الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الثالث أخطاء ينبغي تجنبها على منبر الجمعة]
الفصل الثالث
أخطاء ينبغي تجنبها على منبر الجمعة أولا: الإطالة في الخطبة يحصل في كثير من الأحيان من بعض الخطباء إِطالة خطب الجمعة حتى يملَّها السامعون ويتضجروا منها ومن ثمَّ فلا تحصل لهم الفائدة المرجوَّة، وهذا عمل مخالف لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه قال:«إِنَّ طول صلاة الرجل، وقصَر خطبته مَئِنةٌ (1) من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا اَلخطبة، وإِنَّ من البيان لسحْرا» (2) ولا يعارض هذا الحديث حديث: «كانت صَلاته قصدا وخطبته قصدا» (3) لأن المراد بالحديث الأول أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة إِلى الخطبة لكنه ليس تطويلا يشقُّ على المأمومين، كما أنها حينئذٍ قصدٌ أي معتدلة والخطبة
(1) مئنة: أي علامة من فقهه.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عمار رضي الله عنه في كتاب الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
كذلك.
فيا ليت أولئك الخطباء الذين يطيلون على المصلين في خطب الجمعة يأخذون بهذه السنَّة النبوية ولا يطيلون على المأمومين فإِنهم يعلمون أن فيهم الشيخ الطاعن في السنّ والمريض الذي لا يستطيع أن يحتفظ بوضوئه وقتا طويلا، وفيهم صاحب الحاجة، وفيهم الضعيف، وفيهم الشابّ الفتيّ الذي يُطمَع في تأليف قلبه للطاعة والعبادة.
ثانيا: تقليد الخطباء المشهورين ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الخطباء، وبخاصة من الشباب المبتدئين في مجال الخطابة الميل إِلى تقليد مشاهير الخطباء المعاصرين تقليدا يذوبون فيه عن ذواتهم ليتقَمّصوا أولئك الخطباء المشهورين في زمانهم.
فتجد الواحد منهم حريصا على أن يأتي بكل ما يعرفه عن الخطيب الذي يقلده من أفكار وعبارات
وحركات وأحوال وأوضاع فتأتي خطبته قليلة النفع، ضعيفة التأثير، لأنها لم تنبع من مجال تفكيره، ولم تصدر عاطفتها ومعانيها من أعماق نفسه.
وأحيانا نرى هذا النوع من الخطباء يبدأ خطبته بتقليد ذلك الخطيب المشهور بألفاظه ولهجته، ثم يكمل الخطبة بألفاظه هو وأفكاره التي تختلف اختلافا جذريا مع خطبة الخطيب المشهور، فيلاحظ المصلون البون الشاسع بين الطريقتين في الإِلقاء، وهذا الاتجاه ينبئ عن عدم أصالة في الخطيب المقلد ولا شك مستقلة، والخطابة لها أسلوبها الخْاص وأفكارها الخاصة.
ولا شك أن الخطيب الذي تتفجر معاني الخطبة من قلبه، وتنساب أفكارها من قريحته، وتتأجّج بها عاطفته يكون أعظم أثرا في نفوس المستمعين إِليه، وأقدر على تحقيق الفائدة لهم.
ثالثا: التقريع وفظاظة القول وممَّا يحز في النفس أن تجد خطيبا يجتمع الناس
بين يديه في الجمعة راغبين غير راهبين ولا مجبرين وهو مع ذلك يقرِّعهم ويوبخهم وكأنه قد خلا ممَّا حذَّرهم منه وربما وجد بينهم من هو أتقى منه وأخشى لله عز وجل، وهذا الأسلوب مخالف لهدي القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فالواجب على كل من يتصدر لخطبة الجمعة أن يتَّبع منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والكلام الليِّن الذي يتألف القلوب والأسماع وأن يتجنَّب التقريع وفظاظة القول، فإِن ذلك سبيل العاجز الذي لا يحسن الإِقناع ولا القول الصائب والأدب الرفيع، مَّما يؤدي به إِلى نفور الناس عن سماعه والإِصغاء إِلى قوله.
فلا بُدّ لكل خطيب جمعة أن يكون رائده في الإِرشاد والتذكير قول الله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] وقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]
فإِن اللين بالموعظة، والتلطف بالخطاب يجعل الخطيب قريبا من قلوب سامعيه، ويمنحه القدرة على أن ينفذ خطابه إِلى أعماق ذواتهم، ويؤثر في نفوسهم. وذلك هو ما أوصى به الله سبحانه أنبياءه ورسوله - عليهم الصلاة والسلام - عند تبليغهم رسالاته، وإرشادهم الناس إِلى الحق. كقوله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام:{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى - فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43 - 44]
ونجد أن نبي الهدى صلى الله عليه وسلم حين وجَّه كتابه إِلى فوصف هرقل النصراني ملك الروم قال في مطلعه: «من محمد رسول الله إِلى هرقل عظيم الروم» (1) .
فوصف هرقل بالعظيم وهو مشرك انطلاقا من الحكمة والموعظة الحسنة التي أمره الله سبحانه بها، ثم تجلَتْ
(1) أخرجه البخاري في بدء الوحي بطوله برقم 7، وأخرجه مسلم في المغازي برقم 1773، وانظر مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، جمع محمد حميد الله، دار النفائس، بيروت ط 5، سنة 1405هـ - 1985م، ص 109.
حقيقة ساطعة في جميع وصاياه ورسائله وخطبه عليه السلام.
وإذا وجد الخطيب نفسه مضطرا إِلى الإِنكار على فئة من الناس، فليس من حقّه أن يوجد التقرٍيع إِلى أناس معيَّنين، بل يعمِّم في هذا الأمر، توخيا لعدم إِثارة الفتنة، وهذا ما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أوكل على أحد من الناس مخالفة من المخالفات، ومن ذلك قوله:«ما بال أقوام يتنَزّهون عن الشيء أصنعه؟ ! فوالله إِني لأعلمهم بالله وأشدّهم خشية» (1) .
وأختم هذه الوقفة بالإِشارة إِلى أنه يجب على الخطيب إذا أراد أن ينبّه على مخالفة شرعية شائعة أن لا يوبِّخ الناس بأسلوب يستفزّ مشاعرهم، ويؤذي كرامتهم.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأدب. باب من لم يواجه الناس بالعتاب في برقم 6101، وأخرجه مرة أخرى في الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يُكْره من التعمق والتنازع والغلوّ في الدين والبدع برقم 7301، وأخرجه مسلم في الفضائل. باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله تعالى وشدة خشيته برقم 2356.
فمثل هذا الأسلوب لا يتفق مع أدب الخطاب، وحسن الحديث، بل هو ضرب من سوء الأدب وعدم احترام المنبر، وهجوم سافر يتنافى مع طبيعة الوعظ وخصال الإِرشاد.
الحق أن الإنسان غير معصوم من الزلل عدا أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، والوقوع في الذنب من طبع البشر، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك في قوله:«لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم أتى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم» (1) وإذا اتضح هذا فإنه ينبغي على كل خطيب أن يحسن تناول موضوع خطبته بالأسلوب الحسن ، والحكمة، فالشأن مع العاصي والمخطئ ليس تفسيقه وتكفيره، بل في دعوته إِلى التوبة، وبيان وجه الخطأ الذي وقع فيه. " وهذا كله شاهد على أن التيسير والتسامح في الإِسلام أصل أصيل وسمة بارزة، وما دخول الناس
(1) رواه مسلم في صحيحه في كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فيه أفواجا بدون سائق من سيف إلا من نتاج هذه السماحة " (1) .
رابعا: اللحن في الخطبة واستعمال اللهجة العامية ومن الأمور التي تؤخذ على بعض الخطباء وقوعهم في الأخطاء النحوية، وهذا يدل على ضعف في الحصيلة اللغوية ، واعوجاج في الألسنة لا بد من تقويمه، بل هو عيب مستهجن عند العلماء وطلاب العلم.
والعلاج لهذا الأمر أن يقبل من ابتلى به على تعلم اللغة العربية نحوها وصرفها وسائر علومها حتى لا يقع في الأخطاء التي تعرضه لكثير من الانتقاد ، والنفور منه ومن خطبته ومطلوب منه أيضا أن يعود نفسه على أن يتكلم باللغة العربية، ويحرص على مراعاة قواعد اللغة العربية كتابة ونطقا.
(1) انظر الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة، تأليف عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1 سنة 1412هـ. 1992م ص 48.
وبعض الخطباء قد ينسى نفسه ويخاطب المصلين باللهجة العامية، وهذا عيب يؤدي إِلى صعوبة الاستيعاب عند السامعين، وبخاصة إِذا جهلوا لهجة الخطيب.
فالأولى أن يلقي الخطيب خطبته بلغة عربية سهلة ليست فيها غرابة ولا توعُّر في الألفاظ، ولا تعقيد في المعاني حتى يصل أسلوبه إِلى أذهان السامعين بكل يسر وسهولة.
خامسا: التفصيلات الفقهية وممَّا يُعَاب على بعض الخطباء خوضهم أثناء الخطبة في تفصيلات فقهية وتفريعات وخلافات بين أصحاب المذاهب ممَّا يوقع المستمعين في اللَبْس والغموض. ومعروف أنَّ مثل هذه الأمور يكون مجالها في قاعات الدرس ومدرَّجات الجامعة وليس في خطبة جمعة يحضرها نزر يسير من طلبة العلم بينما أكثرهم من عامّة الناس الذين لم يتعمقوا في البحث عنها.