الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
إن من اللوازم المتعينة على الداعية تحديد ما يدعو إليه وكذا استخدامه الوسيلة (1) التي يوصل من خلالها إلى المدعو دعوته؛ إذ لا يتصور البتة الدعوة بدون وسيلة قال شيخ الإسلام ابن تيمية " إن الداعي الذي يدعو غيره إلى أمر، لا بد فيما يدعو إليه من أمرين:
أحدهما: المقصود والمراد.
والثاني:الوسيلة والطريق الموصل إلى المقصود:
فلهذا يذكر الدعوة تارة إلى الله وتارة إلى سبيله، فإنه سبحانه هو المعبود المراد المقصود بالدعوة ". (2)
والداعية إلى الله مطالب عقلا وشرعا باستخدام الوسيلة الشرعية المناسبة التي يوصل دعوته إلى المدعوين عن طريقها وبخاصة إذا علم الداعية أن الدين قسمان:
1-
عبادات يصلح بها أمر الآخرة والأصل فيها التوقيف في جنسها، وصفتها، وعددها وسببها ووقتها
…
ودليلها قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} . (3)
(1) الوسيلة: قال الجوهري: الوسيلة ما يتقرب به إلى الغير، والجمع الوُسُل والوسائل.. «الصحاح مادة (وسل) 5 / 1841، قال ابن كثير:» الوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصي المقصود «تفسير القرآن العظيم 2 / 55.
(2)
الفتاوى 15 / 162.
(3)
سورة الشورى آية 21.
2-
عادات: أو معاملات يصلح بها أمر الدنيا، والأصل فيها الحل والإذن مثل العقود، والشروط، والوسائل.. ودليلها قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} . (1)
وبناء على هذا فمن ادعى عبادة فعليه الدليل، ومن منع عادة أو معاملة فعليه الدليل أيضا، ولعل ما مثّل به شيخ الإسلام يتوافق مع ما ذكر إذ قال: " ولو سئل العالم عمن يعدوا بين جبلين: هل يباح له ذلك قال: نعم. فإذا قيل: إنه على وجه العبادة كما يسعى بين الصفا والمروة قال: إن فعله على هذا الوجه حرام منكر، يستتاب فاعله، فإن تاب وإلا قُتل.
ولو سئل: عن كشف الرأس، ولبس الإزار، والرداء، أفتى بأن هذا جائز، فإذا قيل: إنه يفعله على وجه الإحرام. كما يحرم الحاج.قال: إن هذا حرام منكر
…
(2) .
" والخلاصة أن مقصود الدعوة الإسلامية هداية الناس وتحقيق المصالح لهم، فكل وسيلة عادية تؤدي إلى هذا المقصود، وتحققه دون أن يعارضها نهي شرعي فإنها تكون في دائرة المشروعية والاعتبار.. . (3)
(1) سورة يونس آية 59.
(2)
مجموع الفتاوى 11 / 632.
(3)
قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية للدكتور مصطفى بن كرامة الله مخدوم. ص 343
فإذا كان المعنى العام للوسائل هو ما يتحصل به المقصود خيرا كان أو شرا فإن المعنى الخاص - وهو ما نعنيه في هذا المقام - هو ما يتوصل به الداعية إلى الله إلى دعوة المدعوين، ومن هنا جاءت الأهمية إذ الوسائل ليست حكرا على أحد دون أحد فالأمر في هذا مشاع، ولهذا نلحظ أن أعداء الأمة وهم يسعون إلى إفساد الأمة المسلمة، أو إلى إبعاد غير المسلمين عن الإسلام إما بدخولهم فيما يدعون إليه، أو ببقائهم على ما هم عليه. نجد أنهم يسلكون مسائل شتى من أجل تحقيق أو الوصول إلى مقصدهم وأذكر مثالا واحدا على وسيلة من وسائل هؤلاء، هذه الوسيلة عند النصارى وهي وسيلة تأليف الأذهان من خلال أسماء المحلات أو الأسماء الشخصية، كالأسماء التي يسمى بها بعض الناس أبناءهم ذكورا أو إناثا، فالاسم الأجنبي الذي تجده في ذلك الشارع قد تجده بنفس الاسم في تلك البلاد الكافرة وكذلك مسألة التسمية بأسماء الكفار وبخاصة تسمية البنات مما يجعل هذا الاسم مألوفا عند المسلمين مع أنه من الأسماء الخاصة بغيرهم فيصعب معه التمييز بمجرد الاسم (1) ومع قولنا إن الوسائل مشاعة إلا أن عندهم الغاية تبرر الوسيلة وعندنا الوسائل لها حكم الغايات أو المقاصد.
(1) ينظر، التنصير مفهومه وأهدافه وسبل مواجهته لمعالي الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملة.
واختيار الوسيلة المناسبة سبب في تحقيق المقصود، ولذلك يلحظ أن من الأفكار ما كتب لها الانتشار بسبب الوسائل المستخدمة لنشرها ولو كانت في حقيقتها باطلة، وبينما نجد أن هناك دعاة في بعض الأماكن قد يصيب دعوتهم فتور، أو ضعف مع قابلية الإسلام للانتشار لموافقته للزمان، والمكان، والفطر التي فطر الله الناس عليها، إلا أن الانتشار في ذلك يكون قليلا، ولو أرجعت السبب لوجدت أن سوء استخدام الوسائل له دور في ذلك.
وانطلاقا من القاعدة الشرعية: الوسائل لها أحكام المقاصد فلا بد من معرفة ضوابط الوسائل التي تصونها مع مستخدمها من الخلل والاضطراب فهاهنا ضابطان لا بد من مراعاتهما وهما:
أولا: الإذن بمعنى أن تكون مأذونا بها سواء إذن تنصيص أي جاءت منصوصا عليها أو بدخولها تحت قاعدة عامة كالمباح وهو أحد الأحكام الخمسة التكليفية الشرعية، ولا يكون المباح حراما بمجرد أن ينوي به الإنسان النية الصالحة مع التفريق بين النية الصالحة العامة ونية التقرب والتعبد المحضة.
ثانيا: المصلحة ويشمل ذلك مناسبة المقام، واختيار الوسيلة ورجحان المصلحة على المفسدة، مما يحتاج معه على إمعان نظر وسلامة قلب.
وبعد بيان الأهمية والضوابط الشرعية للوسائل الدعوية التي هي في حقيقتها أوعية للأساليب الدعوية أيضا