الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: استعمال العلماء لمصطلح المقالة:
لاشك أن استعمال هذا المصطلح أعني "المقالات" أمر شائع وكثير في كتب المتقدمين، فكتب العلماء الأوائل ورد فيها استعمال هذا المصطلح بشكل كبير، حتى إنه من الصعب والمتعذر حصر تلك المواطن وجمعها، ولذلك فلا عبرة بما نحن عليه اليوم من ندرة استعمال هذا المصطلح وقلة استخدامه، ووجود الوحشة في أذهان بعض الدارسين عند سماعه، نظراً لذيوع استعمال مصطلح "الفرق" مكانه.
وسأورد بعض النماذج لاستعمال هذا المصطلح في كلام أهل العلم للتأكيد على صحة ما أقول.
1 -
قيل لأبي حنيفة (150 هـ) : "ما تقول فيما أحدث الناس من الكلام في الأعراض والأجسام؟ قال: مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة، فإنها بدعة"1.
2 -
وقال أبو الحسن الأشعري (324هـ) : "فإنه لابد لمن أراد معرفة الديانات والتمييز بينها، من معرفة المذاهب والمقالات، ورأيت الناس في حكاية ما يحكون من ذكر المقالات، ويصنفون في النحل والديانات
…
فحداني ما رأيت من ذلك على شرح ما التمست شرحه من المقالات واختصار ذلك وترك الإطالة والإكثار"2.
ثم سرد مقالات مختلف الفرق مفتتحا الكلام على كل فرقة كبيرة بقوله مثلا: "مقالات الخوارج"3، "مقالات المرجئة"4، "مقالات
1 صون المنطق للسيوطي ص 322.
2 مقالات الإسلاميين (ص 1) .
3 مقالات الإسلاميين (ص 86) .
4 نفس المصدر (ص 132) .
المعتزلة"1 وهكذا
…
3 -
وقال عبد القاهر البغدادي (429 هـ) : "وقد علم كل ذي عقل من أصحاب المقالات المنسوبة إلى الإسلام
…
" 2.
وقال: "فأما الفرقة الثالثة والسبعون فهي أهل السنة والجماعة
…
كلهم متفقون على مقالة واحدة في توحيد الصانع وصفاته
…
" 3.
وقال: "الباب الثالث من أبواب هذا الكتاب في بيان تفصيل مقالات فرق أهل الأهواء"4.
ثم شرع في بيان هذه الفرق فيقول "الفصل كذا في بيان مقالات فرق كذا
…
"5.
4 -
وقال ابن حزم (ت 456 هـ) : "فإن كثيرا من الناس كتبوا في افتراق الناس في ديانتهم ومقالاتهم كتبا كثيرة جدا،
…
وأضرب عن كثير من قويّ معارضات أصحاب المقالات فكان في ذلك غير منصف لنفسه
…
"6.
وقال أيضاً: "وقد أفردنا في نقض هذه المقالة (وهي قول المجوس أن مدبر العالم أكثر من واحد) كتاباً
…
"7.
5 -
وقال الشهرستاني (ت 548 هـ) : "لما وفقني الله تعالى إلى
1 نفس المصدر (ص 154) .
2 الفرق بين الفرق (ص 9) .
3 نفس المصدر ص 26.
4 نفس المصدر ص 28.
5 انظر نفس المصدر ص 29، 72، 114، 207، 215، وغيرها.
6 الفصل (1/2) .
7 نفس المصدر (1/34) وانظر أيضاً (4/188-189) .
مطالعة مقالات أهل العالم من أرباب الديانات والملل وأهل الأهواء والنحل
…
" 1.
وقال أيضا: "فأهل الأهواء ليست تنضبط مقالاتهم في عدد معلوم
…
" 2.
6 -
وقال أبو محمد اليمني (من علماء القرن السادس الهجري) : "فمن هذا الباب دخل أهل البدع والأهواء على ضعفاء الناس في إفساد أديانهم، والاحتجاج بمقالتهم لا سيما على من جهل غموضه (أي القرآن) ومسلكه ومتشابهه"3.
وبعد المقدمة شرع في ذكر الفرق فرقة فرقة ويفتتح الكلام على كل فرقة بقوله المقالة في ذكر كذا، نحو قوله في (1/18) :"المقالة في ذكر فرقهم ـ أي الخوارج ـ"4.
7 -
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) : "فهذه المقالات التي نقلت في التشبيه والتجسيم....." إلى أن قال "فأقوال أئمتهم دائرة بين التعطيل والتمثيل، لم تعرف لهم مقالة متوسطة بين هذا وهذا"5.
وقال أيضاً: "فلا يعرف في المقالات المشهورة في العلم الإلهي مقالة أبعد عن الحق من مقالتهم، فإن مقالة اليهود والنصارى في العلم الإلهي
1 في الملل والنحل 1/3.
2 نفس المصدر (1/4) ، وانظر أيضا (1/5-6،38) .
3 كتابه عقائد الثلاث وسبعين فرقة (1/7) .
4 نفس المصدر (1/18) وانظر أيضاً (1/271، 325، 353) وغيرها.
5 في منهاج السنة (2/242) وانظر الحسنة والسيئة (ص104) ، والفتوى الحموية (ص 47) ، ومجموع الفتاوى (2/79-80) ، (4/21) وغيرها كثير.
خير من مقالتهم، ومقالات أهل البدع الداخلين في الملل، حتى الجهمية والمعتزلة ونحوهم من الطوائف التي تذمها أئمة أهل الملل هي خير من مقالتهم، وأعني بذلك مقالة أرسطو وأتباعه، وأما ما نقل عن الأساطين قبله فقولهم أقرب إلى الحق من قوله"1.
وبهذه النماذج من أقوال العلماء يتضح مدى شيوع استعمال هذا المصطلح في كلامهم وجريانه في تعبيراتهم.
1 في الصفدية (2/250-251) .