المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أثر الفقه المالكي في التشريعات الغربية - معلمة الفقه المالكي

[عبد العزيز بن عبد الله]

الفصل: ‌أثر الفقه المالكي في التشريعات الغربية

‌أثر الفقه المَالكي في التشريعات الغربية

ص: 39

في عام 1937 أقر مؤتمر لاهاي ما قرره مؤتمر واشنطن عام 1935 من أن الشريعة الِإسلامية مصدر للقانون مستقل عن مصادر اليونان والرومان.

وقد أكد برنارد شو في كتابه (Back to) بأن قلب التوجه العالمي سينتقل في القرون المقبلة من الغرب إلى الشرق وأكد أن الشريعة الِإسلامية ستصبح المدونة الوحيدة للحياة قادرة على تجديد وجهة وضبط حياة الِإنسان على الأرض في أي مسار مستقبلي.

(راجع علم الفقه في مقدمة ابن خلدون ج (ص 798) وكذلك أصول الفقه (ص 712).

ولذلك أمثلة عديدة تبلور تأثير الفقه الِإسلامي عامة والفقه المالكي خاصة في البحر الأبيض المتوسط والقارتين الأوربية والأمريكية.

فقد أعدت دراسات فىِ الفقه المقارن تحلل تفاصيل وأبعاد أثر الفقه المالكي في بعض التشريعات الأجنبية خاصة مدونة الفقه المدني المعروفة بمدونة نابليون وقد اقتبس هذا الأخير الكثير خاصة في مادة الأحكام والعقود والالتزامات وقد أشار الأمير شكيب أرسلان في (حاضر العالم الِإسلامي) إلى بعض ذلك وهو قل من كثر مما أثر في الفكر القانوني الحديث ابتداء من الحرب العالمية الأولى.

ولا شك أن انبساط الحكم العثماني على بقاع شاسعة من العالم كان له أعمق الأثر على القوانين في مختلف ميادين الحياة وخاصة في الأقاليم

ص: 41

الأوروبية التي خضعت للآستانة ولا يزال على رجال القانون المقارن أن يسبروا أغوار هذه التأثيرات والمبادلات بين الفقه الإِسلامي والقوانين الوضعية فيما كان يسمى بالدول الاشتراكية التي كان معظمها تابعاً للأتراك إلى حدود (سيبيريا) حيث يمتد ما كان يسمى بالجمهوريات الِإسلامية السوفياتية.

ومن مجالي هذا التأثير في الحقل الاقتصادي قضايا الشركات وقد ضمنها البنوك - وهي تقوم في العالم المعاصر بأجل الخدمات لتنشيط مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالشركة بصورة عامة في المذهب المالكي هي كما يقول ابن عرفة "شركة بقدر متمول بين مالكين فأكثر ملكاً فقط"، والشركة في القانون الفرنسي شبيهة بها بل تستعمل (المدونة الفرنسية) نفس التعابير التي وجدت في النصوص الفقهية القديمة مما يدل على أن التشريع الفرنسي اقتبس منها، وقد تأثر القانون المدني الإِسباني بالفقه المالكي في الاستغناء عن عقود الزواج خارج الكنيسة ولاحظ الأستاذ (أوكطاف بيل) في كتاب له حول (الشركة والقسمة في المذهب المالكي (1) أن الشركات المالكية شركات تنبني على (عقود أمانة) وهو ما يجري به

العمل في فرنسا قديماً (2).

وأهم أنواع الشركات اليوم وخاصة في أبرز دولة اقتصادية بأوروبا هي ألمانيا الغربية الشركة المعروفة بالقراض. والقراض Commandite أهم أنواع الشركات في المذهب المالكي لأنها لا تمس رأسمال المشارك فيها وإنما تقتصر مسؤوليته على حصته في الشركة أي أن أرباب المال ملزمون على قدر المال كما في القانون الفرنسي وغيره من القوانين الأوروبية وخاصة منها القانون الألماني الذي أصبحت العمليات المصرفية تجرى اليوم في نطاقه على نسق البنوك بدون فائدة وهو مظهر لأثر الفقه الإِسلامي في المجتمع الألماني اليوم وحتى في المناطق التي استقلت قبل أن ينزاح الحكم العربي عن

(1) الطابع المتحدة - الدار البيضاء - 1948 (ص 24).

(2)

ربما تحت تأثير الأندلس.

ص: 42

الأندلس بقرون ظل المسلمون يطبقون الشريعة الِإسلامية مؤثرين في محيطهم بمنطقية ورصانة الأحكام الفقهية وقد أكد محمد بن عبد الرفيع الأندلسي الذي توفي عام (1052 هـ / 1642 م) بعد الجلاء الأخير عن الأندلس بخمس وثلاثين سنة في كتاب "الأنوار النبوية في آباء خير البرية" أنه بقي في طليطلة أناس يدينون بالِإسلام في الباطن بعد أن زال عنها حكم الِإسلام بخمسمائة عام.

ولا شك أن للفقه المالكي خاصة بصمات تقوى وتضعف حسب الأقاليمِ التي تأثرت في أوروبا وأمريكا بالاشعاع القانوني الإِسباني والبرتغالي انطلاقاَ من الأندلس التي استمرت فيها تطبيقات فقهية مالكية إلى القرن الماضي.

وقد نقل دوزي عن صاحب كتاب (لوس - وزار ايبس دو طوليد) أن بعض القرى الأندلسية بناحية بلنسية استعملت العربية إلى أوائل القرن التاسع عشر وقد جمع أحد أساتذة جامعة مدريد (1151) عقداً في موضوع البيوع محرراً بالعربية كنموذج للعقود التي كان الِإسبان يستعملونها في الأندلس. ونعطي مثالاً آخر لهذا التأثير أيضاً في مفهوم (الجنسية) في الفكر الِإسلامي. فالجنسية في الحقيقة ميزة تتسم بها أمة بعينها وهي أيضاً وصف لمن ينتسب لأمة من الأمم ولم يهتم الِإسلام بالجنسية أو العنصر بقدر ما اهتم بالملة أو النحلة الدينية ولكن ليس معنى هذا أن أحكام هذا المفهوم لم تكن واضحة مضبوطة في الِإسلام فقد قال النووي في تقريبه نقلاً عن عبد الله بن المبارك وغيره أن من أقام في بلدة أربع سنين نسب إليها وقد تحدث المراكشي في إعلامه عن أمد الحصول على هذه "الجنسية" حسب الفقه الإِسلامي (الإعلام ج 1 (ص 150).

وقد اختارت مدونات قانونية أوروبية وأمريكية نفس المدة لِإقرار جنسية الأجنبي المقيم في البلد، راجع "الجنسية في قوانين المغرب العربي الكبير" دراسة مقارنة 1971 م (861 ص) إبراهيم عبد الباقي، معهد الدراسات والبحوث العربية.

ص: 43

وقد كان للفقه المالكي وخاصة بالمغرب والأندلس تأثير بليغ لا على القانون الكنسي بل على التلمود والفقه اليهودي منذ القرن العاشر بمدينة فاس وهو العصر الذي انتشر فيه المذهب المالكي بالمغرب بعد فترة ساد خلالها الفقه الحنفي والفقه الشافعي وفقه الأوزاعي. ومن أمثلة ذلك أن أبا سعيد بن يوسف الفيومي المعروف بالحاخام سعديا (942 م) الذي يعتبر واضع الفلسفة اليهودية في العصور الوسطى قد صنف ترجمة عربية للعهد القديم واستكمل قانون الميراث اليهودي مستعيناً بالشريعة الِإسلامية.

وهنالك عالم يهودي مغربي هو إسحاق بن يعقوب الكوهن الملقب بالفاسي الذي ولد (عام 404 هـ / 1013 م) في (قلعة بن أحمد) قرب فاس وتوفي بالوسينة بالأندلس عام 497 هـ/ 1103 م - له شرح على التلمود في عشرين مجلداً يعتبر لحد الآن من أهم كتب التشريع التلمودىِ كما له ثلاثمائة وعشرون فتوى محررة كلها بالعربية وهي مقتبسة من الفقه المالكي السائد بالأندلس والمغرب آنذاك وهو الذي أسس بالوسينة قرب غرناطة عام 1089 معهداً للدروس العليا التلمودية والوسينة هذه هي التي آوى إليها في فترة من حياته العلمية الِإمام بن رشد الحفيد الذي جمع بين الفقه المالكي والفلسفة والطب والتف حوله طلبة يهود أندلسيون تلك نظرة مركزة عن هذا الموضوع الذي نعنى به اليوم للتعرف على أهمية مذهب الِإمام مالك إمام دار الهجرة وحامل لواء السنة في المجالات الجديدة التي تواجهنا في اختياراتنا المستقبلية.

أما بخصوص المجالات الأخرى وخاصة منها العلوم التي تتصل من قريب أو بعيد بالفقه والقانون فقد كان للشريعة الِإسلامية أثرها القوي في تكييف التقاليد الأوروبية وبلورة اختياراتها منذ القرن التاسع الميلادي أي بعد مرور مدة قليلة على انتشار الدين الجديد في إسبانيا وجنوب فرنسا وإيطاليا وبعض الجزر المتوسطية وأبرز هذا العطاء الِإسلامي الجديد هو مبادئ الأخلاق الدولية وقد صنف صديقي وزميلي مارسيل بوازار Marcel Boisard كتاباً في هذا الصدد كان اسمه الأول الِإسلام والخلق الدولي I Islam et la morale Internationale .

ص: 44

وقد عرض عليّ كتابه القيم في مسوّدته بجزئيه قبل طبعه للمشورة قبل أن ينشره في جزء واحد باسم جديد هو (إنسية الِإسلام) Humanisme de 1'Islam كما أهداني دراسة أخرى باللغة الِإنجليزية حول (التأثير المحتمل للِإسلام في القانون العمومي والدولي الغربي).

وقد أصبح اليوم من البديهي أن كثيراً من العناصر الحضارية الفلسفية والخلقية قد اندرجت في المدونات الأوروبية فىِ مختلف مجالات الفكر التشريعي دبلوماسياً وعسكرياً ومدنياً.

نعم إن الاتصالات بين الِإسلام وأوروبا قد وصلت تدريجياً عن طريق الأندلس وصقلية كما تبلورت عن طريق مراسي البندقية وجنوة وبيزة وقد كان التجار الأوروبيون يقضون عدة شهور في الشرق في أوائل الخريف ونصف الربيع من كل عام. فكان ذلك أول اتصالهم بالأخلاق والعادات الِإسلامية مما تمخض عن نواة القانون التجاري الدولي الذي برز أول ما برز من خلال انتشار مبدأ حرية البحار وذلك منذ القرن الثاني عشر الميلادي. وقد كان للموحدين دور فعال في ذلك حيث وضعوا المبادئ الأساسية لهذه القواعد وحاربوا القرصنة بأحداثهم ميليشية خاصة بتأمين البحار في الوقت الذي كانوا فيه سادة المتوسط مما حدا صلاح الدين الأيوبي إلى الاستنجاد بالأسطول المغربي ضد الصليبيين، وقد كان - كما يقول أندري جوليان في كتابه (تاريخ الشمال الِإفريقىِ) - أول أسطول في البحر الأبيض المتوسط، والموحدون هم أول من لقن مصطلحات التجارة الدولية أيضاً لأوروبا. هذا وإن أول بادرة نتجت عن حرية التبادل التجاري بين الشرق والغرب خاصة في المتوسط هي ظهور عملات تجاريين مهدوا للمبادلات الدبلوماسية فاصبحوا عبارة عن قناصلة أوروبيين على التراب الِإسلامي بعد الحروب الصليبية وقد بادر الِإيطاليون والقطلانيون الاسبان وتجار جنوب فرنسا (ناحية بروفانس) إلى إقامة هذه القنصليات في الشرق الِإسلامي فكان من لوازم هذا التأثير إدراج نص قانوني في دستور بلدية مرسيليا منذ القرن الثالث عشر حول احترام ملكية الأجانب ولو في ابان الحرب وذلك احتذاء بما كان يتمتع به التجار الفرنسيون على

ص: 45

الشواطئ المصرية والسورية. ومعلوم أن حماية المسافرينّ والتجار الأجانب كانت تتسم منذ أوائل الِإسلام بسمة الوجوب في دار الِإسلام، وقد تبلور التأثير الِإسلامي عملياً في التنصيص على هذه المبادئ فعلاً في المعاهدات التجارية، مثال ذلك المعاهدة التي أمضيت عام 895 هـ/ 1489 م بين جمهورية فلورنسا والسلطان المملوكي قايتباي أمير القلعة بالقاهرة وقد تم

توقيعها بعد ثلاث سنوات من المفاوضات برزت خلالها أولاً كمرسوم سلطاني لدوائره الِإدارية بمصر وسوريا قبل أن تكون معاهدة مع تجار أوروبيين. وقد نص هذا المرسوم بالِإضافة إلى حماية التجار وضمان حقوقهم على عدة بنود تتعلق برسوم الجمارك (14 %) والقواعد الِإدارية المتبعة وإقامة قنصلية بين التجار داخل فنادقهم ووسائل تحويل القروض بل نص المرسوم حتى على إمكان التحكيم على يد السلطان بين تجار فلورنسا وتجار أوروبيين آخرين على الأراضي أو المياه المملوكية كل ذلك انطلاقاً من الشريعة والتقاليد الِإسلامية.

وقد أدت المبادلات التجارية بين الشرق الِإسلامي وأوروبا لا إلى إمضاء معاهدات دولية فحسب بل إلى تطوير الأعراف الجمركية والقوانين الِإدارية والبحرية والحربية مع أوروبا الغربية، وقد تأسست في الأندلس عام 741 هـ/ 1340 م قنصلية للبحر كما وضعت مدونة للتقاليد والقواعد تجمعت فيها نصوص ظهرت منذ القرن الحادي عشر الميلادي أيام الموحدين، وقد تم ذلك أولاً في برشلونة حيث نشرت مجموعة قواعد لتنظيم التجارة البحرية والنص على عدم المسؤولية الجماعية مما لم يعرف إلا خلال القرن التاسع عشر بعد (حرب القرم) وقد نص (ماس لاطري) على ذلك من خلال معاهدة أبرمها الموحدون انطلاقاً من الآية الشريفة {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وقد قام اليهود بدور كبير في تسهيل نشر هذه المبادئ التي أدرجوا الكثير منها في تلمودهم دعماً لنصوصه التشريعية.

وقد اقتبس (الفونس التاسع) الحكيم ملك قشتالة وامبراطور المغرب (1272 م) متأثراً بمعطيات الحضارة الِإسلامية في النصف الثاني للقرن الثالث عشر- من عدد كبير من المصادر العربية وهو الذي جدد جامعة

ص: 46

سالامانكا التي قامت بدور كبير في وضع ما أدى إلى القانون الدولي الحديث وقد كتب الفونس هذا أول مدونة قانونية في أوروبا سماها Las Siete Partidas (نشرت بتعاليق لاتينية من طرف) في ثلاثة مجلدات (مدريد 1829) وقد استمدها خاصة من قانون (الولايات) في الأندلس المسلمة الراجع إلى عام 679 هـ/1280 م.

فكان اقتباساً فعلياً من الشريعة الِإسلامية، ولا يخفى على المختصين الذين يحاولون التنظير بين فحوى النصوص وتاريخ صدور هذه النصوص، ما كان من أثر لهذا الكتاب اللاتيني في نشوء القانون الدولي الأوروبي في العصر الحديث.

وقد بدأ فريدريك الثاني Frederik 11 of Hohenstauffen، ملك صقلية وامبراطور جرمانيا (1250 م) يستمد من التراث الِإسلامي وهو الذي أسس جامعة نابلس عام 1224 م وجهزها بالمخطوطات العربية وكان (طوماس الاكويني) (المتوفى عام 1274 م من تلاميذها وقد اعتبر فريدريك هذا أول ملك مبدع وخلاق وضع الكثير انطلاقاً من المناهج العربية، من ذلك وضعه للضرائب المباشرة وغير المباشرة والهياكل العسكرية والرسوم الجمركية واحتكار الدولة للمعادن وبعض البضائع مما كان يعرف في الشريعة الِإسلامية منذ القرنين التاسع والعاشر ولكنه أصبح نموذجاً احتذته أوروبا كلها.

وقد كان الفرنج في فلسطين يتلقفون الآراء والنظريات الِإسلامية لا فرق بين الماورائي والتكنولوجي منها خاصة في مجال الزراعة والتجارة وتنظيم الصحة العمومية، ومن مظاهر هذا التأثير بروز روح التسامح بدل العنف لدى الِإفرنج الذين كانوا يحذون حذو المسلمين بفلسطين وسوريا في كل تصرفاتهم بل إن نظام الكثير من المؤسسات المسيحية مثل Les Templiers (أو فروسيو المعبد الذين تكونوا بفلسطين) و Hospitaliers مستمداً منذ أوائل القرن الثاني عشر من التنظيمات الِإسلامية خاصة منها نظام الرباط، وقد برزت الفلسفة الِإسلامية آنذاك وربطت بصلة وثيقة بين

ص: 47

القانون والأخلاق وبين الفرد والحكومة وظهر الِإنسان في عمله الخلاق كشخصية مستقلة تحاول أن تخلق من خلال القانون الشروط الاجتماعية التي تبرز كرامة الِإنسان ومسؤوليته، وقد ترجم الكثير من الدراسات الأكاديمية في القانون والِإدارة بإيطاليا من النصوص العربية وراجت بأوروبا كلها على يد الأساتذة الذين كانوا يتنقلون حسب العادة من جامعة إلى أخرى، وقد كان لهذا الطابع الخلقي في الشريعة الإِسلامية أثره الأسمى في أوروبا المتوسطية مما رقق الشعور والحاسة القانونية وكان هذا المظهر بدون شك الميزة المثلى في الآثار الِإسلامية التي كيفت نظرية العدالة وتطبيقاتها الفعلية عند الغربيين، من ذلك اعتبار كل من تتجه إليه التهمة بريئاً إلى أن يتحقق العكس وهذا هو مبدأ براءة الأصل الذي جاء به الإِسلام منذ البداية ومعلوم أن (لويس التاسع) أو لويس القديس (1270 م)، ملك فرنسا الذي عاش بفلسطين وخالط علماء الكلام أمثال (طوماس الاكويني)، قد

تأثر مباشرة بالِإسلام في ينابيعه التطبيقية بأرض فلسطين فظهر ذلك في اصلاحاته التشريعية وقد أشار إلى ذلك Joinville في مذكرات (Memoires) كان قد صاحب لويس التاسع إلى مصر (توفي عام 1317 م)(كما ذكر ذلك Charles Klein(في كتابه (لويس القديس ملك بين أقدام الفقراء باريس 1970 ص 60).

وهكذا يمكن القول بأن تأثير الِإسلام في أوروبا قد شمل كل المجالات سواء منها الدبلوماسي (بإحداث قنصليات) أم إقرار مبدأ شخصية القانون وكرامة الأجنبي وضمان حقوقه وأسأليب إعلان الحرب ووسائل تعويض العدو وحماية الأسرى والمرضى والعجزة واستعمال الشارات الضوئية خلال المعارك الليلية وحمام الزاجل في المواصلات وطريقة توزيع الغنائم ومبادئ الفروسية، وقد بلغت هذه التأثيرات الِإنسانية حتى ملوك الجرمان الذين كان لرهبأنهم أوثق الصلات ببلاط فريدريك الثاني

بصقلية.

على أن المغرب بالخصوص كان له بالِإضافة إلى البادرات الخلاقة في العصر الموحدي ابداعات أشار إليها الأستاذ كابي (Caille) في الكتاب الذي

ص: 48

وضعه حول المعاهدات والاتفاقيات والمراسيم في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله حيث أبرز طابع الخلق والإِبداع لكثير من المبادئ التي اندرجت في مدونات القانون العمومي الدولي بأوروبا.

ص: 49