الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الإمام ابن القيم - بعد أن ذكر كلام أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه: " .. وهذا من كمال عمر رضى الله عنه، فإنه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها، وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه من الجاهلية، فإنها منسوبة إلى الجهل، وكل ما خالف الرسول فهو من الجهل، فمن لم يعرف سبيل المجرمين ولم تستبن له أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين، كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة في باب الاعتقاد والعلم والعمل، هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم في سبيل المؤمنين، ودعا إليها، وكفر من خالفها، واستحل منه ما حرمه الله ورسوله، كما وقع لأكثر أهل البدع من الجهمية والقدرية والخوارج والروافض وأشباههم، ممن ابتدع بدعة ودعا إليها وكفر من خالفها"
(1)
.
وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في مقدمة شرحه للقصيدة التائية في حل المشكلة القدرية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن في الرد على المخالف كشفاً لشبهاته وشكوكه، فقال:" وهذا النظم قد أتى فيه الشيخ بالعجب العجاب، وبين الحق الصريح، وكشف الشكوك والشبهات، التي طالما خالطت قلوب أذكياء العلماء، وحيرت كثير من أهل العلم الفضلاء"
(2)
.
ثالثاً: خطورة انتشار العقائد الباطلة على المجتمع المسلم:
فإن انتشار العقائد الباطلة يؤدي إلى التفرق والاختلاف، وتترب عليه الآثار السيئة على الأمة في جميع أمورها العقدية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها؛ ولذلك حرص السلف رحمهم الله على رد تلك العقائد الباطلة لجمع كلمة المسلمين وردهم لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في مقال له بعنوان: "كيف نحارب الغزو الثقافي الغربي والشرقي"، قال:" إن أخطر ما تواجهه المجتمعات الإسلامية في الوقت الحاضر هو ما يسمى بالغزو الثقافي بأسلحته المتنوعة، من كتب وإذاعات وصحف ومجلات وغير ذلك من الأسلحة الأخرى"
(3)
.
ومن تلك الآثار التي تترتب على انتشار العقائد الباطلة هو الاختلاف والفرقة المذمومة، فالبدعة طريق سالك إلى الفرقة والاختلاف المذمومين، وقد ثبت ذم هذا الاختلاف في نصوص كثيرة منها قوله تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران: 105]، قال السيوطي رحمه الله:" أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنما هلك من كان قبلكم بالمراء والخصومات في دين الله"
(4)
.
(1)
الفوائد: 257 - 258.
(2)
الدرة البهية شرح العقيدة التائية في حل المشكلة القدرية، للشيخ عبد الرحمن السعدي:11.
(3)
مجلة البحوث الإسلامية، العدد 17 ص 7، والعدد 40 ص 139.
(4)
الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي: 2/ 62.
ومنها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:" وكانوا شيعاً: أي فرقاً كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات فإن الله تعالى قد برأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مما هم فيه"
(1)
.
ومن أخطر آثارها أنه إذا تأصلت مثل هذه المحدثات واتخذها بعض المنتسبين إلى الإسلام معقداً للولاء والبراء فضلوا بذلك عن جادة الحق، حدث الشرخ بين هذه الجماعة وبين جماعة الإسلام الأصيلة المتمسكة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن الآثار كذلك موت السنة وضياعها: فأنه لا تظهر بدعة إلا بموت سنة، ولا تظهر سنة إلا بذبول بدعة تعارضها، فعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" ما يأتي على الناس عام إلا احدثوا فيه بدعة وأماتوا سنة حتى تحيا البدع وتموت السنن"
(2)
.
ومن الآثار كذلك: التفرق والتشرذم والخروج عن الجماعة: قال الله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65]، قال مجاهد:{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} "الأهواء المفترقة"
(3)
.
ومن الآثار كذلك: استحلال السيف في رقاب المسلمين واستباحة الأعراض والأموال المحرمة: فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"
(4)
، فلا يستغرب لمن انتحل البدعة وخالف السنة أن تكون أولى ثمار بدعته هذه استحلال السيف في رقاب أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما حدث من الخوارج.
قال أيوب السختياني رحمه الله وكان يسمى أصحاب البدع خوارج، ويقول:" إن الخوارج اختلفوا في الاسم واجتمعوا على السيف"
(5)
.
إلى غير ذلك من الآثار التي تبين خطورة انتشار العقائد الباطلة على المجتمع المسلم.
(1)
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 2/ 204.
(2)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم، لأبي القاسم هبة الله الحسن اللالكائي: 1/ 92.
(3)
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لابن جرير الطبري: 7/ 256.
(4)
صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا ترجعوا بعدي كفارا"، رقم (7077).
(5)
الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي: 1/ 65.