المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: بيان مشروعية الدفاع عن العقيدة - منهج السلف في الدفاع عن العقيدة

[عبد المجيد بن محمد الوعلان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌موضوع البحث:

- ‌مشكلة البحث:

- ‌حدود البحث:

- ‌مصطلحات البحث:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌أهداف البحث:

- ‌أسئلة البحث:

- ‌منهج البحث وإجراءاته:

- ‌خطة البحث

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف المنهج لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثاني: تعريف السلف لغة واصطلاحا

- ‌المبحث الثالث: بيان أهمية معرفة منهج السلف في الدفاع عن العقيدة:

- ‌الفصل الأول: بيان مشروعية الدفاع عن العقيدة

- ‌الفصل الثاني: أسباب دفاع السلف عن العقيدة

- ‌أولاً: حفظ الدين وبيان كمال هذه الشريعة:

- ‌ثانياً: كشف شبهات المبطلين واستبانة سبيل المجرمين:

- ‌ثالثاً: خطورة انتشار العقائد الباطلة على المجتمع المسلم:

- ‌رابعاً: جواب السؤال والحاجة إلى البيان:

- ‌خامساً: ظهور أو انتشار بدعة أو مخالفة معينة بين المسلمين:

- ‌الفصل الثالث: منهج السلف في الدفاع عن العقيدة

- ‌المبحث الأول: خصائص وسمات منهج السلف في الدفاع عن العقيدة:

- ‌أولاً: الاستدلال بالكتاب والسنة:

- ‌ثانياً: الأخذ بفهم الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان:

- ‌ثالثاً: الاستدلال بالأدلة العقلية والفطرة:

- ‌رابعاً: رد الأفكار والتأويلات الباطلة:

- ‌خامساً: تقدير المصلحة والمفسدة في الرد:

- ‌سادساً: ترك الجدال والمراء والخصومة في الدين:

- ‌سابعاً: ذم البدع والأهواء:

- ‌ثامناً: الأهلية والاستقامة:

- ‌المبحث الثاني: المنهج العلمي للسلف في الدفاع عن العقيدة:

- ‌أولاً: العمل بالمحكم والإيمان بالمتشابه:

- ‌ثانياً: تقديم النقل على العقل، وعدم معارضة النصوص بالأقيسة العقلية وغيرها:

- ‌ثالثا: الاستدلال باللغة:

- ‌رابعاً: التركيز في الدفاع عن العقيدة على نفس المعتقد بغض النظر عن القائل، وقد يذكرونه أحياناً:

- ‌خامساً: الالتزام بالمصطلحات الشرعية:

- ‌1 - التأكد من صحة نسبة المصطلح ومعناه:

- ‌2 - اتباع المنقول من المصطلحات:

- ‌3 - فهم المصطلحات:

- ‌4 - الاستفسار والاستفصال عند الإجمال:

- ‌5 - مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم:

- ‌سادساً: وضوح الأسلوب وحسن الصياغة:

- ‌سابعاً: توثيق الكلام المردود عليه من كتبهم والتثبت من ذلك:

- ‌المبحث الثالث: المنهج الأخلاقي عند السلف في الدفاع عن العقيدة:

- ‌أولاً: العدل والإنصاف

- ‌ثانياً: سلامة الصدر:

- ‌ثالثاً: التواضع:

- ‌رابعاً: إحسان الظن بالمخالف:

- ‌خامساً: الرحمة:

- ‌الخاتمة

- ‌المراجع

الفصل: ‌الفصل الأول: بيان مشروعية الدفاع عن العقيدة

‌الفصل الأول: بيان مشروعية الدفاع عن العقيدة

إن الدفاع عن العقيدة من أهم المهمات فهو نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو في مكة:{الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: الآية 52]، فهو جهاد بالحجة والبيان. وقال صلى الله عليه وسلم:" جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم"

(1)

.

وسأنقل في هذا الفصل من كلام أهل العلم ما يبين مشروعية الدفاع عن العقيدة، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى عصرنا هذا.

قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: "فهذه أبحاث، من ضنائن العلم، وغواليه، لأنها تحمل إعلان الصوت الإسلامي عالياً، والقلم له راقماً، بإظهار شعار من شعائر علماء الأمة الإسلامية، وبيان وظيفة من وظائفهم الملية، وتقرير أصول من أصولها التعبدية هو: " مشروعية الرد على كل مخالف بمخالفته، وأخذه بذنبه، وإدانته بجريرته، "ولا يجني جانٍ إلا على نفسه".

كل هذا "لحراسة الدين" وحمايته من العاديات عليه، وعلى أهله، من خلال هذه "الوظيفة الجهادية" التي دأبها: الحنين إلى الدين، والرحمة بالإنسانية، لتعيش تحت مظلته: تكف العدوان، وتصد المعتدين، وتُقيم سوق الأمر بالمعروف، ورأسه "التوحيد"، والنهي عن المنكر وأصله "الشرك".

وتُقيمُ: طول الإسلام، وقوته، وظهوره، على الدين كله ولو كره المشركون، وتحطم الأهواء ولو كره المبتدعون، والفجور ولو كره الفاسقون، والجور ولو كره الظالمون.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -رحمه الله تعالى- في بيان منزلة هذه الوظيفة: " فالمرصدون للعلم، عليهم للأمة حفظ الدين، وتبليغه، فإذا لم يبلغوهم علم الدين، أو ضيعوا حفظه، كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين، ولهذا قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]. فإن ضرر كتمانهم تعدى إلى البهائم وغيرها، فلعنهم اللاعنون حتى البهائم"

(2)

.

(1)

سنن أبي داود: كتاب الجهاد، باب: كراهية ترك الغزو، رقم (2504).

(2)

مجموع الفتاوى: 6/ 347.

ص: 9

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في موقف أهل السنة من دفع البدعة: " واشتد نكير السلف والأئمة لها، وصاحوا بأهلها، من أقطار الأرض وحذروا فتنتهم أشد التحذير، وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش، والظلم، والعدوان، إذ مضرة البدع، وهدمها للدين، ومنافاتها له أشد"

(1)

.

والمراد بهذه الأبحاث، حمل النفوس، على إعمال هذه السنة الماضية، في حياة المسلمين الجهادية الدفاعية، عن حرمات الإسلام، وأنها من حقوق الله التعبدية، من جنس الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لاسيما والحاجة إليها ملحة في هذه الأزمنة.

ألا إن النفير خفافاً وثقالاً، لنثل السهام من كنانة الحق للرد على هؤلاء - أي أصحاب الدعوات الباطلة- وأمثالهم، ونقض شبههم، وكشف فتونهم، وتعريتهم، هو من حق الله على عباده، وحق المسلمين على علمائهم، في رد كل مخالف ومخالفته، ومضل وضلالته، ومخطئ وخطئه، وزلة عالم وشذوذه، حتى لا تتداعى الأهواء على المسلمين تعثوا فساداً في فطرهم، وتقصم وحدتهم، وتؤول بدينهم إلى دين مبدل، وشرع محرف، وركام من النحل والأهواء.

وهذا سير على أصل الاعتقاد، ووصل لحياة السلف الجهادية الدفاعية، واتصال بها، باللسانين: القلم واللسان، في تاريخهم الحافل الطويل.

وقد بلغ جهد المصلحين الجهادي في هذا مبلغاً عظيماً فلابسوا الحياة علماً وعملاً، ومحصوا الحقائق، وحصحص الحق على أيديهم، بمواقف لا تتخذ من دون الله ولا رسوله وليجة.

وهم في هذا الخط الدفاعي، بردم كل مخالفة للدين من داخل الصف أو خارجه، ينطلقون من الأصل العقدي المعلوم في سلم المسلمات من أصول الإسلام "مشروعية الرد على المخالف"، في كل خصومة ملدة لهذا الدين من أهل الملل الكافرة، والأهواء الضالة، والبدع الزائفة، لهتك أستارهم، وكسر شوكتهم، وكف بأسهم، وأهوائهم، وبدعهم، وضلالاتهم عن المسلمين

وما زال هذا الأصل العقدي جارياً في حياة الأمة، يقوم به من شاء الله من علمائها، يؤدون به الواجب عن أنفسهم، وإخوانهم في الدين، فهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم.

"والمقصود أن هذه الأمة - ولله الحمد- لم يزل فيها من يتفطن لما في كلام أهل الباطل من الباطل ويرده، وهم لما هداهم الله به، يتوافقون في قبول الحق، ورد الباطل رأياً ورواية من غير تشاعر، ولا تواطؤ"

(2)

.

ومن استقرأ الوحيين الشريفين رأى في موقف الأنبياء مع أممهم، والمصلحين مع أهليهم، مواقف الحجاج والمجادلة، والرد على كل ضلالة ومخالفة، وهكذا ورثتهم من بعدهم على تطاول القرون.

(1)

مدارج السالكين، لابن القيم: 1/ 372، وانظر: زاد المعاد: 3/ 495، فقه غزوة الطائف.

(2)

مجموع الفتاوى: 9/ 233.

ص: 10

وهذه المواقف أدلة عملية على المشروعية، بجانب الأدلة القولية فإلى بيانها وسيقاها:

1: في القرآن الكريم:

بين الله سبحانه في الآيات [36 - 39] من سورة النحل وظائف الرسل في دعوتهم، فيقول تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} إلى قوله سبحانه: {(38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} ،

فبيان الخلاف بإظهار الحق من الباطل مقصد عظيم من مقاصد بعثة الرسل، لتزول عن الأمة غشاوة الخلاف الطائش، والاختلاف الجائر.

ولهذا نجد مجموعة وافرة من الآيات في الجدل والمحاجة، وإقامة الحجة والبرهان، لإقامة الدين وظهوره وحراسته. قال الله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125]، وقال تعالى:{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)} [البقرة: 111].

قال أبو إسحاق الجويني -رحمه الله تعالى- بعد سياق بعض النصوص، ومنها هاتان الآيتان:" وهذه الألفاظ عموم في التوحيد والشريعة، وهي أيضاً سيرة الرسل عليهم السلام مع أممهم، وسيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم وسيرة علماء الصحابة رضي الله عنهم بعده، ومن بعدهم من التابعين وأتباعهم، إلى يومنا هذا، وعليه عادة العقلاء في أديانهم، ومعاملاتهم ومعاشراتهم"

(1)

.

2: في السنة النبوية:

في نصوصها: قولاً، وفعلاً، وتقريراً، في عامة أبواب التوحيد، والشريعة، ترى وقائع كثيرة، يرد بها النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس حقاً: وكان في فاتحتها ذاك الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين: " اعدل"، فقال له صلى الله عليه وسلم راداً عليه مخالفته المنكرة:" فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر"

(2)

.

وتعتبر هذه أول شبهة وقعت في الملة الإسلامية.

(1)

الكافية في الجدل، لإمام الحرمين الجويني:23.

(2)

صحيح البخاري: كتاب فرض الخمس باب: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس، رقم (3150).

ص: 11

ورد صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون رضى الله عنه التبتل

(1)

.

ورد صلى الله عليه وسلم على من حرم بعض المطاعم، والمناكح

(2)

.

وحاج صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران عندما سألوه ما تقول في عيسى عليه السلام: " ما عندي فيه شيء يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى عليه السلام فأصبح، وقد أنزل الله في عيسى عليه السلام:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} [آل عمران: 59 - 61]

(3)

.

وفي استنباط فوائدها، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-:" ومنها جواز مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم، بل استحباب ذلك بل وجوبه، إذا ظهرت مصلحته من إسلام من يرجى إسلامه منهم، وإقامة الحجة عليهم، ولا يهرب من مجادلتهم إلا عاجز عن إقامة الحجة فليول ذلك إلى أهله، وليخل بين المطي وحاديها، والقوس وباريها"

(4)

.

3: وفي طبقة الصحابة رضي الله عنهم

(5)

:

حملوا هذه الروح الجهادية الدفاعية، بما اقتضه الشريعة: قولاً وفعلاً، وتقريراً في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فقاموا بواجب هذه الحمالة لهذا الأصل العقدي خير قيام، من رد البدع، والأهواء المضلة، والدفع في نحورها وأعجازها، لإبطالها ووأدها، من أول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج".

ثم ذكر الشيخ بكر رحمه الله: طبقة التابعين ومن بعدهم، ثم قال

(6)

: " فالرد على أهل البدع والأهواء: باب شريف من أبواب الجهاد عظيم وكيف لا يكونون كذلك، وهم في مواقع الحراسة، وأفضل الجهاد.

(1)

صحيح البخاري: كتاب النكاح، باب: ما يكره من التبتل والخصاء، رقم (5073).

(2)

صحيح مسلم: كتاب النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، رقم (1401).

(3)

تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 1/ 375.

(4)

زاد المعاد: 3/ 42.

(5)

انظر: مجموع الفتاوى: 3/ 182، 230، 279.

(6)

الرد على المخالف من أصول الإسلام: 40.

ص: 12

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -رحمه الله تعالى: " فالراد على أهل البدع مجاهد، حتى كان يحيى بن يحيى، يقول: الذب عن السنة أفضل من الجهاد"

(1)

.

وفي بيان قدر هذه المنزلة الجهادية بالقلم واللسان يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -رحمه الله تعالى -: " وإذا كان النصح واجباً في المصالح الدينية الخاصة والعامة، مثل، نقلة الحديث الذي يغلطون أو يكذبون، كما قال يحيى بن سعيد: سألت مالكاً، والثوري، والليث بن سعد -أظنه- والأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو يحفظ؟ فقالوا: بين أمره. وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: إنه يثقل علي أن أقول فلان كذا، وفلان كذا. فقال: إذا سكت أنت، وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟ !

ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل"

(2)

.

هذا مجمل تاريخي استدلالي على تثبيت هذا الأصل العقدي، ردع البدع، والمخالفات، والأهواء، ومقارعة أهلها، وكشفهم، ومعرفتهم بأعيانهم، وإبطال بدعهم خوفاً من عاديتهم على أهل السنة، ونصحاً لهم بل لله، ولرسوله ودينه وأئمة المسلمين، وعامتهم.

فاتضح من هذا عقلاً وشرعاً أن: " من حق الله على عباده رد الطاعنين على كتابه ورسوله، ودينه، ومجاهدتهم بالحجة والبيان، والسيف والسنان، والقلب والجنان، وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان"

(3)

.

فالرد على المخالف أصل من أصول الدين، بل هو مقتضى شهادة التوحيد التي قال الله تعالى عنها:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)} [البقرة: 256]، ولذا تضمنت الدعوة إلى الله غايتين، لا تصح الدعوة إلا بهما، وهما ركناها: الركن الأول: تقرير الدين والعقيدة والشريعة، وتعلمها والعمل بها ونشرها، الركن الثاني: حماية الدين والعقيدة والشريعة، والدفاع عنها، وبيان ما يخالفها، وكل ذلك من منهج القرآن الكريم، وعليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأئمة السلف رحمهم الله"

(4)

.

(1)

المرجع السابق: 4/ 13.

(2)

المرجع السابق: 12/ 464.

(3)

هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، لابن القيم:232. وانظر: الرد على المخالف من أصول الإسلام، للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد: 7 - 47، باختصار.

(4)

مقدمات في الأهواء والافتراق والبدع، للشيخ ناصر العقل: 1/ 7.

ص: 13

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " متى سكت أهل الحق عن بيان أخطاء المخطئين، وأغلاط الغالطين، لم يحصل منهم ما أمرهم الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعلوم ما يترتب على ذلك من إثم الساكت عن إنكار المنكر، وبقاء الغالط على غلطه، والمخالف للحق على خطئه، وذلك خلاف ما شرعه الله من النصيحة والتعاون على الخير"

(1)

.

والمعروف المشتهر أن أئمة الدعوة النجدية عرفوا بكثرة ردودهم على مخالفي الكتاب والسنة وهم من جدد الدعوة السلفية في هذه البلاد المباركة وعلى رأسهم الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، والشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، والشيخ سليمان بن سمحان، والشيخ محمد بن إبراهيم رحم الله الجميع

(2)

. وهذا إنما كان لسيرهم على منهج السلف الصالح في هذه المسألة وغيرها من أصول الإسلام ومبانيه العظام.

ولا يزال هذا منهجهم إلى هذا العصر، فمنهم الشيخ عبدالعزيز بن باز في مجموع مقالات وفتاوى متنوعة، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ صالح الفوزان في كتاب البيان لأخطاء بعض الكتاب، والشيخ بكر أبو زيد في كتاب الردود، وغيرها كثير.

وكلام السلف رحمهم الله في بيان مشروعية وجوب الدفاع عن العقيدة أكثر من أن يحصى، وهو مبثوث في كتب العقائد، بل ولهم في ذلك مصنفات خاصة في نقض البدع بأصولها، بل وفي الرد على أهل البدع بأعيانهم، رحمهم الله ورضي عنهم.

(1)

مجموع مقالات وفتاوى متنوعة، للشيخ عبدالعزيز بن باز: 3/ 68.

(2)

انظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية، ففيه من الردود الشيء الكثير، الجزء الحادي عشر والثاني عشر والذي عنوانهما: مختصرات الردود.

ص: 14