الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: تعريفات إلحادية
1 -
الإنسان التقدمي الإنسان التقدمي أو المتطور قيل في تعريفه إنه هو الإنسان المهذب في سلوكه، والواقعي في حكمه، والصادق في التعبير عنه (1).
وإذا كان هذا التعريف صحيحا فإنه لم يقف تفسير التقدمي عند هذا المفهوم فقد أصبح يطلق على نواح مختلفة عند الناس هي أبعد ما تكون عن هذا المفهوم ففي جانب العقائد يطلقون التقدمية على الإنسان الذي ينبذ التدين والتقاليد وانفلت من كل ارتباط بالفضائل الدينية واتخذ الإلحاد مذهبا مثل الأحزاب التي أطلقت على نفسها صفة التقدمية في البلاد العربية وفي غيرها وفي جانب المظاهر صاروا يطلقون على الشخص أنه متقدم حينما يهتم بمظهره الشخصي خصوصا حينما يقلد الإفرنج في لباسهم وسلوكهم وصار عند الكثير من المغفلين أن البنطلون الضيق، ورباط العنق "الكرفتة " كما يسمونها وجمع المرأة لأنواع المكياجات ولباسها إلى نصف الفخذين وكشفها الرأس وترديد بعض عبارات الغربيين يعتبر تقدما، وهي من الأمور التي انعكست الحقائق فيها وقد نجح الغربيون في الإيحاء إلى الرجل والمرأة أنه ليس بينهم وبين التقدم إلا ركوب تلك المسالك، وليت شعري أي تطور أو تقدم في هذه المظاهر المنفرة القائمة على الفجور وتقليد أعداء الدين ولهذا صارت هذه التسمية – تقدمي – عند العقلاء منفرة لما علق بها من هذه المفاهيم الخاطئة فأي تقدم في أنواع القصات وجميع أنواع المكياجات ومحاكاة الساقطين في الحضارة الغربية ونبذ الحياء والحشمة ومحاربة الله ودينه.
2 -
الرجعية والجمود
أما الرجعية فقد قيل في تعريفها: إنها هي الميل في السير إلى الوراء والعزوف عن متابعة الحركة نحو اليقظة التي يتم عندها تكامل استعدادات الإنسان الطبيعية. وأما الجمود: فهو الوقوف في الحركة عند مرحلة من مراحل تطور الإنسان في كماله وتمام نمو طاقاته البشرية (2).
هكذا قيل في تعريفهما ولكن ماذا كان يقصد بها أعداء الأديان؟
(1)[405])) نقل الدكتور معن زيادة في كتابه: ((معالم على طريق تحديث الفكر العربي)) (ص30) وما بعدها العديد من تعريفات الغربيين لمصطلح الثقافة.
(2)
([406]) وما يزال الغربيون يروجون لفرضية فوكوياما ويمجدونها حتى أن كتابه نال جوائز باعتباره كتاب الساعة وروج له العديد من مشاهير الثقافة الأمريكية على صفحات أشهر الصحف، وعلى العموم ما يزال ينشر فكرته هذه ويكتب حولها بين الفينة والأخرى.
لقد اتخذ الملاحدة ومن تبعهم هذا المصطلح نقطة إنطلاق في سبهم للإسلام والمسلمين ولقد قالوا منكرا من القول وزورا فالإسلام والمسلمون بريئان من هذا الوصف بل أعداء الإسلام أحق به وسلوكهم وأفكارهم هي عين الرجعية والجمود فإن المتتبع لأقوالهم عن نشأة الإنسان وتطوره لو قارنها بأقوالهم اليوم عن تمدحهم بالتطور لرأى العجب في تناقضهم وكذلك ما يرمون به المسلمين من الرجعية والجمود يكذبهم حال المسلمين الذين يطبقون الإسلام قولا وعملا كيف كانت سعادتهم وسعادة شعوبهم في تطبيقهم لأحكام الشريعة الغراء التي أنزلها الله كاملة شاملة صالحة إلى يوم القيامة لا تحتاج إلى أحد ينقص منها أو يزيد فيها وفي العقوبات المقدرة كحد السرقة والزنا والقتل والقذف وغير ذلك خير شاهد على أن الإسلام شريعة كاملة شاملة متطورة يمتد ظلها إلى يوم القيامة. وحينما كان الملك فيصل – رحمه الله – ينادي بالتضامن الإسلامي (1)، وعودة المسلمين إلى تحكيم شرع الله عز وجل والتمسك بسنته رماه أعداء الإسلام عن قوس واحدة بالسب والشتم بالرجعية والتخلف فكان يقول في خطبه المؤثرة:" إن كان التمسك بالإسلام رجعية فنحن نفتخر بأننا رجعيون " ولقد اتضح ولله الحمد بعد أن انجلت الحقيقة عن زيف الشيوعية والدعوة إلى القومية أو الوطنية أو سائر النعرات الجاهلية أن الإسلام هو الذي سيبقى على امتداد تاريخ البشر، وأن الميل في السير إلى الوراء والعزوف عن متابعة الحركة التي توصلهم إلى تكامل استعداداتهم الطبيعية هو أخص صفات المذاهب الفكرية الضالة الجامدة بخلاف الإسلام فإنه دين شامل ومتطور بين كل ما يتعلق بوجود الإنسان منذ أن أوجد الله آدم إلى خلق ذريته وما يمرون به من المراحل المتطورة في حياتهم منذ استقرار أحدهم نطفة في بطن أمه إلى خروجه إلى الدنيا ثم انتقاله منها إلى أن يصل إلى الجنة أو النار مع بيان كل ما يحتاج إليه في صلاح دينه ودنياه وتعامله مع نفسه ومع الآخرين في أدق تنظيم وأعدله.
3 -
الخرافة والتقاليد الخرافة هي الاعتقاد بما لا ينفع ولا يضر ولا يلتئم مع المنطق السليم والواقع الصحيح (2).
ولكن أصحاب المادة يريدون بالخرافة المعاني الروحية ومبادئ الدين وتعاليمه خلف ظهورهم قال أحدهم:
أبعث ثم حشر ثم نشر
…
حديث خرافة يا أم عمرو
وظنوا أن ما هم فيه من الإلحاد هو الطريق الصحيح بينما الدين في نظرهم المعكوس من الخرافة وسموا خرافاتهم في خلق الإنسان وفي وجود هذا الكون علما مع أنها نظريات أثبت الواقع بطلانها ولا ينكر أحد أنه يوجد خرافات كثيرة في العالم وأن على العاقل أن يميز فيها بين الخرافات الفعلية والدعايات المغرضة المضللة.
(1) تفسير ابن كثير 3/ 581.
(2)
رواه البخاري (438) ومسلم (521)
أما التقاليد: فهي جملة العادات التي هي لمجتمع معين وهي إما تقاليد خيرة طيبة وإما تقاليد سيئة باطلة ولا تعرف التفرقة بين هذين المسلكين إلا بعرضهما على الشرع الشريف، فما كان موافقا للشرع فهو الحق وهو المطلوب، وما كان مخالفا للشرع فهي تقاليد جاهلية يجب الحذر منها وما أشد معركة التقاليد وما أوسع انتشارها تموت تقاليد وتحيا أخرى على تعاقب الأجيال ومر الدهور وعلى المسلم أن يكون متزنا في تقبل مختلف التقاليد فكم من تقليد قضى على نور العلم والمعرفة وأفسد الأخلاق والعقائد وكم من حق سمي خرافة، كما أنه يجب عليه الانتباه إلى ما يلقيه أعداء الإسلام من الهجوم على الشريعة الإسلامية تحت ما يسمونه محاربة التقاليد البالية تنفيرا للناس عنها كما أنه يجب على المسلم أن يعلم أنه لا مكان في الإسلام للخرافات ولا للتقاليد السيئة الباطلة إذ أن الإسلام إنما جاء لمحاربة كل أنواع الجاهليات والخرافات والتقاليد الباطلة الضارة.
4 -
الحرية والكبت الحرية هي الإنطلاق في الرأي والاعتقاد في القول وفي الفعل في حدود طاقة الإنسان (1).
والكبت: هو الحد من الإنطلاق في الرأي والاعتقاد والقول والفعل والاتصال بالغير.
حقيقتهما عند الماديين
وأما عند أصحاب المادية فالحرية يراد بها الإنطلاق من كل قيود القيم والمثل والمبادئ التي دعى إليها الدين وهي عودة إلى الحياة البهيمية من أوسع الأبواب ولكن تحت تسمية التطور والتجديد وكذلك الكبت عندهم إنما يراد به تحطيم كل أنظمة الشريعة والانفلات عن الآداب والأخلاق التي دعا إليها الدين أما موقف الدين منهما فمما لا ريب فيه أن جميع الأديان – وخصوصا الإسلام – قد دعت إلى الحرية وحرمت الذلة والخضوع وإحناء الجباه إلا لمن خلقها وأوجدها، وفي كتاب الله تعالى تأكيد شديد على كرامة الإنسان وأن جميع ما في هذا الكون إنما خلق له ومن أجله قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70].
أما الحرية في الإسلام: فلا يجوز لأحد أن يجهل أن الإسلام بخصوصه دعا إلى الحرية وجعل إليها منافذ عديدة ورغب في تحقيقها بما جعل الله من الأجر الجزيل لمن حققها ونهى عن الكبت الذي يكون سببه طغيان القوي ضد الضعيف وتسلط الطغاة على المستضعفين دون وجه شرعي.
إن الحرية لها مفهومها الخاص ومجالها الخاص بها في الإسلام كما أن للجاهليات مفهومها ومجالها الخاص بها، وبين المفهومين مسافات مديدة وفروق عديدة.
(1)([409]) رواه أبوداود في سننه (4031) من حديث ابن عمر وسكت عنه أبو داود (وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح) وقال الحافظ في ((الفتح)) (10/ 282) ثابت (و) إسناده حسن.
فالحرية في الإسلام هي أن تتصرف في كل أمر مشروع لك وليس فيه تعد على حقوق الآخرين ويكون داخلا ضمن عبوديتك لربك وامتثالك لأمره ونهيه، ومادام الإنسان لم يخرج عن إطار الشريعة الربانية فهو يعيش الحرية بتمامها سواء أكانت تلك الحرية فيما يتعلق بنفسه أو جسمه أو ماله أو عرضه يتصرف فيها في حدود ما شرعه الله له أو كانت فيما يتعلق بغيره في معاملاته الدنيوية: من بيع، وشراء، ونصيحة، ونقد وتوجيه، وأمر ونهي. أو الدينية: من تعليم، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر .. وغير ذلك. أو كانت فيما يتعلق بعقل الإنسان وتفكيره حيث جعل الله للعقل مطلق الحرية في الارتفاع بصاحبه عن الخضوع والذل لغيرربه وفي وجوب إعمال الفكر فيما يحتوي عليه هذا الكون من بدائع وعجائب. فالإسلام يمنحه مطلق الحرية في تنظيم بديع فيه سعادة الإنسان أولا، ثم سعادة المجتمع الذي يعيش فيه ثانيا سواء أكان ذكرا أم أنثى. والذي خلق الإنسان وسائر الأنعام جعل لكل منها حرية تخصه فإن الأنعام لها مطلق الحرية دون تمييز بين الضار والنافع، ولكن الإنسان الذي كلفه الله وميزه بالعقل له حرية إذا تجاوزها صار كالأنعام فإذا تجاوزها أيضا صار أضل من الأنعام كما قال تعالى: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].
الحرية في مفهوم الجاهليات
أما الحرية في مفهوم الجاهليات قديما وحديثا فهي الظلم في القديم كما قال الشاعر:
والظلم من شيم النفوس
…
فإن تجد ذا عفة فلعله لا يظلم
والجنس كما هو حال الأمم التي أعرضت عن الدين، وكما عبر عنه الصينيون في تظاهراتهم المشهورة حينما قالوا:" إنه لا حرية عندنا إلا في الجنس ".
ولقد فهم الكثير من الذين ينادون بشعار الحرية أنها هي أن يعمل الإنسان ما يشاء، وأن يرتكب من المنكرات ما يلذ له، وأن يقول كل ما يريد قوله، وأن لا يكون للمجتمع أي تأثير عليه. إنه يفهمها على أنها الانفلات من كل القيود ثم الفوضى وإشاعة الفساد والوصول إلى الإلحاد تحت هذه التسمية ولقد ظهرت جحافل من دعاة الحرية خدعوا الناس وأوهموهم أنهم يجب أن يكونوا أحرارا لا قيود عليهم من دين أو مثل أو عرف بل هي الانطلاق التام. دون أن يفطن هؤلاء المخدوعون بأنها مصيدة يهودية ماسونية أوحوا بها إلى الدهماء من الجوييم كما يسمونهم ليملئوا بها فراغا في أذهانهم بينما هم يعلمون تماما أن لا حرية حقيقة سيصل إليها الجوييم وجاء دعاة الإباحية والوجودية والشيوعية بما زاد الطين بلة والنار اشتعالا وملؤوا أذهان الشباب والشابات بطنين الحرية الشخصية والحرية الجنسية والحرية الكلامية .. الخ، فإذا بتلك الحريات كلها تصب في مصب واحد هو القضاء على الأديان والعفة والشريعة الإسلامية وفتح الباب على مصراعيه لدعاة الفجور والفحش باسم الحرية، ومنع المصلحين من الإصلاح بدعوى عدم التدخل في شؤون الغير أو كبت حريتهم. جاء في كتاب (الحرية في الدول الاشتراكية) أنه لو قام مجتمع من النساء الحريصات على استقلال جنسهن بتكوين جماعة تدعوا أو تمارس بين النساء أنفسهن نظرية التناسل بدون رباط زواج فليس من حق الدولة أن تتدخل في أعمال تلك الجماعة " (1).
(1)((الحاجة إلى تنسيق وتكامل إعلامي)) - حمود البدر (ص 19).
وأي مصلح ينادي بالكف عن المنكرات والإقصار عنها صاحوا به: إنه يريد كبت حريات الناس، إنه متزمت ومتشدد، وما إلى ذلك من الدعايات الباطلة ضده. وحينما تعرف الحريات بأنها الإنطلاق في الرأي استغل دعاة الحرية اللادينية هذا المفهوم ونادوا بما يسمونه باحترام الرأي والرأي الآخر. وهم يريدون الانطلاق في الرأي الذي يؤدي في النهاية إلى انتكاسة البشرية وفرض آرائهم العلمانية والعقلانية والشعوبية والقومية وكل النعرات الجاهلية، وكذا تعريف الحرية بأنها الانطلاق في الاعتقاد في القول وفي الفعل. فإن دعاة تلك الحرية الباطلة لا كابح لجماحهم انطلقوا في الاعتقاد في القول والفعل إلى الرذائل والآراء السقيمة والنظريات السخيفة بحكم حرية الاعتقاد في القول فملؤوا إذاعاتهم وصحفهم ونشراتهم بما يستحي صاحب العقل والذوق أن يقوله أو يفعله دون أي حياء لديهم أو وازع من ضمير، وصدق عليهم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:((إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) (1).
ولن يجد الإنسان الحرية الصحيحة إلا في عبادة ربه والخضوع له وحده لا شريك له كما أنه لا حرية مع عدم طاعة الله تعالى فإن من لم يذل لله أذله الله لغيره.
أسماء الإلحاد
ومن الجدير بالذكر أن للملاحدة أسماء كثيرة اخترعوها من واقع عقيدة كل مجموعة مع الأخذ في الاعتبار أن الملاحدة كلهم متفقون على اعتقاد الإلحاد ولكنهم يختلفون بعد ذلك حسب الآراء والأهواء فتأتي التسمية من ذلك الواقع.
فالماديون: أخذت تسميتهم من اعتقادهم أن وجود جميع هذا الكون إنما هو تابع لوجود المادة التي ليس وراء وجودها أي وجود مؤثر في الإيجاد.
وقسم منهم يسمون " الطبيعيون " بسبب اعتقادهم بأن التغيرات التي تحصل على المادة إنما تحصل بأسباب ذاتية يرجع إلى طبيعة المادة.
وبعضهم يعتقد أن تلك التغيرات إنما تحصل بالآلية في حركة ذرات المادة فقيل لهم أصحاب المذهب الآلي.
وبعضهم يعتقد أن المادة ترجع إلى ذرات صغيرة جدا متجانسة، والتغيير إنما يرجع فيها إلى شكل التأليف والتركيب بينها، فسموا أصحاب المذهب الذري.
وبعضهم لم يعتقد إلا بما يحسه فقط فقيل لهم "حسيون".
وبعضهم يردد كلمة الواقع المدرك بالحس، أو الواقع المدرك، أو الواقع الملموس، وأشباه هذه العبارات فقيل لهم "الواقعيون".
وبعضهم اتخذ اسم " الوضعية ". وبعضهم زعم أن الأشياء توجد أولا ثم تصنع الأفكار ماهيتها فسموا بالوجوديين (2).
وهكذا تعددت الأسماء، والهدف النهائي واحد هو الإلحاد ويبقى الاختلاف بينهم لفظيا لتسهيل مغالطاتهم الناس من وراء كثرة تلك الأسماء ليحتدم الخلاف حولها بين الناس وإشغالهم بها فقبحهم الله ما أكثر أسماءهم وما أقل نفعهم.
المصدر:
المذاهب الفكرية المعاصرة لغالب عواجي 2/ 1182
(1)([411])((مجلة رابطة العالم الإسلامي)) (290).
(2)
([412]) الصحيح أن يقول: النصراني، لأن هذا هو الاسم الصحيح لهم في القرآن الكريم.
ثالثا: نبذة عن تاريخ الشيوعية عموماً (1)
الشيوعية فكرة قديمة، ظهرت في التاريخ أكثر من مرة؛ فقد جاء في كتاب (الجمهورية) لأفلاطون الأثيني الإغريقي (427 - 347) ق. م. ما يدل على نشأة هذا المذهب، حيث أقام في كتابه نظاماً يقوم - بالنسبة للحكام - على شيوعية المال، والنساء، وشرع لهذا منهجاً مفصلاً؛ فهناك أمثلة خيالية، ولمحات عن الاشتراكية أثبتها أفلاطون في كتابه، تصور حقيقة أن القرن الخامس قبل الميلاد - وهو الذي وجد فيه أفلاطون- كان فيه مبادئ اشتراكية لم تزل في مهدها. يقول أفلاطون في كتابه الآنف الذكر ما فحواه: يجب أن يشتمل النظام على اشتراكية النساء والأولاد، فليس لأحد حق بإنشاء أسرة مستقلة، كما ليس له الحق بتربية الأولاد؛ لأن الجميع ملك الدولة، وهي وحدها تشرف على تنشئة العضو الصالح كما تشرف على إنجاب النسل المختار (2).
هذا وقد قسم أفلاطون المجتمع إلى ثلاثة أقسام:
1 -
الحكام.
2 -
رجال الحرب.
3 -
الخدم والعمال.
وقال: إنه يجب أن تكون الزوجات والأموال، والمآكل مشاعة بين أفراد الفئة الأولى والثانية، أما الثالثة فإنها تعيش على النظام الأسري المعهود. وكذلك قال بالشيوعية أكزينوف (425 - 352 ق. م) من فلاسفة الإغريق (3).وقال بها - أيضاً - مزدك عام (487م)، حيث دعا إلى الشيوعية واشتراك الناس في الأموال، والأعراض، وتسمى حركته بالمزدكية، وظهرت هذه الحركة في بلاد فارس (4).
كما دعا إلى الشيوعية كثير من أرباب النزعات الإباحية، كالباطنية المتأثرين بالمزدكية، ومنهم حمدان قرمط وقومه، ومنهم علي بن الفضل الذي صور مذهبهم بقوله:
خذي الدفَّ يا هذه واضربي
…
وغني هزاريك ثم اطربي
تولى نبي بني هاشم (5)
…
وهذا نبي بني يعرب
لكل نبيٍّ مضى شرعة
…
وهذي شريعة هذا النبي
فقد حط عنا فروض الصلاة
…
وفرض الصيام فلم نتعب
أباح البنات مع الأمهات
…
كذاك أباح نكاح الصبي
إذا الناس صلوا فلا تنهضي
…
وإن صوَّموا فكلي واشربي
ولا تطلبي الحج عند الصفا
…
ولا زورة القبر في يثرب
ولا تمنعي نفسك المعرسين
…
من الأقربين أو الأجنبي
بماذا حللت لهذا الغريب
…
وصرت محرمة للأب
أليس الغراس لمن ربَّه
…
وغذَّاه في الزمن المجدب
وما الخمر إلا كماء السماء
…
أبيحت فقدِّست من مذهب (6)
ثم توالت بعد ذلك الدعوات إلى الشيوعية على يد عدد من الأشخاص، منهم توماس مور -1478 - 1535م- حيث وضع نظاماً لمدينته الفاضلة الخيالية ضمن شيوعية مالية.
ثم جاء بعده كامبانيلا الإيطالي -1568 0 1639م- في كتابه مدينة الشمس، حيث ضمنه نظاماً اشتراكياً لمدينته هذه أغفل فيه الملكية الفردية والزواج.
ومن الذين دعوا إليها فرنسيس بيكون -1626م-وهاريخ تون -1677م- وجان جاك روسو -1787م 0 والكاتب الفرنسي مورللي -1817م- وباييف الذي أعدم أمام الناس عام -1797م-
هذه نبذة عن تاريخ الشيوعية عموماً.
وبعد هذه الدعوات ظهرت الشيوعية الماركسية الحديثة على يد كارل ماركس، وزميله فريدريك إنجلز
المصدر:
رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد - ص 356
(1)([413])((مجلة البيان)) عدد (34).
(2)
((المجتمع))، العدد 1495، 23 - 29 محرم 1423هـ، الموافق 6 - 12 أبريل 2002م.
(3)
[415])) وكيل جامعة الملك سعود سابقاً، وأمين مجلس الشورى السعودي حالياً.
(4)
([416])((الحاجة إلى تنسيق وتكامل إعلامي)) (ص 13).
(5)
عن موقع أخبار أوس: http://news.awse.com/09-Feb-2003/Technology/31176-ar.htm.9/ فبراير/2003.
(6)
زاعمه هو (برنارد لويس) وهو كما يقول عنه فهمي هويدي: "صاحب الموقع المشهود في معسكر الخصوم الذين يتحدثون عن الأمة باحتقار وازدراء شديدين".
رابعا: نشأة الشيوعية الماركسية (1)
ظهرت الشيوعية الماركسية الحديثة في القرن التاسع عشر الميلادي، فقد خرج كارل ماركس (1818 - 1883م) بآرائه التي تعد حجر الزاوية في المبادئ الشيوعية، وقد بسطها في كتابه (رأس المال).
وقد شاركه في صياغة أفكاره ونظرياته وتابع ذلك من بعده - صديقه الألماني فريدريك إنجلز.
وقد اندفع الرجلان بقوة ومن ورائهما ثقل الكيد اليهودي يعملان في نشر الشيوعية.
ثم جاء من بعد ماركس أتباع له يدعون بدعوته أهمهم وأوضحهم أثراً لينين، فعلى يده قامت الشيوعية عملاً واقعياً ماثلاً للعيان بعد أن كانت أشبه بنظرية على ورق؛ ففي عهد لينين زادت الشيوعية، وامتدت، واشتهرت.
وفي مطالع القرن العشرين أضاف لينين إلى آراء ماركس تعاليم جديدة، وجمع حوله شباب الروس والعمال الفقراء مكوناً منهم الحزب الشيوعي الروسي.
ومن بعد ذلك ثارت روسيا سنة 1917م على الحكم القيصري، واستولى البلاشفة - الأكثرية - بزعامة لينين على الحكم، وأعدموا القيصر وآله وأعوانه، وأزالوا جميع النظم القائمة وأحلوا محلها النظام الشيوعي الذي أصبحت روسيا بعد ذلك مصدره ومورده.
وبعدما مات لينين خلفه ستالين، وبعده جاء خروتشوف، ومن بعده بريجينف، ومن بعده أندربوف، ومن بعده جورباتشوف، وعلى يده انهارت الشيوعية، حيث انفرط عقدها، وسُلَّ نظامها.
هذه باختصار هي قصة نشأة الشيوعية الماركسية الحديثة.
وإذا أمعنت النظر في نشأة الشيوعية وجدت أنها لم تنشأ من فراغ؛ فهناك إرهاصات مهدت لقيامها.
وإذا أردت معرفة الخيوط التي كانت نواةً لقيام الشيوعية وجدت أنها نشأت في حِجْرِ الماسونية اليهودية.
فالذين كتبوا عن الماسونية في مرحلتها الثالثة حددوا أنها بدأت عام 1770م وأن بَدْأها كان إرهاصاً قوياً لقيام الشيوعية الماركسية.
يقول وليم كار صاحب كتاب (الدنيا لعبة إسرائيل): كان آدم وايزهاويت أحد رجال الدين المسيحي أستاذاً لعلم اللاهوت في جامعة (انغولت شتات) الألمانية بيد أنه ارتد عن المسيحية ليعتنق الإلحاد، وتقمصت فيه روح الشر الإلحادي بشكل خبيث. وفي عام 1770م اتصل به رجال الماسونية في ألمانيا، وقد وجدوا فيه بغيتهم، فكلفوه بمراجعة (بروتوكولات حكماء صهيون) القديمة وإعادة تنظيمها على أسس حديثة. (2).
والهدف من وراء ذلك في هذه المرة ليس محاربة الديانة المسيحية، ووضع أيديهم على اقتصاديات ومقدرات العالم كما حدث سابقاً. إن الأمر في هذه المرة أكبر من ذلك، وهو وضع خطة للتمهيد للسيطرة على العالم، وعن طريق فرض عقيدة الإلحاد والشر على البشر جميعاً. (3).
يقول وليم كار: وقد أنهى وايزهاويت مهمته خلال عام 1776م، ويقوم المخطط الذي رسمه على ما يلي:
1 -
الهدف الأول: تدمير جميع الحكومات الشرعية، وتدمير وتقويض جميع الأديان السماوية. 2 - تقسيم (الجوييم)(4) إلى معسكرات متنابذة تتصارع فيما بينها بشكل دائم حول عدد من المشاكل تتولى المؤامرة توليدها وإثارتها باستمرار ملبسة إياها ثوباً اقتصادياً، أو اجتماعياً، أو سياسياً، أو عنصرياً.
3 -
تسليح هذه المعسكرات بعد خلقها، ثم تدبير حادث في كل مرة يكون من نتيجته أن ينقض كل معسكر على الآخر.
(1)((الحياة الاجتماعية والسياسية في المدينة الإسلامية))، مجلة المقاصد، العدد 12، (ص137).
(2)
((أضواء البيان)) (7/ 169).
(3)
رواه البخاري (2697) ومسلم (1718).
(4)
رواه مسلم (2363).
4 -
بث سموم الشقاق والنزاع داخل البلد الواحد وتمزيقه إلى فئات متناحرة، وإشاعة عقلية الحقد والبغضاء فيه، حتى تتقوض كل دعاماته الأخلاقية، والدينية، والمادية. 5 - الوصول شيئاً فشيئاً إلى النتيجة بعد ذلك، وهي تحطيم الحكومات الشرعية، والأنظمة الاجتماعية السليمة، وتهديم المبادئ الدينية الأخلاقية، والفكرية والكيانات القائمة عليها؛ تمهيداً لنشر الفوضى والإرهاب، والإلحاد (1).
هذا هو المخطط الذي وصفه وايزهاويت، والذي يهدف الماسونيون من خلاله إلى تحقيق ما يريدون.
والمتتبع لأحوال العالم يشاهد آثار ذلك التخطيط.
ولما انتهى وايزهاويت من وضع مخططه السابق كُلِّف - أيضاً - بتنظيم المحفل (النوراني) نسبة إلى الشيطان الذي كان مخلوقاً نورانياً - كما يقولون - وسمي ذلك المحفل بهذا الاسم؛ تذكيراً بالرابطة التي تربط جماعة الماسون والشيطان.
وهكذا استمرت المحافل في أداء رسالتها الشيطانية في جميع البلاد التي تحل بها، بل واستطاعت أن تغزو بعض البلاد الإسلامية عن طريق شعاراتها البراقة: الحرية، والإخاء، والمساواة، فخدعت الكثير من الناس بهذه الشعارات.
وفي عام 1830م فوجئت المحافل الماسونية بوفاة آدم وايزهاويت الرأس المفكر عندهم، والمخطط لأعمالهم بعد حياة طويلة سخر خلالها عبقريته الشريرة لخدمة أتباع الشيطان.
حينئذٍ فترت أعمال المحافل، وخمدت أنشطتها، وأوشكت أن تشل حركتها بالكامل بعد أن علمت بعض الحكومات بما تدبره وتعمل له، وبعد أن أحاطت بآراء تلك المحافل وأهدافها البعيدة، لكن الاجتماع المفاجئ الذي دعت له المحافل عام 1834م والذي تقرر فيه اختيار الزعيم الإيطالي (مازيني) خلفاً لآدم وايزهاويت - مكَّن هذه المحافل من تنفيذ برامجها في إثارة الفوضى والتخريب في ربوع العالم.
وفي عام 1840م استطاع المحفل الماسوني العالمي النوراني أن يضم إلى عضويته شخصية جديدة هو الجنرال الأمريكي (ألبرت بايك) الذي سُرِّح من الجيش الأمريكي ومعه قواته من الجنود الحمر؛ لارتكابهم فظائع وحشية تحت ستار الأعمال الحربية.
ونجحت الماسونية في استغلال حقده، وغضبه لما حل به من جراء تسريحه لخدمتها ولم تمض إلا فترة وجيزة على انضمام هذا الرجل للمحفل حتى أصبح المشرف الأول، والمخطط لهم في تنفيذ برامجهم.
لقد عمد النورانيون إلى بايك بالناحية التخطيطية، واختاروا له مقراً للعمل في بلدة صغيرة هادئة في الولايات المتحدة الأمريكية في (ليتل روك). وفي هذه البلدة استقر (بايك) في قصر هادئ واعتكف فيه من عام 1859 - 1871م وفي خلال هذه الأعوام قام بدراسة مستفيضة لمخططات (وايزهاويت) ثم وضع مخططاته الجديدة على ضوئها (2).
والذي يعنينا في هذا الصدد أن بايك أقرَّ ونظم تبني النورانيين لحركات التخريب العالمية الثلاث المبنية على الإلحاد وهي:
1 -
الشيوعية. 2 - الفاشستية (3).3 - الصهيونية (4).
فالأولى: وهي الشيوعية للإطاحة بالحكم الملكي في روسيا، وبعد الإطاحة بالحكم تجعل هذه المنطقة من العالم هي العقل المركزي للحركة الشيوعية الإلحادية، تم تأتي بعد ذلك مرحلة الانطلاق بالشيوعية إلى كل أرجاء العالم، بغية تدمير المعتقدات الدينية والأخلاقية.
(1) وذلك في 15 - 8 - 1410هـ وقد شارك في الندوة كل من د/ عبد القادر طاش ود/ أحمد البناني وذلك بدعوة من رئيس اللجنة الثقافية د/ عبد العزيز العقلا
(2)
الأستاذ بجامعة أم القرى والكاتب المعروف.
(3)
انظر ((مجلة التضامن الإسلامي)) عدد شوال 1410 هـ حيث نشر هذا الكلام، وقد اقتصرت على مكان الشاهد.
(4)
انظر ((التضليل الاشتراكي)) (ص66).
والثانية: وهي الفاشستية تُؤَمِّن الحرب العالمية الثانية واجتياح الحركة الشيوعية العالمية لنصف العالم مما يمهد للمرحلة القادمة هى إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين. والثالثة: وهي الصهيونية تتصدى للزعماء الإسلاميين، وتشن حرباً على الإسلام الذي يعد القوة الأخيرة التي تجابه القوة الخفية - الماسونية -حتى تتوصل إلى تدمير العالم وعقيدته (1).
والذي يعنينا من هذه الحركاتِ الشيوعيةُ، فلقد اختارت المؤامرة العالمية روسيا لتكون مقراً لقيام الشيوعية؛ لكثرة أقطاب اليهود القاطنين فيها.
ففي القرن التاسع عشر وفي الوقت الذي كانت فيه روسيا تحكم بالقيصرية - بلغ يهود روسيا ذروة السيطرة المالية والمهنية، وكان اتجاه القياصرة الروس أن يصهروا اليهود في المجتمع الروسي؛ حتى لا يكون لهم انفصال متميز.
إلا أن اليهود كانوا يرفضون ذلك بدافع عرقي وديني.
ثم كانت محاولة اغتيال اسكندر الثاني، فَبَدَّل هذا سياسته تجاه اليهود بعد أن كانت سياسة انفتاح وتسامح شديد.
عندئذٍ نقم اليهود على القيصر، وأسسوا جمعية سرية إرهابية هي جمعية (نارود نايافوليا) أي إرادة الشعب، وظلوا يأتمرون بالقيصر؛ ليقتلوه، حتى نجحت مؤامرة اغتياله في آذار سنة 1881م، وكان رؤوس المؤامرة جميعهم من اليهود، وفي مقدمتهم اليهودية (هيسيا هيلفمان).
وكان لاغتيال اسكندر الثاني رد فعل روسي معادٍ لليهود، وعندئذٍ نشطت الحركتان الشيوعية والصهيونية نشاطاً كبيراً في صفوف اليهود.
واتجهت الخطة اليهودية لتقويض القيصرية، وإقامة النظام الشيوعي في أوروبا الشرقية، فأخذ اليهود يدبرون المكائد، ويحيكون الدسائس، وينظمون الجمعيات السرية اليهودية لذلك الشأن، فكان من تلك المنظمات فرقة أطلق عليها (فرقة تحرير العمل).
وكانت مهمتها نشر أفكار كارل ماركس وآرائه وذلك عام 1883م.
وقد حققت تلك الفرقة -بما توفر لديها من عون- التنظيمات اليهودية في داخل روسيا - بعض مهمتها، واعتبر لينين وستالين أن ما حققته هذه الفرقة الماركسية كان النواة الأولى، وأنها أدت مهمة خطيرة جداً.
كما قامت المنظمات الأخرى كمنظمة (اتحاد العمال اليهود) بنشاطات واسعة في تأجيج الثورة ضد القيصرية، وببث النظرية الشيوعية الماركسية، وبالاتصال بكبار أصحاب الأموال الضخمة في العالم من الرأسماليين لتمويل حركتهم الشيوعية اليهودية.
وفي عام 1893م ذهب لينين إلى (بطرسبرغ) فأقام فيها، وأنشأ حلقة ماركسية انضم إليها عدد واسع من اليهود، ثم قام بمهمة توحيد الحلقات الماركسية في المدينة، وكان يزيد عددها على العشرين، فجمعها في (اتحاد النضال لتحرير الطبقة العاملة).
وظل الاتحاد يعمل بقيادة لينين في اتجاه آرائه حتى اعتقل عام 1895م.
ثم تابع اليهود في الولايات الغربية من روسيا مسيرة لينين، فأنشأوا حزب (البوند) أي الاتحاد العام للحزب الاشتراكي اليهودي، ولم يحضر لينين هذا المؤتمر بسبب نفيه إلى سيبيريا. وفي عام 1903م انعقد في بروكسل عاصمة بلجيكا مؤتمر التوحيد بهدف جمع الحركات الماركسية كلها تحت حزب العمال الاشتراكي، وكان برنامج الحزب الذي وضعه لينين هو الثورة الاشتراكية وقلب سلطة الرأسمالية وإقامة ديكتاتورية البروليتاريا (2).
(1) انظر ((التضليل الاشتراكي)) (ص 104).
(2)
([428]) انظر ((التضليل الاشتراكي)) (ص12) نقلا عن " نورمان ماكنزي " في كتابه عن الاشتراكية (ص7 - 8).
ثم عاشت روسيا فترة طويلة من الاضطرابات التي كان لها أكبر الأثر على الإنتاج العام الذي منيت به البلاد، والذي ظهر أثره عندما دخلت روسيا الحرب ضد ألمانيا؛ فمع بداية القرن العشرين الميلادي كانت روسيا مسرحاً لنشاط ثوري أسسه اليهود، واستطاعت تنظيماتهم السرية اغتيال عدد من الزعماء الروس.
وفي عام 1905م قامت في روسيا أول ثورة شيوعية نظمها اليهود إلا أنها أخفقت ولم يتمكن اليهود من فرض الماركسية في روسيا.
وفي كانون الثاني من عام 1917م بدأت الاضطرابات في موسكو ضد نظام الحكم القيصري؛ نتيجة ضعفه، وكثرة المؤامرات ضده، والحرب التي يخوضها على الجبهة الألمانية.
وظلت هذه الاضطرابات تستفحل وتنتشر حتى بلغت حد الثورة التي استطاعت أن تسقط نظام الحكم القيصري في شباط سنة 1917م.
وكانت الثورة في بدايتها ديمقراطية ذات اتجاه إصلاحي ولم تكن شيوعية، ولم يظهر الشيوعيون على الساحة، وقامت الحكومة المؤقتة برئاسة الأمير لفوف، واتخذت هذه الحكومة المؤقتة بعض التدابير الأولية للتهدئة؛ ظناً منها أن ذلك لمصلحة روسيا، فأصدرت قراراً بإعادة جميع المنفيين في سيبيريا والسماح لمن كان يقيم في الخارج أن يعود إلى البلاد.
وفي نيسان عام 1917م عاد إلى موسكو قادة المنظمات اليهودية الماركسية؛ فعاد لينين من سويسرا، وعاد ستالين من سيبيريا، وعاد تروتسكي من نيويورك مع مئات الشيوعيين اليهود الحمر.
وفي شهر نيسان نفسه من عام 1917م اجتمع البلشفيك برئاسة لينين، ووضعوا مخططاً لتحويل الثورة لمصلحتهم، ومصادتها بأية وسيلة.
وفي تشرين من عام 1917م استطاع البلشفيك الاستيلاء على السلطة المؤقتة، فصارت بأيدي الشيوعيين: لينين وأتباعه.
وبعد ذلك اتحدت المنظمات الماركسية، وخضعت لجهاز مركزي واحد، وفرض على روسيا حكم شديد العنف والصرامة مستخدماً كل وسائل القمع بالحديد والنار. وبهذا يتبين لنا كيف قامت الشيوعية، ومدى العلاقة بينها وبين اليهودية العالمية (1).
بل لقد كشفت اليهودية عن عملها ومخططها في نجاح الثورة، حيث صرح جاكوب شيف المليونير اليهودي بأن الثورة الروسية نجحت بفضل دعمه المالي. وقال: إنه عمل على التحضير لها مع رفيقه تروتسكي. (2).وفي استكهولم كان اليهودي (ماكس واربورج) ينفق بسخاء على هدم النظام القيصري، ثم انضم إلى هذه المجموعة من أصحاب الملايين اليهود - (والف اشبورغ)(وجيفولوفسكي) الذي تزوج ابنة (تروتسكي)(3).
وتقول إحدى الصحف الفرنسية القديمة الصادرة في عددها 115 عام 1919م: المعروف أن الحركة البلشفية ليست سوى حركة يهودية سرية يربطها ويوجهها التمويل اليهودي، فضلاً عن القيادات اليهودية فكراً وتنظيماً (4).
ونتساءل كيف يتفق أصحاب رؤوس الأموال في العالم مع دعوة (البروليتاريا) أصحاب الطبقة الفقيرة أيكون هذا دعاية من الدعايات التي تطلقها الدول الرأسمالية ضد النظام الشيوعي وأتباعه؟ إن الصحيفة الفرنسية تحسم هذه التكهنات والتناقضات عندما تكشف شيئاً من مخطط اليهود بقولها: إن الهدف من تمويل الثورة الشيوعية من قبل الرأسمالية اليهودية هو إقامة دولة إسرائيل في فلسطين (5).
يؤيد ما قالته الصحيفة الفرنسية أن من أول القرارات التي أصدرها لينين عقب توليه السلطة: هو قراره المعروف بتأييد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
والعجيب في الأمر أن قرار لينين هذا تزامن مع وعد بلفور الإنجليزي لهذا الغرض. وهكذا التقت الشيوعية مع الرأسمالية عام 1917م (6).
المصدر:
رسائل في الأديان والفرق والمذاهب لمحمد الحمد – ص 361
(1)([429]) بتصرف عن ((التضليل الاشتراكي)) (ص18 - 24).
(2)
([430]) انظر ((التضليل الماركسي)) (ص 38 - 39) نقلا عن ((موقف الإسلام من نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ)) (ص103).
(3)
([431])((موقف الإسلام من نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ)) (ص105).
(4)
([432]) نسبة إلى " مزدك " الذي ظهر في فارس أيام حكم الإمبراطور " قباذ " حيث جمع " مزدك " حوله الصعاليك ومن انضم إليه وكون منهم قوة كبيرة بل واعتنق " قباذ " هذه الفكرة وقامت شيوعية الأموال والنساء حتى ما كان الرجل يعرف له أبا أو أما واشتد شرها وضررها على الناس حتى أنقذهم الله على يدي " أنوشروان " ولد " قباذ " فقتل منهم جموعا غفيرة إذ كان من أشد أعدائهم وقتل " مزدك " شر قتله.
(5)
([433]) انظر ((هذه هي الاشتراكية)) (ص15).
(6)
([434]) انظر ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (ص191).