المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة النحل مائة «1» وثمانية وعشرون اية مكية الّا ثلاث آيات - التفسير المظهري - جـ ٥

[المظهري، محمد ثناء الله]

الفصل: ‌ ‌سورة النحل مائة «1» وثمانية وعشرون اية مكية الّا ثلاث آيات

‌سورة النحل

مائة «1» وثمانية وعشرون اية مكية الّا ثلاث آيات من آخرها روى ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار قال نزلت النحل كلها بمكة الا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة بعد أحد حين قتل حمزة ومثل به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط فانزل الله وَإِنْ عاقَبْتُمْ الى اخر السورة- ربّ يسّر وتمّم بالخير «2» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَتى أَمْرُ اللَّهِ اى دنا وقرب قال ابن عرفة يقول العرب أتاك الأمر وهو متوقع بعد- فالاتيان مجاز من الدنو او من وجوب الوقوع فان الأمر الواجب الوقوع فى المستقبل بمنزلة الماضي فى كونه متيقنا وجوده- والمعنى ان امر الله الموعود وهو قيام الساعة على ما قاله الكلبي وغيره واجب وقوعه استيقنوا به ولا ترتابوا فيه واعدّوا له كانه قد اتى فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ اى لا تستعجلوا وقوعه إذ لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم عنه- قال البغوي قال ابن عباس رضى الله عنهما لما نزل قوله تعالى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ قال الكفار بعضهم لبعض ان هذا الرجل يزعم ان القيامة قد قربت فامسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتّى ننظر ما هو كائن فلما لم ينزل شيء قالوا ما نرى شيئا مما تخوّفنا به فنزل قوله تعالى اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ فاشفقوا فلما امتددن الأيام قالوا يا محمّد ما نرى شيئا مما تخوّفنا به فانزل الله تعالى أَتى أَمْرُ اللَّهِ فوثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رءوسهم وظنوا انها قد أتت حقيقة فنزل فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ فاطمانوا- اخرج ابن مردوية عن ابن عباس قال

(1) وفى الأصل مائة وعشرون

(2)

الخطبة من الناشر-

ص: 324

لما نزلت أَتى أَمْرُ اللَّهِ ذعر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى نزلت فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ- والاستعجال طلب الشيء قبل أوانه- قال البغوي ولمّا نزلت هذه الاية قال النبي صلى الله عليه وسلم بعثت انا والساعة كهاتين فاشار بإصبعيه كادت لتسبقنى- قلت وفى الصحيحين عن انس بعثت انا والساعة كهاتين- وروى الترمذي عن المستور بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعثت فى نفس الساعة فسبقتها كما سبقت هذه هذه وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى- وقال البغوي قال ابن عباس كان بعث النبي صلى الله عليه وسلم من اشراط الساعة ولما مر جبرئيل عليه السلام باهل السموات مبعوثا الى محمّد صلى الله عليه وسلم قالوا الله اكبر قامت الساعة- وقال قوم المراد بالأمر هاهنا عقوبة المكذبين والعذاب بالسيف وذلك ان النضر بن الحارث قال اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ فاستعجلوا العذاب فنزلت هذه الاية وقتل النضر يوم بدر صبرا سُبْحانَهُ اى اسبح الله سبحانا وانزهه تنزيها وَتَعالى يعنى تعاظم وترافع بالأوصاف الجليلة عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) عن ان يكون له شريك فيدفع ما أراد بهم او عما يصفه به المشركون- قرا حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب فى الموضعين مطابقا لقوله تعالى فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ والباقون بالياء على الالتفات او على ان الخطاب للمؤمنين او لهم ولغيرهم لما مر فى الحديث انه وثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رءوسهم فنزلت فلا تستعجلوه-.

يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ قرا العامة بضم الياء وكسر الزاء من الافعال ونصب الملائكة على المفعولية ويعقوب بالتاء الفوقانية وفتح الزاء على صيغة المضارع من التفعيل بحذف احدى التاءين ورفع الملائكة على الفاعلية بِالرُّوحِ اى بالوحى او القران فانه يحيى به القلوب الميتة بالجهل مِنْ أَمْرِهِ اى بامره ومن اجله عَلى مَنْ يَشاءُ ان يتخذه رسولا مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا اى اعلموا من نذرت هكذا إذا علمته وان مفسرة لان الروح بمعنى الوحى الدال على القول او مصدرية فى موضع الجر على البدل من الروح او النصب بنزع الخافض- او مخففة من الثقيلة أَنَّهُ اى الشأن لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)

ص: 325

رجوع الى مخاطبتهم بما هو المقصود او يقال انذروا بمعنى خوّفوا اهل الشرك والمعاصي بالعذاب واعلموا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ اى خافون- وفى الاية تنبيه على ان الوحى حاصله التنبيه على التوحيد وهو منتهى كمال القوة العلمية والأمر بالتقوى الّذي هو أقصى كمالات العملية والآيات الآتية دالة «1» على الواحدية من حيث انها تدل على انه تعالى هو الموجد لاصول العالم وفروعه على وفق الحكمة والمصلحة ولو كان له شريك لقدر على ذلك وأمكن التمانع- وفى تعقيب هذه الاية لقوله تعالى أَتى أَمْرُ اللَّهِ اشارة الى الطريق الّذي علم الرسول بذلك إتيان الساعة وازاحة لاستبعادهم باختصاصه بالعلم-.

خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ متلبسا بِالْحَقِّ أوجدهما على مقدار وشكل وأوضاع وصفات مختلفة بحيث يدل على صانع قديم واحد قدير حكيم تَعالى تعاظم وارتفع عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) منهما او يفتقر فى وجوده او بقائه عليهما وهما لا يقدران على خلقها وفيه دليل على انه تعالى ليس من قبيل الاجرام.

خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ جماد لا حس لها ولا حركة سيالة لا يحفظ الوضع والشكل حتّى صار قويّا شديدا فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ منطيق مجادل مُبِينٌ (4) للحجة على نفى البعث بقوله مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ- او ظاهر الجدال بخالقه قال البغوي نزلت فى أبيّ بن خلف الجمحي وكان ينكر البعث فجاء بعظم رميم فقال أتقولون ان الله يحيى هذا بعد مارم ونزلت فيه ايضا وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ- واخرج ابن ابى حاتم عن السدىّ هذه القصة فى قوله تعالى أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ الاية- والمعنى ان هذا المنكر لم يتفرس بان الله تعالى خلقه وقد كان نطفة فاىّ استبعاد فى خلقه مرة اخرى بعد مارم ولفظ الاية عام وان كان المورد خاصّا والله اعلم-.

وَالْأَنْعامَ يعنى الإبل والبقر والغنم منصوب بمضمر يفسره قوله خَلَقَها لَكُمْ او بالعطف على الإنسان وجملة خَلَقَها لَكُمْ بيان لما خلق لاجله وما بعده تفصيله فِيها دِفْءٌ فى القاموس انه نقيض حدة البرد يعنى تستدفئون من اوبارها واشعارها وأصوافها ويجعل منها ملابس ولحفا وَمَنافِعُ من النسل والدر والركوب والحمل

(1) فى الأصل ادلة-

ص: 326

وسقى الزرع والبيع وَمِنْها تَأْكُلُونَ (5) ما يؤكل منها كاللحوم والشحوم والألبان- وتقديم الظرف للمحافظة على رؤس الاى او لان الاكل منها هو المعتاد المعتمد عليه فى المعاش بخلاف الاكل من سائر الحيوانات المأكولة فانها اما على سبيل التفكه او التداوى.

وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ زينة حِينَ تُرِيحُونَ تردونها من مراعيها الى مراحيها بالعشي وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) اى تخرجونها بالغداة الى المراعى فان الافنية تتزين بها فى الوقتين ويجلّ أهلها فى أعين الناظرين إليها وتقديم الاراحة لان الحال فيها اظهر فانها تروح ملا البطون حاقلة الضروع.

وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ فضلا من ان تحملوها على ظهوركم اليه إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ بالمشقة والجهد- قرا ابو جعفر بفتح الشين والجمهور بكسرها- وهما لغتان نحو رطل ورطل إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (7) حيث خلقها لانتفاعكم بها.

وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ عطف على الانعام لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً اى لتركبوها ولتتزيّنوا بها زينة- وقيل هى معطوفة على محل لتركبوها وتغير النظم لان الزينة بفعل الخالق والركوب فعل اختياري للمخلوق ولان المقصود من خلقها الركوب كما ان المقصود من خلق البقر الحرث وانما يحصل التزيين بالدواب بالعرض- احتج بهذه الاية ابو حنيفة على حرمة لحوم الخيل او كراهتها قال صاحب الهداية هذه الاية خرج مخرج الامتنان والاكل من أعلى منافعها والحكيم لا يترك الامتنان بأعلى النعم ويمتن بأدناها- قلت أكل لحوم الشاة والدجاجة ونحوها أطيب جدّا من لحوم الخيل ويتيسر ذلك بأدنى مؤنة بخلاف لحوم الخيل فلذلك لم يعتبر أكل لحوم الخيل من منافعها فالقول بان الاكل أعلى منافعها ممنوع بل أعلى منافعها ما لا يحصل الا به كالركوب والزينة ولاجل ذلك ذكر الله سبحانه المنفعتين المذكورتين فى الامتنان والله اعلم- وكيف يدل الاية على حرمة الخيل والحمر والبغال مع ان الاية مكية وكلها كانت حلالا حينئذ وانما حرمت لحوم الحمر الاهلية يوم خيبر سنة ست من الهجرة وقد مر المسألة فى تفسير سورة المائدة فى قوله تعالى الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ

وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (8) يعنى ما أعد للمؤمنين فى الجنة وللكافرين فى النار مما لم يره

ص: 327

عين ولم يسمعه اذن ولم يخطر على قلب بشر.

وَعَلَى اللَّهِ بيان قَصْدُ السَّبِيلِ اى الطريق المستقيم الموصل الى الحق رحمة وتفضلا- او عليه قصد السبيل يعنى يصل الى الله تعالى من يسلكه لا محالة يفال سبيل قصد وقاصد اى مستقيم كانه يقصد الوجه الّذي يقصده السالك لا يميل عنه والمراد بالسبيل الجنس ولذلك أضاف إليها والاضافة بمعنى من وَمِنْها اى من السبيل جائِرٌ مائل عن القصد او عن الله وتغير الأسلوب لان المقصود بيان سبيله وتقسيم السبيل الى القصد والجائر انما جاء بالعرض فالقصد من السبيل السنة والجائر منها الأهواء والبدع وملل الكفر كلها وَلَوْ شاءَ الله هدايتكم أجمعين لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (9) الى قصد السبيل والمراد بالهداية هاهنا الإيصال الى المطلوب ومن قوله عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ اراءة الطريق-.

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ اى ماء تشربونه ولكم صلة انزل او خبر شراب ومن تبعيضية متعلقة به وتقديمها يوهم الحصر ووجه الحصر ان مياه الآبار والعيون منه لقوله تعالى فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ وقوله فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ

وَمِنْهُ اى من ذلك الماء شَجَرٌ اى شرب أشجاركم وحيات نباتكم فِيهِ اى فى الشجر تُسِيمُونَ (10) اى ترعون مواشيكم من سامت الماشية وأسامها صاحبها وأصلها السومة وهى العلامة لانها تؤثر بالرعي علامة.

يُنْبِتُ قرا ابو بكر عن عاصم بالنون على التكلم والباقون بالياء على الغيبة اى ينبت الله لَكُمْ بِهِ اى بالماء الّذي انزل الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ اى بعض كل ما يمكن من الثمار وانما ذكر لفظ التبعيض لان كل الثمرات لا يكون الا فى الجنة وخلق فى الدنيا بعضها ليكون تذكرة لها ولعل تقديم ما يسام فيه على ما يؤكل منه لانه سيصير غذاء حيوانيا وهو اشرف الاغذية ومن هذا القبيل تقديم الزرع والتصريح بالأجناس الثلاثة وترتيبها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً اى دلالة واضحة على وجود الصانع وعلمه وحكمته لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) فان من تأمل ان الحبة تقع فى الأرض ويتصل إليها ندوة ينفذ فيها فينشق أعلاها ويخرج منه ساق الشجر وينشق أسفلها فيخرج منه عروقها ثم ينمو

ص: 328

ويخرج منه الأوراق والازهار والاكمام والثمار فى بعض الازمنة دون بعض ويشتمل كل منها الأجسام المختلفة الاشكال والطبائع مع اتحاد المواد واتحاد نسبة الطبائع السفلية والعلوية الى الكل علم ان ذلك ليس الا بفعل فاعل مختار تقدس عن منازعة الاضداد والانداد.

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ اى هيّا هما لمنافعكم وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ قرا ابن عامر الاربعة بالرفع على انها مبتدا وخبر وقرا اهل الحجاز والشام «1» والكوفة غير حفص بنصب الاربعة الثلاثة عطفا على النهار ومسخّرت على انه حال من الجميع اى جعلها بحيث ينفعكم حال كونها مسخرات لله تعالى خلقها ودبّرها كيف شاء او مسخرات لما خلقن وقرا حفص الشّمس والقمر بالنصب على العطف وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بالرفع على الابتداء بِأَمْرِهِ اى بايجاده وتقديره او بحكمه وفى الاية إيذان بالجواب لمن يقول ان المؤثر فى تكوين النبات حركات الكواكب وأوضاعها فان ذلك ان سلم فلا شك انها حادثة ممكنة الذات والصفات واقعة على بعض الوجوه المحتملة فلا بد لها من مخصص مختار واجب الوجود دفعا للدور والتسلسل والتحقيق ان تأثيرات الأشياء الفلكية او العنصرية كلها امور عادية جرى عادة الله تعالى على خلق بعض الأشياء عقيب بعض منها ولا يتصور نسبة الإيجاد على الحقيقة الى ما هو معدوم فى حد ذاته لا يقتضى ذاته وجوده فانه كيف يقتضى وجود غيره إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) جمع الاية وذكر العقل لانها تدل أنواعا من الدلالات الظاهرة لذوى العقول السليمة غير محوجة الى استيفاء فكر كاحوال النبات.

وَما ذَرَأَ اى خلق لَكُمْ عطف على الليل اى سخر لاجلكم ما خلق فِي الْأَرْضِ من الحيوانات والنباتات والمعادن مُخْتَلِفاً نصب على الحال أَلْوانُهُ اى اصنافه فان الأصناف يتخالف باللون غالبا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) يعتبرون ان اختلافها فى الطباع والهيئات والمناظر ليس الا بصنع صانع حكيم-.

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ اى جعله بحيث يتمكنون من الانتفاع به بالركوب والاصطياد والغوص لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا اى غضّا جديدا يعنى السمك وصفه بالطراوة لانه أرطب اللحوم فيسرع اليه الفساد فيسارع الى أكله ووجه كثرة

(1) الصحيح وقرا اهل الحجاز والبصرة والكوفة غير حفص إلخ- ابو محمّد

ص: 329

العطش بعد أكل السمك انها بالطبع ملتزق بالأمعاء فالطبيعة لدفعه من الأمعاء تطلب الماء لا لكونها حارا او يابسا- وفى وصفه بالطراوة اظهار لقدرته تعالى فى خلقه عذبا طريا فى ماء زعاق مرّ مالح- وتمسك مالك والثوري بهذه الاية على انه من حلف لا يأكل لحما حنث بأكل السمك وأجيب عنه بان مبنى الايمان على العرف وهو لا يفهم منه عند الإطلاق الا ترى ان الله تعالى قال شَرَّ الدَّوَابِّ فى الكفار ولا يحنث الحالف بان لا يركب دابة بركوبه على الكافر وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها كاللؤلؤ والمرجان اى تلبس نساؤكم فاسند إليهم لانهن من جملتهم ولانهن تتزين بها لاجلهم وَتَرَى الْفُلْكَ اى السفن عطف على قوله لتأكلوا لانه فى قوة لتركبوا الفلك وجاز ان يكون استينافا مَواخِرَ فِيهِ اى جوارى وقال قتادة مقبلة ومدبرة احداها تقبل واخرى تدبر تجريان بريح واحدة وقال الحسن اى مملوة وقال الفراء والأخفش شقاق تشق الماء بجناحيها والمخر شق الماء وقيل المخر صوت جرى الفلك وقال ابو عبيدة المخر صوت هبوب الريح عند شدتها وقال مجاهد تمخر السفن الرياح اى تستقبل وفى القاموس مخزت السفينة كمنع مخرا ومخورا جرت واستقبلت الريح فى جريها ومخر السّابح شق الماء بيديه والفلك المواخر الّتي يسمع صوت جريها او تشق الماء بجآجئها «1» او المقبلة والمدبرة بريح واحدة- وفى الحديث إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح وفى لفظ استمخروا الريح اى اجعلوا ظهوركم الى الريح كانه إذا ولّاها شقها بظهره وأخذت عن يمينه ويساره وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ اى من سعة رزقه بركوبها للتجارة ان كان قوله تعالى وَتَرَى الْفُلْكَ معطوفا على لتأكلوا فهذا معطوف عليه وان كان مستأنفا فهذا معطوف على محذوف تقديره لتعتبروا ولتبتغوا وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) الله إذا رايتم صنعه فيما سخر لكم ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر لانه أقوى فى باب الانعام من حيث انه جعل المهالك سببا لتحصيل المعاش قلت وجعل الأشياء المذكورة بحيث يفضى الى الشكر من أعظم الإنعامات حيث يفيد مزيد النعمة فى الدنيا والثواب الجزيل فى دار القرار فهو من تتمة الإحسانات-

(1) جؤجؤ كهدهد بمعنى الصدر وجمعه جاجئى.... كذا فى القاموس- منه رح

ص: 330

وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ اى جبالا ثوابت أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ اى لئلا تميد بكم او كراهة ان تميد بكم والميد الاضطراب وذلك لان الأرض قبل ان يخلق فيها الجبال كانت كروية تتحرك بأدنى سبب للتحريك فلما خلقت الجبال على وجهها توجهت الجبال بثقلها نحو المركز فصارت كالاوتاد الّتي تمنعها عن الحركة- قال البغوي قال وهب لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة ان هذه غير مقرة أحدا على ظهرها فاصبحت وقد أرسيت بالجبال فلم تدر الملائكة مما خلقت الجبال- واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم من طريق قتادة عن الحسين عن قيس ابن عباد قال ان الله تعالى لمّا خلق الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة ما هذه مقرة على ظهرها أحدا فاصبحت صبحا وفيها رواسى فلم يدروا من اين خلقت فقالوا ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من هذا قال نعم الحديد فقالوا هل من خلقك شيء هو أشد من الحديد قال نعم النار قالوا ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من النار قال نعم الماء قالوا ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من الماء قال نعم الريح قالوا ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من الريح قال نعم الرجل قالوا ربنا هل من خلقك شيء هو أشد من الرجل قال نعم المرأة انتهى- فان قيل هل ينتهى هذا السؤال الى حد قلت لا وذلك لان الله هو القوى المتين ذو مرة والممكنات بأسرها عاجزة بل عديمة فى حد ذواتها فحيثما يتجلى قوته يشتد امره على غيره فالفيل قوى من النملة لكن إذا شاء الله تعالى ان يظهر عجز الفيل جعل النملة مظهرا ومجلّا لتجلى قوته فيشتد امره على الفيل- والشدة والقوة قد يكون لاحد الأشياء زائدا على غيره بجميع الوجوه وقد يكون بوجه من الوجوه وهذا هو المتحقق فى الأشياء المذكورة والله اعلم وَأَنْهاراً اى جعل فيها أنهارا لانّ القى فيه معنى الجعل وَسُبُلًا اى طرقا لنيل مقاصدكم لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) الى مقاصدكم او الى معرفة الله بالاستدلال بها.

وَعَلاماتٍ على السبل من الأشجار والجبال والابنية والنجوم وغير ذلك يستدل بها السابلة ومنها الأسباب والعلل الشرعية كالاوقات لوجوب الصلاة والصوم والزكوة والإسكار للحرمة- ومنها الادلة الطبيعية والعقلية كسرعة النبض

ص: 331

على الحمى والعالم على الصانع والمعجزة على وفق الدعوى للنبوة وغير ذلك وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) ليلا فى الصحارى والبحار والمراد بالنجم الجنس- وقال محمّد بن كعب أراد بالعلامات الجبار فالجبال علامات النهار والنجوم علامات الليل- وقال الكلبي أراد بالكل النجوم منها ما يكون علامات ومنها ما يهتدون بها- وقال السدّى أراد بالنجوم الثريا وبنات النعش والفرقدين والجدى يهتدى بها الى الطرق والقبلة- قلت وذلك لكونها قريبة من القطب الشمالي فقلما تتحرك عن أماكنها لصغر دوائرها والضمير لقريش لانهم كثيرا ما كانوا يسافرون بالليل للتجارة وكانوا مشهورين بالاهتداء فى أسفارهم بالنجوم فلذلك قدم النجم واقحم الضمير واخرج عن سنن الخطاب للتخصيص كانه قيل وبالنجم خصوصا هؤلاء يهتدون فالاعتبار بذلك والشكر عليه الزم عليهم-.

أَفَمَنْ يَخْلُقُ وهو الله سبحانه كَمَنْ لا يَخْلُقُ اى ما يعبدون من دون الله مغلّبا فيه أولوا العلم- او المراد بها الأصنام وأجريت مجرى اولى العلم لانهم سموها الهة ومن حق الا له ان يعلم او للمشاكلة بينه وبين من يخلق او للمبالغة كانه قيل ان من يخلق ليس كمن لا يخلق من اولى العلم فكيف بما لا يعلم ولا يشعر- والهمزة للانكار والفاء للتعقيب يعنى بعد هذه الادلة الواضحة المتكاثرة على كمال علم الله وقدرته وتناهى حكمته وتفرده بالخلق لا معنى لاشراك من ليس مثله فى خلق الأشياء بل لا يقدر على خلق شيء من الأشياء الجواهر والاعراض حتّى لا يقدر على تحريك الذباب ولا على منعه وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ وكان حق الكلام أفمن لا يخلق كمن يخلق لكنه عكس تنبيها على انهم بالاشراك بالله جعله من جنس المخلوقات العجزة شبيها بها أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) انكار على عدم التذكر والاعتبار بعد مشاهدة ما يوجب التذكرة.

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها اى لا تضبطوا عددها فضلا ان تطيقوا القيام بشكرها يعنى ليس نعماء الله تعالى منحصرة فيما ذكر بل هى غير محصورة فحق عبادته تعالى غير مقدور لاحد وانما المطلوب منكم التوجه بشراشركم اليه وحده والاعتراف بالتقصير إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ لتقصيركم فى أداء شكرها رَحِيمٌ (18) بكم حيث وسع عليكم النعم قبل استحقاقكم

ص: 332

ولا يقطعها عنكم بالتقصير والمعاصي ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها.

وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ من العقائد والنيات والشكر ومعرفة قصور أنفسكم عن أداء حقوق العبودية او الغفلة والاستكبار وَما تُعْلِنُونَ (19) من الأعمال الصالحة او الفاسدة فيجازيكم عليه.

وَالَّذِينَ يَدْعُونَ اى تدعونها الهة كائنة مِنْ دُونِ اللَّهِ قرا عاصم ويعقوب يدعون بالياء التحتانية والباقون بالتاء لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً أصلا وان كان محقرا من الجواهر والاعراض فضلا ان يشاركونه فى خلق السموات والأرضين وأمثال ذلك فكيف يدعونها الهة وشركاء لله تعالى وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) يعنى وجوداتهم مستعارة من غيرها لا يقتضى ذواتها وجوداتها فكيف يتصور منها خلق شيء من الأشياء واقتضاء وجود غيرها.

أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ خبر مبتدا محذوف يعنى هم أموات فان كان المراد بالموصول الأصنام فالمعنى هم أموات لم يعترهم الحيوة أصلا وان كان المراد به كلما عبد غير الله فالمعنى هم أموات فى أنفسها غير احياء بالذات بل حياتهم مستعارة من الحي القيوم وكلما هذا شأنه لا يكون الها وَما يَشْعُرُونَ لكونهم أمواتا مخلوقين أَيَّانَ اى متى يُبْعَثُونَ (21) يعنى ليس بعثهم ولا بعث عبدتهم باختيارهم ولا فى حيز علمهم فكيف يقدرون على جزاء من عبدهم فاىّ فائدة فى عبادتهم فلا يستحقون العبادة وفيه تنبيه على ان البعث من لوازم التكليف-.

إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ تكرير للمدعى بعد اقامة الحجة يعنى ثبت بالحجة ان إلهكم واحد فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ لما أنعم الله عليهم مما لا يحصى عدها مع ظهورها بالبداهة والبرهان وانما انكار قلوبهم ذلك لان الله تعالى ما القى فيها نور المعرفة فهم عمهون عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله خلق خلقه فى ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله رواه احمد والترمذي وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) عن عبادة الله تعالى لا يرون عليهم له تعالى استحقاق العبادة حيث ينكرون نعماءه ويستكبرون عن اتباع الرّسول صلى الله

ص: 333

عليه وسلم ولو انهم كانوا يعرفون نعماء الله تعالى واستحقاق العبادة له تعالى عليهم لامنوا بالاخرة الّتي فيها جزاء العبادة والانتقام على تركها ولم يستكبروا عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بل اجتهدوا فى طلب سبيل الرشاد.

لا جَرَمَ اى حق حقّا او لا بد او لا محالة- او المعنى ليس على ما ينبغى ما هم عليه من الإنكار والاستكبار كسب الكاسب الحكم أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ من انكار النعم واستحقاق العبادة وَما يُعْلِنُونَ من الاستكبار عن العبادة واتباع الرسول فانّ مع جملته على التأويلات السابقة فى موضع الرفع بلا جرم وعلى التأويل الأخير فى محل النصب على المفعولية وفاعل جرم مضمر إِنَّهُ تعالى لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار مثقال ذرة من ايمان فقال رجل يا رسول الله ان الرجل يحب ان يكون ثوبه حسنا قال ان الله جميل يحب الجمال الكبر من بطر الحق وغمص الناس رواه مسلم عن ابن مسعود قال فى النهاية معنى بطر الحق هو ان يجعل ما جعله الله حقّا من توحيده وعبادته باطلا- وقيل هو ان يتجبر عند الحق فلا يراه حقّا- وقيل هو ان يتكبر عن الحق فلا يقبله قلت حاصل الأقوال ان لا يرى عبادة الله عليه واجبا حيث ينكر العامة عليه بل يرى ما أنعم الله عليه حقّا له على الله تعالى ومعنى غمص الناس اى احتقرهم قلت وجه مقابلة الكبر بالايمان فى الحديث ان المؤمن يرى وجوده وما استتبعه من الكمالات مستعارة من الله تعالى حتّى يرى نفسه عارية عنها فلا يستكبر والكافر يرى وجوده وتوابعه من نفسه فيرى نفسه كبيرا وينسى الكبير المتعال- والفناء المصطلح فى التصوف عبارة عن رؤية نفسه فانيا عاريا عن الوجود وتوابعه برؤيتها مستعارة من الله تعالى والله اعلم-.

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ اى لهؤلاء الذين لا يؤمنون بالاخرة- وذلك ان احياء العرب كانوا يبعثون ايام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغهم دعواه النبوة فكان إذا جاء الوافد سال عن مشركى مكة الذين اقتسموا عقابها ايام الموسم ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ماذا منصوب بانزل يعنى اىّ شيء انزل او مرفوع بالابتداء يعنى اىّ شيء أنزله ربكم قالُوا يعنى مشركى مكة هو أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) السطر الصف من

ص: 334

الشيء من الكتاب او الشجر المغروس او القوم الوقوف- جمعه اسطر وسطور واسطار وجمع الجمع أساطير واسطرة والمعنى ان ذلك المسئول عنه ليس بمنزل بل شيء كتبه الأولون كذبا لا تحقيق لها نحو قوله اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا.

لِيَحْمِلُوا متعلق بقوله قالوا يعنى قالوا ذلك ليضلوا الناس فيحملوا أَوْزارَهُمْ اى ذنوب ضلال أنفسهم كامِلَةً فان اضلالهم نتيجة رسوخهم فى الضلال يَوْمَ «1» الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ يعنى بعض أوزار الذين ضلوا باضلالهم فان من ذنوبهم ما يخصهم ليس لهؤلاء المضلين فيها تسبيب ومنها ما حصل باضلالهم فهم يحملون هذا القسم الأخير مثل ذنوب من تبعهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعا الى هدى كان له من الاجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا الى ضلالة كان عليه من الإثم مثل اثام من تبعه لا ينقص ذلك من اثامهم شيئا رواه احمد ومسلم فى الصحيح واصحاب السنن الاربعة عن ابى هريرة بِغَيْرِ عِلْمٍ اى بغير حجة فهو حال من فاعل يضلونهم- او المعنى يضلون من لا يعلم انهم ضلال فهو حال من المفعول وفيه تنبيه على انّ جهلهم لا يصلح لهم عذرا إذ كان عليهم ان يبحثوا او يميزوا بين الحق والباطل أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (25) اى بئس شيئا يزرونه اى يحملونه فعلهم او بئس الّذي يزرونه فعلهم فمحل ما رفع على الفاعلية او نصب على التميز من الضمير المبهم والمخصوص محذوف-.

قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى سوّوا حيلا ليمكروا بها رسل الله فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ يعنى اتى امر الله لابطال حيلهم من الأصول وَأَتاهُمُ الْعَذابُ المهلك مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (26) اى لا يحتسبون ولا يتوقعون فصارت تلك الحيل أسبابا لهلاكهم كمثل قوم بنوا بنيانا ليحرزوا أنفسهم ويأخذوا فيها عدوهم بالحيل فاتى البنيان من الأساطين بان ضعضعت فسقط عليهم السقف فهلكوا فالكلام وارد على التمثيل- واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس وذكر

(1) ليس فى الأصل يوم القيمة

ص: 335

البغوي عنه وعن وهب ان المراد بالذين من قبلهم نمرود بن كنعان الّذي حاج ابراهيم فى ربه بنى الصرح ببابل ليصعد الى السماء وكان طول الصرح فى السماء خمسة آلاف ذراع- وقال كعب ومقاتل كان طوله فرسخان فهبت الريح والقت رأسها فى البحر وخر عليهم الباقي فهلكوا.

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ اى يذلّهم ويعذبهم عذاب الخزي سوى ما عذبوا فى الدنيا قال الله تعالى رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ويقول لهم الله على لسان الملائكة توبيخا أَيْنَ شُرَكائِيَ أضاف الى نفسه استهزاء او حكاية لاضافتهم زيادة فى توبيخهم- قرا البزي بخلاف عنه شركاى بغير همزة والباقون بالهمزة الَّذِينَ كُنْتُمْ ايها الكفار تُشَاقُّونَ فِيهِمْ الرسول والمؤمنين- قرا الجمهور تشاقّون بفتح النون اى يخالفون فيهم وقرا نافع بكسر النون الدال على حذف ياء المتكلم يعنى تشاقّونى فان مشاقة المؤمنين مشاقة الله سبحانه قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ اى الأنبياء والملائكة والمؤمنون إظهارا للشماتة وزيادة للاهانة وشكرا على ما أنعم الله عليهم من الهداية وفى هذه الحكاية لطف من الله سبحانه بمن سمعه إِنَّ الْخِزْيَ اى الذلّ والهوان الْيَوْمَ يوم القيامة وَالسُّوءَ اى العذاب عَلَى الْكافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ يعنى ملك الموت وأعوانه- قرا حمزة يتوفّيهم فى الموضعين بالياء على التذكير والباقون بالتاء لتانيث الفاعل لفظيا غير حقيقى ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ بالكفر حيث عرضوها للعذاب المخلد منصوب على الحال فَأَلْقَوُا السَّلَمَ فسالموا وانقادوا قائلين ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ من كفران ولا عدوان ويجوز ان يكون تفسيرا للسّلم على ان المراد به القول الدال على الاستسلام فيجيبهم ملائكة الموت بَلى كنتم تعملون السيئات إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) من السيئات فهو يجازيكم عليه ولا ينفعكم انكاركم- قال عكرمة عنى بذلك من قتل من الكفار ببدر- وقيل قوله فَأَلْقَوُا السَّلَمَ الى اخر الآيات استيناف ورجوع الى شرح حالهم يوم القيامة ويحتمل ان يكون الرّادّ عليهم هو الله سبحانه وأولوا العلم.

فَادْخُلُوا أَبْوابَ

ص: 336

جَهَنَّمَ

كل صنف بابا اعدّ له وقيل أبواب جهنم اصناف عذابها خالِدِينَ فِيها اى مقدرين الخلود فيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) اى الكافرين جهنم.

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عن الضلال والإضلال قال لهم الوافد من احياء العرب ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا اى المؤمنون خَيْراً اى انزل ربنا خير الكلام ما فيه صلاح الدين والدنيا والاخرة ونصبه دليل على انهم لم يتوقفوا فى الجواب وأطبقوا على السؤال معترفين بالانزال بخلاف الكفرة فانهم قطعوا الكلام عن الجواب وأتوا بالرفع على الابتداء ولم يعترفوا بالانزال حيث قالوا هو أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ يعنى ليس بمنزل لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا العقائد والأعمال فِي هذِهِ الدُّنْيا متعلق بأحسنوا حَسَنَةٌ قال ابن عباس هى تضعيف الاجر الى العشر- وقال الضحاك هى النصر والفتح- وقال مجاهد هى الرزق الحسن- قلت هى الحيوة الطيبة فى الدنيا بحيث يرتضيه الخالق وكل من له عقل سليم وطبع مستقيم من الخلق وذلك ان لا يعبد ممكنا عاجزا مثل نفسه بل الله الواحد القهار ويكتسب معرفة الله ودرجات قربه ويستحل الطيبات ويستحرم الخبائث ولا يؤذى أحدا بغير حق ويعمل أعمالا يثمر له الى الابد وَلَدارُ الحيوة الْآخِرَةِ خَيْرٌ من دار الحيوة الدنيا للمتقين حيث يرى هناك ثمرات ما اكتسبه فى الحيوة الدنيا ويبقى فى كرامة الله ابد الآبدين وهو عدة لِلَّذِينَ اتَّقَوْا على قولهم ويجوز ان يكون بما بعده حكاية بقولهم بدلا وتفسيرا لخير على انه منتصب بقالوا يعنى قالوا هذا القول فقدم عليه تسميته خيرا وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (30) قال الحسن هى الدنيا لان اهل التقوى يتزودون فيها الى الاخرة- وقال اكثر المفسرين هى دار الاخرة فحذف المخصوص بالمدح لتقدم ذكرها- قلت وجاز ان يكون الاضافة للجنس يعنى نعم دار المتقين اىّ دار كانت الدنيا او الاخرة.

جَنَّاتُ عَدْنٍ مبتدا خبره محذوف اى لهم جنات عدن- او خبر مبتدا محذوف اى هى او دارهم جنات عدن ويجوز ان يكون هذا مخصوصا بالمدح يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ من انواع المشتهيات وفى تقديم الظرف تنبيه على ان الإنسان لا يجد جميع ما يشتهيه الا فى الجنة كَذلِكَ

ص: 337

اى مثل لهذا الجزاء المذكور يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) من الشرك وسوء الأعمال.

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ اى طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي لانه فى مقابلة ظالمى أنفسهم وهؤلاء هم الذين حيوا حيوة طيبة- وقال مجاهد زاكية أفعالهم وأقوالهم- وقيل معناه فرحين ببشارة إياهم بالجنة او طيبين بقبض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية الى حضرة القدس يَقُولُونَ اى الملائكة لهم سَلامٌ عَلَيْكُمْ وقيل تبلغهم سلام الله ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) حين تبعثون فانها معدة لكم على أعمالكم او المعنى يقول لهم الملائكة عند التوفى سلام عليكم ويقال لهم فى الاخرة ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ- هَلْ يَنْظُرُونَ اى ما ينتظر الكفار الذين مر ذكرهم شيئالَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ

لقبض أرواحهم قرا حمزة والكسائي بالياء والباقون بالتاءوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ

القيامة او العذاب المستأصل ذلِكَ

اى مثل ذلك الفعل من الشرك والتكذيب عَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

فاصابهم ما أصابهم ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ

بتعذيبه إياهم عذاب الاستيصال لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

(33)

بكفرهم ومعاصيهم المؤدية اليه.

فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا اى جزاء سيئات أعمالهم على حذف المضاف وتسمية الجزاء باسمها- او المعنى عقوبات ما عملوا من الكفر والمعاصي وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (34) اى نزل وأحاط بهم جزاء استهزائهم او المعنى نزل بهم العذاب الّذي كانوا به يستهزءون ويقولون على سبيل الاستهزاء لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ....

وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ انما قالوا ذلك استهزاء ومنعا لبعثة الرسل والتكليف متمسكين بان ما شاء الله كان وما لم يشأ لا يكون فما الفائدة فيهما او إنكارا لقبح ما هم عليه من الشرك وتحريم البحائر والسوائب ونحو ذلك متمسكين بانه لولا ان الله رضيها لنا لما شاء الله صدورها عنا- ومبنى

ص: 338

الشبهتين ان الرضاء يلازم المشية وليس كذلك كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فاشركوا بالله وحرموا حله وردوا له وقالوا مثل قول هؤلاء فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) يعنى ليس عليهم الهداية فانها بيد الله تعالى وعلى مشيته انما عليهم التبليغ الموضح لمرضات الله تعالى- ثم بيّن ان البعثة امر جرت السنة الالهية فى الأمم كلها «1» بكونها سببا لهدى من شاء هدايته وزيادة الضلال لمن شاء ضلاله وكالغذاء الصالح ينفع المزاج الصالح ويقويه ويضر المنحرف ويعينه فى الانحراف بقوله.

وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ يعنى أرسله الله إليهم بان اعبدوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ اى لا تطيعوا الشيطان الطاغي فى معصية الله فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ اى شاء هدايتهم ووفقهم للايمان بإرشادهم وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ اى وجبت بالقضاء السابق عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فلم يوفقهم ولم يرد هداهم فاهلكهم الله على كفرهم واخلى ديارهم فتركوا بئرا معطلة وقصرا مشيدا فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ يا معشر قريش فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) للرسل من عاد وثمود وقوم لوط واصحاب الايكة- وفيه حل لاشكالهم المبنى على كون المشية والرضاء متلازمين إذ لو كان كذلك لما عذبهم الله بكفرهم المبنى على مشية الله ثم بين الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم ان هؤلاء الكفار من قريش ممن حقت عليهم الضلالة حتّى لا يتعب نفسه ولا يحرص على هداهم فقال.

إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ قرا الكوفيون لا يهدى بفتح الياء وكسر الدال على البناء للفاعل يعنى لا يهدى الله من يرد ضلاله وهو المعنى ل مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ والباقون بضم الياء وفتح الدال على البناء للمفعول فقوله مَنْ يُضِلُّ مبتدا خبره لا يهدى يعنى من يضلّه الله لا يهدى اى لا هادى له أحد والجملة خبر ان والله اسمه وَما لَهُمْ اى لمن أضلهم الله مِنْ ناصِرِينَ (37) يمنعونهم من جريان حكم الله عليهم ويدفعون عنهم عذابه الّذي أعد لهم وتقدير الكلام

(1) فى الأصل كلها سببا-

ص: 339

ان تحرص وتتعب نفسك يا محمّد على هداهم وقد أضلهم الله فلا ينفعك حرصك واتعابك نفسك ولا تقدر عليه لان الله تعالى قوى قاهر لا هادى لمن شاء ان يضله ولا ناصر لمن شاء ان يعذبه فحذف الجزاء وأقيم السبب مقامه والله اعلم- اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن ابى العالية قال كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فاتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به والّذي أرجوه بعد الموت لكذا وكذا فقال له المشرك انك لتزعم انك تبعث بعد الموت فاقسم بالله جهد يمينه لا يبعث الله من يموت فانزل الله تعالى.

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ معطوف على وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إيذانا بانهم كما أنكروا التوحيد أنكروا البعث مقسمين عليه زيادة فى القطع على فساده فقال الله تعالى ردا عليهم بأبلغ الوجوه بَلى يبعثهم وَعْداً مصدر مؤكد لنفسه وهو ما دل عليه بلى اعنى يبعثهم وعد من الله عَلَيْهِ إنجازه لامتناع الخلف فى وعده ولاقتضاء الحكمة البعث حَقًّا صفة اخرى للوعد وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (38) ان وعد الله حق او لا يعلمون البعث لعدم علمهم بانه مقتضى الحكمة الّتي جرت العادة بمراعاتها ولقصور نظرهم بالمألوف فيتوهمون امتناعه.

لِيُبَيِّنَ لَهُمُ متعلق بما دل عليه بلى اى يبعثهم ليبيّن لهم والضمير لمن يموت وهو يشتمل المؤمنين والكافرين الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ اى الحق وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (39) فى قولهم لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ وفيه اشارة الى السبب الداعي الى البعث المقتضى له من حيث الحكمة وهو التميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل بالثواب والعقاب وجاز ان يكون ليبين وليعلم متعلقا بقوله وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا يعنى بعثنا رسولا ليبين لهم الرسول ما اختلفوا فيه قبله وانهم كانوا على الضلالة مفترين على الله الكذب.

إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ اى أردنا وجوده فى المبدا او المعاد قولنا مبتدا خبره أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) اى فهو يكون قرا ابن عامر والكسائي هنا وفى يس فيكون بالنصب عطفا على نقول او جوابا لقوله كن وقد ذكرنا كلاما على تقدير الجواب

ص: 340

فى سورة البقرة- وفى هذه الاية بيان لامكان البعث وتقريره ان تكوين الله تعالى بمحض قدرته ومشيته لا توقف له على شيء اخر والا لزم التسلسل ولا على تعب وتجشم والا لزم العجز المنافى للالوهية- ولمّا أمكن تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادة ومثال أمكن له تكوينها إعادة بعده- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل كذّبنى عبدى ولم يكن له ذلك وشتمنى عبدى ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدنى كما بدانى وليس أول الخلق باهون علىّ من إعادته واما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وانا الأحد الصمد الّذي لم الد ولم اولد ولم يكن لى كفوا أحد- وفى رواية ابن عباس واما شتمه إياي فقوله لى ولد فسبحانى ان اتخذ صاحبة او ولدا رواه البخاري.

وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ اى فى سبيله وحقه ولوجهه مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا اى عذبوا وأوذوا اخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن ابى حاتم عن ابن عباس وداود ابن هند قال نزلت هذه الاية فى ابى جندل بن سهيل- وقال البغوي نزلت فى بلال وصهيب وخبّاب وعمّار وعائش وجبير وابى جندل بن سهيل أخذهم المشركون بمكة وعذبوهم واخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم وعبد بن حميد عن قتادة هم اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ظلمهم اهل مكة فاخرجوهم من ديارهم حتّى لحق طائفة منهم بالحبشة ثم بوّاهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة وجعل لهم أنصارا من المؤمنين لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً اى مباءة حسنة وهى المدينة او تبوية حسنة وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ مما يعجل لهم فى الدنيا قال البغوي روى ان عمر بن الخطاب كان إذا اعطى رجلا من المهاجرين عطاء يقول خذ بارك الله فيه هذا ما وعدك الله فى الدنيا وما ذخر لك فى الاخرة أفضل ثم تلا هذه الاية- وقيل معناه لنحسنن إليهم الدنيا حسنة- وقيل الحسنة فى الدنيا التوفيق والهداية لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) الضمير للكفار اى لو علموا ان الله يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين لمّا ظلموهم ولوافقوهم- او للمهاجرين اى لو علموا ذلك لزادوا فى اجتهادهم وصبرهم.

الَّذِينَ صَبَرُوا على الشدائد كاذى الكفار ومفارقة الأوطان ومحله النصب او الرفع على المدح وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)

ص: 341

ينقطعون الى الله يفوّضون أمورهم اليه- ولما أنكر كفار قريش نبوة محمّد صلى الله عليه وسلم وقالوا الله أعظم من ان يكون رسوله بشرا فهلا بعث إلينا ملكا فانزل الله سبحانه.

وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ الى الناس إِلَّا رِجالًا دون ملائكة نُوحِي إِلَيْهِمْ على السنة الملائكة- قرا حفص نوحى بالنون للمتكلم على البناء للفاعل والباقون بالياء على الغيبة فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ يعنى ان شككتم فى إرسال الله الرجال فاسئلوا اهل العلم بالكتب السابقة من اليهود والنصارى هل أرسل الى بنى إسرائيل موسى وعيسى وغيرهم من أنبياء بنى إسرائيل ومن قبلهم ابراهيم ونوحا وآدم وغيرهم فانهم يشهدون بذلك إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) وفى الاية دليل على وجوب المراجعة الى العلماء للجهال فيما لا يعلمون وان الاخبار مفيدة للعلم ان كان المخبر ثقة يعتمد عليه.

بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ متعلق بقوله أرسلنا اى ما أرسلنا بالبينات اى المعجزات الواضحات والزبر اى الكتب الا رجالا- ويجوز ان يتعلق بأرسلنا داخلا فى الاستثناء اى ما أرسلنا الا رجالا بالبينات- او متعلق بمحذوف صفة لرجالا يعنى ما أرسلنا الا رجالا متلبّسين «1» بالبينات والزبر- او منصوب على المفعولية او على الحال من قائم مقام الفاعل ليوحى على قراءة المبنى للمفعول وعلى التقادير كلها فاسئلوا اعتراض او هو متعلق بلا تعلمون على ان الشرط للتبكيت والإلزام وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ اى القران سمى ذكرا لانه موعظة لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ فى الذكر بتوسط انزاله إليك من الوعد والوعيد والاحكام والشرائع المجملة او مما تشابه عليهم- والبيان قد يكون صريحا بالقول او الفعل او التقرير وقد يكون غير صريح كالامر بالقياس وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) اشارة الى البحث فى نظم الكلام «2» ووجوه دلالاته حتّى يظهر لهم المراد من غير حاجة الى بيان من الشارع كما ان لفظ الحرث يشعر ان المراد فى قوله فَأْتُوا حَرْثَكُمْ الإتيان فى القبل دون الدبر لانه ليس بمحل للحرث وفى لفظ ثلاثة فى قوله تعالى ثَلاثَةَ قُرُوءٍ يشعر ان المراد بها الحيض دون الطهر لان الطلاق المسنون يكون فى الطهر اجماعا فاطهار العدة لا يكون الا اكثر من الثلاثة او اقل منها والله اعلم-

(1) فى الأصل ملتبسين

(2)

فى الأصل فى نظم كلام-[.....]

ص: 342

أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ اى المكرات السيئات هم الذين قصدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقتلوه او يثبتوه او يخرجوه وأرادوا صد الناس عن الايمان.

أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ كما خسف بقارون أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) بغتة من جانب السماء كما فعل بقوم لوط واصحاب الايكة وغيرهم.

أَوْ يَأْخُذَهُمْ بالعذاب فِي تَقَلُّبِهِمْ اى تصرفهم فى الاسفار قال ابن عباس فى اختلافهم وقال ابن جريج فى إقبالهم وادبارهم فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) اى سابقين الله.

أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ حال من الفاعل او المفعول اى على تنقص من تخوفته إذا تنقصته وذلك بان يهلك بعضهم ثم بعضهم حتّى يهلك جميعهم- ويقال تخوفه الدهر اى تنقصه فى ماله وجسمه- قال البغوي يقال هذه لغة هذيل- وقال الضحاك والكلبي هو الخوف- قلت بان يهلك قوما قبلهم فيتخوّفوا فيأتيهم وهم متخوّفون او بان يظهر امارات الهلاك قبل هلاكهم فيهلكوا كما فعل بثمود فى ثلاثة ايام اصفرت وجوههم فى الاول واحمرت فى الثاني واسودت فى الثالث ثم اهلكوا وعلى هذا التأويل حال من المفعول فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) ومن ثم لا يعجل فى العقوبة وذلك هو الباعث على كونهم امنين ولا ينبغى ذلك فانه تعالى مع ذلك قهار منتقم ذو البطش الشديد لا يطاق انتقامه ولاجل ذلك أنكر الله على امنهم وقال أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ الاية- والفاء للتعقيب عطف على قوله وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا- يعنى إذا علموا ان المرسلين لم يكونوا الا رجالا فمكرهم بمحمّد صلى الله عليه وسلم وامنهم على ذلك المكر مع كونه مثل من سبق من الرسل ليس على ما ينبغى-.

أَوَلَمْ يَرَوْا بالياء على الغيبة على قراءة الجمهور والضمير الى الذين مكروا السيئات وقرا حمزة والكسائي بالتاء على الخطاب إليهم على سبيل الالتفات من الغيبة وكذلك فى سورة العنكبوت والاستفهام للانكار يعنى انهم قد رأوا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فما بالهم لا يدركون كمال قدرته تعالى وقهرمانه ولا يخافون من عذابه

ص: 343

وما موصولة مبهمة بيانها من شيء يفيد عموم خلقه جميع الأشياء يَتَفَيَّؤُا اقرأ ابو عمرو ويعقوب بالتاء الفوقانية والباقون بالياء التحتانية ظِلالُهُ يعنى أولم ينظروا الى المخلوقات الّتي لها ظلال متفيئة يرجع ظلالها بارتفاع الشمس وانحدارها او باختلاف مشارقها ومغاربها بتقدير الله تعالى عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ يعنى عن إيمانها وشمائلها يعنى عن جانبى كل واحد منها استعارة عن يمين الإنسان وشماله- وتوحيد اليمين وجمع الشمائل باعتبار لفظة ما ومعناه كتوحيد الضمير فى ظلاله وجمعه فى قوله سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) اى اذلة «1» وهما حالان من الضمير فى ظلاله والمراد بالسجود الاستسلام طبعا او اختيارا- يقال سجدت النخلة إذا مالت بكثرة الحمل وسجد البعير إذا طأطأ رأسه ليركب- او سجّدا حال من الظلال وهم دخرون حال من الضمير يعنى يرجع ظلها منقادة لما قدر لها من التفيؤ- او واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة السجود والاجرام فى أنفسها ايضا صاغرة ذليلة منقادة لافعال الله تعالى- وجمع داخرون بالواو لان من جملتها من يعقل او لان الدخور من أوصاف العقلاء-.

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ من الشمس والقمر والنجوم وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وقيل من دابة بيان لهما لان الدبيب هى الحركة الجسمانية سواء كانت فى ارض او سماء وَالْمَلائِكَةُ عطف على ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ فان المراد بها ما فى السموات من جنسها من الشمس ونحوها وما فى الأرض من جنسها من الدواب واما الملائكة فليست من جنس شيء منهما ومنهم من ليسوا فى السماء ولا فى الأرض كحملة العرش وغيرهم- وقيل خص الملائكة بالذكر تشريفا كعطف جبرئيل على الملائكة- وما يستعمل للعقلاء وغير العقلاء فكان استعمالها حيث اجتمع القبيلتان اولى من استعمال من تغليبا- والمراد بالسجود الانقياد أعم من الانقياد لارادته وتأثيره طبعا والانقياد لتكليفه وامره طوعا ليصح اسناده الى عامة الخلائق حتّى الكفار الذين هم شر الدواب-

(1) عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربع قبل الظهر بعد الزوال تحسب بمثلهن من صلوة السحر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من شيء الا وهو يسبح الله تلك الساعة ثم قرا يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ الاية كلها 12 ازالة الخفا- منه رحمه الله

ص: 344

وقيل المراد بسجود الأشياء كلها ظهور اثر الصنع فيها بحيث يدعوا الغافلين الى السجود- والاولى ان يقال المراد بالسجود الطاعة والأشياء كلها مطيعة لله عز وجل من حيوان وجماد فانها وان كانت لا تعقل طواعا «1» عندنا لكنها عند الله تعالى مطيعة عاقلة غير خالية عن نوع من الحيوة- قال الله تعالى قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ- وقال الله تعالى وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ- وقال الله يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطت السماء وحق لها ان تأطّ- لكن على هذا التأويل الاية مخصوصة بما عد الكفار من الجن والانس فانها غير مطيعة قال الله تعالى فى اية السجدة فى سورة الحج وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ويدل على هذا التخصيص قوله تعالى وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) عن عبادته.

يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ اى يخافونه ان يرسل عليهم عذابا من فوقهم او يخافونه وهو فوقهم اى غالب عليهم بالقهر كقوله وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ- والجملة حال من الضمير المستكن فى لا يستكبرون او بيان له لان من خاف الله لا يستكبر عن عبادته وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) به من الطاعة ما يليق بهم فان هذه الصفات هو عدم الاستكبار والخوف وإتيان الأوامر لا توجد فى الكفار- اللهم الا ان يقال ان كان المراد بالسجود الانقياد العام او ظهور اثر الصنع بحيث يدعوا الى السجود- كان قوله وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ الى آخره بيانا لحال الملائكة خاصة والله اعلم- عن ابى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى ارى ما لا ترون واسمع ما لا تسمعون أطت السماء أطا وحق لها ان تأطّ والّذي نفسى بيده ما فيها موضع اربعة أصابع الا وملك واضع جبهته ساجدا لله ولو الله لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم الى الصعدات تجئرون الى الله- قال ابو ذر يا ليتنى كنت شجرة تعضد- رواه احمد والترمذي وابن ماجة والبغوي-.

وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ذكر العدد مع ان المعدود يدل عليه دلالة على ان مساق النهى اليه او ايماء بان الاثنينية ينافى الالوهية كما ذكر الواحد فى قوله إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ للدلالة على ان المقصود اثبات الوحدانية دون الالهية والتنبيه على ان الوحدة من لوازم الالهية فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) فيه التفات

(1) وفى الأصل ظواها-

ص: 345

من الغيبة الى الخطاب مبالغة فى الترهيب وتصريحا بالمقصود كانه قيل فانا ذلك الإله الواحد فاياى ارهبوا فارهبونى لا غير قرا يعقوب فارهبونى بإثبات الياء والباقون بحذفها.

وَلَهُ اى لله المتوحد فى الالهية ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خلقا فلا يمكن خلق شيء من الأشياء من غيره خلافا للمعتزلة فى افعال العباد- وملكا فلا يتصور الظلم منه لانه هو التصرف فى ملك غيره بغير اذنه- ولا يجوز لاحد تصرف فى شيء من الأشياء الا بإباحته واذنه وَلَهُ الدِّينُ اى الطاعة والإخلاص واصِباً اى دائما ثابتا لا يحتمل سقوطه لانه هو الإله وحده والحقيق بان يرهب منه فحق العباد ان يطيعوه دائما فى جميع الأحوال كما وصف به الملائكة حيث قال لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق رواه احمد والحاكم بسند صحيح عن عمران والحكيم بن عمرو الغفاري وفى الصحيحين وسنن ابى داود والنسائي عن علىّ بلفظ لا طاعة لاحد فى معصية الله انما الطاعة فى المعروف وفى معناه وله الدين ذا كلفة يعنى لا يجوز لاحد تكليف أحد الا باذنه لانه هو المالك لا غير والمالك يتصرف فى ملكه كيف يشاء وليس ذلك لغير المالك الا باذنه- وقيل الدين الجزاء على اعمال العباد دائما لا ينقطع ثوابه لمن أمن ولا ينقطع عقابه لمن كفر- وقيل المراد بالدين العذاب على الكفر ومعنى الواصب المرض والسقم اللازم يقال وصب فلان يوصب إذا توجع- قال الله تعالى وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ وفى حديث عائشة انا وصّبت رسول الله صلى الله عليه وسلم اى مرّضته- قال فى النهاية الوصب دوام الوجع ولزومه ومعنى وصّبته اى دبّرته فى مرضه كمرضته- وفى القاموس الوصب المرض واوصبه الله أمرضه ووصب يصب وصوبا دام وثبت كاوصب ووصب على الأمر واظب واحسن القيام عليه فالمراد بالآية الوعيد لمن اتخذ الهين اثنين يعنى من فعل ذلك فلله العذاب الشديد الدائم أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) استفهام انكار يعنى لا تخاطوا غيره إذ لا ضار سواه كما لا نافع غيره كما قال-.

وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ ما اما شرطية او موصولة متضمنة معنى الشرط يعنى اىّ شيء اتصل بكم او الّذي اتصل بكم من عافية او غنى او خصب او غيرها فَمِنَ اللَّهِ

ص: 346

اى فهو من الله ومعنى الشرط انما هو باعتبار الاخبار دون الحصول فان استقرار النعمة بهم يكون سببا للاخبار بانها من الله لا حصولها منه فانه مقدم على الاستقرار ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ من مرض او فقر او جدب او غيرها فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ اى لا تتضرعون الا اليه والجواد رفع الصوت فى الدعاء والاستغاثة.

ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) فى العبادة غيره وكلمة من للتبعيض ان كان الخطاب عاما وان كان خاصّا بالكفار فمن للبيان كانه قال فاذا فريق وهم أنتم- ويجوز ان يكون من على هذا ايضا للتبعيض على ان بعضهم يعتبرون قال الله تعالى فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ....

- لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ من النعماء خصوصا نعمة الكشف واللام للعاقبة يعنى صار عاقبة أمرهم الكفر بنعماء الله لانهم لما عبدوا غيره فكانّهم اثبتوا الانعام منه فَتَمَتَّعُوا امر تهديد فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) اغلظ وعيد.

وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ اى للاصنام الّتي هى جماد لا علم لها فيكون الضمير لما- او المعنى يجعلون لما لا يعلمونها مستحقة للعبادة لا نافعة ولا ضارة بل يسمونها الهة ويقولون جهلا منهم انها الهة تضر وتنفع وتشفع- او لا يعلمون لها حقّا فالضمير الى الكفار والعائد الى ما محذوف وما على التأويلين موصولة- او المعنى يجعلون لجهلهم على ان ما مصدرية والمجعول له محذوف للعلم به يعنى يجعلون لجهلهم للاصنام نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الحرث والانعام فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا

تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ التفات من الغيبة الى الخطاب يوم القيامة عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) من انها الهة وهو وعيد لهم عليه-.

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ اى يحكمون بثبوت البنات لله تعالى وهم خزاعة وكنانة قالوا الملائكة بنات الله سُبْحانَهُ تنزيها لذاته اى أسبحه سبحانا من نسبة الولد او تعجب من قولهم وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) يعنى البنين ويجوز فى ما الرفع على الابتداء ولهم خبره والنصب عطفا على البنات على ان الجعل بمعنى الاختيار وعلى هذا ضمير الفاعل والمفعول لشيء واحد لكن لا يبعد تجويزه فى المعطوف وسبحانه

ص: 347