المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌سورة بنى إسرائيل

‌سورة بنى إسرائيل

مائة واحدى عشرة اية مكية الا وان كادوا ليفتنونك الى اخر ثمان آيات ربّ يسّر وتمّم بالخير «1» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سُبْحانَ اسم بمعنى التسبيح الّذي هو التنزيه وقد يستعمل علما له فيقطع عن الاضافة وبمنع الصرف وانتصابه بفعل متروك إظهاره تقديره سبحوا الله سبحان او اسبح الله سبحانه- ثم نزل سبحان منزلة الفعل فسد مسده ودل على التنزيه البليغ وتصدير الكلام به للتنزيه عن العجز عما ذكر بعد ويكون بمعنى التعجب الَّذِي أَسْرى يعنى سيّر ليلا بِعَبْدِهِ محمّد صلى الله عليه وسلم لَيْلًا منصوب على الظرف وفائدة ذكره مع ان الاسراء لا يكون الا بالليل الدلالة بتنكيره على تقليل مدة الاسراء مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كما فى الصحيحين عن انس عن مالك بن صعصعة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا انا فى المسجد الحرام بين النائم واليقظان إذا تأنى جبرئيل بالبراق- وفى لفظ بينما انا فى الحطيم مضطجعا إذا تأنى ات الحديث- وقد ذكرناه فى تفسير سورة النجم- وقيل كان الاسراء من دار أم هانى فالمراد بالمسجد الحرام حينئذ الحرم سماه المسجد الحرام لان كله مسجد- او لانه محيط به ليطابق المبدا المنتهى- ويدل على كون النبي صلى الله عليه وسلم فى البيت دون المسجد ما فى الصحيحين عن انس عن ابى ذر

(1) الخطبة من الناشر-

ص: 398

يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال ففرج عنى سقف بيتي وانا بمكة الحديث وذكرناه ايضا فى سورة النجم- وما رواه ابو يعلى فى مسنده والطبراني فى الكبير من حديث أم هانى انه كان فى بيت أم هانى فاسرى به فرجع من ليلته وقص القصة عليها- وقال مثل لى النبيون فصليت بهم- ثم خرج الى المسجد واخبر به قريشا فتعجبوا منه استحالة- وارتد ناس ممن أمن به- وسعى رجال الى ابى بكر فقال ان كان قال ذلك فقد صدق قالوا أتصدقه على ذلك قال انى لاصدقه على ابعد من ذلك وسمى بذلك الصديق- واستنعته طائفة سافروا الى بيت المقدس فحلى له فطفق ينظر اليه وينعته لهم فقالوا اما النعت فقد أصاب فقالوا أخبرنا عن عيرنا فاخبرهم بعدد جمالها وأموالها وقال يقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جملا أورق- فخرجوا يشتدون الى الثنية فصادفوا العير كما أخبرهم ثم لم يؤمنوا او قالوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ- وقلت ويمكن الجمع بين الحديثين بتعدد المعراج مرة من الحطيم ومرة من بيت أم هانى- قال البغوي قال مقاتل كانت ليلة الاسراء قبل الهجرة بسنة يقال كان فى رجب وقيل فى شهر رمضان- إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يعنى البيت المقدس سمى أقصى لبعده من المسجد الحرام ولم يكن حينئذ وراءه مسجد- وتعجب قريش لبعده واستحالوه قال البيضاوي والاستحالة مدفوعة بما ثبت فى الهندسة ان ما بين طرفى قرص الشمس ضعف ما بين طرفى كرة الأرض مائة ونيفا وستين مرة- ثم ان طرفها الأسفل يصل موضع طرفها الا على فى الأقل من ثانية- وقد برهن فى الكلام ان الأجسام متساوية فى قبول الاعراض وان الله تعالى قادر على كل شيء من الممكنات فيقدر ان يخلق مثل هذه الحركة السريعة او اسرع منها فى بدن النبي صلى الله عليه وسلم او فيما يحمله- والتعجب من لوازم المعجزات الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ بالأنهار والأشجار والثمار وقال مجاهد سماه مباركا لانه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة والوحى ومنه يحشر الناس يوم القيامة لِنُرِيَهُ يعنى عبده محمّدا صلى الله عليه وسلم مِنْ آياتِنا اى بعض عجائب قدرتنا كذهابه فى برهة من الليل الى مسيرة أربعين ليلة ومن هناك الى السموات وتمثيل الأنبياء له وما راى فى تلك الليلة من آيات

ص: 399

ربه الكبرى- وصرف الكلام من الغيبة الى التكلم لتعظيم تلك الآيات إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاقوال النبي صلى الله عليه وسلم والمجيب لدعائه الْبَصِيرُ (1) لافعاله وأحواله الحفيظ له فى ظلمة الليل- قال البغوي وروى عن عائشة انها كانت تقول ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الله اسرى بروحه- يعنى فى المنام ويدل عليه ما رواه البخاري من حديث انس بن مالك يقول ليلة اسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة انه جاء ثلاثة نفر قبل ان يوحى اليه وهو نائم فى المسجد الحرام فقال أولهم ايّهم هو فقال أوسطهم هو خيرهم فقال آخرهم خذوا خيرهم- فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتّى أتوه ليلة اخرى فيما يرى قلبه وينام عينه ولا ينام قلبه- وكذلك الأنبياء ينام أعينهم ولا ينام قلوبهم- فلم يكلموه حتّى احتملوه فوضعوه عند زمزم فشق جبرئيل ما بين نحره الى لبته حتّى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده- وساق حديث المعراج بقصته- فاذا هو فى السماء الدنيا بنهرين يطردان قال هذا النيل والفرات عنصرهما- ثم مضى به فى السماء فاذا هو بنهر اخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فاذا هو مسك أذفر- قال ما هذا يا جبرئيل قال هذا الكوثر الّذي خبأ لك ربك وساق الحديث وقال ثم عرج بي الى السماء السابعة وقال قال موسى رب لم أظن ان يرفع علىّ أحد- ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه الا الله- حتّى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى- حتّى كان منه قاب قوسين او ادنى فاوحى اليه ما اوحى خمسين صلوة كل يوم وليلة فلم يزل يردده موسى الى ربه حتّى صارت الى خمس صلوات- ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال يا محمّد والله لقد راودت بنى إسرائيل قومى على ادنى من هذا فضعفوا عنه وتركوه- وأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وابصارا واسماعا

- فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم الى جبرئيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرئيل- فرفعه عند الخامسة فقال يا رب ان أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم واستماعهم وأبدانهم فخفف عنا- فقال الجبار يا محمّد فقال لبيك وسعديك- قال انه

ص: 400

لا يبدل القول لدىّ كما فرضت عليك فى أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهى خمسون فى أم الكتاب وهى خمس عليك- فقال موسى ارجع الى ربك فسئله فليخفف عنك ايضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله «1» قد استحييت من ربى فيما اختلفت عليه- قال فاهبط بسم الله فاستيقظ وهو فى المسجد الحرام- وروى مسلم هذا الحديث مختصرا فان قوله فاستيقظ وهو فى المسجد الحرام يدل على كونه رؤيا فى المنام- والأكثرون على ان الله تعالى اسرى بعبده محمّد «2» صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج بجسده فى اليقظة وتواترت الاخبار الصحيحة بذلك وعليه انعقد الإجماع- ولو كان المعراج فى المنام لما أنكر عليه قريش إذ لا استبعاد فى الرؤيا- قال البغوي قال شيخنا الامام رضى الله عنه قد قال بعض اهل الحديث ما وجدنا لمحمّد بن اسمعيل ولمسلم فى كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا الا هذا الحديث المذكور الّذي يدل على كون الاسراء فى المنام بروحه وأحال الآفة فيه الى شريك بن عبد الله وأنكر ايضا على ان ذلك قبل ان يوحى اليه- وقد اتفق اهل العلم على ان المعراج كان بعد الوحى بنحو من اثنى عشر سنة قبل الهجرة بسنة- ثم قال البغوي قال شيخنا الامام هذا الاعتراض عندى لا يصح لان هذا كان رؤيا فى المنام أراه الله تعالى قبل الوحى- ثم عرج به فى اليقظة بعد الوحى قبل الهجرة بسنة تحقيقا لرؤياه من قبل- كما انه راى فتح مكة فى المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ثم كان تحقّقه سنة ثمان والله اعلم- قال البغوي روى انه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة اسرى به فكان بذي طوى قال يا جبرئيل ان قومى لا يصدقونى قال يصدقك ابو بكر وهو الصديق- قال البغوي قال ابن عباس وعائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان ليلة اسرى بي فاصبحت بمكة قطعت بامرى وعرفت ان الناس مكذبى- فروى انه صلى الله عليه وسلم قعد معتزلا محزونا- فمر به ابو جهل فجلس اليه فقال له كالمستهزئ هل استفدت من شيء- قال نعم قال انى اسرى بي الليلة قال الى اين قال الى بيت المقدس قال ثم أصبحت بين ظهر أنينا قال نعم- فلم ير ابو جهل ان ينكر ذلك مخافة ان يجحده الحديث ثم قال أتحدث قومك بما حدثتنى قال نعم- فقال ابو جهل يا معشر بنى كعب بن لوى هلم- قال فانتقضت المجالس

(1) وفى الأصل قد والله استحييت

(2)

وفى الأصل محمّدا

ص: 401

فجاءوا حتّى جلسوا إليهما- قال فحدث قومك ما حدثتنى قال نعم انى اسرى بي الليلة قالوا الى اين قال الى بيت المقدس قالوا ثم أصبحت بين ظهرانينا قال نعم- قال فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا- وارتد ناس ممن كان أمن به وصدقه- وسعى رجل من المشركين الى ابى بكر فقال هل لك فى صاحبك يزعم انه اسرى به الليلة الى بيت المقدس- قال أوقد قال ذلك قالوا نعم قال ان كان قال ذلك لصدق- قالوا وتصدقه انه ذهب الى بيت المقدس فى ليلة وجاء قبل ان يصبح قال نعم انى لاصدقه بما هو ابعد من ذلك أصدقه بخبر السماء فى غدرة وروحة- فلذلك سمى ابو بكر الصديق قال وفى القوم من قد اتى المسجد الأقصى فقالوا هل تستطيع ان تنعت لنا المسجد قال نعم- قال فذهبت انعت وانعت فما زلت انعت حتّى التبس علىّ بعض النعت- قال فجيء بالمسجد وانا انظر اليه حتّى وضع دون دار عقيل فنعت المسجد وانا انظر اليه- فقالوا اما النعت فو الله لقد أصاب ثم قالوا يا محمّد أخبرنا عن عيرنا فهى أهم إلينا فهل لقيت منها شيئا- قال نعم مررت على عير بنى فلان وهى بالروحاء قد أضلوا بعيرا لهم وهم فى طلبه- وفى رحالهم قدح من ماء فعطشت فاخذته فشربته ثم وضعته كما كان فسلوهم هل وجدوا الماء فى القدح حين رجعوا اليه قالوا هذه اية- قال ومررت بعير بنى فلان وفلان وفلان راكبان قعودا لهما بذي مر فنفر بعيرهما منى «1» فاسئلوهما عن ذلك قالوا وهذه اية- قالوا وأخبرنا عن عيرنا قال مررت بها بالتنعيم قالوا فما عدتها واحمالها وهيئتها قال كنت فى شغل عن ذلك ثم مثلت له مكانه بالحرورة بعدتها وهيئتها ومن فيها- قال نعم هيئتها كذا وكذا وفيها فلان يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان يطلع عليكم عند طلوع الشمس- قالوا وهذه اية فخرجوا يشتدون نحو الثنية وهم يقولون والله لقد قص محمّد شيئا وبيّنه حتّى أتوا كداء فجلسوا عليه فجعلوا ينتظرون متى تطلع الشمس فيكذّبونه إذ قال قائل منهم والله هذه الشمس قد طلعت وقال الاخر والله وهذه الإبل قد طلعت يقدمها بعير أورق فيها فلان وفلان كما قال لهم فلم يؤمنوا وقالوا ان هذا السحر مبين- وروى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رايتنى فى الحجر وقريش تسئلنى عن مسراى- فسالنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها

(1) فرمى لفلان فانكسرت يده- كذا فى البغوي عبد الرّحمن غفر له مدرس ومفتى مدرسه امينيه دهلى

ص: 402

فكربت كربا ما كربت مثله قط- فرفعه الله لى انظر اليه ما يسئلونى عن شيء الا انبأتهم به- وقد رايتنى فى جماعة من الأنبياء وإذا موسى قائم يصلى فاذا رجل ضرب جعد كانّه من رجال شنوة أشبه الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي- وإذا ابراهيم قائم يصلى أشبه الناس به صاحبكم (يعنى نفسه) فحانت الصلاة فاممتهم فلما فرغت من الصلاة قال لى قائل يا محمّد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه فالتفت اليه فبدانى بالسلام- وروى البخاري فى الصحيح قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة اسرى به لقيت موسى (قال فنعته) فاذا هو رجل (حسبته قال) مضطرب رجل الرأس كانه من رجال شنؤة قال ولقيت عيسى (فنعته النبي صلى الله عليه وسلم فقال) ربعة احمر كانّما خرج من ديماس يعنى الحمام ورايت ابراهيم وانا أشبه ولده به قال وأوتيت بانائين أحدهما فيه لبن والاخر فيه خمر فقيل لى خذ أيهما شئت فاخذت اللبن فشربته فقال لى هديت الفطرة او أصبت الفطرة اما لو أخذت الخمر غوت أمتك- وفى الصحيحين عن جابر انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمّا كذّبنى قريش فى الحجر فجلى الله بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وانا انظر اليه وقد ذكرنا أحاديث اخر فيها قصة المعراج الى السموات السبع وسدرة المنتهى فى سورة النجم.

قوله تعالى وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ التورية وَجَعَلْناهُ اى موسى او الكتاب هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا ان مفسرة لفعل دل عليه الكتاب يعنى كتبنا وفيه معنى القول تقديره كتبنا إليهم أَلَّا تَتَّخِذُوا او مقدر بحرف الجر يعنى لان لا تتّخذوا وقيل ان زائدة والقول مضمر- قرا ابو عمرو لا يتّخذوا بالياء التحتانية على الغيبة والباقون بالتاء الفوقانية على الخطاب مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ربّا تتوكلون عليه وتكلون اليه أموركم غيرى يا.

ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ فى السفينة فانجيناهم- فيه تذكير لانعام الله عليهم فى إنجاء ابائهم من الغرق بحملهم مع نوح فى السفينة ذرية منصوب على الاختصاص او النداءان قرئ لا تتخذوا بالتاء الفوقانية للخطاب او على انه أحد مفعولى لا تتخذوا ومن دونى حال من وكيلا فيكون

ص: 403

كقوله تعالى وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً

إِنَّهُ يعنى نوحا عليه السلام كانَ عَبْداً شَكُوراً (3) اى كثير الشكر اخرج ابن مردوية عن ابى فاطمة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال كان نوح لا يعمل شيئا صغيرا ولا كبيرا الا قال بسم الله والحمد لله فسماه الله عبدا شكورا واخرج ابن جرير والطبراني عن سعد بن مسعود الثقفي الصحابي رضى الله عنه قال انما سمى نوح عبدا شكورا لانه كان إذا أكل او شرب او لبس ثوبا حمد الله وفيه حث على الشكر يعنى أنتم ذرية من أمن به وحمل معه فكونوا مثله-.

قوله تعالى وَقَضَيْنا اى أوحينا وحيا مقضيّا مبتوتا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ التورية بانكم لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ ارض الشام وقال ابن عباس وقتادة كلمة الى بمعنى على ومعنى الاية وقضينا على بنى إسرائيل فى الكتاب اى اللوح المحفوظ لتفسدن جواب قسم محذوف او جواب لقضينا اجراء للقضاء المبتوت مجرى القسم مَرَّتَيْنِ إفسادتين اولا هما ان خالفوا احكام التورية وركبوا المحارم وقتلوا شعيا بن امضيا عليه السلام وثانيتهما ان قتلوا زكريا ويحيى وقصدوا قتل عيسى عليهم السلام وقيل اولاهما قتل زكريا وثانيتهما قتل يحيى وقصد قتل عيسى عليهم السلام وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (4) يعنى لتستكبرون عن طاعة الله وتظلمون الناس.

فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما اى وعد عقاب اولاهما بَعَثْنا اى سلطنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا يعنى سخاريب من اهل نينوى كذا قال سعيد بن جبير وقال قتادة يعنى جالوت وجنوده الّذي قتله داؤد عليه السلام وقال ابن إسحاق بخت نصر البابلي قال البغوي وهو الأظهر أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ اى ذوى قوة وبطش فى الحرب فَجاسُوا اى تردّدوا خِلالَ الدِّيارِ اى وسط دياركم يطلبونكم ويقتلونكم قال الزجاج الجوس طلب الشيء بالاستقصاء وقال الفراء جاسوا اى قتلوكم بين بيوتكم وَكانَ وعد عقابكم وَعْداً مَفْعُولًا (5) اى لا بد ان يفعل.

ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ اى الدولة والغلبة عَلَيْهِمْ اى على الذين بعثوا قال البيضاوي وذلك بان الله القى فى قلب بهمن بن إسفنديار لما ورث الملك من جده كستاسف بن لهراسف شفقة عليهم- فرد اسراهم الى الشام وملّك

ص: 404

دانيال عليهم واستولوا على من كان فيها من اتباع بخت نصر او بان سلط داؤد على جالوت فقتله وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) ممّا كنتم والنفير من ينفر مع الرجل من قومه- وقيل هو جمع نفر على وزن عبيد والنفر قوم مجتمعون للذهاب الى العدو- فلما رد الله لهم الكرة عاد البلد احسن مما كان- قال الله تعالى.

إِنْ أَحْسَنْتُمْ بالطاعة أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ لان ثوابه لها والله تعالى غنى عن طاعتكم وَإِنْ أَسَأْتُمْ بالفساد فَلَها ذكر اللام موضع عليها ازدواجا يعنى وبالها عليها فَإِذا جاءَ وَعْدُ اى وقت وعد عقوبة المرة الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ اى بعثناهم ليسوءوا وجوهكم اى يجعلوها بادية اثار المساءة فيها- حذف بعثنا هاهنا لدلالة ذكره اولا عليه- قرا الكسائي ويعقوب «1» لنسوءا بالنون وفتح الهمزة على التكلم والتعظيم على وفق قضينا وبعثنا وقرا ابن عامر وحمزة وابو بكر بالياء التحتانية وفتح الهمزة على صيغة الغائب الواحد اى ليسوءا الله وجوهكم او ليسوءا الوعد او البعث والباقون بالياء التحتانية وضم الهمزة على صيغة الجمع المذكر للغائب اى ليسوءوا العباد أولوا البأس الشديد وجوهكم- قال البغوي سلط الله عليهم الفرس والروم وخردوش وططيوس حتّى قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن ديارهم وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ يعنى بيت المقدس ونواحيه كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا اى ليهلكوا ما عَلَوْا اى ما غلبوا واستولوا عليه او مدة علوهم تَتْبِيراً (7) قال البغوي قال محمّد بن إسحاق كانت بنوا إسرائيل فيهم الأحداث والذنوب وكان الله فى ذلك متجاوزا عنهم محسنا إليهم وكان أول ما نزل بهم بسبب ذنوبهم كما اخبر الله على لسان موسى عليه السلام ان ملكا منهم كان يدعى صديقه وكان الله تعالى إذا ملك الملك عليهم بعث معه نبيّا يسدّده ويرشده لا ينزل عليهم الكتب انما يؤمرون باتباع التورية والاحكام الّتي فيها فلما ملك ذلك الملك بعث الله معه شعيا بن امضيا وذلك قبل مبعث زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وشعيا

(1) ويعقوب مع ابى عمرو- ابو محمّد

ص: 405

هو الّذي بشر بعيسى ومحمّد عليهما الصلاة والسلام فقال أبشري أورشليم الان يأتيك راكب الحمار ومن بعده صاحب البعير- فملك ذلك الملك بنى إسرائيل وبيت المقدس زمانا فلما انقضى ملكه عظمت فيهم الأحداث وشعيا معه بعث الله سخاريب ملك بابل معه ستمائة الف رأية فاقبل سائرا حتّى نزل حول بيت المقدس- والملك مريض فى ساقه قرحة- فجاء النبي شعيا فقال له يا ملك بنى إسرائيل ان سخاريب ملك بابل قد نزل بك هو وجنوده بستمائة الف رأية وقدها بهم الناس وفرقوا- فكبر ذلك على الملك فقال يا نبى الله هل أتاك وحي من الله فيما حدث فتخبرنا به كيف يفعل الله بنا وبسخاريب وجنوده- فقال لم يأتينى وحي فبينماهم على ذلك اوحى الله الى شعيا النبي عليه السلام ان ايت ملك بنى إسرائيل فمره ان يوصى وصية ويستخلف على ملكه من يشاء من اهل بيته- فاتى شعيا ملك بنى إسرائيل صديقة فقال ان ربك قد اوحى الىّ ان أمرك ان توصى وصيتك وتستخلف من شئت على ملكك من اهل بيتك فانك ميّت- فلما قال ذلك شعيا لصديقة اقبل على قبلته فصلّى ودعا وبكى فقال وهو يتضرع ويبكى ويتضرع الى الله بقلب مخلص- اللهم رب الأرباب واله الالهة يا قدوس المتقدس يا رحمان يا رءوف الّذي لا تأخذه سنة ولا نوم اذكرني بعملي وفعلى وحسن قضائى على بنى إسرائيل وذلك كله منك وأنت اعلم به منى سرى وعلانيتى لك- وان الرحمان استجاب دعاءه وكان عبدا صالحا- فاوحى الله الى شعيا ان تخبر صديقة ان ربه قد استجاب له ورحمه واخّر اجله خمس عشرة سنة وأنجاه من عدوه سخاريب- فاتاه شعيا فاخبره بذلك- فلما قال له ذلك ذهب عنه الروع وانقطع عنه الحزن وخرّ ساجدا وقال يا الهى واله ابائى لك سجدت وسبحت وكرّمت وعظّمت أنت الّذي تعطى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء عالم الغيب والشهادة أنت الاول والاخر والظاهر والباطن وأنت ترحم وتستجيب دعوة المضطرين أنت الّذي أجبت دعوتى ورحمت تضرعى فلما رفع رأسه اوحى الله الى شعيا ان قل للملك صديقة فيامر عبدا من عبيده فيأتيه بماء التين فيجعله على قرحته فيشفى فيصبح وقد برئ ففعل فشفى-

ص: 406

وقال الملك لشعيا سل ربك ان يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا قال الله لشعيا قل انى قد كفيتك عدوك وانجيتك منهم وانهم سيصبحون كلهم موتى الا سخاريب وخمسة نفر من كتّابه- فلما أصبحوا جاء صارخ فصرخ على باب المدينة يا ملك بنى إسرائيل ان الله قد كفاك عدوك- فاخرج فان سخاريب ومن معه قد هلكوا- فلمّا خرج الملك التمس سخاريب فلم يوجد فى الموتى فارسل الملك فى طلبه فادركه الطلب فى مغارة وخمسة نفر من كتابه أحدهم بخت نصر- فجعلوهم فى الجوامع ثم أتوا بهم ملك بنى إسرائيل فلما راهم خرّ ساجدا من حين طلعت الشمس الى العصر- ثم قال لسخاريب كيف ترى فعل ربنا بكم الم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون- فقال سخاريب قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته الّتي يرحمكم بها قبل ان اخرج من بلادي فلم أطع مرشدا ولم يلقنى فى الشقوة إلا قلة عقلى ولو سمعت او عقلت ما غزوتكم- فقال صديقة الحمد لله رب العزة الّذي كفاناكم بما شاء ان ربنا لم يبقك ومن معك لكرامتك على ربك ولكنه انما أبقاك ومن معك لتزدادوا شقوة فى الدنيا وعذابا فى الاخرة- ولتخبروا من ورائكم بما رايتم من فعل ربنا بكم فتنذر من بعدكم- ولولا ذلك لقتلتكم ولدمك ودم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلت ثم ان ملك بنى إسرائيل امر امير حرسه فقذف فى رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وايليا وكان يرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم- فقال سخاريب لملك بنى إسرائيل القتل خير مما تفعل بنا فامر بهم الملك الى سجن القتل- فاوحى الى شعيا النبي عليه السلام ان قل لملك بنى إسرائيل يرسل سخاريب ومن معه لينذروا من ورائهم وليكرمهم وليحملهم حتّى يبلغوا بلادهم فبلّغ شعيا الملك ذلك ففعل الملك صديقة ما امر به- فخرج سخاريب

ومن معه حتّى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فاخبرهم كيف فعل الله بجنوده فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي الله الى نبيهم فلم تطعنا وهى امة لا يستطيعها أحد مع ربهم- وكان امر سخاريب تخويفا لهم ثم كفاهم الله تذكرة وعظة ثم لبث سخاريب بعد ذلك سبع سنين ثم مات واستخلف بخت نصر ابن ابنه فخلف بخت نصر على ما كان

ص: 407

عليه جده يعمل عمله فلبث سبع عشرة سنة- ثم قبض الله ملك بنى إسرائيل صديقة فمرج امر بنى إسرائيل وتنافسوا الملك بعده حتّى قتل بعضهم بعضا ونبيهم شعيا عليه السلام معهم ولا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعيا تم فى قومك فاوحى على لسانك فلما قام النبي انطق الله على لسانه بالوحى فقال يا سماء اسمعي ويا ارض انصتى فان الله يريد ان يقص شأن بنى إسرائيل الذين رباهم بنعمته واصطنعهم لنفسه وخصّهم بكرامته وفضلهم على عباده- وهم كالغنم الضائعة الّتي لا راعى لها فاوى شاذتها وجمع ضالتها وجبر كسيرها وداوى مريضها واسمن مهزولها وحفظ سمينها- فلمّا فعل ذلك بطرت فتنا طحت فقتل بعضها بعضا حتّى لم يبق منها عظم صحيح يجبر اليه اخر كسير- فويل لهذه الامة الخاطئة الذين لا يدرون انّى جاءهم الحين- ان البعير مما يذكر وطنه فيستابه وان الحمار مما يذكر الارى الّذي يشبع عليه فيراجعه وان الثور مما يذكر الارى الّذي يشبع عليه فيراجعه وان الثور مما يذكر المرح الّذي سمن منه فينتابه- وان هؤلاء القوم لا يذكرون من حيث جاءهم الحين وهم أولوا الألباب والعقول ليسوا ببقر ولاحمز انى ضارب لهم مثلا فليستمعوه قل لهم كيف ترون فى ارض كانت خواء زمانا خربة مواتا لا عمران فيها- وكان لها ربّ حكيم قوى فاقبل عليها بالعمارة وكره ان يخرب ارضه وهو قوى او ان يقال ضيع وهو حكيم فاحاط عليها جدارا وشيّد فيها قصرا وانط نهرا وصفّ فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها- وولّى ذلك واستحفظه ذا رأى وهمة حفيظا قويا أمينا فلمّا اطلعت جاء طلعها خروبا قالوا بئست الأرض هذه- نرى ان يهدم جدارها وقصرها ويدفن نهرها ويقبض فمها ويحرق غرسها حتّى تصير كما كانت أول مرة خرابا مواتا لا عمران فيها- قال الله قل لهم فان الجدار دينى وان القصر شريعتى وان النهر كتابى وان القيم نبيى وان الغراس هم- وان الخروب الّذي اطلع الغراس أعمالهم الخبيثة وانى قد قضيت عليهم قضاء هم على أنفسهم وانه مثل ضربته لهم- يتقرّبون الىّ بذبح البقر والغنم وليس ينالنى اللحم

ص: 408

ولا أكله- ويدعون ان يتقرّبوا الىّ بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس الّتي حرمتها فايديهم مخضوبة منها وثيابهم متزملة بدمائها- ويشيدون لى البيوت مساجد ويطهرون أجوافها ويتنجسون قلوبهم وأجسادها ويدنسوها- ويروقون لى المساجد ويزيّنونها ويخربون عقولهم واخلاقهم ويفسدونها- فاىّ حاجة لى الى تشييد البيوت ولست أسكنها واىّ حاجة لى الى ترويق المساجد ولست أدخلها انما أمرت برفعها لا ذكر واسبح فيها- يقولون صمنا فلم يرفع صيامنا وصلينا فلم تنور صلاتنا وتصدقنا فلم تزك صدقاتنا ودعونا بمثل حنين الحمار وبكينا بمثل عواء الذئاب فى كل ذلك لا يستجاب لنا- قال الله فاسألهم ما الّذي يمنعنى ان استجيب لهم الست اسمع السامعين وابصر الباصرين واقرب المجيبين وارحم الراحمين- فكيف ارفع صيامهم وهم يلبّسونه بقول الزور يتقوون عليه بطعمة الحرام- وكيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية الى من يحاربنى ويحادّنى وينتهك محارمى- أم كيف يزكوا عندى صدقاتهم وهم يتصدقون باموال غيرهم انما اجر عليها أهلها المعصومين- أم كيف استجيب دعاءهم وانما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد انما استجيب للوادع اللين وانما اسمع قول المستعف المسكين- وان من علامة رضائى رضاء المساكين- يقولون لما سمعوا كلامى وبلّغتهم رسالتى انها أقاويل متقوّلة وأحاديث متوارثة وتأليف مما يؤلف السحرة والكهنة- وزعموا انهم لو شاءوا ان يأتوا بحديث مثله فعلوا- ولو شاءوا ان يطلعوا على علم الغيب بما يوحى إليهم الشياطين اطلعوا- وانى قد قضيت يوم خلقت السماء

والأرض قضاء أثبته وحتمته على نفسى وجعلت دونه أجلا مؤجلا لا بد انه واقع فان صدقوا بما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى انفذه او فى اىّ زمان يكون- وان كانوا ان يقدرون على ان يأتوا بما يشاءون فليأتوا بمثل القدرة الّتي بها أمضيه فانى مظهره على الدين كله ولو كره المشركون وان كانوا يقدرون على ان يؤلفوا ما يشاءون فليؤلفوا مثل الحكمة الّتي بها ادبّر امر ذلك القضاء ان كانوا صادقين- وانى قد قضيت يوم خلقت السموات والأرض ان اجعل النبوة فى الاجراء وان اجعل

ص: 409

الملك فى الرعاء والعز فى الأذلاء والقوة فى الضعفاء والغنى فى الفقراء والعلم فى الجهلة والحكم فى الأميين- فسلهم متى هذا ومن القائم به ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره ان كانوا يعلمون- فانى باعث لذلك نبيّا اميّا ليس بفظّ ولا غليظ ولاصحاب فى الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للحياء- اسدده لكل خميل واهب له كل خلق كريم ثم اجعل السكينة لباسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقوله والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى امامه والإسلام ملته واحمد اسمه- اهدى به بعد الضلالة واعلم به من الجهالة وارفع به بعد الخمالة وأشهر به بعد النكرة واكثر به بعد القلة واغنى به بعد العيلة واجمع به بعد الفرقة واؤلف به بين قلوب مختلفة وأهواء متشتة وامم متفرقة- واجعل أمته خير امة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر توحيدا لى وايمانا بي وإخلاصا لى- يصلّون لى قياما وقعودا وركعا وسجودا- ويقاتلون فى سبيلى صفوفا وزحوفا- ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضوانى- الهمهم التكبير والتوحيد والتسبيح والتحميد والمدحة والتمجيد لى فى مسيرهم ومجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم- يكبرون ويهللون ويقدسون على رءوس الاشراف ويطهرون لى الوجوه والأطراف ويعقدون الثياب على الانصاف- قربانهم دماؤهم وأناجيلهم صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار- وذلك فضلى أوتيه من أشاء وانا ذو الفضل العظيم- فلما فرغ شعيا من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت له فدخل فيها فادركه الشيطان وأخذ بهدبة من ثوبه فاراهم إياها فوضعوا المنشار فى وسطها فنشروها حتّى قطعوها وقطعوه فى وسطها- واستخلف الله على بنى إسرائيل بعد ذلك رجلا منهم يقال له ناشية بن اموص وبعث لهم ارميا بن حلقيا نبيّا من سبط هارون بن عمران- وذكر ابن إسحاق انه الخضر عليه السلام واسمه ارميا سمى الخضر لانه جلس على فروة «1» بيضاء فقام عنها

(1) الفروة الأرض اليابسة وقيل الهشيم اليابس من النيان 12 نهايه منه رحمه الله [.....]

ص: 410

وهى تهتز خضراء فبعث الله ارميا الى ذلك الملك يسدده ويرشده ثم عظمت الأحداث فى بنى إسرائيل وركبوا المعاصي واستحلوا المحارم فاوحى الله الى ارميا ان ايت قومك من بنى إسرائيل فاقصص عليهم ما أمرك به وذكّرهم نعمى وعرفهم باحداثهم- فقال ارميا يا رب انى ضعيف ان لم تقولى عاجز ان لم تبلغنى مخذول ان لم تنصرنى- قال الله تعالى الم تعلم ان الأمور كلها تصدر عن مشيّتى وان القلوب والالسنة بيدي أقلبها كيف شئت انى معك ولم يصل إليك شيء معى- فقام ارميا فيهم ولم يدر ما يقول فالهمه الله فى الوقت خطبة بليغة بيّن لهم فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية وقال فى آخرها عن الله عز وجل وانى حلفت بعزتي لأقيّضنّ لهم فتنة يتحير فيها الحليم ولا سلطنّ عليهم جبارا قاسيا البسه الهيبة وانزع من صدره الرحمة يتبعه عسكر مثل سواد الليل المظلم- ثم اوحى الله الى ارميا انى مهلك بنى إسرائيل بيافث ويافث اهل بابل فسلط الله عليهم بخت نصر فخرج عليهم فى ستمائة الف رأية ودخل بيت المقدس بجنوده ووطى الشام وقتل بنى إسرائيل حتّى أفناهم وخرّب بيت المقدس وامر جنوده ان يملا كل واحد منهم ترسه ترابا ثم يقذفه فى بيت المقدس ففعلوا ذلك حتّى ملاوه ثم أمرهم ان يجمعوا من فى بلاد بيت المقدس كلهم فاجتمع عندهم كل صغير وكبير من بنى إسرائيل فاختار منهم سبعين الف صبى- فلمّا خرجت غنائم جنده وأراد ان يقسمهم فيهم قالت له الملوك الذين كانوا معه ايها الملك لك الغنائم كلها واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بنى إسرائيل- فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فاصاب كل رجل منهم اربعة غلمة- وفرق من بقي من بنى إسرائيل ثلاث فرق فثلثا أقرّ بالشام وثلثا سبى وثلثا قتل- وذهب بناشية بيت المقدس وبالصبيان السبعين الالف حتّى أقدمهم بابل فكانت هذه الوقعة الاولى الّتي انزل ببني إسرائيل بظلمهم فذلك قوله تعالى فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يعنى بخت نصر وأصحابه- ثم ان بخت نصر اقام فى سلطانه ما شاء الله- ثم راى رؤيا أعجبته إذ راى

ص: 411

شيئا أصابه فانساه الّذي راى- فدعا دانيال وحنانيا وعزاريا وميشائيل وكانوا من ذرارى الأنبياء وسالهم عنها قالوا أخبرنا عنها نخبرك بتأويلها قال ما أذكرها ولان لم تخبرونى بها وبتأويلها لا نزعن أكتافكم- فخرجوا من عنده فدعوا الله وتضرعوا اليه فاعلمهم الّذي سالهم عنه فجاءوه فقالوا رايت تمثالا قدماه وساقاه من فخار وركبتاه وفخذاه من نحاس وبطنه من فضة وصدره من ذهب ورأسه وعنقه من حديد (قال صدقتم) فبينا أنت تنظر اليه قد أعجبك أرسل الله صخرة من السماء فدقّته فهى الّتي أنسيتها- قال صدقتم فما تأويلها قالوا تأويلها انك اريت ملك الملوك بعضهم كان ألين ملكا وبعضهم كان احسن ملكا وبعضهم كان أشد ملكا- الفخار أضعفه ثم فوقه النحاس أشد منه ثم فوق النحاس الفضة احسن من ذلك وأفضل والذهب أفضل واحسن من الفضة ثم الحديد ملكك فهو أشد وأعز مما كان قبله والصخرة الّتي رايت أرسل الله من السماء فدقّته هى يبعثه الله من السماء فيدق ذلك اجمع ويصير الأمر اليه- ثم ان اهل بابل قالوا لبخت نصر ارايت هؤلاء الغلمان الّذي كنا سالناك ان تعطينا ففعلت فانا قد أنكرنا نساءنا منذ كانوا معنا لقد راينا نساءنا انصرفت عنا وجوههن إليهم فاخرجهم من بين أظهرنا او اقتلهم قال شأنكم بهم فمن أحب منكم ان يقتل من كان فى يده فليفعل- فلما قربوهم الى القتل بكوا الى الله وقالوا يا رب أصابنا البلاء بذنوب غيرنا فوعدهم الله ان يحييهم فقتلوا الا من استبقى بخت نصر منهم دانيال وحنانيا وعزاريا وميشائيل- ثم لما أراد الله هلاك بخت نصر انبعث فقال لمن فى يده من بنى إسرائيل ارايتم هذا البيت الّذي أخربت والناس الذين قتلت منهم فما هذا البيت- قالوا هذا بيت الله وهؤلاء اهله كانوا من ذرارى الأنبياء فظلموا وتعدّوا فسلطتّ عليهم بذنوبهم- وكان ربهم رب السموات والأرض ورب الخلق كلهم يكرّمهم ويعزّهم فلمّا فعلوا ما فعلوا اهلكهم وسلط عليهم غيرهم- فاستكبر وظن انه بجبروته فعل ذلك ببني إسرائيل قال فاخبرونى كيف لى ان اطلع الى السماء العليا فاقتل من فيها

واتخذها ملكا فانى قد فرغت من ملك الأرض- قالوا ما يقدر عليها أحد من

ص: 412

الخلائق قال لتفعلن اولا قتلنكم عن آخركم فبكوا وتضرعوا الى الله فبعث الله عليه بقدرته بعوضة فدخلت منخره حتّى عضت بام دماغه فما كان يقر ولا يسكن حتّى يؤجاله رأسه على أم دماغه فلما مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة على أم دماغه ليرى الله العباد قدرته- ونجّى الله من بقي من بنى إسرائيل فى يده فردّهم الى الشام فبنوا فيه وكثروا حتّى كانوا على احسن ما كانوا عليه ويزعمون ان الله تعالى أحيا أولئك الذين قتلوا فلحقوا بهم- ثم انهم لما دخلوا الشام دخلوها وليس معهم عهد من الله عز وجل وكانت التورية قد أحرقت- وكان عزير من السبايا الذين كانوا ببابل فرجع الى الشام يبكى عليها ليله ونهاره وقد خرج من الناس وهو كذلك- إذ اقبل اليه رجل وقال يا عزير ما يبكيك قال ابكى على كتاب الله وعهده الّذي كان بين أظهرنا لا يصلح دنيانا وآخرتنا غيره قال أفتحبّ ان ترد إليك ارجع فصم وتطهّر وطهّر ثيابك ثم موعدك هذا المكان غدا- فرجع عزير فصام وتطهّر وطهّر ثيابه ثم عهد الى المكان الّذي وعده فجلس فيه فاتاه ذلك الرجل باناء فيه ماء وكان ملكا بعثه الله اليه فسقاه من ذلك الإناء فتمثلت التورية فى صدره- فرجع الى بنى إسرائيل فوضع لهم التورية فاحبوه حبّا لم يحبوا حبه شيئا قط ثم قبضه الله- وجعلت بنو إسرائيل بعد ذلك يحدثون الأحداث ويعود الله عليهم ويبعث فيهم الرسل ففريقا يكذّبون وفريقا يقتلون حتّى كان اخر من بعث الله فيهم من أنبيائهم زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وكانوا من بيت ال داود فمات زكريا وقيل قتل زكريا- فلما رفع الله عيسى من بين أظهرهم وقتلوا يحيى بعث الله عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له خردوش فسار إليهم باهل بابل حتّى دخل عليهم الشام فلما ظهر عليهم امر رأسا من رءوس جنوده يدعى يبورز أذان صاحب الفيل فقال انى قد كنت حلفت بإلهي لان اظفرت على اهل بيت المقدس لاقتلنهم حتّى تسيل دماؤهم فى وسط عسكرى الا ان لا أجد أحدا اقتله- فامره ان يقتلهم حتّى يبلغ ذلك منهم وان يبورز أذان دخل بيت المقدس فقام فى البقعة الّتي كانوا يقربون فيها قربانهم- فوجد فيها دما يغلى

ص: 413

فسالهم فقال يا بنى إسرائيل ما شأن هذا الدم يغلى أخبروني خبره- قالوا هذا دم قربان لنا قربناه فلم يقبل منا فكذلك يغلى ولقد قرّبنا منذ ثمان مائة سنة القربان فيقبل منا الا هذا- فقال ما صدقتمونى قالوا لو كان كاول زماننا ليقبل منا ولكن قد انقطع منا الملك والنبوة والوحى فلذلك لم يقبل منا- فذبح منهم يبورز أذان على ذلك الدم سبعمائة وسبعين زوجا من رءوسهم فلم يهدأ- فأمر فاتى بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحهم على الدم فلم يبرد- فلما راى يبورز أذان ان الدم لا يهدا قال لهم يا بنى إسرائيل ويلكم اصدقونى (واصبروا على امر ربكم فقد طال ما ملكتم فى الأرض تفعلون فيها ما شئتم) قبل ان لا اترك منكم نافخ نار ذكر ولا أنثى الا قتلته- فلمّا راوا الجهد وشدة القتل صدقوا الخبر فقالوا ان هذا دم نبىّ كان ينهانا عن امور كثيرة من سخط الله فلو اطعناه فيها لكان ارشد لنا وكان يخبرنا يأمركم فلم نصدقه فقتلناه فهذا دمه- قال يبورز أذان ما كان اسمه قالوا يحيى بن زكريا قال الان صدقتمونى لمثل هذا ينتقم ربكم منكم- فلما راى يبورز أذان انهم صدقوه خر ساجدا وقال لمن حوله أغلقوا أبواب المدينة واخرجوا من كان هاهنا من جيش خردوش وخلافى بنى إسرائيل- وقال يا يحيى بن زكريا قد علم ربى وربك ما أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم فاهدا بإذن ربك قبل ان لا أبقى من قومك أحدا فهدا الدم بإذن الله- ورفع يبورز أذان عنهم القتل وقال امنت بما امنت به بنو إسرائيل وأيقنت انه لا رب غيره- وقال لبنى إسرائيل ان خردوش أمرني ان اقتل منكم حتّى تسيل دماؤكم وسط عسكره وانى لست أستطيع ان أعصيه- قالوا له افعل ما أمرت به فامرهم فحفروا خندقا وامر باموالهم من الخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم فذبحها حتّى سال الدم فى العسكر وامر بالقتلى الذين قتلوا

قبل ذلك فطرحوا على ما قتل من مواشيهم- فلم يظن خردوش الا ان ما فى الخندق من بنى إسرائيل فلمّا بلغ الدم عسكره أرسل الى يبورز أذان ان ارفع عنهم القتل ثم انصرف الى بابل وقد أفنى بنى إسرائيل او كاد يفنيهم وهى الوقعة الاخيرة الّتي انزل الله لبنى إسرائيل فقوله تعالى لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ فكانت الوقعة الاولى بخت نصر وجنوده والاخرى خردوش وجنوده

ص: 414

وكانت أعظم الوقعتين- فلم تقم بعد ذلك لهم رأية وانتقل الملك بالشام ونواحيها الى الروم واليونانية- الا ان بقايا بنى إسرائيل كثروا وكانت لهم الرياسة ببيت المقدس ونواحيها على غير وجه الملك- وكانوا فى نعمة الى ان بدلوا وأحدثوا الأحداث فسلط الله عليهم ططيوس بن اسيانوس الرومي فاخرب بلادهم وطردهم عنها ونزع الله عنهم الملك والرياسة وضرب عليهم الذلة فليسوا فى امة الا وعليهم الصغار والجزية وبقي بيت المقدس خرابا الى ايام عمر بن الخطاب رضى الله عنه فعمّره المسلمون بامره- وقال قتادة بعث الله عليهم فى الاولى جالوت فسبّى وخرّب ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم فى زمان داؤد- فاذا جاء وعد الاخرة بعث الله عليهم بخت نصر فسبّى وخرّب ثم قال.

عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ فعاد الله عليهم بالرحمة ثم عاد القوم بشر ما بحضرتهم فبعث الله عليهم ما شاء نقمته وعقوبته- ثم بعث عليهم العرب كما قال وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ- فهم منهم فى عذاب الى يوم القيامة وذكر السدىّ بإسناده ان رجلا من بنى إسرائيل راى فى النوم ان خراب بيت المقدس على يدى غلام يتيم ابن ارملة بابل يدعى بخت نصر وكانوا يصدقون فتصدق رؤياهم- فاقبل يسئل عنه حتّى نزل على امه وهو يحتطب فجاء وعلى رأسه حزمة حطب فالقاها ثم قعدو كلمه ثم أعطاه ثلاثة دراهم فقال اشتر بهذا طعاما وشرابا فاشترى بدرهم لحما وبدرهم خبزا وبدرهم خمرا فاكلوا وشربوا- وفعل فى اليوم الثاني كذلك وفى الثالث كذلك- ثم قال انى أحب ان تكتب لى أمانا ان أنت ملكت يوما من الدهر قال أتستخر منى- فقال انى لا أسخر منك ولكن ما عليك ان تتخذ بها عندى يدا- فكتب له أمانا فقال ان جئت والناس حولك قد حالوا بينى وبينك- قال ترفع صحيفتك على قصبة فاعرفك فكتب له وأعطاه- ثم ان ملك بنى إسرائيل كان يكرّم يحيى بن زكريا عليه السلام ويدنى مجلسه وانه هوى بنت امرأته وقال ابن عباس ابنة أخته فسال يحيى فنهاه عن نكاحها- فبلغ ذلك أمها فحقدت على يحيى وعمدت حين جلس الملك على شرابه فالبستها ثيابا رقاقا حمرا وطيبتها وألبستها الحلي وأرسلتها الى الملك وأمرتها ان تسقيه- فان راودها على نفسه أبت عليه

ص: 415

حتّى يعطيها ما سالته- فاذا أعطاها سالته رأس يحيى بن زكريا ان يؤتى به فى طست- ففعلت فلما أرادها فقالت لا افعل حتّى تعطينى ما أسئلك قال ما تسئلنى قالت رأس يحيى بن زكريا فى هذا الطست فقال ويحك سلينى غير هذا- فقالت ما أريد الا هذا فلما أبت عليه بعث فاتى برأسه فوضع بين يديه والرأس يتكلم يقول لا تحل لك- فلمّا أصبح إذا دمه يغلى فامر بتراب فالقى عليه فاذا الدم يغلى والقى عليه من التراب حتّى بلغ سور المدينة وهو فى ذلك يغلى- فبعث صخابين ملك بابل جيشا إليهم وامّر عليهم بخت نصر فسار بخت نصر حتّى إذا بلغوا ذلك المكان تحصنوا منه فى مداينهم فلما اشتد عليه المقام أراد الرجوع- فخرجت اليه عجوز من عجائز بنى إسرائيل فقالت تريد ان ترجع قبل فتح المدينة قال نعم قد طال مقامى وجاع أصحابي- قالت ارايت ان فتحت لك المدينة تعطينى ما أسئلك فتقتل من أمرك بقتله وتكف إذا امرتك ان تكف قال نعم- قالت إذا أصبحت فاقسم جندك اربعة أرباع ثم أقم على كل زاوية ربعا ثم ارفعوا ايديكم الى السماء فنادوا انّا نستفتحك بالله بدم يحيى بن زكريا فانها سوف تساقط- ففعلوا فتساقطت المدينة ودخلوا من جوانبها فقالت كف يدك وانطلقت به الى دم يحيى بن زكريا عليهما السلام وقالت اقتل على هذا الدم حتّى تسكن فقتل عليه سبعين الفا حتّى سكن- فلما سكن قالت كف يدك فان الله لم يرض إذا قتل نبى حتّى يقتل من قتله ومن رضى بقتله- وأتاه صاحب الصحيفة بصحيفته فكف عنه وعن اهل بيته فخرب بيت المقدس وطرح فيه الجيف وأعانه على خرابه الروم من أجل ان بنى إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا عليهما السلام وذهب معه وجوه بنى إسرائيل وذهب بدانيال وقوم من أولاد الأنبياء وذهب معه برأس جالوت- فلما قدم بابل وجد صخابين قد مات فملك مكانه- وكان أكرم الناس عنده دانيال وأصحابه فحسدهم المجوس ووشوا بهم اليه وقالوا ان دانيال وأصحابه يكذّبون إلهك ولا يأكلون ذبيحتك فسالهم- فقالوا أجل ان لنا ربّا نعبده ولسنا نأكل من ذبيحتكم فامر بخدّ فخدّ لهم والقوا فيه وهم ستة والقى معهم سبع صار ليأكلهم فذهبوا ثم راحوا فوجدوهم جلوسا والسبع مفترش ذراعيه معهم لم يخدش

ص: 416

منهم أحدا- ووجدوا معهم رجلا سابعا فقال ما هذا السابع انما كانوا ستة فخرج السابع وكان ملكا فلطمه لطمة فصار فى الوحش ومسخه الله سبع سنين- وذكر وهب ان الله تعالى مسخ بخت نصر نسرا فى الطير ثم مسخه ثورا فى الدواب ثم مسخه أسدا فى الوحش فكان مسخه سبع سنين وقلبه فى ذلك قلب انسان ثم رد الله اليه ملكه فامن- فسئل وهب أكان مؤمنا فقال وجدت

اهل الكتاب اختلفوا فيه فمنهم من قال مات مؤمنا ومنهم من قال احرق بيت الله وكتبه وقتل الأنبياء فغضب الله عليه فلم يقبل توبته- قال السدىّ ثم ان بخت نصر لما رجع الى صورته بعد المسخ ورد الله اليه ملكه كان دانيال وأصحابه أكرم الناس عليه فحسدهم المجوس وقالوا لبخت نصر ان دانيال إذا شرب الخمر لم يملك نفسه ان يبول وكان ذلك فيهم عارّا فحمل لهم طعاما وشرابا فاكلوا وشربوا وقال للبواب انظروا أول من يخرج ليبول فاضربه بالطبرزين وان قال انا بخت نصر فقل كذبت بخت نصر أمرني- فكان أول من قام ليبول بخت نصر فلما راه شدّ عليه فقال ويحك انا بخت نصر فقال كذبت بخت نصر أمرني فضربه فقتل- قال البغوي هذا ما ذكره فى المبتدأ الا ان رواية من روى ان بخت نصر غزا بنى إسرائيل عند قتلهم يحيى بن زكريا عليهما السلام غلط عند اهل السير- بل هم مجمعون على ان بخت نصر انما غزا بنى إسرائيل عند قتلهم شعيا فى عهد ارميا ومن وقت ارميا وتخريب بيت المقدس الى مولد يحيى بن زكريا عليهما السلام اربعمائة واحدى وستون سنة وذلك انهم يعدون من لدن تخريب بخت نصر بيت المقدس الى حين عمرانه فى عهد كيرش بن اخشورش ابن اصبهبد بابل من قبل بهمن بن إسفنديار سبعين سنة ومن بعد عمرانه الى ظهور الإسكندر على بيت المقدس ثمانية وثمانين سنة ثم من بعد مملكته الى مولد يحيى بن زكريا ثلاثمائة وثلاثا وستين سنة والصحيح من ذلك ما ذكره محمّد بن إسحاق- عَسى رَبُّكُمْ يا بنى إسرائيل أَنْ يَرْحَمَكُمْ بعد ذلك ان أمنتم بمحمّد صلى الله عليه وسلم واصلحتم أعمالكم باتباع القران وَإِنْ عُدْتُمْ الى المعصية ومخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم عُدْنا الى العقوبة والانتقام فرحم الله من أمن منهم بمحمّد صلى الله عليه وسلم

ص: 417

مثل عبد الله بن سلام ومن معه والنجاشي وكعب الأحبار وغيرهم وأثني عليهم بقوله مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ إلخ وبقوله وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ إلخ وعاد بنوا قريظة وبنوا النضير وأشباههم فارادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم وسحروه وجعلوا السم فى طعامه وحاربوه فعاد الله عليهم بالانتقام فقتل بنى قريظة واجلى بنى النضير وضرب عليهم الجزية يؤدونها عن يدوهم صاغرون وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (8) محبسا فى الاخرة لا يقدرون على الخروج منها ابدا- وقيل بساطا كما يبسط الحصير.

إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي للحالة او للطريقة الّتي هِيَ أَقْوَمُ الحالات او الطرق وأعدلها او الكلمة الّتي هى اعدل وهى شهادة ان لا اله الا الله وَيُبَشِّرُ قرا حمزة والكسائي بالتخفيف من الافعال والباقون بالتشديد من التفعيل يعنى يبشر القران الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ اى بان لهم أَجْراً كَبِيراً (9) اى الجنة.

وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (10) اى النار عطف على أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً يعنى يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعذاب أعدائهم او على يبشّر بإضمار يخبر-.

وَيَدْعُ الْإِنْسانُ سقط الواو من يدعو من اللفظ لاجتماع الساكنين ومن الخط توقيفا على خلاف القياس- يعنى يدعو الله عند غضبه على نفسه واهله وماله بِالشَّرِّ او يدعوه بما يحسبه خيرا وهو شر كمن يدعو ان يعطى الله حظه فى الدنيا دُعاءَهُ اى مثل دعائه بِالْخَيْرِ وذلك ان يعطيه ربه فى الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة ويقيه من النار ولو استجاب الله دعاءه على نفسه لهلك ولكن الله تعالى قد لا يستجيب بفضله عليه وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا (11) يسارع الى كل ما يخطر بباله لا ينظر عاقبته فيدعو على نفسه ما يكره ان يستجاب له وقال ابن عباس يدعو ضجر الا صبر له على سراء ولا على ضراء- قيل المراد بالإنسان آدم فانه لما انتهى الروح الى سرته ذهب لينهض فسقط- أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنهما وروى الواقدي فى المغازي من

ص: 418

طريق مولى عائشة عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها بأسير فقال احتفى به قالت فلهرت مع امراة فخرج ولم أشعر- فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فسال عنه فقالت لا أدرى وغفلت عنه فخرج فقال قطع الله يدك ثم خرج عليه السلام فصاح به فخرجوا فى طلبه حتّى وجدوه- ثم دخل على فراشى وانا أقلّب يدى فقال مالك قلت أنتظر دعوتك- فرفع يديه وقال اللهم انما انا بشر أسف واغضب كما يغضب البشر فايما مؤمن او مؤمنة دعوت عليه بدعوة فاجعلها له زكوة وطهرا- والله اعلم والظاهر ان المراد بالإنسان الكافر وبالدعاء الدعاء بالعذاب استعجالا «1» واستهزاء كقول النضر بن الحارث اللهم انصر خير الحزبين اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ فضرب عنقه يوم بدر صبرا-.

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ علامتين دالتين على القادر الحكيم بتعاقبهما على نسق واحد مع إمكان غيره فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ اى الاية الّتي هى الليل والاضافة بيانية كاضافة العدد الى المعدود يعنى جعلناها مظلمة وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً يعنى جعلنا النهار مضيئا مبصرا للناس وقيل المراد بالآيتين الشمس والقمر وتقدير الكلام وجعلنا بين الليل والنهار ايتين او جعلنا الليل والنهار ذوى ايتين فمحونا اية الليل يعنى القمر يعنى انقصنا نوره شيئا فشيئا الى المحاق وجعلنا اية النهار يعنى الشمس مبصرة ذات شعاع دائم يبصر الأشياء بضوئها قال الكسائي يقول العرب ابصر النهار إذا صار بحيث يبصر بها قال ابن عباس جعل الله ضوء الشمس سبعين جزءا ونور القمر كذلك فمحى من نور القمر تسعة وستين جزءا فجعلها مع نور الشمس حتّى ان الله تعالى امر جبرئيل فامرّ جناحه على وجه القمر ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور- وسال ابن الكواء عليّا عليه السلام عن السواد الّذي فى القمر فقال هو اثر المحو «2» لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ اى الراحة والفراغ للطاعة بالليل واسباب المعاش بالنهار وَلِتَعْلَمُوا باختلافهما او بحركاتهما عَدَدَ السِّنِينَ وَجنس الْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ تحتاجون اليه فى امور الدين والدنيا فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12) اى

(1) اخرج البيهقي فى الدلائل عن سعيد المقبري ان عبد الله بن سلام سال النبي صلى الله عليه وسلم عن السواد الّذي فى القمر فقال كانا شمسين فقال الله فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ قال فالسواد الّذي رايت هو المحو- 12 منه رحمه الله

(2)

فى الأصل استعجالا استهزاء-

ص: 419

بيّناه بيانا شافيا غير ملتبسين فازحنا عللكم وما تركنا لكم حجة علينا-.

وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قال ابن عباس عمله وما قدر عليه فهو ملازمه أينما كان- وقال الكلبي ومقاتل خيره وشره معه لا يفارقه حتّى يحاسب به وقال الحسن يمنه وشومه- قال اهل المعاني أراد بالطائر ما قضى عليه انه عامله وما هو صائر اليه من سعادة او شقاء- سمى طائرا على عادة العرب فيما كانت تتفال وتتشام به من سوانح «1» الطير وبوارحها- وقال ابو عبيدة والقتيبي أرد بالطائر حظه من الخير والشر من قولهم طارسهم فلان بكذا- وخص العنق من سائر الأعضاء لانه موضع القلائد والاطواق وغيرها مما يزين او يشين- فجرى كلام العرب بتشبيه الأشياء اللازمة الى الأعناق- وعن مجاهد قال ما من مولود الانى عنقه ورقة مكتوب فيها شقى او سعيد وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً هى صحيفة عمله قرا الجمهور نخرج بالنون على التكلم والتعظيم من الافعال- وكتابا منصوبا على المفعولية او على انه حال من مفعول محذوف وهو الطائر ويؤيده قراءة يعقوب وابى جعفر- وقرا يعقوب والحسن ومجاهد بفتح الياء المثناة التحتانية وضم الراء اى يخرج له الطائر يوم القيامة كتابا- وقرا ابو جعفر بضم الياء وفتح الراء على البناء للمجهول اى يخرج له الطائر كتابا يلقه قرا ابن عامر وابو جعفر بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف يعنى يلقى الإنسان ذلك الكتاب اى يؤتاه- والباقون بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف اى براه مَنْشُوراً (13) وهما صفتان لكتاب او يلقاه صفة ومنشورا حال من مفعوله- قال البغوي جاء فى الآثار ان الله تعالى يأمر الملك بطىّ الصحيفة إذا تم عمر العبد فلا تنشر الى يوم القيامة.

اقْرَأْ كِتابَكَ اى يقال له- او خط فيها اقرأ كتابك كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) اى كفى نفسك والباء زائدة وحسيبا تميز وعلى صلته- لانه اما بمعنى الحاسب كالصريم بمعنى الصارم من حسب عليه كذا- او بمعنى الكافي وضع موضع الشهيد

(1) السانح مامر من الطير والوحش بين يديك من جهة يسارك الى يمينك والعرب يتيمن به لانه أمكن للرمى والصيد- والبارح ما مر من يمينك الى يسارك والعرب يتطير به لانه لا يمكنك ان ترميه حتّى ينحرف 12 نهايه منه رحمه الله

ص: 420

لانه يكفى المدعى ما أهمه وتذكيره على ان الحساب والشهادة مما يتولاه الرجال- كانه قيل كفى بنفسك اليوم رجلا حسيبا- او على تأويل النفس بالشخص اخرج البيهقي عن انس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكتب كلها تحت العرش فاذا كان الموقف بعث الله تعالى ريحا فتطير بالايمان والشمائل- واخرج ابن جرير عن قتادة قال سيقرأ يومئذ من لم يكن قاريا فى الدنيا- وقال البغوي قال الحسن لقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك واخرج ابن المبارك عن الحسن قال كل اوتى فى عنقه قلادة فيها نسخة عملها فاذا طويت قلدها وإذا بعث نشرت له- وقيل له اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً- واخرج أصبهاني عن ابى امامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الرجل ليؤتى كتابه منشورا فيقول يا رب فاين حسنات كذا وكذا عملتها ليست فى صحيفتى فيقول محوت باغتيابك للناس-.

مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ لها ثوابها لا ينجى اهتداؤه غيره وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها عليها عقابه لا يردى ضلاله سواه والله اعلم اخرج ابن عبد البر بسند ضعيف عن عائشة قالت سالت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين قال هم من ابائهم- ثم سالته بعد ذلك فقال الله اعلم بما كانوا عاملين- ثم سالته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى اى لا تحمل حاملة حمل نفس اخرى اى ثقلها من الآثام بل انما تحمل وزر نفسها وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) يبيّن الحجج ويمهد الشرائع فيلزمهم الحجة- قال الشافعي فى هذه الاية دليل على انه لا وجوب قبل البعثة بالعقل- فلا يعذب من لم يبلغه الدعوة على الشرك ولا على شيء من المعاصي وقال ابو حنيفة رحمه الله الحاكم هو الله تعالى لكن العقل قد يدرك بعض ما وجب عليه- وهو التوحيد والتنزيهات والإقرار بالنبوة بعد مشاهدة المعجزات- فهذه الأمور غير متوقفة على الشرع وإلا لزم الدور لان الشرع يتوقف عليها- فيجب على الإنسان إتيان هذه الأمور قبل بعثت الرسل ويعذب المشرك وان لم يبلغه الدعوة- ويؤيد هذا القول

ص: 421

ما فى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير فى يديك- قال اخرج بعث النار- قال وما بعث النار- قال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين فعنده يشيّب الصغير وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ

- قالوا يا رسول الله ايّنا ذلك الواحد قال ابشروا فان منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج الف الحديث- وجه الاستدلال ان يأجوج ومأجوج رجال وراء السد لم يبعث فيهم رسول- فلولا التعذيب على الشرك قبل بعثة

الرسل لما عذبت يأجوج ومأجوج- وقد ورد فى اهل الفترة ومن لم يبلغه الدعوة من الأمم أحاديث تدل على انهم يمتحنون يوم القيامة- منها ما اخرج البزار عن ثوبان ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كان يوم القيامة جاءت اهل الجاهلية يحملون أوزارهم على ظهورهم- فيسئلهم ربهم- فيقولون «1» ربنا لم ترسل إلينا رسولا ولم يأتنا امر لك- ولو أرسلت إلينا رسولا لكنّا أطوع عبادك- فيقول لهم ربهم ارايتم ان أمرتكم بامر تطيعونى فيأخذ على ذلك مواثيقهم- فقال اعمدوا لها فادخلوها اى النار فينطلقون حتّى إذا راوها فرقوا فرجعوا فقالوا ربنا فرقنا منها فلا نستطيع ان ندخلها- فيقول ادخلوها داخرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو دخلوها أول مرة كانت عليهم بردا وسلاما- وما اخرج احمد وابن راهويه فى مسنديهما والبيهقي فى كتاب الاعتقاد وصححه عن الأسود بن سريغ رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اربعة يحتجون يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا- ورجل أحمق- ورجل هرم- ورجل مات فى فترة فاما الأصم فيقول رب جاء الإسلام وما اسمع شيئا- واما الأحمق فيقول يا رب جاء الإسلام والصبيان يخذفوننى بالبعر- واما الهرم فيقول لقد جاء الإسلام وما اعقل شيئا- واما الّذي مات فى فترة فيقول يا رب ما أتاني لك رسول- فاخذ مواثيقهم ليطيعنّه فيرسل إليهم ان ادخلوا النار فو الّذي نفس محمّد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وما اخرج الثلاثة ايضا من حديث ابى هريرة مرفوعا مثله غير انه كان فى آخره فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما- ومن لم يدخلها يسحب إليها- واخرج ابن المبارك عن مسلم بن يسار قال لى انه يبعث

(1) وفى الأصل فيقول-

ص: 422

يوم القيامة عبد كان فى الدنيا أعمى أصم ابكم كذلك لم يسمع شيئا قط ولم يبصر شيئا قط ولم يتكلم شيئا- فيقول الله تعالى ما عملت فيما وليت وفيما أمرت به فيقول اى رب والله ما جعلت لى بصرا ابصر به الناس فاقتدى بهم- وما جعلت لى سمعا فاسمع به ما أمرت به ونهيت عنه- وما جعلت لى لسانا فاتكلم بخير او بشر- وما كنت الا كالخشبة فيقول الله عز وجل تطيعنى الان فيما أمرك به قال نعم فيقول قع فى النار فيأبى فيدفع فيها- قلت على ما قالت الحنفية ان المشرك يعذب ان كان عاقلا قبل ان تبلغه الدعوة كما يدل عليه قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فانه يعم اصحاب الفترة- تحمل هذه الأحاديث على ان بعض المشركين من اهل الفترة لعلّهم يجادلون الله تعالى ويعتذرون بالجهل فيلزمهم الله تعالى الحجة بالامتحان- كما ان المشركين لما ينكرون شركهم ويقولون وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ويطلبون على أنفسهم شهودا- فحينئذ يشهد عليهم جوارحهم فيلزمهم الحجة ولله الحجة البالغة- لا ينصب نفسا شاء ان يعذبها الا عذبها- وهو عادل فيه هذا فى التوحيد- واما سائر الشرائع فالعقل غير كاف فى إدراكها- فلا تجب على الإنسان إتيانها قبل البعثة- لقوله تعالى ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ- وبناء على مذهب الحنفية قال صاحب المدارك فى تفسير هذه الاية ما صح منا ان نعذب قوما عذاب استيصال فى الدنيا الا بعد ان نبعث إليهم رسولا فنلزمهم الحجة- قلت وهذا التأويل بعيد جدّا- لان قوله تعالى ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ يدل على عموم نفى التعذيب لوقوع النكرة فى سياق النفي- ولا وجه للتخصيص بالتعذيب فى الدنيا ولا بتعذيب الاستيصال- كيف وعدم التعذيب فى الدنيا من غير إتمام الحجة يقتضى عدم التعذيب فى الاخرة بالطريق الاولى- فالاولى ان يقال ان عدم التعذيب قبل البعثة مخصوص بالمعاصي دون الشرك حيث قال الله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فالتقدير ما كنّا معذّبين على المعاصي حتّى نبعث رسولا يبين لهم ما يتقون- وقيل المراد بالرسول أعم من البشر والعقل فان العقل ايضا رسول من الله يدرك به الخير والشر- فما يدركه العقل ويكفى فى إدراكه من الواجبات يعذب الله العاقل عليها على عدم إتيانها-

ص: 423

(فصل) هذه الاية تدل على عدم تعذيب الصغار والمجانين وان كانوا من ذرارى المشركين حيث لم يبلغهم دعوة رسول بشرا كان او عقلا- كما يدل عليه سياق الاية حيث قال الله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى - ومن الأحاديث ما رواه احمد بسند حسن عن خنساء بن معاوية بن مريم قال حدثنى عمى قال قلت يا رسول الله من فى الجنة قال النبي فى الجنة والشهيد فى الجنة والمولود فى الجنة والوئيد فى الجنة- وما رواه البخاري عن سمرة ابن جندب فى حديث المنام الطويل انه صلى الله عليه وسلم مر على شيخ تحت شجرة وحوله ولدان فقال له جبرئيل هذا ابراهيم وهؤلاء أولاد المسلمين وأولاد المشركين قالوا يا رسول الله وأولاد المشركين قال نعم وأولاد المشركين- فقيل أولاد المشركين خدم اهل الجنة لما روى الطيالسي عن انس انه سئل عن أطفال المشركين فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن لهم سيئات فيكونوا «1» من اهل النار ولم يكن لهم حسنات فيجازوا بها فيكونوا من مملوك «2» اهل الجنة هم خدم اهل الجنة- وما اخرج ابن جرير عن سمرة قال سالنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين فقال هم خدم اهل الجنة- واخرج مثله عن ابن مسعود موقوفا- فان قيل فى الصحيح ما يدل على عدم الجزم بذلك- اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سئل عن أطفال المشركين- فقال الله اعلم بما كانوا عاملين- واخرج مثله من حديث ابن عباس قلنا هذا الحكم اعنى عدم الجزم بكونهم فى الجنة الّذي دل عليه هذان «3» الحديثان منسوخ كان قبل نزول اية الفتح الناسخة لقوله تعالى وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ- فانه صلى الله عليه وسلم كان قبل ذلك يردّ بها على من شهد لاحد بعينه بالجنة- ورد بها على من شهدت لعثمان بن مظعون كما فى الصحيح فلما نزلت اية الفتح سرّ بها

كثيرا وشهد بعدها لجماعة بأعيانهم بالجنة- وهذا هو الجواب لحديث رواه مسلم عن عائشة قالت دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جنازة صبى من الأنصار فقالت يا رسول الله طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدرك فقال او غير ذلك يا عائشة ان الله خلق الجنة وخلق لها أهلا وهم فى أصلاب ابائهم وخلق النار وخلق لها أهلا وهم فى أصلاب ابائهم فان هذا الحديث يدل على التوقف فى أطفال المسلمين

(1) وفى الأصل فيكونون

(2)

وفى الأصل ملوك-

(3)

وفى الأصل هذين الحديثين-

ص: 424

ايضا وقد انعقد الإجماع على كونهم فى الجنة- نقله الامام احمد وابن ابى زيد وابو يعلى من الفراء وغيرهم ونصوص الكتاب والأحاديث صريحة فى ذلك كذا قال النووي والسيوطي- وهو الجواب عما رواه ابن حبان فى صحيحه والبزار عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال امر هذه الامة متقاربا ما لم يتكلموا فى القدر والولدان- قال ابن حبان يعنى أطفال المشركين فانا نحمل هذا الحديث ايضا على كونه قبل اية الفتح وقبل ان يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم كونهم فى الجنة- فان قيل بعض الأحاديث يدل على كون أطفال المشركين فى النار- منها ما اخرج ابو يعلى عن البراء رضى الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المسلمين فقال هم مع ابائهم وسئل عن أطفال المشركين فقال هم مع ابائهم- وما روى ابو داؤد عن عائشة قالت قلت يا رسول الله ذرارى المؤمنين قال من ابائهم فقلت يا رسول الله بلا عمل قال الله اعلم بما كانوا عاملين- قلت فذرارى المشركين قال من ابائهم قلت بلا عمل قال الله اعلم بما كانوا يعملون- واخرج احمد عن عائشة بسند ضعيف جدا انها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أطفال المشركين فقال ان شئت أسمعتك تصاعدهم فى النار- واخرج عبد الله بن احمد فى زوائد المسند بسند فيه مجهول وانقطاع وابن ابى حاتم فى السنة عن علىّ قال سألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا فى الجاهلية فقال هما فى النار فلما راى الكراهية فى وجهها قال لها ولو رايت مكانهما لابغضتهما قالت فولدى منك قال ان المؤمنين وأولادهم فى الجنة وان المشركين وأولادهم فى النار- ثم تلا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ- واخرج ابو داؤد عن ابن مسعود بسند حسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوائدة والموءودة فى النار- واخرج ايضا بسند حسن عن سلمة بن قيس الأشجعي قال أتيت انا وأخي النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا ان امّنا ماتت فى الجاهلية وكانت تقرى الضيف وتصل الرحم وانها وادت اختالها فى الجاهلية لم تبلغ فقال الوائدة والموءودة فى النار الا ان تدرك الوائدة

ص: 425

الإسلام فتسلم- قلنا اما الموءودة الواردة فى الحديث فالمراد بها الموءودة لها يعنى الام- والوائدة هى القابلة دفعا للتعارض- واما الأحاديث المذكورة فى كون أطفال المشركين فى النار فليس شيء منها يقوى قوة الأحاديث المتقدمة فسقطت بالأحاديث الصحيحة فضلا عن مصادمة القران- والقول يكون تلك الأحاديث منسوخة لا يجوز لان الاخبار لا يحتمل النسخ- اللهم الا ان يقال ان الله رفع عنهم العذاب بعد ما كتب عليهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يدل عليه حديث ابن ابى شيبة عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سالت ربى اللاهين من ذرية البشر ان لا يعذبهم فاعطانيهم- قال ابن عبد البر هم الأطفال لان أعمالهم كاللهو واللعب من غير عقل ولا عزم- قال السيوطي اختلف الناس قديما وحديثا فى أطفال المشركين على اقوال أحدها انهم فى النار للاحاديث المذكورة الّتي دلت على ذلك لكنها ضعيفة لا تقوم بها حجة- والثاني انهم فى الجنة والثالث انهم خدم اهل الجنة- (قلت لا تعارض بين هذين القولين فان خدم اهل الجنة فى الجنة) والرابع انهم فى مشية الله لا يحكم عليهم وهذا ما نقل عن الحمادين وابن المبارك وابن راهويه والشافعي ونقله النسفي عن ابى حنيفة (قلت ومبنى هذا القول على الاحتياط والصحيح ان هذا الحكم منسوخ كما ذكرنا) والخامس انهم يمتحنون فى الاخرة كما يمتحن اصحاب الفترة- لما اخرج البزار وابو يعلى عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى باربعة يوم القيامة بالمولود والمعتوه ومن مات فى الفترة والشيخ الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار أبرز ويقول انى كنت ابعث الى عبادى رسلا من أنفسهم وانى رسول نفسى إليكم ادخلوا هذه فيقول من كتب عليه الشقاء يا رب اندخلها ومنها كنا نفر ومن كتب عليه السعادة يمضى فيقتحم فيها مسرعا فيقول الله تعالى أنتم كنتم لرسلى أشد تكذيبا ومعصية فيدخل هؤلاء الى الجنة وهؤلاء الى

النار- واخرج البزار ومحمّد بن يحيى الذهبي عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتج الهالك فى الفترة والمعتوه

ص: 426

والمولود يقول الهالك فى الفترة رب لم يأتينى كتاب ويقول المعتوه رب لم تجعل لى عقلا اعقل به خيرا ولا شرا ويقول المولود رب لم أدرك العقل فترتفع لهم نار فيقول ردوها فيردها من كان فى علم الله سعيدا لو أدرك العمل ويمسك عنها من كان فى علم الله شقيّا لو أدرك العمل فيقول إياي عصيتم فكيف لو رسلى أتتكم- واخرج الطبراني وابو نعيم عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يؤتى يوم القيامة بالممسوح عقلا وبالهالك فترة وبالهالك صغيرا فيقول الممسوح عقلا رب لو أتيتني عقلا ما كان من أتيته عقلا بأسعد منى وذكر فى الهالك فى الفترة والصغير نحو ذلك فيقول الرب تبارك وتعالى انى أمركم بامرى فتطيعونى فيقولون نعم فيقول اذهبوا فادخلوا النار- قال لو دخلوها ما ضرتهم فيخرج عليهم فرائض فيظنون انها قد أهلك ما خلق الله من شيء فيرجعون سراعا ثم يأمر الثانية فيرجعون ذلك فيقول الرب تعالى قبل ان خلقتكم علمت ما أنتم عاملون- قلت وهذا القول الخامس لا يلائم ضروريات الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتّى يبرا- وعن النائم حتّى يستيقظ- وعن الصبى حتّى يكبر رواه احمد وابو داود والحاكم عن عائشة بسند صحيح وعن على وعمر بسند صحيح- وفى لفظ اخر رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتّى يستيقظ وعن المبتلى حتّى يبرا وعن الصبى حتّى يكبر رواه احمد وابو داؤد والنسائي وابن ماجة والحاكم عن عائشة بسند صحيح- وقد ثبت بالحديث انه من همّ بسيئة لا يؤاخذ بها ما لم يعملها- فكيف بمن لم يهمّ بها ولم يعقلها- وقال الله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها

وقال الله تعالى لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ-

وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى - واجمع الامة على ان مناط التكليف العقل والبلوغ- فلعل لفظ المولود والمجنون فى هذه الأحاديث من وهم الرواة او المولود والمجنون يمتثلون امر الله ويدخلون النار عند الامتحان فينجون بخلاف المشركين من اهل الفترة- قال السيوطي وقيل فى أطفال المشركين انهم يكونون فى برزخ بين الجنة والنار- وقيل يصيرون ترابا- ولا دليل على ذلك واما أولاد المسلمين فلم يجر فيهم خلاف بل الإجماع انهم فى الجنة والله اعلم.

ص: 427

قوله تعالى وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها

اى متنعميها وجبائرتها- قرا مجاهد امّرنا بالتشديد اى سلّطنا وجعلناهم أمراء- وقرا الحسن وقتادة ويعقوب أمرنا بالمد اى أكثرنا- وقرا الجمهور مقصورا مخففا اى أمرنا مترفيها بالطاعة على لسان رسول بعث إليهم- ويدل على هذا التقدير قوله تعالى فيما قبل وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وفيما بعد فَفَسَقُوا فِيها

فان الفسق هو الخروج عن الطاعة والتمرد فى العصيان- فيدل على الطاعة- وقيل معنى الاية أَمَرْنا مُتْرَفِيها

بالفسق ففسقوا- كقولك أمرته فجلس فانه لا يفهم منه الا الأمر بالجلوس- والأمر حينئذ ليس بمعناه الحقيقي ف إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ- لكنه مجاز من الحمل عليه والتسبيب له- بان صبّ عليهم من النعم ما ابطرهم وامضى بهم الى الفسوق- وقيل معناه معنى كثّرنا يقال أمرت الشيء وأمرته فامر اى كثرته فكثر- وفى الحديث خير المال سكة مأبورة ومهرة مامورة اى طريقة مصطفة من النخل مصلحة- وولد الفرس أنثى اى كثير النسل والنتاج ومنه قول ابى سفيان فى حديث هرقل لقد امر امر ابن ابى كبشة اى كثر وارتفع شأنه- يعنى النبي صلى الله عليه وسلم ومنه الحديث ان رجلا قال له مالى ارى أمرك يأمر- قال والله ليامرن اى يزيد على ما ترى- ومنه حديث ابن مسعود قال كنا نقول فى الجاهلية قد امر بنوا فلان اى كثروا- وفى القاموس امره وامره كنصره لغيّة كثر نسله وماشيته- ويحتمل ان يكون منقولا من امر بالضم امارة اى جعلناهم أمراء- وتخصيص المترفين لان غيرهم يتبعهم- ولانهم اسرع الى الحماقة واقدر على الفجور فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ

اى وجب عليها الكلمة السابقة بالعذاب بحلوله او الكلمة السابقة بظهور معاصيهم او انهماكهم فيها فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً

(16)

اى أهلكناها بهلاك أهلها وتخريب ديارها- روى البخاري عن أم حبيبة بنت ابى سفيان عن زينب بنت جحش ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا وهو يقول لا اله الا الله ويل للعرب من شرّ قد اقترب فتح اليوم من ددم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإصبعيه الإبهام والّتي يليها- قالت زينب فقلت يا رسول الله أيهلك وفيها الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث.

ص: 428

وَكَمْ اى كثيرا أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ بيان لكم وتميز له- والقرن القوم المقترنون فى زمان واحد- يعنى يكون ولادتهم فى وقت واحد- فى القاموس يقال هو على قرنى اى على سنى وعمرى- وانقضاء القرن ان لا يبقى منهم أحد- فى القاموس هو كل امة هلكت فلم يبق منها أحد- قلت واما قرن الصحابة وقرن التابعين فيقال باعتبار مقارنتهم فى مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم او مصاحبة أحد ممن صاحبه صلى الله عليه وسلم وقيل القرن مدة من الزمان عشرة سنين او عشرون او ثلاثون او أربعون او خمسون او ستون او سبعون او ثمانون او مائة سنة او مائة وعشرون كذا فى القاموس من الأقوال- واعتبرت الحنفية فى مدة المفقود تسعين «1» سنة والأصح انه مائة سنة- لما روى محمّد بن القاسم عن عبد الله ابن تستر المازني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال يعيش هذا الغلام قرنا- قال محمّد بن القاسم مازلنا نعدله حتّى تمّت مائة سنة ثم مات مِنْ بَعْدِ نُوحٍ كعاد وثمود وغيرهم تخويف لكفار مكة وَكَفى بِرَبِّكَ فى محل الرفع والباء زائدة بِذُنُوبِ عِبادِهِ متعلق بما بعده على سبيل التنازع خَبِيراً وان اخفوها فى الصدور بَصِيراً (17) وان ارخوا عليها الستور-.

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ يعنى الدار العاجلة اى الدنيا مقصورا عليها همته عَجَّلْنا لَهُ فِيها «2» أعطيناه فى العاجلة ما نَشاءُ كل ما يريده او بعضه قيد به لانه لا يجد كل أحد جميع ما يتمناه غالبا لِمَنْ نُرِيدُ ان نفعل به ذلك بدل من له بدل البعض قيد به لانه لا يجد كل متمنّ متمنّاه ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ فى الاخرة جَهَنَّمَ يَصْلاها يدخل نارها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) مطرودا مبعدا من رحمة الله.

وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها اى للاخرة حق سَعْيَها وهو الايتمار بالأوامر والانتهاء عن المناهي- لا بمجرد التمني او التقرب بما يخترعون بآرائهم فهو منصوب على المصدرية- وجاز كونه منصوبا على المفعولية- وفائدة اللام اعتبار النية والإخلاص وَهُوَ مُؤْمِنٌ ايمانا

(1) وفى الأصل تسعون-

(2)

وليس فى الأصل فيها-

ص: 429

صحيحا لا شرك معه ولا تكذيب فانه العمدة فَأُولئِكَ اى الجامعون للشرائط الثلاثة كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) من الله اى مقبولا عنده مثابا عليه فان شكر الله الثواب على الطاعة.

كُلًّا التنوين بدل من المضاف اليه اى كل واحد من الفريقين نُمِدُّ بالعطاء مرة بعد اخرى- ونجعل آخره مدد السابقة هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ بدل من كلّا مِنْ عَطاءِ اى من معطاة رَبِّكَ متعلق بنمدّ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) ممنوعا لا يمنعه فى الدنيا من مؤمن ولا من كافر تفضلا.

انْظُرْ يا محمّد كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فى الرزق والجمال فى الدنيا وانتصاب كيف بفضّلنا على الحال وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) اى التفاوت فى الاخرة اكثر من التفاوت فى الدنيا لان التفاوت فيها بالجنة ودرجاتها والنار ودركاتها والله اعلم.

لا تَجْعَلْ الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد أمته- او لكل واحد اى لاقعل ايها الإنسان مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ اى فتصير من قولهم شخذ الشفرة حتّى قعدت كانها حربة- او فتعجز من قولك قعد عن الشيء إذا عجل عنه مَذْمُوماً من الملائكة والمؤمنين مَخْذُولًا (22) غير منصور-.

وَقَضى رَبُّكَ اى امر امرا مقطوعا به كذا قال ابن عباس وقتادة والحسن والربيع بن انس «1» أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ اى بان لا تعبدوا الّا ايّاه- لان العبادة الّتي هى غاية التعظيم لا يحق الا لمن له غاية العظمة ونهاية الانعام- وهو كالتفصيل لسعى الاخرة- ويجوز ان يكون ان مفسرة لانّ فى قضى معنى القول ولا يجوز كونها ناصبة وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً اى وان تحسنوا او أحسنوا بالوالدين إحسانا لانهما السبب الظاهري للوجود والتعيش إِمَّا ان شرطية زيدت عليها ما للتأكيد فادغمت النون فى الميم- ولذلك صح لحوق النون المؤكدة فى الفعل وان أفردت ان لم يصح دخولها- إذ لا يقال ان تكر من زيدا يَبْلُغَنَّ قرا حمزة والكسائي يبلغانّ بالألف على التثنية- والضمير راجع الى الوالدين عِنْدَكَ اى فى كتفك وكفالتك

(1) وفى الأصل والربيع بن الحسن-

ص: 430

الْكِبَرَ أَحَدُهُما بدل من ضمير التثنية فى يبلّغان أَوْ كِلاهُما عطف على أحدهما وقرا الجمهور بغير الف وفاعل الفعل أحدهما مع ما عطف عليه اى ان يبلغ الكبر أحدهما او كلاهما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ قرا نافع وحفص وابو جعفر هنا وفى الأنبياء والأحقاف بالتنوين للتنكير كتنوين صه وكسر الفاء- وابن كثير وابن عامر ويعقوب بفتح الفاء من غير تنوين- والباقون بكسرها من غير تنوين- وهى كلمة كراهية صوت يدل على التضجّر- وقيل اسم للفعل الّذي هو التضجر- قال ابو عبيدة اصل الأف والتف الوسخ على الأصابع- وفى القاموس الافّ قلامة الظفر ووسخه- او وسخ الاذن وما رفعته من الأرض من عود او قصبة- او الأف معناه القلة يعنى لا تقل لهما كلمة تدل على ادنى كراهة فيحرم بذلك سائر انواع الإيذاء بدلالة النص بالطريق الاولى- يقال فلان لا يملك النقير ولا القطمير وَلا تَنْهَرْهُما اى لا تزجرهما عما لا يعجبك وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً (23) حسنا جميلا لينا قال ابن المسيب كقول العبد المذنب للسيد الفظّ قال مجاهد إذا بلغا عندك من الكبر فلا تقذرهما ولا تقل لهما أف حين تميط عنهما الخلاء والبول كما كانا يميطان عنك صغيرا-.

وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ اى تذال لهما وتواضع فيهما جعل للذل جناحا وامره بخفضهما مبالغة- او أراد جناحه كقوله وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وإضافته الى الذل للبيان والمبالغة- كما أضيف حاتم الى الجود والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل واخضع- وقال عروة بن الزبير لن لهما حتّى لا يمتنعا من شيء احباه مِنَ الرَّحْمَةِ اى من فرط رحمتك عليهما لافتقارهما الى من كان أفقر خلق الله إليهما وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما يعنى ادع الله لهما ان يرحمهما برحمته الباقية ولا تكتف برحمتك الفانية- قال البغوي أراد ان كانا مسلمين- قال ابن عباس هذا منسوخ بقوله ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ- وقال البيضاوي وان كانا كافرين لان من الرحمة ان يهديهما للاسلام كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (24) اى رحمة مثل رحمتهما علىّ وتربيتهما علىّ وإرشادهما لى فى صغرى وفاء بوعدك للراحمين- عن ابى الدرداء

ص: 431

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوالد اوسط أبواب الجنة فحافظ ان شئت أو ضيع- رواه احمد والترمذي وابن ماجة والحاكم بسند صحيح وعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رضاء الله فى رضاء الوالد وسخط الله فى سخط الوالد- رواه الترمذي والحاكم وصححه وروى البزار عن ابن عمرو عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مد من خمر ورواه النسائي والدارمي عن ابن عمر وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم انف رجل ذكرت عنده فلم يصل علىّ ورغم انف رجل اتى عليه شهر رمضان فلم يغفر له ورغم انف رجل أدرك أبويه الكبر فلم يدخلاه الجنة- رواه البغوي والترمذي والحاكم وصححه ورواه مسلم واحمد بلفظ رغم انفه ثم رغم انفه ثم رغم انفه قيل من يا رسول الله قال من أدرك عنده الكبر أحدهما او كلاهما ثم لم يدخل الجنة- وعن ابى امامة ان رجلا قال يا رسول الله ما حق الوالدين على ولدهما قال هما جنتك ونارك رواه ابن ماجة وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبح لله مطيعا فى والديه أصبح له بابان مفتوحان من الجنة وان كان واحدا فواحدا- ومن امسى عاصيا لله فى والديه أصبح له بابان مفتوحان من النار وان كان واحدا فواحدا- قال رجل وان ظلماه قال وان ظلماه وان ظلماه وان ظلماه- وعنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من ولد بار ينظر والديه نظر رحمة الا كتب الله له بكل نظرة حجة مبرورة- قالوا وان نظر كل يوم مائة مرة- قال نعم الله اكبر وأطيب- وعن ابى بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الذنوب يغفر الله منها ما يشاء الا عقوق الوالدين فانه يعجل لصاحبه فى الحيوة قبل الممات- روى الأحاديث الثلاثة- البيهقي فى شعب الايمان والاول منها ابن عساكر- وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الذنوب يؤخر الله ما شاء منها الى يوم القيامة الا عقوق الوالدين فانه يعجل لصاحبه فى الحيوة الدنيا قبل الممات- رواه الطبراني بسند ضعيف والحاكم-.

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ من البر إليهما والاعتقاد بما يجب لهما من التوقير فكانه تهديد على ان يضمر لهما كراهية واستثقالا- وجاز ان

ص: 432

يقال معناه ربكم اعلم بنياتكم فى بر الوالدين ان كان ذلك احتسابا وامتثالا لامر الله تعالى فاجره على الله وان كان لغرض من اغراض الدنيا فهو على ما نوى إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ اى قاصدين الاجر عند الله والصلاح وقال البغوي ان تكونوا أبرارا مطيعين بعد تقصير كان منكم فى القيام بما لزمكم من حق الوالدين فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ اى التوابين بعد المعصية فى حقهما غَفُوراً (25) لما فرط منهم- قال سعيد بن جبير فى هذه الاية هو الرجل يكون منه البادرة الى أبويه لا يريد بذلك الا الخير فانه لا يؤاخذ به- وجاز ان يكون الاية عامة لكل تائب ويندرج فيه الجاني على أبويه لوروده على اثره- قال سعيد بن المسيب الأواب الّذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب وقال سعيد بن جبير الرجاع الى الخير- وعن ابن عباس قال هو الرجاع الى الله فيما يجزيه وينوبه- وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال هم المسبحون دليله قوله تعالى يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ- وقال قتادة المصلون- وقال عوف العقيلي هم الذين يصلّون صلوة الضحى- روى البغوي عن زيد بن أرقم قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على اهل قبا وهم يصلّون الضحى فقال صلوة الاوّابين إذا رمضت الفصال من الضحى ورواه احمد ومسلم ورواه عبد بن حميد وسيبويه عن عبد الله بن ابى اوفى- قال البغوي وروى عن ابن عباس انه قال ان الملائكة لتحفّ بالذين يصلّون بين المغرب والعشاء وهى صلوة الأوابين-.

وَآتِ ذَا الْقُرْبى اى ذوى قرابتك حَقَّهُ من صلة الرحم وحسن المعاشرة والبر عليهم وعليه اكثر المفسرين- وقال ابو حنيفة يجب النفقة على الغنى لكل ذى رحم محرم إذا كان صغيرا فقيرا او امراة بالغة فقيرة او ذكرا زمنا او أعمى فقيرا- لان فيه ابقاء النفس وهو اصل البر والصلة- وقد ذكرنا هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ- وذكر البغوي عن على بن الحسين عليهما السلام انه تعالى أراد به قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن السدىّ واخرج الطبراني وغيره عن ابى سعيد الخدري قال لما نزلت وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فاعطاها فدك- وروى ابن مردوية عن ابن

ص: 433

عباس مثله- قال ابن كثير هذا مشكل فانه يشعر بان الاية مدنية والمشهور خلافه- قلت وايضا المشهور المعتمد عليه ان فاطمة سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدك فلم يعطها- كذا روى عن عمر بن عبد العزيز- ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها فاطمة لما منعها عنها الخلفاء الراشدون لا سيما على رضى الله عنه فى خلافته والله اعلم وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ قد مر فى سورة البقرة وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) اى لا تنفق مالك فى المعصية- قال مجاهد لو أنفق الإنسان ماله كله فى الحق ما كان تبذيرا- ولو أنفق مدا فى الباطل كان تبذيرا- وسئل عن ابن مسعود عن التبذير فقال انفاق مال فى غير حقه- قال شعبة كنت امشى مع ابى إسحاق فى طريق الكوفة فاتى على جدار بنى بجص واجر فقال هذا التبذير فى قول عبد الله انفاق المال فى غير حقه.

إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ اى أمثالهم فى الشرارة قال البغوي يقول العرب لكل ملازم سنة قوم هو أخوهم وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) جحودا للنعمة مبالغا فى الكفر والكفران- فليس ينبغى ان يطاع- اعلم ان الشكر على ما قاله اهل التحقيق صرف النعمة فى رضاء المنعم- والتبذير صرف المال فى المعصية فهو ضد الشكر- فمن اتى به كان كفورا والله اعلم- اخرج سعيد بن منصور عن عطاء الخراسانى قال جاء ناس من مزينة يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ- ف تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً- ظنوا ذلك من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى.

وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ ان شرطية وما زائدة والمعنى وان تعرض يا محمّد عَنْهُمُ يعنى عن ذوى القربى والمساكين وابن السبيل- أراد بالاعراض عدم الانفاق عليهم على سبيل الكناية- وقال البغوي نزلت فى مهجع وبلال وصهيب وسالم وخباب كانوا يسئلون النبي صلى الله عليه وسلم ما يحتاجون اليه- ولا يجد فيعرض عنهم حياء ويمسك عن القول- فنزل وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ يعنى حياء من الرد- ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ اى لاجل انتظار رزق مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها ان يأتيك

ص: 434

فتعطيه او منتظرا له- وقيل معناه لفقد رزق من ربك ترجوه ان يفتح لك- فوضع الابتغاء موضع الفقدان لانه مسبب عنه- وجاز ان يكون الابتغاء متعلقا بقوله فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً (28) اى قل لهم قولا ليناكى يرحمك الله برحمتك عليهم باجمال القول- والميسور من يسر الأمر مثل سعد الرجل ونحس- قال البغوي هو العدة اى عدهم وعدا جميلا- وقيل الدعاء لهم بالميسور وهو اليسر مثل أغناكم الله ورزقنا الله وإياكم والله اعلم- اخرج سعيد بن منصور عن سيار ابى الحكم قال اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببزّ- وكان معطيا كريما فقسّمه بين الناس- فاتاه قوم فوجدوه قد فرغ منه- فانزل الله تعالى.

وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ واخرج ابن مردوية وغيره عن ابن مسعود قال جاء غلام الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ان امّى تسئلك كذا وكذا فقال ما عندنا اليوم شيء- قال فتقول اكسنى قميصك فدفعه اليه فجلس فى البيت حاسرا- فانزل الله تعالى هذه الاية- واخرج ابن ابى حاتم عن المنهال بن عمرو بمعناه- واخرج ايضا عن ابى امامة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة انفقى ما ظهر كفى قالت اذن لا يبقى شيء فانزل الله تعالى هذه الاية- وقال البغوي قال جابر اتى صبى فقال يا رسول الله ان امّى تستكسيك درعا- ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم الا قميصه- فقال للصبى من ساعة الى ساعة يظهر فعد وقتا اخر- فعاد الى امه فقالت له قل ان امّى تستكسيك الدرع الّذي عليك فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم داره ونزع قميصه فاعطاه- وقعد عريانا فاذّن بلال بالصلوة فانتظروه فلم يخرج فشغل قلوب أصحابه فدخل عليه بعضهم فراه عريانا فانزل الله تعالى وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ يعنى لا تمسك يدك عن النفقة فى الحق كالمغلول يده لا يقدر على ردها- ولا تبسطها بالعطاء كلّ البسط فتعطى جميع ما عندك بحيث لا تقدر على أداء حقوق نفسك وأهلك ومن له الحق عليك- قال البيضاوي هذان تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذّر نهى عنهما وامر بالاقتصاد بينهما الّذي هو الكرم فَتَقْعُدَ مَلُوماً اى تصير ملوما

ص: 435

عند الله وعند الناس بالإمساك مع السعة او بالإسراف وسوء التدبير مَحْسُوراً (29) قال قتادة نادما على ما فرط منك فى الفصلين- او المعنى تصير ملوما يلومك السائلون بالإمساك إذا لم تعطهم مع السعة محسورا منقطعا بك لا شيء عندك- من حسره السفر إذا بلغ فيه- وحسرته بالمسألة إذا الحفت عليه- فيكون النشر على ترتيب اللف.

إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ اى يوسع الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ من عباده وليس البسط إليك وَيَقْدِرُ اى يضيق الرزق على من يشاء على ما يقتضيه حكمته- فلا لوم عليك ان أمسكت بعض ما تحتاج اليه إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (30) يعلم سرهم وعلانيتهم فيعلم من مصالحهم ما يخفى عليهم ويرزقهم على حسب مصالحهم ويجوز ان يراد ان البسط والقبض من امر الله الّذي يعلم سرائرهم وظواهرهم- واما العباد فعليهم ان يقتصدوا- او يراد انه تعالى يبسط تارة ويقبض اخرى فاستنوا بسنته ولا تقبضوا كل القبض ولا تبسطوا كل البسط- ويجوز ان يكون هذا تمهيدا لقوله.

وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ يعنى البنات كما كانوا يفعلون خَشْيَةَ إِمْلاقٍ مخافة الفقر نهاهم عن القتل وضمن لهم أرزاقهم فقال نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً قرا ابن عامر برواية ابن ذكوان وابو جعفر بفتح الخاء والطاء مقصورا- وابن كثير بكسر الخاء وفتح الطاء ممدودا- والباقون بكسر الخاء وسكون الطاء- قال البغوي معنى الكل واحد اى اثما كَبِيراً (31) وقال البيضاوي على قراءة الجمهور مصدر من خطأ خطأ كاثم اثما- وعلى قراءة ابن عامر اسم من أخطأ يضاد الصواب وقيل لغة فيه كمثل ومثل وحذر وحذر- وعلى قراءة ابن كثير اما لغة او مصدر خاطا خطاء كقاتل قتالا- عن ابن مسعود قال سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم اىّ الذنب أعظم قال ان تجعل لله ندّا وهو خلقك- قلت ان ذلك لعظيم ثم اىّ قال ان تقتل ولدك مخافة ان تطعم معك- قلت ثم اىّ قال ان تزنى حليلة جارك- متفق عليه.

وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى اى لا تأتوا بدواعيها من العزم عليه- او على بعض مقدماتها فضلا ان تباشروه إِنَّهُ اى الزنى كانَ فاحِشَةً فعلة ظاهرة القبح زائدته وَساءَ سَبِيلًا (32)

ص: 436

بئس طريقا طريقه- وهو الغصب على الابضاع المودي الى قطع الأنساب وهيجان الفتن عن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان السموات السبع والأرضين السبع ليلعنّ الشيخ الزاني وان فروج الزناة لتؤذى اهل النار بنتن ريحها- رواه البزار وعن انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المقيم على الزنى كعابد وثن- رواه الخرابطى وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زنى الرجل خرج منه الايمان فكان عليه كالظلة فاذا قلع رجع اليه الايمان- رواه ابو داؤد واللفظ له والترمذي والبيهقي والحاكم وفى الصحيحين عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن-.

وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ قتلها من مسلم او ذمى إِلَّا بِالْحَقِّ يعنى بحد او قصاص او بغى او سب الصحابة رضى الله عنهم ونحو ذلك واما المرتد فنفسه ليست مما حرم الله قال الله تعالى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

«1» أَنْ يُقَتَّلُوا الاية- وقال الله تعالى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي- وقال الله تعالى النَّفْسَ «2» بِالنَّفْسِ- وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ان لا اله الا الله وانى رسول الله الا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة- رواه الشيخان وابو داؤد والترمذي والنسائي وليس المراد بتارك دينه المولد لانه ليس بامرئ مسلم يشهد ان لا اله الا الله بل المراد به الفاني فى الهوى المفارق للجماعة من الروافض والخوارج وأمثال ذلك والله اعلم (فصل) عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما يقضى يوم القيامة فى الدماء- متفق عليه وعن البراء بن عازب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق- رواه ابن ماجة بسند حسن والبيهقي وزاد لو اهل سمواته واهل ارضه اشتركوا فى دم مؤمن لادخلهم الله النار- وروى النسائي من حديث بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل المؤمن

(1) وفى القرآن ورسوله ويَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ

فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا-

(2)

وفى القران أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ

ص: 437

أعظم عند الله من زوال الدنيا- وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقى الله مكتوب بين عينيه آئس من رحمة الله- رواه ابن ماجة والاصبهانى وزاد قال ابن عيينة هو ان يقول اق لا يتم كلمة اقتل- واخرج البيهقي من حديث ابن عمر نحوه وعن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذنب عسى الله ان يغفره الا الرجل يموت كافرا او يقتل مؤمنا متعمدا- رواه النسائي وصححه الحاكم واخرج ابو داؤد وصححه ابن حبان والحاكم من حديث ابى الدرداء نحوه- وعن ابى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح إبليس بث جنوده من أضل اليوم مسلما البسه التاج قال فيجيء هذا فيقول لم ازل به حتّى طلق امرأته- فيقول او شك ان يتزوج- قال ويجيء هذا فيقول لم ازل «1» به حتّى عق والديه- فيقول أوشك ان يبرهما- ويجيء هذا فيقول لم ازل به حتّى أشرك فيقول أنت أنت ويجيء هذا فيقول لم ازل به حتّى قتل فيقول أنت أنت ويلبسه التاج رواه ابن حبان فى صحيحه وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً غير مستوجب للقتل عمدا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ اى لمن يلى امره بعد وفاته وهو الوارث سُلْطاناً اى قوة وتسلطا بالمؤاخذة بالقصاص فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ قرا حمزة والكسائي لا تسرف بالتاء الفوقانية على الخطاب- والباقون بالياء التحتانية على الغيبة- قيل الخطاب للقاتل والضمير راجع اليه- يعنى لا يسرف القاتل فى القتل بان يقتل من لا يحق قتله فان العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك فى الدنيا والاخرة- وقال ابن عباس واكثر المفسرين الخطاب والضمير لولى المقتول والمعنى لا يقتل الولي غير القاتل- وذلك انهم كانوا فى الجاهلية إذا قتل منهم قتيل لا يرضون بقتل قاتله حتّى يقتلوا اشرف منه- وقال سعيد بن جبير إذا كان القاتل واحدا فلا يقتل جماعة بدل واحد وكان اهل الجاهلية إذا كان المقتول شريفا لا يرضون بقتل القاتل وحده حتّى يقتلوا معه جماعة من أقربائه- وقال قتادة معناه لا يمثّل بالقاتل إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) قال مجاهد الضمير راجع الى من قتل ظلما يعنى ان المقتول ظلما منصور فى الدنيا بايجاب القواد على قاتله- وفى الاخرة بتكفير خطاياه وإيجاب النار لقاتله- وقال قتادة الضمير

(1) وفى الأصل لم ازل حتّى قتل-

ص: 438

راجع الى وليه يعنى انه منصور على القاتل باستيفاء القصاص منه- يجب على الائمة نصره وقيل الضمير راجع الى الّذي يقتله الولي إسرافا بايجاب القصاص والوزر على المسرف-.

وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ فضلا ان تتصرفوا فيه إِلَّا بِالَّتِي اى بالطريقة الّتي هِيَ أَحْسَنُ الطرق من محافظة مال اليتيم والتجارة فيه لاجله حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ غاية لجواز التصرف الصالح الّذي دل عليه الاستثناء وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ اى بما عاهدكم الله من تكاليفه وما عاهدتم الناس عهدا مشروعا إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34) اى مطلوبا يطلب من العاهد ان لا يضيعه ويفىء به او مسئولا عنه فيسئل عن الناكث ويعاتب عليه او يسئل العهد تبكيتا للناكث كما يقال للموءودة باىّ ذنب قتلت ويجوز ان يراد صاحب العهد بحذف المضاف.

وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ ولا تبخسوا فيه وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ قرا حمزة والكسائي وحفص هنا وفى الشعراء بكسر القاف والباقون بضمها وهو الميزان- قال مجاهد هو لفظ رومى عرّب- ولا يقدح ذلك فى كون القران عربيا لان اللفظ العجمي إذا استعمل فى الكلام العربي واجرى عليه ما يجرى على العربي من الاعراب والتعريف والتنكير صار عربيّا- وقال الأكثر هو عربى ماخوذ من القسط بمعنى العدل الْمُسْتَقِيمِ السوي ذلِكَ خَيْرٌ فى الدنيا وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) اى عاقبة تفعيل من ال إذا رجع.

وَلا تَقْفُ اى لا تتبع من قفا يقفوا إذا تبع اثره- ومنه القافة لتتبّعهم الآثار ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ اى ما لم يتعلق به علمك بالحس او الخبر الصادق او البرهان- احتج بهذه الاية من قال انه لا يجوز العمل بالادلة الظنّية- وجوابه ان المراد بالعلم هاهنا الاعتقاد الراجح المستفاد من سند سواء كان قطعيّا او ظنيّا واستعماله بهذا المعنى شائع- وقيل انه مخصوص بالعقائد- وقيل برمى المحصنات وشهادة الزور قال مجاهد معناه لا ترم أحدا بما ليس لك به علم- وقال قتادة معناه لا تقل رايت ولم تره وسمعت ولم تسمعه وعلمته ولم تعلمه- قلت وجوب العمل بأحاديث الآحاد

ص: 439

الجامعة للشرائط فى الرواة والقياس الصحيح والحكم بشهادة رجلين او رجل وامرأتين ثبت بالادلة القطعية من النصوص والإجماع- كقوله تعالى فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا- وقوله تعالى فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ- وقوله تعالى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ الاية- وبما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يرسل احاد الصحابة لتبليغ الاحكام فاتباعها اتباع للعلم لاستناد الظن بالعلم والله اعلم إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36) ضمير عنه راجع الى مصدر لا تقف يعنى كل واحد من هذه الأعضاء كان عن ذلك القفوة والاتباع مسئولا- او الضمير راجع الى كلّ يعنى كل من هذه الأعضاء كان مسئولا عن نفسه يعنى عما فعل به صاحبه- او الضمير راجع الى صاحب السمع والبصر يعنى كل هذه الأعضاء يسئل عن صاحبها فيسئل السمع انه هل سمع صاحبه ما قال سمعته- ويسئل البصر هل ابصر صاحبه ما قال رايت- ويسئل القلب هل علم صاحبه ما قال علمت- عن شكل بن حميد قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا نبى الله علمنى تعويذا أتعوذ به فاخذ بيدي فقال قل أعوذ بك من شر سمعى ومن شر بصرى وشر لسانى وشر قلبى وشر منيّى- قال حفظتها رواه الترمذي وابو داؤد والنسائي والحاكم وصححه والبغوي قال سعيد يعنى راوى الحديث المنى ماؤه يعنى يضع ماءه فى ما لا يحل- والأعضاء لما كانت مسئولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها أجريت مجرى العقلاء واطلق عليها لفظ أولئك- او يقال ان أولاء وان غلبت فى العقلاء لكنه من حيث انه اسم جمع لذا وهو يعم القبيلتين جاء لغيرهم- وخص الأعضاء الثلاثة بالذكر لانها آلات لتحصيل العلوم الّتي يجب الحصر على اتباعها فان اكثر المحسوسات يدرك بالسمع والبصر- والمعقولات بأسرها تدرك بالقلب-.

وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً اى ذا مرح وهو الكبر والاختيال إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ بشدة وطأتك وتكبرك وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (37) بتطاولك واستعلائك وهو تهكم بالمختال وتعليل للنهى بان الاختيال حماقة محضة لا تفيد أصلا ولا يقدر المختال على شيء أصلا الا بمشية الله- عن عياض بن حمار

ص: 440

المجاشعي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله اوحى الىّ ان تواضعوا حتّى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد- رواه مسلم وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر- الحديث رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله الكبرياء ردائى والعظمة إزاري فمن نازعنى واحدا منهما أدخلته النار- رواه مسلم وعن سلمة بن الأكوع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتّى يكتب فى الجبارين فيصيبه ما أصابهم- رواه الترمذي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة فى صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون الى سجن فى جهنم يسمى بونس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة اهل النار طينة الخبال- رواه الترمذي وعن اسماء بنت عميس قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بئس العبد عبد تخيل واختال ونسى الكبير المتعال الحديث- رواه الترمذي والبيهقي فى شعب للايمان وعن عمر قال وهو على المنبر يا ايها الناس فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تواضع لله رفعه الله فهو فى نفسه صغير وفى أعين الناس كبير ومن تكبر وضعه الله فهو فى أعين الناس صغير وفى نفسه كبير حتّى لهو أهون عليهم من كلب او خنزير والله اعلم- اخرج ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنهما انه قال ان التورية كلها فى خمس عشرة اية من بنى إسرائيل ثم قرا وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ الآيات.

كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ قرا الكوفيون وابن عامر بضم الهمزة والهاء على التذكير مرفوعا على انه اسم كان وما بعده خبره- فذلك اشارة الى الخصال المذكورة من قوله تعالى.

وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وضمير سيّئه راجع الى الكل- أضاف السىّء الى الكل يعنى ان المنهي عن الأشياء المذكورة فان من الأشياء المذكورة مأمورات ومنهيات- وقرا اهل الحجاز والبصرة سيّئة بفتح التاء للتانيث مع التنوين منصوبا على انه خبر كان- والاسم ضمير كل وذلك اشارة الى ما نهى عنه خاصة من قوله وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ

ص: 441

الى هنا فانها سيئات لا حسنة فيها وعلى هذا قوله عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) بدل من سيئة او صفة لها محمولة على المعنى فانه بمعنى سيئا- ويجوز ان يكون مكروها منصوبا على الحال من المستكن فى كان او فى الظرف على انه صفة سيئة والمراد بالمكروه المبغوض المقابل للمرضى ذلِكَ اى الاحكام المتقدّمة مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ فى القاموس الحكمة بالكسر العدل والعلم والحلم بمعنى الاناءة والعقل والنبوة والقران والإنجيل- قلت والمراد هاهنا العلم النافع وَلا تَجْعَلْ ايها الإنسان مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ كرره للتنبيه على ان التوحيد مبدا الأمر وشرط لصحة الأعمال كلها ومنتهاه فانه من قصد بفعله او تركه غير وجه الله ضاع سعيه وانه رأس الحكمة وملاكها- فالتوحيد علم مقصود بذاته والعلوم غيره مقصودة للعمل ورتب عليه اولا ما هو عائدة الشرك فى الدنيا وثانيا ما هو نتيجته فى العقبى فقال فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً تلوم نفسك ويلومك الله والخلائق كلها مَدْحُوراً (39) مبعدا عن رحمة الله.

أَفَأَصْفاكُمْ خطاب لمن قال الملائكة بنات الله- والاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره اجعل لكم البنين فاصفاكم اختاركم رَبُّكُمْ بما هو الصفوة من الأولاد اى بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ لنفسه بناتا مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً وهذا خلاف ما عليه عقولكم وعادتكم إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً (40) فى القباحة حيث تنسبون الأولاد اليه تعالى وهى من خواص بعض الأجسام الّتي يتطرق إليها سرعة الزوال ثم تجعلون له تعالى من الأولاد أدون الصنفين ثم تجعلون الملائكة الذين هم الطف خلق الله أدونها-.

وَلَقَدْ صَرَّفْنا اى كررنا هذا المعنى بوجوه من التقرير فِي مواضع عديدة من هذَا الْقُرْآنِ او المعنى ولقد كررنا بوجوه من التقرير ما ذكرنا فى هذا القران من العبر والحكم والأمثال والاحكام والحجج والتذكير- ويجوز ان يراد بهذا القران ابطال نسبة الولد لا سيما البنات اليه تعالى- والتقدير ولقد صرفنا القول فى هذا المعنى والتشديد فى صرفنا للتكثير لِيَذَّكَّرُوا قرا الجمهور بتشديد الذال من التذكر اى ليتعظوا فلا ينسبوا

ص: 442

الى الله تعالى ما لا يليق به- ويأتوا بما أمروا وينتهوا عما نهوا عنه- وقرا حمزة والكسائي بسكون الذال وضم الكاف وكذلك فى الفرقان من الذكر وهو ايضا بمعنى التذكر وَما يَزِيدُهُمْ تصريفنا وتذكيرنا شيئا إِلَّا نُفُوراً (41) اى ذهابا عن الحق وتباعدا.

قُلْ يا محمّد لهؤلاء المشركين لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ قرا ابن كثير وحفص بالياء على الغيبة على ان الكلام مع الرسول والباقون بالتاء على الخطاب للمشركين إِذاً اى إذا كان كذلك ظرف لما بعده لَابْتَغَوْا لطلبوا إِلى ذِي الْعَرْشِ الّذي هو مالك الملك سَبِيلًا (42) بالمغالبة والقهر كما هو عادة الملوك وإمكان التمانع ثابت بالبداهة والتمانع يستلزم عجز أحدهما او كليهما وهو مناف للالوهية- والجملة جواب لقولهم وجزاء للو.

سُبْحانَهُ تنزه الله تنزيها عن التمانع والعجز المنافى للالوهية وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ اى المشركون عُلُوًّا اى تعاليا كَبِيراً (43) اى تباعدا غاية البعد فانه تعالى فى أعلى مراتب الوجود والبقاء كذاته- واتخاذ الولد من ادنى مراتبه فانه من خواص ما يتسارع اليه الفناء- والمشاركة من ادنى مراتب المالكية- قرا حمزة والكسائي تقولون بالتاء خطابا للمشركين والباقون بالياء للغيبة على انه تعالى تنزه به نفسه عن مقالتهم-.

تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ قرا ابو عمرو وحفص وحمزة والكسائي ويعقوب تسبح بالتاء لتأنيث الفاعل والباقون بالياء التحتانية للحائل وكون التأنيث غير حقيقى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ له اى ينزهه عما هو من لوازم الإمكان وتوابع الحدوث ومناف للالوهية «1» متلبسا بِحَمْدِهِ على جمال ذاته وكمال صفاته وتواتر انعاماته بلسان المقال الّتي أعطاها الله إياه ويسمعها من اعطى الله سبحانه سماعا لقلبه- عن عبد الله بن مسعود قال كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا- كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فقلّ الماء فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا باناء فيه ماء قليل- فادخل يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فى الإناء ثم قال حى على الطهور المبارك والبركة من الله- فلقد رايت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل- رواه البخاري وقال

(1) وفى الأصل ملتبسا [.....]

ص: 443

مجاهد كل الأشياء تسبح لله حيّا كان او جمادا وتسبيحها سبحان الله وبحمده- وقال ابراهيم النخعي وان من شيء جماد اوحى الا يسبح بحمده حتّى صرير الباب ونقيض السقف- وحصر بعضهم التسبيح على الحي من الأشياء- وقال قتادة تسبح «1» الحيوانات والناميات- وقال عكرمة الشجرة تسبح والاسطوانة لا تسبح- ولا وجه للقول بالتخصيص وقد صح حنين الاسطوانة بمفارقة النبي صلى الله عليه وسلم وقال الله تعالى يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الجبال ينادى الجبل هل مربك أحد ذكر الله فاذا قال نعم استبشر- رواه الطبراني عن ابن مسعود وايضا يسبح كل شيء بلسان الحال حيث يدل بامكانها وحدوثها على الصانع القديم الواجب الوجود لذاته المنزه عما لا يليق به من النقص والزوال المتصف بصفات الكمال- والاقتصار على القول بأحد النوعين من التسبيح تقصير وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ ايها الناس يعنى أكثرهم تَسْبِيحَهُمْ المقالى والمشركون لكمال غباوتهم والعمه غافلون عن التسبيح الحالي ايضا إِنَّهُ كانَ حَلِيماً لا يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وشرككم غَفُوراً (44) لمن تاب منكم اخرج ابن المنذر عن ابن شهاب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا القران على مشركى قريش ودعاهم الى الله- قالوا (يهزءون به) قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ «2» بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ- فانزل الله تعالى فى ذلك من قولهم.

وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً يحجب القلوب عن فهمه والانتفاع به قال قتادة هو الاكنة مَسْتُوراً (45) ذلك الحجاب عن الحس او مستورا بحجاب اخر حيث لا يفهمون ولا يفهون انهم لا يفهمون- وقيل المستور هاهنا بمعنى الساتر كما فى قوله تعالى كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا يعنى آتيا- وفسر بعضهم بالحجاب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الناس يحجبه صلى الله عليه وسلم عن الأعين الظاهرة كما

(1) عن عمر بن الخطاب قال لا تلطموا وجوه الدواب فان كل شيء يسبح بحمده- وعن ميمون بن مهران قال اتى ابو بكر الصديق بغراب وافر الجناحين فجعل ينشر جناحيه ويقول ما صيد من صيد ولا عضدت من شجرة الا بما ضيّعت من التسبيح- وروى نحوه الزهري وقال اتى ابو بكر بغراب الحديث 12 ازالة الخفا منه رحمه الله

(2)

وفى الأصل وبيننا بينك حجاب-

ص: 444

قال البغوي انه روى عن سعيد بن جبير انه لما نزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ جاءت امراة ابى لهب ومعها حجر والنبي صلى الله عليه وسلم مع ابى بكر فلم تره- فقالت لابى بكر اين صاحبك بلغني انه هجانى فقال والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله- فرجعت وهى تقول قد كنت أتيت بهذا الحجر لارضخ به رأسه- فقال ابو بكر ما راتك يا رسول الله قال لا لم يزل ملك بينى وبينها يسترنى- قلت فحينئذ الاية واقعة حال إذ لم يكن انه صلى الله عليه وسلم كلما قرا القران لا يراه الكفار.

وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً اغطية تكنها وتحول دونها عن ادراك الحق وقبوله أَنْ يَفْقَهُوهُ اى كراهة ان يفقهوه او لئلا يفقهوه- ويجوز ان يكون مفعولا لما دل عليه قوله وجعلنا على قلوبهم اكنة اى منعناهم ان يفقهوه وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً يمنعهم عن السماعة سماع قبول ولما كان القران معجزا من حيث اللفظ والمعنى اثبت لمنكريه مانعا عن فهم المعنى وعن ادراك حسن النظم وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ غير مشفوع به الهتهم مصدر وقع موقع الحال وأصله واحدا وحده وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (46) عنه هربا من استماع التوحيد ونفرة فهو منصوب على العلية او نفورا يعنى تولية فهو منصوب على المصدرية- او نفورا يعنى نافرين جمع نافر كعاقد وعقود منصوب على الحال.

نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ اى نحن اعلم بالحال او بالطريقة الّتي يستمعون القران بسببه ولاجله او متلبسا به من الاستهزاء بك وبالقران فمفعول يستمعون محذوف وبه صلة او حال وبيان لما اى يستمعون القران للاستهزاء او هازئين والواجب ان يستمعوه جادين إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وأنت تقرا القران ظرف لا علم وكذا وَإِذْ هُمْ نَجْوى مصدر بمعنى الفاعل او محمول بتقدير ذو- او جمع نجى يعنى نحن اعلم بغرضهم من الاستماع حين هم يستمعون إليك مضمرون له- او حين هم يتناجون بينهم اى يتحدثون او ذووا نجوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ يعنى الوليد بن المغيرة وأصحابه- او بدل من

ص: 445

إذ قبله وضع المظهر اى لفظ الظالمين موضع المضمر للدلالة على ان قولهم إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً (47) ظلم والمسحور الّذي سحر به فزال عقله- وقال مجاهد مخدوعا وقيل مصروفا عن الحق يقال ما سحرك عن كذا يعنى ما صرفك وقال ابو عبيد يعنى ذا سحر والسحر الرية يعنى بشرا ذا رية مثلكم يأكل ويشرب ويتنفس.

انْظُرْ يا محمّد كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فقال بعضهم ساعر وقال بعضهم ساحر او مسحور وقال بعضهم كاهن وقال بعضهم مجنون فَضَلُّوا عن الحق حيث ضربوا أمثالا لا مصداق لها أصلا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48) الى الحق والرشاد حيث جعل الله على قلوبهم اكنة- او المعنى لا يستطيعون سبيلا الى ما يريدون من الطعن الموجه بل يأتون طعنا غير موجه- فيتها فتون ويخبطون فى امره كالمتحير فى امره لا يدرى ما يصنع-.

وَقالُوا يعنى مشركى مكة أَإِذا كُنَّا عِظاماً بعد الموت وَرُفاتاً وهو ما تكسر وبلى من كل شيء كالفتات والحطام فى القاموس رفته يرفته كسره ودقّه وانكسروا ندق لازم ومتعدو كغراب الحطّام- وقال مجاهد يعنى ترابا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (49) مجدّدا انكار واستبعاد لما بين غضاضة الحي ويبوسة الرميم من المنافاة- وخلقا منصوب على المصدرية من مبعوثين- او حال من النائب مناب فاعله والعامل فى إذا ما دل عليه مبعوثون لا نفسه لان ما بعد انّ لا يعمل فيما قبلها.

قُلْ يا محمّد جوابا لهم كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً اى مخلوقا اخر مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ اى من جنس ما يبعد عندكم من قبول الحيوة حتّى يكون ابعد فى الصدور لقبول الحيوة من العظام الرميمة كالسموات والأرضين والجبال- فان الله قادر على احيائكم على ذلك التقدير ايضا لاشتراك الأجسام فى قبول الاعراض فكيف إذا كنتم عظاما مرفوتة وقد كانت غضة موصوفة بالحياة قبل ذلك والشيء اقرب للقبول بما عهد فيه مما لم يعهد وليس هذا امر تكليف والزام بل امر تقدير اى افرضوا أنفسكم حجارة او حديدا

ص: 446

فى الشدة وقوة الجمادية بحيث لا يقبل الحيوة فى زعمكم فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا حيّا بعد الموت قُلِ يعيدكم حيّا بعد الموت الَّذِي فَطَرَكُمْ خلقكم أَوَّلَ مَرَّةٍ وقد كنتم ترابا وهو ابعد من الحيوة- وليس أول الخلق باهون من الاعادة فَسَيُنْغِضُونَ اى يحركون إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ تعجبا واستهزاء وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ هو اى بعثكم واعادتكم حيّا قَرِيباً (51) فان كل ما هو ات قريب- او المعنى يكون اقرب زمانا من بدء خلق العالم- وقريبا منصوب على الخبر وجاز ان يكون اسم عسى مضمرا وان يكون خبره وقريبا منصوب على الظرف اى فى زمان قريب-.

يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ اى فتجيبون من القبور بدل من قوله قريبا على تقدير كونه خبرا او ظرفا- او هو منصوب باذكر اى يوم يدعوكم الله من القبور الى موقف القيامة للمحاسبة على لسان اسرافيل عليه السلام فتجيبونه وقيل معناه يبعثكم فتبعثون استعار لهما الدعاء والاستجابة للتنبيه على سرعتهما والمقصود منهما الإحضار للمحاسبة والجزاء بِحَمْدِهِ حال من فاعل تستجيبون اى حامدين على كمال قدرته مقرين بانه «1» خالقهم وباعثهم يحمدون حين لا ينفعهم الحمد- او المعنى منقادين لبعته انقياد الحامدين عليه- وقيل هذا خطاب مع المؤمنين فانهم يبعثون حامدين بخلاف الكفار- فانهم يبعثون قائلين يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ

يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ- روى الختلي فى الديباج عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أخبرني جبرئيل انّ لا اله الا الله انس للمسلم عند موته وفى قبره وحين يخرج من قبره يا محمّد لو تراهم حين يقومون من قبورهم ينفضون رءوسهم- هذا يقول لا اله الا الله والحمد لله فيبيض وجهه- وهذا ينادى يحسرتى على ما فرّطتّ فى جنب الله مسودة وجوههم- وروى الطبراني وابن ابى حاتم وابن مردوية عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على اهل لا اله الا الله وحشة فى الموت ولا فى القبور ولا فى

(1) وفى الأصل بانهم خالقهم-

ص: 447

النشور- كانى انظر إليهم عند الصيحة ينفضون رءوسهم من التراب يقولون الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ- واخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ فى الدنيا او فى القبور إِلَّا قَلِيلًا (52) لما يرون من الهول قال قتادة يستحقرون مدة الدنيا فى جنب القيامة- قال الكلبي كان المشركون يؤذون المسلمين فشكوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله عز وجل.

وَقُلْ يا محمّد لِعِبادِي المؤمنين يَقُولُوا الكلمة الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الكلمات يعنى الدعوة الى الإسلام وقول لا اله الا الله بالرفق واللين واقامة البراهين واظهار النصح بلا خشونة مع المشركين ولا ان تكافؤهم بسفههم- وقال الحسن يقول له يهديك الله وكان هذا قبل الاذن فى القتال- وقيل نزلت فى عمر بن الخطاب رضى الله عنه شتمه بعض الكفار فامره بالعفو- وقيل امر الله المؤمنين بان يقولوا ويفعلوا الكلمة والخلة الّتي هى احسن الكلمات والخلل- وقيل الأحسن كلمة الإخلاص لا اله الا الله إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ النزغ إيقاع الشر وإفساد ذات البين- يعنى لا يقولوا ما يتطرق اليه الشيطان بالفساد فيفسد ويلقى العداوة بينهم إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (53) ظاهر العداوة فيفضى الكفار الى جهنم ويفضى المؤمنين الى الشر العاجل.

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ اى يوفقكم للايمان فيرحمكم أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ اى يميتكم على الشرك فيعذبكم كذا قال ابن جريج- قيل هذا تفسير للّتى هى احسن وما بينهما اعتراض- اى قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها يعنى لا تسافهوهم ولا تشاتموهم ولا تصرحوا بانكم من اهل النار- فانه يهجّهم على الشر مع ان اختتام أمرهم غيب لا يعلمه الا الله- وقال الكلبي هذا خطاب من الله للمؤمنين والمعنى إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ فينجيكم من اهل مكة أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ فيسلطهم عليكم وَما أَرْسَلْناكَ يا محمّد عَلَيْهِمْ يعنى على الكفار وَكِيلًا (54) موكولا إليك أمرهم حتّى تكرههم على الايمان وتهتم بكفرهم انما أرسلناك مبشرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك

ص: 448

باحتمال الأذى منهم-.

وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من غيره يعلم من هو اهل لنبوته وولايته ومخلوق ومجبول للسعادة ومن هو على نقيض ذلك- فهو رد لاستبعاد قريش ان يكون يتيم ابى طالب نبيّا ويكون فقراء الناس كبلال وصهيب أولياءه ومن اهل الجنة ويكون شرفاء قريش من اهل النار وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ بالفضائل النفسانية والتبرّى عن العلائق الجسمانية لا بكثرة الأموال والأولاد ونحو ذلك- قال قتادة فى هذه الاية اتخذ الله ابراهيم خليلا وكلم موسى تكليما وقال لعيسى كن فكان (قلت كلمه فى المهد صبيّا وأتاه الكتاب والحكمة وعلمه التورية والإنجيل وأيده بروح القدس) قال واتى سليمان ملكا لا ينبغى لاحد من بعده يعنى سخر له الجن والانس والشياطين مقرنين فى الأصفاد واتى داؤد زبورا كما قال وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) يعنى فضله بما اوحى اليه من الكتاب لا بما اوتى من الملك- ففى هذه الاية رد على ما أنكر كفار مكة فضل النبي صلى الله عليه وسلم بان فضل الأنبياء انما كان بالفضائل النفسانية والتبرّى عن العلائق الجسمانية والعلوم الموحى إليهم ومراتب القرب من الله تعالى وشيوع الهداية لا بكثرة الأموال والأولاد ونحو ذلك- فالله سبحانه فضله على سائر النبيين بجعله خاتم النبيين وأمته خير الأمم المذلول عليه ما كتب فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ- وأعطاه القران اقل حجما واكثر علما واظهر معجزة- ورفعه درجات دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى - قال البغوي الزبور كتاب علمه الله داود يشتمل على مائة وخمسين سورة كلها دعاء وتحميد وثناء على الله عز وجل ليس فيها حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود انتهى- وتنكيره هاهنا وتعريفه فى قوله تعالى وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ لانه فى الأصل فعول للمفعول كالودود بمعنى المودود- او للمصدر كالقبول ويؤيده قراءة حمزة بالضم فهو كالعباس والفضل- او لان المراد بعض الزبور او بعضا من الزبور فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم اعلم اخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال كان ناس من الانس يعبدون

ص: 449

ناسا من الجن فاسلم الجنيون واستمسك الآخرون بعبادتهم فانزل الله تعالى.

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ انها الهة مِنْ دُونِهِ من الجن فَلا يَمْلِكُونَ اى لا يستطيعون كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ كالمرض والفقر والقحط وَلا تَحْوِيلًا (56) اى تحويل ذلك منكم الى غيركم.

أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ اى يدعوهم المشركون الهة ويعبدونهم من الجن يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ حيث أمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبون الى الله القربة بالطاعة- وقيل الوسيلة التوصل الى شيء برغبة وهى أخص من الوصيلة لتضمنها معنى الرغبة- فالوسيلة الى الله مراعاة سبيله بالعلم والعمل وتحرى مكارم الشريعة فهى القربة- وفى القاموس الوسيلة والواسلة المنزلة عند الملك الدرجة والقربة ووسّل الى الله تعالى توسّلا عمل عملا تقرب به اليه أَيُّهُمْ أَقْرَبُ بدل من واو يبتغون اى يبتغى من هو اقرب منهم الى الله الوسيلة فكيف بغير الأقرب كذا قال الزجاج- وقيل معناه يطلبون أيهم اقرب الى الله فيتوسلون به او ضمن يبتغون الوسيلة معنى يحرصون فكانه قال يحرصون أيهم يكون اقرب الى الله وذلك بالطاعة وازدياد الخير وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ فكيف يزعمون انها الهة إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (57) حقيقا بان يحذره كل أحد حتّى الرسل والملائكة- وقال البيضاوي المراد ان الذين زعمتم انها الهة من دونه كالملائكة والمسيح وعزير لا يملكون كشف الضر ويبتغى أقربهم الى الله الوسيلة قال ابن عباس ومجاهد عيسى وامه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم يطلبون إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ

وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ وقال البغوي أصاب المشركين قحط شديد حتّى أكلوا الميتة والجيف فاستغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم فانزل الله تعالى قُلِ للمشركين ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ انها الهة من دون الله فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ-.

وَإِنْ اى ما مِنْ قَرْيَةٍ من القرى إِلَّا قرية نَحْنُ مُهْلِكُوها اى مخربوها ومهلكوا أهلها بالموت قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها

ص: 450

عَذاباً شَدِيداً

إذا كفروا وعصوا قال مقاتل وغيره يعنى مهلكوها فى حق المؤمنين بالاماتة او معذبوها فى حق الكفار بانواع العذاب قال ابن مسعود إذا ظهر الزنى والربوا فى قرية اذن الله فى هلاكها كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ اى فى اللوح المحفوظ مَسْطُوراً (58) مكتوبا عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال ما اكتب قال اكتب القدر فكتب ما كان وما هو كائن الى الابد رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب اسنادا والله اعلم- اخرج الطبراني والحاكم عن ابن عباس والطبراني وابن مردوية عن ابن الزبير نحوه ابسط منه انه سال اهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم ان يجعل لهم الصفا ذهبا وان ينحى عنهم الجبال فيزرعوا فاوحى الله الى رسوله ان شئت ان أستأني بهم فعلت وان شئت ان أوتيهم ما سالوا فعلت فان لم يؤمنوا أهلكتهم كما أهلكت من كان قبلهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا بل تستانّ بهم فانزل الله عز وجل.

وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ الّتي سالها الكفار استعير المنع لترك إرسال الآيات وان مع صلتها فى موضع النصب على انه مفعول ثان لمنعنا إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا اى بالآيات المقترحة المستثنى فى محل الرفع بمنعنا الْأَوَّلُونَ اى كفار الأمم السابقة الذين كفار مكة أمثالهم فى الطبع والعادة فاهلكوا- وانه لو أرسلنا بالآيات لكذّب هؤلاء كما كذّب أولئك فيهلك هؤلاء كما أهلك أولئك- لان من سنتنا فى الأمم انهم إذ سالوا الآيات ثم لم يؤمنوا بعد إرسال الآيات ان نهلكهم ولا نمهلهم- وقد حكمنا بامهال هذه الامة قال الله تعالى بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ ثم ذكر بعض الأمم المهلكة بسبب تكذيب الآيات المقترحة فقال وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ بسوالهم مُبْصِرَةً اى اية بينة ذات أبصار فَظَلَمُوا اى كفروا بِهَا او ظلموا أنفسهم بعقرها فاهلكوا وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ المقترحة الباء زائدة إِلَّا تَخْوِيفاً (59) من نزول العذاب المستأصل فى الدنيا- فان لم يخافوا نزل بهم العذاب فى الدنيا- او المعنى ما نرسل بالآيات الّتي نرسلها يعنى غير المقترحة من المعجزات او آيات القران إِلَّا تَخْوِيفاً بعذاب الاخرة

ص: 451

منصوب على العلية وجاز ان يكون بالآيات فى موضع الحال ويكون المفعول محذوفا- اى ما نرسل الرسل متلبسين بالآيات الا لاجل التخويف من عذاب الاخرة.

وَإِذْ قُلْنا لَكَ اى اذكر إذا وحينا إليك إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ ذاتا وعلما وقدرة فلا تبال أحدا منهم وبلّغ ما أرسلت به- او المعنى أحاط بقريش بمعنى اهلكهم من أحاط بهم العدو- فهو بشارة بوقعة بدر والتعبير بلفظ الماضي لتحقق وقوعه والله اعلم- اخرج ابو يعلى عن أم هانى وابن المنذر عن الحسن نحوه انه صلى الله عليه وسلم لما اسرى به يعنى ليلة المعراج أصبح يحدث نفرا من قريش وهم يستهزءون به- فطلبوا منه اية فوصف لهم بيت المقدس وذكر لهم قصة العير- فقال الوليد بن المغيرة هذا ساحر- فانزل الله تعالى وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ليلة المعراج من الآيات إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ حيث أنكرها كفار مكة وارتد ناس ممن أمن به- ومن هذه الاية قال من قال ان المعراج كان بالمنام اسرى بروحه دون بدنه كما ذكرنا قول عائشة ويدل عليه حديث رواه البخاري وقال ابن عباس المراد بالرؤيا هاهنا رؤيا عين وهو قول سعيد ابن جبير والحسن ومسروق وقتادة ومجاهد وعكرمة وابن جريح والأكثرين «1» - والعرب يقول رايت بعيني رؤية ورؤيا- وقال بعضهم كان له صلى الله عليه وسلم معراجان معراج رؤية بالعين ومعراج رؤية بالقلب- واخرج ابن مردوية عن الحسين بن على عليهما السلام ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح يوما مهموما فقيل مالك يا رسول الله قال انى رايت فى المنام كانّ بنى امية يتعاورون منبرى هذا- فقيل يا رسول الله لا تهتم فانها دنيا تنالهم فانزل الله تعالى وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ والمراد بالفتنة على هذا ما حدث فى ايامهم من البدعة والفسوق- وأخرجه ابن جرير من حديث سهل بن سعد بلفظ راى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى فلان ينزون على منبره نزوة القردة فساءه ذلك فانزل الله ذلك وأخرجه ابن ابى حاتم من حديث عمرو بن العاص ومن حديث يعلى بن مرة واخرج ابن ابى حاتم وابن مردوية والبيهقي فى الدلائل عن سعيد بن المسيب مرسلا قال راى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى امية على المنابر فساءه»

(1) فى الأصل والأكثرون-

(2)

عن ابن عمرو ان النبي صلى الله عليه وسلم قال رايت ولد الحكم بن ابى العاص على المنابر كانهم القردة وانزل الله فى ذلك وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ يعنى الحكم وولده وروى تريب من ذلك عن سهل بن سعد ومعلى بن مرة والحسين بن على وسعيد بن المسيب وعائشة- منه رحمه الله

ص: 452

ذلك فاوحى الله اليه انما أعطوها فقرت عينه- وأسانيد هذه الأحاديث ضعيفة- وقال قوم أراد بهذا الرؤيا ما راى النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية انه دخل مكة هو وأصحابه فعجّل السير الى مكة قبل للاجل فصده المشركون فرجع فكان رجوعه فى ذلك العام بعد ما اخبر انه يدخلها فتنة وموجبا للشك لبعض الناس حتّى دخلها فى العام المقبل فانزل الله تعالى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ- قال البيضاوي وفيه نظر إذ الاية مكية الا ان يقال راها بمكة وحكاها حينئذ قلت وهو ايضا غير سديد وقال لعله رؤيا راها ما كان فى وقعة بدر كقوله إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا فقد روى انه لما ورد ماءه قال لكانّى انظر الى مصارع القوم هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان فتسامعت به قريش واستسحروا منه- وَالشَّجَرَةَ يعنى شجرة الزقوم عطف على الرؤيا يعنى وما جعلنا الشجرة الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ الا فتنة للناس قال البغوي وذلك الفتنة من وجهين أحدهما ان أبا جهل قال ان ابن كبشة يوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم انها تنبت فيها شجرة وتعلمون ان النار تحرق الشجرة- ولم يشعر السفيه ان من قدر على ان يحفظ دبر السمندل من ان يحرقه النار وأحشاء النعامة من أذى الحمر وقطع الحديد المحماة الّتي تبلعها قادر على ان يخلق فى النار شجرة لا يحرقها- قال فى المدارك السمندل دويبة ببلاد الترك يتخذ منها مناديل إذا توسخت طرحت فى النار فذهب الوسخ وبقي المنديل سالما لا يعمل فيه النار- وفى القاموس هو طائر ببلاد الهند لا يحترق بالنار- ثانيهما ان ابن الزبعرى قال ان محمّدا يخوّفنا بالزقوم؟؟؟

عرف الزقوم الا الزبد والتمر- فقال ابو جهل يا جارية تعالى زقّمينا فاتت بالزبد والتمر فقال يا قوم تزقموا فان هذا ما يخوّفكم به محمّد فوصفه الله فى الصافات- واخرج ابن ابى حاتم والبيهقي فى البعث عن ابن عباس قال لما ذكر الله الزقوم وخوّف به هذا الحي من قريش قال ابو جهل هل تدرون ما هذا الزقوم الّذي يخوّفكم به محمّد قالوا لا قال عجوة يثرب بالزبد اما لان أمكننا منها لنتزقّمنّها تزقما فانزل الله تعالى وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ الاية وانزل إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ- ولعنها فى القران بمعنى لعن طاعمها وصفه به على المجاز للمبالغة او وصّفها به لانها فى اصل الجحيم وهو ابعد مكان من الرحمة- او لانها مكروهة

ص: 453

مؤذية يقول العرب لكل طعام كريه ضار ملعون وقد اولت بالشيطان وابى جهل والحكم بن ابى العاص وَنُخَوِّفُهُمْ بانواع التخويف فَما يَزِيدُهُمْ تخويفنا شيئا إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً (60) اى تمردا وعتوا عظيما-.

وَاذكر إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (61) اى لمن خلقته من طين فنصبه بنزع الخافض او على التميز- ويجوز ان يكون حالا من الراجع المحذوف الى الموصول اى خلقته وهو طين وحمله باعتبار ما كان او وهو من طين- وفيه على الوجوه ايماء لعلة الإنكار- قال البغوي وذلك ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس ان الله بعث إبليس حتّى أخذ كفّا من تراب الأرض من عذبها وملحها فخلق منه آدم فمن خلقه من العذب فهو سعيد وان كان ابن كافرين ومن خلقه من الملح فهو شقى وان كان ابن نبيين- وروى احمد والترمذي وابو داود والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى موسى الأشعري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنوا آدم من قدر الأرض منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب.

قالَ إبليس أَرَأَيْتَكَ الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الاعراب هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ هذا مفعول أول لا رايت والموصول صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة صلته عليه- والمعنى أخبرني عن هذا الّذي كرمته علىّ وتأمرونى بالسجود له لم كرّمته علىّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ اثبت الياء فى الحالين ابن كثير وأثبتها فى الوصل فقط نافع وابو عمرو وحذفها الباقون فى الحالين والمعنى لان أمهلتني ولا تميتنى إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ولهذا كلام مبتدا واللام موطية للقسم وجوابه لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ اى لاستأصلنّهم بالإغواء من احتنك الجراد الزرع إذا أكله كله- او المعنى لاقودنّهم كيف شئت واستولينّ عليهم من قول العرب حنك الدابة يحنكها إذا شد فى حنكها الأسفل حبلا يقودها- فى القاموس احتنكه استولى عليه والجراد الأرض أكلت ما عليها إِلَّا قَلِيلًا (62) يعنى المعصومين الذين استثناهم الله تعالى وقال إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ قال البيضاوي انما علم ان ذلك يتسهل له اما استنباطا

ص: 454

من قول الملائكة أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها مع التقرير او تفرسا من خلقته ذا وهم وغضب وشهوة-.

قالَ الله تعالى اذْهَبْ امض لما قصدته وهو طرد وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه ثم عقبه بما افضى اليه سوء اختياره فقال فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ اى جزاؤك وجزاء اتباعك فغلّب المخاطب على الغائب جَزاءً مَوْفُوراً (63) اى وافرا مكملا من قولهم وفر لصاحبك عرضه- وانتصاب جزاء على المصدر بإضمار فعله او حال موطية لقوله. مَوْفُوراً وَاسْتَفْزِزْ اى استخف واستزل واستجهل فى القاموس استفزه استخفه وأخرجه من داره.

مَنِ اسْتَطَعْتَ ان تستفزه مِنْهُمْ اى من ذرية آدم بِصَوْتِكَ قال ابن عباس اى بدعائك إياهم الى المعصية- وكل داع الى معصية الله فهو من جند إبليس- وقال الأزهري اى ادعهم دعاء تستفزهم به الى جانبك وقال مجاهد اى بالغناء والمزامير وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ جلبه يجلبه اجتلبه ساقه من موضع الى اخر كذا فى القاموس- ومنه فى الحديث لاجلب- قال فى النهاية الجلب فى شيئين أحدهما ان يقدم المصدق على الزكوة فينزل موضعا ثم يرسل من يجلب اليه فنهى عن ذلك وأمران تؤخذ صدقاتهم على مياههم وأماكنهم- ثانيهما فى السباق وهو ان يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ويصيح حثّا له على الجري فنهى عن ذلك وفى القاموس اجلب على الفرس زجره وايضا الجلبة الصوت- فى القاموس رعد فجلب اى فصوّت واجلب عليه إذا صاح به واستحثه فى حديث الزبير يقود الجيش ذا الجلب قال القتيبي هو جمع جلبة وهو الأصوات- وايضا الجلب الاجتماع قال فى النهاية يقال اجلبوا عليه إذا تجمعوا واجلبه اى أعانه فى حديث العقبة انكم تبايعون محمّدا صلى الله عليه وسلم على ان تحاربوا العرب والعجم مجلبة اى مجتمعة على الحرب- فمعنى الاية اجمع مكائدك وخيلك ورجلك او المعنى صح عليهم وحثهم على المعاصي او المعنى سقهم الى المعاصي او المعنى أعنهم على المعاصي وقال معناه استعن عليهم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ اى بركبانك ومشاتك قال اهل التفسير كل راكب وماش فى المعاصي فهو من جند إبليس- وقال مجاهد قتادة

ص: 455

ان له خيلا ورجلا من الجن والانس وهو كل من يقاتل فى المعصية- وقال البيضاوي معناه صح عليهم باغوائك من راكب وراجل- ويجوز ان يكون تمثيلا لتسلطه على من يغويه بمن عدا على قوم فاستفزهم من أماكنهم واجلب عليهم بجنده حتّى استأصلهم- قرا حفص رجلك بكسر الجيم والباقون بسكونها وهما لغتان وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ بحملهم على كسبها وجمعها من الحرام وصرفها فيها كذا قال مجاهد والحسن وسعيد بن جبير- وقال عطاء هو الربوا وقال هو ما كان المشركون يحرمونه من الانعام كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام- وقال الضحاك وما كانوا يذبحونه لالهتهم وَالْأَوْلادِ روى عن ابن عباس انها الموءودة- وقال مجاهد والضحاك هم أولاد الزنى- وقال الحسن وقتادة هو انهم هوّدوا أولادهم ونصّروهم ومجسّوهم- وعن ابن عباس رواية اخرى هو تسمية الأولاد عبد الحارث وعبد الشمس وعبد العزى وعبد الدار ونحوها- وروى عن جعفر بن محمّد عليهما السلام ان الشيطان يقعد على ذكر الرجل فلم يقل بسم الله أصاب معه امرأته وانزل فى فرجها كما ينزل الرجل- قال البغوي وفى بعض الاخبار ان فيكم مغربين قيل ومن المغربين قال الذين شارك فيهم الجن وَعِدْهُمْ المواعيد الباطلة كشفاعة الأصنام والاتكال على كرامة الآباء وتأخير التوبة وان لا جنة ولا نار ولا بعث- فان قيل هذا امر بالمعصية والله لا يأمر بالفحشاء قلنا هذا امر بمعنى التهديد كقوله تعالى اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ- او للاهانة يعنى لا يخلّ ذلك بملكي وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (64) اعتراض لبيان مواعيده والغرور تزيين الباطل بما يظن انه حق- قال البغوي فى الآثار ان إبليس لما اخرج الى الأرض- قال يا رب أخرجتني من الجنة لاجل آدم فسلطنى عليه وعلى ذريته- قال أنت مسلط فقال لا استطيعه الا بك فزدنى قال اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ الاية- وقال آدم يا رب سلطت ا؟؟؟

علىّ وعلى ذريتى وانى لا استطيعه الا بك- قال لا يولد لك ولد الا وكلت به؟؟؟

قال زدنى قال الحسنة بعشر أمثالها- قال زدنى قال التوبة معروضة ما دام الروح؟؟؟

قال زدنى قال يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا الاية- وفى الخبر ان

ص: 456

إبليس قال يا رب بعثت أنبياء وأنزلت كتبا- فما قراءتى قال الشعر قال فما كتابى قال الوشم قال ومن رسلى قال الكهنة قال وابن مسكنى قال الحمّامات قال واين مجلسى قال الأسواق قال اى شيء مطعمى قال ما لم يذكر عليه اسمى قال ما شرابى قال كل مسكر قال وما حبالتى قال النساء قال وما اداتى قال المزامير.

إِنَّ عِبادِي اى المخلصين والاضافة للتعظيم لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ اى على اغوائهم سُلْطانٌ قدرة وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65) اى من يتوكلون به فى الاستعاذة منك ويوكلون اليه أمورهم فهو يحفظهم منك.

رَبُّكُمُ الَّذِي اى هو الّذي يُزْجِي اى يسوق ويجرى لَكُمُ الْفُلْكَ اى السفن فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ الربح وانواع الرزق ما ليس عندكم إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (66) حيث هيّا لكم ما تحتاجون اليه وسهّل لكم ما تعسّر.

وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ شدة الخوف من الغرق فِي الْبَحْرِ ضَلَّ اى ذهب عن خواطركم مَنْ تَدْعُونَ اى من تدعونه الهة إِلَّا إِيَّاهُ اى الا الله تعالى فانكم لا تذكرون حينئذ سواه- او ضل من تدعونه الهة عن اغاثتكم ولكن الله يذهب عنكم الضر فالاستثناء حينئذ منقطع فَلَمَّا نَجَّاكُمْ من الغرق إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ عن التوحيد وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (67) للنعم هذا كالتعليل للاعراض.

أَفَأَمِنْتُمْ الهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فامنتم فحملكم ذلك على الاعراض ولا ينبغى ذلك فانه من قدر ان يهلككم فى البحر بالغرق قدر أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ

اى يقلب الله ناحية البر وأنتم عليه او يقلبه بسببكم فيهلككم فقوله بكم اما حال أو صلة أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً اى ريحا يحصب به اى يرمى بالحصباء اى الحصى وهى الحجارة الصغار ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) مانعا يحفظكم من ذلك إذ لا راد لفعله.

أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ اى فى البحر تارَةً مرة أُخْرى يخلق دواعى يلجيكم الى ان ترجعوا فتركبوا البحر فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ قال ابن عباس اى عاصفا وهى الريح الشديدة وقال ابو عبيدة الّتي تقصف اى تدق وتحطم

ص: 457

كل شيء وقال القتيبي هى الّتي تقصف الشجر اى تكسره فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ اى بسبب اشراككم او بكفرانكم نعمة الانجاء أول مرة- قرا ابن كثير وابو عمرو ان نّخسف ونرسل ونعيد ونغرقكم بالنون فيهن على التكلم والتعظيم والباقون بالياء على الغيبة غير ان أبا جعفر ويعقوب قرا فتغرقكم بالتاء الفوقانية على التأنيث والضمير راجع الى الريح ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً (69) اى ناصرا وثائرا يتبعنا مطالبا بالثار وقيل من يتبعها بالإنكار-.

وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ بحسن الصورة والمزاج إلا عدل واعتدال القامة والتميز بالعقل والافهام بالنطق والاشارة والخط والتهدى الى اسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما فى الأرض بان سخر لهم سائر الأشياء والتمكن من الصناعات واتساق الأسباب والمسببات العلوية والسفلية الى ما يعود عليهم بالمنافع وان يتناول الطعام بيده الى فيه بخلاف سائر الحيوانات والعشق والمعرفة والوحى ومراتب القرب من الله تعالى- اخرج الحاكم فى التاريخ والديلمي عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرامة الاكل بالأصابع وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ على الدواب وَالْبَحْرِ على السفن من حملته حملا إذا جعلت له ما يركبه او حملناهم فيهما حتّى لا يخسف بهم الأرض ولم يغرقهم الماء وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ اى المستلذّات من المطاعم والمشارب وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا (70) الفضل فى اللغة الزيادة والمراد هاهنا الزيادة فى الثواب ومراتب القرب الى الله تعالى فالضمير المنصوب فى فضلناهم راجع الى بنى آدم باعتبار بعض افراده يعنى المؤمنين كما فى قوله تعالى وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ الى قوله تعالى وَبُعُولَتُهُنَّ اى الرجعيات منهن أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ وذلك لان الكفار منهم هم أدون خلق الله وابغضهم اليه وأخبثهم وأُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ- وظاهر الاية تدل على ان فضلهم على كثير من الخلائق لا على كلهم فقال قوم فضلوا على جميع الخلق الا الملائكة- وقال الكلبي فضلوا على الخلائق كلهم الأعلى طائفة من الملائكة منهم جبرئيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت- وقال

ص: 458

قوم فضلوا على جميع الخلق وعلى الملائكة كلهم وقد يوضع الأكثر موضع الكل كما قال الله تعالى هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ الى قوله وَأَكْثَرُهُمْ «1» كاذِبُونَ اى كلهم ويؤيده حديث جابر يرفعه قال لما خلق الله آدم وذرّيّته قالت «2» الملائكة يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون فاجعل لهم الدنيا ولنا الاخرة فقال الله تعالى لا اجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحى كمن قلت له كن فكان- رواه البيهقي فى شعب الايمان- والتحقيق ان عوام المؤمنين اى الصالحين منهم وهم اولياء الله أفضل من عوام الملائكة واما غير الأولياء من المؤمنين فبعد ما يمحصون من الخطايا اما بالمغفرة واما بالعقاب بقدر ذنوبهم ويدخلون الجنة يلتحقون بالأولياء- وخواص المؤمنين وهم الأنبياء عليهم السلام أفضل من خواص الملائكة قال الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ- وروى عن ابى هريرة انه قال المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده كذا ذكر البغوي- ورواه ابن ماجة بلفظ المؤمن أكرم على الله من بعض ملائكته يعنى جنس المؤمن أكرم على الله من بعض ملائكته قلت قيد الأكثر فى هذه الاية وكذا قيد البعض فى حديث ابى هريرة عند ابن ماجة لا ينفى افضلية بعض المؤمنين يعنى الأنبياء على جميع الملائكة الا بالمفهوم ولا عبرة بالمفهوم لا سيما فى مقابلة عموم منطوق قوله تعالى أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ- الا ترى ان معنى الاية فضلنا جميع المؤمنين يعنى كل واحد منهم على كثير من الخلائق- وذالا ينافى ما قال اهل السنة فى كتب العقائد ان الخواص منهم فضلوا على كل ملك حتّى خواصهم ووجه فضلهم على الملائكة انهم مجبولون على الطاعة فيهم عقل بلا شهوة وفى البهائم شهوة بلا عقل وفى الإنسان عقل وشهوة فمن عمل على مقتضى عقله وترك شهوته جاهد فى الله حق جهاده فاجتباه الله وقال الله تعالى الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ- ومن عمل بشهوته وأهمل عقله وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فالجحيم له المأوى وهم كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ-.

يَوْمَ نَدْعُوا منصوب بإضمار اذكر او ظرف لما دل عليه وَلا يُظْلَمُونَ

كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ قال مجاهد وقتادة اى بنبيهم وقال ابو صالح والضحاك

(1) وفى الأصل وأكثرهم الكاذبون-

(2)

وفى الأصل

قالت يا رب-

ص: 459

بكتابهم الّذي انزل إليهم اخرج ابن مردوية عن على قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى قوم بامام لهم وكتاب ربهم- وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس بامام زمانهم الّذي دعاهم فى الدنيا الى ضلالة او هدى قال الله تعالى وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا- وقال وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وقيل بمعبودهم- وعن سعيد بن المسيب قال كل قوم يجتمعون الى رئيسهم فى الخير والشر- وقال الحسن وابو العالية أعمالهم الّتي قدموها- وقال قتادة ايضا بكتابهم الّذي فيه أعمالهم بدليل سياق الاية ويسمى الكتاب اماما- قال الله تعالى وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ- وقيل بالقوى الحاملة لهم على عقائدهم وأفعالهم- وقال محمّد بن كعب بامهاتهم جمع أم كخف وخفاف والحكمة فى ذلك إجلال عيسى عليه السلام واظهار شرف الحسن والحسين رضى الله عنهما- وان لا يفتضح أولاد الزنى- قوله بامامهم حال اى مختلطين بمن ايتمّوا به من نبىّ او كتاب او رئيس فى الخير او الشر او حاملين أعمالهم او صحائفها- او صلة لندعوا يعنى ندعوهم باسم امامهم يقال يا امة فلان يا اتباع فلان يا اهل دين وكتاب كذا يا اصحاب اعمال كذا يا ابن مريم يا ابن فاطمة ونحو ذلك فَمَنْ أُوتِيَ من المدعوين كِتابَهُ اى كتاب عمله بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) منصوب على المصدرية اى لا يظلمون ظلما قدر فتيل- او على المفعولية بتضمين ينقصون اى لا تنقص من أجورهم ادنى شيء قدر فتيل- والفتيل ما يكون فى شق النواة او ما فتلته بين أصابعك من الوسخ- وجمع اسم الاشارة والضمير لان من اوتى فى معنى الجمع وتعليق القراءة بايتاء الكتاب باليمين يدل على من اوتى كتابه بشماله او وراء ظهره إذا اطلع ما فيه غشيهم من الحجل والحيرة ما يحبس ألسنتهم من القراءة فلا يقرءون بل يقولون يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ- ولم يذكر الكفار وإيتاء كتبهم اكتفاء بقوله.

وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى قيل هذه اشارة الى النعم الّتي عدها الله من قوله رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ الى قوله تفضيلا- يعنى من كان فى هذه النعم الّتي قد عاين أعمى فهو فى الاخرة الّتي لم يره أشد عمى وأضل سبيلا- يروى هذا عن ابن عباس- وقيل

ص: 460

اشارة الى الدنيا يعنى من كان فى هذه الدنيا أعمى القلب عن روية ادلة التوحيد وطريق الحق فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى قيل معناه التفضيل يعنى أشد عمى منه فى الدنيا لا يرى طريق النجاة أصلا- فان قيل افعل التفضيل شرطه ان لا يكون من لون او عيب فكيف اعتبر فيه معنى التفضيل- قلنا المراد بالعمى هاهنا عمى القلب والمانع من بناء افعل التفضيل العيب الظاهري- فالاعمى هاهنا كالاحمق والأجهل والأبله ولذلك امال ابو عمرو ويعقوب فى الاول فقط- ولم يميلا فى الثانية لان افعل التفضيل إذا استعمل بمن كانت الفه فى حكم المتوسط فلا يمال بخلاف افعل الصفة واما ابو بكر وحمزة والكسائي فقرءوا بالامالة فى الحرفين وورش بين بين فيهما والباقون بالفتح فيهما على أصولهم فهم لا يعتبرون معنى التفضيل وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72) منه فى الدنيا لزوال الاستعداد وفقدان الآلة والمهلة وكان فى الدنيا تقبل توبته ان تاب وفى الاخرة لا تقبل توبته او المعنى أضل سبيلا من الأعمى- اخرج ابن مردوية وابن ابى حاتم من طريق ابن إسحاق عن محمّد بن ابى محمّد عن عكرمة عن ابن عباس قال خرج امية بن خلف وابو جهل بن هشام ورجال من قريش فاتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمّد تعال فتمسّح بآلهتنا وندخل معك فى دينك وكان يحب اسلام قومه فرق لهم فانزل الله تعالى.

وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ الاية قال صاحب لباب النقول فى اسباب النزول هذا أصح ما ورد فى سبب نزولها وهو اسناد جيد وله شواهد- اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الحجر فقالوا لا ندعك لتستلم حتى تلمّ بآلهتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علىّ لو فعلت والله يعلم منى خلافه- وذكر البغوي نحوه وفيه والله يعلم انى لكاره بعد ان يدعونى حتّى استلم الحجر- واخرج ابن ابى حاتم عن ابن شهاب نحوه والله اعلم- واخرج ابن ابى حاتم عن جبير بن نفير ان قريشا آتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ان كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم فنكون نحن أصحابك فركن

ص: 461

رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فنزلت- واخرج ابن ابى حاتم عن محمّد بن كعب القرظي انه صلى الله عليه وسلم قرا النجم أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى فالقى عليه الشيطان تلك الغرانيق العلى ان شفاعتهن لترتجى فنزلت هذه الاية فما زال مهموما حتّى انزل الله تعالى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى الاية- وفى هذه الأحاديث دليل على ان هذه الاية مكية- وقيل انها مدنية وذكر سبب نزوله ما اخرج ابن مردوية من طريق العوفى عن ابن عباس ان ثقيفا قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم اجّلنا سنة حتّى تهدى لالهتنا فاذا قبضنا الّذي تهدى للالهة احرزنا بم اسلمنا- فهمّ ان يؤجلهم فنزلت واسناده ضعيف وذكر البغوي هذه القصة بانه قال ابن عباس وقد ثقيف على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا نبايعك على ان تعطينا ثلاث خصال قال وما هن قالوا لا نحنى فى الصلاة اى لا ننحنى- ولا نكسر أصنامنا بايدينا- وان تمتعنا باللات سنة من غير ان نعبدها- فقال صلى الله عليه وسلم لا خير فى دين لا ركوع فيه ولا سجود واما ان لا تكسروا أصنامكم بايديكم فذلك لكم واما الطاغية يعنى اللات والعزى فانى غير متمتعكم بها قالوا يا رسول الله انا نحب ان يسمع العرب انك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا فان خشيت ان يقول العرب اعطيتهم ما لم تعطنا فقل الله امر بذلك فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فطمع القوم فى سكوته ان يعطيهم ذلك فانزل الله تعالى وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ الاية- ان هى المخففة واللام هى الفارقة والمعنى ان الشأن انهم قاربوا بمبالغتهم ان يوقعوك فى الفتنة بالاستنزال عن الّذي أوحينا إليك من الاحكام لِتَفْتَرِيَ اى لتختلق عَلَيْنا غَيْرَهُ اى غير ما أوحينا إليك وَإِذاً اى إذا فعلت ذلك الافتراء لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وليّا لهم-.

وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ يعنى لولا ثبّت تثبيتا إياك على الحق لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ اى لقاربت ان تميل الى اتباع مرادهم شَيْئاً من الركون ولليل قَلِيلًا (74) منصوب على المصدرية يعنى كنت على قرب من الركون إليهم لقوة خدعهم وشدة احتيالهم وحرصك على إسلامهم قليلا من الركون لا كثيرا منه لولا عصمتنا

ص: 462

إياك ولكن أدركتك عصمتنا فمنعت ان تقرب من ادنى الركون إليهم فضلا من القرب الى شدة الركون ومن نفس الركون بالطريق الاولى- فالاية دلت على كمال الاستقامة والصلاح فى استعداد النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لو لم يتداركه العصمة والتثبيت من الله فرضا لا تقرب من الميلان الى المعصية الا قليلا وقليل الاقتراب الى المعصية لا يقتضى الوقوع فى المعصية فكيف إذا أدركته العصمة ومنعته من قليل الاقتراب من الركون فضلا من كثير الاقتراب وشتّان بينه وبين نفس الركون فالاية صريح فى انه صلى الله عليه وسلم ما همّ بإجابتهم مع قوة الداعي والله اعلم.

إِذاً اى إذا قاربت الى الركون شيئا قليلا لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ اى عذاب الدنيا وعذاب الاخرة ضعف ما يعذب به فى الدارين غيرك لان خطاء الخطير اخطر- وكان اصل الكلام عذابا ضعفا فى الحيوة وعذابا ضعفا فى الممات يعنى مضاعفا ثم حذف الموصوف وأقيم الصفة مقامه ثم أضيفت لما تضاف موصوفها- وقيل الضعف من اسماء العذاب سمى العذاب ضعفا لتضاعف الألم فيه والمعنى عذاب الحيوة عذاب الدنيا ومن عذاب الممات ما يكون بعد الموت- وقيل المراد بضعف الحيوة عذاب الاخرة وبضعف الممات عذاب القبر ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (75) يدفع العذاب عنك والله اعلم اخرج ابن ابى حاتم والبيهقي فى الدلائل من حديث شهر بن حوشب عن عبد الرّحمن ابن غنم ان اليهود آتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ان كنت نبيّا فالحق بالشام فان الشام ارض المحشر وارض الأنبياء فصدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا وغزا غزوة تبوك لا يريد الا الشام فلما بلغ تبوك انزل الله تعالى آيات من سورة بنى إسرائيل.

وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ اى ليزعجونك والاستفزاز الا زعجاج بسرعة مِنَ الْأَرْضِ اى المدينة لِيُخْرِجُوكَ مِنْها فامره بالرجوع الى المدينة فقال له جبرئيل سل ربك فان لكل نبى مسئلة فقال ما تأمرنى ان اسئل قال قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً- فهؤلاء نزان فى رجعته من تبوك هذا مرسل ضعيف وله شواهد من مرسل سعيد بن جبير عند

ص: 463

ابى حاتم ولفظه قالت المشركون للنبى صلى الله عليه وسلم كانت الأنبياء تسكن الشام فما لك والمدينة فهمّ ان يشخص فنزلت- وله طريق اخرى مرسلة عند ابن جرير ان بعض اليهود قال له- وذكر البغوي قول الكلبي انه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كره اليهود مقامه فى المدينة حسدا فاتوه وقالوا يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء وان ارض الأنبياء الشام وهى الأرض المقدسة وكان بها ابراهيم والأنبياء عليهم السلام فان كنت نبيّا مثلهم فأت الشام- وانما يمنعك من الخروج إليها مخافتك الروم وان الله سيمنعك منهم ان كنت رسوله فعسكر النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أميال من المدينة وفى رواية الى ذى الحليفة حتّى يجتمع اليه أصحابه ويخرج فانزل الله هذه الاية- وقال مجاهد وقتادة الأرض ارض مكة والاية مكية همّ المشركون ان يخرجوه منها فكفهم الله عنها حتّى امره الله بالهجرة فخرج بنفسه- قال البغوي وهذا أليق بالآية لان ما قبلها خبر عن اهل مكة والسورة مكية- وقيل هم الكفار كلهم أرادوا ان يستفزوه من ارض العرب باجتماعهم وتظاهروا عليه فمنع الله رسوله صلى الله عليه وسلم ولم ينالوا منه ما أملوا والله اعلم وَإِذاً اى إذا استفزوك لا يلبثون خلفك قرا ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب خلافك بكسر الخاء والالف بعد اللام والباقون بفتح الخاء واسكان اللام والمعنى واحد يعنى بعد خروجك او بعد استفزازك إِلَّا قَلِيلًا (76) اى الا زمانا قليلا قيل وكان كذلك فان يهود المدينة قتل منهم بنوا قريظة واجلى بنوا النضير واجلى يهود خيبر فى خلافة عمر وقتل مشركوا مكة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر واخرج الكفار كلهم من جزيرة العرب- وقيل لم يتحقق الاستفزاز ولو استفزوا لاستوصلوا.

سُنَّةَ نصب على المصدر اى سن الله ذلك سنة وهو ان يهلك كل امة اخرجوا رسولهم من بين أظهرهم فهذه سنة الله تعالى وانما أضاف الى الرسل حيث قال مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا لان ذلك السنة كان لاجل الرسل وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا (77) اى تغيرا.

ص: 464

أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ اللام للتاقيت كما فى قولك لثلاث خلون- يعنى صل وقت دلوك الشمس- ومعناه الزوال على قول ابن عباس وابن عمرو جابر وهو قول عطاء وقتادة ومجاهد والحسن واكثر التابعين كذا روى ابن مردوية عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا روى البزار وابن مردوية بسند ضعيف عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ويدل عليه ما رواه إسحاق بن راهويه فى مسنده وابن مردوية فى تفسيره والبيهقي فى المعرفة من حديث ابى مسعود الأنصاري قوله صلى الله عليه وسلم أتاني جبرئيل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر الحديث وهو من الدلك لان الناظر إليها يدلك عينه ليدفع شعاعها- وقيل معناه الغروب قال البغوي روى عن ابن مسعود انه قال الدلوك الغروب وهو قول ابراهيم النخعي ومقاتل بن حبان والضحاك والسدىّ ومعنى اللفظ يجمعهما لان اصل الدلوك الميل والشمس يميل إذا زالت او غربت- وفى القاموس دلكت الشمس دلوكا غربت او اصفرت او زالت عن كبد السماء- قال البيضاوي اصل التركيب للانتقال ومنه الدلك فان الدالك لا يستقر يده وكذا ما يتركب من الدال واللام كدلج ودلح ودلع ودلف ودله- قال البغوي والحمل على الزوال اولى القولين لكثرة القائلين به ولانا إذا حملنا عليه كانت الاية جامعة لمواقيت الصلاة كلها حيث قال الله تعالى إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ اى الى غيبوبة شفق الليل وامتلائه ظلمة ومعنى الغسق الامتلاء كما ذكرنا فى سورة الفلق وفى القاموس الغسق ظلمة أول الليل والغاسق القمر او الليل إذا غاب الشفق فذكر فيه مواقيت اربع من الصلوات الخمس الظهر والعصر والمغرب والعشاء وذكر وقت الفجر بقوله وَقُرْآنَ الْفَجْرِ اى صلوة الفجر سميت الصلاة قرانا لان القران ركن فيها- كما سميت ركوعا وسجودا- وانتصاب القران اما على انه عطف على الصلاة اى وأقم قران الفجر قاله الفراء وقال اهل البصرة هو على الإغراء اى وعليك قران الفجر- وجاز ان يكون التقدير واقرأ قران الفجر يعنى اقرأ القران فى صلوة الفجر- فيكون امرا بالقراءة فى صلوة الفجر عبارة وفى غيرها دلالة- وقد

ص: 465

ذكرنا مواقيت الصلاة فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً

إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (78) يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تفضل صلوة الجميع على صلوة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار فى صلوة الفجر- ثم يقول ابو هريرة اقرءوا ان شئتم وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً- رواه البخاري وغيره قال البيضاوي او يشهده شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء والنوم الّذي هو أخو الموت بالانتباه- او كثير من المصلين او من حقه ان يشهده الجم الغفير- وقيل المراد بالصلوة فى قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ صلاة المغرب لِدُلُوكِ الشَّمْسِ اى وقت غروبها إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ اى الى غيبوبة الشفق ففيه بيان لمبدا وقت المغرب ومنتهاه ودلّت الاية على هذا على كون وقت المغرب ممتدا الى غيبوبة الشفق فحينئذ امر الله بالصلوتين لكمال اهتمامهما-.

وَمِنَ اللَّيْلِ اى بعض الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ اى فاترك الهجود يعنى النوم للصلوة والضمير فى به للقران- فى القاموس الهجود بضم الهاء النوم كالتهجد وتهجّد استيقظ كهجد ضدوا هجدنام وأنام كهجّد وهجده تهجيدا أيقظه ونوّمه ضد- والحاصل ان التشديد ان كان للازالة فمعناه ترك النوم وهو المراد هاهنا وان كان للتعدية فمعناه نومه- قال البغوي التهجد لا يكون الا بعد النوم يقال تهجد إذا قام بعد ما ينام- قلت لما كان معناه ترك النوم للصلوة فهو يشتمل من ترك النوم الليل كله او بعضه بعد النوم او قبله فلا وجه لاشتراط النوم قبل الصلاة لقيام الليل عن ابى ذر قال ضمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتّى بقي سبع فقام بنا حتّى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتّى ذهب شطر الليل فقلت يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة قال ان الرجل إذا صلى مع الامام حتّى ينصرف حسب له قيام ليله فلما كانت الرابعة لم يقم بنا حتّى بقي ثلث الليل فلما كانت الثالثة جمع اهله ونساءه والناس فقام بنا حتّى خشينا ان يفوتنا

ص: 466

الفلاح- قلت ما الفلاح قال السحور ثم لم يقم بنا بقية الشهر- رواه اصحاب السنن الا ان الترمذي لم يذكر ثم لم يقم بقية الشهر- وعن السائب بن يزيد قال امر عمر أبيّ بن كعب وتميما الداري ان يقوما للناس بإحدى عشر ركعة فكان القاري يقرا بالمئين حتّى كنا نعتمد على العصا من طول القيام- فما كنا ننصرف الا فى فروع الفجر رواه مالك وعن أبيّ ابن كعب كان يقول كنا ننصرف فى رمضان من القيام فيستعجل الخدم بالطعام مخافة السحور وفى رواية مخافة الفجر رواه مالك- وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر الى قريب من الصبح وفى حديث ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فى السفر على راحلته حيث توجهت به يومى ايماء صلوة الليل الا الفرائض ويؤتر على راحلته- متفق عليه وقال ابن عباس كان صلاتهم أول الليل هى أشد وطأ- بمعنى أجدر ان يحصوا ما فرض الله عليكم من القيام لان الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ- لكن التهجد اخر الليل أفضل واكثر ثوابا منها أول الليل لما فى الصحيحين من حديث ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر الحديث- وعن عبد الرّحمن بن عبد القاري قال خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة الى المسجد يعنى فى رمضان فاذا الناس اوزاع متفرقون يصلى الرجل لنفسه ويصلى الرجل ويصلى بصلاته الرهط فقال عمر لو جمعت هؤلاء على قارى واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب قال ثم خرجت معه ليلة اخرى والناس يصلون بصلوة قارئهم قال عمر نعمت البدعة هذه والّتي تنامون عنها أفضل من الّتي تقومون يريد اخر الليل وكان الناس يقومون اوله- رواه البخاري والله اعلم (مسئلة) كانت صلوة الليل فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم فى الابتداء وعلى الامة بقوله تعالى يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ثم نزل التخفيف فصار الوجوب منسوخا فى حق الامة بالصلوات الخمس وبقي الاستحباب قال الله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ واختلفوا فى انه هل بقي وجوب قيام الليل فى حق النبي صلى الله عليه وسلم خاصة أم صار منسوخا فى حقه ايضا فقال بعض الناس ببقاء وجوب قيام الليل فى حق النبي صلى الله عليه وسلم لما روى عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث هن علىّ

ص: 467

فريضة وهى سنة لكم الوتر والسواك وقيام الليل فالامر على هذا فى هذه الاية للوجوب ومعنى قوله تعالى نافِلَةً لَكَ فريضة زائدة على سائر الفرائض فرضها الله تعالى عليك والمختار عندى ان افتراض قيام الليل نسخ عن النبي صلى الله عليه وسلم ايضا وكان له تطوعا كما هو مدلول هذه الاية صريحا ولو كان المعنى فريضة زائدة لقال نافلة عليك فان صلة الوجوب يكون على دون اللام فان قيل فما وجه تخصيصه بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو نافلة للعباد كلهم قلنا وجه التخصيص ان نوافل العباد كفارة لذنوبهم والنبي صلى الله عليه وسلم كان معصوما

لم يكن عليه ذنب وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يعنى زلّاته- وما هو من قبيل ترك الاولى فيبقى له التهجد نافلة اى زائدة فى رفع الدرجات- كذا روى مجاهد والحسن وابو امامة ويدل على كون التهجد تطوعا فى حق النبي صلى الله عليه وسلم حديث المغيرة قال قام النبي صلى الله عليه وسلم حتّى تورمت قدماه فقيل له لم تصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر- قال أفلا أكون عبدا شكورا- ولم يقل انه فريضة علىّ خاصة- وحديث ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فى السفر على راحلته حيث توجهت به يومى ايماء صلوة الليل الا الفرائض ويوتر على راحلته متفق عليه مسئلة اختلفوا فى ان التهجد فى حق الامة من المؤكدات او من المستحبات والمختار عندى انه من المؤكدات لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ولحديث ابن مسعود قال ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقيل له ما زال نائما حتّى أصبح ما قام الى الصلاة قال ذك رجل بال الشيطان فى اذنه متفق عليه ولا شك ان تارك المندوبات لا يستحق اللوم والعتاب- وقوله تعالى نافِلَةً لَكَ منصوب على انه حال من الضمير المجرور فى به او على المصدرية وضع نافلة موضع تهجدا نافلة اى عبادة زائدة مفروضة او تطوعا وقد ذكرنا فضائل صلوة الليل وبعض مسائلها ومقدار ما ينبغى القراءة فيها فى تفسير سورة المزّمل- (فصل) كيف كان قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يتجهد من الليل عن زيد بن خالد الجهني انه قال لارمقن صلوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة

ص: 468

فتوسدتّ عتبته او فسطاطه فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة- رواه مسلم ذكر البغوي قوله ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثلاث مرات وذكره فى المشكوة اربع مرات وقال هكذا فى صحيح مسلم وافراده من كتاب الحميدي ومؤطا مالك وسنن ابى داود وجامع الأصول فمعنى قوله أوتر على هذا أوتر بواحدة وعلى ما ذكره البغوي معناه أوتر بثلاث- وعن عائشة قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد فى رمضان ولا فى غيره على احدى عشر ركعة يصلى أربعا فلا تسئل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى أربعا فلا تسئل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى ثلاثا- قالت عائشة فقلت يا رسول الله أتنام قبل ان توتر فقال يا عائشة ان عينى تنامان ولا ينام قلبى متفق عليه وعنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فيما بين ان يفرغ من صلوة العشاء الى الفجر احدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة ويسجد سجدتين قدر ما يقرا أحدكم خمسين اية قبل ان يرفع رأسه وإذا سكت المؤذن من أذان الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الايمن حتّى يأتيه المؤذن للاقامة فيخرج- متفق عليه وعن انس بن مالك قال ما كنا نشاء ان نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل مصليا الا رايناه وما نشاء ان نراه نائما الا رايناه- وقال كان يصوم من الشهر حتّى نقول لا يفطر منه شيئا ويفطر حتّى نقول لا يصوم منه شيئا- رواه النسائي وعنها قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر رواه مسلم وعن مسروق قال سالت عائشة عن صلوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل قال سبع وتسع واحدى عشرة ركة سوى ركعتى الفجر- رواه البخاري وعن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلى افتتح صلاته بركعتين خفيفتين- رواه مسلم وروى ايضا عن ابى هريرة مرفوعا إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين

ص: 469

وعن ابن عباس رضى الله عنهما انه رقد عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستيقظ فتسوك وهو يقول إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ حتّى ختم السورة يعنى ال عمران ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع

والسجود ثم انصرف فنام حتّى نفخ ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرا هؤلاء الآيات ثم أوتر بثلاث- رواه مسلم وعن عائشة قالت لمّا بدّن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اكثر صلاته جالسا- متفق عليه وعن حذيفة انه راى النبي صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل فكان يقول الله اكبر ثلاثا ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم استفتح فقرا البقرة ثم ركع ركوعه نحوا من قيامه فكان يقول سبحان ربى العظيم ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحوا من ركوعه يقول لربى الحمد ثم سجد فكان سجوده نحوا من قيامه فكان يقول فى سجوده سبحان ربى الأعلى ثم رفع رأسه من السجود وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوا من سجوده وكان يقول رب اغفر لى رب اغفر لى فصلى اربع ركعات قرا فيهن البقرة وال عمران والنساء والمائدة او الانعام شك شعبة رواه ابو داود وعن ابى ذر قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى أصبح باية والاية إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- وعن رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال لمّا صلى الله عليه وسلم صلوة العشاء اضطجع هويا من الليل ثم استيقظ فنظر فى الأفق فقال رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا حتّى بلغ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ثم أهوى الى فراشه فاستل منه سواكا ثم افرغ فى قدح من اداوة عندنا فاستن ثم قام فصلى حتّى قلت قد صلى قدر ما نام ثم اضطجع حتّى قلت قد نام قدر ما صلى ثم استيقظ ففعل كما فعل أول مرة وقال مثل ما قال ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قبل الفجر- رواه النسائي وعن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام قدر ما صلى ثم يصلى قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى حتّى يصبح ثم نعتت قراءته فاذا هى تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا رواه ابو داود والترمذي والنسائي-

ص: 470

عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ يوم القيامة مَقاماً مَحْمُوداً (79) منصوب على الظرف بإضمار فعله اى فيقيمك مقاما محمودا- او بتضمين يبعثك معنى يقيمك أو على الحال بمعنى يبعثك ذا مقام محمود يحمده الأولون والآخرون- قال البغوي عن ابى وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله اتخذ ابراهيم خليلا وان صاحبكم خليل الله وأكرم الخلق على الله ثم قرا عسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال يجلسه على العرش- وعن عبد الله بن سلام قال يقعده على الكرسي- والصحيح ان المقام المحمود مقام الشفاعة اخرج احمد وابن ابى حاتم والترمذي عن ابى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فى هذه الاية قال هو المقام الّذي اشفع فيه لامتى- وفى الصحيحين عن انس رضى الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يحبس المؤمنون يوم القيامة حتّى يهموا بذلك فيقولون لو استشفعنا الى ربنا فيريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون أنت آدم ابو الناس خلقك الله بيده وأسكنك فى جنته واسجد لك ملائكته وعلمك اسماء كل شيء اشفع لنا عند ربك حتّى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته الّتي أصاب أكله من الشجرة وقد نهى عنها ولكن ايتوا نوحا أول نبى بعثه الله الى اهل الأرض- فيأتون نوحا فيقول لست هناكم ويذكر خطيئته الّتي أصاب سواله ربه بغير علم ولكن ايتوا ابراهيم خليل الرّحمن قال فيأتون ابراهيم فيقول انى لست هناكم ويذكر ثلاث كذبات كذبهن ولكن ايتوا موسى عبدا أتاه الله التورية وكلمه وقربه نجيّا- قال فيأتون موسى فيقول انى لست هناكم ويذكر خطيئته الّتي أصاب قتله النفس ولكن ايتوا عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته- قال فيأتون عيسى فيقول لست هناكم ولكن ايتوا محمّدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال فيأتونى فاستأذن على ربى فى داره فيؤذن لى عليه فإذا رايته وقعت ساجدا فيدعنى ما شاء الله ان يدعنى فيقول ارفع محمّد وقل تسمع واشفع تشفّع رسل تعطه قال فارفع رأسى فاثنى على ربى بثناء وتحميد يعلمنيه ثم اشفع فيحدلى حدا فاخرج فاخرجهم من النار وأدخلهم الجنة

ص: 471

ثم أعود الثانية فاستأذن على ربى فى داره فيؤذن

لى عليه فاذا رايته وقعت ساجدا فيدعنى ما شاء الله ان يدعنى ثم يقول ارفع محمّد قل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال فارفع رأسى فاثنى على ربى بثناء وتحميد يعلمنيه ثم اشفع فيحدلى حدا فاخرج فاخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فاستأذن على ربى فى داره فيؤذن لى عليه فاذا رايته وقعت ساجدا فيدعنى ما شاء الله ان يدعنى ثم يقول ارفع محمّد قل تسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال فارفع رأسى فاثنى على ربى بثناء وتحميد يعلمنيه ثم اشفع فيحدلى حدا فاخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتّى ما يبقى فى النار الا من قد حبسه القران اى وجب عليه الخلود ثم تلا هذه الاية عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً قال وهذا المقام المحمود الّذي وعده نبيكم- وفى رواية فى الصحيحين حديث انس فى الشفاعة بمعناه وفيه فاستأذن على ربى فيؤذن لى ويلهمنى محامد أحمده بها لا يحضرنى الان فاحمده بتلك المحامد وأخرّ له ساجدا فقال يا محمّد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول رب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان فى قلبه مثقال شعيرة من ايمان فانطلق فافعل ثم أعود فاحمده بتلك المحامد ثم أخرّ له ساجدا فذكر مثله ثم يقال انطلق فاخرج من كان فى قلبه ادنى ادنى مثقال حبة من خردل من ايمان فانطلق فافعل ثم أعود الرابعة فذكر مثله وقال يا رب ايذن لى فيمن قال لا اله الا الله فيقول وعزتى وجلالى وكبريائى وعظمتى لأخرجن منها من قال لا اله الا الله- قال السيوطي فى هذا الحديث إشكال قوى نبه عليه العلماء وذلك ان أول الحديث فى الاراحة من كرب الموقف وآخره فى الشفاعة فى الإخراج من النار وذلك انما يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط فى تلك الحالة فى النار ثم تشفع الشفاعة فى الإخراج بعد ذلك- قال الدراوردي راوى الحديث كبر سكّا على غير أصله وقد وقع فى حديث حذيفة على الصواب وهو ذكر الصراط عقيب هذه الشفاعة وفى حديث ابى هريرة وأبى سعيد فى الأمر باتباع كل امة ما كانت تعبد ثم تميز المنافقين من المؤمنين

ص: 472

ثم وضع الصراط والمرور عليه ثم الشفاعة فى الإخراج فكانّ الأمر باتباع كل امة ما كانت تعبد هو أول فصل القضاء والاراحة من كرب الموقف والإخراج من النار اخر الشفاعة كذا قال القاضي عياض والنووي وغيرهما- قلت وهذا لا يضر فكانّ فى الحديث حذف واختصار ذكر أول الشفاعة للاراحة من كرب الموقف ثم اتبعه اخر الشفاعة شفاعة الإخراج من النار وقد ثبت كل من الشفاعتين فى أحاديث اخر- قلت والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم استأذن على ربى فى داره يعنى فى الجنة والاضافة اليه للتشريف ولان رؤيته تعالى يختص بالجنة- واخرج البخاري عن ابن عمر قال ان الناس يصيرون جثيّا كل امة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع لنا حتّى ينتهى الشفاعة الى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا- وفى لفظ له ان الشمس لتدنو حتّى يبلغ العرق نصف الاذان فبينماهم كذلك فاستغاثوا الى آدم فيقول لست بصاحب ذلك ثم بمحمّد صلى الله عليه وسلم فيشفع فيقضى الله تعالى بين الخلق فيمشى حتّى يأخذ باب الجنة فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده اهل الجمع كلهم- واخرج البزار والبيهقي عن حذيفة قال يجمع الله الناس فى صعيد واحد لا يتكلم نفس فيكون أول من يدعى محمّد صلى الله عليه وسلم فيقول لبيك وسعديك والخير فى يديك والشر ليس إليك والمهدى من هديت وعبدك بين يديك وبك وإليك لا منجا منك الا إليك تباركت وتعاليت رب البيت فعنده يشفع فذلك قوله تعالى عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً- واخرج الترمذي وحسنه وابن خزيمة وابن مردوية عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا سيد ولد آدم ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبى يومئذ آدم فمن سواه الا تحت لوائى وانا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم فيقولون أنت أبونا فاشفع لنا فيقول إذ نبت ذنبا أهبطت الى الأرض ولكن ايتوا نوحا فيقول

انى دعوت على اهل الأرض دعوة فاهلكوا ولكن اذهبوا الى ابراهيم فيأتون ابراهيم فيقول انى كذبت ثلاث كذبات (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منها كذبة الا وهو بما «1» حل بها عن دين الله) ولكن ايتوا موسى فيقول انى قتلت نفسا

(1) بما حل اى يدافع ويجادل من المحال بالكسر وهو الكيد وقيل المكر والقوة والشدة- 12 منه رحمه الله

ص: 473