍ إلى جنبه، أو قال: معه، قال: فقال أبو بكرٍ: لقد أقبلت هذه، وأنا أخاف أن تراك، فقال: إنها لن ترانى وقرأ قرآنًا اعتصم به: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45)} [الإسراء: 45]، قال: فجاءت حتى قامت على أبى بكرٍ، ولم تر النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكرٍ، بلغنى أن صاحبك هجانى، قال أبو بكرٍ: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فانصرفت وهى تقول: قد علمت قريشٌ أنى بنت سيدها.
54 -
حدّثنا عبيد الله بن عمر، حدّثنا عبد الرحمن بن مهدىٍ، عن مالك بن أنسٍ، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن أسماء بنت عميسٍ، أنها نفست بذى الحُلَيْفةً، فسأل أبو بكرٍ، النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ وَلْتُهِلَّ".
= قلتُ: بل إسناد معلول مثل الذي قبله! آفته ابن تدرس هذا الذي لا ندرى عن حاله شيئًا. لكن: للحديث طريق آخر عن أسماء: أخرجه البيهقى في "الدلائل"[2/ 196/ الطبعة العلمية]، من طريقين عن علي بن مسهر عن سعيد بن كثير عن أبيه قال: حدثتنى أسماء بنت أبى بكر: "أن أم جميل دخلت على أبى بكر وعنده رسول الله، فقالت: يا ابن أبى قحافة ما شأن صاحبك ينشد فيَّ الشعر؟ فقال: واللَّه ما صاحبى بشاعر، وما يدرى ما الشعر؟ فقالت: أليس قد قال: "في جيدها حبل من مسد" فما يدريه ما في جيدى؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قل لها: ترين عندى أحدًا؟ فإنها لن ترانى! قال: جُعلَ بينى وبينها حجاب. فسألها أبو بكر فقالت: أتهزأ بى يا ابن أبى قحافة؟ واللَّه ما أرى عندكَ أحدًا".
قلتُ: وهذا إسناد صالح، وابن كثير هو أبو العنبس الثقة المعروف، وأبوه كثير بن عبيد هو القرشى.
روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في "ثقاته" فمثله صدوق إن شاء الله. وهذا القدر: هو الذي يثبت من الحديث. وقد مضى له شاهد من حديث ابن عباس عند المؤلف [برقم/ 25].
أما لفظ المؤلف هنا: فهو ضعيف بهذا السياق جميعًا.
54 -
صحيح: أخرجه مالك [رقم 700/ رواية الليثى]، و [رقم 469/ رواية الشيبانى]، ومن طريقه النسائي [2663]، وأحمد [6/ 369]، والطبرانى في "الكبير"[42/ رقم 366]،=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وابن أبى عاصم في "الآحاد والمثانى"[1/ رقم 659]، وابن سعد في "الطبقات"[8/ 283]، والخطيب في "تاريخه"[4/ 164]، وابن حزم في حجة الوداع [ص/ 253]، كلهم من طرق عن مالك بن أنس عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء بنت عميس عن أبى بكر به نحوه. . .
قلتُ: وقد اختلف رواة الموطأ في روايته عن مالك.
فرواه عنه يحيى الليثى ومعن بن عيسى وابن القاسم وقتيبة بن سعيد وغيرهم فقالوا: "حدّثنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء. . ." وخالفهم جماعة منهم: محمد بن الحسن الشيبانى والقعنبى ويحيى بن بكير وابن مهدى وغيرهم، كلهم رووه عن مالك فقالوا:"حدّثنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أسماء. . .". ذكر هذا الاختلاف العلامة اللكنوى في التعليق الممجد [2/ 334]، نقلًا عن ابن عبد البر ثم قال:"وعلى كل حال: فهو مرسل؛ لأن القاسم لم يلق أسماء، قاله ابن عبد البر".
قلتُ: ولفظه في "التمهيد"[19/ 313]: "والقاسم لم يلق أسماء بنت عميس فهو مرسل" ومثله في "الاستذكار"[4/ 3]. وقد جزم بالإرسال جماعة وخالفهم آخرون. فقال أبو محمد بن حزم في حجة الوداع [ص/ 253]، بعد أن ذكر الطريق الماضى:". . . فهذه الرواية أصح من الأولى - يقصد رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أبى بكر به. . . وستأتى - لأن أسماء بنت عميس عُمِّرتْ بعد ابنها محمد، وكانت تحت على بن أبى طالب، وعاشت بعده، فلا يُنكر سماع القاسم منها. .".
قلتُ: وهذا هو الصواب عندنا إن شاء الله، ولم نر أحدًا أنكر سماع القاسم منها من نقاد الصنعة المتقدمين: أمثال أحمد وابن المدينى وابن معين وابن مهدى وأبى داود والبخارى والترمذى والنسائى وجزرة وغيرهم. أما قول ابن عبد البر ومَنْ معه؛ فيقابله قول أبى محمد بن حزم ومَنْ معه. وقد ذكر الحافظ المزى: القاسم بن محمد في جملة الرواة عن أسماء من كتابه "التهذيب"[35/ 127]، وتبعه الحافظ في "تهذيبه"[12/ 427]. وكذا رأيت الحافظ الذهبى في "سير النبلاء"[5/ 54]، قد نصَّ على روايته عنها. نعم: إن ثبت أن أحدًا من نقاد المتقدمين قد جزم بعدم سماعه منها! فالقول قوله بلا ريب، وهو مقدم على كل ما ذكرناه هنا. لكن هذا أمر لم نجده. وشرط مسلم في إمكان اللقاء قوى جدًّا، ولكن بضوابط معلومة عند أهل التحقيق. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد اختلف في سنده على عبد الرحمن بن القاسم على وجوه كلها قوى؛ فرواه عنه مالك بن أنس على الوجه الماضى. وخالفه عبيد الله بن عمر فرواه عن عبد الرحمن عن أبيه عن عائشة به. . .
هكذا أخرجه مسلم [1209]، وأبو داود [1743]، وابن ماجه [2911]، والدارمى [1804] والبيهقى في "سننه"[8723]، والبخارى في "تاريخه"[1/ 124]، إشارة، وابن عبد البر في "التمهيد"[19/ 314]، وابن حزم في "حجة الوداع"[ص 41]، وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات"[2/ رقم 515]، وجماعة. وهكذا رواه عبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر، وقد خولف فيه عبدة خالفه على بن غراب! فرواه عن عبيد الله بن عمر فقال: عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء. . . به. . . مثل الوجه الأول. هكذا أخرجه أبو بكر الشافعي في "الغيلايات"[2/ رقم 517]، من طريق أحمد بن الوليد الواسطى - وهو ابن حوالة الصدوق المترجم في تاريخ بغداد [5/ 189]- عن عمار ابن خالد - الثقة المعروف - عن علي بن غراب به، لكن: ابن غراب قد ضعفه جماعة على تدليس فيه، وأين هو من عبدة بن سليمان الثقة في كل شئ؟! لكنى وجدتُ عبدة قد خالفه من يضاهيه في الثقة والعدالة! أعنى الإمام وهيب بن خالد، فقد رواه عن عبيد الله فقال: عن القاسم بن محمد عن عائشة به. . . وأسقط منه "عبد الرحمن". هكذا أخرجه أبو بكر الشافعي في "الغيلانيات"[2/ رقم 514].
ويبدو لى: أن "عبد الرحمن" قد سقط من الناسخ، وعليه فهذه متابعة لا مخالفة. وقد وجدتْ عبيد الله بن عمر قد توبع عليه على هذا الوجه:
تابعه أخوه عبد الله العمرى عند أبى بكر الشافعي أيضًا [2/ رقم 516] ، بإسناد صحيح إليه، وكذا هو عند ابن عبد البر في "التمهيد"[19/ 315]، والحديث من هذا الوجه: مشهور بعبيد الله بن عمر العمرى الإمام الثبت. وقد خولف هو ومالك بن أنس في إسناده، خالفهما الإمام الفقيه عبد الملك بن جريج فقال: عن عبد الرحمن بن القاسم عن سعيد بن المسيب عن أسماء بنت عميس به.
هكذا أخرجه الطبراني في "الكبير"[24/ رقم/ 374]، والبيهقى في "سننه"[8724]، وابن أبى عاصم في "الآحاد والمثانى"[1/ رقم 657]، من طرق عن أبى معاوية الضرير عن ابن جريج به. وأبو معاوية يُخلِّط في غير الأعمش، وقد عنعنه ابن جريح أيضًا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لكنه توبع عليه: تابعه عبد الكريم الجزرى عند ابن أبى عاصم في الآحاد [1/ رقم 658]، من طريق يعقوب بن حميد عن ابن عيينة - واختلف عليه كما يأتى - عن عبد الكريم به، لكن يعقوبًا صاحب مناكير وغرائب! غير أنه توبع عليه، تابعه:
وكيع وأبو نعيم عند ابن سعد في "طبقاته"[8/ 282]، عن سفيان به. وكذا تابعهم فرات بن سلمان عند ابن سعد أيضًا [8/ 283]. وقد توبع عليه عبد الكريم الجزرى وعبد الرحمن بن القاسم على هذا الوجه: تابعهما رجلان:
1 -
ابن شهاب الزهرى عن ابن المسيب به. قال ابن عبد البر في "التمهيد"[19/ 314]: "ورواه ابن وهب عن الليث ويونس بن يزيد وعمرو بن الحارث أنهم أخبروه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب. . .".
قلتُ: وقد اختلف الراوون له عن ابن المسيب في أداة التحمُّل. فرواه عنه جماعة فقالوا: "عنه عن أسماء بنت عميس. . .". وقال جماعة: "عنه أن أسماء بنت عميس. . ." وقال بعضهم غير ذلك. وفى سماعه من أسماء نظر، وقد جزم ابن عبد البر بكون روايته عنها مرسلة.
2 -
ورواه عنه يحيى بن سعيد الأنصارى، واختلف عليه في سنده. فرواه عنه عبد الله بن نمير عن سعيد بن المسيب مثل الوجه الماضى. . . أخرجه ابن سعد في "الطبقات"[8/ 282].
وقد توبع ابن نمير عليه على هذا الوجه: تابعه يحيى بن سعيد القطان وسفيان بن عيينة. ذكره الدارقطنى في "علله"[1/ 270]. وخالفهم: سليمان بن بلال فرواه عن الأنصارى فقال: عن القاسم بن محمد بن أبى بكر عن أبيه عن أبى بكر الصديق به.
هكذا أخرجه النسائي [2664]، وابن ماجه [2912]، وابن خزيمة [2610]، والبزار [78]، وابن أبى عاصم في "الآحاد والثانى"[1/ رقم 660]، وابن عبد البر في "التمهيد"[19/ 313]، وابن حزم في حجة الوداع [ص 252]. واختلف في سنده على الأنصارى على لون ثالث. فرواه عنه جرير بن عبد الحميد فقال: عنه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عيد الله به.
هكذا أخرجه مسلم [1210]، والنسائى [214]، والدارمى [1805]، والبيهقى في "سننه"[8722]، وأبو نعيم في "الحلية"[3/ 199]، وابن أبى عاصم في "الآحاد والمثانى"[1/ رقم 661]، وغيرهم. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأقول: وكثير من مذه الوجوه الماضية قوى ثابت كما ذكرنا أول كلامنا. لكن: ذهب إلى الترجيح بينها جماعة، فقال الدارقطنى في "علله"[1/ 270]، بعد أن ساق بعض هذه الاختلافات:"وأصحها عندى: قول مالك ومن تابعه".
قلتُ: يعنى بذلك طريق مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء به. . . كما مضى.
ومثله: ذهب ابن عبد البر في "التمهيد"[19/ 315]، فقال بعد أن ذكر شطرًا مما مضى:". . . ولهذا الاختلاف في إسناد هذا الحديث أرسله مالك! والله أعلم. . .". وأفصح أكثر من هذا في كتابه "الاستذكار"[4/ 4]، فقال:"مرسل مالك أقوى وأثبت من مسانيد هؤلاء لما ترى من اختلافهم في إسناده" ثم ذكر وجهًا آخر من الاختلاف فيه على ابن المسيب ولم نذكره نحن، فانظره في موطأ مالك [701]، وطبقات ابن سعد [8/ 282]. وطريق مالك هذا الذي يسميه ابن عبد البر: مرسلًا مضى الكلام في تصحيحه متصلًا. وبالله التوفيق. أما الحافظ البيهقى فإنه حكى في "سننه"[5/ 32]، بعض تلك الاختلافات ثم قال:"وجوَّده - يعنى أقام إسناده - عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن - يعنى ابن القاسم - وهو حافظ ثقة. . .".
قلتُ: وطريق عبيد الله هذا مضى أن مسلمًا رواه ومعه جماعة. ثم رأيت الحافظ ابن كثير: قد جمع جمعًا حسنًا بين طريق "القاسم عن عائشة" وبين طريقه عن أسماء بنت عميس، فنقل عنه "صاحب الكنز"[5/ 410 تحت حديث رقم 12880]، أنه قال بعد أن ذكر طريق مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن أسماء. . . "وهذا منقطع - يعنى أن قاسمًا لم يسمع من جدته أسماء وقد مضى ما فيه - إلا أنه في حكم الموصول؛ فإن القاسم إنما أخذه عن عائشة - قلتُ: ويشهد لهذا طريق عبيد الله الماضى - وغيرها من أهلهم فلما تحقق القصة أسقط الواسطة".
وأقول أنا: يظهر لى أن أكثر هذه الطرق الماضية محفوظة! ولا يُعلُّ إرسالُ من أرسله، وصْلَ من وصله كما لا يُرجَّح وقفُ مَنْ أوقفه على مخالفة مَنْ خالفه ورفَعه أو أرسله، وغالب رواة هذه الوجوه ثقات أثبات.
والجمع بين روايات هؤلاء: أولى من توهيم الثقات دون برهان سوى مجرد المخالفة. وما المانع أن يكون عبد الرحمن بن القاسم قد سمعه تارة من والده وتارة من ابن المسيب؟! وما المانع أن يكون والده القاسم قد سمعه من بعض أهل بيته عن أبيه - فإنه لا يصح سماعه من أبيه كما جزم به جماعة - عن جده أبى بكر، ثم سمعه من عائشة بعد ذلك؟!
ونحوه: يقال عن ابن المسيب ويحيى بن سعيد الأنصارى أيضًا. والحديث: ثابت من وجوه سوى التى مضت. والله المستعان.
55 -
حدّثنا عبيد الله بن عمر القواريرى، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا الكلبى، عن سلمة بن السائب، عن أبى رافعٍ، قال: خرجت بخلخالين أبيعهما، وكان أهلنا قد احتاجوا إلى نفقةٍ، فرأيت أبا بكرٍ الصديق، فقال: أين تريد؟ قال: قلت: احتاج أهلنا إلى نفقةٍ، فأردت بيع هذين الخَلخالين، قال: وأنا قد خرجت بدريهماتٍ أريد بها فضةً أجود
55 - ساقط: أخرجه عبد بن حميد في "مسنده"[رقم/ 6/ المنتخب]، والمروزى في مسند أبى بكر [رقم 81]، والحارث [رقم 441/ زوائد الهيثمى "وإسحاق بن راهويه في "مسنده" كما في "المطالب العالية" [4/ رقم 1411]، وابن أبى شيبة، وعبد الغنى بن سعيد في "إيضاح الإشكال" كما في "كنز العمال"[10081]، وعبد الرزاق [14569]، وجماعة، من طرق عن محمد بن السائب الكلبى عن سلمة ابن السائب عن أبى رافع به نحوه. .
قلتُ: وهذا إسناد ضائع، والكلبى قد غسل النقاد منه أيديهم منذ دهر. وقد كذبه جماعة وأسقطه آخرون فهو متأرْجِح بين التكذيب والترك، وسلمة هو أخوه مجهول لا يُعرف، ونكرة لا تُتعرَّف، فماذا يجديه ذكْر ابن حبان له في الثقات؟! ومن ينفرد عنه مثل الكلبى لابد أن يكون فيه شئ؟ نسأل الله السلامة. وقد تلوَّن فيه هذا الكلبى! فتارة يرويه كما مضى عن أخيه به. ثم عاد ورواه عن أخيه فقال: عن أسامة بن زيد عن أبى رافع نحوه. . . هكذا أخرجه ابن راهويه في "مسنده" كما في "المطالب العالية"[4/ 297]، وسواء كان هذا الوجه هو الصواب أو الذي قبله، فالكلبى قد سقط بهما في مكانٍ سحيق. ولشطر الحديث الأخير "الذهب بالذهب إلخ". شواهد في الصحيح.
• تنبيه: وقع عند عبد الرزاق [14569]: "عن محمد بن السائب عن أبى سلمة" وصوابه "ابن السائب" تحرفت "ابن" إلى "أبى" و"السائب" إلى "سلمة". فإن لم يكن الأمر كذلك، فهذا شئ عهدناه كثيرًا من ألاعيب الهلكى في الأسانيد كيما يفتضحوا بها أمام الله والنقاد.
وللفقرة الأخيرة من الحديث: طريق آخر عن أبى رافع: أخرجه البزار [رقم/ 45]، من طريق أحمد بن عبدة والحسن بن يحيى الأرزى، واللفظ للحسن قالا: حدّثنا الحسين بن الأشقر قال: نا زهير بن معاوية عن موسى بن أبى عائشة عن حفص بن أبى حفص عن أبى رافع مرفوعًا: "الذهب بالذهب والفضة بالفضة مثلًا بمثل الزائد والمستزيد في النار". قال البزار: "وهذا الحديث إنما يُعرف من حديث الكلبى عن سلمة عن أبى رافع عن أبى بكر، فلم نذكره لعلة الكلبى، ولما أجمع عليه أهل العلم بالنقل على ترك حديثه. وحفص بن أبى حفص الذي روى عنه موسى بن أبى عائشة هذا، فقد روى عنه السدى وموسى بن أبى عائشة، فقد ارتفعت جهالته". =
منها، قال: فوضع الخَلخالين في كفةٍ، ووضع الدراهم في كفةٍ، فرجح الخلخالان على الدراهم شيئًا، فدعا بمقراضٍ، قال: فقلت: سبحان الله هو لك، هو لك، قال: إنك إن تتركه فإن الله لا يتركه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلا بِمِثْلٍ، الزَّائِدُ وَالمُزْدَادُ فِي النَّارِ".
56 -
حدّثنا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الهروى، حدّثنا النضر بن شميلٍ، حدّثنا أبو نعامة، حدّثنا البراء بن نوفلٍ، عن والان العدوى، عن حذيفة، عن أبى بكرٍ الصديق، قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ، فصلى الغداة، ثم جلس حتى إذا كان من الضحى،
= قلتُ: بل حفص مجهول كما يأتى. والأشقر واهٍ على التحقيق، فلعله آفة هذا الإسناد. ثم وقفتُ على علل الدارقطنى [1/ 241]، فوجدته ذكر هذا الحديث [رقم 24]، وذكر بعض الاختلاف في سنده على الكلبى، ومنه الطريق المذكور في "التنبيه" السالف، فقد ذكره الدارقطنى كما وجدناه عند عبد الرزاق:"عن الثورى عن الكلبى عن أبى سلمة عن أبى رافع به. . .". فثبت أن عبارة "أبى سلمة" ليست محرفة من "ابن السائب" عند عبد الرزاق كما كنا احتملناه آنفًا. والبلاء في كلاهما من الكلبى. ثم ذكر الدارقطنى طريق البزار الماضى، ثم قال:"وحفص بن أبى حفص مجهول". وراجع "اللسان"[2/ 321]. ثم قال الدارقطنى: "ورواه سفيان بن حسين عن الزهرى عن عثامة، أو أبى عثامة عن رجل من قومه عن أبى رافع عن أبى بكر، والحديث غير ثابت عن أبى رافع". والقول ما قالتْ حَذامِ.
5 -
حسن: أخرجه أحمد [4/ 1]، وابن حبان [6476]، والبزار [رقم/ 76]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 19]، وابن خزيمة في التوحيد [2/ رقم 468]، والدارمى في "الرد على الجهمية"[1/ رقم 295]، وابن أبى عاصم في "السنة"[2/ رقم 751، 812/ ظلال]، وفى "الأوائل"[187]، وفى الزهد [رقم 256]، والدولابى في الكنى [3/ 1153 - / 1154 طبعة دار ابن حزم]، وابن أبى حاتم في "تفسيره"[2/ 634/ طبعة المكتبة العصرية]، والطحاوى في "المشكل"[2/ 27]، والشاشى في "مسنده" كما في "كنز العمال"[رقم / 39750]، ومن طريقه الضياء في "المختارة"[1/ 120 - 121، 122، 123]، وأبو عوانة في "المستخرج"[1/ رقم 332]، والخطيب في "تاريخه"[5/ 345]، وجماعة، من طرق عن النضر بن شميل عن أبى نعامة عمرو بن عيسى العدوى عن أبى هنيدة البراء بن نوفل عن والان العدوى عن حذيفة عن أبى بكر به نحوه. . . مطولًا ومختصرًا. وقد توبع عليه النضر بن شميل تابعه: =
ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جلس مكانه حتى صلى الأولى، والعصر، والمغرب، كل ذلك لا يتكلم، حتى صلى العشاء الآخرة، ثم قام إلى أهله، فقال الناس لأبى بكرٍ: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنه صنع اليوم شيئًا لم يصنعه قط؟ فقال: "نَعَمْ، عُرِضَ عَلَيَّ مَا هُوَ كائِنٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، فَجُمِعَ الأْوَّلُونَ وَالآخِرُونَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَفُظِعَ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَانْطَلَقُوا إِلَى آدَمَ، وَالْعَرَقُ يَكَادُ يُلْجِمُهُمْ، فَقَالُوا: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، وَأَنْتَ اصْطَفَاكَ الله، اشفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. فَقَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِثْلَ الَّذِي لَقِيتُمْ، انْطَلِقُوا إِلَى أبِيكُمْ، بَعْدَ أَبِيكُمْ، إِلَى نُوحٍ، {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} [آل عمران: 33]، قَالَ: فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى نُوحٍ، فَيَقُولُونَ:
= 1 - روح بن عبادة: أخرجه ابن المدينى في "تعليل الأحاديث المسندة" كما في "الكنز"[39750]، ومن طريقه البخارى في "تاريخه"[8/ 185]، وابن حبان في [عقب/ رقم/ 6476]، والخطيب في "تاريخه"[5/ 345]، وعلقه عنه ابن عدى في "الكامل"[2/ 329].
2 -
والحسن بن عمرو العبدى: أخرجه ابن عدى في "الكامل"[329/ 2]، بإسناد صحيح إليه، ورواه عنه الفسوى في المعرفة [1/ 425]، إشارة. قال ابن عدى عقب روايته:"وهذا الحديث عرف من رواية النضر بن شميل عن أبى نعامة، رواه عنه الثقات، ثم حدث به على بن المدينى عن روح بن عبادة عن أبى نعامة، وسرقه من على - يعنى ابن المدينى - جماعة ضعفاء فرووه عن روح، ثم حدث به بعد ذلك الحسن بن عمرو العبدى". والعبدى هذا: كذبه البخارى كما نقله عنه ابن الجوزى في "الضعفاء"[1/ 208]، وتعقبه الذهبى في "الميزان"[1/ 516]، قائلًا:"ولم أجده في الضعفاء للبخارى"، فتعقبه الحافظ في "التهذيب" [2/ 311] قائلًا:"قلتُ: قال العقيلى -[1/ 236]- حدّثنا عبد الرحمن بن الفضل حدّثنا محمد بن إسماعيل حدّثنا الحسن بن عمرو [وهو] كذاب". قال الحافظ: "ففهم ابن الجوزى أن "محمد بن إسماعيل" هذا هو البخارى، ويُحتمل أن يكون غيره".
قلتُ: بل هو البخارى ولابد، وتكذيبه للحسن مذكور - كما هو - في "تاريخه الكبير"[2/ 298]، فما أدرى كيف قصَّر الحافظان: الذهبى وابن حجر في الاطلاع عليه؟! =
اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَنْتَ اصْطَفَاكَ اللَّهُ، وَاسْتَجَابَ لَكَ فِي دُعَائِكَ، فَلَمْ يَدَعْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّارًا. فَيَقُولُ: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، انْطَلِقُوا إِلَى مُوسَى؛ فَإِنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا. فَيَقُولُ مُوسَى: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلَى عِيسَى؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُبْرِئُ الأْكمَهَ وَالأْبْرَصَ وَيُحْيِي المْوْتَى. فَيَقُولُ عِيسَى: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلَى سيِّدِ وَلَدِ آدَمَ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأْرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، انْطَلِقُوا إلَى مُحَمَّدٍ يَشْفَعْ لَكُمْ إِلَى رَبِّكَم. قَالَ: فَيَنْطَلِقُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ، قَالَ: فَيَأْتِي جِبْرِيلُ رَبَّهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجْنَّةِ. قَالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِ جِبْرِيلُ، فَيَخِرُّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: يَا
= وعبد الرحمن بن الفضل: هو أحد من يروى العقيلى "تاريخ البخارى الكبير" من طريقه، كما تجد مصداق ذلك في مواضع من "الضعفاء"[1/ 285]، و [4/ 292]، وغيرها.
والحسن بن عمرو العبدى: كذَّبه ابن المدينى أيضًا كما حكاه أبو حاتم عنه، وتركه أبو أحمد الحاكم وغيره، ومشاه ابن عدى في الكامل [2/ 329]، ثم حكى عن ابن معين أنه رضيه، لكن ناقشه المعلِّق على تهذيب الكمال [6/ 288]، وفى كلامه نظر. وكذا وثقه ابن حبان وقال:"يغرب".
وبالجملة: فالحديث محفوظ عن أبى نعامة عن البراء بن نوفل عن والان العدوى عن حذيفة عن أبى بكر به. وهذا إسناد حسن صالح.
قال البزار: "وهذا الحدِيث حديثٌ فيه رجلان لا نعْلمهما رويا إلَّا هذا الحدِيث، أبو هنيْدة الْبراء بْن نوْفلٍ، فإنّا لا نعْلمَ روى حَديثًا غَيْر هذا، وكذلك والانَ، لا نعْلمَ روى إلَّا هذا الحديث على أنّ هذا الإِسْناد مع ما فيه منَ الإسْناد الّذِى ذكرْنَا، فقدْ رواه جماعةٌ منْ جلّةِ أهْلِ الْعِلْمِ بِالنّقْلِ واحْتملوه".
ووالان العدوى: يقول عنه الدارقطنى في "علله"[1/ 190]: "غير مشهور". وتعقبه الضياء في "المختارة" فقال: "ولعل الدارقطنى لم يقف على هذه الحكاية التى ذكرها أبو بكر بن خزيمة، ومن شرط الجهالة أن لا يروى عن الشخص غير واحد".
قلت: يقصد بالحكاية التى ذكرها أبو بكر بن خزيمة: أنه غمز في صحة هذا الحديث في "التوحيد" فقال: "إن صح الحديث"! ثم ساقه بطوله وقال عقبه: "إنما استثنيت صحة الخبر في الباب؛ لأنى في الوقت الذي ترجمت الباب لم أكن أحفظ في ذلك الوقت عن والان خبرًا غير هذا الخبر، فقد روى عنه مالك بن عمير الحنفى غير أنه قال: العجلى، لا العدوى". =
مُحمَّدُ، ارفَع رأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، قَال: فَيَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَإِذَا نَظر إِلى رَبِّهِ خَرَّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمْعةٍ أُخْرَى، فَيَقُولُ اللَّهُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشفَعْ تُشَفَّعْ. قَالَ: وَيَقَعُ سَاجدًا. قَالَ: فَيأخذُ جِبْرِيلُ بِضَبْعَيه، قَالَ: فَيَفْتَحُ اللهُ علَيه من الدُّعَاء شيْئًا لَمْ يفتَحْهُ عَلَى بَشَرٍ قَطُّ، قَالَ: فَيَقولُ: أَيْ رَبِّ، جَعَلْتَني سَيِّدَ وَلَد آدَمَ وَلا فَخْرَ، وَأَوَّل مَنْ تَنْشَقُّ عَنْه الأْرْضُ يَوْم الْقِيَامَة وَلا فَخْرَ، حَتَى إِنهُ لَيَرِدُ عَلَيَّ الحْوْضَ أَكْثَر مَا بين صَنْعَاءَ وأَيْلَة. قَالَ: ثُمَ يقَالُ: ادْعُوا الصِّدِّيقِينَ فَيَشفَعُونَ. قَالَ: ثُمَّ يقالُ: ادْعُوا
= والتحقيق: أن والان العدوى هذا شيخ ليس بالمشهور، فقد انفرد عنه أبو هنيدة البراء بن نوفل ومالك بن عمير بالرواية. لكن وثقه ابن معين كما في الجرح والتعديل [9/ 43]، وذكره ابن حبان في الثقات [5/ 497]، وأخرج له هذا الحديث في "صحيحه" ووصفه بالغرابة، وكذا أخرجه له أبو عوانة في "مستخرجه على صحيح مسلم" ومثله الضياء في "الأحاديث المختارة" فالرجل صدوق إن شاء الله.
ثم جاء ابن الجوزى وأورد هذا الحديث في "العلل المتناهية"[2/ 920 - 922]، ثم قال:"والان مجهول لا يعرف! قال أبو حاتم الرازى: والان مجهول".
قلتُ: هكذا يكون التخليط! فإن "والان" الذي جهَّله أبو حاتم الرازى إنما هو "والان أبو عروة المرادى". أما: "والان العدوى" فلم يتكلم فيه أبو حاتم بشئ قط! راجع "الجرح والتعديل"[9/ 43]. وابن الجوزى: كثير الأوهام والتخليط في أسماء الرجال والنقَلَة. والبراء بن نوفل: روى عنه جماعة من الثقات ووثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في "الثقات". فهو صدوق أيضًا. وأبو نعامة العدوى: ثقة صدوق اختلط قبل موته. وقد خولف أبو نعامة في إسناده، خالفه: سعيد الجريرى فرواه عن أبى هنيدة بإسناده عن حذيفة به نحوه مرفوعًا. . . ولم يذكر فيه أبا بكر، هكذا ذكره الدارقطنى في "علله"[1/ 195]. وهذا وهم من الجريرى دون تردد، واختلاط الجريرى مما سارتْ به الركبان، ولم يذكر لنا الدارقطنى مَنْ رواه عنه! وقد قال الدارقطنى في ختام كلامه:"ووالان غير مشهور إلا في هذا الحديث، والحديث غير ثابت". فكأنه يُعله بـ: "والان"! وقد مضى أنه شيخ صدوق على التحقيق. وقد نقل ابن حبان عاقب روايته عن ابن راهويه أنه قال: "هذا من أشرف الحديث". ولأكثر فقرات الحديث: شواهد ثابتة.
الأْنْبِيَاءَ، قَالَ: فَيَجِيءُ النَّبِيُّ عليه السلام مَعَهُ العِصَابَةُ، وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ. قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الشُّهَدَاءَ. قَالَ: فَيَشْفَعُونَ لمِنْ أَرَادُوا. قَالَ: فَإِذَا فَرَغَتِ الشُّهَدَاءُ قَالَ: يَقُولُ تبارك وتعالى: أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا. قَالَ: فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ. ثُمَ يَقُولُ اللَّهُ: انْظُرُوا إِلَى النَّارِ، هَلْ ثَمَّ أَحَدٌ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: فَيَجِدُونَ فِي النَّارِ رَجُلًا، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لا، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُسَامِحُ فِي الْبَيْع. قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ: اسْمَحَا لِعَبْدِي سَمَاحَهُ إِلَى عَبِيدِي. ثُمَّ يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ، قَالَ: وَرَجُلٌ آخَرُ، فَيَقُولُ اللهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا، غَيْرَ أَنِّي قَدْ أَمَرْتُ وَلَدِي إِذَا أَنَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اطْحَنُونِي، حَتَّى إِذَا صِرْتُ مِثْلَ الكُحْلِ، اذْهَبُوا بِي إِلَى الْبَحْرِ فَاذْرُونِي فِي الرِّيحِ. قَالَ: فَقَالَ اللَّهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ مَخَافَتِكَ. قَالَ: فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى مُلْكِ أَعْظَمِ مَلِكٍ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَعَشْرَ أَمْثَالِهِ. قَالَ: فَيَقُولُ: أَتَسْخَر بِي وَأَنْتَ المْلِكُ؟! وَذَلِكَ الَّذِي ضَحِكْتُ مِنْهُ بِالضُّحَى".
57 -
حدّثنا زهيرٌ، حدّثنا إبراهيم أبو إسحاق البنانى، حدّثنا النضر بن شميلٍ، حدّثنا أبو نعامة، حدّثنا أبو هنيدة البراء بن نوفلٍ، عن والان العدوى، عن حذيفة بن اليمان، عن أبى بكرٍ، قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ، ثم ذكر نحو هذا الحديث أو قريبًا منه.
58 -
حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا هشام بن يوسف، عن ابن جريجٍ، في قوله تعالى:{أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} [الرعد: 16]، أخبرنى ليث بن أبى
57 - حسن: انظر قبله؛ وزهير هو ابن حرب الإمام، وأبو إسحاق هو الطالقانى.
58 -
منكر: بهذا السياق: أخرجه ابن السنى في "عمل اليوم والليلة"[1/ رقم/ 287/ عجالة الراغب]، والمروزى في مسند أبى بكر [رقم/ 17]، كلاهما من طريق المؤلف عن ابن جريج عن ليث بن أبى سليم عن أبى محمد [ووقع في الأصول الخطية لـ:"عمل اليوم والليلة" لابن السنى: "أبو مجلز" وهو تحريف من "أبى محمد"، ولا يُعرف لليث رواية عن أبى مجلز أصلًا]، عن حذيفة عن أبى بكر - إما حضر ذلك حذيفة من النبي عليه السلام، وإما أخبره أبو بكر - عن النبي صلى الله عليه وسلم به. =
سليمٍ، عن أبى محمدٍ، عن حذيفة، عن أبى بكرٍ، إما حضر ذلك حذيفة من النبي عليه السلام، وإما أخبره أبو بكرٍ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الشِّرْك فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ"، قال: قلنا: يا رسول الله، وهل الشرك إلا ما عبد من دون الله، أو دعى مع الله؟ شك عبد الملك، قال:"ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا صِدِّيقُ، الشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، أَلا أُخْبِرُكَ بِقَوْلٍ يُذْهِبُ صِغَارَهُ وَكبَارَهُ، أَوْ صَغِيرَهُ وَكبِيرَهُ"، قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال:"تَقُولُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ: اللَهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لمِا لا أَعْلَمُ، وَالشِّرْك أَنْ يَقولَ: أَعْطَانِى الله وَفُلانٌ، وَالنِّدُّ أَنْ يَقولَ الإنْسَان: لَوْلا فُلانٌ لقَتَلَنِى فُلانٌ".
= قلتُ: وقد اختلف في سنده على ابن جريج. فرواه عنه هشام بن يوسف على الوجه الماضى، وخالفه محمد بن مسلم الطائفى.
فرواه عن ابن جريج به بلاغا نحوه باختصار يسير.
هكذا أخرجه الحكيم الترمذى في "نوادر الأصول"[2/ رقم/ 1494/ النسخة المسندة/ طبعة مكتبة البخارى]، من طريق أحمد بن يونس عن محمد بن مسلم الطائفى به.
والطائفى: في حفظه لين. والقول الأول هو المحفوظ عن ابن جريج.
وقد اضطرب الليث في إسناد هذا الحديث ومتنه على ألوان غريبة تليق بسوء حفظه واختلاطه؛ فرواه عنه ابن جريج على الوجه الماضى، وخالفه عبد العزيز بن مسلم القسملى فرواه عنه فقال: عن أبى محمد عن معقل بن يسار عن أبى بكر به نحوه مرفوعًا.
هكذا أخرجه المؤلف في الآتى [رقم/ 59] قال: حدّثنا عمرو بن الحصين حدّثنا عبد العزيز بن مسلم به. لكن شيخ المؤلف: تالف واهٍ! وبه أعله الهيثمى في "المجمع"[10/ 385] فقال: "رواه أبو يعلى عن شيخه عمرو بن الحصين العقيلى وهو متروك".
وقد خالفه روح بن أسلم وفهد بن حيان! كلاهما روياه فقالا: حدّثنا عبد العزيز بن مسلم حدّثنا ليث عن أبى محمد عن معقل بن يسار قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم مع أبى بكر. وساقاه نحوه.
هكذا أخرجه المؤلف [رقم/ 60، 61] قال: حدّثنا موسى بن محمد ابن حيان حدّثنا روح بن أسلم وفهد به. . . =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلتُ: وروح وفهد كلاهما ضعيف الحديث، وفى ابن حيان كلام أيضًا! فالظاهر أن تلك المخالفة لم تثبت عن عبد العزيز القسملى. نعم: قد توبع القسملى على الوجه الأول عنه.
تابعه محمد بن عبد الرحمن أبو عيسى المؤدب، فرواه عن ليث عن أبى محمد عن معقل بن يسار عن أبى بكر به نحوه. هكذا علقه الأزدى في ترجمة أبى عيسى المؤذن من "الضعفاء" كما في "اللسان"[5/ 257]، وقال:"رواه عنه أبو ياسر عمار بن هارون"، وقبل ذلك قال الأزدى عن أبى عيسى هذا:"مجهول لا يحتج بحديثه". ثم جاء جرير بن عبد الحميد ورواه عن الليث فقال: عن من حدثه عن معقل بن يسار عن أبى بكر به نحوه مرفوعًا. هكذا أخرجه ابن راهويه في "مسنده" كما في "المطالب العالية"[13/ رقم 3212/ طبعة العاصمة]، وتارة رواه جرير عن الليث فقال: عن شيخ من عنزة عن معقل عن أبى بكر به نحوه مرفوعًا.! هكذا أخرجه المروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 18]، وأبو إسحاق إبراهيم بن نصر الرازى في "مسنده" كما في "تاريخ قزوين"[1/ 182 - 183/ الطبعة العلمية]، والحكيم الترمذى في "نوادر الأصول"[2/ رقم/ 1493/ النسخة المسندة/ طبعة فكتبة البخارى]، ورواه أبو إسحاق الفزارى وأبو جعفر الرازى كلاهما عن الليث فقالا: عن رجل غير مسمى عن معقل عن أبى بكر به.
هكذا ذكره الدارقطنى في "علله"[1/ 192]، ورواية أبى إسحاق الفزارى: قد أخرجها ابن بطة في "الإبانة"[2/ 424/ طبعة دار الراية] من طريق معاوية بن عمرو، قال: حدثنا أبو إسحاق، عن ليث، عن رجل، عن معقل،، قال:"سمعنا أبا بكر، يقول: أو سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه: الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل".
ورواية أبى جعفر الرازى: أخرجها ابن بطة أيضًا [2/ 723 - 724] من طريق خلف بن الوليد،، قال: حدثنا أبو جعفر الرازى،، عن ليث،، عن معقل بن يسار،، عن أبى بكر به نحو سياق المؤلف هنا.
قلتُ: هكذا وقع عنده: "عن الليث عن معقل" بدون واسطة بينهما! وقد مضى في كلام الدارقطنى إن الليث يرويه عن معقل بواسطة رجل عنه؛ فإما أن يكون هذا الرجل قد سقط من إسناد ابن بطة، وإما أن يكون قد اختلف على أبى جعفر الرازى في سنده هو الآخر! وأبو جعفر هذا: هو عيسى بن عبد الله بن ماهان المعروف بسوء حفظه.
ورواه عبد الوارث بن سعيد عن الليث بن أبى سليم فقال: حدثنى صاحب لى عن معقل عن أبى بكر به. ذكره الدارقطنى أيضًا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه عبد الواحد بن زياد عن الليث فقال حدثنا ليث قال: أخبرنى رجل من أهل البصرة قال: سمعت معقل بن يسار يقول: "انطلقت مع أبى بكر الصديق رضى الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم" وساقه نحو سياق المؤلف هنا. أخرجه البخارى في "الأدب المفرد"[رقم/ 716]. ثم جاء عبد الرحمن بن سليمان بن أبى الجون فرواه عن الليث فقال: عن عثمان بن رفيع عن معقل بن يسار عن أبى بكر به! هكذا ذكره الدارقطنى في "علله"[1/ 191]. أما محمد بن فضيل فهو في وادٍ آخر.
فقد رواه عن الليث وخالف فيه الجميع فقال: عن الليث عن مجاهد قال: "قال رسول الله لأبى بكر: الشرك أخفى من دبيب النمل في أهل القبلة، قال: يا رسول الله كيف أقول؟ قال: قل: اللَّهم إنى أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، أو أشرك بك وأنا لا أعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم". هكذا رواه محمد بن فضيل مرسلًا! أخرجه هناد في "الزهد"[رقم 849]، ومن طريقه ابن الجوزى في "العلل المتناهية" [2/ 824]. وآفة هذا الحديث: هي الليث، وما أدراك ما الليث؟! هو ذلك الرجل الصالح العابد الذي لم تكن الرواية صنعته أصلًا، فكان - في أول أمره - يهم في الشئ بعد الشئ مما يُنْبئ عن قلة ضبطه واختلال حفظه، ثم وقعت الواقعة واختلط قبل موته بزمان؛ فجعل يرفع الموقوف ويصل المراسيل ويقلب الأسانيد ويضطرب في الروايات ويأتى بالأعاجيب والغرائب والمناكير، وقد شهد عليه عيسى بن يونس - الإمام الثقة المأمون - بما يسقط به حديث الرجل البتة. فأخرج ابن أبى حاتم في الجرح والتعديل [7/ 178]، بإسنادٍ صحيح جدًّا عن مؤمل بن الفضل قال:"قلنا لعيسى بن يونس: لم تسمع من ليث بن أبى سليم؟! قال: قد رأيته، وكان قد اختلط، وكان يصعد المنارة ارتفاع النهار فيؤذِّن". وهذا ظاهر في اختلاط الرجل جدًّا، ومثله في تلك الحالة لا ينبغى أن يُحمل عنه شئ، ولا أن يكتب حديثه إلا على سبيل التعجب والاعتبار وحسب، والكلام فيه طويل الذيل.
وبالليث: أعله ابن الجوزى في "العلل المتناهية" فقال: "ذاك حديث يرويه ليث بن أبى سليم عن أبى محمد شيخ له عن حذيفة عن أبى بكر، وتارة يقول: عن أبى محمد عن معقل بن يسار عن أبى بكر، وتارة يقول: عن عثمان عن رفيع عن معقل بن يسار عن أبى بكر! قال أحمد: ليث مضطرب الحديث، وقال أبو حاتم الرازى وأبو زرعة: لا نشتغل به". وقال الهيثمى في "المجمع"[10/ 385]: "رواه أبو يعلى من رواية ليث بن أبى سليم عن أبى محمد عن حذيفة، وليث مدلس، وأبو محمد إن كان هو الذي روى عن ابن مسعود أو الذي روى عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عثمان بن عفان فقد وثقه ابن حبان، وإن كان غيرهما فلم أعرفه! وبقية رجاله رجال الصحيح". وقال الحافظ في "المطالب" [13/ 418]:"ليث ضعيف؛ لسوء حفظه واختلاطه، وشيخه مبهم". وضعَّف سنده البوصيرى في "مختصر إتحاف الخيرة"[1/ 180/ رقم/ 430].
وللحديث طريق آخر عن أبى بكر الصديق: يرويه سفيان الثورى عن إسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم عن أبى بكر الصديق قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشرك أخفى في أمتى من دبيب النمل على الصفا، قال أبو بكر: فقلت يا رسول الله، بأبى أنت وأمى فما المخرج من ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ألا أعلمك شيئًا إذا قلته برئت من قليله وكثيره؟ قل: اللَّهم إنى أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك مما لا أعلم". أخرجه أبو نعيم في "الحلية"[7/ 112]، وابن عدى في "الكامل"[7/ 240]، وابن حبان في "المجروحين"[3/ 130]، وغيرهم من طريق شيبان بن فروخ عن يحيى بن كثير عن سفيان الثورى به. قال أبو نعيم:"تفرد به عن الثورى يحيى بن كثير".
وقال ابن عدي: "وهذا عن الثورى ليس يرويه غير يحيى بن كثير".
قلتُ: وهذا طريق مظلم وابن كثير هو أبو النضر صاحب البصرى، وعنه يقول أبو حاتم:"ذاهب الحديث جدًّا" وقال الساجى: "ضعيف الحديث جدًّا متروك، حدَّث عن الثقات بأحاديث بواطيل".
وقد أنكر ابن عدى وابن حبان هذا الحديث على يحيى هذا، وساقاه له في ترجمته من "الضعفاء".
ورأيت الدارقطنى قال في "علله"[1/ 192]، بعد أن ذكر هذا الطريق:"
…
ولا يصح عن إسماعيل ولا عن الثورى، ويحيى بن كثير هذا متروك الحديث". واختلف في سنده على شيبان أيضًا! فرواه عنه جماعة من الثقات على الوجه الماضى. وخالفهم محمد بن الفضل بن موسى القسطانى - وهو صدوق صالح -! فرواه عن شيبان فقال: عن بحر بن كنيز عن الثورى بإسناده به نحوه! فأسقط منه: "يحيى بن كثير" وأبدله بـ: "بحر بن كنيز"! هكذا أخرجه أبو القاسم التيمى في "الترغيب والترهيب"[1/ 114].
قلتُ: وقول الجماعة عن شيبان أصح. وليس القسطانى في قوة من خالفه في شيبان أصلًا! على أن بحر بن كنيز شيخ ضعيف واه، وفى الباب: عن أبى موسى الأشعرى =
59 -
حدَّثنا عمرو بن الحصين، حدّثنا عبد العزيز بن مسلمِ، عن ليث بن أبى سليمٍ، عن أبى محمدٍ، عن معقل بن يسارٍ، حدثنى أبو بكرٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
60 -
حدّثنا موسى بن محمد بن حيان، حدّثنا روح بن أسلم، وفهد، قالا: حدّثنا عبد العزيز بن مسلمٍ، حدّثنا ليثٌ، عن أبى محمد، عن معقل بن يسارٍ، قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم مع أبى بكرٍ، أو قال: حدثنى أبو بكرٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"الشِّرْكُ أخْفَى مِن دَبِيبِ النَّمْلِ، ثُمَّ قَالَ: أَلا أَدُلُّكَ عَلى مَا يُذْهِبُ عَنْكَ صَغِيرَ ذَلِكَ وَكبِيرَهُ؟ قُلِ: اللَّهمَ إِنِّي أَغوذُ بِكَ أَنْ أشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا لا أَعْلَّمُ".
61 -
حدّثنا موسى بن محمد بن حيان، حدّثنا روح بن أسلم، وفهد، قالا: حدّثنا عبد العزيز بن مسلمٍ، حدّثنا ليثٌ، عن أبى محمد، عن معقل بن يسار، قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم مع أبى بكرٍ، أو قال: حدثنى أبو بكر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال. "الشِّرْكُ أَخْفَي فِيكُمْ مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ"، فقال أبو بكرٍ: وهل الشرك إلا من دعا مع الله إلهًا آخر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشِّرْكُ أَخْفَى فِيكُمْ منْ دَبِيبِ النَّمْلِ، ثُمَّ قَالَ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى مَا يُذْهِبُ عَنْكَ صَغِيرَ ذَلِكَ وَكَبِيرَهُ؟ قُلِ: اللَّهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا لا أَعْلَمُ".
62 -
حدّثنا سريجٌ، حدّثنا مروان بن معاوية، حدّثنا جعفر بن الزبير، عن القاسم،
= عند أحمد [4/ 403]، وابن أبى شيبة [29547]، والطبرانى في "الأوسط"[4/ رقم 3479]، والبخارى في "الكنى"[ص 58/ رقم 509]، وغيرهم.
وفى سنده رجل مجهول العين والحال. ولبعض فقرات الحديث شواهد. وهو بهذا السياق منكر.
59 -
منكر: انظر قبله. وشيخ المؤلف ساقط الحديث.
60، 61 - منكر: انظر قبله
62 -
منكر: أخرجه المروزى في "مسند أبي بكر"[رقم 82]، من طرق المؤلف به. قال الهيثمى في "المجمع" [3/ 45]:"رواه أبو يعلى وفيه جعفر بن الزبير الحنفى وهو ضعيف". =
عن أبى أمامة، عن أبى بكر الصديق، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار، فقال:"اللَّهمَّ طَعْنًا، وَطَاعُونًا"، قلت: يا رسول الله، إنى أعلم أنك قد سألت منايا أمتك، فهذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال:"ذَرَبٌ كالدُّمَّلِ، إِن طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ سَتَرَاهُ".
63 -
حدّثنا إسحاق بن أبى إسرائيل، حدّثنا إبرهيم بن سعد، حدّثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت، قال: أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فجئت فإذا عمر عنده فذكر نحوًا من حديث العمرى، وزاد فيه بعد قول زيد بن ثابت: فألحقتها قال: قال ابن شهاب: فاختلفوا يومئذ في التابوت فقال زيد: التابوه وقال الرهط القرشيون: التابوت فرفعوا اختلافهم إلى عثمان فقال: اكتبوه في التابوت بلسان قريش. قال ابن شهاب: وكان ابن مسعود قد كره أن ولى زيد نسخ المصاحف. قال ابن شهاب: وحدثنى عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله قال: يا معشر المسلمين أعزل عن كتاب الله، ويولاها رجل، والله لقد أسلمت وإنه لفى صلب رجل كافر! يريد زيد بن ثابت قال: فلذلك قال عبد الله: يا أهل العراق أو يا أهل الكوفة غلوا المصاحف التى عندكم واكتموها، فإن الله يقول:{وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161]، قال ابن شهاب: فبلغنى أنه كره هذا من مقالته رجال كانوا من أفاضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
= قلتُ: الهيثمى لا يزال يتسامح في أناس هلكى حتى يُغْضبنا، وجعفر ساقط جملة واحدة، وقد صحَّ عن شعبة أنه رماه بالوضع. وقال ابن حبان:"يروى عن القاسم - يعنى الشامى - وغيره أشياء موضوعة، وكان ممن غلب عليه التقشف حتى صار وهمه شبيهًا بالوضع! تركه أحمد بن حنبل ويحيى ابن معين ...... ".
قلتُ: ومعهما سائر النقاد، وكان شعبة أشدهم فيه قولًا. والقاسم هو أبو عبد الرحمن الشامى: تكلم فيه أحمد لروايته المناكير عن أبى أمامة. ووثقه جماعة.
ولشطر الحديث الأول شواهد من حديث أبى موسى الأشعرى وابن عمر وغيرهما.
63 -
هما طريقان عند المؤلف:
فالأول: ينتهى إلى قول ابن شهاب "وكان ابن مسعود قد كره أن ولى زيد نسخ المصاحف" وإسناده قوى إلى زيد بن ثابت. لكن قول ابن شهاب عن عثمان: "اكتبوه في التابوت بلسان قريش" إسناده مرسل كما ترى، فإن الزهرى لم يدرك عثمان. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وهكذا أخرجه ابن حبان [4506]، والبيهقى في "الشعب"[1/ رقم 171]، والترمذى [3104]، وابن أبى داود في "المصاحف"[رقم 56]، وغيرهم من قول الزهرى به مرسلًا، وهكذا هو عند ابن شبة في تاريخ المدينة [3/ 1001].
ثم جاء إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الضعيف المعروف ورواه عن الزهرى، فأدرج قوله المذكور في كلام زيد بن ثابت. هكذا ذكره الحافظ في الفتح [9/ 20]، ثم نقل عن الخطيب أنه قال:"وإنما رواها ابن شهاب مرسلة".
قلت: وهو الصواب دون ريب، إلا أن الواقدى يأبى علينا هذا! ثم تراه يرويه - دون حياء - عن معمر بن راشد وابن أخى الزهرى عن الزهرى عن أنس بن مالك به
…
! هكذا أخرجه ابن عساكر في "تاريخه"[34/ 275 - 276]، من طريق الحسين بن الفهم نا محمد بن سعد عن الواقدى به.
قلتُ: والواقدى مكشوف الأمر مهتوك الستر، نسأل الله السلامة، لكن توبع الواقدى على هذا الوجه. تابعه إبراهيم بن حمزة الأسدى، فرواه عن إبراهيم بن سعد عن الزهرى عن أنس بن مالك به. هكذا أخرجه البيهقى في "سننه"[3806]، من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضى عن إبراهيم به
…
قلتُ: وهذا إسناد ظاهره السلامة، لكن نقل البيهقى عن إسماعيل القاضى أنه قال: "هكذا حدثنا إبراهيم بن حمزة بقصة التابوت موصولًا في آخر حديثه، وفصله أبو الوليد - هو الطيالسى - من الحديث؛ فجعله من قول الزهرى
…
". خرجه البيهقى [3807]، من طريق إسماعيل القاضى عن أبى الوليد الطيالسى عن إبراهيم بن سعد عن الزهرى به مرسلًا
…
كما مضى. وهذا هو المحفوظ. وإبراهيم بن حمزة وإن كان صدوقًا إلا أن أبا حاتم قد سئل عنه هو وإبراهيم بن المنذر فقال: "كانا متقاربين، ولم يكن لهما تلك المعرفة بالحديث
…
".
قلتُ: ويدل على هذا إدراجه قول الزهرى الماضى في حديث أنس. وقد خالفه جماعة من الثقات الأثبات أمثال: أبى الوليد الطيالسى وإسحاق بن أبى إسرائيل والحسن بن موسى الأشيب وعبد الرحمن بن مهدى وغيرهم كلهم، رووه عن إبراهم بن سعد عن الزهرى به مرسلًا. فانتبه يرعاك الله.
والطريق الثاني: هو قول الزهرى: "وحدثنى عبيد الله بن عبد الله - وهو ابن عتبة - أن عبد الله - يعنى ابن مسعود - قال .... " إلى آخره. =
64 -
حدّثنا القواريرى حدّثنا عبد الرحمن بن مهدى، حدّثنا إبراهيم بن سعد عن الزهرى عن عبيد بن السباق، أن زيدًا حدثه قال: أرسل أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال: إن عمر أتانى فقال: إن القتل قد استحرَّ بقراء القرآن يوم اليمامة، وإني لأخشى أن يستحر بالقراء في المواطن كلها، فيذهب قرآن كثير، وإننى أرى أن تأمر بجمع القرآن. قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير فلم يزل عمر بن الخطاب يراجعنى حتى شرح الله صدرى للذى شرح له صدر عمر، ورأيت فيه الذي رآه. قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقك ولا نتهمك،
= وسنده منقطع. وعبيد الله لم يسمع من ابن مسعود ولا رآه أصلًا. راجع "جامع التحصيل"[ص 232].
هكذا أخرجه الترمذى ضمن الحديث [رقم 3104]، وابن أبى عاصم في "الآحاد والمثانى"[4/ رقم 2049]، وأبو موسى المدينى في "الذيل على معرفة الصحابة" كما في "أسد الغابة"[1/ 50]، وابن أبى داود في "المصاحف"[ص 66]، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخه"[139/ 33]، والقاسم بن سلام في فضائل القرآن [رقم 458]، وأبو نعيم في تثبيت الإمامة [رقم 113]، وغيرهم، كلهم - سوى أبى نعيم - من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهرى عن عبيد الله ين عبد الله بن عتبة به. وهذا منقطع كما مضى، لكنى وجدتُ ابن الأثير قد صححه في أسد الغابة [1/ 50] هكذا دون تأنٍّ!
ولو علم الزرقانى أن تلك الكلمة - الماضية - لم تصح عن ابن مسعود؛ لما تكلَّف الجواب عنها في كتابه المناهل [1/ 197]. وإنما الثابت عن ابن مسعود هو قوله: "لقد حفظتُ من فيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة، وزيد بن ثابت له ذؤابتان يلعب مع الصبيان" وهو أثر قوى بطرقه.
6 -
صحيح: أخرجه البخارى [4701]، والترمذى [3103]، وأحمد [5/ 188]، وابن حبان [4506]، والطيالسى [3]، والطبرانى في "الكبير"[5/ رقم 4903]، والبيهقى في "سننه"[2202]، وفى "الشعب"[1/ رقم 171]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 45]، وابن أبى داود في "المصاحف"[رقم 19]، وأبو عبيد في "فضائل القرآن"[رقم 455]، وجماعة من طرق عن إبراهيم بن سعد عن الزهرى عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت به مطولًا كما هنا
…
ورواه جماعة من طريق إبراهيم بن سعد بإسناده به مختصرًا
…
وقد توبع إبراهيم على هذه القصة عن الزهرى بهذا الإسناد: تابعه: =
وقد كنت تكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحى فتتبع القرآن فاجمعه. قال: فو الله لو كلفونى نقل جبل من الجبال ما كان أثقل على من ذاك، قال: قلت: كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير فلم يزل يراجعنى في ذلك أبو بكر وعمر حتى شرح الله صدرى للذى شرح له صدر أبو بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والسعف والحجارة والرقاق ومن صدور الرجال، فوجدت في آخر سورة التوبة، براءة، مع خزيمة بن ثابت: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
…
} إلى آخر الآية [التوبة: 128].
= 1 - شعيب بن أبى حمزة: عند البخارى [4402]، والصيداوى في "معجم الشيوخ"[2/ رقم 254]، - وعنده مختصر - والفسوى في المعرفة [1/ 79]، والبيهقى في "سننه"[11973]، والطبرانى في مسند الشاميين [4/ رقم 3190]، وجماعة.
2 -
ويونس بن يزيد: عند البخارى [4703]، وأحمد [1/ 13]، وابن حبان [4507]، والطبرانى في "الكبير"[5/ رقم 4902]، والمؤلف [رقم 71]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 46]، وابن أبى داود في "المصاحف"[رقم 22]، والحربى في "غريب الحديث"[1/ 424]، وأبو عبيد في فضائله [رقم 459].
3 -
وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصارى: عند ابن أبى داود في "المصاحف"[رقم 21]، وابن أبى شيبة في "مسنده"[رقم 142]، والطبرانى في "الكبير"[5/ رقم 4904]، وابن أبى شيبة أيضًا في مصنفه [25877]، وجماعة.
4 -
وعبد الرحمن بن خالد: عند الطبراني في "الكبير"[5/ رقم 4901]، وغيره، وعلقه البخارى عقب [رقم 4402].
5 -
وعقيل بن خالد: ذكره الدارقطنى في الأحاديث التى خولف فيها مالك [ص 54].
6 -
ويزيد بن حبيب: ذكره الدارقطنى في المصدر المشار إليه أيضًا [ص 54].
7 -
وعبيد الله بن أبى زياد الرصافى: ذكره الدارقطنى في "علله"[1/ 187].
8 -
وسفيان بن عيينة: وهو غريب قاله الدارقطنى في "علله"[1/ 187]. فهؤلاء جماعة من ثقات أصحاب الزهرى كلهم قد رووه عنه بالإسناد المتقدم عن زيد بن ثابت به. لكن وقع بينهم خلاف في بعض ألفاظه كما أشار إليه البخارى، وشرحه الحافظ في "الفتح"[8/ 345]، و [9/ 15]. وخالفهم جميعًا: عمارة بن غزية فرواه عن الزهرى فقال: عن خارجة بن زيد عن أبيه به. وجعل الحديث كلَّه عنه. =
65 -
حدّثنا أبو خيثمة حدّثنا يعقوب بن إبراهيم حدّثنا أبى عن ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت حدثه: أن أبا بكر قال: "إنك رجك شاب عاقل ولا نتهمك، قد كنت تكتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه".
- هكذا أخرجه ابن أبى عاصم في "الآحاد والمثانى"[4/ 87]، رقم [2046]، من طريق الدراوردى عنه به
…
لكنه لم يسق لفظه.
وخولف الدراوردى فيه! خالفه ابن لهيعة فرواه عن عمارة فقال: عن الزهرى عن سعيد بن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت به.
هكذا أخرجه الطبراني في "الأوسط"[1/ رقم 315]، من طريق ابن لهيعة به، وهذا غلط في غلط، والمحفوظ عن عمارة: إنما هو بالإسناد الأول. كما ذكره البزار وغيره.
قال الدارقطنى في "علله"[1/ 187]، عقب ذكْره هذا الطريق:"وإنما روى الزهرى عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه من هذا الحديث ألفاظًا يسيرة: وهى قوله: "فقدت من سورة الأحزاب آية قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت" ضبطه عن الزهرى كذلك: إبراهيم بن سعد وشعيب بن أبى حمزة وعبيد الله بن أبى زياد ..... ".
قلتُ: وهذا القدر ثابت عند البخارى [3823]، وجماعة كثيرة من طرق عن الزهرى به كما قاله الدارقطنى.
ثم وجدتُ الدارقطنى قد ذكر اختلافًا آخر وقع في سنده على عمارة بن غزية، ورواه مالك بن أنس عن الزهرى فقال: عن سالم وخارجة به مرسلًا
…
ثم اختلف أصحاب مالك عليه في إسناده، كما ذكره الدارقطنى في الأحاديث التى خولف فيها مالك [ص 54]، وشرح ذلك هنا يطول منى جدًّا.
وقد رجَّح الدارقطنى في "علله"[1/ 88]، من كل تلك الوجوه الماضية: ما رواه إبراهيم بن سعد وأصحابه - وهو الوجه الأول - عن الزهرى عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت به .. فقال: "والصحيح من ذلك: رواية إبراهيم بن سعد وشعيب بن أبى حمزة و
…
، فإنهم ضبطوا الأحاديث عن الزهرى، وأسندوا كل لفظ منها إلى رواية وضبطوا ذلك
…
" وهو كما قال.
65 -
صحيح: انظر قبله.
66 -
حدّثنا عبيد الله بن عمر، حدّثنا عفان بن مسلمٍ، حدّثنا همامٌ، حدّثنا ثابتٌ، عن أنسٍ، أن أبا بكرٍ حدثه، قال: قلت للنبى صلى الله عليه وسلم، ونحن بالغار: لو أن أحدهم ينظر إلى تحت قدميه لأبصرنا تحت قدميه، قال: فقال: "يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا؟ ".
67 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا حبان بن هلالٍ، حدّثنا همامٌ، عن ثابتٍ، حدّثنا أنسٌ، أن أبا بكرٍ، حدثه، قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا، ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال:"يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا؟ ".
66 - صحيح: أخرجه البخارى [3453]، ومسلم [2381]، والترمذى [3096]، وأحمد [4/ 1]، وابن حبان [6869]، وابن أبى شيبة [31929]، وعبد بن حميد في "المسند"[رقم/ 2/ المنتخب]، وخيثمة في "حديثه"[ص 135]، وتمام في "فوائده"[رقم 805]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 71].
والحارث في "عواليه"[رقم 50]، والخطيب في "تاريخه"[3/ 86]، وابن عساكر في "تاريخه"[4/ 30]، والآجرى في "الشريعة"[رقم 1253]، والدولابى في "الكنى"[1/ رقم 48]، وأبو الفضل الزهرى في "حديثه"[1/ رقم 94]، واللالكائى في "شرح الاعتقاد"[رقم 1972]، وابن الأعرابى في "معجمه"[5/ رقم 2067]، وأبو نعيم في "فضائل الخلفاء الراشدين"[رقم 1]، وجماعة كثيرة من طرق عن همام بن يحيى عن ثابت البنانى عن أنس بن مالك به.
قال الترمذى: "هذا حديث حسن صحيح غريب إنما يُعرف من حديث همام تفرد به
…
".
قلتُ: قد وجدتُ له متابعًا: فأخرجه ابن عساكر في "تاريخه"[30/ 84]، بإسناد صحيح إلى أبى مالك سعيد بن هبيرة عن جعفر بن سليمان عن ثابت البنانى عن أنس بن مالك به
…
قلتُ: وهذه متابعة لا يُفرح بها إن شاء الله. وأبو مالك تكلم فيه النقاد حتى أوشك ابن حبان أن يرميه بالوضع لولا أن تردد أخيرًا راجع "اللسان"[1/ 126]. فالقول ما قال الترمذى .. ومثله قال ابن عساكر.
67 -
صحيح: انظر قبله.
68 -
حدّثنا محمد بن إسماعيل بن أبى سمينة البصرى، ومحمد بن المثنى، قالا: حدّثنا عمرو بن عاصمٍ الكلابى، حدّثنا عمران، عن معمرٍ، عن الزهرى، عن أنسٍ، قال: قال عمر لأبى بكرٍ، في الردة: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا الله، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله؟ " فقال أبو بكرٍ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقولُوا لا إِلَهَ إِلا الله، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ"، والله لو منعونى عقالًا لقاتلتهم عليه حتى تلحق نفسى بالله، قال عمر: فلما رأيت أبا بكرٍ قد عزم على ذلكَ علمت أنه الحق.
68 - صحيح: أخرجه النسائي [3094]، وابن خزيمة [2247]، والحاكم [1/ 544]، والبزار [38]، والبيهقى في "سننه"[16509]، وابن بشران في أماليه [3/ رقم 954]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 76]، وجماعة، من طرق عن عمران القطان البصرى عن معمر عن الزهرى عن أنس بن مالك به
…
قلتُ: وهذا إسناد منكر وعمران مختلف فيه، وهذا الإسناد قد أنكره النقاد عليه فأصابوا، فقال الترمذى عقب الطريق المحفوظ لهذا الحديث عنده [رقم 2610]،: " .... وروى عمران القطان هذا الحديث عن معمر عن الزهرى عن أنس بن مالك عن أبى بكر .... وهو حديث خطأ. وقد خولف عمران في روايته عن معمر
…
".
قلتُ: وسيأتى ذِكْر مَنْ خالفه قريبًا. وقال النسائي عقب روايته طريق عمران الماضى: "عمران القطان ليس بالقوى في الحديث، وهذا الحديث خطأ
…
". ومثلهما قال الحافظ البزار في مسنده المعلل [1/ 98]. وقال الدارقطنى في "علله" [1/ 164]: "
…
ورواه عمران القطان عن معمر وقال: عن الزهرى عن أنس بن مالك عن أبى بكر
…
وهم فيه على معمر
…
".
قلتُ: عمران القطان قد ضعفه جماعة، وقد خولف في إسناده. خالفه عبد الرزاق الصنعانى: فرواه عن معمر فقال: عن الزهرى عن عبيد الله بن عتبة به مرسلًا. هكذا أخرجه في المصنف [رقم/ 6916]، و [رقم/ 18718]، و [رقم / 10022]، وهكذا ذكره عنه الدارقطنى في "علله"[1/ 164]. لكنى قد وجدتُ أبا داود قد أشار في "سننه"[1/ 486]، بعد أن ذكر الطريق المحفوظ عن الزهرى عن عبيد الله عن أبى هريرة به. [رقم/ 1556]، قال:"ورواه رباح بن زيد وعبد الرزاق عن معمر عن الزهرى بإسناده .... ". =
69 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا عمرو بن عاصمٍ الكلابى، حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، قال: قال أبو بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك ما عند الله خيرٌ لرسوله. قال: فقالت: ما أبكى أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خيرٌ لرسوله، ولكن أبكى أن الوحى انقطع من السماء، قال: فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها.
= فالظاهر أنه قد اختلف على عبد الرزاق فيه. ورواية رباح بن زيد: قد ذكرها الدارقطنى في "علله".
• والصواب وفى هذا الحديث: هو ما رواه شعيب بن أبى حمزة ويحيى بن سعيد ومحمد بن الوليد ويونس الأيلى وعقيل بن خالد وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر والنعمان بن راشد وسفيان بن حسين وسليمان بن كثير ومحمد بن إسحاق وجعفر بن برقان وعبد الرحمن بن يزيد وجماعة غيرهم، كلهم رووه عن الزهرى فقالوا: عن عبيد الله بن عتبة عن أبى هريرة قال: "قال عمر لأبى بكر
…
" وذكر القصة كما عند المؤلف. هكذا أخرجه البخارى [6526]، ومسلم [20]، وجماعة كثيرة جدًّا من تلك الطرق عن الزهرى به.
وقد اختلف في إسناده على الزهرى على ألوان أخرى ذكرها الدارقطنى في "علله"[1/ 165]، ثم رجَّح أخيرًا الوجه الماضى عن الزهرى، وهو الصواب. وللمرفوع من هذا الحديث: شواهد عن جماعة من الصحابة.
69 -
صحيح: أخرجه مسلم [2454]، وابن ماجه [1635]، وأبو نعيم في "الحلية"[2/ 68]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 76]، والبيهقى في "سننه"[13314]، وفى الدلائل [رقم 3236]، وابن عساكر في "تاريخه"[4/ 302]، من طرق عن عمرو بن عاصم عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك به. وهذا إسناد جيد.
وهكذا أخرجه ابن شيبة [37027]، والبخارى في تاريخه "الأوسط"[1/ 63]، وقد توبع عليه سليمان بن المغيرة: ولكن على قول أم أيمن فقط دون ذكر أبى بكر وعمر: تابعه: حماد بن سلمة: عند أحمد [3/ 248]، ومن طريقه ابن الأثير في أسد الغابة [1/ 1427]، وابن سعد في "الطبقات"[80/ 226]، والحارث [رقم 954/ زوائد الهيثمى]. =
70 -
حدّثنا عبيد الله بن عمر، حدّثنا زائدة بن أبى الرُّقَاد، حدثنى زيادٌ النميرى، عن أنسٍ، أن أبا بكرٍ دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو كئيبٌ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"مَالِى أَرَاكَ كَئِيبًا؟ " قال: يا رسول الله، كنت عند ابن عمٍ لى البارحة، فلانٍ، وهو يكيد بنفسه، قال:"فَهَلا لَقَّنْتهُ لا إِلَهَ إلا الله؟ " قال: قد فعلت، يا رسول الله، قال:"فَقَالَهَا؟ " قال: نعم، قال:"وَجَبَتْ لَهُ الْجَّنةُ"، قال أبو بكرٍ: يا رسول الله، كيف هي للأحياء؟ قال:"هِى أهْدَمُ لِذُنُوبِهِمْ، هِىَ أَهْدَمُ لِذنُوبِهِمْ".
= وله طريق آخر بهذا القدر من قول أم أيمن فقط: عند الطبراني في "الكبير"[25/ 227]، وابن أبى شيبة [37026]، وأبى نعيم في "الحلية"[2/ 681]، وابن سعد في "الطبقات"[8/ 226]، وابن عساكر في "تاريخه"[4/ 303]، وجماعة، من طرق عن سفيان الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال:"لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بكت أم أيمن، فقيل لها: ما يبكيك؟! فقالت: انقطع عنا خبر السماء".
قلتُ: وسنده صحيح مستقيم إلى طارق بن شهاب، وهو صحابى صغير.
70 -
منكر: أخرجه العقيلى في "الضعفاء"[2/ 81]، وابن عدى في "الكامل"[3/ 228]، من طريق عبيد الله بن عمر القواريرى عن زائدة بن أبى الرقاد عن زياد النميرى عن أنس بن مالك به. وتوبع عليه القواريرى: تابعه أحمد بن مالك عند البزار [رقم/ 786]، عن زائدة بن أبى الرقاد به.
وهذا إسناد منكر! وزائدة منكر الحديث كما قاله البخارى والنسائى والبزار وغيرهم. قال أبو حاتم الرازى: "يُحدث عن زياد النميرى عن أنس أحاديث مرفوعة منكرة، ولا ندرى منه أو من زياد.
قلتُ: وشيخه زياد قريب منه، بل هو مثله عند التحقيق، وعنه يقول ابن حبان:"منكر الحديث، يروى عن أنس أشياء لا تشبه حديث الثقات تركه ابن معين".
قلتُ: ثم أغرب وذكره في الثقات [4/ 255] لكنه قال: "يخطئ" ولعله كان يتردد بشأنه!
والحديث: ذكره الهيثمى في "المجمع"[3/ 64]، ثم قال: "رواه أبو يعلى والبزار وفيه زائدة بن أبى الرقاد.
[وعنده: "الوقاد" وهو تصحيف]، وثقه القواريرى وضعفعه البخارى وغيره". =
71 -
حدّثنا عبيد الله بن عمر القواريرى حدّثنا عثمان بن عمر، حدّثنا يونس بن يزيد عن الزهرى أخبرنى ابن السباق أخبرنى زيد بن ثابت: أن أبا بكر أرسل إليه مقتل أهل اليمامة قال: فأتيته فإذا عمر عنده فقال أبو بكر: إن عمر أتانى فقال: إن القتل قد استحر بأهل اليمامة من قراء القرآن - أو الناس - شك أبو يعلى - فأنا أخشى أن يستحر القتل في المواطن كلها فيذهب كثير من القرآن لا يُوعَى، وإنى أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: هو - والله - خير فلم يزل يراجعنى في ذلك حتى شرح الله صدرى ورأيت فيه الذي رأى عمر. فقال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم. فقال أبو بكر: إنك شاب عاقل ولا نتهمك وكنت تكتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبع القرآن فاجمعه. قال زيد: فوالله لو كلفونى نقل جبل من الجبال ما كان أثقل على مما أمرنى به من جمع القرآن. فقلت: كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو - والله - خير فلم يزل يراجعنى حتى شرح الله صدرى بالذى شرح به صدر أبى بكر وعمر، فجمعت القرآن أتتبعه من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة الأنصارى لم أجدها مع أحد غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
…
} [التوبة: 128]، فكانت المصاحف التى جمعنا فيها القرآن عند أبى بكر حياته حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة.
72 -
حدّثنا العباس بن الوليد النَّرْسِى، حدّثنا عمر بن علي، حدّثنا عبد الرحمن بن
= أقول: القواريرى إمام حافظ وهو أهل لأن يُجرِّح ويُعدِّل، غير أن حال زائدة مكشوف إن شاء الله. ولم أر توثيق القواريرى له نصًا، والمذكور في "الجرح والتعديل"[3/ 613]، ومن طريقه المزى في "التهذيب"[9/ 272]، وهو في "تاريخ أسماء الثقات" لابن شاهين [ص 93/ رقم 403]، عن القواريرى أنه قال عن زائدة:"لم يكن به بأس وكتبتُ كل شئ عنده" ثم أنكر عليه حديثًا في الختان. والله المستعان.
71 -
صحيح. مضى تخريجه مطولًا في الحديث [رقم 64].
72 -
ضعيف: بهذا السياق: أخرجه الرويانى في "مسنده"[1/ رقم 256]، والطبرانى في الدعاء [رقم 1460]، من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقى عن مالك بن قيس عن عقبة بن عامر به نحوه. وهو عند الطبراني مختصرًا بالشطر الأخير منه. وإسناده واه على نكارة سياقه.
وعبد الرحمن بن زياد الإفريقى: أحد العباد الزهاد الصالحين الذين لم يكن الحديث من شأنهم =
زياد بن أنعم، قال: سمعت مالك بن قيسٍ يحدث، قال: قدم عقبة بن عامرٍ، على معاوية، وهو بإيلياء، فلم يلبث أن خرج، فطلب فلم يوجد، أو قال: طلبناه فلم نجده، فاتبعناه، فإذا هو يصلى ببراز من الأرض. قال: فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا لنحدث بك عهدًا، أو نقضى من حقك. قال: فعندى جائزتكم، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، وكان على كل رجلٍ منا رعاية الإبل يومًا، فكان يومى الذي أرعى فيه، قال: فروَّحت الإبل، فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أطاف به أصحابه، وهو يحدث، قال: فأهملت الإبل وتوجهت نحوه فانتهيت إليه، وهو يقول:"مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يُريدُ بِهمَا وَجهَ الله، غَفَرَ الله لَهُ مَا كَانَ قَبْلَهُمَا"، فقلت: الله أكبر، قال: فضرب رجلٌ على كتفى، فالتفت، فإذا أبو بكرٍ، قال: يا ابن عامرٍ، ما كان قبلها أفضل قلت: ما كان قبلها؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله يُصَدِّقُ قَلْبُهُ لِسَانَهُ دَخَلَ مِن أيّ أَبْوَابِ الجْنَّةِ شاءَ".
73 -
حدّثنا عمرو بن مالكٍ، حدّثنا جارية بن هرمٍ الفقيمى، يقول: حدثنى عبد الله
= أصلًا فجعلوا يروون على التوهم حتى كثرت المناكير في أحاديثهم وتكلم فيهم النقاد، وعنه يقول أحمد:"منكر الحديث"، وكذا قال الحافظ جزرة، وقال ابن خراش:"متروك"، وقال ابن حبان:"يروى الموضوعات عن الثقات"، وضعفه جمهور النقاد، وما وثقه إلا متساهل أو من لا يعرف ما وراء الأكمة! وشيخه مالك بن قيس: قال عنه الهيثمى في "المجمع"[2/ 518]: "لم أجد من ذكره".
قلتُ: قد وقع عند الرويانى: "عن مالك بن قيس مولى خالد بن أسيد"، وقد بحثتُ عنه فلم أهتد إليه، والمعروفون من موالى خالد بن أسيد ثلاثة:"عبد الرحمن بن كيسان" وهو تابعى غائب الحال، وأبوه "كيسان بن جرير" وهو صحابى قرشى، و"عمرو بن كثير بن أفلح" وهو من كبار أتباع التابعين. وللمرفوع من الحديث: شواهد صحيحة.
73 -
منكر: بهذا التمام: أخرجه الجوزقانى في "الأباطيل"[ص/ رقم 13/ طبعة دار ابن حزم]، والذهبى في "الميزان"[1/ 386]، كلاهما من طريق المؤلف عن عمرو بن مالك الراسبى عن جارية بن هرم عن عبد الله بن دارم [وسقط من سند الجوزقانى:"عبد الله بن دارم"! عن عبد الله بن بسر الحبرانى عن أبى كبشة الأنمارى عن أبى بكر به. =
ابن دارمٍ، حدّثنا عبد الله بن بسرٍ الحُبْرانى، قال: سمعت أبا كبشة الأنمارى، وكان له صحبةٌ يحدث: عن أبى بكرٍ الصديق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، أَوْرَدَّ شيْئًا أَمَرْتُ بِهِ، فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْتًا فِي جَهَنَّمَ".
= قال الذهبى: هذا حديث منكر.
قلتُ: وإسناده كأنه موضوع، وعمرو بن مالك الراسبى ساقط البتة. وقد نقل الترمذى في "العلل"[ص/ 340/ طبعة عالم الكتب]، عن البخارى أنه قال:"عمرو بن مالك هذا كذاب، كان استعار كتاب أبى جعفر المسندى فألحق فيه أحاديث أو حديثًا - الشك من الترمذى - كذبًا". وقال ابن عدي: "منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث .. ". وقد وهم ابن عدى في نسبته إذ قال في صدر ترجمته [5/ 155]: "وعمرو بن مالك النكرى". وليس هو بذاك، وصاحبنا هو الراسبى، والنكرى متقدم عليه في الطبقة.
• تنبيه على هذا: الحافظ في تهذيبه [8/ 95]، وأشار إليه الذهبى في ترجمة الراسبى من "الميزان"[3/ 285]، وقد تركه أبو زرعة وأبو حاتم فلم يكتبا عنه. وقد تلوَّن في سنده كما يأتى. وجارية بن هرم: حاله قريب من حال عمرو بن مالك، وقد تركه جماعة وضعفه الآخرون. راجع "اللسان" [2/ 91]. بجارية وحده: أعل الهيثمى هذا الحديث! فقال في "المجمع"[1/ 363]: "رواه أبو يعلى والطبرانى في "الأوسط"، وفيه جارية بن الهرم الفقيمى، وهو متروك الحديث". وهذا قصور من الهيثمى قد عهدناه منه كثيرًا.
وعبد الله بن بسر الحبرانى: حاله قريب أيضًا من حال زميليْه قال ابن معين: "لا شئ"، وقال النسائي:"ليس بثقة"، وضعفه جمهرة النقاد، فماذا يُجديه أن ذكره ابن حبان في ثقاته؟!
وبابن بسر وحده: أعله البوصيرى في "إتحاف الخيرة"[1/ 226]، فقال:"هَذَا إسْنَادٌ ضَعيفٌ، عَبْدُ الله بْنُ بُسْرٍ الحُّبْرَانيُّ الحْمْصيُّ: ضَعَّفَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ، وَابْنُ مَعينٍ، وَالتِّرمِذِيُّ،، وَأبُو حَاتمٍ، وَالدَّارَقُطنِيُّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَبَّانَ فِي الثَّقَات فَمَا أجَادَ".
وهذَا أيضا قصور من البوصيرى يقع فيه مرارًا. وعبد الله بن دارم: طير غريب لا وجود له في بطون الدفاتر، وما أراه إلا من توليد عمرو بن مالك أو شيخه. وقد رواه المؤلف في "معجمه"[رقم/ 260]، وعنه ابن عدى في "الكامل"[2/ 175]، - مقرونًا مع جماعة - والطبرانى في "الأوسط"[3/ رقم/ 3838]، والترمذى في "العلل"[ص / 340/ طبعة عالم الكتب"، والبزار [1/ رقم/ 89]، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوى"[2/ 189]، ومن طريقه ابن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الجوزى في "الموضوعات"[1/ 57]، وغيرهم عن عمرو بن مالك عن جارية عن عبد الله بن بسر عن أبى كبشة عن أبى بكر به
…
قال البزار: "هَذَا الحَديثُ إنَّمَا رَوَاهُ جَارِيَةُ بْنُ هَرِمٍ،، عَنْ عَبْد الله بْنِ بُسْرٍ، عَنْ أبِى كَبْشَةَ، فكانَ الإِسْنَادُ مَجْهُولًا؛ لأنَّ عَبْدَ الله بْنَ بُسْر هَذَا لا نَعْلَمُ رَوَى عَنهُ إِلَّا جَارِيَةُ بْنُ هَرِمٍ وَيُوسُفُ بْنُ خَالدٍ غَيْرَ هَذَا الحَديثِ. وَهَذَا الحَدِيثُ لَمْ نَسْمَعْهُ إلَّا مِنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ فَأمْسكنَا عَنْ ذكْرِه".
قلت: هكذا أسقطَ عمرو - أو شيخه - "عبد الله بن دارم" من سنده. فالظاهر أنه - أو شيخه - كان يتلون في إسناده كيما يفتضح به أهام الله والناس.
وقد قال الطبراني عقب روايته: "لا يروى هذا الحديث عن أبى كبشة عن أبى بكر إلا بهذا الإسناد، تفرد به عمرو بن مالك"، وليس كما قال! بل توبع هالك عليه من هذا الوجه الثاني: تابعه جماعة منهم:
1 -
يحيى بن بسطام: عند ابن عدى في "الكامل"[2/ 175]، والعقيلى في "الضعفاء"[1/ 203].
2 -
الوضاح بن حسان: عند ابن عدى في "الكامل"[2/ 175].
3 -
على بن قرين: عند أبى نعيم في "أخبار أصفهان"[1/ 426/ الطبعة العلمية] والحافظ في "اللسان"[4/ 251]، والخطيب في "تاريخه"[12/ 51]- مقرونًا - وابن عدى في "الكامل"[2/ 175].
4 -
وموسى بن هارون المستملى: عند الخطيب في "تاريخه"[12/ 15]، مقرونًا.
5 -
وعمر بن يحيى الأيلى: عند ابن عدى في "الكامل"[4/ 338]، مقرونًا. وتابعه غير هؤلاء أيضًا.
لكن يقول ابن عدى: "وهذا الحديث: يقال إنه حديث يحيى بن بسطام، وأن الباقين الذين رووه عن جارية سرقوه منه".
قلتُ: ولا يبعد هذا. فكلهم هلكى! وقد جاء محمد بن إسحاق البلخى اللؤلؤى وخالف الجميع! ورواه عن جارية فقال: عن عبد الله بن بسر عن أبى راشد الحبرانى عن أبى كبشة الأنمارى عن أبى بكر به .. فزاد فيه واسطة بين ابن بسر وأبى كبشة. هكذا أخرجه المروزى في "مسند أبى بكر"[69]. =
74 -
حدّثنا أحمد بن عمر الوكيعى، حدّثنا حسين بن على الجعفى، عن زائدة، عن عاصمٍ، عن أبى صالحٍ، عن أبى هريرة، قال: قام أبو بكر على المنبر، فقال: قد علمتم ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأول، ثم بكى، ثم أعادها، ثم بكى، ثم أعادها، ثم بكى، قال:"إِنَّ النَّاسَ لَمْ يُعْطُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا شَيْئًا أَفْضَلَ مِنَ الْعَفْوِ وَالْعَافِيَةِ، فَسلُوهُمَا الله".
= واللؤلؤى ليس له من اسمه نصيب، وقد كذبه صالح جزرة بخط عريض وضعفه جماعة. راجع "اللسان"[5/ 66]. وللحديث طرق أخرى عن أبى بكر به نحوه. ذكرها الدارقطنى في "علله"[1/ 245]، ولا يصح منها شئ، وأكثرها مناكير، معاذ الله بل كلها مناكير. وقد صح الحديث: لكن دون هذا اللفظ.
74 -
صحيح: أخرجه البزار [32]، وابن أبى الدنيا في "الشكر"[154]،، والمروزى في "مسند أبى بكر"[53]، من طرق عن حسين بن على الجعفى عن زائدة بن قدامة عن عاصم بن أبى النجود عن أبى صالح السمان عن أبى هريرة قال: قام أبو بكر على المنبر
…
وذكره.
قلتُ: وهذا إسناد ظاهره الجودة، فرجاله كلهم ثقات أثبات سوى عاصم المقرئ، وهو صدوق فيه كلام من قبل حفظه، لكنه متماسك إن شاء الله. لكن قد اختلف في إسناده على حسين الجعفى، بل وخولف عاصم في إسناده أيضًا، وهاك البيان:
1 -
أما الاختلاف فيه على حسين الجعفى: فقد رواه عنه أحمد بن عمر الوكيعى - الثقة الحافظ - وعبد الله بن الوضاح الكوفى - وهو صدوق - فقالا: عن حسين الجعفى، بإسناده على الوجه الماضى. وخالفهما محمد بن رافع النيسابورى - الثقة المأمون - فرواه عن حسين الجعفى فقال: عن زائدة عن عاصم عن أبى صالح عن أبى هريرة مرفوعًا
…
وأسقط منه أبا بكر وجعله من مسند "أبى هريرة".
هكذا أخرجه النسائي في "الكبرى"[10722]، "اليوم والليلة"[886]، عنه به.
ثم عاد ورواه عن حسين فقال: عن زائدة عن عاصم عن أبى صالح قال: قام أبو بكر على المنبر
…
ثم ذكره ولم يذكر فيه أبا هريرة.
هكذا أخرجه النسائي أيضًا في "الكبرى"[10723]، وفى "اليوم والليلة"[887]، عن محمد بن رافع به. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد مضى: أن ابن رافع ثقة مأمون، وراويه عنه على الوجهين: هو النسائي الحافظ الجبل. وزائدة بن قدامة: شيخ الإسلام. وحسين الجعفى: ثقة ثبت. فلم يبق إلا عاصم المقرئ، وقد مضى أنه متكلَّمٌ فيه من قِبَل حفظه، فالوهم منه إن شاء الله، كأنه كان يضطرب فيه! وقد توبع عليه ابن رافع: تابعه إسحَاق الطالقانى عند المؤلف [75]، لكن يقول البزار بعد روايته هذا الحديث من الطريق الأول: "وقد اختلفوا على حسين - يعنى الجعفى - فقال غير واحد: عن أبى صالح عن أبى بكر
…
وقال غير واحد: عن أبى صالح عن أبى هريرة عن أبى بكر .... والحديث لمن زاد إذا كان ثقة
…
".
قلتُ: فكأنه يميل إلى ترجيح الوجه الأول؛ باعتباره زائدًا على غيره - من حيث إسناده - والزيادة من الثقة مقبولة. وأقول: وهذا يصادمه أمران:
الأول: أن عاصمًا في حفظه شئ كما مضى، فَيَقْرُب: أن هذا الاختلاف ليس محفوظًا، وإنما أتِىَ من قبل سوء حفظ عاصم.
والثانى: أن عاصمًا قد خولف في إسناده أيضًا! خالفه الإمام الأعمش - وهو أوثق الناس في أبى صالح - فرواه عن أبى صالح فقال: "عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قام أبو بكر
…
" ثم ذكره. هكذا أخرجه النسائي في "الكبرى" [10724]، "اليوم والليلة" [888]،، من طريق أبى حمزة السكرى - الثقة المأمون - عن الأعمش به.
وقد توبع عليه أبو حمزة: تا بعه شيبان النحوى، فرواه عن الأعمش مثله
…
ذكره الدارقطنى في "علله"[1/ 233]، ثم قال:"ولم يُسمِّ - يعنى شيبان - أبا هريرة ولا غيره".
قلتُ: فهذا الوجه إسناده صحيح ثابت، وإبهام الصحابى لا يضره، بل لعله هو نفسه أبو هريرة المذكور في طريق عاصم، لكن قد اختلف على الأعمش فيه أيضًا، فرواه عنه أبو حمزة السكرى وشيبان النحوى على الوجه الماضى به.
وخالفهما أبو معاوية الضرير وغيره فروياه - أو رووه - عن الأعمش فقالا - أو فقالوا - عن أبى صالح مرسلًا - يعنى منقطعًا - عن أبى بكر به. هكذا ذكره الدارقطنى في "علله"[1/ 234]، ثم قال:"والمرسل هو المحفوظ".
قلتُ: المراد بالمرسل: المنقطع، يعنى رواية أبى صالح عن أبى بكر. فسمَّاه الدارقطنى مرسلًا؛ لكون أبى صالح معروفًا بالإرسال عن أبى بكر، راجع "جامع التحصيل"[174]. =
75 -
حدّثنا إسحاق بن إسماعيل الطَّالْقانى، حدّثنا حسين بن علي الجُعْفى، عن زائدة، عن عاصم بن أبى النجود، عن أبى صالحٍ، قال: قام أبو بكر الصديق، على المنبر فخطب فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينًا عام الأول على هذا المنبر، في مثل هذا اليوم، في مثل هذا الشهر، قال: ثم بكى، فقال:"سَلُوا الله الْعَفْوَ وَالْعَافِيَة".
76 -
حدّثنا أبو الربيع الزهرانى، حدّثنا فليحٌ، عن الزهرى، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوفٍ، عن أبى هريرة، أن أبا بكرٍ بُعثَ في الحجة التى أمَّرَه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها قبل حجة الوداع في يوم النحر، في رهطٍ يؤذِّن في الناس:"أَنْ لا يَحُجَّ بعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلا يَطوفَنَّ بِالْيتِ عُرْيَانُ".
= والظاهر - بعد التأمل - عندى أن الوجهين - الماضيين -: محفوظان عن أبى صالح، وكذا ما اختلف على عاصم فيه أيضًا، ويكون أبو صالح: كان قد سمعه من أبى هريرة عن أبى بكر.
ثم حدَّث به يومًا فأبهم اسم أبى هريرة وقال: عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن أبى بكر به. ثم لم ينشط بعد ذلك لإقامة إسناده فجعل يرويه عن أبى بكر مباشرة ولا يذكر فيه أبا هريرة. وعلى كل حال: فللحديث طرق أخرى عن أبى بكر به
…
وستأتى.
75 -
صحيح: انظر قبله.
76 -
صحيح: أخرجه البخارى [4105]، والبيهقى في "سننه"[9091]، وغيرهم، من طريق فليح بن سليمان عن الزهرى عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبى هريرة به.
قلتُ: وهذا إسناد ضعيف، وفليح بن سليمان ضعيف صاحب مناكير على التحقيق. وقريب منه: ولده محمد بن فليح! لكن كان الشيخان ينتقيان من حديثهما ما علما أنهما لم يُخْطئا فيه، أو ما تابعهما عليه الثقات. وقد وقفتُ لهما على حديث يشيب لهوله غلمان أهل الأرض! وقد تكلمنا عليه في كتابنا "أنهار الدم" وأشرنا إليه في طليعته "فارجة الهم". ولم ينفرد به فليخ ولا أبوه! فرواه جماعة من أصحاب الزهرى عنه به ..... منهم:
1 -
محمد بن عبد الله بن أخى الزهرى: عند البخارى [362].
2 -
يونس بن يزيد: عند البخارى [1543]، ومسلم [1347]، وابن خزيمة [2702]، والبيهقى [9091]، وجماعة. =
77 -
حدّثنا عبيد الله بن عمر، حدّثنا عبد الرحمن بن مهدىٍ، حدّثنا هشيم، عن يعلى بن عطاءٍ، عن عمرو بن عاصمٍ، عن أبى هريرة، أن أبا بكرٍ، قال: يا رسول الله، علمنى كلمات أقولها إذا أصبحت، وإذا أمسيت، قال: قل: "اللَّهمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض، عَالم الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة، أَنْتَ رَبُّ كُلِّ شَىْءٍ وَمَلِيكهُ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ نَفسِى وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشرْكهِ، قُلْهَا إِذَا أَصْبَحْتَ، وَإِذَا أَمْسَيتَ، وَإِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِراشِكَ".
= 3 - شعيب بن أبى حمزة: عند البخارى [3006]، وأبى داود [1946]، والبيهقى [18415]، وجماعة.
4 -
عمرو بن الحارث: عند مسلم [1347]، وابن خزيمة [2702].
5 -
عقيل بن خالد: عند البخارى [4378]، وغيره.
6 -
صالح بن كيسان: عند البخارى [4380]، والنسائى [2957].
وله طريق آخر عن أبى هريرة، وفى الباب عن علي أيضًا.
77 -
صحيح: أخرجه أبو داود [5067]، والحاكم [1/ 694]، والنسائى في "الكبرى"[7691]، "اليوم والليلة"[567]، وابن منده في التوحيد [1/ 484].
وأبو الفضل الزهرى في حديثه [رقم/ 353]، وابن الشجرى في أماليه [1/ 199]، وجماعة من طرق عن هشيم عن يعلى بن عطاء عن عمرو بن عاصم عن أبى هريرة به.
قلتُ: وهذا إسناد صحيح، وهشيم قد صرح بالسماع عند جماعة. وقد توبع عليه هشيم أيضًا: تابعه شعبة: عند الترمذى [3392]، وأحمد [1/ 9]، والدارمى [2689]، والطالسى [9]، وابن أبى شيبة [26523]، والنسائى في "الكبرى"[7751].
والطبرانى في الدعاء [رقم 288]، ومن طريقه المزى في "التهذيب"[22/ 86]، والخطيب في "تاريخه"[11/ 166]، وابن حبان [962]، والبخارى في "الأدب"[1202]، والبيهقى في "الأسماء والصفات"[29]، وفى الدعوات [29]، وابن منده في "التوحيد"[1/ 263].
وأبو الفضل الزهرى في "حديثه"[353]، وابن السنى في "اليوم والليلة"[رقم 722]، والخرائطى في "المكارم"[21/ رقم 818]، وغيرهم، وللحديث طرق أخرى عن أبى بكر به.
78 -
حدّثنا أبو هشامٍ الرفاعى، حدّثنا المحاربى، حدّثنا يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبى هريرة، قال: حدثنى أبو بكرٍ، قال: فاتنى العَشاء ذاتَ ليلةٍ فأتيتُ أهلى، فقلت: هل عندكم عَشاءٌ؟ قالوا: لا والله ما عندنا عَشاءٌ، فاضطجعت على فراشى فلم يأتنى النوم من الجوع، فقلت: لو خرجتُ إلى المسجد فصليت وتعللت حتى أصبح، فخرجتُ إلى المسجد فصليتُ ما شاء الله، ثم تساندتُ إلَى ناحية المسجد كذلك، إذ طلع عليَّ عمر بن الخطاب، فقال: من هذا؟ قلت: أبو بكرٍ، فقال: ما أخرجك هذه الساعة؟ فقصصت عليه القصة، فقال: والله ما أخرجنى إلا الذي أخرجك، فجلس إلى جنبى، فبينما نحن كذلك، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكرنا، فقال: من هذا؟ فبادرنى عمر، فقال: هذا
78 - صحيح لغيره: أخرجه المروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 55]، والطبرانى في "الكبير"[19/ 567]، وابن أبى الدنيا في الجوع [14]، وابن ماجه [3181]، وغيرهم من طرق عن عبد الرحمن المحاربى عن يحيى بن عبيد الله بن موهب عن أبيه عن أبى هريرة عن أبى بكر به، مطولًا ومختصرًا.
وهذا إسناد غائر في الفساد؛ ابن موهب يحيى بن عبيد الله: قد أسقطه جمهور النقاد فسقط ولن يقوم! بل اتهمه الحاكم بالوضع، وقال في مكان آخر:"روى عن أبيه عن أبى هريرة نسخة أكثرها مناكير". وأبوه: قد جهَّله جماعة من النقاد منهم الشافعي وأحمد وابن القطان. وخالفهم ابن حبان فذكره في "الثقات"[5/ 72]، ووثقه نصًا أيضًا فقال: "ثقة؛ وإنما وقعت المناكير في حديث أبيه - يقصد بهذا الضمير ابنه يحيى - من قبل ابنه يحيى
…
".
قلتُ: قد عُرِف تساهل ابن حبان في التوثيق، لاسيما لهذه الطبقة المتقدمة، غير أنى وجدته قد ذكره أيضًا في كتابه مشاهير علماء الأمصار [ص 71/ رقم 493]، وقال: " ..... من ثقات أهل الدينة، وإنما وقعت المناكير في حديثه من قبل ابنه يحيى
…
". فالظاهر أنه قد عرفه وسَبَر حديث فرآه مستقيمًا إلا ما كان من رواية ولده عنه. وعلى كل حال: فللحديث طرق آخرى عن أبى هريرة منها:
1 -
طريق يزيد بن كيسان عن أبى حازم عن أبى هريرة بنحوه
…
أخرجه مسلم وجماعة. وسيأتى الكلام عليه عند الحديث [رقم/ 6181].
2 -
طريق شيبان بن عبد الرحمن عن عبد الملك بن عمير، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة بنحوه
…
=
أبو بكرٍ، وعمر، فقال: ما أخرجكما هذه الساعة؟ فقال عمر: خرجت فدخلت المسجد، فرأيت سواد أبى بكرٍ، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت:"مَا أخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ " فذكر الذي كان، فقلت: وأنا والله ما أخرجنى لا الذي أخرجك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وَأَنا وَالله ما أَخْرَجَنِى إِلا الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، فَانْطَلِقُوا بِنَا إِلَى الْوَاقِفِيِّ أَبِي الْهَيْثم بْنِ التَّيِّهَانِ فَلَعَلَّنَا نَجْدُ عِنْدَهُ شَيْئًا يُطْعِمُنَا" فخرجنا نمشى فانتهينا إلى الحائط في
= أخرجه الطبري في التفسير [12/ 680]، وفى تهذيب الآثار [2519]، والترمذى [2369]، والحاكم [4/ 145]، والطبرانى في "الكبير"[19/ 570]، والبيهقى في "الشعب"[4/ 4604]، والترمذى أيضًا في "الشمائل"[رقم 373]، وابن عبد البر في "التمهيد"[341/ 24]، وجماعة من طرق عن شيبان النحوى عن عبد الملك بن عمير، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة به مطولًا. وتوبع عليه شيبان: تابعه أبو حمزة السكرى عند النسائي في "الكيرى"[11697]، ولكنه عنده مختصر. والحديث: ذكره ابن كثير في "تفسيره"[8/ 475/ دار طيبة]، وساق بعض طرقه ثم قال:"وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث عبد الملك بن عمير عن أبى سلمة عن أبى هريرة بنحو من هذا السياق وهذه القصة".
قلتُ: ثم عزاه المحقق بالهامش إلى أبى داود [5128]، والترمذى [2822]، و [2369]، والنسائى في "الكبرى"[1697]، وابن ماجه [3745]. وهذا ذهول من ابن كثير لم يُنبِّه عليه المعلِّق، فليس الحديث من هذا الطريق عند الأربعة - سوى الترمذى - بهذا السياق أصلًا، ولا بنحو تلك القصة، اللَّهم إلا النسائي وحده، فعنده طرفٌ من هذا السياق. وإنما رواه أبو داود [5128]، والترمذى [28221]، - ورواه في موضع آخر مطولًا - وابن ماجه [3745]، من هذا الطريق بلفظ "المستشار مؤتمن" فقط. وهذه الجملة:"المستشار مؤتمن" قد وقعت في قصة أبى الهيثم بن التيهان من هذا الطريق أيضًا كما تراه: عند الحاكم [4/ 415]، وغيره. فلم يقع الحديث عند هؤلاء - سوى الترمذى - إلا مختصرًا جدًّا كما ترى ودون أي إشارة إلى سياق قصة ابن التيهان كما زعم الحافظ ابن كثير. وقد مضى أن النسائي قد رواه في "الكبرى"[1197]، مختصرًا أيضًا، دون جملة "المستشار مؤتمن"، لكن عنده قَدْرٌ جيد من سياق القصة.
إذا عرفت هذا: فاعلم أن هذا الطريق قد اختلف فيه اختلافٌ كثيرٌ على ألوان متضاربة جدًّا.
وقد ذكر الدارقطنى بعضها في العلل [8/ 18]، ثم قال:"ويُشْبه أن يكون الاضطراب من عبد الملك - يعنى ابن عمير - والأشبه بالصواب قول شيبان وأبى حمزَة". =
القمر، فقرعنا الباب، فقالت المرأة: من هذا؟ قال عمر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ، وعمر، ففتحت لنا، فدخلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين زوجك؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء من حَشِّ بنى حارثة، الآن يأتيكم، قال: فجاء يحمل قربةً حتى أتى بها نخلةً فعلقها على كُرنافة من كرانيفها، ثم أقبل علينا، فقال: مرحبًا وأهلًا، ما زار الناس أحد قط مثل من زارنى، ثم قطع لنا عذقًا فأتانا به، فجعلنا ننتقى منه في القمر فنأكل، ثم أخذ الشفرة فجال في الغنم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِيَّاكَ وَالحْلُوبَ، أو قال: إِياكَ وَذَوَاتِ الدَّرِّ"، فأخذ شاةً فذبحها وسلخها، وقال لامرأته فطبخت وخبزت، وجعل يقطع في القدر من اللحم، فأوقد تحتها حتى بلغ اللحم والخبز فثرد، ثم غرف عليه من المرق واللحم، ثم أتانا به فوضعه بين أيدينا، فأكلنا حتى شبعنا، ثم قام إلى القربة، وقد سفعتها الريح فبرد، فصب في الإناء، ثم ناول رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب، ثم ناول أبا بكر فشرب، ثم ناول عمر فشرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الحْمْدُ لله خَرَجْنَا لَمْ يُخْرِجْنَا إِلا الجَّوعُ، ثُمَّ رَجَعْنَا وَقَدْ أَصَبْنَا هَذَا، لَتُسْالُنَّ عَنْ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هَذَا مِنَ النَّعِيمِ"، ثم قال للواقفى:"مَا لَكَ خَادِمٌ يَسْقِيكَ مِنَ المْاءِ؟ " قال: لا يا رسول الله، قال:"إِذَا أَتَانَا سَبْىٌ فَأْتِنَا حَتَّى نَأْمُرَ لَكَ بِخَادِمٍ"، فلم يلبث إلا يسيرًا حتى أتاه سبىٌ، فأتاه الواقفى، فقال: "مَا جَاءَ
= قلتُ: يريد به الطريق الماضى. والاضطراب فيه من عبد الملك بن عمير كما قال الدارقطنى، وقد تكلموا في حفظه، حتى قال أحمد:"عبد الملك بن عمير مضطرب الحديث جدًّا مع قلة روايته".
قلتُ: وحديثه هنا شاهد صِدْقٍ على تلك المقولة. وقال أحمد أيضًا: "عبد الملك يختلف عليه الحفاظ".
قلتُ: وذلك منه لا منهم. وقد قال ابن معين عنه "مُخلِّط". ثم رأيتُ أبا سلمة قد اختلف عليه أيضًا من غير طريق عبد الملك، ولولا خوف الإطالة؛ لأقررنا عينك بتحرير هذه الاختلافات، ولكن حسبك من القِلادة ما أحاط بالجيد. والله المستعان. وللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة: منهم ابن عمر، وأبى عسيب، وابن عباس. وحديث ابن عباس: سيأتي عند المؤلف [برقم/ 250]، وسيأتى كلامنا عليه هناك، إن قدَّر الله لنا البقاء بخيرٍ حتى الوصول إليه.
بك؟ " قال: يا رسول الله موعدك الذي وعدتنى، قال: "هَذَا سَبْىٌ، فَقُمْ فَاخْتَرْ منْهُمْ"، قال: كن أنت الذي يختار لى، قال: "خُذْ هَذَا الْغُلامَ، وَأَحْسِنْ إِلَيْهِ"، قال: فأخذه فانطلق به إلى امرأته، فقالت: ما هذا؟ فقص عليها القصة، فقالت: فأى شئ قلت له؟ قال: قلت له: كن أنت الذي يختار لى، قالت: أحسنت، قد قال لك: أحسن إليه فأحسن إليه، قال: ما الإحسان إليه؟ قالت: أن تعتقه، قال: فهو حرٌ لوجه الله.
79 -
حدّثنا أمية بن بسطام، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا يونس - يعنى ابن عبيد - عن
79 - صحيح: أخرجه النسائي [4077]، وأحمد [1/ 10]، والبزار [94]، وأبو داود [5363]، والبخارى في "تاريخه"[5/ 196]، وابن أبى عاصم في "الديات"[رقم/ 251]، والمزى في التهذيب [16/ 150]، وجماعة من طريق يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مطرف عن أبى برزة به
…
قلتُ: وهذا إسناد حسن إن شاء الله، ورجاله كلهم ثقات معروفون سوى عبد الله بن مطرف، وهو ابن عبد الله بن الشخير الإمام المشهور. وعبد الله هذا: لم يرو عنه سوى ثلاثة نفر فقط، ولم أر أحدًا وثقه ممن يُعتمد قوله في ذلك.
نعم ذكره ابن حبان في الثقات على عادته المعروفة في هذه الطبقة، لكن ذكره ابن خلفون في "الثقات" وقال:"كان رجلًا صالحًا" هكذا ذكره المعلِّق على "تهذيب الكمال"[16/ 150]، نقلًا عن إكمال الحافظ مُغَلْطاى [2/ ورقة/ 327]. وقد أخرج له ابن أبى شيبة [35491]، وعبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد"[ص/ 243]، وابن عساكر في "تاريخه"[1/ 138]، وأحمد في "الأسماء والكنى"[ص 138/ رقم/ 433]، وغيرهم من طريق قتادة عنه ما يدل على أنه كان رجلًا صالحًا زاهدًا عابدًا عارفًاء وقد قال الحافظ عنه في التقريب "صدوق". فالظاهر أنه صدوق إن شاء الله بما ذكرناه.
والحديث: سنده حسن صالح وحسب، أما تصحيحه من هذا الطريق وحده فتلك مجازفة، وقد اختلف في إسناد هذا الحديث على حميد بن هلال على وجوه كثيرة يأتي بعضها الآن.
ورواه بعضهم واختلف عليه أيضًا كما سيأتي. وقد ساق النسائي في "سننه"[7/ 109، 110]، طرفًا من تلك الاختلافات ثم ختمها بهذا الطريق الماضى، ثم قال:"هذا الحديث - يعنى من هذا الطريق - أحسن الأحاديث وأجودها". =
حميد بن هلال، عن عبد الله بن مطرف، عن أبى برزة قال: بينا أبو بكر في عمله فغضب على رجل من المسلمين فاشتد غضبه عليه جدًّا فلما رأيت ذلك قلت: يا خليفة رسول الله أضرب عنقه؟ فلما ذكرت القتل أضرب عن ذاك الحديث أجمع إلى غير ذلك من النحو. فلما تفرقنا أرسل إليَّ أبو بكر بعد ذلك، فقال: يا أبا برزة ما قلت؟ قال: ونسيت الذي قلت قال: قلت: وما قلت ذكرنيه؟ قال: وما تذكر ما قلت؟ قلت: لا والله قال: أرأيت حين رأيتنى غضبت على الرجل فقلت: أضرب عنقه يا خليفة رسول الله أما تذكر ذاك؟ أو كنت فاعلًا ذلك؟ قال: نعم والله، والآن إن أمرتنى فعلت: فقال: ويحك - أو ويلك - والله ما هي لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
80 -
حدّثنا هاشم بن الحارث، حدّثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبى أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن أبى نصر، عن أبى برزة الأسلمى، قال: غضب أبو بكرٍ على رجلٍ غضبًا شديدًا لم يُر أشد غضبًّا منه يومئذ، فقال له أبو برزة: يا خليفة رسول الله، مرنى فأضرب عنقه، قال: فكأنها نارٌ طفيت، قال: وخرج أبو برزة، ثم أرسل إليه، فقال: ثكلتك أمك ما قلت؟ قال: قلت: والله لئن أمرتنى بقتله لأقتلنه، قال: ثكلتك أمك أبا برزة، إنها لم تكن لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
= قلتُ: وهذا لا يعنى تحسينه - بالمعنى الاصطلاحى - فضلًا عن تصحيحه، ومثله قال البزار في "مسنده" [1/ 115]: "
…
وأحسن إسناد في هذا: حديث يونس عن حميد بن هلال .. ". ومرادهما بذلك: أن هذا الطريق قد أقام راويه إسناده - بخلاف الطرق الأخرى - مع صحة الإسناد إليه. قال الدارقطنى في "علله" [1/ 237]: "ورواه يونس بن عبيد فجوَّد إسناده فقال: عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبى برزة به
…
".
قلتُ: ثم ذكر أن الحسين بن دينار قد تابع يونس بن عبيد عليه عن حميد بن هلال به.
80 -
صحيح: أخرجه ابن أبى عاصم في "الديات"[رقم/ 251]، من هذا الطريق بإسناده عن عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبى أنيسة عن عمرو بن مرة عن أبى نضرة [ووقع عند المؤلف "أبى نصر" وهكذا ذكره الدارقطنى في "علله" ومثله عند النسائي. وهى ثابتة ليست مصحفة كما سيأتي الكلام عليه]، عن أبى برزة به نحوه. وهكذا أخرجه النسائي [4075]، والطبرانى في "الأوسط"[2/ 1129]، من هذا الطريق به. وهذا إسناد رجاله ثقات؛ لكنه معلٌّ بالاختلاف فيه كما يأتى. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= و"أبو نصر" هكذا وقع عند المؤلف، وهى كنية حميد بن هلال العدوى. هكذا كناه بها أكثر مَنْ ترجم له من القدماء والمتأخرين، بل وما ذكره أحد بغيرها، وهكذا ذكرها المزى في آخر كتابه من الكنى والألقاب [34/ 345]، فقال:"س: أبو "نصر" عن أبى برزة الأسلمى "سر" عن أبى بكر الصديق أنه تغيظ على رجل .. الحديث .. ،، روى عنه: عمرو بن مرة "س" روى له النسائي، هو حميد بن هلال العدوى الهلالى".
قلتُ: لكن وقع عند الطبراني وابن أبى عاصم - ومعهما الدارقطنى في علله -: "أبو نضرة" وهكذا وقع في سند النسائي [4075]، فتعقب ذلك وقال:"هذا خطأ والصواب "أبو نصر" واسمه حميد بن هلال".
قلتُ: فعرفنا من هذا أن "أبو نضرة" ليست مصحَّفة أصلًا وإنما هي خطأ من بعض الرواة؟! أظنه عبيد الله بن عمرو، وهو الرقى الثقة الإمام الفقيه. وقد قال ابن سعد:"ربما أخطأ"، لكن صنيع النسائي في "سننه"[7/ 110]، يقضى بكون الواهم في هذا هو زيد بن أبى أنيسة؛ فإنه لما رواه على الوجه الماضى قال:"هذا خطأ والصواب "أبو نصر" واسمه حميد بن هلال، خالفه شعبة .. ". ثم أخرجه [برقم/ 4076]، عن شعبة عن عمرو بن مرة قال:"سمعت أبا نصر يحدث عن أبى برزة .... " ثم ذكره. فالضمير في قوله "خالفه" عائد على زيد بن أبى أنيسة؛ لكونه هو الذي يرويه عن عمرو بن مرة به
…
فافهم.
وعلى كل حال: فقد توبع زيد بن أبى أنيسة على هذا الوجه - دون قوله "أبو نضرة" - تابعه شعبة عند النسائي [40761]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 67]، وعلقه البخارى في "تاريخه"[5/ 196]، به وهذا منقطع؛ لكون حميد بن هلال لم يسمعه من أبى برزة، بل بينه وبينه واسطة كما مضى في الحديث قبله. وقد اختلف في إسناده على شعبة! فرواه عنه أبو داود الطيالسى وغندر على الوجه الماضى. واختلف في سنده على غندر، فرواه عنه ابن أبى شيبة كما مضى. وخالفه بندار ومحمد بن المثنى معًا فروياه عنه عن شعبة فقال: عن توبة العنبرى عن أبى السوار القاضى عن أبى برزة به، هكذا أخرجه ابن أبى عاصم في "الديات"[ص 37]، وتابعهما أحمد في "مسنده"[1/ 9].
وتوبع غندر عليه من هذا الوجه: تابعه الطيالسى في "مسنده"[رقم/ 4]، عن شعبة به
…
[لكن مضى أن الطيالسى قد رواه عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبى نصر عن أبى برزة به
…
أخرجه النسائي [4076]، من طريق محمد بن المثنى عنه به. =
81 -
حدّثنا عبيد الله بن عمر، حدّثنا معاذ بن معاذ، حدّثنا شعبة، عن توبة العنبرى، عن عبد الله بن قدامة، عن أبى برزة الأسلمى، قال: أغلظ رجلٌ لأبى بكرٍ، قال: فكدت أقتله، قال: فانتهرنى أبو بكرٍ، وقال: ليس لأحدٍ إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
82 -
حدّثنا زهير بن حربٍ، حدّثنا عثمان بن عمر، حدّثنا شعبة، أخبرنى توبة العَنْبرى، قال: سمعت أبا السوار عبد الله يحدث، عن أبى برزة، أن رجلًا سب أبا بكر، قال: فقلت: ألا أضرب عنقه يا خليفة رسول الله؟ قال: لا، ليست لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
83 -
حدثنا يحيى بن معينٍ، حدّثنا أبو عبيدة الحداد، عن عبد الواحد بن زيدٍ، عن
= فالظاهر أنه اختلف عليه أيضًا، اللَّهم إلا أن يكون الوهم في أحد الوجهين منه نفسه! فهو معروف بالخطأ].
قلتُ: وهذا إسناد صحيح متصل، وأبو السوار وثقه النسائي وابن حبان. وقد توبع عليه غندر وأبو داود: تابعهما عثمان بن عمر عند المؤلف [رقم 82]، كما سيأتي، والبيهقى في "سننه"[13155].
وتابعهم أيضًا: معاذ بن معاذ العنبرى - الثقة المتقن - ورواه عن شعبة فقال: عن توبة العنبرى عن عبد الله بن قدامة - وهو أبو السوار - عن أبى برزة به
…
أخرجه النسائي [4071]، والمؤلف [رقم 81]، كما سيأتي، والحاكم في المستدرك [4/ 395]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 66].
وهذا الوجه عندى: أرجح من الوجه الآخر عن شعبة، وسنده صحيح كما مضى.
ثم جاء الأعمش وروى هذا الأثر عن عمرو بن مرة، واختلف عليه في إسناده اختلاف عجيب، ذكره الدارقطنى في "العلل"[1/ 236]، وتحريره هنا يطول جدًّا.
81 -
صحيح: انظر قبله.
82 -
صحيح: انظر قبله.
83 -
قوى لغيره: أخرجه ابن عدى في "الكامل"[5/ 397]، وابن عساكر في "تاريخه"[37/ 216]، كلاهما من طريق المؤلف به، عن ابن معين عن أبى عبيدة الحداد، عن عبد الواحد بن زيد عن فرقد السبخى عن مرة الطيب عن زيد بن أرقم به. =
فرقد السَّبَخِى، عن مرة الطيب، عن زيد بن أرقم، عن أبى بكرٍ الصديق، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يدْخُل الجنَّة جَسَدٌ غُذِّىَ بِحَرامٍ".
= قلتُ: وهذا إسناد معلول كما سيأتي. لكن يقول الحافظ ابن عساكر في "تاريخه"[37/ 216]، بعد أن ساق هذا الحديث من طريق المؤلف:"زاد أبو يعلى الموصلى في هذا الإسناد: "فرقد السبخى" ولا أعرف أحدًا تابعه على ذلك
…
".
وقال أيضًا في [37/ 219]: "وإنما وهم أبو يعلى في ذكر "فرقد"، في إسناده؛ لأن فرقدًا روى عن مرة بن شراحيل الطيب الهمدانى عن أبى بكر نفسه حديثًا غير هذا .... ".
قلتُ: يريد أن أبا يعلى قد اختلط عليه إسناد هذا بذاك!
ويؤيده: أن أحمد بن الحسن الصوفى - كما قاله ابن عساكر - قد رواه عن ابن معين فقال: عن أبى عبيدة الحداد عن عبد الواحد بن زياد، عن أسلم الكوفى، عن مرة الطيب، عن زيد بن أرقم عن أبى بكر به ....
هكذا أخرجه ابن عساكر في "تاريخه"[37/ 217]، وابن حبان في "المجروحين"[2/ 155]، والذهبى في تذكرة الحفاظ [1/ 313].
وقد توبع عليه أحمد بن الحسن الصوفى: تابعه صالح جزرة - الإمام الحافظ - عند البيهقى في "الشعب"[5/ 5759]، عن ابن معين به من هذا الوجه.
وتابعه أيضًا إسحاق بن إبراهيم المروزى عند ابن عساكر في "تاريخه"[37/ 219]. وهكذا رواه جماعة عن عبد الواحد بن زيد به
…
ولم يذكروا فيه "فرقد السبخي". ومنهم:
1 -
قرة بن حبيب: عند الحاكم [4/ 141]، والطبرانى في "الأوسط"[6/ رقم 5961]، والبيهقى في "الشعب"[5/ 5760] وابن عدى في "الكامل"[5/ 297] وابن عساكر في "تاريخه"[37/ 219]، وغيرهم.
2 -
وأبو داود الطيالسى: عند عبد بن حميد في "مسنده"[رقم/ 3/ المنتخب]، والمؤلف [رقم 84] ، كما سيأتي، ومن طريقه المروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 52] وابن عساكر في "تاريخه"[37/ 218] وغيرهم.
3 -
وعمرو بن منصور البصرى: عند البيهقى في "الشعب"[5/ رقم 5759]، وأبى نعيم في "الحلية"[1/ 31]. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 4 - وإسماعيل بن سنان: عند البزار [43]، وغيرهم. كلهم رووه عن عبد الواحد بن زيد عن أسلم الكوفى عن مرة الطيب عن زيد بن أرقم عن أبى بكر به. بل وجدتُ أبا يعلى - نفسه - قد حدَّث به على هذا الوجه. رواه عنه المروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 50]، فيبدو أنه كان يحدث به على الصواب - كما عند المروزى - ثم اختلط عليه ووهم في إسناده بعد ذلك، كما شرح ذلك ابن عساكر وبين سبب هذا الوهم، كما مضى ونقلناه من "تاريخه"[37/ 219].
إذا عرفت هذا: فاعلم أن هذا الإسناد - الماضى - إسناد مظلم، وعبد الواحد بن زيد: هو ذلك العابد الزاهد الذي لم يكن يساوى في الحديث فلسًا، قال البخارى:"منكر الحديث"، وفى موضع آخر:"تركوه" وقال ابن معين: "ليس بشئ"، وقال أبو عمر ابن عبد البر:"أجمعوا على ضعفه"، راجع "اللسان"[1/ 266]. وذكره ابن حبان في "المجروحين"[2/ 155]، وقال:"كان ممن غلب عليه العبادة حتى غفل عن الإتقان فيما يروى، فكثرت المناكير في روايته؛ فبطل الاحتجاج به" كذا قال! ثم تناكد وذكره في "الثقات" وتعقبه الحافظ في "اللسان"[4/ 80]، قائلًا:"فما أجاد". ثم نقل الحافظ كلامًا عنه من "الثقات" قاله في عبد الواحد بن زيد هذا، ومنه قوله:"روى عنه أهل البصرة؛ يعتبر بحديثه إذا كان دونه ثقة وفوقه ثقة".
فظن حسين أسد - المعلق على مسند المؤلف - أن هذه الجملة من كلام الحافظ نفسه.
فقال في تعليقه على هذا الحديث: "وقال الحافظ في لسان الميزن [4/ 81]،: "يعتبر بحديثه
…
".
قلتُ: وهذه غفلة مكشوفة، بل هو نصُّ كلام ابن حبان في الثقات [7/ 124]، ونقله عنه الحافظ في لسانه [4/ 80]. وأسلم الكوفى: شيخ مجهول، انفرد عنه عبد الواحد بالرواية، كما قاله البزار في "مسنده"[1/ 106]، ونقل عنه الحافظ العراقى في "ذيل الميزان"[ص 134]، أنه قال:"ليس بالمعروف"، ثم نقل عن ابن القطان أنه قال:"لا يُعرف بغير هذا". وتعقبه المعلق عليه "طبعة دار الفكر العربى"[ص 135]، بكون هذه الجملة الأخيرة ليست من قول ابن القطان، وإنما نقلها ابن القطان عن البزار كما في الوهم والإيهام [1/ 1 لوحة 95 - أ].
قلتُ: ولم أجدها أنا في مسنده. وهذا الكلام نقله الحافظ برمته عن شيخه العراقى في "اللسان"[1/ 388]، فجاء المعلق على هذا المسند - حسين أسد - ونقله من اللسان قائلًا:"قال الحافظ .. ". =
84 -
حدّثنا موسى بن محمد بن حيان، حدّثنا أبو داود، حدّثنا عبد الواحد بن زيدٍ، عن أسلم، عن مرة، عن زيد بن أرقم، قال: سمعت أبا بكرٍ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ جَسَدٌ غُذِّىَ بِحَرَامٍ".
85 -
حدّثنا محمد بن إسماعيل بن علىٍ الوَسَاوِسِيّ، حدّثنا زيد بن الحباب العُكْلِى،
= وهذا خلْط يقع فيه الكثيرون، وقد نبه الحافظ نفسه في مقدمة "اللسان" أن كل ما ينقله عن شيخه العراقى من كتابه "ذيل الميزان" فإنه يرمز له في أوله بحرف:"ذ" وهذا ما فعله الحافظ في صدر ترجمة أسلم الكوفى، ولله الأمر. وباقى رجاله ثقات. ومرة الطيب: هو مرة ابن شراحيل الهمدانى الثقة المعروف. ولم نتكلم على "فرقد السبخى" لكونه ليس له في هذا الحديث ناقة ولا جمل، وقد مضى بيان ذلك. وهذا الحديث: ذكره المنذرى [3/ 15]، ثم قال:"رواه أبو يعلى والبزار والطبرانى في "الأوسط" والبيهقى، وبعض أسانيدهم حسن" كذا قال، وقد تعقبه الإمام في "الصحيحة"[6/ 108]. وقد قال الهيثمى في "المجمع"[10/ 293]،:"رواه أبو يعلى والبزار والطبرانى في "الأوسط" ورجال أبى يعلى ثقات وفى بعضهم خلاف" وللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة. أقواها: ما أخرجه أحمد [3/ 399]، وجماعة، من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله .... وفيه: "يا كعب بن عجرة، لا يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت، النار أولى به يا كعب بن عجرة
…
". وإسناده قوى.
وابن سابط: قد صرَّح بالسماع من جابر في بعض الروايات؛ فأمنَّا بذلك إرساله عنه. وقد نفى ابن معين سماعه منه، لكن أثبته أبو حاتم الرازى كما في جامع التحصيل [ص 222]، وهو الصواب.
• تنبيه: قد وقع حديثنا - عند ابن عدى - في رواية له، والبيهقى والحاكم وغيرهم بلفظ:"كل لحم نبت من السحت فالنار أولى به" فانتبه يا رعاك الله.
84 -
قوى لغيره: انظر قبله.
85 -
منكر: أخرجه البزار [933]، والديلمى في المسند، والمؤلف في "معجمه"[رقم 9]، وابن الأعرابى في "معجمه"[رقم 1677]، ومن طريقه الخطابى في "غريب الحديث"[1/ 345]، وغيرهم، كلهم من طريق محمد بن إسماعيل الوساوسى عن زيد بن الحباب عن عبد الرحمن بن الغسيل عن شرحبيل بن سعد عن جابر بن عبد الله عن أبى بكر به. =
عن عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، عن شُرَحْبيل بن سعدٍ، عن جابر بن عبد الله، عن أبى بكرٍ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعواد المنبر، يقول:"اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنَّهَا تُقِيمُ الْعَوَجَ، وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السَّوْءِ، وَتَقَعُ مِنَ الجائِعِ مَوْقِعَهَا مِنَ الشَّبْعَانِ".
86 -
حدّثنا إسحاق بن إسماعيل الطَّالْقَانى، حدّثنا يحيى بن أبى بكير، حدّثنا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيلٍ، عن معاذ بن رفاعة بن رافعٍ الأنصارى، عن أبيه رفاعةً، قال: سمعت أبا بكرٍ الصديق، يقول على المنبر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم،
= قلتُ: وهذا إسناد مُنْهدم. والوساوسى: قد قال عنه البزار: "كان يضع الحديث" فكفانا الله شر وساوسه.
وشرحبيل بن سعد: ضعيف مختلط. وقد خولف الوساوسى في إسناده: خالفه بعضهم؛ فرواه عن شرحبيل بن سعد به مرسلًا. هكذا ذكره الدارقطنى في "علله"[1/ 221]. قال البزار بعد أن رواه: "وهذا الحديث لا نعلم حدَّث به أحد عن زيد بن الحباب إلا محمد بن إسماعيل هذا، ولم يتابعه عليه أحد، ولا يروى عن أبى بكر إلا من هذا الوجه".
قلتُ: وذكره الهيثمى في "المجمع"[3/ 276]، ثم أعله بالوساوسى، وهو آفة هذا الحديث عندى؛ فإن من دونه لا يحتملونه إن شاء الله. والحديث: أخرجه العقيلى [4/ 22]، أيضًا من طريق الوساوسى به مختصرًا. ثم قال:"وهذا يروى بغير هذا الإسناد من طريق ثابت".
قلتُ: غالب الظن أنه يريد حديث عدى بن حاتم الثابت عند البخارى [1351]، ومسلم [1016]، وغيرهما،، وفيه:"اتقوا النار ولو بشق تمرة". ولفقرات الحديث شواهد عن عائشة وأبى هريرة وغيرهما، وهو منكر بهذا السياق هنا.
86 -
صحيح لغيره: أخرجه أحمد [1/ 3]، والبزار [34]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 47]، والترمذى [3558]، وابن أبى شيبة [29182]، وغيرهم، من طردق عن زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن معاذ بن رفاعة عن أبيه عن أبى بكر به نحوه.
قلتُ: هذا إسناد ضعيف. آفته عبد الله بن محمد بن عقيل هذا. وهو ضعيف قولًا واحدًا كما شرحناه في تعليقنا على "ذم الهوى/ لابن الجوزى"[1/ رقم/ 45].
لكن: للحديث طرق أخرى عن أبى بكر به، مضى بعضها [برقم 49]، و [رقم 74]، وسيأتى بعضٌ آخر [برقم 134]، و [رقم 135]. فالله المستعان.
وبكى أبو بكرٍ حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سُرِّى عنه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبكى أبو بكرٍ حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سُرِّى عنه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القيظ عام الأول، يقول:"سَلُوا الله الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، وَالْيَقِينَ فِي الآخِرَةِ وَالأُولَى".
87 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا أبو عامرٍ عبد الملك بن عمرو العَقَديّ، حدّثنا زهيرٌ، عن عبد الله بن محمد بن عقيلٍ، عن معاذ بن رفاعة بن رافعٍ الأنصاري، عن أبيه، قال: سمعت أبا بكرٍ الصديق، على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: فبكى أبو بكرٍ حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سُرِّىَ عنه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول في مثل هذا القيظ عام الأول:"سَلُوا الله الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ، وَالْيَقِينَ فِي الآخِرَةِ وَالأُولَى".
88 -
حدّثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدّثنا زيد بن الحباب، عن موسى بن عبيدة، حدثنى هود بن عطاء، عن أنس بن مالك، قال: قال أبو بكر: "نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ضَرْبِ المُصَلِّين".
87 - صحيح لغيره: انظر قبله.
88 -
منكر: أخرجه البزار [رقم/ 29]، والآجرى في "الشريعة"[ص 13]، وابن أبى شيبة في "مسنده" كما في "المطالب العالية"[1/ رقم 374]، والدارقطنى في "سننه"[54/ 2]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 75]، وابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة"[1/ رقم 330]، و [2/ رقم 970]، وابن الجوزى في "العلل المتناهية"[2/ 812]، وابن عساكر في "تاريخه" كما في "مختصره" لابن منظور [1/ 3665] والرافعى في "تاريخ قزوين"[1/ 430]، وجماعة، من طرق عن موسى بن عبيدة، عن هود بن عطاء عن أنس بن مالك به.
قلتُ: وهذا إسناد واهٍ. وموسى بن عبيدة: شيخ ضعيف صاحب مناكير.
وشيخه هود: روى عنه جماعة بعضهم ثقات، لكن لم يوثقه أحد أصلًا! بل ذكره ابن حبان في "المجروحين"[3/ 96]، وقال: "كان قليل الحديث منكر الرواية على قلته يروى عن أنس ما لا يشبه حديثه، والقلب من مثله إذا أكثر المناكير عن المشاهير أن لا يحتج فيما انفرد
…
". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلتُ: لكنه توبع بمثله عن أنس بن مالك: تابعه:
1 -
عون بن أبى شداد ويزيد الرقاشى، كلاهما عن أنس به في قصة طويلة
…
وفيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "
…
وقد نهانى الله أن أضرب المصلين": أخرجه ابن عمشليق في جزئه المشهور [رقم/ 27]، من طريق أبى الحسين القزاز عن أحمد بن سليمان عن أيوب بن نصر بن موسى عن علي بن حفص عن الهيثم بن جماز عن عون بن أبى شداد ويزيد الرقاشى كلاهما به
…
قلتُ: وهذه متابعة منحدرة، وابن جماز تركه أحمد والنسائى وجماعة! بل ذكره ابن البرقى في "الكذابين". راجع لسان "الميزان"[1/ 204]، ومن دونه في بعضهم جهالة أيضًا.
2 -
وابن شهاب الزهرى عن أنس بن مالك به مرفوعًا بلفظ: "إنى نُهيت عن ضرب المصلين": أخرجه السهمى في "تاريخه"[ص/ 279]، من طريق ابن عدى عن الفضل بن عبد الله بن سليمان عن أبى نعيم الحلبى عن عبيد الله بن عمرو الرقى عن معمر عن الزهرى به ....
قلتُ: وهذا إسناد معلَّل، وشيخ ابن عدى لم أعرفه الآن. وأبو نعيم: هو عبيد بن هشام القلانسى، صدوق في الأصل، وقد ضعفه بعضهم، قال أبو داود:"ثقة، إلا أنه تغيَّر في آخر أمره؛ لُقِّن أحاديث ليس لها أصل".
قلتُ: وأجارك الله من تخاليط المتلقِّنين وباقى رجاله ثقات، وللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة: منهم:
1 -
أبو أمامة: عند أحمد [5/ 250]، والخارى في "الأدب المفرد"[رقم 163]، والطبرانى في "الكبير"[8/ رقم 8057]، والبيهقى في "الشعب"[3/ رقم 2799]، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة [2/ رقم 971]، وابن عدى في "الكامل"[21/ 455]، بلفظ:"إنى نهيتُ عن ضرب أهل الصلاة". ومداره على أبى غالب البصرى صاحب أبى أمامة، وهو مختلف فيه، والتحقيق: كونه ضعيفًا لا يحتج به على الانفراد.
2 -
والنعمان بن بشير: عند الخطيب في "تاريخه"[13/ 284]، وسنده تالف.
3 -
وأم سلمة: وسيأتى حديثها عند المؤلف [برقم 6942]، وسنده ساقط أيضًا، وقد اختلف فيه أيضًا، كما سيأتي شرحه. وفى الباب بلفظ:"إنى نهيت عن المصلين" هكذا مجملًا رُوى عن جماعة من الصحابة بأسانيد غير محفوظة. والثابت في هذا الباب: إنما هو بلفظ: "إنى نهيتُ عن قتل المصلين" وسيأتى [برقم 6126].
89 -
حدّثنا عمرو بن الضحاك، حدّثنا أبى، عن موسى بن عبيدة، عن هود بن عطاءٍ، عن أنسٍ، عن أبى بكرٍ، قال:"نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن ضَرْبِ المصَلِّين".
90 -
حدّثنا محمد بن الفرج، حدّثنا محمد بن الزِّبْرِقان، حدّثنا موسى بن عبيدة، أخبرنى هود بن عطاء، عن أنس بن مالك، قال: كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ يعجبنا تعبده واتجهاده، فذكرناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه فلم يعرفه، ووصفناه بصفته فلم يعرفه، فبينما نحن نذكره إذ طلع الرجل، قلنا: ها هو ذا، قال:"إِنَّكُمْ لَتُخْبِرُونِى عَن رَجُلٍ، إِنَّ عَلَى وَجْههِ سُفْعَةً مِنَ الشَّيْطَانِ"، فأقبل حتى وقف عليهم ولم يسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أَنشَدْتُكَ بالله، هَلْ قُلْتَ حِينَ وَقَفْتَ عَلَى المْجْلِسِ: مَا فِي الْقَوْمِ أَحَدٌ أفْضَل مِنِّى أَوْ أَخيَر مِنِّى؟ " قال: اللَّهم نعم، ثم دخل يصلى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يقتل الرجل؟ فقال أبو بكرٍ: أنا، فدخل عليه فوجده قائمًا يصلى، فقال: سبحان الله أقتل رجلًا
89 - منكر: انظر قبله. وهكذا وقع مطولًا عند الدارقطنى [2/ 54]، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة [1/ رقم 330]، وابن الجوزى في العلل [2/ 812]، وغيرهم، من هذا الطريق كما مضى قبله. ووجدت له شاهدًا بهذا اللفظ:"نهيت عن ضرب المصلين" عند أبى نعيم في "تاريخ أصبهان"[1/ 316]، من حديث أبى سعيد الخدرى. وسنده يُصيب بالغثيان!
وله شاهد ثان: عن أبى الهيثم بن التيهان عند ابن قانع في معجم الصحابة [رقم/ 1556]، وسنده غير محفوظ، وقد مضى أصله في الحديث [رقم/ 78]. والله المستعان.
90 -
منكر: هو بهذا السياق منكر. وقد مضى قبله الكلام على رجاله، لكن لجملة النهى عن قتل المصلين: شواهد عن جماعة من الصحابة بهذا اللفظ، ولا يصح منها شئ بعد التتبع، بل أكثرها منكرة الأسانيد. لكن: في الباب بمعناه عن أبى هريرة عند مسلم وجماعة.
وعن عبد الله بن عدى الأنصارى: عند جماعة، وهو معلول بالإرسال. وأقوى ما في الباب: حديث "أمرتُ أن أقاتل الناس
…
" وقد مضى [برقم 68].
وحديث أنس: أخرجه البزار [رقم/ 93]، مختصرًا جدًّا من هذا الطريق.
• تنبيه: وقع في روايات هذا الحديث "ضرب المصلين" و"قتل المصلين".
أما الأولى: فلا تثبت كما مضى شرحه.
وأما الثانية: فهى صحيحة بشواهدها. فانتبه.
يصلى، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل المُصَلِّين! فخرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعلت؟ قال: كرهت أن أقتله وهو يصلى، وقد نهيت عن قتل المصلين، قال عمر: أنا، فدخل فوجده واضعًا وجهه، فقال عمر: أبو بكرٍ أفضل منى، فخرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه؟ قال: وجدته واضعًا وجهه، فكرهت أن أقتله، فقال: من يقتل الرجل؟ فقال عليٌّ أنا، قال: أنت إن أدركته، قال: فدخل عليٌّ فوجده قد خرج، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مه؟ قال: وجدته قد خرج، قال:"لَوْ قُتِلَ مَا اخْتَلَفَ فِي أُمَتِى رَجُلانِ، كَانَ أَوَّلَهُمْ وآخرَهُمْ"، قال موسى: سمعت محمد بن كعبٍ، يقول: هو الذي قتله عليٌّ ذا الثُدَيَّةِ.
91 -
حدّثنا عبد العزيز بن أبى سلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، حدثنى إبراهيم بن سعد، عن الزهرى عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت حدثه قال: أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتانى فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإنى أخشى أن يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإنى أرى أن تأمر فيجمع. قال: قلت: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: فقال عمر: هو والله خير فلم يزل يراجعنى في ذلك إلى أن شرح الله لذلك صدرى، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد بن ثابت: قال أبو بكر: إنك فتى شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحى للنبى صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه. قال زيد: والله لو كلفنى نقل جبل من الجبال ما كان أثقل على من الذي أمرنى به من جمع القرآن. قال: قلت: كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير فلم يزل يراجعنى حتى شرح الله صدرى للذى شرح له صدر أبى بكر وعمر ورأيت في ذلك الذي رأيا، فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع واللخاف والعسب وصدور الرجال، حتى فقدت آخر سورة التوبة فوجدتها مع خزيمة بن ثابت الأنصارى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ
91 - صحيح: مضى تخريجه في الحديث [63، 64، 65].
رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، إلى خاتمة براءة"، وكانت الصحف عند أبى بكر حياته حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة.
92 -
حدّثنا عبد العزيز بن أبى سلمة العمرى، حدّثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهرى عن أنس بن مالك: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان فكان يغازى أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلى إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر عثمان زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ينسخونها في المصاحف، وقال للرهط القرشيين الثلاثة: إذا أنتم اختلفتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخت الصحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه مما فيه القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يمحا أو يحرق، قال إبراهيم: قال الزهرى: فأخبرنى خارجة بن زيد بن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت يقول: فَقَدْتُ آية من سورة الأحزاب حين نسخت المصاحف، وقد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فالتمستها فوجدتها عند خزيمة ابن ثابت الأنصارى:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]، فألحقتها في سورتها في المصحف.
93 -
حدّثنا محمد بن أبى بكرٍ المقدمى، حدّثنا عبد الصمد، حدّثنا صدقة بن موسى،
92 - صحيح: أخرجه البخارى [4702]، والترمذى [3104]، والنسائى في "الكبرى"[7988]، والطبرانى في "مسند الشاميين"[4/ رقم 2991]، وجماعة. وابن حبان [4506]، والبيهقى في "سننه"[2203]، وفى "الشعب"[1/ رقم 171]، وغيرهم، كلهم رووه من طرق عن إبراهيم بن سعد الزهرى عن الزهرى عن أنس بن مالك به نحوه. وانظر الذي قبله.
93 -
منكر: أخرجه أحمد [1/ 4]، ومن طريقه البيهقى في "الشعب"[7/ رقم 10862]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 98]. =
حدّثنا فرقدٌ، عن مرة، عن أبى بكرٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يدْخُلُ الْجنَّةَ خَبٌّ، ولا سَيِّئُ المْلَكَةِ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الجَنَّةِ الممْلُوكُ وَالممْلُوكَةُ إِذَا أَحْسَنَا عِبَادَةَ رَبِّهِمَا وَنَصَحَا لِسَيِّدِهِمَا".
= وابن الجوزى في "العلل المتناهية"[2/ 750]، وغيرهم من طريق صدقة بن موسى عن فرقد السبخى عن مرة الطيب عن أبى بكر الصديق به قربيًا من لفظ المؤلف.
وهو من هذا الطريق: عند الترمذى [1963]، والطيالسى [رقم/ 8]، وأحمد [1/ 7]، والبيهقى في "الشعب"[6/ رقم / 8611]، وأبى نعيم في "الحلية"[4/ 163]، وابن أبى عاصم في "الأوائل"[رقم/ 88]، وابن الحطاب في "مشيخته"[رقم/ 95]، وأحمد بن منيع في "مسنده" كما في "المطالب العالية"[رقم/ 2884]، والخرائطى في مساوئ الأخلاق [رقم/ 347]، وأبى نعيم أيضًا في "صفة الجنة"[رقم/ 76]، وجماعة، ولكن باختصار نحوه. قال الترمذى: هذا حديث حسن غريب.
قلتُ: وهذا إسناده منكر هابط. وصدقة بن موسى: تكلموا فيه فأكثروا، لكنه توبع عليه:
1 -
تابعه همام بن يحيى: عند أحمد [1/ 7]، والطيالسى [8]، والبيهقى في "الشعب"[6/ رقم 8611]، وابن الحطاب في مشيخته [رقم 95]، والترمذى [رقم/ 1946]، وأبى نعيم في "صفة الجنة"[رقم 76]، - ووقع عندهم مقرونًا مع صدقة بن موسى - وأحمد أيضًا [1/ 7]، والمؤلف [برقم/ 95]، والبيهقى في الشعب أيضًا [6/ رقم/ 8579]، كلهم من طرق عن همام بن يحيى عن فرقد السبخى به نحوه. وهو عند أكثرهم باختصار ببعض فقراته.
2 -
ومغيرة بن مسلم: عند ابن ماجه [3691]، وأحمد [1/ 12]، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية"[4/ 164]، وابن أبى عاصم في "الزهد"[رقم 272]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 97]، والخرائطى في "مكارم الأخلاق"[رقم 618]، وغيرهم، من طرق عن المغيرة بن مسلم عن فرقد بإسناده به نحوه بأطول من لفظه هنا
…
3 -
وعثمان بن مقسم: عند البيهقى في "الشعب"[6/ رقم 8577].
4 -
وعنبسة بن سعيد: عند أبى نعيم في "الحلية"[3/ 49]، و [4/ 164]، وابن عبد البر في التمهيد [20/ 162]، والاستذكار [7/ 191]، وغيرهم. كلهم رووه عن فرقد السبخى عن مرة الطيب عن أبى بكر به
…
تارة مثل لفظ المؤلف هنا
…
وتارة بأطول منه
…
وتارة مختصرًا بجملة أو جملتين
…
وتارة بنحوه مع زيادة فيه. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقد جاء الإمام الحافظ معمر بن راشد البصرى وخالف هؤلاء جميعًا فرواه عن فرقد فقال: عن مرة الطيب به مرسلًا مختصرًا. هكذا أخرجه في جامعه [رقم 1606]، وعنه عبد الرزاق [20993] لكن تكلموا في رواية معمر عن العراقيين عمومًا، وفيما حدَّث به في البصرة خصوصًا. وفرقد السبخى بصرى معروف غير أن الظاهر عندى: أن هذا الاختلاف هو من فرقد السبخى نفسه، فهو زاهد عابد كثير الخطأ والوهم! ولم تكن الرواية صنعته أصلًا؛ فكثرت المناكير في حديثه. قال أحمد:"يروى عن مُرة منكرات"، فالاضطراب في رفعه وإرساله من سوء حفظه.
• وقد رواه عنه أيضًا على الوجه الوصول:
1 -
أبو سلمة الكندى: عند الترمذى في "سننه"[1941]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 10].
2 -
وعثمان بن واقد: عند ابن أبى حاتم في "علله"[2/ 287]، لكن جزم أبو حاتم بكونه خطأ من بعضهم، وأن صوابه "عثمان بن مقسم" وقد مضى طريقه قريبًا. وبفرقد السبخى: أعله الترمذى فقال: "هذا حديث غريب، وقد تكلم أيوب السختيانى وغير واحد في فرقد السبخى من قبل حفظه".
لكن فرقدًا السبخى لم ينفرد به، بل تابعه عليه: عامر الشعبى: عند البيهقى في "الشعب"[6/ رقم 8080]، والخطيب في "تاريخه"[1/ 403]، وأبى نعيم في "الحلية"[4/ 164]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 99]، وغيرهم من طريق أبى بكر بن أبى شيبة، وأبى تميلة، وعباس الدورى كلهم عن علي بن الحسن بن شقيق عن أبى حمزة السكرى عن جابر الجعفى، عن الشعبى عن مرة الطيب، عن أبى بكر به مختصرًا مع زيادة فيه.
قلتُ: وقد خولف ابن أبى شيبة وأبو تميلة والدورى في إسناده: خالفهم محمد بن عبد الله المخرمى - يظهر لى أنه ابن المبارك الثقة الحافظ فإنه من هذه الطبقة - فرواه عن أبى حمزة السكرى فقال: عن جابر عن الشعبى عن مسروق عن أبى بكر به
…
فأسقط منه "مرة الطيب"، وأبد له "مسروقًا"!
هكذا أخرجه الإسماعيلى في "معجمه"[2/ رقم 583]، ومن طريقه الخطيب في "تاريخه"[1/ 403]، والبيهقى في "الشعب"[6/ رقم 8581]، وهذا التلوّن فيه: =
94 -
حدّثنا زهير بن حربٍ، حدّثنا إسحاق بن سليمان الرازى، عن مغيرة بن مسلمٍ أبى سلمة، عن فرقدٍ السَّبَخِى، عن مرة الطيب، عن أبى بكر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَدْخُلُ الجْنَّةَ سَيِّئُ المْلَكَة"، قال: فقال رجلٌ: يا رسول الله، أليس أخبرتنا أن هذه الأمة أكثر الأم مملوكين وأيتامًا؟ قال:"فَأَكْرِمُوهُمْ كَرَامَةَ أَوْلادِكُمْ، وَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَاكْسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ"، قال: فما تنفعنا الدنيا يا رسول الله؟ قال: "فَرَسٌ تَرْتَبِطُهُ فِي سَبِيلِ الله، وَمَمْلُوكٌ يَكْفِيكَ، فَإِذَا صَلَّى فَهُوَ أَخُوكَ فَإِذَا صَلَّى فَهُوَ أَخُوكَ".
95 -
حدّثنا عمرو بن محمدٍ الناقد، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا همام بن يحيى، عن فرقدٍ السَّبْخِى، عن مُرَّة الطيب، عن أبى بكرٍ الصديق، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ خَبٌّ، وَلا بِخَيْلٌ، وَلا مَنَّانٌ، وَلا سَيِّئُ المْلَكَةِ، وَإِنَّ أَوَّلَ هَنْ يَدْخُلُ الجْنَّةَ المْمْلُوكُ إِذَا أَطَاعَ الله وَأَطَاعَ سَيِّدَهُ".
= هو من قِبَل جابر الجعفى عندى، وهو ليس بثقة ولا مأمون، ولا نجرأ على تخطئة ابن أبى شيبة وأبى تميلة والدورى أو محمد بن عبد الله المخرمى الحافظ في سند يكون فيه هذا الجعفى الهالك. ولا كرامة له عندنا، وقد أسقطه النقاد فسقط على أم رأسه. أما شعبة: فهو يوثقه ويقويه، لكن ما التفت لقوله جهابذة النقاد أصلًا. وقد جزم الخطيب في "تاريخه"[1/ 403]، بأن ذكر مسروق في سنده لا وجه له.
وقد توبع عليه أبو حمزة السكرى على هذا الوجه: تابعه شيبان النحوى كما يأتى عند المؤلف [برقم/ 96]، وسنتكلم عليه هناك إن شاء الله.
• وبالجملة: فمتابعة الشعبى لا تثبت، والآفة فيها من جابر الجعفى، ذلك الرافضى الخبيث.
ثم وجدتُ للحديث علة أخرى وهى أن مرة الطيب - الثقة المعروف - لم يدرك أبا بكر، هكذا قال البزار في "مسنده"[1/ 106]، ونقله عنه الحافظ في "التهذيب"[10/ 89]، ثم نقل عن أبى حاتم مثل ذلك. ثم قال:"وقال هو - يعنى أبا حاتم - وأبو زرعة: روايته عن عمر مرسلة" فاستظهر الحافظ العلائى في جامع التحصيل [ص 276]، أن روايته عن أبى بكر مرسلة أيضًا، وهذا هو الظاهر.
94 و 95 - منكر: انظر قبله. وهذا لفظ أحمد [1/ 12]، وأبى نعيم في "الحلية"[4/ 164].
ولِجُملَة: "فأكرموهم - إلى قوله -
…
مما تلبسون" شواهد.
96 -
حدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن شيبان، [عن جابر]، عن عامرٍ، عن مُرَّة، عن أبى بكرٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يَدْخلُ الجْنَّةَ سَيِّئُ مَلَكَتُهُ، مَلْعُونٌ مَنْ ضارَّ مُسْلِمًا أَوْ غَرَّهُ".
97 -
حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، حدّثنا جريرٌ، وأبو معاوية، عن الأعمش، عن
96 - منكر: أخرجه الطبرانى في "الأوسط"[9/ رقم/ 9312]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم/ 102]، من طريقين عن شيبان عن جابر الجعفى عن عامر الشعبى عن مرة الطيب عن أبى بكر به نحوه. وانظر ما مضى.
• تنبيه مهم جدًّا: وقع إسناد هذا الحديث في "الطبعة العلمية" وطبعة "حسين سليم أسد" هكذا: "حدثنا أبو كريب حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان عن عامر عن مرة عن أبى بكر به
…
" هكذا دون ذكر "جابر" بين شيبان وعامر. ثم قال حسين أسد في تخريجه: "إسناده حسن" كذا يقول، وهذا خطأ مزودج:
الأول: أن صواب الإسناد هكذا: "عن شيبان عن جابر عن عامر
…
" وجابر قد سقط من الناسخ أو غيره دون تردد. ولا يُقال: هذا من قبيل الاختلاف في سنده على شيبان، ولعل الوهم في إسقاط "جابر" إنما هو من معاوية بن هشام فهو يُخطئ ويهم، كما قاله جماعة من النتماد. وقد خالفه آدم بن أبى إياس - الثقة المأمون - عند الطبراني، فرواه عن شيبان بإثبات جابر بينه وبين الشعبى! فالقول قوله.
قلتُ: وكل هذا لغْوٌ لا معنى له هنا أصلًا، وقد قطع الحافظ أحمد بن على القرشى الإماءُ قولَ كل خطيب، ورواه في "مسند أبى بكر"[رقم/ 102]، من طريق المؤلف هنا فقال: "حدثنا أحمد بن على - وهو أبو يعلى - حدثنا أبو كريب قال حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان عن جابر عن عامر عن مرة عن أبى بكر به
…
" فَلْتخرس الألْسُن!
والثانى: أنه لا يمكن تحسين هذا الإسناد أصلًا - بغض الطرف عن سقوط جابر منه مع وضوحه؛ فإن شيبان لا يروى عن الشعبى إلا بواسطة فراس الهمدانى وعاصم المقرئ ومنصور بن المعتمر وغيرهم - وقد مضى ما في رواية مرة الطيب عن أبى بكر، والله المستعان.
97 -
صحيح: مضى الكلام عليه مفصلًا عند الحديث [رقم/ 47]، وذكرنا هناك الاختلاف في سنده على الأعمش.
أبى صالحٍ، قال: قال أبو بكرٍ الصديق: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل مقامى، ثم بكى، فقال:"سَلُوا الله الْعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحَدًا لمْ يُعْطَ شَيْئًا خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ لَيْسَ الْيَقِينَ"، وقال أبو معاوية:"إلا اليقين".
98 -
حدّثنا محمد بن أبى بكرٍ المُقَدَّمِى، حدّثنا يحيى، وعثمان بن علي، عن إسماعيل بن أبى خالدٍ، عن أبى بكر بن أبى زهيرٍ، عن أبى بكرٍ الصديق، قال: قلت: يا
98 - صعيف: أخرجه الطبرى في "تفسيره"[9/ 242]، وأحمد [11/ 1]، وابن حبان [رقم / 2910]، والحاكم [78/ 3]، والبيهقى في "سننه"[رقم/ 6328]، وفى "الشعب"[7/ رقم / 9805]، والحارث [2/ رقم/ 807/ زوائد الهيثمى]، وابن أبى الدنيا في "الهم والحزن"[رقم 86]، وهناد في "الزهد"[1/ رقم 429]، والبيهقي أيضًا في "الآداب"[رقم/ 731]، وسعيد بن منصور "تفسيره"[2/ رقم/ 660]، والدولابى في "الكنى"[1/ رقم/ 49]، وابن السنى في "اليوم والليلة"[رقم/ 391]، والحافظ في "الأمالى المطلقة"[ص/ 79]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم/ 106]، وغيرهم، من طرق عن إسماعيل بن أبى خالد عن أبى بكر بن أبى زهير عن أبى بكر به نحوه.
قلتُ: وهذا إسناد ضعيف منقطع، وابن أبى زهير هذا: شيخ مجهول الحال لم يوثقه سوى ابن حبان وحده، وأنت تعرف قيمة توثيقه لهذه الطبقة، ثم هو لم يسمع من أبى بكر كما جزم به أبو زرعة الرازى، كما في "جامع التحصيل"[ص 306]، ونقله عنه الحافظ في "الأمالى"[ص/ 78]، وكذا جزم به المزى في "التهذيب"[33/ 90]. بل القول بكونه لم يدركه قول ظاهر أيضًا، وبالانقطاع: أعله الإمام أحمد شاكر في تخريج المسند [رقم/ 68]، وراجع الجرح والتعديل [9/ 338].
وقد اختلف في سنده على ابن أبى خالد على وجوه غريبة، فرواه عنه جماعة كثيرة على هذا الوجه: ذكر منهم الدارقطنى في "علله"[1/ 284]: "الثورى ويحيى القطان ومروان بن معاوية وعبد الله بن نمير ووكيع ويعلى بن عبيد وابن فضيل
…
".
قلتُ: وكذا أبو مالك الجنبى وهشيم وحكام بن سلم وخالد بن عبد الله الواسطى وعثمان بن على ومعتمر بن سليمان وعبدة بن سليمان وخلف بن خليفة وأبو معاوية الضرير ويحيى العطار ويزيد بن هارون وجماعة أخرى، كلهم رووه عن إسماعيل بن أبى خالد عن ابن أبى زهير عن أبى بكر - وعند بعضهم: أن أبا بكر - الصديق به
…
=
رسول الله، كيف الصلاح بعد هذه الآية؟ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، إنا لمجازون بكل ما يكون منا؟ قال:"رَحِمَكَ اللهُ أبَا بُكْرٍ، أَلَسْتَ تَحْزُن؟ أَلَسْتُ تَنصَبُ؟ أَلَسْتَ تُصِيبُكَ الَّلأْواءُ؟ قلت: بلى، قال: فَهَذَا مَا تُجَازَوْنَ بِهِ".
= قلتُ: وتابعهم سفيان بن عيينة، لكن اختلف عليه فيه، فرواه عنه إسحاق بن إسماعيل الطالقانى فقال: عن سفيان عن ابن أبى خالد عن أبى بكر بن أبى زهير قال: أراه عن أبى هريرة
…
ذكره الدارقطنى في "علله"[1/ 285]، وقال:"ووهم فيه".
قلتُ: وهو الصواب، فقد رواه أحمد بن حنبل وإسحاق بن البهلول - كما ذكره الدارقطنى - ويونس بن عبد الأعلى ومحمد بن كثير ومحمد بن منصور، وغيرهم عن سفيان بالوجه الأول. وانفرد سعيد بن منصور، فرواه عن سفيان فقال: عن إسماعيل عن أبى بكر بن عمارة بن رويبة الثقافى عن أبى بكر به. أخرجه سعيد في "تفسيره"[2/ رقم/ 659]. قال الدارقطنى: "ووهم فيه أيضًا".
قلت: يعنى في ذكْرِه: "ابن عمارة بن رويبة" وإنما هو "ابن أبى زهير" كما مضى.
ثم أتى عثام بن على وخالف الجميع، ورواه عن إسماعيل فقال: عن قيس بن أبى حازم عن أبى بكر به
…
! هكذا ذكره الدارقطنى في "علله"[1/ 285] ثم قال: "وهذا وهم قبيح".
قلت: وقال الحافظ في الأمالى [ص 79]، بعد أن ذكر هذا الطريق: "فلو كان محفوظًا لكان إسنادًا صحيحًا، لكن قال الدارقطنى: إنه وهم
…
".
قلت: ويجئ على بن عاصم الواسطى ويرويه عن إسماعيل؛ فيأتى بالتى تملأ الفم، فيقول: عن إسماعيل عن عكرمة عن ابن عباس عن أبى بكر به نحوه
…
هكذا أخرجه ابن عدى في "الكامل"[5/ 192]. وهذا إسناد عجيب. وبهذا وأمثاله من الأوهام التى لا تُطاق سقط على ابن عاصم - مع طول لسانه - من مرتبة الاحتجاج به في دين الله. ومما يدل على كونه كان لا يدرى ما يُحدِّث به الناس أنه عاد مرة أخرى ورواه عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن أبى بكر به. خرجه ابن عدى في "الكامل"[5/ 192]. وهذا تخليط شديد.
وها برحنا من أوابد على بن عاصم حتى خرج علينا أبو بشر المصعبى الحافظ ذلك الكذاب الوقح، فيقول بكل جُرأة - حدثنا أبى وعمى قالا: ثنا أبى - هكذا! - ثنا يحيى بن عثمان بن أبى رواد - كذا وصوابه عن يحيى بن عثمان وهو القرشى عن ابن أبى رواد وهو عبد المجيد - عن داود الطائى - وهو ابن نصير - عن إسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم عن جرير بن =
99 -
حدّثنا القواريرى، حدّثنا يحيى بن سعيد، ووكيعٌ، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن أبى بكر بن أبى زهير - عن أبى بكرٍ الصديق، وقال يحيى: عن أبى بكر بن أبى زهيرٍ - أن أبا بكر الصديق قال: قلت: يا رسول الله، كيف الصلاح بعد هذه الآية؟ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، فقال:"رَحِمَكَ الله أَبَا بَكرٍ، أَلَسْتَ تَنْصبُ؟ أَلسْتَ تُصِيبُكَ اللأْوَاءُ؟ فَذَاكَ مَا تُجَازَونَ بِهِ".
= عبد الله مرفوعًا بلفظ: "من يعمل في الدنيا ينفعه في الآخرة" هكذا أخرجه ابن حبان في "المجروحين"[1/ 157].
قلتُ: وهذا إسناد مركب وكذب مكشوف جدًّا، وتراه يقتضب متنه حتى يسبك تدْجيله على البسطاء!
ولا يدرى هذا المصعبى المسكين - أنه يوم وضع مثل هذا الكذب المكَّعب، إنما سجَّل بيديه ما يفتضح به أمام الله والنقاد! راجع "اللسان"[1/ 290]، وغيره.
• وبالجملة: فالمحفوظ هو الطريق الأول عن إسماعيل بن أبى خالد عن أبى بكر بن أبى زهير عن أبى بكر به. وهذا هو الذي صوّبه الدارقطنى في "علله"[1/ 284]، وقد مضى أنه إسناد ضعيف منقطع.
وأزيد هنا بيانًا في انقطاعه فأقول: قد وقع في بعض طرقه كما عند أحمد [1/ 11]، أن ابن أبى زهير قال:"أخرتُ عن أبى بكر .. ". وفى بعضها - كما عند سعيد بن منصور وغيره - عن ابن أبى زهير أنه قال: "لما نزلت: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، قال أبو بكر .. " وهذان صريحان جدًّا على الانقطاع؛ لاسيما الأول.
وللحديث طريق مضى [برقم/ 71]. وله طرق أخرى عن أبى بكر، ولا يصح منها شئ، كما قاله الترمذى والدارقطنى. وسيأتى له طريق عن عائشة [برقم 4675]، و [4839]، فارتقبه واصطبر.
99 -
صعيف: انظر قبله.
• تنبيه مهم: وقع في هذا الإسناد اختلاف بين وكيع ويحيى بن سعيد.
أما يحيى بن سعيد فرواه عن إسماعيل عن ابن أبى زهير به
…
إلا أنه خالف وكيعًا فقال: "إن أبا بكر الصديق قال: .... " ولم يقل: "عن أبى بكر الصديق
…
".
100 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن إسماعيل بن أبى خالدٍ، قال: حدثنى أبو بكر بن أبى زهير، عن أبى بكرٍ الصديق، أنه قال: يا رسول الله، كيف الصلاح بعد هذه الآية؟ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [آل عمران: 123]، كل سوء نعمله نجزى به؟ قال:"رَحِمَكَ الله أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَمْرضُ؟ أَلَسْتَ تَنْصَبُ؟ أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللأْوَاءُ؟ فَذَاكَ ما تُجْزَونَ بِهِ".
101 -
حدّثنا محمد بن أبى بكرٍ، حدّثنا المعتمر، عن إسماعيل بن أبى خالدٍ، قال: حدثنى رجلٌ من ثقيف، يقال له: أبو بكر بن أبى زهيرٍ، عن أبى بكر الصديق، قال: قلت للنبى صلى الله عليه وسلم: كيف الصلاحُ بعد هذه الآية: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ، كل سوءٍ عملنا نجزى به؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"غفر الله لك"، أو:"رَحِمَكَ الله، أَلَسْتَ تَمْرَضُ؟ أَلَسْتَ تحْزنُ؟ أَلَسْتَ تُصيبُكَ اللأْوَاءُ؟ ".
102 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصورٍ، عن أبى وائلٍ،
= وهذا هو مراد أبى يعلى من تلك الإشارة في حكاية الإسناد.
هذا ما عنَّ لى، والله المستعان.
100 -
ضعيف: انظر ما مضى.
101 -
ضعيف: انظر قبله.
102 -
ضعيف: أخرجه المروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 12، 13]، من طريق المؤلف، وابن راهويه في "مسنده" وابن منيع في "مسنده" كما في "الطالب العالية"[رقم 2942]، وأبو نعيم في معرفة الصحابة [رقم 377]، والدارقطنى في "الأفراد" كما في "كنز العمال"[رقم/ 1409]، وجماعة، من طرق عن منصور بن المعتمر عن أبى وائل شقيق بن سلمة أن أبا بكر به.
قال الهيثمى في "المجمع"[1/ 158]: "رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح إلا أن أبا وائل لم يسمعه من أبى بكر".
قلتُ: وهذا ظاهر، ويدل عليه قوله هنا: "حُدِّثت أن أبا بكر
…
" هكذا بالبناء للمجهول، وهو واضح في الانقطاع. وقد سئل ابن معين عن هذا الحديث فقال: "مرسل" هكذا نقله عنه الحافظ العلائى في "جامع التحصيل" [ص 197]. =
قال: حُدِّثتُ، أن أبا بكرٍ لقى طلحة، فقال: مالى أراك واجمًا؟ قال: كلمةٌ سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يزعم أنها موجبةٌ، فلم أسأله عنها، فقال أبو بكرٍ: أنا أعلم ما هي، قال: ما هي؟ قال: لا إله إلا الله.
103 -
حدّثنا زهيرٌ، حدّثنا معلى بن منصورٍ، حدّثنا ابن أبى زائدة، حدّثنا ابن أبى ليلى، حدّثنا عبد الرحمن بن الأصبهانى، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، عن أبى بكرٍ الصديق، قال: نزل النبي منزلًا، فبعثتْ إليه امرأةٌ مع ابنٍ لها شاةً، فحلب ثم قال: انطلق به إلى أمك، فشربت حتى رويت، ثم جاء بشاةٍ أخرى فحلب ثم سقى أبا بكرٍ، ثم جاء بشاةٍ أخرى فحلب ثم شرب.
= والحديث: قال عنه الحافظ في المطالب [رقم 2942]: "إسناده حسن إن كان شقيق سمعه من طلحة" ثم قال: "وهو غريب من حديث أبى بكر".
قلتُ: ثم ذكر الحافظ إسناد ابن راهويه إلى أبى وائل وفيه: "حُدِّثت أن أبا بكر .... " فكأنه يُعلُّه بذلك، وهو الصواب كما مضى.
أما مطلق سماع أبى وائل من أبى بكر: ففيه اختلاف معروف.
103 -
ضعيف: أخرجه المروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 126]، من طريق المؤلف، والبيهقى في "دلائل النبوة"[2/ رقم 743]، من طريق ابن أبى زائدة - وهو يحيى - عن ابن أبى ليلى - وهو محمد الإمام - عن عبد الرحمن بن الأصبهانى عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن أبى بكر به.
قلتُ: وهذا إسناد واه وفيه علتان:
الأولى: ضعف محمد بن أبى ليلى - ولد عبد الرحمن - وهو إمام فقيه حجة فى العلم والعبادة. لكنه سيئ الحفظ كثير الوهم. وقول الحافظ عنه: "صدوق سيئ الحفظ جدًّا" شططٌ في حق الرجل.
الثانية: الانقطاع بين عبد الرحمن بن أبى ليلى وأبى بكر؛ فهو لم يسمع منه، كما قاله أبو زرعة الرازى على ما في "جامع التحصيل" [ص/ 226]. وبهاتين العلتين: أعله الحافظ الهيثمى في "المجمع"[4/ 262]، فقال:"رواه أبو يعلى وفيه محمد بن أبى ليلى، وفيه كلام، وعبد الرحمن بن أبى ليلى لم يسمع من أبى بكر، وبقية رجاله ثقات". لكن يقول حسين أسد: "إسناده ضعيف لانقطاعه؛ عبد الرحمن بن أبى ليلى لم يسمع من أبى بكر". =
104 -
حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن زيد بن يُثَيْعٍ، عن أبى بكرٍ الصديق، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ببراءة إلى أهل مكة: لا يحج بعد العام مشركٌ، ولا يطوفَنَّ بالبيت عُريان، ولا يدخل الجنة إلا نفسٌ مسلمةٌ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة فأجله إلى مدته، والله برئ من المشركين ورسوله، قال: فسار بها ثلاثًا، ثم قال لعليٍّ: الحقه، فرد على أبا بكرٍ وبلغها، قال: ففعل، قال: فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر بكى، وقال: يا رسول الله، أحدث في شئٌ؟ قال، ثم قال:"مَا حَدَثَ فيكَ إلا خَيرٌ، إِلا أَنِّى أُمرْتُ بذَلك: أَنْ لا يُبَلِّغَ إِلا أَنا أو رَجُلٌ منِّي".
= قلت: وغفل عن العلَّة الأولى: محمد بن عبد الرحمن، وللحديث: شاهد في حديث أم معبد المشهور. وقد قال الحافظ البيهقى في "الدلائل"[2/ 353]، بعد أن ذكره:"قلت: وهذه القصة وإن كانت تنقص عما روينا في قصة أم معبد، ويزيد في بعضها فهى قريبة منها؛ ويشبه أن يكونا واحدة، وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار من قصة أم معبد شيئًا يدل على أنها وهذه واحدة .. ".
104 -
ضعيف: بهذا السياق: أخرجه أحمد [1/ 3]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم/ 132]، وابن عساكر في "تاريخه"[42/ 347]، وابن زنجويه في "الأموال"[2/ رقم/ 529]، وغيرهم، من طريق إسرائيل بن يونس عن أبى إسحاق السبيعى عن زيد بن يُثَيْع عن أبى بكر الصديق - وعند ابن زنجويه: لما نزلت براءة
…
وذكره - به
…
قلتُ: وهذا إسناد معلول:
1 -
زيد بن يثيع: انفرد عنه أبو إسحاق ولم يوثقه سوى ابن حبان والعجلى، وخُطتهما في توثيق النقلة مكشوفة للحذاق من النقاد، وقد ترجمه الذهبى في "الميزان"[2/ 107]، قائلًا:"ما روى عنه سوى أبى إسحاق".
قلتُ: يشير إلى جهالته، وهكذا أشار في الكاشف بقوله "وثِّق" كذا بالبناء للمجهول، كأنه لا يعتد بهذا التوثيق، وهو الصواب عندى.
أما الحافظ فقد وثقه في التقريب، وله رأيه في ذلك.
2 -
أبو إسحاق إمام كبير، لكنه مشهور بالتدليس وقد عنعنه كما ترى، ثم هو قد اختلط أخيرًا - ونازع الذهبى في اختلاطه - وسماع إسرائيل منه إنما كان أخيرًا كما هو التحقيق، وجزم به الإمام =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= في "الإرواء"[7/ 247]، وسبقه الإمام أحمد وابن معين وغيرهما إلى هذا القول، ولا ينافيه كونه من أتقن الناس لحديث جده حتى لقبوه بـ "قائد جده". وقد اختلف في سنده على إسرائيل، فرواه عنه وكيع فقال: عن أبى إسحاق عن ابن يثيع عن أبى بكر به
…
أخرجه أحمد والمؤلف والمروزى كما مضى. وخالفه خلف بن الوليد فرواه عن إسرائيل عن أبى إسحاق عن ابن يثيع به مرسلًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه براءة مع أبى بكر.
هكذا ذكره الدارقطنى في "العلل"[1/ 274]. وتابعه عبيد الله بن موسى: عند ابن زنجويه [529]، كما مضى.
وتوبع إسرائيل عليه من هذا الوجه: تابعه أبوه يونس بن أبى إسحاق عن أبيه عن ابن يثيع به.
أخرجه أبو عبيد في "الأموال"[رقم 402].
ثم اضطرب فيه يونس - وهو يضطرب عن أبيه كما قال أحمد وغيره - فعاد ورواه عن أبيه فقال: عن ابن يثيع عن علي - رضى الله عنه - به.
هكذا أخرج النسائي في "الكبرى"[8461]، وفى الخصائص [رقم/ 76]. وعلى هذا الوجه: رواه ابن عيينة عن أبى إسحاق عن ابن يثيع عن علي به
…
ولم يسق لفظه كما هنا، وإنما قال: "سألت عليًّا بأى شئ بعثت؟! قال: بأربع
…
" وذكره.
وهذا اللفظ: وقع مختصرًا في نهاية سياق طريق يونس عن أبيه عند أبى عبيد في "الأموال"[402]، كما مضى، وطريق ابن عيينة الماضى: أخرجه الترمذى [1871]، والحاكم [3/ 54]، والمؤلف [برقم/ 452]، والبيهقى [برقم/ 18524]، والحميدى [رقم/ 148] وجماعة.
قال الدارقطنى في "علله"[1/ 274]: "وقول ابن عيينة أشبه بالصواب".
قلتُ: لكنه قد سمع من أبى إسحاق أخيرًا أيضًا، لكن تابعه أبو بكر بن عياش وأبو شيبة إبراهيم بن عثمان عن أبى إسحاق به. ذكره الدارقطنى. وهما مثل ابن عيينة وإسرائيل ويونس في أبى إسحاق، على أن حديث على قد اختلف فيه أيضًا، كما شرحه الدارقطنى في "علله"[3/ 163].
• وبالجملة: فحديث ابن يثيع عن أبى بكر هنا، الظاهر أنه غير محفوظ إن شاء الله.
وفى الباب: عن أبى هريرة، وقد مضى [برقم/ 76]، وانظر [رقم/ 452].
105 -
حدّثنا سويد بن سعيد، حدّثنا سويد بن عبد العزيز، عن نابت بن عجلان، عن سليم بن عامرٍ، قال: سمعت أبا بكرٍ، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اخْرُجْ فَنَادِ فِي النَّاسِ من شَهِدَ أنْ لا إِلَهَ إِلا الله وَجَبَت لَهُ الجنةُ"، قال: فخرجت فلقينى عمر بن الخطاب، فقال: ما لك أبا بكرٍ؟ فقلت: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج فناد في الناس من شئهد أن لا إله إلا الله وجبت له الجنة، قال عمر: ارجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنى أخاف أن يتكلوا عليها، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"مما ردك؟ "، فأخبرته بقول عمر، فقال:"صدق".
105 - صحيح لغيره: أخرجه اللالكائى في كتاب "الذكر" كما في كنز العمال [رقم/ 1407]. قال الهيثمى في "المجمع"[1/ 158]: "رواه أبو يعلى وفى إسناده: سويد بن عبد العزيز، وهو متروك". وقال الشهاب البوصيرى في "إتحاف الخيرة": "هَذَا الإِسْنَاد ضَعيفٌ، لضَعْف سُوَيْد بْنِ عَبْد الْعَزِيزِ، ضَعَّفَهُ أحْمَدُ، وَابْنُ مَعينٍ، وَابْنُ سَعْد، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيرُهُمْ".
قلتُ: وغفل الرجلين عن شيخ المؤلف: سويد بن سعيد الحدثانى الصدوق المشهور، وقد كان مستقيم الحديث أول الأمر، ثم عمى وتغير حتى صار يتلقن، فأفحش أبو زكريا الغطفانى القول فيه جدًّا، وقد أتى في هذا الإسناد - أو شيخه - بعجيبة! وهى تصريح سليم بن عامر بالسماع من أبى بكر! مع كون سليم من الطبقة الوسطى من التابعين! بل قال أبو حاتم:"لم يدرك المقداد بن الأسود ولا عمرو بن عبسة".
قلت: فأنى له إدراك أبى بكر فضلًا عن مقابلته؛ فضلًا عن السماع منه، لكن قد صح عن يزيد بن خمير أنه قال عن سليم:"كان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم"، وهذا مشكل لكن رُوى عن ابن خمير في لفظ آخر:"وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ". قال المزى: "وهو الصواب".
قلتُ: بل هو الذي لا ينبغى العدول عنه، حتى قال الحافظ في "التقريب":"غلط من قال إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ". ثم شرح ذلك شرحًا جيدًا لا غبار عليه في كتابه "الإصابة"[3/ 298]. وقد وقع لهما - يعنى سويد وشيخه - وهم آخر؛ فقال الإمام في "الصحيحة"[3/ 209]: "قلتُ: ومما يدل على خطئه - يعنى سويدًا - أو خطأ شيخه - يعنى ابن عبد العزيز - أن القصة وقعت لأبى هريرة مع عمر - رضى الله عنه - كما رواه مسلم .... ".
قلتُ: وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن كثير، فنقل عنه صاحب الكنز [عقب رقم/ 1407]، أنه قال:"الحديث غريب جدًّا من حديث أبى بكر والمحفوظ عن أبى هريرة". =
106 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا يونس بن محمدٍ، حدّثنا جرير بن حازمٍ، حدّثنا الزبير بن الخِرِّيت، عن أبى لبيدٍ، قال: خرج رجلٌ من الأسر، من طاحية، يقال له يَبْرحَ بن أسدٍ مهاجرًا إلى المدينة، وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبيل ذلك، قال: فرأى عمر بن الخطَّاب، بيرحًا يطوف في سكك المدينة فأنكره، فقال: من أنت؟ قال: أنا رجلٌ من أهل عُمان، فأخذ بيده فذهب به إلى أبى بكرٍ، فقال: يا أبا بكرٍ، هذا من الأرض التى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أهلها، من أهل عمان، فقال أبو بكرٍ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنى لأعْلَمُ أرْضًا يُنْضحُ بناحِيتها الْبَحْرُ، بها حَيٌّ مِنَ الْعَربِ، لَوْ أَتاهُمْ رَسولى، لَمْ يَرموه بِسَهْمٍ وَلا حَجَرٍ".
= قلتُ: وراجع الكلام على حديث أبى هريرة في الصحيحة [رقم 1135]، وهو يشهد لهذا الحديث.
• تنبيه: قد رأيت سويد بن سعيد قد توبع عليه، تابعه الحافظ دحيم الشامى قال: حدثنا سويد بن عبد العزيز قال: أخبرنا ثابت بن عجلان عن سليم أبى عامر قال: سمعت أبا بكر الصديق به.
أخرجه الفسوى في "المعرفة والتاريخ"[2/ 363].
106 -
ضعيف جدًّا: أخرجه أحمد [1/ 44]، والحارث [رقم 1038/ زوائد الهيثمى]، ومن طريقه أبو نعيم في "معرفة الصحابة"[رقم 1188]، وابن أبى عاصم في "الآحاد والمثانى"[4/ رقم/ 2294]، والعقيلى في "الضعفاء"[4/ 18]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 109]، وابن أبى خيثمة في "تاريخه" كما في "الإصابة"[11/ 349]، وغيرهم من طريق جرير بن حازم عن الزبير بن الخريت عن أبى لبيد به
…
قلتُ: وهذا إسناد ساقط وفيه علتان:
الأولى: أن سنده منقطع. وأبو لبيد - ذلك السافل الأثيم - لم يلق أبا بكر ولا عمر كما قاله جماعة.
وقد نقل صاحب "الكنز"[عقب رقم/ 38263]، عن ابن المدينى أنه أخرج هذا الحديث في كتابه "مسند الصديق" ثم قال: "هذا إسناد منقطع من ناحية أبى لبيد، واسمه لمازة ابن زبار الجهضمى؛ فإنه لم يلق أبا بكر ولا عمر
…
". =
107 -
حدّثنا خلف بن هشامٍ، حدّثنا أبو الأحوص، عن أبى إسحاق، عن عكرمة، قال: قال أبو بكرٍ: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما شَيَّبَكَ؟ قال:"شَيَّبَتْنِى هُودٌ، وَالْوَاقعَة؟ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كوِّرَتْ".
= قلتُ: ولفظه ظاهر في الانقطاع.
الثانية: أن أبا لبيد هذا هو لمازة بن زبار البصرى، يقول عنه أحمد:"صالح الحديث" وأثنى عليه ثناءً حسنًا كما نقله حرب الكرمانى عنه في "مسائله" ووثقه ابن سعد وابن حبان والهيثمى وابن كثير وجماعة.
والتحقيق: أنه شيخ زائغ هالك وليس علينا بعزيز، ومن أثنى عليه فلجهْله بما ينطوى عليه من فساد الاعتقاد ورداءة المذهب، وقد أخرج الحافظ الطبرى في "تاريخه"[3/ 61]، بإسناد كالشمس عن الزبير بن الخريت عن لمازة بن زبار أنه سأله فقال له: "لمَ تسبُّ عليًّا؟! قال: ألا أسب رجلًا قتل منا ألفين وخمسمائة
…
"؟!
قلست: وانظر مثل هذا في "تاريخ ابن معين"[4/ 3012/ رواية الدورى]، و"ضعفاء العقيلى"[4/ 18]، وتاريخ ابن عساكر [50/ 304].
ومثل هذا السافل لا ينبغى الرواية عنه أصلًا، ومن يطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد سقط عندنا إلى الأبد وإن وثقه أهل الأرض؟ بل القول الفصل في هؤلاء: هو ما قال إمام الجرح والتعديل أبو زكريا يحيى بن معين في تليد بن سليمان المحاربى من "تاريخه"[3/ 546/ رواية الدورى]، ومن طريقه الخطيب في "تاريخه" إذ قال: "تليد كذاب؛ كان يشتم عثمان وكل من يشتم عثمان أو طلحة أو أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دجال لا يكتب عنه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
قلت: وهذا هو عقْدنا نحن أهل الإيمان في كل من تُسوِّل له نفسه الشيطانية الطعن في أغمار الصحابة فضلًا عن مشاهيرهم، ولنا موقف مع جماعة من النقاد سلكوا دون هذا المسلك، وقد جمعنا رسالة في شرح ذلك، رددنا فيها على المُفْرِط والمفرِّط، ولم نأل جهدًا في اتباع الحق بدليله، مع اعترافنا بالعجز والتقصير.
107 -
ضعيف: أخرجه ابن سعد في "الطبقات"[1/ 436]، وسعيد بن منصور في "تفسيره"[4/ 11]، وأبو بكر بن أبى شيبة في "مسنده" كما في "المطالب العالية"[رقم/ 3727]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[31]، والدارقطنى في "العلل"[1/ 205]، وابن عساكر في "تاريخه" =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= [4/ 172]، وغيرهم، من طرق عن أبى الأحوص عن أبى إسحاق السبيعى عن عكرمة قال: قال أبو بكر:
…
وذكره.
قد اختلف في إسناد هذا الحديث اختلاف شديد جدًّا! حتى جزم جماعة بكونه حديثًا مضطربًا.
فقال الحافظ في "المطالب"[3/ 342]، بعد أن ذكر الطريق الماضى:"هذا مرسل صحيح؛ إلا أنه موصوف بالاضطراب".
قلتُ: بل جعله الحافظ السخاوى في فتح المغيث [1/ 240، مثالًا جيدًا للحديث المضطرب، وسبقه شيخه كما نقله عنه السيوطى في التدريب [1/ 266]، وتبعهما جماعة على ذلك.
وقبلهم: أعله جماعة من المتقدمين، حتى نقل الحافظ السهمى في سؤالاته [ص/ 76]، عن حافظ عصره الدارقطنى أنه قال:"شيبتنى هود والواقعة معتلة كلها".
قلتُ: وذهب آخرون إلى ترجح بعض طرقه على الأخرى، وجزموا بتصحيحه.
منهم: شيخ الإسلام ابن دقيق العيد في "الاقتراح"، وقبله الحاكم وتبعهما: الإمام في الصحيحة [3/ 129] وحسنه الحافظ السيوطى أيضًا، وضعفه آخرون حتى نُقِل عن الحافظ موسى بن هارون أنه قال:"موضوع". وتوسَّط جماعة من نقاد المحدثين. وصححوا الحديث مرسلًا، وضعفوه متصلًا، منهم: أبو حاتم الرازى كما في "العلل" لولده [2/ 124]. وهذا هو الذي أقوله لك بعد البحث المتقصى، وموازنة طرقه، واستقراء وجوهه، وأساليب الاختلاف في أسانيده.
وقد أطنب الدارقطنى جدًّا في ذكر الاختلاف في سنده بأوائل العلل له [1/ 193]، وقريبًا منه الحافظ ابن عساكر في "تاريخه" [4/ 169]. وأشار إلى بعضها: السخاوى في "المقاصد"[1/ 139]، وفى "فتح المغيث"[1/ 241]. بل ألَّف العلامة المرتضى الزبيدى رسالة مفردة لهذا الحديث سماها "بذل المجهود في تخريج حديث شيبتنى هود"، ولم يتعب فيها، وكذا تكلم عليه في شرحه على "الإحياء" ولم يشف، وقد كنا قديمًا جمعنا جزءًا فريدًا في الكلام على علله وطرقه، وكلام النقاد فيه، حتى خلصنا منه إلى أن المحفوظ فيه هو المرسل من طرق عكرمة الماضى، وهو لم يدرك أبا بكر كما قاله جماعة. وهناك مراسيل أخرى سواه.
وقد تعجبنا في الجزء المذكور: من جماعة عدوا هذا الحديث من المتواتر بعد أن ذكروا له طرقًا وشواهد غاية أمرها جبران ضعفه فقط، وأين هذا من المتواتر عند نقاد الصنعة؟! =
108 -
حدّثنا العباس بن الوليد النَّرْسى، حدّثنا أبو الأحوص، عن أبى إسحاق، عن عكرمة، قال: قال أبو بكرٍ: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما شَيَّبَكَ؟ فذكر نحوه.
109 -
حدّثنا عبد الأعلى بن حمادٍ النَّرْسى حدّثنا، قال: وسألت عنه، فقال: هذا خطأٌ، ثم حدثنى به، قال: حدّثنا حماد بن سلَمة، عن ابن أبى عتيقٍ، عن أبيه، عن أبى بكرٍ الصديق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ".
= نعم: للحديث شواهد عن جماعة من الصحابة، وكلها غير محفوظ أصلًا، اللَّهم إلا شاهدًا واحدًا فقط، وهو حديث عقبة بن عامر عند الطبراني في الكبير [71/ رقم 790]، وظاهر سنده الاستقامة، إلا أنه معلول، ولفظه مختصر أيضًا.
وهناك شواهد مرسلة: للنظر في تقوية بعضها ببعض مجال للباحث الناقد. والله المستعان.
108 -
ضعيف: انظر قبله.
109 -
صحيح لغيره: أخرجه أحمد [1/ 3]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم/ 108]، وابن عدى في "الكامل"، [2/ 261]، والسراج في جزء "البيتوتة"[رقم/ 5]، وابن شاهين في ففائل الأعمال [رقم/ 509]، وأبو عمرو السمرقندى في الفوائد المنتقاة [رقم/ 53]، والرافعى في تاريخ قزوين [1/ 307]، وتمام في فوائده [1/ رقم/ 130]، وجماعة، من طرق عن حماد بن سلمة عن ابن أبى عتيق [ووقع عند تمام:"عن ابن عون" وهو تصحيف، عن أبيه عن أبى بكر به.
قلت: وهذا إسناد معلول؛ قال الهيثمى في "المجمع"[1/ 220]: "رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات، إلا أن عبد الله بن محمد لم يسمع من أبى بكر".
وعبد الله: هو ابن محمد بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق. وابنه الذي يروى عنه حماد هنا: هو محمد بن عبد الله بن محمد. وقد اختلف في إسناده على حماد؛ فرواه عنه بعضهم فقال: عن عبيد الله بن عمر عن المقبرى عن أبى هريرة به مرفوعًا. هكذا أخرجه ابن حبان [رقم/ 1070]! وردَّه الحافظ في "التلخيص"[1/ 60]، قائلًا: "والمحفوظ عن حماد بغير هذا الإسناد من حديث أبى بكر
…
".
قلتُ: وهو الصواب. وهكذا رواه جماعة من ثقات أصحاب حماد عنه على هذا الوجه. وقد خولف فيه حماد، خالفه الدراوردى [وتأتى روايته عند المؤلف (برقم/ 4916)] وغيره، =
110 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا يونس بن محمد، حدّثنا حماد بن سلمة، عن ابن أبى عتيقٍ، عن أبى بكرٍ الصديق، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ".
111 -
حدّثنا إبراهيم بن محمد بن عَرْعَرة السامى بالبصرة، حدّثنا إبراهيم بن عبد الله أبو إسحاق الرازى، حدّثنا إسماعيل بن نوحٍ، عن أبيه، عن جده، عن أبى بكرٍ
= فرووه عن محمد بن عبد الله بن محمد بن أبى عتيق فقالوا: عن أبيه عن عائشة به. أخرجه جماعة. وهكذا: توبع محمد بن عبد الله على هذا الوجه عن أبيه، تابعه أخوه عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد. أخرجه أحمد وجماعة. وهذا الوجه: رجَّحه الدارقطنى في "علله"[1/ 277]، وقبله أبو حاتم وأبو زرعة كما ذكر الحافظ في التلخيص [1/ 60].
قلتُ: وهو المحفوظ. وقد جزم عبد الأعلى بن حماد - راويه عن حماد بن سلمة هنا - بكون ابن سلمة قد أخطأ فيه، كما وقع في إسناد المؤلف. وراجع:"فتح البارى"[4/ 159].
والحديث: صحيح ثابت، وله شواهد أيضا. راجع "الصحيحة"[رقم/ 2517]، والإوراء [1/ 105]، للإمام.
110 -
صحيح لغيره: انظر قبله.
تنبيه مهم: وقع في الطبعتين " .. حدثنا يونس بن محمد حدثنا حماد بن سلمة عن ابن أبى عتيق عن أبى بكر به
…
". هكذا دون "عن أبيه" بين ابن أبى عتيق وأبى بكر، والصواب إثباتها بلا تردد. فهكذا رواه المروزى في "مسند أبى بكر" [رقم 110]، من طريق المؤلف بإثبات: "عن أبيه". وكذا الحافظ في المطالب [رقم/ 71]، نقله بإسناد المؤلف من طريق يونس عن ابن سلمة عن ابن أبى عتيق عن أبيه عن أبى بكر به. وهكذا: أخرجه أبو عمرو السمرقندى في الفوائد المنتقاة [رقم/ 53]، من طريق يونس به. فانتبه يا رعاك الله. والله المستعان.
111 -
منكر: أخرجه ابن أبى الدنيا في "إصلاح المال"[رقم 244]، من طريق إسماعيل بن نوح عن أبيه عن جده عن أبى بكر الصديق به. وهذا إسناد هابط، وإسماعيل بن نوح: أظنه الذي قال عنه الأزدى: "متروك حديثه"، نقله عنه الذهبى في "الميزان"[1/ 252].
وقال الحافظ في "اللسان"[1/ 441]: "وله ذِكْر في ترجمة عبد الرحمن بن أيوب من "ضعفاء العقيلى" في حديث آخر قال: إن رواته مجاهيل". =
الصديق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَهْلَ الْجنَّةِ لا يَتَبَايَعُونَ، وَلَوْ تَبَايَعُوا مَا تَبَايَعُوا إِلا بِالْبَزِّ".
= قلتُ: رجعت إلى ضعفاء العقيلى [3/ 323]، فوجدته أخرج هذا الحديث بعينه من طريق إسماعيل بن نوح عن أبيه عن جده عن أبى بكر به.
ثم قال: "وليس له إسناد يصح". وقبله ذكر حديثًا آخر يشبه هذا الحديث في بعض ألفاظه، فضعفه ثم قال: "وإنما يروى هذا بإسناد مجهول
…
ثم ساق حديثنا كما مضى. وإسماعيل: قد ذكره ابن الجوزى أيضًا في الضعفاء [1/ 122]، وحكى قول الأزدى فيه. فللّه الحمد.
112 -
صحيح لغيره: دون قول أبى بكر: أخرجه أحمد [1/ 6]، والطيالسى كما في "إتحاف الخيرة"[8/ 253]، وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات"[1/ رقم/ 112]، من طرق عن المسعودى عن بكير بن الأخنس عن رجل عن أبى بكر به نحوه. قال الهيثمى في "المجمع" [10/ 758]:"رواه أحمد وأبو يعلى وفيهما المسعودى، وقد اختلط، وتابعيه لم يُسَم، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح". وبمثله أعله المناوى في "التيسير بشرح الجامع الصغير"[1/ 347] فقال: "ضعيف لاختلاط المسعودى، وعدم تسمية تابعيه".
وقال البوصيرى في "إتحاف الخيرة"[8/ 253]: "رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وأبُو يَعْلَى، بسَنَد فيهِ رَاوٍ لمْ يُسَمَّ".
قلتُ: قد قصَّر البوصيرى في الإعلال، وقد اختلف في سنده على المسعودى، فرواه عنه هاشم بن القاسم وأبو داود الطيالسى وعبد الله بن رجاء على الوجه الماضى. وخالفهما أبو قتيبة سلم بن قتيبة فرواه عنه فقال: عن بكير بن الأخنس عن أبى بكر به مرسلًا.
هكذا: ذكره الدارقطنى في "العلل"[1/ 286]. ومراد الدارقطنى بقوله "مرسلًا": يعنى "منقطعًا". ثم قال الدارقطنى: "وغيره - يعنى أبا قتيبة - يرويه عن المسعودى عن بكير بن الأخنس عن رجل لم يسمه عن أبى بكر، وهو الصواب".
قلتُ: والاضطراب فيه من المسعودى نفسه، وللحديث: شواهد عن جماعة من الصحابة به نحوه.
منهم: حديث يحيى بن أبى بكير ثنا زهير بن محمد عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سألت ربى عز وجل فوعدنى أن يدخل من أمتى سبعين ألفًا على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت فزادنى مع كل ألف سبعين ألفا". =
112 -
حدّثنا موسى بن محمد بن حيان، حدّثنا أبو داود صاحب الطيالسة، حدّثنا المسعودى، عن بكير بن الأخنس، عن رجلٍ، عن أبى بكرٍ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يَدْخُلُ الجْنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، وُجُوهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَاسْتَزَدْتُ رَبِّى فَزَادَنِى مَعَ كُلِّ رَجُلٍ سَبْعِينَ أَلْفًا"، قال أبو بكرٍ: فكنا نرى ذلك قد أتى على أهل القرى ويصيب من زاد من أهل البوادى.
113 -
حدّثنا عبيد الله بن معاذ العنبرى، حدّثنا أبى، حدّثنا شعبة، عن أبى إسحاق، عن البراء بن عازبٍ، قال: قال أبو بكر الصديق: لما خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، مررنا براعٍ وَقد عطش رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلبت له كُثْبَةً من لبنٍ، فأتيته بها، فشرب حتى رضيتُ.
114 -
حدّثنا القواريرى، حدّثنا محمد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق الهمدانى، يقول: سمعت البراء بن عازب، يقول: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة تبعه سراقة بن مالك بن جُعْشُمٍ، فدعَا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فساخت به فرسه، فقال: ادع الله ولا أضرك، قال: فدعا الله له، قال: فعطش رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمروا براعى غنمٍ، قال أبو بكرٍ الصديق: فأخذت قدحًا فحلبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كُثْبَةً من لبنٍ، فأتيته فشرب، حتى رضيت.
115 -
حدّثنا محمد بن بشارٍ، حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن أبى إسحاق
= أخرجه أحمد [2/ 359]، والبيهقى في "البعث والنشور"[رقم/ 405] من طريق ابن أبى بكير به. وقد جوَّد الحافظ سنده في "الفتح"[11/ 410]، وله طريق آخر عن أبى هريرة. وكذا شواهد مرسلة صحيحة الأسانيد أيضا. وراجع: الصحيحة [رقم/ 1484]، للإمام.
فالحديث: ثابت دون قول أبى بكر في آخره.
113 -
صحيح: أخرجه البخارى [3696]، ومسلم [2059]، وأحمد [1/ 9]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 63]، والبزار [93]، والرويانى في "مسنده"[1/ رقم 284]، وجماعة، من طرق عن شعبة عن أبى إسحاق السبيعى عن البراء بن عازب به.
114 و 115 - صحيح: انظر قبله.
الهمدانى، قال: سمعت البراء بن عازب، قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى االمدينة تبعه سراقة بن مالك بن جُعْشُمٍ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فساخت به فرسُه، فقال: ادع الله لى ولا أضرك، فدعا له، فعطش رسول الله صلى الله عليه وسلم فمروا براعٍ، فقال أبو بكرٍ الصديق: فأخذت قدحًا فحلبت فيه كُثْبَةً من لبن، فأتيته فشرب، ثم شرب حتى رضيت.
116 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا عثمان بن عمر، حدّثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن البراء بن عازبٍ، قال: اشترى أبو بكر، من أبى رحلًا بثلاثة عشر درهمًا، فقال: مُر البراء يحمله إلى رحلى، فقال: لا، حتى تخبرنى، كيف خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فقال: ارتحلنا فاحتبسنا يومنا وليلتنا حتى قام ظهرًا، أو قال: قام قائم الظهيرة، فرميت ببصرى فإذا أنا بصخرة لها بقيةٌ من ظل فرششته وفرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فروةً، فقلت: نم يا رسول الله، ثم انطلقت أنفض ما حولى، هل أرى من الطلب أحدًا؟ فإذا أنا براعى غنمٍ يريد من الصخرة مثل ما أردت، فقلت: لمن أنت يا غلام؟ قال: لرجلٍ من قريشٍ، فعرفته، فقلت: هل في غنمك من لبنٍ؟ قال: نعم، قلت: هل أنت حالبنا؟ قال: نعم، فأمرته فاعتقل شاةً من الغنم، فأمرته فنفض ضرعها، ثم أمرته فنفض كفيه من
116 - صحيح: أخرجه البخارى [3452]، ومسلم [2009]، وأحمد [1/ 2]، وابن حبان [9281]، والبزار [50]،، وابن أبى شيبة [36610]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 62]، وابن سعد في "الطبقات"[4/ 365]، وابن حبان في "الثقات"[1/ 131]، والبيهقى في الاعتقاد [رقم 281]، والرويانى في "مسنده"[رقم 327]، وجماعة من طرق عن إسرائيل بن يونس عن أبى إسحاق السبيعى عن البراء بن عازب به.
قلتُ: وقد توبع عليه إسرائيل: تابعه زهير بن معاوية: عند البخارى [3419]، ومسلم [2009]، وجماعة. وكذا تابعه: حديج بن معاوية: عند الحافظ لوين في جزء من حديثه [رقم 1]، ومن طريقه أبو القاسم البغوى في "الجعديات" [رقم/ 2574]. وتابعهم أيضًا: يوسف بن إسحاق بن أبى إسحاق. راجع "الفتح"[6/ 623].
• فائدة: أخرج ابن عدى في "الكامل"[1/ 424]، من طريق محمد بن الوليد بن أبان قال:"سمعت أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يقولان: ليس في أحاديث أبى بكر أصح من حديث الرجل".
قلتُ: وسنده إليهما لا يصح! وحديث الرجل: هو هذا الحديث الطويل.
الغبار، فحلب لى كثبةً من لبن ومعى إداوةٌ على فمها خرقةٌ، فصببت الماء على اللبن، ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوافقًته قد استيقظ، قلت: اشرب يا رسول الله، وارتحلنا، فلم يلحقنا من الطلب أحدٌ غير سراقة بن مالك بن جعشمٍ على فرسٍ له، فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله، قال:"لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا"، فلما دنا، دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فساخ فرسه في الأرض إلى بطنه، ووثب عنه، وقال: يا محمد، قد علمت أن هذا عملك، فادع الله أن يخلصنى مما أنا فيه، ولك على لأعمين على من ورائى، وهذه كنانتى فخذ سهمًا منها، فإنك ستمر على إبلى وغلمانى بمكان كذا وكذا، فخذ منها حاجتك، فقال:"لا حَاجَةَ لِي فِي إِبِلِكَ"، فقدمنا إلى المدينة ليلًا، فتنازعوا أيهم ينزل عليهم، فقال: أنزل على بنى النجار أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك، فصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق الغلمان والخدم في الطرق ينادون: يا محمد، يا رسول الله، يا محمد، يا رسول الله.
117 -
حدّثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة السامى، حدّثنا محمد بن أبى فديكٍ، عن
117 - ضعيف: أخرجه الترمذى [827]، وابن ماجه [2924]، والدارمى [1797]، والبزار [72]، والبيهقى في "الكبرى"[8798]، وفى "الشعب"[5/ رقم 7326]، وبيبى الهرثمية في جزئها [رقم 75]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 117]، وجماعة كثيرون، من طرق عن محمد بن إسماعيل بن أبى فديك عن الضحاك بن عثمان عن ابن المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع عن أبى بكر به.
قلت: قد اختلف في سنده على ابن أبى فديك، فرواه عنه جماعة على الوجه الماضى. وخالفهم ضرار بن صرد؛ فرواه عنه فقال: عن الضحاك بن عثمان عن ابن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبى بكر به. هكذا أخرجه البيهقى في "سننه"[رقم/ 8799]، من طريق ضرار به.
قلتُ: وهذا خطأ من ضرار، كما جزم به البخارى وأحمد، ونقله عنهما الترمذى في "سننه"[3/ 189].
• والصواب: هو الوجه الأول، كما قاله الدارقطنى في "علله" [1/ 285]. لكن: لم ينفرد به ضرار على هذا الوجه؛ بل تابعه عليه: محمد بن عمرو السواق، كما ذكره البيهقى أيضًا. =
الضحاك بن عثمان، عن محمد بن المنكدر، عن عبد الرحمن بن يربوعٍ، عن أبى بكرٍ الصديق، قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "الْعَجُّ، وَالثَّجُّ".
= وقد اختلف في إسناده على ابن المنكدر كما ذكره الدارقطنى في "علله"[1/ 280]! لكن الوجه الأول: هو الصواب.
إذا عرفت هذا: فقد نقل الترمذى عن البخارى أنه قال: "محمد بن المنكدر لم يسمع من عبد الرحمن بن يربوع" فالإسناد منقطع، ثم من يكون عبد الرحمن بن يربوع هذا؟! لقد اضطُرب في اسم هذا الرجل اضطراب غريب، فتارة يقولون:"عبد الرحمن بن يربوع". وتارة يقولون: "عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع". وتارة يقولون: "سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع".
أما اللون الأخير: فقد صرح جماعة منهم: ابن سعد والدارقطنى بكونه مقلوبًا وأن صوابه "عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع". وأقول: فيبقى الإشكال قائمًا في تعيين شيخ ابن المنكدر في هذا الحديث!! هل هو "عبد الرحمن بن يربوع؟! "، أم "عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع؟! ".
فإن كان الأول: فهو مجهول الحال؛ لم يرو عنه سوى ابن المنكدر وعطاء بن يسار فقط، وقد أورده الذهبى في "الميزان". وإن كان هو الثاني فالإسناد منقطع مرة ثانية، إذ لا تعرف له رواية عن أبى بكر أصلًا. بل الظاهر أنه لم يدركه كما تعلم ذلك من ترجمته. ثم وجدتُ المعلق على تهذيب الكمال [17/ 582]، قد بحث بحثًا طيبًا حول تحرير ما نحن بصدده هنا، وانتهى فيه إلى أمورٍ جيدة، لكنه قال:" ..... يظهر لنا: أن عبد الرحمن بن يربوع هو عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع نُسب في هذه الرواية إلى جده".
قلتُ: وقد كدتُ أجزم بذلك؛ لولا أن الحافظ البزار قد جزم في "مسنده" بكون عبد الرحمن بن يربوع قد أدرك الجاهلية، ومعلوم أن الآخر:"عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع" لم يدرك أبا بكر فضلًا عن أهل الجاهلية الأولى؟! فهذا إشكال عقيم، نعم: إن فلنا بأن البزار وهم في هذا، فالصواب أنهما واحد، ثم ظنهر لى: أن ذلك لا يكون أيضًا؛ لأجل الإسناد الآتى. [رقم/ 118]، وفيه رواية عطاء بن يسار - وهو تابعى كببر - عن عبد الرحمن بن يربوع، ولست أنشط الآن للخوض في غمار تحرير تلك القضية؛ وإن كنتُ أميل إلى كونهما رجلين اثنين.
• وبالجملة: فللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة بأسانيد تالفة! وأمثلها: حديث ابن مسعود الذي يرويه أبو حنيفة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود به مرفوعًا. وهو إسناد لا يصح أيضًا، فقد اضطرب فيه أبو حنيفة على ألوان، وقد أخرجه المؤلف [برقم/ 5086]، وسيأتى الكلام عليه هناك. والله المستعان.
118 -
حدّثنا شجاع بن مخلد، حدّثنا سعيد بن سلامٍ العطار، عن أبى بكر بن أبى سبرة العامرى، عن عطاء بن يسارٍ، عن عبد الرحمن بن يربوعٍ، عن أبى بكرٍ الصديق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا بَيْنَ بَيْتِى وَمِنْبَرِى رَوْضَةٌ هِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِى عَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الجَنَّة".
119 -
حدّثنا أبو خيثمة حدّثنا عثمان بن عمر، حدّثنا مالك عن الزهرى، عن عثمان بن إسحاق، عن قبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدة إلى أبى بكر تسأله عن ميراثها فقال: مالك في كتاب الله شئ ومالك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ فارجعى حتى أسأل الناس.
118 - صحيح لغيره: أخرجه البزار [37]،، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 118]، وابن الأعرابى في معجمه [1/ رقم 337]، وغيرهم من طريق سعيد بن سلام العطار عن أبى بكر بن أبى سبرة عن عطاء بن يسار عن عبد الرحمن بن يربوع عن أبى بكر الصديق به.
قلتُ: وهذا إسناد ساقط جدًّا، وابن أبى سبرة هذا: قد اتهموه بالوضع والكذب، وسعيد بن سلام العطار: سافل مثل الذي قبله، وقد رموه بالكذب أيضًا، راجع "اللسان" [3/ 31]. وابن يربوع: مضى الكلام عليه في الحديث قبله. وأصل الحديث: في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة. وسيأتي من حديث جابر [برقم/ 1784].
• تنبيه: قد سقط "زيد بن أسلم" من إسناد المؤلف في الطبعتين
وقد رواه المروزى في "مسند أبى بكر" من طريق المؤلف بإثباته. فانتبه.
119 -
قوى لغيره: أخرجه مالك [1076/ رواية الليثى" و [رقم 722/ رواية الشيبانى]، ومن طريقه المؤلف، وأبو داود [2894]، والترمذى [2101]، وابن ماجه [2724]، وأحمد [4/ 225]، وابن حبان [6031]، والطبرانى في الكبير [19/ رقم 511]، والنسائى في "الكبرى"[6346]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 125]، وجماعة كثيرة، كلهم من طريق مالك عن الزهرى عن عثمان بن إسحاق عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال:"جاءت الجدة إلى أبى بكر الصديق تسأله ميراثها، فقال لها أبو بكر: ما لك في كتاب الله شئ! وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فارجعى حتى أسأل الناس. فسأل الناس، فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فقال أبو بكر: هل معك غيرك؟ فقام صحمد بن مسلمة الأنصارى فقال مثل ما قال المغيرة؟ فأنفذه لها أبو بكر الصديق". هذا لفظ مالك في "الموطأ". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلتُ: وهذا إسناد ضعيف. وفيه علتان:
الأولى: الانقطاع، وبها أعله جماعة، وذلك أن قبيصة لا يصح له سماع من أبى بكر، كما قاله جماعة. منهم: البخارى كما أشار إليه في "تاريخه"[6/ 212]، وانظر التلخيص [3/ 82]، و"التمهيد"[11/ 91].
والثانية: الاختلاف في سنده على الزهرى، فرواه عنه مالك على الوجه الماضى، وتابعه أبو أويس عند الذهلى في "علل حديث الزهرى" كما في التمهيد [11/ 95]. وتابعه أيضًا: عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، كما ذكره ابن عبد البر في "الاستذكار"[5/ 347].
وخالفهم جميعًا: مشاهير أصحاب الزهرى منهم: يونس بن يزيد وعقيل بن خالد ومعمر والأوزاعى وأسامة بن زيد وابن مجمع وشعيب وصالح بن كيسان ويزيد بن أبى حبيب وجماعة، كلهم رووه عن الزهرى فقالوا: عن قبيصة به
…
ولم يذكروا "عثمان بن إسحاق". لكن: جزم النقاد بكون الوجه الأول هو الصواب. وهو الذي رجحه الترمذى في "سننه"[4/ 420]، والذهلى في "علل حديث الزهرى" كما نقله عنه ابن عبد البر، والدارقطنى في "علله"[1/ 348]، إذ قال:"ويشبه أن يكون الصواب ما قاله مالك وأبو أويس، وأن الزهرى لم يسمعه من قبيصة، وإنما أخذه عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عنه". ونحوه قال ابن عبد البر في الاستذكار [5/ 347]، بل ووجدتُ النسائي قد جزم به في سننه "الكبرى"[عقب رقم/ 6342]، فقال:"الزهرى لم يسمعه من قبيصة".
قلتُ: لكن يشكل على ما قالوه: أن الزهرى قد صرح بسماعه من قبيصة في هذا الحديث، قاله عنه صالح بن كيسان عند النسائي في "الكبرى"[6339]، ويونس الأيلى عند الفسوى في المعرفة [1/ 78]، وابن عيينة - لكن اختلف عليه في إسناده - كما ذكره ابن عبد البر في الاستذكار [5/ 347]، ثلاثتهم رووه عن الزهرى فقالوا: حدثنا قبيصة به. وليس يمنع أن يكون الزهرى قد سمعه من قبيصة مباشرة، ثم سمعه منه بعد ذلك بواسطة عثمان بن إسحاق بن خرشة، ثم جعل يحدث به على الوجهين. وهذا عندى: أولى من تخطئة من رواه عن الزهرى عن قبيصة مجوَّدًا. وقد اختلف فيه على الزهرى على وجوه أخرى غير محفوظة. فعلة الحديث على التحقيق: هي الانقطاع بين قبيصة وأبى بكر، والإسناد ثابت إلى قبيصة. وعثمان بن إسحاق: وثقه ابن معين كما نقله عنه الدورى في "تاريخه"[3/ 193]. =
120 -
حدّثنا القواريرى، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزهرى، عن قبيصة بن ذؤيب، أن الجدة جاءت إلى أبى بكر، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أخبرت أن لى حقًا، فقال أبو بكرٍ: ما أجد لك في الكتاب من حقٍ، وها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضى لك بشئٍ، قال: فشهد المغيرة بن شعبة، فقال: من يشهد معك، قال محمد بن مسلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، قال الزهرى: هي أم أب الأم، أو الأب فلما كان عمر جاءت التى تخالفها، فقال عمر: أيكما انفردت به، فهو لها، فإن اجتمعتما فهو بينكما.
121 -
حدّثنا زهير بن حربٍ، حدّثنا وهب بن جريرٍ، حدّثنا شعبة، عن يزيد بن خُميرٍ، عن سُليم بن عامرٍ، عن أوسط البَجَلى، قال: خطبنا أبو بكرٍ، فقال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأول، ثم بكى أبو بكرٍ، فقال:"سَلُوا الله الْعَافِيَةَ، فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يُعْطُوا فِي الدُّنْيا بَعْدَ الْيَقِينِ شيْئًا أَفْضَلَ مِنَ الْعَافَاةِ، أَلا وَعَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنهُ مَعَ الْبرِّ، وَهُمَا فِي الجَنَّةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ مَعَ الْفُجُورِ، وَهُمَا فِي النَّارِ، وَلا تَقَاطَعُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَكونُوا عِبَادَ الله إِخوَانًا كَمَا أَمْرَكُمُ الله".
= وغفل عن هذا: الإمام الألبانى في الإوراء [6/ 125]! فأخذ يتعقب الحافظ في تصحيحه للحديث مرسلًا من طريقه، وللمرفوع من الحديث، وهو كون النبي صلى الله عليه وسلم قد فرض للجدة السدس: شاهد عن بريدة عند النسائي في "الكبرى"[6338]، والبيهقى في "سننه"[12070]، وابن الجارود [960]، وجماعة. وله: شاهد آ خر عن ابن مسعود. وثالث عن ابن عباس. وشواهد أُخَرُ مرسلة. وبعضها يقوى بعضًا إن شاء الله. كما شرحنا ذلك في "غرس الأشجار".
120 -
قوى لغيره: المرفوع منه فقط: انظر قبله. وقد اختلف في إسناده على سفيان بن عيينة.
فتارة: رُوِى عنه كما هنا، وتارة روى عنه عن الزهرى عن رجل عن قبيصة. راجع التمهيد [11/ 95] ، وعلل الدارقطنى [1/ 248].
• تنبيه مهم: الجزء المرفوع فقط هو الذي قوَّيناه بشواهده. أما سياق الحديث عن أبى بكر وغيره فلم يثبت لنا من وجه يصح إلا هذا الوجه المرسل.
121 -
صحيح لغيره: أخرجه ابن ماجه [3849]، والنسائى في "الكبرى"[10718]، وأحمد [1/ 13] والطيالسى [رقم 5]، والبزار [رقم 75] والبيهقى في "الشعب"[4/ رقم 4783] =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= والحميدى [7]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 59]، والعقيلى في الضعفاء [4/ 379]، وابن عساكر في "تاريخه"[3/ 349]، وجماعة، من طرق عن شعبة عن يزيد بن خمير عن سليم بن عامر عن أوسط البجلى عن أبى بكر به نحوه. وهذا إسناد حسن؛ رجاله ثقات سوى أوسط البجلى، روى عنه جماعة ووثقه ابن حبان والعجلى، ولم يغمزه أحد؛ فهو صدوق صالح. وقد اختلف في إسناده على شعبة بما لا يضر إن شاء الله. فرواه عنه جماعة من أصحابه على الوجه الماضى. وخالفهم روح بن عبادة، فرواه عنه فقال: عن يزيد بن خمير عن سليم بن عامر عن رجل من أهل حمص - وكان أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سمعت أبا بكر
…
".
هكذا أخرجه المؤلف [رقم 123]، وأحمد [1/ 7]، وهذا لا يؤثر في إسناده؛ لأن الرجل المبهم قد أفصح عنه سليم بن عامر في سائر الطرق وسماه "أوسط البجلى". وقد توبع يزيد بن خمير عليه عن سليم: تابعه:
1 -
بشر بن بكر: عند الحاكم [1/ 711]، والبيهقى في "الدعوات"[رقم 238]، كلاهما من طريق الربيع بن سليمان عن بشر بن بكر عن سليم بن عامر به نحوه.
قلتُ: هكذا وقع عندهما، وبثمر بن بكر لم يلق سليم بن عامر أصلًا، بل لم يدركه رأسًا، وصواب الإسناد، هكذا:"عن بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سليم بن عامر به .... ".
هكذا أخرجه الحافظ ابن عساكر في "تاريخه"[9/ 393]، من طريق أبى بكر بن زياد - الحافظ الإمام - عن الربيع بن سليمان عن بشر بن بكر به ....
وعيه: فالذى تابع يزيد بن خمير: هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، لا بشر بن بكر، وطريق عبد الرحمن بن يزيد: عند النسائي في "الكبرى"[10717]، وفى اليوم والليلة [رقم 881]، والحميدى [رقم/ 2]، والطبرانى في "مسند الشاميين"[1/ رقم 579]، وجماعة.
2 -
ومعاوية بن صالح: عند النسائي في "الكبرى"[10717]، وفى اليوم والليلة [رقم 883]، وابن حبان [952]، والخرائطى في المكارم [رقم 517]، وفى المساوئ [رقم 106]، وابن عساكر في "تاريخه"[9/ 392]، وغيرهم، وقد توبع عليه سليم بن عامر أيضًا: تابعه: =
122 -
حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنى يحيى بن أبى بكيرٍ، حدّثنا شعبة، قال: يزيد بن خميرٍ أخبرنى، قال: سمعت سليم بن عامرٍ يحدث، عن أوسط بن إسماعيل بن أوسط البجلى، عن أبى بكرٍ الصديق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ، وَهُمَا فِي الجَنَّةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ مَعَ الْفُجُورِ، وَهُمَا فِي النَّارِ، وَلا تَقَاطَعُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكونُوا عِبَادَ الله إِخوَانًا كَمَا أَمْرَكُمُ الله".
123 -
حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، حدّثنا روح بن عبادة، عن شعبة، أخبرنى يزيد بن خمير، قال: سمعت سليم بن عامر، عن رجل، من أهل حمص، وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت أبا بكرٍ خَطبنا حين اسخلف، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامى هذا عام الأول، ثم بكى، ثم قال:"سَلُوا الله الْعَفْوَ وَالمُعَافَاةَ".
124 -
حدّثنا إسحاق، حدّثنا يحيى بن أبى بُكيرٍ، حدّثنا شعبة، قال: يزيد بن خُمير أخبرنى، قال: سمعت سليم بن عامر - رجلًا من حمير يحدث - عن أوسط بن إسماعيل بن أوسط البجلى، عن أبى بكرٍ، أنه قال حين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا عام أول مقامى هذا، ثم قال:"سَلُوا الله الْمُعَافَاةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ شَيْئًا خَيْرًا مِنَ الْمُعَافَاةَ".
125 -
حدّثنا أبو الربيع، حدّثنا حماد قال: سمعت أيوب وعبد الرحمن السراج
= 1 - حبيب بن عبيد: عند البزار [رقم/ 74]، وابن عساكر في "تاريخه"[9/ 394]، وغيرهما، لكن الطريق إليه لا يثبت.
2 -
ولقمان بن عامر: عند النسائي في "الكبرى"[10715]، واليوم والليلة [رقم 880]، والطبرانى في "مسند الشاميين"[2/ رقم 1092]، وغيرهما. وللحديث: طرق أخرى تقدمت عند المؤلف: [رقم 8، 49، 74، 76].
122: 124 - صحيح لغيره: انظر قبله.
125 -
صحيح: أخرجه البيهقى في "سننه"[رقم 7042]، من طريق المؤلف عن أبى الربيع الزهرانى أنبأ حماد بن زيد قال سمعت أيوب وعبد الرحمن السراج وعبيد الله بن عمر يحدثون عن نافع:"أنه قرأ كتاب عمر بن الخطاب" وذكره.
وعبيد الله بن عمر يحدثونه عن نافع: أنه قرأ كتاب عمر بن الخطاب أنه ليس فيما دون خمسة من الإبل شئ، وإذا بلغت خمسًا ففيها شاة إلى تسع، فإذا كانت عشرًا فشاتان إلى أربع عشرة فإذا بلغ خمس عشرة ففيها ثلاث إلى تسع عشرةً، فإذا بلغت العشرين [فأربع]، وإلى أربع وعشرين فإذا بلغت خمسًا وعشرين ففيها بنتُ مَخَاض إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت ففيها حِقَّة إلى الستين، فإذا زادت ففيها ابنتا لَبون إلى التسعين، فإذا زادت ففيها حِقَّتان إلى العشرين ومئة، فإذا زادت ففى كل خمسين حقة، وفى كل أربعين ابنة لبون، وليس في الغنم شئ فيما دون الأربعين، فإذا بلغت الأربعين ففيها شاة إلى العشرين ومئة، فإذا زادت فشاتان إلى المئتين، فإن زادت على المئتين فثلاث شياه إلى الثلاث مئة، فإذا زادت على الثلاث مئةٍ ففى كلِّ مئةِ شاة".
126 -
حدّثنا أبو الربيع الزهرانى، حدّثنا حماد حدّثنا أيوب، قال: رأينا عند ثُمامة بن عبد الله بن أنس كتابًا كتبه أبو بكر الصديق لأنس بن مالك، حين بعثه على صدقة البحرينِ، عليه خَاتَم النبي صلى الله عليه وسلم فيه مثل هذا القول.
= قلت: قال الهيثمى في "المجمع"[3/ 218]: "رواه أبو يعلى وجادة كما تراه، ورجاله ثقات".
قلت: وهو كما قال. وفى قبول الوجادة اختلاف بين المحدثين! والراجح اعتمادها بشروط مشهورة. وكتاب عمر في "الصدقات" كان مشهورًا محفوظًا عند آل عمر، وقد اختلف في سنده على نافع على ألوان، كما شرحنا ذلك في "غرس الأشجار". وراجع: سنن البيهقى [رقم 7043]، وتاريخ البخارى [1/ 218]، ترجمة محمد بن كثير المصيصى. و"مسند الشافعي"[397]، و"الأموال" لأبى عبيد [2/ 396]، و"الأموال" لابن زنجويه [3/ 192].
126 -
صحيح: أخرجه البيهقى في "سننه"[7541]، من طريق المؤلف عن أبى الربيع الزهرانى ثنا حماد بن زيد ثنا أيوب:"قال رأيت عند ثمامة بن عبد الله بن أنس كتابًا كتبه أبو بكر الصديق - رضى الله عنه - لأنس بن مالك" وذكره. وإسناده صحيح وجادة.
وقد توبع أيوب السختيانى عليه متصلًا عن ثمامة بن عبد الله عن أنس به
…
تابعه حماد بن سلمة في الحديث الآتى - وسيأتى الكلام عليه.
وتابعه أيضًا: عبد الله بن المثنى الأنصارى: عند البخارى [1386]، وابن الجارود [رقم 342]، وابن ماجه [1800]، وأحمد [8/ 57]، والبيهقى في "سننه"[7038]، وجماعة، من طريق محمد بن عبد الله الأنصارى عن أبيه عن ثمامة عن أنس بن مالك به نحوه.
127 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا يونس بن محمد، حدّثنا حماد بن سلمة، قال: أخذت هذا الكتاب من ثُمامة بن عبد الله بن أنسٍ، عن أنس بن مالكٍ، أن أبا بكرٍ، كتب له: إن هذه فرائض الصدقة التى أمر اللهُ بها رسولَه، فمن سُئِلَها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقه فلا يعطه، فيما دون خمسٍ وعشرين من الإبل في خمس ذود شاةٌ، فإذا بلغتْ خمسًا وعشرين ففيها ابنةُ مخاضٍ إلى خمس وثلاثين، فإذا لم يكن ابنةً مخاضٍ فابنُ لبون ذكر، فإذا بلغت ستًا وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستًا وأربعين ففيها حقةٌ طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت واحدًا وستين ففيها جَذَعَةٌ إلى خمس وسمبعين، فإذا بلغت ستةً وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت واحدًا وتسعين ففيها حِقتان طروقتا الفحل، إلى عشرين ومئة، فإذا زادت على عشرين ومئةٍ ففى كل أربعين بنتُ لبونٍ، وفى كل خمسين حقةٌ، فإذا تباين أسنان الإبل في الفرائض الصدقات، فمن بلغت عنده صدقة الجَذَعَة وليَست عنده جذعةٌ، وعنده حقةٌ فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتان إن استيسرتا له، أو عشرين درهمًا، ومن بلغَت عنده صدقةُ الحِقة، وليس عنده إلا جذعةٌ، فإنها تقبل منه ويعطيه المُصَّدِّقُ عشرين درهمًا أو
127 - صحيح: أخرجه أبو داود [1567]، والنسائى [2455]، وأحمد [1/ 11]، والحاكم [1/ 548]، والشافعى [395]، والدارقطنى في "سننه"[2/ 114]، والبزار [41]، - ولم يسق لفظه - والبيهقى [7040]، والطحاوى في شرح المعانى [4/ 374]، وجماعة، من طرق عن حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله عن أنس بن مالك به نحوه. وكان حماد تارة يقول: "أخذت هذا الكتاب. من ثمامة
…
" وتارة قال: "عن ثمامة عن أنس
…
" وتارة قال: "أخذنا هذا الكتاب من ئمامة بن عبد الله بن أنس يحدثه عن أنس بن مالك به .... ". قال الحافظ عن الرواية الأخيرة في "الفتح" [3/ 318]: "فوضح أن حمادًا سمعه من ثمامة وأقرأه الكتاب؛ فانتفى تعليل من أعله بكونه مكاتبة
…
".
قلتُ: لم يظهر لى ما يقوله الحافظ، وقول حماد ليس نصًا في السماع؛ لاحتمال أن يكون مراد حماد "يحدثه عن أنس" شُهرة تحديث ثمامة به عن أنس مطلقًا، لكن: مضى أن حمادًا قد توبع عليه: تابعه أيوب السختيانى عن ثمامة به وجادة. وتابعه عبد الله بن المثنى: عن ثمامة سماعًا.
وكذا تابعه أيضًا: عزرة بن ثابت كما ذكره الدارقطنى في "العلل"[1/ 230]، والحديث صحيح ثابت.
شاتين، ومن بلغت عنده صدقةُ الحقة، وليست عنده، وعنده ابنةُ لبون فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا أو عَشرين درهمًا، ومن بلغت صدفته ابنةً لبونٍ، وليست عنده إلا حقةٌ، فإنها تقبل منه ويعطيه المُصَّدِّقُ عشرين درهمًا أو شاتين، ومن بلغتْ صدقُتُه ابنةَ لبونٍ، وليست عنده ابنةُ لبونٍ، وعنده ابنةُ مَخَاضٍ، فإنها تُقبل منه ويجعلُ معها شاتين إن استيسرتا، أو عشرين درهمًا، ومن بلغت صدقتُهُ ابنةَ مخاضٍ، وليس عنده إلا ابنُ لبون ذكرٌ، فإنه يقبل منه وليس معه شئٌ، ومن لم يكن عنده إلا أربعةٌ من الإبل فليس فيها شئٌ إلا أن يشاء ربها، وفى صدقة الغنم في سائمتها، إذا كانت أربعين، ففيها شاةٌ إلى عشرين ومئةٍ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى مئتين، فإذا زادت ففيها ثلاثُ شياه إلى ثلاث مئةٍ، فإذا زادت واحدةٌ ففى كل مئة شاةٌ، ولا تؤخذ في الصدقة هَرمَةٌ، ولا ذات عَوار ولا تيس الغنم، إلا أن يشاء المصدق، ولا يجمع بين متفرقٍ، ولا يفرقَ بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية إذا كانت سائمةُ الرجلِ ناقصة من الأربعين شاةً واحدةً فليس فيها إلا أن يشاء ربها، وفى الرِّقة ربع العشور، فإذا لم يكن المال إلا تسعين ومئة درهمٍ فليس فيه شئٌ إلا أن يشاء ربُّها.
قال أبو خيثمة: الرقة يعنى الدراهم.
128 -
حدّثنا عبيد الله بن معاذٍ العنبرى، حدّثنا أبى، حدّثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس بن أبى حازمٍ، عن أبى بكر الصديق، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ هَذِهِ الآيَةَ، وَتَضعونَهَا عَلَى غَيْرِ مَا وَضَعَهَا الله، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 155]، إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأُوا المُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ".
128 - صحيح: شطره الثاني فقط: أخرجه ابن حبان [305]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 86]، والضياء في "المختارة"[1/ 144 - 145]، والخطيب في "الفصل للوصل"[1/ 139 - 140]، وغيرهم من طريقين [عبيد الله بن معاذ، وأخيه المثنى بن معاذ] عن معاذ بن معاذ العنبرى عن شعبة عن إسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبى بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم به نحوه. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلتُ: هكذا وقع من الحديث عندهم، وما أدرى ما هذا، فإن النقاد - كما سيأتي - ذكروا الاختلاف في هذا الحديث من حيث الرفع والوقف. والذين رجحوا الوجه المرفوع لم يكونوا يعنون به كل الحديث، بل قصدوا به جملة "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقابه
…
" وحسب.
أما أوله: "يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية
…
" إلى قوله: "
…
إذا اهتديتم
…
" فلم أر أحدًا قال بكونه مرفوعًا، بل كلهم يذكرونه عن أبى بكر من قوله هو، لا يختلفون في ذلك.
ثم رأيتُ الخطيب قد قال عقب روايته: "هكذا روى معاذ بن معاذ العنبرى هذا الحديث عن شعبة جعله كله من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ووهم في ذلك؛ لأن أول الحديث إنما هو من كلام أبى بكر الصديق إلى ما ذكر من الآية، وما بعد ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ".
ثم قال: "وهكذا رواه إبراهيم بن إسحاق الحربى عن مثنى بن معاذ بن معاذ عن أبيه عن شعبة، وأحسب أن إبراهيم ردَّه إلى الصواب وكره مخالفة الناس؛ لأن المحفوظ عن معاذ بن معاذ من رواية ابنيه معًا - يعنى عبيد الله والمثنى ابنى معاذ بن معاذ العنبرى راوى الحديث عن شعبة - ما قدمناه".
ثم ساق [1/ 143] رواية إبراهيم الحربى قال: نا مثنى بن معاذ نا أبى نا شعبة عن إسماعيل بن أبى خالد قال سمعت قيسًا يحدث عن أبى بكر أنه خطب فقال: "يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير مواضعها: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم ينكروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب".
قلتُ: وهكذا رواه ابن أبى عاصم في "الآحاد والمثانى"[1/ رقم/ 62] عن عبيد الله بن معاذ بن معاذ عن أبيه بإسناده به مثل رواية إبراهيم الحربى على الصواب.
فالظاهر: أن ابن أبى عاصم كره مخالفة الناس هو الآخر، وردَّ الحديث إلى الجادة. وهكذا رواه جماعة منهم: غندر وروح بن عبادة وابن مهدى وعباد بن عباد المهلبى وعثمان بن عمر وغيرهم، كلهم رووه عن شعبة عن إسماعيل بن أبى خالد قال: سمعت قيس بن أبى حازم يحدث عن أبى بكر الصديق - رضى الله عنه - أنه خطب فقال: "يا أيها الناس إنكم تقرؤون =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= هذه الآية وتضعونها على غير ما وضعها الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه". فوقفوا أوله على أبى بكر، ورفعوا آخره فقط. هكذا أخرجه أحمد [1/ 9]- واللفظ الماضى له - ومن طريقه الخطيب في "الفصل للوصل" [1/ 141 - 142] والبزار [1/ رقم/ 65]، والطحاوى في المشكل [3/ 209]، وأبو نعيم في المعرفة [1/ رقم/ 124]، وغيرهم من طرق عن شعبة به. وقد اختلف في سنده على شعبة على ألوان أخرى، والوجه الماضى عنه هو الأصح.
ولشعبة فيه شيخ آخر رواه عنه كله موقوفًا: كما عند المؤلف في الآتى.
وقد اختلف في رفع هذا الحديث - أعنى شطره الثاني - ووقفه على إسماعيل بن أبى خالد، فقال الترمذى [5/ 256]:"قد رواه غير واحد عن إسماعيل بن أبى خالد نحو هذا الحديث مرفوعًا، وروى بعضهم عن إسماعيل عن قيس عن أبى بكر قوله ولم يرفعوه". ونحوه: أشار البزار إليه في "مسنده"[1/ 135]. وقد أطنب حافظ عصره الدارقطنى في "شرح ذلك الاختلاف بالعلل"[1/ 249]، وذكر جماعة كثيرة كلهم رووه عن إسماعيل بن أبى خالد عن قيس عن أبى بكر به نحو رواية شعبة - المحفوظة عنه - عن ابن أبى خالد. وكذلك رواه عن إسماعيل جماعة لم يذكرهم الدارقطنى: منهم عمر بن على المقدمى ومحمد بن يزيد الواسطى وزائدة بن قدامة وغيرهم.
قال الدارقطنى: "وخالفهم يحيى بن سعيد القطان وسفيان بن عيينة وإسماعيل بن مجالد وعبيد الله بن موسى، فرووه عن إسماعيل موقوفًا على أبى بكر". يعنى: جعلوه كله موقوفًا، وقد توبع إسماعيل فيه على الوجهين أيضًا، فرواه جماعة عن قيس عن أبى بكر به مرفوعًا. [يعنى شطره الثاني].
وخالفهم آخرون، فرووه عن قيس عن أبى بكر به موقوفًا، وقد رجَّح الدارقطنى - وهو إمام علل الحديث - الوجهين جميعًا عن قيس، فقال في "علله" [1/ 253]: "وجميع رواة هذا الحديث ثقات، ويشبه أن يكون قيس بن أبى حازم كان ينشط في الرواية مرة فيسنده، [ومرة]، يجْبن عنه فيوقفه على أبى بكر
…
". وخالفه أبو زرعة الرازى الحافظ، فقال كما في "العلل" [2/ 98]: "وأحسب إِسْمَاعِيل بْن أبِى خالد كَانَ يرفعه مرة ويوقفه مرة". =
129 -
حدّثنا عبيد الله بن معاذٍ، حدّثنا أبى، حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن قيس بن أبى حازمٍ، عن أبى بكرٍ الصديق، بمثل ذلك لا يَذْكُرُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
= قلتُ: وقول الدارقطنى هو الأقرب عندى؛ لكون قيس بن أبى حازم قد اختلف عليه في رفعه ووقفه هو الآخر، والحديث: صحيح الإسناد على كل حال. وقد صححه جماعة. وقد اختلف في سنده على إسماعيل بن أبى خالد على ألوان أخرى غير محفوظة، راجع علل الدارقطنى [1/ 253].
نعم: قد خولف إسماعيل في رفع شطره الثاني؛ خالفه الحكم بن عتيبة الإمام الفقيه، فرواه عن قيس بن أبى حازم عن أبى بكر به كله موقوفًا، هكذا أخرجه المؤلف في الآتى [رقم/ 129]، ومن طريقه الضياء في "الختارة"[1/ 146]، وابن عساكر في "تاريخه"[5/ 301]، من طريق شعبة عن الحكم به.
وهكذا رواه بيان بن بشر وطارق بن عبد الرحمن البجلى كلاهما عن قيس عن أبى بكر به موقوفا. نقله عنهما: أبو زرعة كما "علل ابن أبى حاتم"[2/ 98].
وطريق بيان: قد وصله عنه ابن أبى الدنيا في "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر"[رقم/ 24]، بإسناد جيد إليه به. وهو عند الطبرى أيضًا في "تفسيره"[11/ 149/ طبعة الرسالة]، ولكن إسناده إليه لا يثبت! وبيان بن بشر: ثقة ثبت من رجال الجماعة. وطارق بن عبد الرحمن البجلى: صدوق يغلط، وهو من رجال الجماعة أيضًا.
وتابعهم أيضًا: ذر بن عبد الله الهمدانى، وعبد الملك بن عمير، وعبد الملك بن ميسرة، كلهم رووه عن قيس عن أبى بكر به موقوفًا أيضًا. نقله عنهم: الدارقطنى في "علله"[1/ 253]. فكأن قيسًا كان يرفعه تارة ويوقفه أخرى، كما مضى في كلام الدارقطنى.
لكن قد يقال: هؤلاء جماعة من الثقات قد خالفوا إسماعيل بن أبى خالد في رفعه عن قيس.
وقد مضى أنه رُوى عن إسماعيل موقوفًا أيضًا. وليس إسماعيل - وإن كان ثقة ثبتًا، ومع الاختلاف عليه في رفعه ووقفه - مما يقدَّم قوله على هؤلاء الثقات جميعًا، فكيف وقد وافقهم في إحدى الروايتين المحفوظتين عنه؟! أعنى الرفع والوقف. فالذى ينقدح في صدرى: أن الوجه الموقوف هو الأصح عن قيس، ولست أجزم بذلك الآن. ولعلنا نبسط الكلام على هذا الحديث في مكان آخر.
129 -
صحيح: انظر قبله. وهو موقوف محفوظ.
130 -
حدّثنا أبو طالبٍ عبد الجبار بن عاصم، حدّثنا عبيد الله بن عمرٍو، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس بن أبى حازمٍ، عن أبى بكر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِن النَّاسَ إَذَا رَأوا المُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، يُوشِكُ أَنْ يَعمَّهُمُ الله بِعِقَابٍ".
131 -
حدّثنا محمد بن أبى بكر المقدمى، حدّثنا عمر بن على، حدّثنا إسماعيل بن أبى خالدٍ، عن قيس بن أبى حازمٍ، قال: سمعت أبا بكر، يقول: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية، وتضعونها على غير مواضعها:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:"إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأُوا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، أَوْشَك أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ".
132 -
حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا جريرٌ، عن إسماعيل بن أبى خالد، عن قيس بن أبى حازمٍ، قال: قرأ أبو بكرٍ هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، ثم قال: إن الناس يضعون هذه الآية على غير موضعها، ألا وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إِنَّ الْقَوْمَ إِذَا رَأْوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخذُوا عَلَى يَدَيْهِ، وَالْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، عَمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ".
133 -
حدّثنا يحيى بن أيوب، حدّثنا إسماعيل بن جعفر، أخبرنى عمرٌو يعنى ابن أبى عمرو، عن أبى الحويرث، عن محمد بن جبيرٍ: أن عمر بن الخطاب مر على عثمان
130 و 131 - صحيح: انظر ما مضى.
132 -
صحيح: انظر قبله.
والحديث رواه جماعة كثيرة من طرق عن إسماعيل بن أبى خالد بإسناده به مرفوعًا. منهم: أبو داود [4338]، والترمذى [2168]، وابن ماجه [4005]، والنسائى في "الكبرى" كما في "أطراف المزى"[رقم/ 6615]، وغيرهم كثير.
133 -
ضعيف: أخرجه الضياء في "المختارة"[1/ 79 - 80]، من طريق المؤلف عن يحيى بن أيوب حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرنى عمرو يعنى ابن أبى عمرو عن أبى الحويرث عن محمد بن جبير بن مطعم: أن عمر بن الخطاب مر على عثمان. وذكره. =
وهو جالسٌ في المسجد، فسلم عليه، فلم يرد عليه، فدخل على أبى بكرٍ فاشتكى ذلك إليه، فقال: مررت على عثمان فسلمت عليه ولم يرد عليَّ، قال: فأين هو؟ قال: هو في المسجد قاعدٌ، قال: فانطلقنا إليه، فقال له أبو بكرٍ: ما منعك أن ترد على أخيك حين سلم عليك؟ قال: والله ما شعرت أنه سلم، مر بى وأنا أحدث نفسى فلم أشعر أنه سلم، فقال أبو بكرٍ: فماذا تحدث نفسك؟ قال: خلا بى الشيطان فجعل يلقى في نفسى أشياء ما أحب أنى تكلمت بها وأن لى ما على الأرض، قلت في نفسى حين ألقى الشيطان ذلك في نفسى: يا ليتنى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي ينجينا من هذا الحديث الذي يلقي الشيطان في أنفسنا؟ فقال أبو بكر: فإنى والله قد اشتكيت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألته: ما الذي ينجينا من هذا الحديث الذي يلقى الشيطان منه في أنفسنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُنْجيكُمْ مِنْ ذَلكَ أَنْ تَقُولُوا مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُ بِهِ عَمِّى عِنْدَ المْوْتِ فَلَمْ يَفْعَلْ".
= هذا إسناد ضعيف معلول. وأبو الحويرث: اسمه عبد الرحمن بن معاوية المدنى، ضعفه مالك - وهو بلديُّه - وسائر النقاد سوى ابن حبان، واختلف قول ابن معين فيه. وفى الإسناد علة أخرى، وهى أن محمد بن جبير بن مطعم لم يسمع من عثمان، كما جزم به الدارقطنى في هذا الحديث نفسه من كتابه "العلل"[1/ 174]، ونقله عن الحافظ في "تهذيبه" [9/ 92]. وقبله: نقل الضياء المقدسى قول الدارقطنى: "محمد بن جبير لا يثبت سماعه من عثمان" في "المختارة"، ثم تعاقبه بقوله:"قلت: قد روى ابن وهب عن حيوة بن شريح عن عقيل عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب وهو قائم على المنبر: تعلموا أنسابكم، وصلوا أرحامكم".
ثم قال الضياء: "وإذا صح سماعه من عمر فلا يبعد سماعه من عثمان".
قلتُ: وليس هذا بلازم، على أنى رأيت ابن وهب: قد أخرج هذا الأثر الماضى في كتابه "الجامع"[رقم/ 13]، فقال:"أخبرنى ابن لهيعة، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير بن مطعم، أن جبير بن مطعم، أخبره، أنه، سمع عمر بن الخطاب".
فشيخ ابن وهب فيه هو: "ابن لهيعة" وحاله معلومة. ولو صح: أن ابن وهب قد رواه أيضًا عن حيوة بن شريح عن عقيل بإسناده به. فقد اختلف على الزهرى في تصريح ابن جبير بالسماع من عمر بن الخطاب؛ فقد رواه عنه معمر فقال: "عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم قال: قال عمر بن الخطاب: تعلموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم". =
134 -
حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، حدّثنا وكيعٌ، عن جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج، قال: قام أبو بكرٍ الصديق، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد علمتم ما قام فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأول، قال:"سَلُوا الله الْعَافِيَةَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطَ عَبْدٌ شَيْئًا أَفْضَلَ منَ الْمُعَافَاةِ إِلا الْيَقِينَ"، وأنا أسأل الله اليقين والعافية.
= هكذا أخرجه الحسين بن حرب في "البر والصلة"[رقم/ 119]، قال: أخبرنا ابن البارك قال أخبرنا معمر به. فلم يذكر فيه تصريح ابن جبير بالسماع، فانتفى الاحتجاج بهذا الأثر على سماع ابن جبير من عثمان.
وبالعلة الأولى وحدها: أعله الهيثمى في "المجمع"[1/ 184]، فقال:"رواه أبو يعلى وعند أحمد طرف منه، وفى إسناده: أبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية، وثقه ابن حبان، والأكثر على تضعيفه".
وقال صاحبه البوصيرى في "إتحاف الخيرة"[1/ 68]: "هَذَا إسْنَادٌ فيه مَقَالٌ، أبُو الحُوَيْرِث اسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاويةَ الزُّرْقىُّ، قَالَ مَالكٌ: لَيْسَ بثقَةَ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنُ مَعين فيه؛ فَمَرَّةً وَثَّقَهُ، وَمَرَّةً ضَعَّفَهُ، وَقَالَ أبُوَ حَاتِمٍ: لَيْسَ بِقَويٍّ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَبَاقِى رِجَالِ الإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ". وغفل هو وصاحبه عن الانقطاع في سنده.
والجزء المرفوع من الحديث: أخرجه أحمد في "مسنده"[1/ 7]، من طريقين عن عمرو بن أبى عمرو عن أبي الحويرث عن محمد بن جبير. وقد عرفتَ ما فيه، لكن نقل صاحب "كنز العمال" [رقم/ 1411] عن البوصيرى أنه قال:(سنده حسن). ومثله: قال المنذرى في الترغيب [2/ 307]، وزاد:"جيد"، وهذه غفلة منهما عن انقطاعه، ولهما رأيهما بشأن أبى الحويرث، فهما مجتهدان.
نعم: للجزء المرفوع شواهد بمعناه. يأتى منها حديث طلحة بن عبيد الله عند المؤلف [برقم/ 642].
والحديث هنا: ضعيف بهذا السياق.
134 -
صحيح لغيره: أخرجه أبو بكر المروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 127]، من طريق جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج عن أبى بكر به نحوه. =
135 -
حدّثنا أبو خيثمة، وإسحاق بن إسماعيل قالا: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن يحيى بن جعدة، قال: قال أبو بكر الصديق، وهو على المنبر، وبكى: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصيفِ عامَ الأول، والعهد قريبٌ، يقول:"سَلُوا الله الْيَقن والْعَافِيَةَ".
136 -
حدّثنا محرز بن عونٍ، حدّثنا عثمان بن مطرٍ، حدّثنا عبد الغفور، عن أبى نصيرة، عن أبى رجاء، عن أبى بكرٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"عَلَيْكُمْ بِلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَالاسْتغْفَارِ فَأَكثِرُوا مِنْهُمَا، فَإِن إِبْلِيسَ، قَالَ: أَهْلَكْتُ النَّاسَ بِالذُّنُوب، فَأَهْلَكونِى بِلا إلَهَ إلا اللهُ وَالاسْتِغْفار، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ أهْلَكْتُهُمْ بِالأهْوَاءِ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ".
= قلتُ: ورجاله ثقات، لكنه منقطع. وثابت بن الحجاج لم يدرك أبا بكر فضلًا عن أن يسمع منه، وإنما هو معدود من الطبقة الوسطى من التابعين. لكن الحديث: صحيح ثابت من طرق أخرى.
وقد مضى جملة منها عند المؤلف: [برقم 8، 49، 74، 86، 121، 123، 124]،. وقد رأيتُ صاحب "كنز العمال"[4931]، بعد أن ذكر هذا الطريق، نقل عن الحافظ ابن كثير أنه قال:"وهو منقطع، ولهذا الحديث طرق متصلة ومنقطعة تفيد القطع بصحته".
قلتُ: وهو كما قال. وكلامه أظنه في كتابه "مسند أبى بكر".
135 -
صحيح لغيره: أخرجه ابن أبى شيبة [29183]، والروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 133]، والبيهقى في "الشعب"[2/ رقم 1439]، وفى "السنن الصغير"[رقم 10]، من طرق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن أبى بكر به.
قلتُ: وهذا منقطع. وابن جعدة لا يعرف له لُقى - إن لم أقل إدراكًا - لأبى بكر، وقد جزم أبو زرعة: بكون يحيى بن جعدة عن أبى بكر مرسل، كما نقله عنه الصلاح العلائى في "جامع التحصيل"[ص 297]. لكن الحديث صحيح بطرقه كما مضى قبله.
136 -
باطل: أخرجه المؤلف أيضًا في معجم شيوخه [رقم/ 291/ طبعة إدارة العلوم الأثرية]، ومن طريقه القاضى عطاء الله بن على القزوينى في "حديثه عن أبى النصر الأرغيانى" كما في "تاريخ قزوين"[3/ 39/ الطبعة العلمية]، والتاج السبكى في "طبقات الشافعية الكبرى"[1/ 28]، وابن أبى عاصم في "السنة"[1/ رقم 7/ ظلال]، ومن طريقه أبو القاسم التيمى في "الحجة"[1/ 269]، والطبرانى في "الدعاء"[رقم/ 1780]، ومن طريقه الحافظ أبو العلاء =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= العطار في "فتيا وجوابها"[رقم/ 10/ بترقيمى/ مخطوط]، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام [5/ 944]، من طريق محرز بن عون عن عثمان بن مطر الشيبانى عن عبد الغفور عن أبى نصيرة عن أبى رجاء العطاردى عن أبى بكر الصديق به نحوه.
وهو عند الطبراني وعنه العطار، وابن أبى عاصم وعنه التيمى، والهروى باختصار، قال الهيثمى في "المجمع"[10/ 346]، ونقله عنه المناوى في "الفيض" [4/ 354]:"رواه أبو يعلى وفيه عثمان بن مطر وهو ضعيف".
قلتُ: قصَّر الهيثمى في إعلاله بعثمان وحده مع أن شيخه عبد الغفور هو أبو الصباح الذي يقول عنه ابن حبان: "كان يضع الحديث"، وقال البخارى:"تركوه"، وترجمته مظلمة في "اللسان"[4/ 43]، وعثمان بن مطر: إلى الترك أقرب منه إلى الضعف، وبعثمان وشيخه: أعله ابن كثير في "تفسيره"[2/ 124/ طبعة دار طيبة] فقال: "عثمان بن مطر وشيخه ضعيفان". وفى عبارته تسامح لا يخفي، وباقى رجاله ثقات. وأبو نصيرة: هو مسلم بن عبيد. وأبو رجاء: هو العطاردى التابعى النبيل.
والحديث: قد ضعف سنده البوصيرى في "إتحاف الخيرة"[7/ 148]، والمناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير"[2/ 284/ طبعة مكتبة الشافعي].
• تنبيه: قد تصحَّف "أبو نصيرة" عند ابن أبى عاصم وعنه التيمى إلى "أبى بصير" بالباء فقال الإمام الألبانى في ظلال الجنة [1/ 4]: "وأبو بصير إن كان العبدى الكوفى فهو مقبول عند العسقلانى، وإن كان غيره فلم أعرفه".
قلتُ: وليس هو هذا ولا ذاك، وقد عزاه الإمام إلى مسند المؤلف، فلو أنه تأمل إسناده؛ لرآه فيه "أبا نصيرة" بالنون. ولكن كفى بالمرء نُبْلًا. وهكذا وقع عند الرافعى أيضًا:"أبى بصير" فانتبه. وقد وقع عند أبى العلاء العطار والهروى: "أبى نصير"، وليست تصحيفًا! فقد ذكر البخارى في ترجمته من "تاريخه"[7/ 267]، أن بعضهم كان يروى عنه ويكنيه بـ:"أبى نصير" بدون هاء في آخره.
وللحديث: شاهد بلفظه عن جابر بن عبد الله به مرفوعًا. أخرجه الحافظ ابن مت الهروى في "ذم الكلام"[5/ رقم/ 945]، وسنده لا يسلم من قادحة، بل لا أراه محفوظًا أصلًا، وله شواهد أخرى تالفة.
137 -
حدّثنا يحيى بن عبد الحميد الحمَّانى، حدّثنا أبى، عن عثمان بن واقد، عن أبى نُصَيرة، قال: لقيت مولى لأبى بكرٍ، فقلت له: سمعت أبا بكرٍ، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ، وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَةً".
137 - ضعيف: أخرجه أبو داود [رقم/ 1514]، ومن طريقه والبيهقى في "الدعوات"[رقم/ 143]، وفى "الشعب"[5/ 7099]، وفى "سننه"[20554]، والترمذى [رقم/ 3559]، وأبو سعيد الأشج في "جزء من حديثه"[رقم/ 186/ طبعة دار المغنى]، ومن طريقه المزى في "تهذيب الكمال"[34/ 346 - 347]، وابن أبى حاتم في "تفسيره"[3/ 766/ طبعة المكتبة العصرية]، والمروزى في "مسند أبى بكر"[رقم 121]، وابن السنى في "اليوم والليلة"[11/ رقم/ 362/ مع عجالة الراغب]، وابن أبى الدنيا في "التوبة"[رقم/ 172]، والطبرى في "تفسيره"[7/ 225]، والبزار في "مسنده"[1/ 205/ البحر الزخار]، والدارقطنى في "الأفراد"[1/ 43/ أطرافه/ طبعة التدمرية]، والقضاعى في "الشهاب"[2/ رقم 788]، والبغوى في "شرح السنة"[5/ 79 - 80]، وفى "تفسيره"[2/ 107]، والواحدى في تفسيره "الوسيط"[1/ 494/ الطبعة العلمية]، وبحشل في "تاريخ واسط"[ص/ 58/ طبعة عالم الكتب]، وابن الدبيثى في "ذيل تاريخ بغداد"[1/ 462/ طبعة دار الغرب الإسلامي]، وابن زنجويه في "الترغيب"[1/ 422]، وابن شاهين في "الترغيب" كما في "المداوى"[5/ 431]، والذهبى في "معجم الشيوخ"[2/ 311]، وجماعة من طردتى عن عثمان بن واقد عن أبى نُصيرة عن مولى لأبى بكر الصديق عن أبى بكر به مرفوعًا
…
وهو عند بعضهم بنحوه. قال الترمذي: "هذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث أبى نصيرة، وليس إسناده بالقوى". وقبله قال ابن المدينى: "ليس إسناد هذا الحديث بذاك". كما نقله عنه ابن كثير في "تفسيره".
وقال البزار: "هَذَا الحُديثُ لَا نَحْفَظُهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم منْ وَجْه مِنَ الْوُجُوه إلَّا عَنْ أبى بَكْر بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَعُثْمَانُ بْنُ وَاقَد مَشْهُورٌ، حَدَّثَ عَنْهُ أبُو مُعَاويَةَ وأبو يَحْيَى الحْمَّانيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَأبُو نُصَيْرَةَ وَمَوْلَى أبِى بَكْرٍ فَلَّا يُعْرَفَانِ، وَلكنْ لمَّا كَانَ هَذَا الحُدِيثُ لَا يُعْرفُ إِلَّا منْ هَذَا الْوَجْه لَمْ نَجدْ بُدًا مِنْ كتَابَته وَتَبْيينِ علَّتهِ". وقد نقلَ الزيلعى في "تخريج الكشف"[1/ 227]، عبارة البزار، ثم قالَ:"قلت: عُثْمَان بن وَاقد وَثَّقَهُ أحْمد وَابْن معين، وَشَيْخه أبُو نصيرة اسْمه: مُسلم بْن عبيد الوَاسطيّ وَثَّقَهُ أحْمد وَابْن حبَان، وَمولى أبى بكَر هُوَ أبُو رَجَاء، وَبَاقِى رجَاله ثِقَات مَشْهُورُونَ". وَقَال الدارقطنى: "تفرد به عثمان بن واقد العُمَرى عن أبى نُصَيرةَ مسَلم بن عبيد عن مولى أبى بكر". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلتُ: وإسناده ليس بالقوى كما قاله ابن المدينى والترمذى. وآفته مولى أبى بكر هذا، فإنه مجهول لا يعرف، ونكرة لا تُتعرف، وقد غلط من ظنه أبا رجاء عمران بن ملحان العطاردى الثقة الإمام النبيل؛ كالتاج السبكى في "طبقات الشافعية الكبرى"[1/ 29/ طبعة دار هجر]، وكونه قد وقع في بعض طرقه:"عن أبى رجاء مولى أبى بكر" لا يلزم منه أن يكون هو نفسه أبا رجاء العطاردى، ولم أجد من وصف العطاردى بكونه كان مولى لأبى بكر. وقد جزم بجهالته الزار وغيره، وقال الحافظ في التقريب:"مجهول" ثم نسى هذا وحسَّن إسناده في "الفتح"[1/ 112] وتبعه على تحسينه البدر العينى في "العمدة"[1/ 277] كما هي عادة البدر، وتفذلك الحافظ الزيلعى بشأنه؛ فإنه قال في "تخريج الكشاف" [1/ 227]- ونقله عنه المناوى في "الفيض" [5/ 422]:"وَقَول التِّرْمِذِيّ: "لَيْسَ إِسْنَاده بالْقَوِيّ" الظَّاهر أنه لأجل جَهَالة مولَى أبى بكر، وَلكِن جَهَالَة مثله لَا تضر؛ لأنَّهُ تَابِعِيّ كَبِيَر، وَتَكْفِيه نَسبته إِلَى أبى بكر الصّديق، فَالحُديث حسن".
قلتُ: وهذا طريف، وكأنه اقتضب هذا الكلام من الحافظ ابن كثير في تفسيره [2/ 125 دار طيبة]، فإنه قال بعد أن أورد الحديث:"وقول على بن المدينى والترمذى: ليس إسناد هذا الحديث بذاك؛ فالظاهر أنه لأجل جهالة مولى أبى بكر، ولكن جهالة مثله لا تضر؛ لأنه تابعى كبير! ويكفيه نسبته إلى أبى بكر، فهو حديث حسن! والله أعلم". كذا قال، وقد تعقبه المحدث الحوينى في "النافلة" [رقم/ 49] فقال:"فهذا كلام غريب، ويتعجب أن يصدر من مثل الحافظ ابن كثير؛ لأنه مخالف لأصول أهل الحديث: من أن مجهول الحال لا تثبت بخبره حجة فضلًا عن مجهول العين. ومولى أبى بكر - رضى الله عنه - لا يُعرف من هو أصلًا، ونسبته لأبى بكر لا تنفعه، وإن تجوَّز الحافظ ابن كثير رحمه الله في هذا خلافًا للقاعدة".
وقبله تعقبه الإمام الألبانى في "ضعيف أبى داود/ الأم" [2/ 97/ طبعة دار غراس، قائلا:"كذا قال! وما أرى له وجْهًا من القبول؛ لأن الرجل مجهول العين، أما لو كان مجهول الحال، وقد روى عنه جمع من الثقات، ولم يظهر له حديث منكر؛ فنعم". والأمر كما قالا.
ثم رأيت العلامة ابن مفلح قد أغرب هو الآخر، فأورد الحديث في "الآداب الشرعية" [1/ 118/ طبعة الرسالة، ثم قال:"قال الرمذى: "وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ" كَذَا قَالَ التِّرْمذيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ! وَمَوْلَى أبِى بَكْرٍ لَمْ يُسَمَّ، وَالمُتَقَدِّمُونَ حَالُهُمْ حَسَنٌ! ". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قلتُ: وهذا على إطلاقه ليس بجيد، والمتقدمون - يعنى المجاهيل من رجال الصدر الأول من التابعين - وإن كان الغالب عليهم الصدق؛ لعدم تفشّى الكذب والتوليد فيهم، إلا أن ذلك لا يمنع من كون كثير من حذاق النقاد كان يُعل بعض الأحاديث بتفرد أحدهم، بل ربما أنكره وعده من مناكير هذا التابعى الكبير الذي لا يُعْرَف. وجهالة العين: أشد في الإعلال من جهالة الحال عند جماهير المحدثين، بل اختار بعضهم أنها ربما كانت من قبيل الضعف الشديد، ولا يدفع ذلك: كون الرجل هنا مولى لأبى بكر، وأنت ترى أبا محمد بن حزم الإمام الحافظ - يردُّ كل حديث يرويه كل صحابى لم يُسمَّ مع صحة الإسناد إليه، وتراه يُعلِّل ذلك في كتابه "الإحكام"[2/ 211]، فيقول:"وقد كان في عصره عليه السلام منافقون بنص القرآن، وكان به أيضًا من لا تُرضَى حاله: "كَهِيت المخنَّث" الذي أمر عليه السلام بنفيه، و"الحكَم الطريد" وغيرهما؛ فليس هؤلاء ممن يقع عليهم اسم الصحابة".
ثم أخرج بإسناد ضعيف حديثًا فيه: أن رجلًا كذب على النبي صلى الله عليه وسلم في قصة. فقال أبو محمد: "فهذا من كان في عصره صلى الله عليه وسلم يكذب عليه كما ترى فلا يقبل إلا من سُمىَ وعُرف فضله".
قلتُ: وهذا وإن كان مردودًا عند النظر والتحقق، لكنه كلام جيد في مجمله من حيث التثبت في أحوال النقلة ومعرفة أخبارهم حتى يطمئن القلب إلى قبول مروياتهم.
ثم تمشية حال مولى أبى بكر هنا: مدفوعة بكون الحافظ البزار قد جزم بجهالته كما مضى، وهذا كاف إن شاء الله. وباقى رجال الإسناد، مقبولون معروفون: فعثمان بن واقد شيخ مختلف فيه، والتحقيق أنه "صدوق له أوهام" وهذا أدق من قول الحافظ عنه في "التقريب":"صدوق ربما وهم". وأبو نصيرة: هو مسلم بن عبيد الواسطى، جهَّله البزار وضعفه الأزدى، لكن وثقه الإمام أحمد وغيره، ومشَّاه ابن معين وجماعة.
وقد فرَّق بعض النقاد ينه وبين الذي يروى عن مولى أبى بكر، والصواب أنهما واحد، كما هو ظاهر تصرُّف البخارى وابن أبى حاتم وجماعة. وقد اختلف في إسناد هذا الحديث أيضًا.
فقال المزى في ترجمة أبى نصيرة من "التهذيب"[34/ 346]: "عن أبى بكر ما أصر من استغفر. وقيل: عن أبى نصيرة مولى أبى بكر عن أبى بكر. وقيل: عن أبى رجاء مولى أبى بكر عن أبى بكر. والأول أصح". وقبله قال الدارقطنى في "الأفراد/ أطرافه": "هكذا رواه أبو يحيى الحِمَّانى [قلت: ولم ينفرد به الحمانى عن عثمان، بل تابعه عليه عفيف بن سالم، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ومخلد بن يزيد] عبد الحميد عن عثمان، ورواه عبيد الله بن عمر العمرى عن عمه عثمان بن واقد عن جده عثمان بن واقد عن أبى نُصَيرة، وتفرد به عثمان بن واقد - يعنى الأصغر - عن جده".
قلتُ: ويبدو أن في العبارة سقطًا أو تصحيفًا.
والحديث: ضعَّف سنده ابن المدينى والترمذى كما مضى. وقال المناوى في "الفتح السماوى"[1/ 409]: "وهو حَديث ضَعِيف".
وقد تعقبه أبو الفيض الغمارى في كتابه: "المداوى"[5/ 430 - 431]، بما هو تشنيع محض قد عُجِنَ قلبه به في كل مرة، ولم يدر أن السهم قد يرتد إلى راميه! وأن من حافر بئرًا لأخيه أوشك أن يقع فيه.
فكثيرًا ما كان ينكر على المناوى الخطأ ثم يأتيه، ويأخذه بالطعن في الأئمة ثم هو مرارا يبغى ذلك المسلك ويَجْنِيه، ولو شرعنا في تعقبه في كل خطوة من انتقاده ربما جاءت سطور التعقبات زُهاء نصف كتابه:"المداوى"، دون مبالغة ولا تهوُّر.
وللحديث: شاهد بلفظه عن ابن عباس مرفوعًا. أخرجه الطبراني في "الدعاء"[رقم/ 1797]، قال: حدّثنا محمد بن الفضل السقطى ثنا سعيد بن سليمان ثنا أبو شيبة عن ابن أبى مليكة عن ابن عباس به.
قلت: وأبو شيبة هو الخراسانى يزيد بن معاوية، وقد وثقه ابن حبان، وقال أبو زرعة:"صالح"، وقال الحافظ:"لا بأس به"، لكن يقول أبو حاتم الرازى:"منكر الحديث ليس بالقوى".
قلتُ: وهذا جرح غائر مُفسَّر. ومما يدل على كونه فيه نصيب من قول أبى حاتم: أنه تلوَّن في متنه! فعاد ورواه بهذا الإسناد ولكن بلفظ: "لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار". هكذا أخرجه ابن أبى الدنيا في "التوبة"[166]، والقضاعى في "الشهاب"[2/ 853]، والديلمى في "مسنده"[3/ 208]، والقاضى أبو الحسين بن المهتدى في "المشيخة"[2/ 198]، كما في "الضعيفة"[رقم/ 4474/ ورقم / 4810]، والعسكرى في "الأمال" كما في "المقاصد الحسنة"[ص/ 726]، وغيرهم من طريق سعيد بن سليمان عن أبى شيبة به. وبهذا اللفظ: ذكره الغزالى في "الإحياء"، فقال العراقى في "المغنى"[4/ 6]،: "وفيه أبو شيبة الخراسانى، والحديث منكر يُعرف به
…
". =
138 -
حدّثنا إسحاق بن أبى إسرائيل، وغيره، حدّثنا أبو يحيى عبد الحميد الحمانى، عن عثمان بن واقدٍ، عن أبى نُصَيرة، عن مولى لأبى بكرٍ، عن أبى بكرٍ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه.
139 -
حدّثنا عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير، حدّثنا عفيف بن سالمٍ، عن عثمان بن واقد، قال: حدثنى أبو نُصَيرة، عن مولًى لأبى بكرٍ، عن أبى بكرٍ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنِ اسْتَغْفَرَ فَلَمْ يُصِرَّ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً".
آخر مسند أبى بكر، ويتلوه مسند عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
* * *
= وقد ورد بهذا اللفظ من حديث ابن عباس موقوفًا عليه. وهذا أشبه. والله المستعان لا رب سواه.
138 -
ضعيف: انظر قبله.
139 -
ضعيف: انظر قبله.