الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حادي عشر: أسباب انتشار الشيوعية في العالم الإسلامي
لقد دخلت الشيوعية الماركسية كثيراً من بلاد المسلمين، وما كان ذلك ليتم لها؛ لأن مسوغات انتشارها في أوربا وروسيا كثيرة؛ وأبرزها غياب المنهج الصحيح وهو الإسلام.
أما بلاد المسلمين فإنها تنعم بالدين الحق، فما حاجتها - إذاً - للشيوعية؟!.
وكيف تسمح لمثل هذه المذاهب الباطلة أن تنخر في جسم الأمة وقد أغناها الله عز وجل بوحي السماء عن زبالة أفكار أهل الأرض؟! والجواب عن ذلك أن الشيوعية دخلت بلاد الإسلام لأسباب عديدة منها (1):
1 -
انحراف كثير من المسلمين، وجهلهم بعقيدتهم: فما كان للشيوعية أن تنتشر في بلاد المسلمين إلا عندما انحرف كثير من المسلمين عن دينهم، وجهلوا عقيدتهم، ونسوا حظاً مما ذكروا به.
وإلا لما كانت العقيدة سليمة، والإيمان قوياً راسخاً، والتمسك بأمر الله قائماً - لم يجد الأعداء منفذاً ينفذون من خلاله، وإن وجدوا منفذاً فلن يجدوا مكاناً يؤثرون فيه، وإن وجدوا مكاناً ففي أندر الأحوال يقع ذلك، ثم سرعان ما يقاوم ويعالج.
2 -
الهزيمة النفسية الداخلية: فلما انحرف المسلمون عن دينهم أصابهم الوهن، وداخلتهم الهزيمة، ففقدوا العزة، وتدثروا الذلة، فسهل دخول المذاهب الهدامة ومنها الشيوعية.
وإلا فالأمة العزيزة هي التي تعرف مقدار ما تأخذ، ومقدار ما تعطي، ونوع ما تأخذ، ونوع ما تعطي، وهي التي تعد نفسها بكل ما أوتيت من قوة حتى تحمي رأيها، فيما تأخذ وما تدع، وما تعطي وما تمنع؛ فالأمة التي تُشْرَب في نفوسها العزة يشتد فيها الحرص على أن تكون مستقلة بشؤونها، غنية عن أمم من غيرها، وتبالغ في الحذر في أن تقع في يد من يطعن في نحر كرامتها، ولا يستحيي الإنسانية أن تراه مهتضماً لحق من حقوقها.
3 -
هزيمة العالم الإسلامي أمام الهجمة الأوربية: فما كاد الأوربيون يمتلكون القوة المادية، ويستخدمون الآلة، ويعملون المصانع - حتى اتجهوا إلى دول العالم الثالث؛ بحثاً عن الأسواق؛ لبيع منتجاتهم الصناعية، وجلباً للمواد الخام اللازمة للصناعة.
ولما كانت هذه الدول تطمع في الحصول على ما تريد بأبخس الأثمان، أو بلا ثمن أصلاً - فإنها استخدمت قوتها العسكرية.
ولما كان العالم الإسلامي في غاية التخلف عسكرياً، وسياسياً، وصناعياً - لم يصمد أمام تلك الهجمة، وكان للهزيمة العسكرية أثرها في زعزعة العقيدة والشعور بالنقص، وتقليد الغالب، والتشبه بأخلاقه؛ ظناً منهم - لفرط جهلهم - أن أوربا لم تتطور إلا عندما اعتنقت الإلحاد، ورفضت الدين.
4 -
الاستعمار وما خلَّفه من دمار: فلقد عانى المسلمون من الاستعمار، وويلاته، حيث امتص المستعمرون دماء المسلمين، وخيراتهم، وأوطانهم، كما فرضوا عليهم أفكارهم ومذاهبهم الباطلة.
5 -
حال المسلمين المتردية: فَتَفَرُّق المسلمين، وتخلُّفهم، وتشتت كلمتهم - صار فتنة للكفار والمنافقين، والجهال؛ حيث استدلوا بذلك على بطلان الدين، كما سيأتي في الفقرة الآتية.
6 -
جعل واقع المسلمين في العصور المتأخرة هو الصورة التي تمثل الإسلام: فيروج الشيوعيون، وأذنابهم من الزنادقة المنتسبين للإسلام أن دين الإسلام دين تخلف، وانحطاط، وتأخر عن مواكبة الأحداث، ويستدلون على ذلك بواقع المسلمين في العصور المتأخرة، ويوهمون الناس بأنه لو كان ديناً حقاً لما انحدر المسلمون، وصاروا في ذيل الركب.
(1)((الدنيا لعبة إسرائيل)) وليم كار (ص 11)، وانظر ((المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها)) د. عبدالرحمن عميرة (ص 45).
7 -
انتشار الخرافات والبدع: حيث شاعت في بلاد الإسلام بدع، وضلالات، وخرافات تروج لها المذاهب الباطلة والطرق الصوفية التي تقوم على الدجل، وعبادة القبور، والمبالغة في قصص الكرامات.
كل ذلك اغتنمه الشيوعيون، وسددوا من خلاله سهامهم نحو الدين؛ ليروجوا أن الدين خرافة ودجل.
8 -
سقوط الخلافة الإسلامية: فلقد كانت تجمع المسلمين وترهب أعداء الله، مع ما كانت عليه في أواخر عهدها من انتشار البدع، ونخرها في جسد الخلافة.
9 -
التقصير في الدعوة إلى الله: ذلك أن كثيراً من المنتسبين إلى علوم الشريعة - فرطوا في جانب الغيرة على الحق، بل ربما كان منهم من يواد الملاحدة، ويتملقهم بالإطراء، ويغض الطرف عن إلحادهم، بل ربما شهدوا لهم بالإخلاص للدين.
يفعلون ذلك رجاء متاع الحياة الدنيا، أو خشية أن يوصفوا بالتشدد والانغلاق أو رغبة بأن يوصفوا بالانفتاح وسعة الأفق، وهم يعلمون أنهم إنما يوالون طائفة تفسد على الأمة دينها وأخلاقها.
ومن العلماء من أخلدوا إلى الأرض، فلا ينكرون على الناس شركهم بالله، وطوافهم حول الأضرحة، ولا يبينون الحق، ولا ينصحون للأمة، وربما زينوا للطواغيت باطلهم، وسوغوا لهم أعمالهم الإجرامية.
10 -
ترك الجهاد في سبيل الله: حيث ركن أكثر المسلمين إلى ملذات الحياة الدنيا، فدبت إلى الجفون غفوة، فلم تكد الأمة تستفيق منها إلا ويد أجنبية تقبض على زمامها، وتديرها كما تشاء.
11 -
تركيز الغرب على إفساد التعليم والإعلام والمرأة: فشوه الإعلام صورة الإسلام وعلمائه، وروج للعري والإباحية والفوضى الجنسية، فغرق كثير من الشباب في هذا المستنقع الآسن، والشيوعية لا تُفَرِّخ إلا بمثل ذلك الجو.
ثم إن الطعنة النجلاء، والخنجر المسموم - هو فساد التعليم، ومناهجه الدراسية، حيث قطعت صلة الطلاب برب الأرباب، وأصبحت مناهج الدين في زاوية ضيقة محدودة، فانفتح المجال على مصراعيه للشيوعية؛ حيث زاحمت علومها علوم الدين، بل أقصتها جانباً، ونَحَّتْها عن مجال التأثير؛ فشاع الجهل بالدين، وسهل دخول الأفكار المضللة إلى العقول.
12 -
الابتعاث وما فيه من مفاسد: حيث يبتعث إلى بلاد الكفر مَنْ هو خالي الوفاض - في الغالب - فلا علم لديه، ولا ورع يزمُّه، ولا تقوى تردعه ولا عزة تمنعه، فيعيش في تلك البلاد فترة من الزمان، فيتأثر بما فيها من انحلال، وفساد، وكفر، وربما رجع بشهادة الدكتوراه بعد أن يفقد شهادة أن لا إله إلا الله، فيصبح بذلك معول هدم لأمته، وربما تولى زمام التأثير في المجالات المهمة؛ فيفرغ فيها كُثبة من سمومه، وفساده.
13 -
خيانات العملاء والمنافقين: فلهؤلاء دور كبير في نشر الشيوعية، والتمكين لها، ولا أدل على ذلك من خيانة الأحزاب الشيوعية العربية للقضايا العربية والإسلامية؛ فذلك أمر تؤيده الحقائق المشهورة؛ فحيثما وُجِدَتْ مصلحة الاتحاد السوفييتي أو مصلحة إسرائيل فإن تلك الأحزاب تنحاز إلى تلك المصالح ضد المصالح الإسلامية والعربية.
وأوامر الحزب الشيوعي اليهودي أوامر مقدسة عند الأحزاب الشيوعية العربية، حيث تنفذها دونما اعتراض.
وحركات التحرر التي قامت ضد فرنسا، وبريطانيا تعد - في نظر الأحزاب الشيوعية العربية - حركات بورجوازية انتهازية لا تستحق الدعم والتأييد، بل تستحق المعارضة، والكفاح.
وكل وجهة نظر سوفياتية تتعلق بالقضايا العربية أو الإسلامية هي الوجهة التي لا يجوز العدول عنها عند تلك الأحزاب.
14 -
سوء التربية: وذلك بأن ينشأ الشخص في بيت خالٍ من آداب الإسلام ومبادئ هدايته، فلا يرى فيمن يقوم على أمر تربيته من نحو أب، أو أم، أو أخ - استقامةً، ولا يتلقى ما يَطْبَعُه على حب الدين، ويجعله على بصيرة من حكمته؛ فأقل شبهة تمس ذهن هذا الناشئ تنحدر به في هاوية الضلال.
15 -
مصاحبة الملاحدة: فمن أسباب اعتناق الإلحاد أن يتصل الفتى الضعيف النفس بملحد يكون أقوى منه نفساً، وأبرع لساناً، فيأخذه ببراعته إلى سوء العقيدة، ويفسد عليه أمر دينه.
16 -
قراءة الناشئ مؤلفات الملاحدة: فالملاحدة يدسون سموماً من الشبه تحت ألفاظ منمقة، فيصغى إليها فؤاد الناشئ، وتضعف نفسه أمام هذه الألفاظ المنمقة، والشبه المبهرجة، فلا يلبث أن يدخل في زمرة الملاحدة الألدَّاء.
17 -
غلبة الشهوات: فقد تغلب الشهوات على نفس الرجل، فتريه أن المصلحة في إباحتها، وأن تحريم الشارع لها خالٍ من كل حكمة، فيخرج من هذا الباب إلى إباحية وجحود.
هذه بعض الأسباب لانتشار الشيوعية في العالم الإسلامي سواء على مستوى أفراده، أو شعوبه، أو دوله.
ثم إن بعض أسباب نشأة الشيوعية الحديثة تشترك مع أسباب دخولها في بلاد الإسلام.
المصدر:
رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 423
ثاني عشر: أخلاق الشيوعية (1)
لا ريب أن عقيدة الإنسان ترسم له طريقه، وتحدد له معالم سلوكه ومعاملاته فالناس توجههم عقائدهم وأفكارهم، والانحراف في السلوك إنما هو ناتج عن خلل في الاعتقاد.
ولهذا فلا غرو أن تفسد أخلاق الشيوعيين؛ لأن الأصل لديها منهار، وإذا انهار الأصل تداعت الأركان والفروع.
بل إن عقائدهم أحط العقائد، فلا تسل - إذاً - عن فساد أخلاقهم، وما يتبع ذلك من انحطاط سلوكهم.
فالشيوعيون على أتم الاستعداد لعمل أي شيء مناف للأخلاق، من غش وكذب، وخداع، في سبيل تحقيق مكاسبهم، والوصول إلى غاياتهم؛ فهم يأخذون بالمبدأ الميكافيلي: الغاية تسوغ الوسيلة.
يقول إنجلز: إذا لم يكن المناضل الشيوعي قادراً على أن يغير أخلاقه وسلوكه وفقاً للظروف مهما تطلب منه ذلك من كذب، وتضليل، وخداع - فإنه لن يكون مناضلاً ثورياً حقيقياً.
ولهذا فالشيوعيون لا يحجمون عن أي عمل مهما كانت بشاعته في سبيل غايتهم، وهي أن يصبح العالم شيوعياً تحت سيطرتهم. يقول لينين في رسالة بعث بها إلى الأديب الروسي مكسيم جوركي: إن هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيء، إنما الشيء المهم هو أن يصبح الربع الباقي شيوعياً (2).
ولقد طبقوا هذه القاعدة في روسيا أيام الثورة، وكذلك في الصين، حيث أبيدت ملايين من البشر، كما أن اكتساحهم للجمهوريات الإسلامية كبخارى وغيرها، واكتساحهم لأفغانستان - ينضوي تحت هذه القاعدة.
ومما تؤمن به الشيوعية من أخلاق - العنف، والسعيُ في إثارة الحقد والضغينة في نفوس العمال.
ومن ذلك القسوة المتناهية؛ فلا يَتَصوَّر الفكر، ولا يتوهم الخيال لوناً من ألوان التعذيب الهمجي، والقمع الإجرامي، والإبادة الجماعية للمجموعات البشرية دون أية عاطفة إنسانية مع التفنن العجيب في وسائل التعذيب - إلا ويمارسه الشيوعيون بأقبح صوره، وأبشع مستوياته.
بل لم يتورع القادة الشيوعيون - عن الاعتراف بتلك الأفاعيل ضد كل من خالفهم ولو كانوا رفقاء العمل الثوري، ومن حملة الفكرة الشيوعية.
بل ربما كان هؤلاء أحق بأن يعاقبوا بأشد أنواع العذاب؛ فكأن الرحمة نزعت تماماً من قلوب هؤلاء القساة العساة العتاة.
ومما تؤمن به الشيوعية وتدعو إليه من أخلاق - أنها تشجع على الفساد، والانحلال الخلقي، من شرب للخمور إلى ممارسة البغاء وسائر الفواحش إلى غير ذلك من طرق الفساد. ولقد صرح الرئيس اليوغسلافي الهالك - تيتو - في إحدى خطبه للشعب قائلاً: لقد تركنا لكم الخمر والنساء فخذوها، واتركوا لنا السياسة. (3).
ولهذا أصبحت المرأة في المجتمع الشيوعي أرخص سلعة في البلاد، فكانت ترمي بنفسها على الرجل ولاسيما الغريب، وقصارى ما تطلبه منه أن يتزوجها ولو مؤقتاً؛ لتفر خارج البلاد من جحيم الشيوعية.
وصفوة المقال أن المجتمع الشيوعي هو أحط المجتمعات البشرية المعاصرة، سواء من الناحية الأخلاقية أو العقيدية، أو من ناحية الطمأنينة النفسية، والسعادة الاجتماعية؛ فهو مجتمع منحل، مذعور يخيم عليه كابوس الشقاء المطبق، إلى حد أن الإنسان في ذلك الوضع لا يكاد يفكر في أمل حقيقي للخلاص.
المصدر:
رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 397
(1)((المذاهب المعاصرة)) (ص 46).
(2)
الجوييم: كلمة عبرية، معناها الأ صلي شعب. أو (قوم) لكن دلالتها عند اليهود أصبحت تعني الشعوب من غير اليهود. انظر ((المغني الوجيز))، و ((موسوعة المصطلحات الأجنبية الشائعة)) لمنذر الأسعد (1/ 130 - 131).
(3)
((الدنيا لعبة إسرائيل)) (ص11) وانظر ((المذاهب المعاصرة)) (ص 46).