المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثانيفي متشابه شعره بشعر غيرهمن قديم ومحدث، وعربي ومولد، في الفظ والمعنى،على حسب طاقتي في الإملاء، وقد أخل من ذلك بشيء كثير - موائد الحيس في فوائد القيس

[الطوفي]

فهرس الكتاب

- ‌القَوْلُ في المُقَدِّمَةِ:

- ‌البَابُ الأَوَّلُفي مُتَشَابِهِ كَلَامِهِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ في القَلِيلِ وَالكَثِيْرِ

- ‌البَابُ الثَّانِيفي مُتَشابِهِ شِعْرِهِ بِشِعْرِ غَيْرِهِمِنْ قَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ، وَعَرَبِيٍّ وَمُولّدٍ، في الّفْظِ وَالْمَعْنَى،عَلى حَسَبِ طَاقَتِي فِي الإِملاءِ، وَقَد أُخِلُّ مِنْ ذلِكَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ

- ‌وفائِدَةُ هذا البَابِ شَبِيْهَةٌ بِفَائِدَةِ ما قَبْلَهُ. ولَنْخَتِمْهُ بِضابِطٍ في تَحْقِيْقِ التَّلَقِّي والتَّناولِ

- ‌البَابُ الثَّالِثُفي سَبَبِ اشْتِباهِ كلامِهِ بَعْضِهِ بِبعضٍ

- ‌أَحَدُهُما: اتِّحادُ مَوْضوعِ كلَامِهِ، أَعْنِي مَقْصودَهُ في شِعْرِهِ

- ‌والثَّانِي: تَفَنُّنهُ في البَيَانِ، وقُدْرَتُهُ على الكَلَامِ

- ‌البَابُ الرَّابِعُمحاسِنُ تشبيهاتِهِ واستعاراتِهِ وأمثالِهِ ونَحْوِهِ

- ‌البَابُ الخَامِسُفِي فَوَائِدَ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ كَشْفِ مُشْكِلٍ وَغَيْرِهِ

الفصل: ‌الباب الثانيفي متشابه شعره بشعر غيرهمن قديم ومحدث، وعربي ومولد، في الفظ والمعنى،على حسب طاقتي في الإملاء، وقد أخل من ذلك بشيء كثير

‌البَابُ الثَّانِي

في مُتَشابِهِ شِعْرِهِ بِشِعْرِ غَيْرِهِ

مِنْ قَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ، وَعَرَبِيٍّ وَمُولّدٍ، في الّفْظِ وَالْمَعْنَى،

عَلى حَسَبِ طَاقَتِي فِي الإِملاءِ، وَقَد أُخِلُّ مِنْ ذلِكَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ

فَمِنْ ذلكَ قَوْلُهُ:

وقُوفاً بها صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ

يَقولونَ: لا تَهْلِكْ أَسًى وتَجَمَّلِ

هو كَقَولِ طَرَفَةَ:

وقُوفاً بها صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ

يَقولونَ: لا تَهْلِكْ أسًى وَتَجَلَّدِ

لَيْسَ بَيْنَهُما إِلَّا حَرْفانِ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

وإِنَّ شِفَائي عَبْرَةٌ مُهْراقَةٌ

فَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ؟ !

ص: 216

أَمَّا الشَّطْرُ الأَوَّلُ فَمْعَناهُ الاسْتِشْفَاءُ بالبُكاءِ مِنَ الحُزْنِ، وهو كَثِيْرٌ في كَلامِ النَّاسِ، وشَبِيْهٌ بهِ قَوْلُ أبي تَمَّامٍ:

فَلَعَلَ عَيْنَكَ أَنْ تَجُودَ بمائِها

والدَّمْعُ مِنْهُ حاذِرٌ ومُوَاسِ

أَيْ: يُواسِيْكَ بِنَفْسِهِ حَتَّى تَسْتَشْفِيَ به.

وأَمَّا الشَّطْرُ الثاني، ففي مَعْنَاهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:

ص: 217

وقَفْنَا فَقُلْنَا: إِيِهِ عَنْ أُمِّ سالِم

وما بَالُ تَكْلِيْمِ الدِّيارِ البَلاقِعِ

وهو أَيْضاً كَثِيْرٌ.

ومن ذلكَ قَوْلُهُ:

إذا قامَتَا تَضَوَّعَ المِسْكُ منهما

البيت

في مَعْنَاهُ قول الأَعْشَى:

إذا تَقومُ يَضوعُ المِسْكُ آوِنَةً

والمَنْدَلُ الرَّطبُ مِنْ أَرْدانِها شَمِلُ

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

أصاحِ ترَىَ برَقْاً أُريكَ وَمِيْضَهُ

كَلَمْعِ اليَدَيْنِ في حَبِيٍّ مُكَلَّلِ

هو شَبِيْهٌ بِقَوْلِ الأَعْشَى:

أَمْ هَلْ تَرَى عارِضاً قَدْ بِتُّ أَرْمُقُهُ

كَأَنَّما البَرْقُ في حافاتِهِ الشُّعَلُ

ص: 218

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْباً ويابِسَاً

لَدَى وَكْرِها العُنَّابُ والحَشَفُ البَالِي

هو في تَشْبِيهِ شَيْئَيْنِ بِشَيْئَيْنِ مَعَ اللَّفِ والنَّشْرِ والتَّرْتِيْبِ. شَبِيْهٌ بِهِ قَوْلُ بَشَّارٍ:

كَأَنَّ مُثَارَ النَّقعِ فَوْقَ رُؤُوسِنا

وأَسيَافَنَا لَيْلٌ تَهَاوَى كَوَاكِبُه

يُحْكى عَنْ بَشَّارٍ أَنَّه قَالَ: ما زِلْتُ اسْتَعْظِمُ بَيْتَ امرِئِ القَيْسِ، يَعْني هذا، حَتَّى قُلْتُ مِثْلَهُ، يَعْنِي بَيْتَهُ هذا.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

وما المَرْءُ ما دامَتْ حُشَاشَةُ نَفْسِهِ

بِمُدْرِكِ أَطرافِ الخُطُوبِ ولا آلِ

ص: 219

هو كَقَوْلِ الآخَرِ:

تَموتُ مَعَ المرءِ حاجاتُهُ

وتَبْقى لَهُ حَاجَةٌ ما بَقِي

وقَوْلِهِ:

وحاجةُ مَنْ عاشَ لا تَنْقَضِي

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

مُتَوَسِّداً عَضْبَاً مضارِبُهُ

في مَتْنِهِ كَمَدَبَّةِ النَّمْلِ

شَبِيْهٌ بهِ قَوْلُ ابنُ دُرَيْدٍ:

ص: 220

وصاحِبايَ صَارِمٌ في مَتْنِهِ

مِثْلَ مَدَبِّ النَّمْلِ يَعْلُو في الرُّبى

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

اللهُ أَنْجَحُ ما طَلَبْتُ بِهِ

والبِرُّ خَيْرُ حَقِيْبَةِ الرَّحْلِ

شَطْرُهُ الأَوَّلُ شَبِيْهٌ بِقَوْلِهِ عز وجل: {فالله خير حافظاً} [يوسف: 64]، وشَطْرُهُ الآخَرُ شَبِيْهٌ بهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

الخَيْرُ أَبْقَى وإنْ طَالَ الزَّمانُ بهِ

والشَّرُّ أَخْبَثُ ما أَوْعَيْتَ مِنْ زادِ

ص: 221

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

ومِنَ الطَّرِيْقَةِ جائِرٌ وهدًى

قَصْدُ السَّبِيْلِ وَمِنْهُ ذو دَخْلِ

هو شَبِيْهٌ بقولِهِ عز وجل: {وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر} [النحل: 9]، وهذا وَإِن لَمْ يَكُنْ مما عُقِدَ له البَابُ، لكن لا بَأْسَ مِنَ التَّنْبِيْهِ عَلَيْهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

إِنِّي لأَصْرِمُ مَنْ يُصارِمُنِي

وأُجِدُّ وَصْلَ مَنِ ابْتَغَى وَصْلي

شَبِيْهٌ بِقَوْلِ البَحْرانِيِّ:

لا أَشربُ الماءَ ما لم يَصْفُ مورِدُهُ

ولا أقولُ لِمُعْوَجِّ الوِصَالِ صِلِ

ص: 222

وقَوْلِ لَبِيْدٍ:

تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إذا لم أَرْضَها

أو يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفوسِ حِمامُها

وقَوْلِ ابنِ دُرَيْدٍ:

طَعْمِيَ شَرِيٌّ للْعَدوِّ تارةً

والأَرْيُ بالرَّاحِ لِمَن وُدِّي ابْتَغَى

وهو مُقْتَضَبٌ مِنْ قَوْلِ ابنِ أُخْتِ تَأَبَّطَ شراً يَرْثي خَالَهُ:

ولَهُ طَعْمانِ: أَرْيٌ وشَرْيٌ

وكلا الطَّعْمَيْنِ قَدْ ذاقَ كُلُّ

وهذا المَعْنَى كَثيرٌ مُسْتَطْرَفٌ.

ص: 223

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

وخَلَائِقِي ما قَدْ عَلِمْتِ وما

نَبَحْتُ كِلابُكِ طارقاً مِثْلي

هو شَبِيْهٌ بِقَوْلِ عَنْتَرَةَ:

وإذا صَحَوْتُ فما أُقَصِّر عَنْ نَدىً

وكَمَا عَلِمْتِ شَمَائِلِي وتَكَرُّمي

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

حَتَّى تَرَكْنَاهُم لَدَى مَعْرَكٍ

أَرْجُلُهُمْ كالخَشَبِ الشَّائِلِ

هو شَبِيْهٌ بِقَوْلِ المُرَقِّشْ يَصِفُ القَتْلَى:

ص: 224

وآخَرَ شَاصٍ تَرَى رِجْلَهُ

كَجِلْدِ القَتَادةِ غِبِّ المَطَرْ

أي: مرتفعاً مُتَجافِياً:

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

خَلَّتْ لِيَ الخَمْرُ وكُنْتُ امرءَاً

عَنْ شُرْبِها في شُغُلٍ شاغِلِ

هو شَبِيْهٌ بِقَوْلِ ابنِ أُخْتِ تأَبَّط شَرّاً:

حَلَّتِ الخَمْرُ وكانَتْ حَرَاما

وبِلْأيٍ ما أَلَمَّتْ تَحِلُّ

فاسْقِنِيْها يا سَوادَةَ بنَ عَمْرٍو

إِنَّ جِسْمي بَعْدَ خالِي لَخَلُّ

ومَعْنَى ذلكَ أَنَّهم كانوا إذا كانَ لهم ثَأْرٌ، حَرَّموا الخَمْرَ على أَنْفُسِهم حَتَّى يُدْرِكُوه، وإِلى ذلكَ أَشَارَ الفَرَزدقُ بِقَوْلِهِ:

ص: 225

غَداةَ أَحَلَّتْ لابنِ أَصْرَمَ طَعْنَةٌ

عُمَيْرٍ عَبِيْطَاتِ السَّدائِفِ والخَمْرُ

وهو مِنَ المَقْلُوبِ إِعْراباً؛ لِأَنَّ الطَّعْنَةَ يَجِبُ رَفْعُها، ونَصْبُ العَبِيْطاتِ والخَمْرِ؛ لِأَنَّهما مَحَلَّانِ مَفْعولانِ، ولكِنَّ المَعْنَى مَفْهومٌ، فَقَلَبَ لِأَجْلِ القَافِيَةِ، ومِنَ المَقْلُوبِ قَوْلُ ........

ص: 226

الرَّاجِزِ:

ومَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أَرْجَاؤُهُ

كَأَنَّ لَوْنَ أَرضِهِ سَماؤُهُ

أيْ: كَأَنَّ لَونَ سَمَائِهِ أَرْضُهُ، وقَوْلِهِمْ: أَدْخَلْتُ الخَاتَمَ في

ص: 227

إِصْبَعِي، وإِصْبَعي في الخَاتَمِ، وعَرَضْتُ الحَوْضَ على النَّاقَةِ، والنَّاقَةَ على الحَوْضِ، وزَعَمَ بَعْضُهُم أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عز وجل:{خلق الإنسان من عجل} [الأنبياء: 37] خُلِقَ العَجَلُ من الإِنْسانِ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

بَرَهْرَهَةٌ رَخْصَةٌ رُؤْدةٌ

كَخُرعُوبَة البَانَةِ المُنْفَطرْ

أَمَّا لَفْظُ «بَرَهْرَهة» ففي قَوْلِ الشَّاعِرِ:

بَرَهْرَهَةٌ يَصِرُّ الأَيْرُ فيها

صَرِيْرَ الخُفِّ ضَاقَ بِهَ الرِّكابا

ص: 228

أَمَّا لَفْظُ «خُرْعُوبَة» ففي قَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ:

بانوا بِخُرْعوبَةٍ لها كَفَلٌ

يَكادُ عِنْدَ القيامِ يُقْعِدُها

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

فَتورُ القِيامِ، قَطِيْعُ الكَلَا

مِ، تَفْتَرُّ عَنْ ذي غُروبٍ خَصِرْ

ص: 229

شَبِيْهٌ تَشْطِيْرُهُ الأَخِيْرُ بقَوْلِ الشَّاعِرِ:

يَفْتَرُّ عَنْ لُؤْلُؤٍ رَطْبٍ وعَنْ بَرَدِ

وعَنْ أَقَاحٍ وعَنْ طَلْعٍ وعَنْ حَبَبِ

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

مِنَ القاصِراتِ الطَّرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ

مِنَ الذَّرِّ فوقَ الإِتْبِ مِنْها لأَثَّرا

شَبِيْهٌ بِقَوْلِ حَسَّانِ بنِ ثَابِتٍ:

ص: 230

لَوْ يَدُبُّ الحَوْلِيُّ مِنْ وَلَدِ الذَ

ذرِّ عَلَيْها لأَندَبَتْها الكُلُومُ

والمَعْنَى وَاحِدٌ. وَلَعَلَّ حَسَّانَ تَنَاوَلَهُ مِنِ امْرِئِ القَيْسِ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

تُطَايِرُ شُذَّانَ الحَصَى عَنْ مَنَاسِمٍ

صِلابِ العُجَى، مَلْثُومُها غَيْرُ أَمْعَرا

هو شَبِيْهٌ بِقَوْلِ الشَّتْفَرى:

إذا الأمعزُ الصُّوَّان لاقَى مَناسِمي

تَطَايَرَ مِنْهُ قادِحٌ ومُفَلَّلُ

ص: 231

غَيْرَ أَنَّ هذِهِ صِفَةُ إِنسَانٍ، والأَوَّلُ صِفَةُ نَاقَةٍ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

عليها فَتًى لم تَحْمِلِ الأَرْضُ مِثْلَهُ

أَبَرَّ بِمِيْثَاقٍ وَأَوْفَى وأَصْبَرا

يَعْنِي: ثِقَةً، هو شَبِيْهٌ بِقَوْلِ حَسَّانَ:

وما حَمَلَتْ من ناقَةٍ فَوْقَ ظَهْرِها

أَبَرَّ وأَوْفَى ذِمَّةً من مُحَمَّدِ

وهو أَصْدَقُ مِنِ امْرِئِ القَيْسِ في هذا.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

ألا إنما ذا الدَّهْرُ يَوْمٌ ولَيْلَةٌ

وَلَيْسَ على شَيْءٍ قَوِيْمٍ بِمُسْتَمِرّ

شَطْرُهُ الأَوُّلُ شَبِيْهٌ بِقَوْلِ الهُذَلِيِّ:

ص: 232

هَلِ الدَّهْرُ إلَّا ليلةٌ ونَهَارُها

وإِلَّا طُلُوعُ الشَّمْسِ ثُمَّ غِيارُها

وشَطْرُهُ الثَّانِي شَبِيْهٌ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

والدَّهْرُ بالنَّاسِ قُلَّبُ

وقَوْلِ الآخَرِ:

وما شَيْءٌ على الحَدَثانِ باقي

وشَبِيْهٌ به أَيْضاً قَوْلُ ابنِ الهَبَّارِيَّةِ:

ص: 233

لا غَرْوَ إِنْ مَلَكَ ابنُ إس

حاقٍ وساعَدَهُ القَدَرْ

فالدَّهْرُ كالدُّولابِ لَيْ

سَ يَدُورُ إلا بالبَقَرْ

إذ دَوَرَانُه انتِقالٌ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ، وعَدَمُ استِقْرارِهِ واستِمْرارِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

إذا ذُقْتُ فَاهَا قُلْتُ: طَعْمَ مُدَامَةٍ

مُعَتَّقَةٍ مما يجيءُ بِهِ التُّجُرْ

هو شَبِيْهٌ بِقَوْلِ عَنْتَرَةَ:

وكَأَنَّ فَأَرَةَ تاجِرٍ بِقَسِيْمَةٍ

سَبَقَتْ عَوَارِضَها إليكَ مِنَ الفَمِ

ومِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

ص: 234

لَكِنْ عُوَيْرٌ وَفَى بِذِمَّتِهِ

لا عَوَرٌ عَابَهُ ولا قِصَرْ

هو شَبِيْهٌ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

أمَّا ابنُ طَوْقٍ فقد أَوْفَى بِذِمَّتِهِ

كَمَا وَفَى بِقِلاصِ النَّجْمِ حادِيْهَا

ومن ذلك قَوْلُهُ:

لَنِعْمَ الفَتى تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِهِ

طَرِيْفُ بنُ مَلٍّ لَيْلَةَ القَرّ والخَصَرْ

هو شَبِيْهٌ بِقَوْلِ الحُطَيْئَةِ:

مَتَى تأتِهِ تَعْشو إلى ضَوْءِ نارِهِ

تَجِدْ خَيْرَ نارٍ عِنْدَها خَيْرُ مُوقِدِ

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

ص: 235

ألم تَرَ أَنِّي كُلَّما جِئْتُ طارِقاً

وَجَدْتُ بها طِيْباً وإِنْ لم تَطَيَّبِ

وشَبِيْهٌ بِهِ، وأَبْلَغُ مِنْهُ، قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وتَزِيْدِيَن أَطْيَبَ الطِّبيْبِ طِيْباً

إذ تَمَسِّيهُ، أينَ مِثْلُكِ أَيْنَا؟ !

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

أَدَامَتْ على ما بَيْنَنا مِنْ نَصِيْحَةٍ

أُمَيْمَةُ أم صارَتْ لِقَوْلِ المُخَبِّبِ

وشَبِيْهٌ بِهِ قَوْلُ الآخَرِ:

ص: 236

أَبِيْني أفي يُمْنَى يَدَيْكِ ترَكْتِنِي

فَأَفْرَحَ أَمْ صَيَّرتني في شِمالِكِ؟ !

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

فإِنكَ لم يَفْخَرْ عَلَيْكَ كَفَاخِرٍ

ضَعِيْفٍ، ولم يَغْلِبْكَ مِثْلُ مُغَلَّبِ

شَبِيْهٌ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَهُنَّ شَرُّ غالِبٍ لِمَن غَلَبْ

وبِقَوْلِ الآخَر:

ص: 237

هِيَ الضِّلَعُ العَوْجَاءُ لَسْتَ تُقِيْمُها

أَلا إِنَّ تَقْوِيمَ الضُّلُوعِ انْكِسَارُها

أَتَجْمَعُ ضَعْفاً واقَتْداراً عَلَى الفَتَى

أَليسَ عجيباً ضَعْفُها واقْتِدارُها

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

تلاقَيْتُها والبُومُ يَدْعوُ بها الصَّدَى

وقد أُلْبِسَتْ أَفْرَاطُها ثِنْيَ غَيْهَبِ

شَبِيْهٌ بِقَوْلِ ذي الرُّمَّةِ:

قَدْ أَعْسِفُ النَّازحَ المجهولَ مَعْسِفَةً

في ظِلِّ أَغْضَفَ يدعو هامَةَ البُومِ

مَعْنَاهُما جَمِيْعَاً، أَنَّهُ خَاضَ الفَلَاةَ لَيْلاً، والبُومُ فيها يتَجاوَبُ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

إذا ما رَكِبْنا قال ولِدْانُ أَهْلِنا:

تَعَالوا إِلى أن يأتيَ الصَّيْدُ نَحْطبِ

معناهُ: أَنَّهُمْ قَدْ وَثِقوا مِنْهُ بِعَادَةٍ لا يُخْلِفُها، فهو كَقَوْلِ

ص: 238

النَّابِغَةِ:

إذا ما سَرَى بالجَيْشِ حَلَّقَ فَوْقَهُ

عَصائِبُ طَيْرٍ تَهْتَدي بِعَصائِبِ

جوانِحَ قَدْ أَيْقَنَّ أَنَّ رَعِلْيَهُ

إذا ما التَقَى الجَمْعَانِ أَوَّلُ غالِبِ

وقَولِ مُسلِمٍ:

قَدْ عَوَّد الطَّيْرَ عاداتٍ وَثِقْنَ بها

فهي تَتْبَعُه في كُلِّ مُرْتَحَلِ

ص: 239

وقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وتَرَى الطَّيْرَ على آثارِنَا

رَأْيَ عَيْنٍ ثِقَةً أَنْ ستُمَارُ

وقَوْلِ أبي نواسٍ:

تَتَأَيَّا الطَّيْرُ عن وَعْدٍ

ثِقَةً بالوَعْدِ من جُزرهُ

ص: 240

ومِنْ ذلكَ قَوْلُهُ:

نَمُشُّ بِأَعْرَافِ الجِيَادِ أكُفَّنا

إذا نَحْنُ قُمْنَا عَنْ شواءٍ مُضَهَّب

هو كَقَوْلِ عَلْقَمَ:

ثُمَّتَ قَمْنَا إلى جُرْدٍ مُسَوَّمَةٍ

أعرافُهُنَّ بِأَيْدِيْنا مَنَادِيْلُ

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

أَلا يا لَهْفَ هِنْدٍ بَعْدَ قَوْمٍ

هُمُ كانوا الشِّفاءَ فَلَمْ يُصابوا

ص: 241

وَقَاهُمْ جَدُّهم بِبَني أَبِيْهِمْ

وبالأَشْقَيْنَ ما كانَ العِقابُ

شَبِيْهٌ بِهِ قَوْلُ المُتَنَبِّي:

وجُرْمٍ جَرَّهُ سُفهاءُ قَوْمٍ

فَحَلَّ بِغَيْرِ جَانِيْهِ العِقَابُ

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

أَرانا مُوْضِعِيْنَ لِحَتْمِ غَيْبٍ

ونُسْحَرُ بالطَّعامِ وبِالشَّرابِ

شَبِيْهٌ بقولِ لَبِيْدٍ:

فإن تَسْأَلِيْنَا فيم نَحْنُ فإِننا

عَصَافِيُر مِنْ هذا الأَنامِ المُسَحَّرِ

ومَعْنَاهُما: أَنَّنا مَسْحورونَ بالطَّعامِ والشَّرَابِ، غافِلُونَ عَمَّا يُرادُ بِنَا، [وما] نَحْنُ مُسرِعُونَ إليه من المَوْتِ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

وقد طَوَّفْتُ في الآفَاقِ حَتَّى

رَضِيْتُ مِنَ الغَنِيمَةِ بالإيَابِ

ص: 242

وشَبِيْهٌ به قَوْلُ الطُّغْرَائي:

والدَّهرُ يَعْكِسُ آمالي ويُقْنِعُنِي

مِنَ الغَنِيْمَةِ بَعْدَ الكَدِّ بالقَفَلِ

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

وعَنْسٍ كَأَلْواحِ الإرانِ نَسأْتُها

على لاحِبٍ كالبُرْدِ ذي الحِبَراتِ

هو كَقولِ طَرَفَة:

وعَنْسِ كَأَلْواحِ الإِرانِ، نَسَأْتُها

على لاحِبٍ، كَأَنَّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ

ص: 243

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

فلا تُنْكِرونِي إِنَّنِي أَنَا جَارُكُمْ

لَيَالِيَ حَلَّ الحَيُّ غَوْلاً فَأَلْعَسَا

فيه شَبِيْهٌ بِقَوْلِ المُتَأَخِّرِ:

لي حُرْمَةُ الضَّيْفِ القديمِ ومَنْ

أَتَاكُمُ وَكُهُولُ الحَيِّ أطفالُ

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

أَرَاهُنَّ لا يُحْبِبْنَ مَنْ قَلَّ مَالُهُ

ولا مَنْ رَأَيْنَ الشَّيْبَ فِيْهِ وقَوَّسا

هو شَبِيْهٌ بِقَوْلِ الأَعْشَى:

وأرى الغَوَانِيَ لا يُواصِلْنَ امْرَءاً

فَقَدَ الشَّبَابَ، وقد يَصِلْنَ الأَمْرَدَا

وقَوْلِ [ابنِ] التَّعَاوِيْذِي:

ص: 244

أَنْكَرَ الغَانِيَاتُ قُرْبِي وَمَا

أَنْكَرْنَ مِنِّي إلا بَيَاضَ القَتِيْرِ

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

وأُنازِلُ البَطَلَ الكَرِيْهَ نِزَالُهُ

وإِذا أُناضِلُ لا تَطِيْشُ سِهامِي

شَبِيْهُ بِقَوْلِ عَنْتَرَةَ:

ومُدَجَّحٍ كَرِهَ الكُماةُ نِزَالُهُ

لا مُمْعِنٍ هَرَباً ولا مُسْتَسْلِمِ

جَادَتْ يَدَاي لَهُ بفاصِلِ طَعْنَةٍ

وَرَشَاشِ نَافِذَةٍ كَلَوْنِ العَنْدَمِ

ص: 245

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

وَإِذا أُذِيْتُ بِبَلْدَةٍ وَدَّعْتُها

ولا أُقِيْمُ بِغَيْرِ دارِ مُقَامِ

فيه زِحَافٌ صَعْبٌ، وشَبِيْهٌ به قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِنِّي كذاكَ إِذا ما ساءَني بَلَدٌ

يَمَّمْتُ صَدْرَ بَعِيْري غَيْرَهُ بَلَدا

وقَوْلُ الآخرِ:

وإِذا سَاءَكَ مَنْزِلٌ فَتَحَوّلِ

وقَوْلُ البَحْرَانِي:

إذا الدِّيَارُ تَغَشَّاكَ الهَوَانُ بِها

فَخَلِّها لضعِيفِ العَزْمِ واغْتَرِبِ

ص: 246

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

أَقَرّ حَشَا امرئِ القَيْسِ بنِ حُجْرٍ

بنو تَيْمٍ مَصَابِيْحُ الظلامِ

يَعْنِي بِأَخْذِهِمْ لَهُ بِثَأْرِ أَبِيْهِ. وهو كَقَوْلِ عَنْتَرَةَ:

ولَقَدْ شَفَا نَفْسِي وأَبْرَأَ سُقْمَهَا

قَوْلُ الفَوارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدمِ

على بُعْدٍ تَأْتِي المُشَابَهَةُ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

لِمَن طَلَلٌ أَبْصَرْتُهُ فَشَجانِي

البيت

هو شَبِيْهٌ بِقَوْلِ زُهَيْرٍ:

لِمَنِ الدِّيارُ بِقُنَّةِ الحِجْرِ؟ !

أَقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ وَمِنْ دَهْرِ

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

ص: 247

لَيَالِيَ يَدْعُونِي الهَوَى فَأُجِيْبُهُ

وأَعْيُنُ مَنْ أَهْوَى إِليَّ روانِي

هو شَبِيْهٌ بِقَوْل ذي الرُّمَّةِ:

لَيَالِيَ اللَّهْوِ تَدْعوني وأَتْبَعُهُ

كَأنَّنِي ضَارِبٌ في غَمْرَةٍ لَعِبُ

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

فَسَحَّتْ دموعي في الرِّداءِ كَأَنَّها

كُلًى من شُعَيْبٍ ذَاتِ سَحٍّ وتَهْتَانِ

هو شَبِيْهٌ بِقَوْلِ ذي الرُّمَّةِ:

ما بالُ عَيْنِكَ منها الماءُ يَنْسَكِبُ

كَأَنَّه مِنْ كُلَى مَفْرِيَّةٍ سَرِبُ

وفراءَ غَرْفِيَّةٍ أَثْأَى خَوَارِزُها

مُشَلْشِلٌ ضَيَّعَتْهُ بَيْنَها الكُتُبُ

ومَعْنَاهما جَمِيْعاً تَشْبِيْهُ الدَّمْعِ بِمَاءِ القِرْبَةِ، إِذا سَالَ مِنْ خَرْقٍ فيها.

ص: 248

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

إِذا المَرْءُ لم يَخْزُنْ عَلَيْهِ لِسانَهُ

فَلَيْسَ على شَيْءٍ سِواُه بِخَزَّانِ

هو كَقَوْلِ طَرَفَةَ:

وإِنَّ لِسانَ المرءِ ما لم يَكُنْ لَهُ

حَصَاةٌ، عَلَى عَوْرَاتِهِ لَدَليلُ

بَلْ كَقَوْلِ الآخَرِ:

إِذا ضَاقَ صَدْرُ المَرْءِ عَنْ كَتْمِ سِرِّهِ

فَصَدْرُ الَّذي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ أَضْيَقُ

هذا أَشْبَهُ بِبَيْتِ امْرِئِ القَيْسِ مِنْ بَيْتِ طَرَفَةَ، وفي كلاهما نَظَرٌ سَبَقَ بِهِ القَلَمُ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:

ص: 249

فَإِمَّا تَرَيْنِي في رِحالَةِ جابِرٍ

على حَرَجٍ كالقَرِّ تَخْفِقُ أَكْفَانِي

شَبِيْهٌ بِقَوْلِ الآخَرِ:

فإمَّا تَرَيْنِي كابْنَةِ الرَّمْلِ ضَاحِياً

على رِقَّةٍ أَحْفَى ولا أتَنَعَّلُ

وَلْيَكُنْ هذا آخِرُ البَابَ.

وقد بَلَغَنا أَنَّ أبا الحَسَنِ بنَ عُصْفورٍ النَّحْويَّ جَمَع كِتَابَاً في تَنَاولاتَ الشُّعَراِء بَعْضِهْم مِنْ بَعْضٍ، ولم أَقِفْ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ بالواجِبِ أَنَّ فِيْهِ فوائِدَ كَثِيْرَةً، مِنْ مَعْرِفَةِ أَقاوِيْلِ الشُّعراءِ وتَنَاولِهِمْ، وتَوارُدِ خَواطِرِهِمْ، وتَمْرِيْنِ الذِّهْنِ في إِدْراكِ القَدْرِ المُشْتَرَكِ بَيْنَ كَلَامِهِمْ، كما سَبَقَ التَّنْبِيْهُ عَلَيْهِ.

ص: 250