الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنقول: لعل الإمام الخطابي -رحمة الله عليه- رجع عن قوله في مسائل الأسماء والصفات إلى هذا، ولذا نقله شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- مقرراً له، ولا يخفى عليه رحمه الله ما سطره في كتبه الأخرى، يقول في الغنية عن الكلام وأهله، كتاب اسمه (الغنية عن الكلام وأهله) للخطابي ما أعرفه وجوده.
أقول: مثل هذا الكلام الذي نقلناه عن الخطابي في الأسماء والصفات والتأويل هو موجود مع الأسف الشديد في غالب الشروح، إذ لا يسلم منها إلا القليل النادر، وحبذا لو انبرى لهذه الكتب من التفاسير والشروح من يوثق بعلمه وعقيدته وفهمه وعلق عليها تعليقات تكون مختصرةًً نافعة، كما فعل شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في تعليقه على أوائل فتح الباري، تعليقات نفيسة بأسطر قليلة جعل الله سبحانه وتعالى فيها من البركة ما جعلها تدور في الأقطار، وتصحح كثيراً من المفاهيم، الكتاب حتى فتح الباري على ما سيأتي الحديث عنه لم يسلم من نقل أقوال المأولة في الصفات، ومع ذلك ينقل أقوال السلف وينقل أقوال غيرهم ويسكت ولا يرجح، المقصود أن مثل هذه الأقوال تحتاج إلى تعليق لطيف يبين الحق في هذه المسائل.
هناك من الكتب ما يسلم -وإن كان قليلاً- من هذه الملاحظات كشرح الحافظ بن رجب -رحمه الله تعالى-؛ لكنه لم يكمل كما سيأتي الحديث عنه -إن شاء الله تعالى-.
شرح النووي لصحيح البخاري:
نظراً لضيق الوقت نعرض بسرعة للقطعة التي شرحها النووي من الصحيح، شرع أبو زكريا يحيى بن شرف النووي في شرح الصحيح؛ لكن المنية اخترمته قبل أن يقطع فيه شوطاً كبيراً، فلم يشرح من الصحيح سوى بدء الوحي وكتاب الإيمان فقط، وهو شرح كما وصفه مؤلفه بأنه متوسط بين المختصرات والمبسوطات، لا من المختصرات المخلات، ولا من المبسوطات المملات، يقول:"ولولا ضعف الهمم، وقلة الراغبين في المبسوط لبلغت به ما يزيد على مائة من المجلدات" الكلام صحيح، العمر ينتهي قبل أن يقرأ الإنسان الشروح التي كتبت على الصحيح فضلاً عن أن ينتقي منها ما يراه مناسباً، ويستطرد في الشرح ويذكر كل ما يحتاج إليه من فوائد البخاري، يقول:"ولولا ضعف الهمم وقلة الراغبين في المبسوط لبلغت به ما يزيد على مائة من المجلدات مع اجتناب التكرير والزيادات العاطلات، بل ذلك لكثرة فوائده، وعظم عوائده الخفيات والبارزات".
ابتدأ النووي -رحمه الله تعالى- شرحه بمقدمة ذكر فيها أهمية علم الحديث، ومنزلة الإمام البخاري وصحيحه ورواته، وذكر فيها أيضاً سبب تصنيفه، ثم ذكر فهرساً لكتب الصحيح وعدد أحاديث كل كتاب، ثم ذكر فصلاً عن أبي الفضل بن طاهر في طبقات من روى عنهم البخاري، ثم ذكر أسانيده إلى الإمام البخاري ثم أشار إلى بعض المسائل الاصطلاحية، يعني ذكر طبقات من روى عنهم الإمام البخاري مهم جداً، حينما تعرف أن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- روى عن المكي بن إبراهيم بدون واسطة، وهذا غالب الثلاثيات من طريقه، ثلاثيات الصحيح من طريق المكي ابن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، أعلى ما في الصحيح، حينما تنظر في الصحيح تجد البخاري روى عن المكي بن إبراهيم بدون واسطة، تجده في موضعٍ آخر روى عن المكي ابن إبراهيم بواسطة ثلاثة أشخاص، فإذا عرفت طبقات الرواة سلمت من توهّم سقوط راوٍ أو أكثر حينما يروي عن مثل المكي ابن إبراهيم بدون واسطة، ويروي عنه في مواضع بواسطة، فعلمك بهذه الطبقات يجنبك مثل هذا الوهم، ختم المقدمة بضبط جملةٍ من الأسماء المتكررة في الصحيحين من المشتبه.
يمتاز شرح النووي -رحمه الله تعالى- بالإطالة في تراجم الرواة، يترجم لرواة الأحاديث، ويطيل فيها إطالةً نسبية بالنسبة إلى الشروح الأخرى فيذكر سيرهم وما يستحسن ويستطرف من أخبارهم، ولا شك أن في هذا فائدة للقارئ وتنشيط لهمته والأخبار في الجملة محببة إلى النفوس، فيكون فيها متعة واستجمام من جهة، لكن هذه الإطالة في تراجم الرواة صارت على حساب معاني الأحاديث، وما يستنبط منه من أحكام وآداب وفوائد، فمثلاً الحديث الرابع، استغرق عند النووي صفحات جلها في تراجم الرواة من (66) إلى صفحة (70) من الشرح من (66) إلى (70) بدأ بشرح الحديث الرابع، ترجم لابن عباس في صفحة ونصف، بعده سعيد بن جبير في صفحة .. الخ، ثم في منتصف صفحة (70) منتصف الصفحة الأخيرة فصل في معنى الحديث: قول ابن عباس رضي الله عنهما .. الخ، منتصف الصفحة الأخيرة هو بيت القصيد، نعم تراجم الرواة مهمة لكنها في مثل هذا الكتاب الذي التزم مؤلفه الصحة، وانتقى من الرواة أعلاهم، ومن رواياتهم أثبتها، تكون فائدة التراجم أقل؛ لأن للتراجم كتب مستقلة، لكن بيت القصيد معاني الحديث، ألفاظه وما يستنبط منه من أحكام وآداب، النووي -رحمه الله تعالى- قصر في هذا الجانب، شرحه لذيذ وممتع لكنه في هذا الجانب فيه قصور، ووصفه بأنه شرح مختصر، والنووي كما يلاحظ من كتبه يعتني بالتراجم لا سيما بتراجم من عرف بالزهد والعبادة فيذكر تراجم هؤلاء بإسهاب، ويذكر من أخبارهم ما يستلذ ويستطاب، تنشيطاً لهمم القراء، وإشادةً وإفاءً لبعض حقوق هؤلاء؛ لأنه هو رحمه الله من هذا النوع، صاحب علم وأيضاً عبادة وزهد وورع، وهو مشهور بذلك، وبهذا يكون الوقت تمت الساعة المتفق عليها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
الأسئلة المطلوبة الإجابة عليها كثيرة، لكن نقتصر منها بما له صلة بموضوع هذه الدروس.
يقول: يتميز صحيح البخاري بكثرة الروايات، وبعض الروايات تزيد وبعضها تنقص، فهل تبينون لنا روايات البخاري لا سيما الروايات التي عليها الشروح المشهورة؟
أما بالنسبة لروايات الصحيح، كما أشار الأخ كثيرة، قد روى الصحيح عن مؤلفه ما يقارب التسعين ألفاً من الرواة، لكن الروايات التي اتصلت بالأسانيد إلى وقتنا معروفة ومحصورة، ولعل من أشهرها وأوفاها رواية أبي ذر التي اعتمد عليها الحافظ ابن حجر في شرحه، ومن الروايات ما اعتمده الخطابي وأشرنا إليه بالأمس رواية إبراهيم بن معقل النسفي، من الروايات المشهورة أيضاً رواية حماد بن شاكر، وهي تنقص قليلاً عن رواية أبي ذر، والروايات كثيرة، والله المستعان، لكن أوفى الروايات رواية أبي ذر، وهي أشهر الروايات وأتقنها، والحافظ اليونيني -رحمه الله تعالى- اعتنى بهذه الروايات، وقابل بينها، ورمز لكل رواية بحرف، وأثبت فروق هذه الروايات، على هامش نسخته بدقة وإتقان، ومن أراد صورة ما كتبه اليونيني وأتقنه وحرره وهذا الكلام سابق لأوانه فعليه بإرشاد الساري للقسطلاني، الذي يعتني بذكر جميع الفروق، سواء ترتب على هذه الفروق فائدة أو لم يترتب عليه فائدة، بخلاف الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- فقد اعتمد على رواية أبي ذر فقط، وأشار إلى ما عداها عند الحاجة، فلم يستقصي جميع الروايات، ولم يذكر جميع الفروق، إنما أشار إلى ما يحتاج إليه.
يقول: أسماء الطبعات الجيدة والمحققة لكتب الشروح حيث لا يخفى عليكم انتشار الكتب التجارية؟.
هذه الشروح الكبيرة في نشرها وطباعتها والعناية بها ما يحتاج إلى نيّةٍ خالصة؛ لأن مجرد قصد التجارة لا يوفي هذه الكتب حقها؛ لأنه إذا كان النشر بنية التجارة فقط فالناشر يحاول أن يسدد ويقارب فلا يمضي فيها وقتاً يخسر فيه من جهةٍ أخرى، وإن كسب سمعةً وشهرة؛ لكن تأخير الطبع الذي يقتضيه أو تقتضيه العناية يكلفه أشياء من أشياء مادية أخرى، على كل حال الشروح أما بالنسبة لشرح الخطابي فهو لم يطبع إلا مرة واحدة، وهو بتحقيقٍٍ جيد لا بأس به في رسالة دكتوراة، وشرح النووي القطعة التي شرحها النووي طبعت مرة واحدة في المطبعة المنيرية، وهي طبعة جيدة ولم يعد طبعه بعد، بعد ذلكم الشروح التي يتحدث عنها فيما بعد تذكر طبعاتها أثناء الحديث عنها، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- نقل عن الخطابي ما ذكرناه عنه في كتاب الغنية عن الكلام وأهله في مجموع الفتاوى في الجزء السادس صفحة (59 و60 أو 58 و59) بهذا الحدود.
طالب:. . . . . . . . .
يمكن الخامس، نعم الخامس، هو موجود عندي، مدون حتى على الفتاوى نفسها.
يقول: هل هناك شرح (مختصر البخاري) للزبيدي، وشرح (مختصر مسلم) للمنذري مطبوع موجود في السوق الآن؟
نعم، هناك شروح للمختصرات، منها شرح الشرقاوي المسمى (فتح المبدي) على الزبيدي، أقول: هذا الكلام وكانت النية أن نتحدث عن هذه المختصرات وشروحها، لكن أتصور أن الوقت لا يكفي، مناسبة هذا السؤال نقول باختصار: الزبيدي له مختصر جيد لصحيح البخاري وعليه شروح منها (فتح المبدي) للشرقاوي، وهو شرح تحليلي جيد في الجملة إلا أنه لا يسلم من المخالفات، فمما قاله في كتاب الطلاق:"وقال ابن تيمية التابع للروافض والخوارج"، هذه تنبئ عن شيء، لا يسلم الكتاب من مخالفات، لكنه يحلل الكتاب تحليلاً لفظياً، أنفس منه بالنسبة لمختصر الزبيدي شرح الشيخ صديق حسن خان واسمه (عون الباري) هذا شرح نفيس وجيد، ويستفيد منه طالب العلم الذي لا يحتاج إلى ما في البخاري من تكرار وأسانيد، شرح صديق مأخوذ في الجملة -في جملته- من إرشاد الساري، ويتميز شرح صديق بنقده للقسطلاني فيما يخالف فيه من مسائل الاعتقاد، وهذه ميزة يمكن أن يستفاد منه فيها.
مختصر صحيح مسلم للمنذري له أيضاً شرح للشيخ صديق حسن خان اسمه (السراج الوهاج) طبع قديماً بالهند ثم صور وطبع أخيراً في قطر، هو شرح جيد نفيس فيه مباحث لا توجد في شروح مسلم.
يقول: عندما يريد الطالب المبتدي في دراسة شروح الكتب الستة فما هي الكتب التي تراها مناسبة لدراستها؟ سواء شروح البخاري أو غيره من الكتب الستة؟
حقيقةً شرح الكرماني الذي نتحدث عنه الآن مناسبة للبداية إلا أنه لكثرة المخالفات فيه سواء كانت مما يتعلق بالكتاب نفسه المشروح أو في المسائل الحديثية عموماً أو في مسائل الاعتقاد لا ينبغي للمبتدئ أن يقرأ فيه، لكن طالب العلم المتوسط ينصح به، لكن أولى ما يبدئ به بالنسبة لصحيح البخاري شرح الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-، أما البدء بفتح الباري، كما قال السائل: بحر لا ساحل له، صحيح، والحديث عنه طويل ولعلنا نبدأ في الحديث عنه في نهاية الدرس إن أمكن، الفتح بحر كما قيل، وله مختصرات سيأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى-، لكن ما يمنع أن يستفاد منه ويراجع عند الحاجة، أما بداءة طالب العلم المبتدئ فيه فلا أراها، لأنه كتاب طويل، وفيه مباحث قد يصعب عليه فهمها، فلا يؤمن أن يترك الطالب؛ لأن أول ما يقدم للطفل بعد الفطام الأشياء الخفيفة، السهلة الهضم، أما أن يؤتى له بلحم جملٍ كبير وهو بعد الفطام مباشرة هذا ما يناسبه، فتح الباري كتاب نفيس ومملوء بالفوائد ومشحون بالفرائد في جميع الفنون إلا أنه بالنسبة للصغار قد يحملهم على ترك القراءة، فالطالب في بداية الأمر ينبغي أن يبدأ بالأسهل ثم الأسهل ثم يترقى بعد ذلك، يبدأ بالأسهل ثم يترقى، فلو قرأ قبل فتح الباري شرح النووي على مسلم، على ما سيأتي الحديث عنه -إن شاء الله- مع ما فيه من المخالفات إلا أنه شرح نفيس لا يستغني عنه طالب العلم.
يقول: هل يحسن بمن قرأ اختصار علوم الحديث وكرره ينتقل إلى ألفية العراقي مع شرحها؟