الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادس عشر: إنكار وجود الله تعالى وتقدس
لولا حلم الله عز وجل لما استطاع أحد أن يبحث قضية وجود الله تعالى أو عدمها وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فوجوده سبحانه وتعالى يتمثل بوضوح في كل هذ الوجود من أصغر مخلوق إلى أكبره بل الإنسان نفسه من أكبر الأدلة على وجود الله الحكيم الخبير وإلا فأي موجود يستطيع أن يزعم أنه هو الذي أوجد نفسه وعلى الصورة التي أرادها أو قدر لنفسه رزقها وأجلها ومصيرها بعد ذلك.
لقد أقدمت فئة شاذة استهواهم الشيطان وماتت قلوبهم وإن كانوا أحياء يرزقون فذهبوا يعترضون على وجود الله تعالى وهم الملاحدة وقد مهد لهم الطريق علماء الكلام الذين وصفوا ربهم بأنه ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا داخل العالم ولا خارجه ولا يحس ولايشم ولا يشار إليه .. الخ، ولقد كثرت الردود على الملاحدة وعلى علماء الكلام الباطل في هذه القضية الخطيرة بما لا يكاد يحتاج إلى زيادة.
إنني أتضايق كثيرا من سرد الأدلة على وجود الله تعالى وهو ما أعتقد حصوله في قلب كل إنسان مؤمن بالله سليم الفطرة لم تنحرف به شياطين الإنس والجن، إن الله عز وجل أجل وأعظم من أن يحتاج وجوده إلى شخص من الناس يثبته أو يجادل خصومه لإثبات وجوده.
وفي اعتقادي أن الذي يبحث في إثبات وجود الله تعالى دون حاجة ملحة أنه يجب أن يؤدب تأديبا بليغا ومن ابتلي بالخوض في ذلك فعليه أن يستشعر عظمة الله تعالى وأن لا يخوض في هذه القضية الهائلة إلا بقدر الحاجة، والله المستعان ونعوذ بالله من وساوس الشيطان.
وما دمنا في دراستنا للشيوعية وتكذيب مزاعمها فإنني أحب أن يقف القارئ على الحقائق التالية واللبيب تكفيه الإشارة.
هل البشر في حاجة إلى أدلة لإثبات وجود الله تعالى؟
تقدم أنه لا يمكن أن نجد إنسانا سليم العقل والفطرة يعتقد أن الله سبحانه وتعالى يخفى على عباده فالعقل والكون كله وجميع المخلوقات من نام وجماد، وساكن ومتحرك، كلها تدل على وجود الله سبحانه وتعالى وتشهد بقدرته وحكمته ولطفه وعظمته جميع ذرات هذا الكون ولهذا فلسنا في حاجة إلى الإتيان بحشود الأدلة على وجوده فهو أمر فطري، وفي كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يشفي ويكفي لمن عنده أدنى شك في وجود المولى عز وجل، ومن العجيب أن يستدل الملاحدة على إنكار وجود الله تعالى بأدلة هي أقوى الأدلة على وجوده وخلقه لهذا الكون وتدبيره له، ولعل الذين جرؤوا فنفوا وجود الله عز وجل إنما حملهم على هذا ما وجدوه من أوصاف الإله سبحانه في التوراة والأناجيل من أنه شاخ وكبر وينسى ويأكل ويشرب ويمشي ويجلس ويحزن ويندم ويهم بالشيء ثم لا يفعله.
نعم إن مثل هذا الإله من السهل جدا إنكاره خصوصا إذا أضفنا إليه الصفات التي وردت له في التلمود من تعلقه ببني إسرائيل وتدليله لهم وغضبه أحيانا عليهم ثم يضرب وجهه ويندم ويبكي ويلعب مع الحوت الكبير ويعقص شعر حواء .. إلى آخر تلك الصفات التي تدل على سقوط المتصف بها فضلا عن اعتقاد احترامه.
ولكننا لا نبحث عن هذا الإله ولا عن الإله الذي اعتقدت الشيوعية فيه أنه يحابي الظلمة أو أنه لا وجود له إلا في أذهان الرجعيين لأنه غير منظور وغير موجود متجاهلين أنه ليس كل موجود حتما يرى، كوجود الهواء الذي نحس به ولا نراه، ووجود العقل في الإنسان، إذ نفرق بين المجنون وبين العاقل، ووجود الروح إذ نفرق بين الحي والميت وأمثلة لا تحصى، إننا نؤمن بإله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور إله يعلم السر وأخفى إله خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، إننا نؤمن بهذا الإله الحق ونكفر ونلعن من يشك في وجوده.
ولقد تيقن كل إنسان أنه لم يخلق نفسه، وأن فاقد الشيء لا يعطيه فلا المادة ولا الطبيعة خلقت أحدا إذ هي مخلوقة مقهورة، كما أنه لا يجرؤ أحد على أن يقول أنه يخلق شيئا ما أو أنه خلق نفسه أو غيره وقد استيقن بهذا حتى أكابر الملاحدة وما جحد من جحد منهم وجود الله إلا عنادا واستكبارا وبغضا للكنيسة ورجالها ولقد صاح المفكرون في أوروبا وشهدوا على النصرانية والإلحاد بالضلال وهذه الشهادة الصادرة على ضلال هذه الطوائف من أهلها لهي أكبر دليل على أن الإلحاد لا استقرار له ولا مكان له وإنما هو زوبعة عارضة ستنتهي إن شاء الله تعالى كما انتهت سائر الأفكار الباطلة ومن الذين شهدوا على ذلك:
"رسل تشارلز أرنست" أستاذ الأحياء والنبات بجامعة فرانكفورت بألمانيا حيث قال: "لقد وضعت نظريات عديدة لكي تفسر نشأة الحياة من عالم الجمادات فذهب بعض الباحثين إلى أن الحياة قد نشأت من البروتوجين، أو من الفيروس، أو من تجمع بعض الجزيئات البروتينية الكبيرة، وقد يخيل إلى بعض الناس أن هذه النظريات قد سدت الفجوة التي تفضل بين عالم الأحياء وعالم الجمادات ولكن الواقع الذي ينبغي أن نسلم به أن جميع الجهود التي بذلت للحصول على المادة الحية من غير الحية قد باءت بفشل وخذلان ذريعين ومع ذلك فإن من ينكر وجود الله لا يستطيع أن يقيم الدليل المباشر للعالم المتطلع، على أن مجرد تجميع الذرات والجزيئات من طريق المصادفة يمكن أن يؤدي إلى ظهور الحياة وصيانتها وتوجيهها بالصورة التي شاهدناها في الخلايا الحية، وللشخص مطلق الحرية في أن يقبل هذ االتفسير لنشأة الحياة فهذا شأنه وحده ولكنه إذ يفعل ذلك فإنما يسلم بأمر أشد إعجازا وصعوبة على العقل من الاعتقاد بوجود الله الذي خلق الأشياء ودبرها. "إنني أعتقد أن كل خلية من الخلايا الحية قد بلغت من التعقد درجة يصعب علينا فهمها وأن ملايين الملايين من الخلايا الحية الموجودة على سطح الأرض تشهد بقدرته شهادة تقوم على الفكر والمنطق ولذلك فإنني أؤمن بوجود الله إيمانا راسخا" (1).ويقول "إيرفنج وليام" الحاصل على الدكتوراة من جامعة أيوا، وأخصائي وراثة النباتات، وأستاذ العلوم الطبيعية بجامعة ميتشجن: "إن العلوم لا تستطيع أن تفسر لنا كيف نشأت تلك الدقائق الصغيرة المتناهية في صغرها والتي لا يحصيها عد، وهي التي تتكون منها جميع المواد كما لا تستطيع العلوم أن تفسر لنا – بالاعتماد على فكرة المصادفة وحدها – كيف تتجمع هذه الدقائق الصغيرة لكي تكون الحياة" (2).ويقول "ألبرت ماكومب ونشستر" المتخصص في علم الأحياء:"ولقد اشتغلت بدراسة علم الأحياء وهو من الميادين العلمية الفسيحة التي تهتم بدراسة الحياة وليس بين مخلوقات الله أروع من الأحياء التي تسكن هذا الكون، انظر إلى نبات برسيم ضئيل وقد نما على أحد جوانب الطريق فهل تستطيع أن تجد له نظيرا في روعته بين جميع ما صنعه الإنسان من تلك العدد والآلات الرائعة؟ إنه آلة حية تقوم بصورة دائبة لا تنقطع آناء الليل وأطراف النهار بالآلاف من التفاعلات الكيميائية والطبيعية ويتم ذلك تحت سيطرة البروثو بلازم، وهو المادة التي تدخل في تركيب جميع الكائنات الحية، فمن أين جاءت هذه الآلة الحية المعقدة، إن الله لم يصنعها هكذا وحدها ولكنه خلق الحياة وجعلها قادرة على صيانة نفسها وعلى الاستمرار من جيل إلى جيل مع الاحتفاظ بكل الخواص والمميزات التي تعينها على التمييز بين نبات وآخر إن دراسة التكاثر في الأحياء تعتبر أروع دراسات علم الأحياء وأكثرها إظهارا لقدرة الله"(3).
وهناك عشرات بل مئات الأدلة على خالق هذا الكون ومدبره، وشهادة هؤلاء العلماء، كل في مجال تخصصه، شهادة حق والحق مقبول من أي شخص كان.
والملاحدة وهم ينكرون وجود الله تعالى ولا يعترفون بأنه هو الخالق المدبر لهذا الكون وما فيه هم أقل وأذل من أن يصلوا إلى قناعة بإنكارهم وهذا إجرام شنيع ولم يكتفوا به بل أضافوا إلى هذا الإجرام زعمهم أن العلم هو الذي دل على هذا، وأن البديل عن الله تعالى هي الطبيعة التي قالوا عنها بأنها هي التي خلقت السموات والأرض والإنسان والنبات وسائر المخلوقات فكيف تم ذلك حسب تعليلهم؟
(1) البروليتاريا: الطبقة العاملة.
(2)
انظر في تفاصيل ذلك ((المذاهب المعاصرة)) (111 - 113)، و ((الكيد الأحمر)) (84 - 94).
(3)
((المذاهب المعاصرة)) (ص 112).
قالوا: "إن وجود هذا الكون وما فيه إنما هو نتيجة حركة أجزاء المادة وتجمعها على نسب وكيفيات مخصوصة بوجه الضرورة بدون قصد ولا إدراك. وبسبب تلك الحركة أخذت تتجمع أجزاء المادة المختلفة الأشكال على كيفيات وأوضاع شتى فنتجت تلك المتنوعات"، هذا هو مبلغهم من العلم، إن كل شيء وجد بطبيعته عن طريق الصدفة والحركة التطويرية دون قصد ولا إدراك على أن هذه الطبيعة التي يزعمون أنها تفعل كل ما تريد نجد أن بعضهم لا يحترمها بل يتعمد الإساءة إليها وإهانتها بأنواع السباب واللمز في إرادتها وقوتها ووفاءها. وإليك ما قاله وزير خارجية أكبر دول العالم وأقواها في عتابه المرير وتهكمه بالطبيعة حينما لم تحقق لهم آمالهم وما يطلبونه منها فقد قال "كولن باول"، و"ريتشارد باوتشر":"إننا ندين تخلف الثلج عن موسم الأعياد راجيا الطبيعة الأم أن تعالج هذه المسألة" إلى أن قال: "لا يمكن لشيء أن يبرر إفساد هذا الحدث الهائل، إننا ندعو الطبيعة إلى القيام بمبادرة فورية" وقال: إننا نعتبر استمرار الطبيعة في رفض القيام بواجباتها حيال الدول المتحضرة عملا استفزازيا وغير إيجابي لذلك ندعو الطبيعة إلى اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية بغية تساقط كمية مناسبة وذات مصداقية من الثلوج" وإذا أردت التعليق على هذا الكلام السخيف المملوء بالكبرياء والعنجهية فاقرأ ما كتبه عبد الرزاق السيد عيد بعنوان: "أمريكا تكشف عن وجهها القبيح وتعلن الحرب على الطبيعة" في مجلة التوحيد (1).
فيا ترى ماذا يقصد بالطبيعة الأم؟!! إنه إلحاد وكفر وسخف فما هي الطبيعة الأم التي يتحدث عنها هؤلاء ويقولون إنها هي التي تخلق وتحيي وتميت وترزق من تشاء وتمنع من تشاء، وتخاطب بتلك اللهجة الحارة المفتقرة إلى الأدب؟!! فمن المعروف أن الطبيعة لا تخلو عن:
1 -
إما أن تكون هي نفس الذوات الموجودة في الكون، من الحيوان والنبات والجماد، وهذه كما يرى القارئ لا يصح الاستغاثة بها ليتساقط الثلج في موسم الأعياد ليلهو ويلعب بها طغاة اليهود.
2 -
وإما أن تكون هي صفات الأشياء الموجودة في العالم من حركة وسكون وحرارة وبرودة وليونة ويبوسة وغير ذلك، وهذه أيضا كذلك لا تملك لنفسها وجودا ولا عدما.
ومهما كان الجواب فإنه خطأ وجهل شنيع حين يسند إيجاد هذا الكون البديع عن طريق طبيعة لا تعقل ولا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا.
فهل يتصور أحد أن من لا يعقل يخلق من يعقل؟
وهل يستطيع شيء لا إرادة له ولا غاية له أن يخلق كائنا له إرادة وغاية.
إن الإنسان كائن عاقل مدبر وله إرادة وهدف وغاية والطبيعة ليست لها تلك الصفات فهي ناقصة فهل يمكن للناقص أن يوجد الكامل؟
إن هذا الكون محكم متقن لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس:40]
الكواكب محكمة بإتقان، والبحار لا يطغى بعضها على بعض، والحيوانات لا تلد إلا نفس الحيوان من جنسها، والشجرة لا تنبت إلا نفس الشجرة، وقس على هذا سائر ما تراه في هذا الكون، فالإنسان هو الإنسان، والبقرة هي البقرة، والكبش هو الكبش أينما اتجهت في هذه الأرض مما يدل على أن الخالق واحد فكيف تستطيع الطبيعة أن تدبر هذا الكون بهذه الدقة المعجزة التي تشهد آياتها في كل ما حولنا من شؤون الكون والحياة أن لها خالقا قاهرا؟!!، ثم يقال للملاحدة أيضا: هل لأجزاء المادة إرادة وقصد في تنويع المخلوقات في العالم من نجوم وكواكب ومعادن ونباتات وحيوانات وبشر؟ كيف يفترض إنسان أن يكون كل هذا وجد بفعل ذرات الطبيعة الصماء؟
(1)((انظر المذاهب المعاصرة)) (111 - 112).
إن المادة لا عقل لها ولا بصر كي ترتب المخلوقات وتنظم شؤونها، ولا منطق لها كيف تفكر في مستقبل الأشياء وما تحتاجه وهذا يعني أن "القول بخلق الطبيعة للوجود لا يخرج عن تفسير الماء بالماء فالأرض خلقت الأرض والسماء خلقت السماء والأصناف صنعت نفسها والأشياء أوجدت ذواتها. فهي الحادث والمحدث وهي المخلوق والخالق في الوقت ذاته. وبطلان هذا القول بين" وهو لا يخرج عن أمرين:
1 -
إما الادعاء بأن الشيء وجد بذاته من غير سبب وهذا قول فاسد.
2 -
وإما إزدواج الخالق والمخلوق في كائن واحد، فالسبب عين المسبب، وهو مستحيل وهو تهافت وتناقض لا يحتاج لشرح.
لو كانت الطبيعة هي الخالق كما يقولون لكانت قوانينها واحدة المريض لابد أن يموت والصحيح لا يمرض والنبات الذي يسقى بماء واحد لا يختلف طعم ثمره لكننا نرى العكس أحيانا نرى المريض يشفى والصحيح يموت بدون مرض أو علة ونرى الزرع والنبات في ساحة واحدة يمتص غذاء في الأرض من تراب واحد ويسقى بماء واحد ولكن الثمر قد يختلف في المذاق والألوان والروائح والمنافع والمضار. فهل هذا كله من صنع الطبيعة الصماء أو المادة العمياء وهل هذا هو العلم الذي يقولون به؟
إن هذا هو الجهل بعينه وليس بالعلم ثم تأمل قول الله تعالى: وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد 4:].
وقوله تعالى: وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ [النحل:13].
وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَاّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ [الحج:65 - 66].
وقوله تعالى: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [النمل:60 - 64]
تأمل هذه الآيات ودلالتها إذا أردت أن تخرج من ظلمات الجهل إلى نور العلم واليقين فهذا هو الحق وهذا هو البرهان الذي يجب أن نطأطأ له الرؤوس والعقول إجلالا وخضوعا، وأين هذه البراهين من ترهات المنحرفين الضالين عباد المادة.
ومما يجدر بك الإطلاع عليه ما سجله العلماء التجريبيون من الإيمان بالله تعالى عن قناعة ويقين من خلال بحوثهم وتجاربهم في اكتشافاتهم العلمية.
وإليك أمثلة رائعة تدين الإلحاد القائم كذبا على ما سموه علما من واقع ما كتبه بعض العلماء التجريبيين:
جاء في كتاب) الله يتجلى في عصر العلم (ثلاثون مقالة لمجموعة من كبار العلماء الأمريكيين في تخصصات علمية مختلفة في علوم الكون والحياة من كيمياء وفيزياء وتشريح وأحياء، تذكر كلها أنواعا من الأدلة العلمية على وجود الله بعد أن أدهشهم ما توصلوا إليه من ملاحظات وما شاهدوه من عجائب خلق الله. لكن يجب قبل أن نسوق شواهد من أقوال هؤلاء العلماء أن نؤكد في البداية أننا نسوق هذه الشواهد لا لحاجتنا إليها فعندنا في كتاب الله ما يكفي ويشفي ولكننا نسوقها لنرغم بها أنوفا فتنها التقدم العلمي في هذا العصر فظنوا أن العلم يقتضي عدم الإيمان بالله تعالى. ولنرد بها على الذين يزعمون أن علماء الطبيعة – أو كثيرا منهم – ملحدون لأن الإيمان يجافي العلم، بزعمهم، وإليك تلك النماذج الرائعة:
يقول "فرانك ألن" عالم الطبيعة البيولوجية: إذا سلمنا بأن هذا الكون موجود فكيف نفسر وجوده ونشأته؟ هناك احتمالات أربعة للإجابة على هذا السؤال:
1 -
فإما أن يكون هذا الكون مجرد وهم وخيال. وهذا يتعارض مع ما سلمنا به من أنه موجود.
2 -
وإما أن يكون هذا الكون قد نشأ من تلقاء نفسه من العدم وهذا مرفوض بداهة.
3 -
وإما أن يكون هذا الكون أزلي الوجود ليس لنشأته بداية وهذا الاحتمال يساوي ما يقوله المؤمنون بالله من أزلية الخالق. لكن قوانين الكون تدل على أن أصله وأساسه مرتبط بزمان بدأ من لحظة معينة فهو إذاً حدث من الأحداث ولا يمكن إحالة وجود هذا الحدث المنظم البديع إلى المصادفة عقلا، ولذلك فهذا الاحتمال باطل.
4 -
وإما أن يكون لهذا الكون خالق أزلي أبدعه وهو الاحتمال الذي تقبله العقول دون اعتراض. وليس يرد على إثبات هذا الاحتمال ما يبطله عقلا. فوجب الاعتماد عليه.
وقال "جون كليفلاند كوثران" عالم الكيمياء والرياضيات: تدلنا الكيمياء على أن بعض المواد في سبيل الزوال أو الفناء، ولكن بعضها يسير نحو الفناء بسرعة كبيرة والآخر بسرعة ضئيلة، وعلى ذلك فإن المادة ليست أبدية. ومعنى ذلك أيضا أنها ليست أزلية إذ أن لها بداية وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم على أن بداية المادة لم تكن بطيئة ولا تدريجية بل وجدت بصورة فجائية. وتستطيع العلوم أن تحدد لنا الوقت الذي نشأت فيه المواد وعلى ذلك فإن هذا العالم المادي لابد أن يكون مخلوقا وهو منذ أن خلق يخضع لقوانين وسنن كونية محددة ليس لعنصر المصادفة بينها مكان. فإذا كان هذا العالم المادي عاجزا عن أن يخلق نفسه أو يحدد القوانين التي يخضع لها فلابد أن يكون الخلق قد تم بقدرة كائن غير مادي متصف بالعلم والحكمة. وقال "ادوارد لوثر كيسيل" أستاذ الأحياء ورئيس القسم بجامعة سان فرانسيسكو: يرى البعض أن الاعتقاد بأزلية هذا الكون ليس أصعب من الاعتقاد بوجود إله أزلي، ولكن القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية يثبت خطأ هذا الرأي. فالعلوم تثبت بكل وضوح أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليا ولا يقتصر ما قدمته العلوم على إثبات أن لهذا الكون بداية، فقد أثبت فوق ذلك أنه بدأ دفعة واحدة منذ نحو خمسة بلايين سنة (1)، ولو أن المشتغلين بالعلوم نظروا إلى ما تعطيهم العلوم من أدلة على وجود الخالق بنفس روح الأمانة والبعد عن التحيز الذي ينظرون به إلى نتائج بحوثهم، ولو أنهم حرروا عقولهم من سلطان التأثر بعواطفهم وانفعالاتهم، فإنهم يسلمون دون شك بوجود الله وهذا هو الحل الوحيد الذي يفسر الحقائق، فدراسة العلوم بعقل متفتح تقودنا دون شك إلى إدراك وجود السبب الأول الذي هو الله (2).
وإذا كان وجود الله تعالى يتجلى بهذا الوضوح فما الذي حمل الملاحدة على إنكاره؟!! وما هي الشبهات التي تعلقوا بها؟
(1)((المذاهب المعاصرة)) (ص 112).
(2)
((المذاهب المعاصرة)) (ص 112)