المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خامسا: مستقبل العولمة - موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌ثالثا: الأفكار والمعتقدات

- ‌رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌خامسا: الكلاسيكية الحديثة

- ‌سادسا: الاتجاه الكلاسيكي في العالم العربي

- ‌سابعا: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌الخلاصة

- ‌مراجع للتوسع

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌ثالثا: الأفكار والمعتقدات

- ‌رابعا: الجذور الفكرية العقائدية

- ‌خامسا: الاتجاه الرومانسي في العالم العربي

- ‌سادسا: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌الخلاصة

- ‌مراجع للتوسع

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: أسباب نشأة هذا الاتجاه وانتشاره

- ‌ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌رابعا: الأفكار والمعتقدات

- ‌خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌الخلاصة

- ‌مراجع للتوسع

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: الجذور التاريخية للحداثة

- ‌ثالثا: لمحة موجزة عن تاريخ الحداثة في الغرب

- ‌رابعا: موجز تاريخ الحداثة العربية

- ‌خامسا: من أبرز رموز مذهب الحداثة من الغربيين

- ‌سادسا: ومن رموز مذهب الحداثة في البلاد العربية

- ‌سابعا: الأفكار والمعتقدات

- ‌ثامنا: الحداثة منهج فكري يسعى لتغيير الحياة

- ‌تاسعا: تطور مذهب الحداثة في الغرب وفي البلاد العربية

- ‌عاشرا: الغموض في أدب الحداثة والغاية منه

- ‌حادي عشر: أهم خصائص الحداثة

- ‌ثاني عشر: أساليب الحداثيين في نشر أفكارهم

- ‌ثالث عشر: آثار الحداثة في العالم الإسلامي

- ‌رابع عشر: بعض مواقف الحداثيين من الإسلام وقيمه

- ‌خامس عشر: الخطر الحداثي على العقيدة

- ‌الخلاصة

- ‌مراجع للتوسع

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: اتجاهات الواقعية

- ‌ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌رابعا: الأهداف الأولى للحركة الواقعية

- ‌خامسا: الأفكار والمعتقدات

- ‌سادسا: الواقعية الاشتراكية

- ‌سابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌الخلاصة

- ‌مراجع للتوسع

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌ثالثا: الأفكار والمعتقدات

- ‌رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌خامسا: أماكن الانتشار

- ‌الخلاصة

- ‌مراجع للتوسع

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: سبب التسمية

- ‌ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌رابعا: حقيقة هذا الاتجاه

- ‌خامسا: الأفكار والمعتقدات

- ‌سادسا: الاتجاه البرناسي في العالم العربي

- ‌سابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌ثامنا: الرد الإسلامي على نظرية الفن للفن

- ‌تاسعا: الانتشار ومناطق النفوذ

- ‌الخلاصة

- ‌مراجع للتوسع

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌ثالثا: الأفكار والمعتقدات

- ‌رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌خامسا: الانتشار وأماكن النفوذ

- ‌سادسا: الاتجاه الانطباعي في العالم العربي

- ‌الخلاصة

- ‌مراجع للتوسع

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌ثالثا: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌رابعا: الانتشار وأماكن النفوذ

- ‌الخلاصة

- ‌مراجع للتوسع

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌ثالثا: الأفكار والمعتقدات

- ‌رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌خامسا: أماكن الانتشار

- ‌الخلاصة

- ‌مراجع للتوسع

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌ثالثا: الأفكار والمعتقدات

- ‌رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌خامسا: أماكن الانتشار

- ‌الخلاصة

- ‌مراجع للتوسع

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌ثالثا: الأفكار والمعتقدات

- ‌رابعا: الاتجاه السريالي في العالم العربي

- ‌خامسا: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌سادسا: بداية السريالية ونهايتها

- ‌الخلاصة

- ‌مراجع للتوسع

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌ثالثا: الأفكار والمعتقدات

- ‌رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌الخلاصة

- ‌مراجع للتوسع

- ‌أولا: التعريف بالرأسمالية

- ‌ثانيا: نشأة الرأسمالية وتطورها

- ‌ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌رابعا: الأفكار والمعتقدات

- ‌خامسا: أقسام الرأسمالية

- ‌سادسا: أسباب ظهور الرأسمالية

- ‌سابعا: هل نجحت الرأسمالية في إسعاد الناس

- ‌ثامنا: أهم سمات الرأسمالية

- ‌تاسعا: آثار سيئة للرأسمالية

- ‌عاشرا: عيوب الرأسمالية

- ‌حادي عشر: الإِصلاحات التي طرأت على الرأسمالية

- ‌ثاني عشر: أماكن انتشار الرأسمالية

- ‌ثالث عشر: حكم الرأسمالية والفرق بينها وبين نظام الإسلام

- ‌أولا: تعريف العولمة

- ‌ثانيا: مجالات العولمة:

- ‌1 - العولمة الاقتصادية

- ‌2 - العولمة الثقافية

- ‌أ- العلاقة بين الثقافة الإسلامية والعولمة

- ‌ب- آثار العولمة الثقافية

- ‌3 - العولمة الإعلامية

- ‌ثالثا: موقف العلمانيين

- ‌رابعا: هل ستقضي العولمة حقيقة على المد الإسلامي

- ‌خامسا: مستقبل العولمة

- ‌سادسا: الموقف الشرعي من العولمة

- ‌تمهيد

- ‌أولا: معنى الاشتراكية

- ‌ثانيا: أقسام الاشتراكية

- ‌ثالثا: متى ظهرت الاشتراكية

- ‌رابعا: هل الاشتراكية هي الشيوعية

- ‌خامسا: مزاعم الاشتراكيين ودعاياتهم

- ‌سادسا: قوانين الاشتراكية

- ‌سابعا: كيف غزت الاشتراكية بلدان المسلمين

- ‌ثامنا: بعض أساليب الدعوة إلى الاشتراكية

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: تعريفات إلحادية

- ‌خامسا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌سادسا: أسباب قيام الشيوعية

- ‌سابعا: رد زعم الملاحدة أن البشرية قامت على الشيوعية الأولى

- ‌ثامنا: الأسس التي قامت عليها النظرية الشيوعية

- ‌عاشرا: الوسائل التي توصل بها الشيوعيون إلى تحقيق أهدافهم

- ‌حادي عشر: أسباب انتشار الشيوعية في العالم الإسلامي

- ‌ثالث عشر: القضاء على الأسر

- ‌رابع عشر: من الذي غذى اشتداد العداوة للدين

- ‌خامس عشر: الأفكار والمعتقدات

- ‌سادس عشر: إنكار وجود الله تعالى وتقدس

- ‌سابع عشر: شبهات الملاحدة في إنكارهم وجود الله تعالى

- ‌ثامن عشر: الرد على مزاعم الشيوعية

- ‌تاسع عشر: موقف الشيوعية من الإسلام

- ‌عشرون: طرق الشيوعيين في محاربة الإسلام

- ‌واحد وعشرون: أعمال الشيوعيين ضد المسلمين

- ‌اثنان وعشرون: الملكية في المذاهب الوضعية

- ‌ثلاث وعشرون: آثار الشيوعية

- ‌أربع وعشرون: حكم الانتماء إلى الشيوعية - فتوى المجمع الفقهي

- ‌خمس وعشرون: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌الخلاصة

- ‌أولا: التعريف

- ‌ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات

- ‌ثالثا: الأفكار والمعتقدات

- ‌رابعا: الجذور الفكرية والعقائدية

- ‌خامسا: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌الخلاصة

- ‌مراجع للتوسع

الفصل: ‌خامسا: مستقبل العولمة

‌خامسا: مستقبل العولمة

الغيب لله .. قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ [النمل: 65]

ولكن هناك سننا ربانية تجري في حياة البشر، وهي سنن لا تتخلف ولا تتبدل، وهناك وعد ووعيد من عند الله، لا يتخلفان كذلك، وهناك واقع مشهود، يمكن رؤيته وتقدير احتمالاته على ضوء تلك السنن، وذلك الوعد والوعيد ..

وكلها تقول إن هذه العولمة، سواء كانت - كما قلنا في نهاية الفصل السابق - أمريكية بحتة، أو يهودية بحتة، أو خليطا متجانسا متعاونا من الأمريكية واليهودية، لن تعيش طويلا كما يتمنى أصحابها!

إنها بادئ ذي بدء مخالفة لقدر مسبق من أقدار الله، ألا يكون الناس أمة واحدة على الإيمان أو على الكفر: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: 118]. .. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ .. [المائدة: 48]

فكل محاولة لصبغ الناس كلهم صبغة واحدة، تفرضها القوة الغاشمة، هي محاولة فاشلة منذ البدء، وإن قدّر لها شيء من النجاح في بعض أرجاء الأرض لفترة محدودة من الزمان.

فاشلة لأنها مخالفة لإرادة ربانية أزلية، والله هو الذي يقدر المقادير، وليس البشر، وإن ظنوا في لحظات غرورهم وتألههم أنهم قادرون!

فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت: 16] .. أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ [الأنبياء:44]. أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41]

وهي فاشلة ثانيا لأنها مخالفة لسنة أخرى من سنن الله، وهي مداولة الأيام بين الناس (بمعنى النصر والهزيمة، والتمكين والزوال).

إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140] ثم إنها - في الواقع المشهود الآن - تجد مجابهة ومعارضة في أكثر من مكان! ففرنسا وألمانيا في أوربا تستنكفان أن تصوغ لهما أمريكا طريقة حياتهما، وتقفان بشدة أمام كل محاولة لمحو شخصيتهما، وطبعهما بطابع غير طابعهما الذاتي، سواء في عالم اللغة أو الفكر أو الثقافة أو السلوك اليومي، فضلا عن السياسة والاقتصاد.

وفي آسيا توجد الصين واليابان، وكلتاهما قوة راسخة في الأرض، لا يسهل محوها، ولا إخضاعها، ولا طمس معالمها، ولا إذابة شخصيتها كما تشتهي العولمة.

وذلك فضلا عن الحركة الإسلامية، المكبوتة الآن بكل وسائل الكبت، ولكنها حية تستعصي على كل محاولة لوأدها، أو منعها من الانتشار.

وعلى فرض أن العولمة أمريكية، فأمريكا ذاتها مهددة - من داخلها - بالانهيار! ولسنا نحن الذين نقول ذلك إنما تقوله صحفهم وكتابهم ومفكروهم.

ص: 143

حقا إن القوة المادية لأمريكا من الضخامة بحيث يصعب حتى على القوى العالمية الأخرى مجاراتها أو التصدي لها، ولكن القوة المادية ليست هي في النهاية التي تقرر مصاير الأمم، أو على الأقل ليست وحدها التي تقرر مصايرهم .. وحين يتفشى الترف، ويتفشى الترهل (مما نبه إليه كلنتون ذاته في كلمات وجهها إلى شعبه) وحين تتفشى الفوضى الجنسية والشذوذ والانحراف، ويتعالن الشواذ بشذوذهم ويطلبون من دستورهم وبرلمانهم أن يقر بشرعيتهم وشرعية سلوكهم المنحرف .. وحين تتفشى الخمر والمخدرات والجريمة .. فكل ذلك من عوارض الدمار، مهما كانت القوة المادية ..

ولسنا نقول إن أمريكا ستنهار غدا صباحا! فإن ما لديها من عوامل القوة الإيجابية يمكن أن يمد لها فترة من الزمن بحسب سنة الله. ولكنا نقول - فقط - إن هذا الأمر لا يتوقع كثيرا أن يطول.

وأما إن كانت العولمة يهودية، تعمل من خلال أمريكا، وهو الأرجح في نظرنا، فلليهود في كتاب الله وعد ووعيد: وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا

[الإسراء:6]

ويستوي - كما أشرنا من قبل - أن تكون المرتان المذكورتان تاريخيتين، أو تكون إحداهما تاريخية والثانية هي الواقعة اليوم .. فقوله تعالى: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا فيه الفيصل فيما نحن بصدده. فالآيات تقول إنه كلما علا اليهود في الأرض وأفسدوا - سواء مرة أو مرات - جاء العقاب الرباني فأنزلهم من علوهم وأجرى عليهم وعيده: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف: 167]

وهم اليوم في قمة العلو .. ولم يسبق لهم في تاريخهم كله أن علوا وسيطروا بمقدار ما لهم اليوم من العلو والسيطرة في أرجاء الأرض.

والله هو الذي يقدر، وله حكمته في تقديره سواء عرفنا نحن الحكمة أم لم نعرفها.

وله حكمة ولا شك في الإملاء لليهود وتمكينهم في الأرض: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ .. [آل عمران:112]

فهم ممكنون بحبل من الله ابتداء، أي بتقدير من الله وإمداد، ثم بحبل من الناس الذين يعينونهم على تنفيذ مخططاتهم.

أما الحكمة في ذلك فلا نعرفها، لأنها ليست مذكورة في كتاب الله ولا في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن ربما كان الله يعاقب البشرية التي كفرت اليوم كفرا لم تكفره من قبل، فأنكرت وجود الله (في جزء غير قليل منها) وشردت عن هديه (في الجزء الأكبر منها) ويعاقب الأمة الإسلامية بالذات على تفريطها وتقاعسها .. يعاقب الجميع بتسليط اليهود عليهم تحقيقا لقوله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65]

وأيًّا تكن الحكمة فالذي يهمنا هنا أن هذا العلو والإفساد في الأرض محدود بزمن معين يقدره الله، وليس طويل الأمد، لأنه استثناء من القاعدة، وليس هو القاعدة، وإن تكن القاعدة من تقدير الله، والاستثناء كذلك من تقدير الله ..

وليس معنى هذا كله أن العولمة أمر هين ولا خطر منه، ولا يستأهل منا اهتماما ولا حركة ..

إنه عاصفة جائحة هوجاء .. والعاصفة تهدأ بعد حين، ولكنها تكون قد دمرت ما دمرت، وخربت ما خربت، مما قد يحتاج في إصلاحه إلى عشرات السنين .. وإنما نقول للناس في العالم الإسلامي تحصنوا قدر الطاقة من العاصفة الهوجاء. تحصنوا أولا بالتمسك بدينكم وأخلاقكم وثوابتكم، ثم تحصنوا ثانيا ببذل أقصى الجهد في تحصيل العلم والتقنية وزيادة الإنتاج، لعلكم بذلك تقللون آثار الدمار الذي تخلفه العاصفة.

ثم نقول لهم كما قال موسى عليه السلام لقومه وهم في أتون الابتلاء: اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128].

‌المصدر:

المسلمون والعولمة لمحمد قطب

ص: 144