المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا - الإطار النظري للبحث: - من الهدي النبوي في تربية البنات

[محمد بن يوسف عفيفي]

الفصل: ‌ثالثا - الإطار النظري للبحث:

‌ثَالِثا - الإطار النظري للبحث:

أجمع المؤرخون أَن للنَّبِي –صلى الله عليه وسلم أَربع بَنَات كُلهنَّ أدركن الْإِسْلَام، وهاجرن هن:(فَاطِمَة عليها السلام: ولدت قبل النُّبُوَّة بِخمْس سِنِين، وَزَيْنَب تزَوجهَا الْعَاصِ بن الرّبيع رضي الله عنه، ورقية وَأم كُلْثُوم تزوجهما عُثْمَان بن عَفَّان –رضي الله عنه تزوج أم كُلْثُوم بعد رقية)1.

وَفِي هَذَا يَقُول الشَّاعِر:

أولادهُ القاسمُ وهوَ يكنى

بهِ وَعبد الله هدىُ الأبنا

والطاهرُ الطّيب فاسمُ الثَّانِي

وقيلَ بلْ سواهُ أخوانِ

مَاتُوا صغَارًا لم يرواْ نبوَّة

وزينبُ فاطمةُ رقية

وأمُّ كلثومَ وكلهمْ ولدْ

خديجةٍ وبعدهمْ لهُ ولدْ

آخرا إبراهيمُ من سَرِيَّة

وتلكمُ ماريةُ الْقبْطِيَّة

وكلهمْ قدْ ماتَ فِي حَيَاته

إلاّ البتولَ فَإلَى وفاتهِ2

والْحِكْمَة من أَن النَّبِي –صلى الله عليه وسلم أَبَا للبنات –الله أعلم بهَا- ويرجعها الْبَعْض لأسباب مِنْهَا: أَن الْبِنْت فِي عُرف الْعَرَب قبل الْإِسْلَام عَار يسْتَحق الدّفن حَيا قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ

1جمال الدّين أبي الْفرج الْجَوْزِيّ، (صفة الصفوة) دَار الوعي، حلب، ط1، 1389هـ، ج1،ص148

2مُحَمَّد بن الْحَاج حسن الآلاني الْكرْدِي (رفع الخفا شرح ذَات الشفا) تَحْقِيق حمدي عبد الْمجِيد السلَفِي، وصابر مُحَمَّد سعد الله الزيباري، ج2،عَالم الْكتب. ط1،1407، ص16- 19.

ص: 393

الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} 1.

جَاءَ فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة: بِأَن الكظيم هُوَ الكئيب من الْهم، ويمسكه على هون: أَي يبْقى الْبِنْت مهانة لَا يُورثهَا وَلَا يعتني بهَا ويفضل أَوْلَاده الذُّكُور عَلَيْهَا2.

فشاء الله أَن يكون النَّبِي مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أَبَا لبنات ليَكُون الْقدْوَة للْمُؤْمِنين فِيمَا يَنْبَغِي للْبِنْت من حُقُوق ومكانة لائقة أقرها لَهَا الدّين الإسلامي الحنيف.

فأبوة الرَّسُول –صلى الله عليه وسلم لبنَاته حَدثا جَدِيدا فِي حَيَاة الْمَرْأَة، وَفِي هَذَا قَالَ عمر بن الْخطاب – رضي الله عنه –:"وَالله إِن كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّة مَا نعد للنِّسَاء أمرا حَتَّى أنزل الله فِيهِنَّ مَا أنزل وَقسم لَهُنَّ مَا قسم"3.

وَمِنْهَا أَيْضا -وَالله أعلم- (حَتَّى يكون النَّبِي –صلى الله عليه وسلم بَعيدا عَن تُهْمَة الاستنصار بِالْوَلَدِ، والاعتماد عَلَيْهِ) 4 كَمَا هِيَ عَادَة الْعَرَب فِي ذَلِك الْوَقْت. بل أَن مَا جَاءَ بِهِ من دين نُشر فِي الأَرْض لِأَنَّهُ هُوَ الْحق وَلَا حق سواهُ، وَالْحق دَائِما أظهر وَأقوى.

وَقد كَانَ الْعَرَبِيّ فِي الْجَاهِلِيَّة يترقب الْأَوْلَاد للوقوف إِلَى جَانِبه ومساندته، والدفاع عَن الْحَوْزَة وحماية الْبَيْضَة، أما الْبِنْت فَكَانَ التخوف من عارها يحملهم على كراهتها5 حَتَّى بعث الله نَبينَا مُحَمَّد –صلى الله عليه وسلم بِالدّينِ الإسلامي خَاتم الْأَدْيَان

1 سُورَة النَّحْل: آيَة 59.

2 ابْن كثير (تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم) دَار الْمعرفَة، بيروت، ط1،1406هـ، ج2،ص594

3 مُتَّفق عَلَيْهِ، أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه (8/849 مَعَ فتح الْبَارِي) كتاب التَّفْسِير بَاب تبتغي مرضاة أَزوَاجك –ح4913، وَمُسلم فِي صَحِيحه (2/1108) كتاب الطَّلَاق –ح1479.

4 بنت الشاطئ، (تراجم سيدات بَيت النُّبُوَّة) ، دَار الْكتاب الْعَرَبِيّ، بيروت، ط3، ص 487، بِتَصَرُّف، 1402هـ

5عطيه مُحَمَّد سَالم (وَصَايَا الرَّسُول صلى الله عليه وسلم مكتبة دَار التراث للنشر والتوزيع ص347، ط3،1411هـ.

ص: 394

الَّذِي ارْتَضَاهُ الله عز وجل لِعِبَادِهِ قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 1 وَقَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} 2.

فحفظ الْإِسْلَام للْبِنْت حُقُوقهَا وأنزلها الْمنزلَة اللائقة بهَا ووعد من يرعاها وَيحسن إِلَيْهَا بِالْأَجْرِ الجزيل وَجعل حسن تربيتها ورعايتها وَالنَّفقَة عَلَيْهَا سَبَب من الْأَسْبَاب الموصلة إِلَى رضوَان الله وجنته، جَاءَ فِي الحَدِيث عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله –صلى الله عليه وسلم: "من عَال جارتين حَتَّى تبلغا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة أَنا وَهُوَ كهاتين وَضم أَصَابِعه"3.

يُلَاحظ فِي هَذَا الحَدِيث أَن النَّبِي –صلى الله عليه وسلم ضم أَصَابِعه، وَلم يفرق بَينهمَا كِنَايَة عَن شدَّة قرب من عَال جارتين من الرَّسُول –صلى الله عليه وسلم فِي الْجنَّة. وَفِي الحَدِيث الآخر عَن عَائِشَة –رضي الله عنها – قَالَت:"دخلت علىّ امْرَأَة وَمَعَهَا ابنتان لَهَا تسْأَل، فَلم تَجِد عِنْدِي شَيْئا غير تَمْرَة وَاحِدَة، فأعطيتها إِيَّاهَا فقسمتها بَين ابنتيها وَلم تَأْكُل مِنْهَا، ثمَّ قَامَت فَخرجت، فَدخل النَّبِي –صلى الله عليه وسلم علينا، فَأَخْبَرته فَقَالَ: "من ابْتُلِيَ من هَذِه الْبَنَات بِشَيْء فَأحْسن إلَيْهِنَّ كن لَهُ سترا م ن النَّار" 4

أَي حِجَابا ووقاية من النَّار.

أيُّ فضل أعظم من هَذَا الْفضل؟

وأيُّ أجر أعظم من هَذَا الْأجر؟.

1سُورَة آل عمرَان: آيَة 85

2سُورَة الْمَائِدَة: آيَة 3

3أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه (4/2028) كتاب الْبر والصلة والآداب –ح2631

4 مُتَّفق عَلَيْهِ، أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه (10/522 مَعَ فتح الْبَارِي) كتاب الْأَدَب، بَاب رَحْمَة الْوَلَد وَتَقْبِيله ومعانقته –ح5995، وَمُسلم فِي صَحِيحه (4/2027) كتاب الْبر والصلة والآداب –ح2629.

ص: 395