الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتيماً وطاف بالبلاد والآفاق؛ لطلب الحديث فسمع من مشايخ العصر في الحجاز والعراق والشام واليمن، وعني عناية عظيمة بالسنة والفقه حتى عده أهل الحديث إمامهم وفقيههم.
وقد أثنى عليه العلماء في عصره وبعده، فقال الشافعي: خرجت من العراق، فما رأيت رجلاً أفضل، ولا أعلم، ولا أورع، ولا أتقى من أحمد بن حنبل، وقال إسحاق بن راهويه: أحمد حجة بين الله وبين عبيده في أرضه، وقال ابن المديني: إن الله أيّد هذا الدين بأبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم الردة، وبأحمد بن حنبل رحمه الله يوم المحنة، وقال الذهبي: انتهت إليه الإمامة في الفقه، والحديث، والإخلاص، والورع وأجمعوا على أنه ثقة حجة إمام. اهـ.
توفي في بغداد سنة 241هـ عن سبعة وسبعين عاماً.
وقد خلف للأمة علماً كثيراً، ومنهجاً قويماً، رحمه الله، وجزاه عن المسلمين خيراً.
آداب العالم والمتعلم
فائدة العلم وثمرته: العمل بما علم، فمن لم يعمل بما علم كان علمه وبالاً عليه، وحجة عليه يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"والقرآن حجة لك أو عليك"(1) .
ولكل من العالم والمتعلم آداب ينبغي مراعاتها، منها ما هو مشترك بينهما، ومنها ما هو مختص بأحدهما.
فمن الآداب المشتركة:
1 -
إخلاص النية لله؛ بأن ينوي بتعلمه وتعليمه التقرب إلى الله، بحفظ شريعته، ونشرها، ورفع الجهل عنه وعن الأمة، فمن نوى بتعلمه العلم الشرعي شيئاً من الدنيا؛ فقد عرَّض نفسه للعقوبة، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا؛ لم
(1) رواه مسلم (223) كتاب الطهارة، 1- باب فضل الوضوء.
يجد عرف الجنة يوم القيامة" (1) : يعني ريحها. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
وروي أنه قال: "من طلب العلم؛ ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه؛ أدخله الله النار"(2) . رواه الترمذي.
2 -
العمل بما علم؛ فمن عمل بما علم، ورثه الله علم ما لم يعلم، قال الله تعالى:(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)(محمد: 17)
ومن ترك العمل بما علم؛ أوشك أن يسلبه الله ما علم، قال الله تعالى:) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) (المائدة: الآية13)
3 -
التخلق بالأخلاق الفاضلة من الوقار وحسن السمت ولين الجانب، وبذل المعروف واحتمال الأذى، وغير ذلك من الأخلاق التي يحمد عليها شرعاً، أو عرفاً سليماً.
4 -
اجتناب الأخلاق السافلة من الفحش والسب والأذى والغلظة والخفة المذمومة في المنطق والهيئة، وغير ذلك مما يذم عليه شرعاً، أو عرفاً سليماً.
من الآداب المختصة بالمعلم:
1 -
الحرص على نشر العلم بجميع الوسائل، وأن يبذله لمن طلبه بطلاقة وانشراح صدر، مغتبطاً بنعمة الله عليه بالعلم والنور، وتيسير من يرث علمه عنه، وليحذر كل الحذر من كتمان العلم في حال يحتاج الناس فيها إلى بيانه، أو يسأله عنه مسترشد، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من سئل عن علم علمه، ثم كتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار"(3) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
2 -
الصبر على أذى المتعلمين وسوء معاملتهم له؛ لينال بذلك أجر الصابرين، ويعوّدهم على الصبر واحتمال الأذى من الناس، لكن مع ملاحظتهم بالتوجيه والإرشاد والتنبيه بحكمة على ما أساؤوا به؛ لئلا تضيع هيبته من نفوسهم، فيضيع مجهوده في تعليمهم.
(1) رواه أبو داود (3664) كتاب العلم، 12- باب في طلب العلم لغير الله تعالى. وابن ماجه (252) المقدمة، 23- باب الانتفاع بالعلم والعمل به. وأحمد (1/338/ح8438) . وصححه ابن حبان (1/279/78) . وقال العقيلي في "الضعفاء" (3/466) : الرواية في هذا الباب لينة. ورجح أبو زرعة في "العلل"(2/438) وقفه.
(2)
رواه الترمذي (2654) كتاب العلم، 6- باب ما جاء فيمن يطلب الدنيا بعلمهن وقال: غريب. وابن ماجه (259، 260) المقدمة، 23- باب الانتفاع بالعلم والعمل به. وحسنه الألباني في مجموع طرقه.
(3)
رواه أبو داود (3658) كتاب العلم، باب كراهية منع العلم. وابن ماجه (261) المقدمة، 24- باب من سئل عن علم فكتمه. والترمذي (2649) كتاب العلم، 3- باب ما جاء في كتمان العلم، وقال: حسن. وأحمد (2/263/7561) . وقال ابن كثير في "التفسير"(1/201- الفكر) : ورد من طرائق يشد بعضها بعضاً.
3 -
أن يمثل أمام الطلبة بما ينبغي أن يكون عليه من دين وخلق، فإن المعلم أكبر قدوة لتلميذه، وهو المرآة التي ينعكس عليها دين المعلم وأخلاقه.
4 -
أن يسلك أقرب الطرق في إيصال العلم إلى تلاميذه، ومنع ما يحول دون ذلك، فيعتني ببيان العبارة وإيضاح الدلالة، وغرس المحبة في قلوبهم؛ ليتمكن من قيادتهم، وإصغائهم لكلامه، واستجابتهم لتوجيهه.
ومن الآداب المختصة بالمتعلم:
1 -
بذل الجهد في إدراك العلم، فإن العلم لا ينال براحة الجسم، فيسلك جميع الطرق الموصلة إلى العلم. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً؛ سهل الله له به طريقاً إلى الجنة"(1) . رواه مسلم.
2 -
البدء بالأهم فالأهم فيما يحتاج إليه من العلم في أمور دينه ودنياه، فإن ذلك من الحكمة {و َمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُولُو الْأَلْبَابِ} (البقرة:269.
3 -
التواضع في طلب العلم بحيث لا يستكبر عن تحصيل الفائدة من أي شخص كان، فإن التواضع للعلم رفعة، والذل في طلبه عز، وكم من شخص أقل منك في العلم من حيث الجملة، وعنده علم في مسألة ليس عندك منها علم.
4 -
توقير المعلم واحترامه بما يليق به، فإن المعلم الناصح بمنزلة الأب، يغذي النفس، والقلب بالعلم، والإيمان، فمن حقه أن يوقره المتعلم، ويحترمه بما يليق من غير غلو ولا تقصير، ويسأله سؤال المستلهم المسترشد لا سؤال المتحدي أو المستكبر، وليتحمل من معلمه ما قد يحصل من جفاء وغلظة وانتهار. لأنه ربما يكون متأثراً بأسباب خارجية، فلا يتحمل من المتعلم ما يتحمله منه في حال الصفاء، والسكون.
5 -
الحرص على المذاكرة والضبط وحفظ ما تعلمه في صدره أو كتابه؛ فإن الإنسان
(1) رواه مسلم (2699) كتاب الذكر والدعاء، 11- باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر.
عرضة للنسيان، فإذا لم يحرص على ذلك نسي ما تعلمه وضاع منه وقد قيل:
العلم صيد والكتابة قيده
قيد صيودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أن تصيد غزالة
وتتركها بين الخلائق طالقة
وليعتن بحفظ كتبه من الضياع وصيانتها من الآفات، فإنها ذخره في حياته، ومرجعه عند حاجته.
وإلى هنا انتهى القسم الثاني من كتاب (مصطلح الحديث) ويحتوي على مقرر السنة الثانية الثانوية في المعاهد العلمية.
وبه تم الكتاب على يد مؤلفه: محمد بن صالح العثيمين في يوم الخميس الموافق للسادس عشر من شهر ربيع الآخر سنة 1396هـ ست وتسعين وثلاثمائة وألف.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.