الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إذا نادى المؤذن للصلاة في يوم الجمعة، فامضوا إلى سماع الخطبة وأداء الصلاة، واتركوا البيع، وكذلك الشراء وجميع ما يَشْغَلُكم عنها، ذلك الذي أُمرتم به خير لكم؛ لما فيه من غفران ذنوبكم ومثوبة الله لكم، إن كنتم تعلمون مصالح أنفسكم فافعلوا ذلك.
وفي الآية دليل على وجوب حضور الجمعة واستماع الخطبة.
فإذا سمعتم الخطبة، وأدَّيتم الصلاة، فانتشروا في الأرض، واطلبوا من رزق الله بسعيكم، واذكروا الله كثيرًا في جميع أحوالكم؛ لعلكم تفوزون بخيري الدنيا والآخرة.
إذا رأى بعض المسلمين تجارة أو شيئًا مِن لهو الدنيا وزينتها تفرَّقوا إليها، وتركوك -أيها النبي- قائمًا على المنبر تخطب، قل لهم -أيها النبي-: ما عند الله من الثواب والنعيم أنفع لكم من اللهو ومن التجارة، والله -وحده- خير مَن رزق وأعطى، فاطلبوا منه، واستعينوا بطاعته على نيل ما عنده من خيري الدنيا والآخرة.
إذا حضر مجلسك
المنافقون
-أيها الرسول- قالوا بألسنتهم، نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسول الله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فيما أظهروه من شهادتهم لك، وحلفوا عليه بألسنتهم، وأضمروا الكفر به.
إنما جعل المنافقون أيمانهم التي أقسموها سترة ووقاية لهم من المؤاخذة والعذاب، ومنعوا أنفسهم، ومنعوا الناس عن طريق الله المستقيم، إنهم بئس ما كانوا يعملون؛ ذلك لأنهم آمنوا في الظاهر، ثم كفروا في الباطن، فختم الله على قلوبهم بسبب كفرهم، فهم لا يفهمون ما فيه صلاحهم.
وإذا نظرت إلى هؤلاء المنافقين تعجبك هيئاتهم ومناظرهم، وإن يتحدثوا تسمع لحديثهم ; لفصاحة ألسنتهم، وهم لفراغ قلوبهم من الإيمان، وعقولهم من الفهم والعلم النافع كالأخشاب الملقاة على الحائط، التي لا حياة فيها، يظنون كل صوت عال واقعًا عليهم وضارًا بهم؛ لعلمهم بحقيقة حالهم، ولفرط جبنهم، والرعب الذي تمكَّن من قلوبهم، هم الأعداء الحقيقيون شديدو العداوة لك وللمؤمنين، فخذ حذرك منهم، أخزاهم الله وطردهم من رحمته، كيف ينصرفون عن الحق إلى ما هم فيه من النفاق والضلال؟
وإذا قيل لهؤلاء المنافقين: أقبلوا تائبين معتذرين عمَّا بدر منكم من سيِّئ القول وسفه الحديث، يستغفر لكم رسول الله ويسأل الله لكم المغفرة والعفو عن ذنوبكم، أمالوا رؤوسهم وحركوها استهزاءً واستكبارًا، وأبصرتهم -أيها الرسول- يعرضون عنك، وهم مستكبرون عن الامتثال لما طُلِب إليهم.
سواء على هؤلاء المنافقين أطلبت لهم المغفرة من الله -أيها الرسول- أم لم تطلب لهم، إن الله لن يصفح عن ذنوبهم أبدًا ; لإصرارهم على الفسق ورسوخهم في الكفر. إن الله لا يوفِّق للإيمان القوم الكافرين به، الخارجين عن طاعته.
هؤلاء المنافقون هم الذين يقولون لأهل «المدينة» : لا تنفقوا على أصحاب رسول الله من المهاجرين حتى يتفرقوا عنه. ولله وحده خزائن السموات والأرض وما فيهما من أرزاق، يعطيها من يشاء ويمنعها عمَّن يشاء، ولكن المنافقين لا يفهمون أن الرزق من عند الله؛ لجهلهم به سبحانه وتعالى.
يقول هؤلاء المنافقون: لئن عُدْنا إلى «المدينة» ليخرجنَّ فريقنا الأعزُّ منها فريق المؤمنين الأذل، ولله تعالى العزة ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين بالله ورسوله لا لغيرهم، ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك؛ لفرط جهلهم.
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تَشْغَلْكم أموالكم ولا أولادكم عن عبادة الله وطاعته، ومن تشغَله أمواله وأولاده عن ذلك، فأولئك هم المغبونون حظوظهم من كرامة الله ورحمته.
وأنفقوا -أيها المؤمنون- بالله ورسوله بعض ما أعطيناكم في طرق الخير، مبادرين بذلك من قبل أن يجيء أحدكم الموت، ويرى دلائله وعلاماته، فيقول نادمًا: ربِّ هلا أمهلتني، وأجَّلت موتي إلى وقت قصير، فأتصدق من مالي، وأكن من الصالحين الأتقياء.
ولن يؤخر الله نفسًا إذا جاء وقت موتها، وانقضى عمرها، والله سبحانه خبير بالذي تعملونه من خير وشر، وسيجازيكم على ذلك.
ينزِّه الله عما لا يليق به كل ما في السموات وما في الأرض، له سبحانه التصرف المطلق في كل شيء، وله الثناء الحسن الجميل، وهو على كل شيء قدير.
الله هو الذي أوجدكم من العدم، فبعضكم جاحد لألوهيته، وبعضكم مصدِّق به عامل بشرعه، وهو سبحانه بصير بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها، وسيجازيكم بها.
خلق الله السموات والأرض بالحكمة البالغة، وخلقكم في أحسن صورة، إليه المرجع يوم القيامة، فيجازي كلا بعمله.
يعلم سبحانه وتعالى كل ما في السموات والأرض، ويعلم ما تخفونه -أيها الناس- فيما بينكم وما تظهرونه. والله عليم بما تضمره الصدور وما تخفيه النفوس.
ألم يأتكم -أيها المشركون- خبر الذين كفروا من الأمم الماضية قبلكم، إذ حلَّ بهم سوء عاقبة كفرهم وسوء أفعالهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب أليم موجع؟
ذلك الذي أصابهم في الدنيا، وما يصيبهم في الآخرة؛ بسبب أنهم كانت تأتيهم رسل الله بالآيات البينات والمعجزات الواضحات، فقالوا منكرين: أبشر مثلنا يرشدوننا؟ فكفروا بالله وجحدوا رسالة رسله، وأعرضوا عن الحق فلم يقبلوه. واستغنى الله، والله غني، له الغنى التام المطلق، حميد في أقواله وأفعاله وصفاته لا يبالي بهم، ولا يضره ضلالهم شيئًا.
ادَّعى الذين كفروا بالله باطلا أنهم لن يُخْرَجوا من قبورهم بعد الموت، قل لهم -أيها الرسول-: بلى وربي لتُخْرَجُنَّ من قبوركم أحياء، ثم لتُخْبَرُنَّ بالذي عملتم في الدنيا، وذلك على الله يسير هيِّن.
فآمنوا بالله ورسوله -أيها المشركون- واهتدوا بالقرآن الذي أنزله على رسوله، والله بما تفعلون خبير لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وأقوالكم، وهو مجازيكم عليها يوم القيامة.
اذكروا يوم الحشر الذي يحشر الله فيه الأولين والآخرين، ذلك اليوم الذي يظهر فيه الغُبْن والتفاوت بين الخلق، فيغبن المؤمنون الكفار والفاسقين: فأهل الإيمان يدخلون الجنة برحمة الله، وأهل الكفر يدخلون النار بعدل الله. ومن يؤمن بالله ويعمل بطاعته، يمح عنه ذنوبه، ويدخله جنات تجري من تحت قصورها الأنهار، خالدين فيها أبدًا، ذلك الخلود في الجنات هو الفوز العظيم الذي لا فوز بعده.
والذين جحدوا أن الله هو الإله الحق وكذَّبوا بدلائل ربوبيته وبراهين ألوهيته التي أرسل بها رسله، أولئك أهل النار ماكثين فيها أبدًا، وساء المرجع الذي صاروا إليه، وهو جهنم.
ما أصاب أحدًا شيءٌ من مكروه يَحُلُّ به إلا بإذن الله وقضائه وقدره. ومَن يؤمن بالله يهد قلبه للتسليم بأمره والرضا بقضائه، ويهده لأحسن الأقوال والأفعال والأحوال؛ لأن أصل الهداية للقلب، والجوارح تبع. والله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء من ذلك.
وأطيعوا الله -أيها الناس- وانقادوا إليه فيما أمر به ونهى عنه، وأطيعوا الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما بلَّغكم به عن ربه، فإن أعرضتم عن طاعة الله ورسوله، فليس على رسولنا ضرر في إعراضكم، وإنما عليه أن يبلغكم ما أرسل به بلاغًا واضح البيان.
الله وحده لا معبود بحق سواه، وعلى الله فليعتمد المؤمنون بوحدانيته في كل أمورهم.
يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، إنَّ مِن أزواجكم وأولادكم أعداء لكم يصدونكم عن سبيل الله، ويثبطونكم عن طاعته، فكونوا منهم على حذر، ولا تطيعوهم، وإن تتجاوزوا عن سيئاتهم وتعرضوا عنها، وتستروها عليهم، فإن الله غفور رحيم، يغفر لكم ذنوبكم؛ لأنه سبحانه عظيم الغفران واسع الرحمة.
ما أموالكم ولا أولادكم إلا بلاء واختبار لكم. والله عنده ثواب عظيم لمن آثر طاعته على طاعة غيره، وأدَّى حق الله في ماله.
فابذلوا -أيها المؤمنون- في تقوى الله جهدكم وطاقتكم، واسمعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم سماع تدبُّر وتفكر، وأطيعوا أوامره واجتنبوا نواهيه، وأنفقوا مما رزقكم الله يكن خيرًا لكم. ومن سَلِم من البخل ومَنْعِ الفضل من المال، فأولئك هم الظافرون بكل خير، الفائزون بكل مطلب.
إن تنفقوا أموالكم في سبيل الله بإخلاص وطيب نفس، يضاعف الله ثواب ما أنفقتم، ويغفر لكم ذنوبكم. والله شكور لأهل الإنفاق بحسن الجزاء على ما أنفقوا، حليم لا يعجل بالعقوبة على مَن عصاه.
وهو سبحانه العالم بكل ما غاب وما حضر، العزيز الذي لا يغالَب، الحكيم في أقواله وأفعاله.