المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌علوم البلاغة والنقد الأدبى - من بلاغة القرآن

[أحمد أحمد بدوي]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌المقدمة

- ‌الكتاب الأول

- ‌مقدّمات تمهيدية:

- ‌العمل الأدبى

- ‌مجال الأدب بين مظاهر الشعور

- ‌علوم البلاغة والنقد الأدبى

- ‌القراءة الأدبية

- ‌المنهج الأدبى في القرآن

- ‌إعجاز القرآن

- ‌الفصل الأول ألفاظ القرآن

- ‌البلاغة والنظم:

- ‌تخير اللفظ

- ‌الفاصلة

- ‌الغريب

- ‌المعرب

- ‌ الزائد

- ‌الفصل الثانى الآية القرآنية

- ‌تكونها:

- ‌التقديم والتأخير

- ‌الذكر والحذف

- ‌التنكير والتعريف

- ‌الإفراد والتذكير وفروعهما

- ‌التوكيد والتكرير

- ‌القصر

- ‌الاستفهام

- ‌الأمر والنهى

- ‌التمنى والترجى

- ‌النداء

- ‌القسم

- ‌الفصل والوصل

- ‌بدائع القرآن

- ‌التشبيه في القرآن

- ‌«كذلك» فى القرآن الكريم

- ‌التصوير بالاستعارة

- ‌مجازات القرآن

- ‌الكناية والتعريض

- ‌الفصل الثالث السورة

- ‌الفصل الرابع أسلوب القرآن

- ‌الكتاب الثانى

- ‌الفصل الأول المعانى القرآنية

- ‌الله

- ‌محمد

- ‌ القرآن

- ‌يوم القيامة

- ‌الجنة

- ‌النار

- ‌الجهاد

- ‌المعارك الحربية

- ‌الإنسان المثالى

- ‌الحياة الدنيا

- ‌عبادة الأوثان

- ‌العقائد والعبادات

- ‌الأحكام

- ‌مظاهر الطبيعة

- ‌المدح

- ‌الهجاء

- ‌العتاب

- ‌مصرفى القرآن

- ‌القصة في القرآن

- ‌الجدل

- ‌الابتهال

- ‌بعض صور الحياة الجاهلية

- ‌الفصل الثانى موازنات

- ‌خاتمة

- ‌مراجع البحث

الفصل: ‌علوم البلاغة والنقد الأدبى

إذا بلغ الرأى المشورة فاستعن

برأى نصيح، أو نصيحة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة

فإن الخوافى قوة للقوادم

ومنهم من لم ير فيها جمالا، كعبد الملك بن صالح، حين قال:

«ما استشرت أحدا إلا تكبر علىّ وتصاغرت له، ودخلته العزة، ودخلتنى الذلة، فعليك بالاستبداد، فإن صاحبه جليل في العيون، مهيب في الصدور، وإذا افتقرت إلى العقول، حقرتك العيون، فتضعضع شأنك، ورجفت بك أركانك، واستحقرك الصغير، واستخف بك الكبير، وما عز سلطان لم يغنه عقله عن عقول وزرائه وآراء نصحائه» . وكلا القطعتين من الأدب.

أما التعبير الإباحى، فليس من الأدب ولا الفن الجميل، لأننا نعنى بالإثارة تلك الإثارة الوجدانية الروحية الخالصة، أما إثارة الغريزة الجنسية فليست من عمل الأدب، ومثل هذا اللون من القول، مثل الصور الخليعة الماجنة، لا يعدان من الفنون الرفيعة.

‌علوم البلاغة والنقد الأدبى

اصطلح الباحثون على عد علوم البلاغة ثلاثة: المعانى والبيان والبديع، يريدون بعلم المعانى ذلك العلم الذى يبحث في أسرار تركيب الجملة، والمعانى التى تفهم من تكوينها على نحو مخصوص، وذلك ما عناه عبد القاهر بمعانى النحو (1)، أى معانى نهج العرب في تكوينهم الجملة، ولذلك وقف بحث هذا العلم عند تأمل الفروق بين الجملة الاسمية والفعلية، وتدبر أحوال المسند والمسند إليه، ومتعلقات الفعل، من ذكر، وحذف، وتقديم، وتأخير، وإيثار معرفة على أخرى، أو صيغة من صيغ الفعل على غيرها، إلى ما سوى ذلك من بحث أسرار الجمال فى نظم الجملة العربية.

أما علم البيان، فموضوعه ذلك التصوير، الذى يهب الفكرة وضوحا وقوة فيزيد تأثيرها في نفس المخاطب، أو القارئ، بالالتجاء إلى الخيال المصور، ومن أجل هذا كان موضوع درسه التشبيه، والاستعارة، والكناية، والمجاز، وهى صور توحى بالتجربة الشعورية أتم إيحاء.

ويتناول علم البديع تلك المحسنات المعنوية حينا، واللفظية حينا آخر، مما يزيد في جمال اللفظ وقوة تأثيره، ووضوح المعنى.

(1) راجع ص 63 - 96 من كتاب دلائل الإعجاز.

ص: 21

ولقد باعد بين هذه العلوم وبين ما كان يرجى لها من نهوض، أن كتب دراستها قد امتزجت بدراسات فلسفية، نأت بها عن تقدير الفن الأدبى، وآلت الكتابة فيها إلى عبارات موجزة مركزة، يسودها الغموض، وتحتاج إلى الشروح والحواشى، واعتمد مؤلفوها على أمثلة تطبيقية، بعيدة عن روح الفن، ولا أثر للبلاغة فيها. هذا فضلا عن الحاجة إلى مراجعة ما قرره العلماء من قبل، ووضعوه كأنه قواعد ثابتة، فهو في حاجة إلى التصحيح والتقويم من جديد، لخطئه في بعض الأحيان.

ولا أريد أن أطيل في بيان ما عليه علوم البلاغة الحالية، من قصور، وجفاف، مما يحتاج إلى جهود متضافرة في دأب، لإنقاذ هذه العلوم، والأخذ بيدها، حتى تعود دراستها فنية أدبية، فتقوم بدورها في إمداد النقد بالقواعد الصالحة، التى تدرس أسباب الجمال المودع في الجملة، وليس الشعور بالنقص في علوم البلاغة حديثا، بل قد شعر القدماء أنفسهم به، فقالوا إنها علوم لم تنضج بعد.

أما صلة هذه العلوم بالنقد الأدبى، فهى من علوم الأدب الاثنى عشر، التى تحدث عنها القدماء، ومن الخير أن نتبسط قليلا في الحديث عن هذه العلوم، لنرى مدى اعتماد النقد الأدبى عليها.

فمن تلك العلوم ما يعود إلى دراسة الكلمة المنفردة حينا، من حيث مادتها، وهو ما دعوه علم اللغة، وحينا من حيث انتساب بعض الكلمات إلى بعض بالأصلية والفرعية، وسموا ذلك علم الاشتقاق، وحينا آخر من حيث صورة الكلمة وهيئتها مما يدرس في علم الصرف.

ومن تلك العلوم ما يعود إلى الجملة، من حيث أداؤها للمعنى الأصلى، ويعنى بذلك علم النحو، أو من حيث إنها تفيد بنظمها معانى أخرى غير منطوق بها، كالمعانى التى تستفيدها من تقديم الكلمة حينا، أو تعريفها حينا، إلى غير ذلك مما يبحث عنه علم المعانى، أو من حيث إن الجملة تؤدى معناها بطريق الحقيقة، أو مستعينة بالخيال، وهو ما يبحث عنه علم البيان، ويلحقون بهذين العلمين علم البديع، الذى يعمد إلى التأثير في النفس، من حيث الصناعة اللفظية أو المعنوية.

ومن تلك العلوم ما يعود إلى الشعر، فيبحث فيه من حيث وزنه، وذلك علم العروض، أو من حيث قوافيه، وما يعتورها من الصحة والسقم، وهو علم القوافى.

كل هذه العلوم التى ذكرناها تدرس المفرد، أو الجملة والجملتين، أما النظر

ص: 22

إلى النص النثرى برمته، وإلى القصيدة كلها، فقد وضع له الأقدمون علمين هما علم الشعر، وعلم النثر.

وقل من كتب من العلماء في هذين العلمين. ولعلنا نستطيع أن ندخل في علم النثر دراسة الأساليب وألوانها، وما يجب أن يكون هناك من صلة بين الأسلوب والموضوع، وندخل فيه كذلك دراسة خصائص كل فن من فنونه، فندرس المقالة، والقصة، والرواية، والرسالة، والخطبة، مبينين ميزة كل لون من هذه الألوان، لا من الناحية اللفظية فحسب، ولكن من الناحية المعنوية كذلك، فنرسم منهج كل نوع في تناول معانيه.

ونستطيع أن ندخل في علم الشعر تنوع بحوره، ومناسبة كل بحر لعاطفة خاصة، وموضوع خاص، وندخل فيه أيضا حديثا عن القافية ووحدتها أو تعددها، وأثرها الموسيقى، وحديثا عن ألوان الشعر، من عاطفى، وروائى، وقصصى، وما يمتاز به كل لون من خصائص وسمات، مع العناية التامة بناحية المعانى وطرق تناولها، كما ندرس كذلك معنى العاطفة وأنواعها، وألوان الخيال، وقيمة الحقائق في النصوص الأدبية. وقد ألم القدماء ببعض هذه النواحى ولكنهم لم يوفوها حقها من البحث والتحليل.

ولم ينس القدماء أن الأدب يعتمد على المعرفة، وأن الأديب محتاج إلى أن يلم بخلاصة وافية لمختلف الثقافات، فذكروا من بين علوم الأدب، علم المحاضرات، يريدون ما

يعبرون عنه، بأن على الأديب أن يأخذ من كل فن بطرف، وهذه المعارف هى التى يتكئ عليها الأديب في تصوير شعوره بالجمال أو بالقبح، ولذا ترى الأديب في حاجة إلى علم النفس، والتاريخ، والاجتماع، مثلا عند ما يضع رواية تمثيلية، يحلل فيها نفوس الشخصيات، أو يصف عصرا من عصور التاريخ، أو يتناول مشكلة من مشاكل الاجتماع، وهو محتاج إلى تلك العلوم وغيرها، عند ما يضع قصة، أو أقصوصة، أو عند ما يضمن إنتاجه حقيقة من حقائق الحياة.

وهنا يجدر بنا أن نبين أن الشاعر أو الكاتب، قد يوحى إليه شعوره تفسيرا لمظهر من مظاهر الكون يخالف تفسير العلم له، فيوزن الأديب حينئذ بمقدار طبيعة هذا الشعور وصدقه، لا بمقدار ما فيه من الحقائق. خذ مثلا لذلك قول شوقى يناجى النيل:

من أى عهد في القرى تتدفق

وبأى كف في المدائن تغدق؟!

ومن السماء نزلت، أم فجرت من

عليا الجنان جداولا تترقرق؟!

ص: 23

فالحقيقة الجغرافية لمنابع النيل معروفة، ولكن عظمة النيل وجلال ما له من أياد، حتى لكأنه يفيض سلسبيلا من عليا الجنان، أوحيا إلى شوقى بهذا التساؤل الشعرى البارع.

تلك هى علوم الأدب، أما الأدب نفسه: شعره ونثره، ففن من الفنون الجميلة، وهو لذلك ينبع من الموهبة، ويفيض من الفطرة، ثم تسدده هذه العلوم وتهدى خطاه، وإن نظرة إلى تلك العلوم نفسها، تجعلنا نؤمن بأن الناقد حين ينقد، فى حاجة إلى تلك العلوم نفسها، عند تقدير النص الأدبى وتقويمه، ومن أجل هذا صح لنا القول بأن تلك علوم الأدب: إنتاجا ونقدا، فالناقد، فضلا عن حاجته إلى العلوم اللغوية، فى حاجة- كالأديب- إلى الإلمام بمختلف الثقافات، حتى يستطيع أن يحكم على النص حكما صادقا خالصا.

أما النقد نفسه فكالأدب، فن من الفنون، يعتمد على الموهبة والفطرة، ويتكئ على ما قدمنا من العلوم، لبيان وجه جمال الجميل، وقبح القبيح.

وقد طال الحديث عن صلة النقد بالذوق، حتى لقد قيل إن النقد يعتمد على الذوق وحده، وهذا صحيح إلى حد كبير، فهذا الذوق هو الملكة الموهوبة، التى يستطاع بها تقدير الأدب الإنشائى، وإننا إذا تدبرنا حقيقة الأمر، رأينا أن كل تعليل بلاغى، هو تفسير لهذا الذوق السليم، وتعليل عقلى له، فليس تعليلك لجمال النص بأن فيه إيجازا، أو إطنابا، أو حذفا، أو تقديما، سوى تفسير عقلى لذوقك الذى أحس بجمال النص.

وإذا كانت الملكات في النفوس كالبذور، تحتاج إلى التربة الصالحة، والغذاء والماء فكذلك ملكة الأدب ونقده، فى حاجة إلى الرى، والغذاء، وذلك إنما يكون بدراسة ما أسلفناه من علوم، وبالتملؤ من الأدب القوى، وبالقراءة الأدبية الفاحصة، والمران على تقويم النصوص، والبحث عن أسرار جمالها، ومناحى لونها، وبذلك يقوّم الذوق ويستقيم حكمه.

غير أن هذه التربة الصالحة التى يجب أن يغتذى الذوق منها، تحتاج إلى جهد جهيد، وتضافر قوى الباحثين والدارسين، حتى تصبح صالحة، لإنتاج أبرك الثمرات، ذلك أن من علوم النقد ما تم نضجه، فلم يعد في حاجة لغير تنظيمه، حتى يصبح الانتفاع به ميسورا كعلم النحو، والصرف، والعروض، والقافية، ومنها ما لم ينضج بعد، بل هو في حاجة إلى معاودة النظرة، لتخليصه مما علق به مما ليس منه، ولتصحيح أخطاء مضى عليها الزمن، حتى استقرت صحتها في

ص: 24

الأذهان، وهى غير صحيحة، وتلك هى علوم البلاغة، التى اختلطت بمسائل فلسفية، وملئت كتبها بأبحاث لفظية، ومناقشات جدلية، باعدت بينها، وبين أداء رسالتها، أداء كاملا غير منقوص، وحسبى أن أشير إلى شروح التلخيص وحواشيه، التى تضل البلاغة في ثناياها وشعبها، فلا تهتدى إليها، وحسبى كذلك أن أشير إلى ما في باب التشبيه، من أخطاء في القواعد الموضوعة، من وقوفهم عند حد الحس في التشبيه، وجعلهم البعيد الغريب في التشبيه أبلغ أنواعه، إلى غير ذلك من أحكام تحتاج إلى مراجعة النظر، للوصول فيها إلى حكم صحيح.

ومن تلك العلوم ما لم يدرس إلى اليوم، سوى أشتات مبعثرة، ونعنى بذلك علمى الشعر والنثر، وقد أبنّاهما فيما مضى، فلا عجب إذا أن نرى النقد الأدبى متعثرا في خطاه إلى اليوم، فإننا لم نهيئ له التربة الصالحة لنموه وإثماره، وإذا أردنا أن ينهض النقد ليؤدى رسالته، فلنهذب علومه، ولنضع ما نقص منها، جاعلين هدفنا من ذلك كله تربية ذوق صالح سليم.

***

ص: 25