الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة بين يدي البحث أحمد الله تبارك وتعالى حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى. وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحابته الطَّيبين، ومن اهتدى بهديهم وسار على نهجهم إِلى يوم الدين.
أما بعد:
فلما لمنبر الجمعة من أهمية عظمى في حياة كل مسلم، كانت الأعناق تشرئبُّ، والأنظار تتعلق، والأسماع تصغي لما يقوله الخطيب في كل جمعة، رجاءَ أن تحصِّل في تلك الفريضة زادًا إِيمانيا يجدِّد في نفوس أصحابها العزيمة على الرُّشد، والغنيمة من كل برّ، والسلامة من كل إِثم، وما يحقق لها الفوز بالجنَّة والنجاة من النار بإِذن الله عز وجل. وتتأكد أهمية هذا
المنبر في أنه مقام شريف يبيِّن الخطيب من فوقه للناس الحلال والحرام، ويوضّح العبادات والأحكام. ومن هنا تعظم مسئوليته في إِجادة اختيار موضوع الخطبة، وإحسان إِعدادها وترتيب عناصرها، وجمال إِلقائها، ومعايشتها لمشكلات الساعة، إِلى جانب الهيئة الحسنة التي ينبغي للخطيب أن يظهر بها أمام الناس.
وممَّا يزيد من هيبة الوقوف على منبر الجمعة أنه يجتمع بين يدي الخطيب يوم الجمعة فئات من الناس متعددي الثقافات، ففيهم العالم، وطالب العلم، والتاجر، والطبيب، والمهندس وغيرهم ممَّن سينظر إِليه بمنظاره الخاص، ويزنه ويحكم له أو عليه.
ومن أجل ذلك فإِن الخطيب الموفَّق هو الذي يحسب لكل كلمة يتلفظ بها أو حركة يتحركها ألف حساب، فتجده دائم الحذر والمراقبة لكل ما سيصدر عنه. وفي كل مرَّة يحاول أن يتجنب الخطأ الذي بدر منه في خطبة سابقة، ويسعى إِلى الجديد والتنوع في طرائق خطبته،
وأساليب صياغتها وإِلقائها ممَّا يضاعف من مسئوليته في أداء هذه الرسالة السامية على الوجه الصحيح أمام الله عز وجل ثمَّ أمام إِخوانه المسلمين.
ومن كانت هذه أحواله فلا غرو أن يكون الشيب قد ملأ رأسه قبل أوانه ولعلَّنا نتذكَّر مقولة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان رحمه الله حينما سئل عن غلبة الشيب على رأسه قبل أوانه - وكان خطيبًا مفوَّها وعالما فقيها - فقيل له: " عجِلَ بك الشيب فقال: وكيف لا، وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة "(1) .
وبعد:
فإِنه ليسرني غاية السرور، ويثلج صدري أن أقدم للقارئ الكريم هذا البحث الموجز الذي ضمَّنته ملاحظاتي واقتراحاتي، وخلاصة خبرتي المتواضعة في
(1) سير أعلام النبلاء، تصنيف الإِمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومأمون الصاغرجي، مؤًسسة الرسالة بيروت ط2 سنة 1402 هـ ج 4 - ص 248.