المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ج- الوعود البلفورية: - موسوعة الملل والأديان - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: تعريف الأديان لغة واصطلاحا:

- ‌المبحث الثاني: الفرق بين الدين والمذهب:

- ‌المبحث الثالث: تقسيم الأديان:

- ‌المبحث الأول: علم الأديان في القرآن الكريم وكتابة المسلمين فيه:

- ‌المبحث الثاني: باعث التدين:

- ‌المبحث الثالث: بيان أن التوحيد سبق الشرك:

- ‌الفصل الثالث: واقع العالم الديني وواجب المسلم تجاهه

- ‌المبحث الأول: تعريف اليهودية:

- ‌المبحث الثاني: سبب التسمية:

- ‌المبحث الثالث: أسماء اليهود:

- ‌المطلب الأول: النشأة:

- ‌المطلب الثاني: انتقال يعقوب عليه السلام بأولاده من بادية فلسطين إلى مصر:

- ‌المطلب الثالث: خروج بني إسرائيل من مصر:

- ‌المطلب الرابع: ما حدث من بني إسرائيل بعد الخروج:

- ‌المطلب الخامس: دخول بني إسرائيل أرض فلسطين:

- ‌المطلب السادس: استيلاء الأجنبي عليهم:

- ‌المطلب السابع: تشتتهم في الأرض:

- ‌المطلب الثامن: تجمعهم في فلسطين في العصر الحديث:

- ‌أولا: مسألة: ادعاء اليهود أن لهم حقًّا تاريخيًّا ودينيًّا في فلسطين:

- ‌ثانيا: مسألة: كذب اليهود المعاصرين في ادعائهم أنهم نسل بني إسرائيل:

- ‌المبحث الأول: التأسيس وأبرز الشخصيات:

- ‌أولا: السفارد Sephardim:

- ‌ثانيا: الإشكناز Ashkenazim:

- ‌ثالثا: اليهود الغربيون Western Jews:

- ‌رابعا: اليهود الشرقيون Oriental Jews:

- ‌خامسا: اليهود المستعربة Arabized Jews:

- ‌سادسا: الصابرا: جيل ما قبل عام 1967م

- ‌المطلب الثاني: الجماعات اليهودية المنقرضة والهامشية:

- ‌تمهيد: الجماعات اليهودية المنقرضة والهامشية

- ‌أولا: اليهود المتخفون Crypto-Jews:

- ‌ثانيا: البرتغاليون The Portuguese:

- ‌ثالثا: يهود المارانو: تاريخ وعقيدة The Marranos History and Doctrine:

- ‌رابعا: جديد الإسلام Jedid al-Islam:

- ‌خامسا: تشويتاس Chuetas:

- ‌سادسا: الرومانيوت Romaniot:

- ‌سابعا: يهود الهند Indian Jews:

- ‌ثامنا: بنو إسرائيل: Bene Israel:

- ‌تاسعا: يهود كوشين Cochin Jews:

- ‌عاشرا: يهود مانيبور Mainpur Jews:

- ‌حادي عشر: اليهود البغدادية Baghdadi Jews:

- ‌ثاني عشر: يهود القوقاز The Jews of the Caucasus:

- ‌ثالث عشر: يهود جورجيا Georgian Jews:

- ‌رابع عشر: يهود بخارى Bukhara Jews:

- ‌خامس عشر: يهود الجبال (يهود التات، يهود داغستان):

- ‌سادس عشر: يهود الخَزَر Khazar Jews:

- ‌سابع عشر: الكرمشاكي (تاريخ يهود شبه جزيرة القرم)

- ‌ثامن عشر: اليهود الأكراد Kurdish Jews:

- ‌تاسع عشر: يهود الصين (يهود كايفنج):

- ‌عشرون: اليهود الزنوج Negro Jew:

- ‌واحد وعشرون: العبرانيون السود

- ‌اثنان وعشرون: الفلاشاه: تاريخ وهوية

- ‌تمهيد: الفرق اليهودية

- ‌المبحث الأول: الفريسيون:

- ‌المبحث الثاني: الصدوقيون:

- ‌المبحث الثالث: المتعصبون:

- ‌المبحث الرابع: الكتبة أو النَّساخ:

- ‌المبحث الخامس: القراءون:

- ‌المبحث السادس: السامريون:

- ‌المبحث السابع: السبئية:

- ‌المبحث الثامن: الحسيديم:

- ‌المبحث التاسع: الإصلاحيون:

- ‌المبحث العاشر: الأرثوذكسية:

- ‌المبحث الحادي عشر: المحافظون:

- ‌المبحث الثاني عشر: العنانية:

- ‌المبحث الثالث عشر: العيسوية:

- ‌المبحث الرابع عشر: اليوذعانية:

- ‌المبحث الخامس عشر: الموشكانية أصحاب موشكان:

- ‌المبحث السادس عشر: الغيورون (قنَّائيم)

- ‌المبحث السابع عشر: الأسينيون:

- ‌المبحث الثامن عشر: عصبة حملة الخناجر: Sicarii

- ‌المبحث التاسع عشر: الفقراء (الإبيونيون): Ebionites

- ‌المبحث العشرون: القبالة Kabbale؛ الكابالا:

- ‌المبحث الحادي والعشرون: المغارية Maghariya:

- ‌المبحث الثاني والعشرون: المعالجون (ثيرابيوتاي): Therapeutae

- ‌المبحث الثالث والعشرون: المستحمون في الصباح (هيميروبابتست): Hemerobaptists

- ‌المبحث الرابع والعشرون: عبدة الإله الواحد (هبسستريون) Hypsisterion:

- ‌المبحث الخامس والعشرون: البناءون (بنائيم): Banaaim

- ‌المبحث الأول: التوراة والكتب الملحقة بها:

- ‌المطلب الأول: تعريفه:

- ‌المطلب الثاني: تدوين التلمود:

- ‌المطلب الثالث: تقديس اليهود له:

- ‌المطلب الرابع: مبادئه وخطره على غير اليهود:

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: تعريفها:

- ‌المطلب الثاني: ظروف تدوينها:

- ‌المطلب الثالث: الغرض منها:

- ‌الفصل الخامس: تاريخ التوراة:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: أدلة التحريف من القرآن الكريم والتوراة:

- ‌المطلب الأول: الاختلاف في عدد الأسفار:

- ‌المطلب الثاني: الاختلاف والتباين بين النسخ في المعلومات المدونة:

- ‌المطلب الثالث: الاختلاف بالمقارنة مع ما ذكروه في مواضع أخرى من كتابهم:

- ‌المطلب الرابع: الزيادة والإضافات:

- ‌المبحث الأول: تعريف هذه الأسفار:

- ‌المبحث الثاني: نقد التوراة المحرفة وما يتبعها من الأسفار:

- ‌المبحث الثالث: ما تثبته النصارى بخلاف نص التوراة وتكذيبهم لنصوصها التي بأيدي اليهود:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: وصفهم الله عز وجل بالتعب:

- ‌المبحث الثاني: وصفهم الله عز وجل بالجهل:

- ‌المبحث الثالث: وصفهم الله عز وجل بالندم:

- ‌المبحث الرابع: وصفهم الله عز وجل وتعالى وتقدس بالبكاء وذرف الدموع:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: نوح عليه السلام:

- ‌المبحث الثاني: لوط عليه السلام:

- ‌المبحث الثالث: يعقوب عليه السلام:

- ‌المبحث الرابع: هارون عليه السلام:

- ‌المبحث الخامس: داود عليه السلام:

- ‌المبحث السادس: سليمان عليه السلام:

- ‌الفصل العاشر: أهم مواسم اليهود وأعيادهم:

- ‌الفصل الحادي عشر: بداية انحراف اليهود:

- ‌المبحث الأول: الجذور الفكرية والعقائدية:

- ‌المبحث الثاني: الإله عند اليهود:

- ‌المبحث الثالث: اليوم الآخر لدى اليهود:

- ‌المطلب الأول: الصلاة:

- ‌المطلب الثاني: الصيام:

- ‌المطلب الأول: الزواج:

- ‌المطلب الثاني: الطلاق:

- ‌المطلب الثالث: المأكل والمشرب:

- ‌المبحث السادس: أفكار ومعتقدات أخرى:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: زعمهم بأنهم شعب الله المختار:

- ‌المبحث الثاني: زعمهم نقاء الجنس اليهودي:

- ‌المبحث الثالث: زعمهم أن لهم حقًّا تاريخيًّا ودينيًّا في فلسطين:

- ‌الفصل الرابع عشر: من أوصاف اليهود وأخلاقهم:

- ‌المبحث الأول: مواقف اليهود مع المسلمين قديماً وحديثاً:

- ‌المبحث الثاني: أهداف اليهود:

- ‌المبحث الثالث: وسائل اليهود ومخططاتهم:

- ‌الفصل السادس عشر: الانتشار ومواقع النفوذ:

- ‌المبحث الأول: التعريف بهم:

- ‌المبحث الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

- ‌المبحث الثالث: الأفكار والمعتقدات:

- ‌المبحث الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:

- ‌المبحث الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:

- ‌المبحث الأول: التعريف بهم:

- ‌المبحث الثاني: تاريخ الصهيونية:

- ‌المبحث الثالث: أهداف الصهيونية:

- ‌المبحث الرابع: التأسيس وأبرز الشخصيات:

- ‌المبحث الخامس: الأفكار والمعتقدات:

- ‌المبحث السادس: الجذور الفكرية والعقائدية:

- ‌المبحث السابع: الانتشار ومواقع النفوذ:

- ‌تمهيد:

- ‌أ - سبب حرص الصهاينة على فلسطين:

- ‌ب- وعد بلفور:

- ‌ج- الوعود البلفورية:

- ‌المطلب الثاني: خطط اليهود المستقبلية:

- ‌المطلب الثالث: اللوبي اليهودي والصهيوني (أو جماعات الضغط الصهيونية)

- ‌المطلب الرابع: تاريخ موجز للحركة الصهيونية:

- ‌أولا: المرحلة التكوينية:

- ‌ثانياً: مرحلة الولادة في مطلع القرن العشرين:

- ‌ثالثاً: الاستيطان في فلسطين:

- ‌رابعاً: أزمة الصهيونية:

- ‌المبحث التاسع: اليهود في العصر الحديث:

- ‌المبحث الأول: التعريف:

- ‌المبحث الثاني: أصلها:

- ‌المبحث الثالث: هل يصح إطلاق المسيحية على النصرانية

- ‌المبحث الرابع: نشأتها وتاريخها:

- ‌المبحث الخامس: التعريف بالمسيح عليه السلام:

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: المسيح عليه السلام من خلال مصادر النصارى:

- ‌المطلب الثاني: تلاميذ المسيح عليه السلام بعد رفعه:

- ‌تمهيد:

- ‌الفرع الأول: الغنوصية:

- ‌الفرع الثاني: المونتانية:

- ‌الفرع الثالث: البنويون:

- ‌الفرع الرابع: الانتحالية أو الوحدوية:

- ‌أولا: السابليوسية:

- ‌ثانيا: الآريوسية:

- ‌المبحث السابع: نشأة الرهبانية والديرية وتأثير الفلسفة على النصرانية:

- ‌المبحث الثامن: الكنيسة في عصر النهضة:

- ‌المبحث التاسع: الكنيسة والماسونية:

- ‌المبحث العاشر: الكنيسة في خدمة الاستعمار الغربي:

- ‌الفصل الثاني: عقيدة المسلمين في عيسى عليه السلام:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: المرحلة الأولى:

- ‌المبحث الثاني: المرحلة الثانية:

- ‌المبحث الأول: التبشير:

- ‌المبحث الثاني: بداية الانحراف:

- ‌المبحث الثالث: الاضطهاد:

- ‌المبحث الأول: العهد الذهبي للنصارى:

- ‌المبحث الثاني: مرحلة الانفصال السياسي:

- ‌المبحث الثالث: نشأة البابوية:

- ‌المبحث الرابع: بداية الصراع والتنافس على الزعامة الدينية بين الكنيستين:

- ‌المبحث الخامس: انفصال الكنيسة مذهبيًّا:

- ‌المبحث السادس: نشأة الكنيسة اليعقوبية:

- ‌المبحث السابع: نشأة الكنيسة المارونية:

- ‌المبحث الثامن: انفصال الكنيسة إداريًّا:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: الكتاب المقدس:

- ‌المطلب الأول: إسناد وتاريخ الأناجيل الأربعة إجمالا:

- ‌تمهيد:

- ‌الفرع الأول: إسناد الأناجيل الأربعة وتاريخها إجمالاً:

- ‌المطلب الثاني: تاريخ الأناجيل الأربعة تفصيلاً:

- ‌أولاً: إنجيل متى:

- ‌ثانياً: إنجيل مرقص:

- ‌ثالثاً: إنجيل لوقا:

- ‌رابعاً: إنجيل يوحنا:

- ‌المطلب الثالث: الأناجيل الأربعة متناً:

- ‌المطلب الرابع: الأغلاط في الأناجيل:

- ‌المطلب الخامس: إنجيل برنابا:

- ‌تمهيد:

- ‌1 - مجمع نيقية سنة (325) م:

- ‌2 - مجمع القسطنطينية:

- ‌3 - مجمع أفسس سنة (431) م:

- ‌4 - مجمع خلقيدونيه سنة (451) م:

- ‌5 - المجمع السابع سنة (754، 787) م:

- ‌6 - المجمع الثامن سنة (869) م:

- ‌7 - المجمع الثاني عشر الذي عقد سنة (1215) م:

- ‌8 - مجمع روما عام (1769) م:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: التثليث:

- ‌المطلب الأول: استدلالات النصارى على التثليث:

- ‌المطلب الثاني: إبطال ونقض ما استدلوا به على التثليث:

- ‌المطلب الثالث: أدلة إثبات الوحدانية وإبطال التثليث من العهد القديم والأناجيل:

- ‌المبحث الثاني: الأقانيم الثلاثة تعريفها وأدلتهم عليها وبيان بطلان تلك الأدلة:

- ‌المطلب الأول: الأقنوم الأول: الأب:

- ‌المطلب الثاني: الأقنوم الثاني: الابن:

- ‌المطلب الثالث: الأقنوم الثالث: الروح القدس:

- ‌المطلب الرابع: إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام:

- ‌المبحث الثالث: الاتحاد: (التجسد):

- ‌المطلب الأول: الصلب:

- ‌المطلب الثاني: الفداء:

- ‌المطلب الثالث: بيان بطلان دعوى النصارى في الصلب والفداء:

- ‌المبحث الخامس: أهم الأفكار والمعتقدات الأخرى:

- ‌المطلب الأول: الخطيئة والخلاص:

- ‌المطلب الثاني: التثليث:

- ‌المطلب الثالث: التوسط والتحليل والتحريم:

- ‌المبحث السابع: دعوى محاسبة المسيح الناس:

- ‌المبحث الثامن: قول النصارى في البعث والجنة والنار:

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: الصلاة:

- ‌المطلب الثاني: الصوم:

- ‌المطلب الأول: التعميد:

- ‌المطلب الثاني: العشاء الرباني أو القربان المقدس:

- ‌المطلب الثالث: الاعتراف للقس، وصكوك الغفران:

- ‌المطلب الرابع: الزواج عند النصارى:

- ‌المطلب الخامس: حمل الصليب وتقديسه:

- ‌المطلب السادس: تقديس يوم الأحد:

- ‌المطلب السابع: الأسرار السبعة:

- ‌المطلب الثامن: التنظيم الكهنوتي:

- ‌المطلب التاسع: الهرطقة ومحاربتها:

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: البشارة الأولى:

- ‌المطلب الثاني: البشارة الثانية:

- ‌المطلب الثالث: البشارة الثالثة:

- ‌المطلب الرابع البشارة الرابعة:

- ‌المطلب الأول: بشارة يعقوب عليه السلام بشيلون:

- ‌الفرع الأول: موسى عليه السلام يبشر بظهور نبي ورسول مثله:

- ‌الفرع الثاني: نبوءة موسى عن البركة الموعودة في أرض فاران:

- ‌المطلب الثالث: المزامير تبشر بصفات نبي آخر الزمان:

- ‌المطلب الرابع: البشارة بالملكوت:

- ‌المطلب الخامس: النبي دانيال يتنبأ بزمان الملكوت:

- ‌المطلب السادس: البشارة بـ (محماد) مشتهى الأمم:

- ‌المطلب السابع: البشارة بإيلياء:

- ‌المطلب الثامن: الأصغر في ملكوت الله:

- ‌المطلب التاسع: المسيح يبشر بالبارقليط:

- ‌الفصل العاشر: تحريفات النصارى ومزاعمهم:

- ‌المطلب الأول: الاضطهادات:

- ‌المطلب الثاني: ضياع الإنجيل وانقطاع السند:

- ‌تمهيد:

- ‌الفرع الأول: ادعاؤه أن المسيح ابن الله:

- ‌الفرع الثاني: ادعاؤه أن الغاية من مجيء المسيح عليه السلام هو الصلب وتكفير الخطايا:

- ‌الفرع الثالث: ادعاؤه أن دعوة المسيح عليه السلام كانت عامة لجميع بني البشر:

- ‌الفرع الرابع: إلغاؤه لشريعة موسى عليه السلام، ودعواه أن الإنسان ينجو بالإيمان المجرَّد بدون عمل

- ‌الفرع الخامس: إلغاؤه للختان:

- ‌الفرع السادس: التأثر بالوثنيات والفلسفات الوثنية:

- ‌الفرع السابع: تدخل الإمبراطور قسطنطين:

- ‌الفرع الثامن: المجامع النصرانية:

- ‌المبحث الثاني: الرد على شبهات النصارى في ادعائهم الإيمان، وأن القرآن قد أثنى على دينهم، وحكم لهم بالنجاة يوم القيامة:

- ‌المبحث الثالث: نفي الألوهية عن عيسى عليه السلام من خلال القرآن والأناجيل:

- ‌المبحث الرابع: بشرية عيسى- عليه السلام وعبوديته من خلال القرآن والأناجيل:

- ‌المبحث الخامس: نبوة عيسى عليه السلام ورسالته من خلال القرآن والأناجيل:

- ‌تمهيد:

- ‌المطلب الأول: نماذج من انحرافات النصارى، من القرآن الكريم:

- ‌المطلب الثاني: نماذج من انحرافات النصارى، من السنة:

- ‌المبحث الأول: علاقة النصارى باليهود وعداؤهم للإسلام:

- ‌المبحث الثاني: عداوة النصارى للمسلمين، وموقفهم منهم:

- ‌الفصل الثاني عشر: النصارى في التاريخ الإسلامي:

- ‌الفصل الثالث عشر: الانتشار ومواقع النفوذ:

- ‌المطلب الأول: الملكانية:

- ‌المطلب الثاني: النسطورية:

- ‌المطلب الثالث: اليعقوبية:

- ‌تمهيد:

- ‌الفرع الأول: التعريف:

- ‌الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

- ‌الفرع الثالث: الكنيسة الأرثوذكسية المصرية:

- ‌الفرع الرابع: الانفصال الرسمي:

- ‌الفرع الخامس: الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية:

- ‌الفرع السادس: أهم الأفكار والمعتقدات:

- ‌الفرع السابع: العبادات والشعائر:

- ‌الفرع الثامن: الجذور الفكرية والعقائدية:

- ‌الفرع التاسع: الانتشار ومواقع النفوذ:

- ‌الفرع الأول: التعريف:

- ‌الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

- ‌الفرع الثالث: تأكيد سيطرة الكنيسة الغربية:

- ‌الفرع الرابع: العصور المظلمة:

- ‌الفرع الخامس: القرون الوسطى:

- ‌الفرع السادس: بعث الأمة الكاثوليكية:

- ‌الفرع السابع: الأفكار والمعتقدات:

- ‌الفرع الثامن: الجذور الفكرية والعقدية:

- ‌الفرع التاسع: الانتشار ومواقع النفوذ

- ‌الفرع الأول: التعريف:

- ‌الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

- ‌الفرع الثالث: أهم الكنائس البروتستانتية:

- ‌الفرع الرابع: الصهيونية المسيحية:

- ‌الفرع الخامس: الأفكار والمعتقدات:

- ‌الفرع السادس: الجذور الفكرية والعقائدية:

- ‌الفرع السابع: الانتشار ومواقع النفوذ:

- ‌الفرع الأول: التعريف:

- ‌الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

- ‌الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:

- ‌الفرع الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:

- ‌الفرع الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:

- ‌الفرع الأول: التعريف:

- ‌الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

- ‌الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:

- ‌الفرع الرابع: أماكن الانتشار:

- ‌الفرع الأول: التعريف:

- ‌الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

- ‌الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:

- ‌الفرع الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:

- ‌الفرع الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:

- ‌الفرع الأول: التعريف:

- ‌الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

- ‌الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:

- ‌الفرع الرابع: الانتشار ومواقع النفوذ:

- ‌الفرع الخامس: طريقتهم في العمل:

- ‌الفرع الأول: التعريف:

- ‌الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

- ‌الفرع الثالث: الهيكل التنظيمي:

- ‌الفرع الرابع: الأفكار والمعتقدات:

- ‌الفرع الخامس: الجذور الفكرية والعقائدية:

- ‌الفرع السادس: الانتشار ومواقع النفوذ:

- ‌الفرع الأول: التعريف:

- ‌الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

- ‌الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:

- ‌الفرع الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:

- ‌الفرع الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:

- ‌المطلب العاشر: الأبرشانية Congregationalism:

- ‌المطلب الحادي عشر: أخوة بلايموث Plymouth Brethern:

- ‌المطلب الثاني عشر: السريان:

- ‌المطلب الثالث عشر: البروتستنتية المتحررة Liberal Protestantism:

- ‌المطلب الرابع عشر: أنغليكان:

- ‌المطلب الخامس عشر: كيبتاوالا Kibtawala:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: التعريف بالتنصير:

- ‌المبحث الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:

- ‌المبحث الثالث: الأفكار والمعتقدات:

- ‌المبحث الرابع: هل جاء المسيح بديانة عالمية

- ‌المبحث الخامس أسباب انتشار التنصير في البلاد الإسلامية:

- ‌المبحث السادس: الأساليب التي يتبعها أعداء الإسلام في حربهم له واتفاقهم على ذلك:

- ‌المطلب الأول: بيان أنواع الوسائل والطرق إجمالا:

الفصل: ‌ج- الوعود البلفورية:

‌ج- الوعود البلفورية:

Balfour Declarations

« الوعود البلفورية» مصطلح نستخدمه للإشارة إلى مجموعة من التصريحات التي أصدرها بعض رجال السياسة في الغرب يدعون فيها اليهود لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، ويعدون بدعمه وتأمينه نظير أن يقوم اليهود على خدمة مصالح الدولة الراعية، أي أنها دعوة لتوقيع العقد الصامت بين الحضارة الغربية والمنظمة الصهيونية.

والوعود البلفورية تعبير عن نموذج كامن في الحضارة الغربية يضرب بجذوره فيها. وهي حضارة تنحو منحى عضويًّا، وتجعل التماسك العضوي مثلاً أعلى. ونظراً لأن التماسك العضوي هو المثل الأعلى، فإن عدم التجانس يصبح سلبيًّا كريهاً. وينتج عن هذه الرؤية للكون رفض الآخر في شكل الأقليات. ومن ثم، نجد أن الحضارة الغربية (والمسيحية الغربية) لم تتوصل إلى إطار تتعامل من خلاله مع الأقليات، وبالذات اليهود، وإنما همَّشتهم (شعب شاهد) وحوسلتهم (جماعة وظيفية). ومنذ عصر النهضة الغربية والثورة العلمانية الشاملة، بدأت أزمة الجماعات اليهودية، وظهرت الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة التي تُعَدُّ جزءاً من فكرة العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية بشأن يهود العالم: شعب عضوي منبوذ ـ نافع ـ يُنقَل خارج أوربا إلى فلسطين؛ ليُوظَّف لصالحها في إطار الدولة الوظيفية.

وقد صدرت معظم الوعود البلفورية في القرن التاسع عشر، واستمرَّت حتى صدور وعد بلفور عام (1917) م، الذي حسم مسألة علاقة اليهود بالحضارة الغربية. وسنقوم بمحاولة تحليل عدد من الوعود البلفورية، وسنقسمها إلى ثلاثة عناصر أساسية.

1 ـ نص الوعد.

2 ـ الديباجة العلنية (أو الأسباب المعلنة) التي عادةً ما ترد في الوعد نفسه أو في مجال الدفاع عنه.

3 ـ الدوافع الخفية (العميقة أو الحقيقية) وهي عادةً لا ترد في أيٍّ من الوعود، وعلينا أن نبحث عنها في نصوص وحقائق تاريخية تشكِّل السياق التاريخي للوعد البلفوري موضع البحث. ويُعتبَر نابليون بونابرت من أوائل القادة الغربيين الذين أصدروا وعداً بلفوريًّا، وهو أيضاً أول غاز للشرق في العصر الحديث. وفيما يلي الجزء المهم من نص الوعد:

(من نابليون القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في أفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين.

أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذين لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبهم اسمهم ووجودهم القومي، وإن كانت قد سلبتهم أرض الأجداد فقط.

ص: 189

إن مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين ـ وإن لم تكن لهم مواهب المتنبئين مثل إشعياء ويوئيل ـ قد أدركوا ما تنبَّأ به هؤلاء بإيمانهم الرفيع من دمار وشيك لمملكتهم ووطنهم: أدركوا أن عتقاء الإله سيعودون لصهيون وهم يغنُّون، وسيُولَد الابتهاج بتَملُّكهم إرثهم دون إزعاج، فرحاً دائماً في نفوسهم (إشعياء (35/ 10 انهضوا إذن بسرور أيها المبعدون. إن حرباً لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، تخوضها أمة دفاعاً عن نفسها بعد أن اعتبر أعداؤها أرضها التي توارثوها عن الأجداد غنيمة ينبغي أن تُقسَّم بينهم حسب أهوائهم. وبجرة قلم من مجلس الوزراء تقوم للثأر وللعار الذي لحق بها وبالأمم الأخرى البعيدة. ولقد نُسي ذلك العار تحت قيد العبودية والخزي الذي أصابكم منذ ألفي عام. ولئن كان الوقت والظروف غير ملائمة للتصريح بمطالبكم أو التعبير عنها، بل وإرغامكم على التخلي عنها، فإن فرنسا تقدم لكم إرث إسرائيل في هذا الوقت بالذات، وعلى عكس جميع التوقعات، إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به، والذي يقوده العدل ويواكبه النصر، جعل القدس مقرًّا لقيادتي، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي لم تَعُد تُرهب مدينة داود. يا ورثة فلسطين الشرعيين: إن الأمة التي لا تتاجر بالرجال والأوطان، كما فعل أولئك الذين باعوا أجدادهم لجميع الشعوب (يوئيل 4/ 6 (، تدعوكم لا للاستيلاء على إرثكم بل لأخذ ما تم فتحه والاحتفاظ به بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء. انهضوا وأظهروا أن قوة الطغاة القاهرة لم تُخمد شجاعة أحفاد هؤلاء الأبطال الذين كان تَحالُفهم الأخوي شرفاً لإسبرطة وروما (مكابيون 12/ 15 (، وأن معاملة العبودية التي دامت ألفي عام لم تُفلح في إخمادها. سارعوا! إن هذه هي اللحظة المناسبة ـ التي قد لا تتكرر لآلاف السنين ـ للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التي سُلبت منكم لآلاف السنين، وهي وجودكم السياسي كأمة بين الأمم، وحقكم الطبيعي في عبادة يهوه، طبقاً لعقيدتكم، علناً وإلى الأبد. (يوئيل 4/ 20.) وفيما يتعلق بوعد نابليون البلفوري، يمكن ملاحظة ما يلي:

1 ـ جوهر الوعد هو العبارة التالية: (تقدِّم فرنسا فلسطين لليهود في هذا الوقت بالذات، وعلى عكس جميع التوقعات

وهذه هي اللحظة المناسبة التي قد لا تتكرر لآلاف السنين). (تدعوكم (فرنسا) لا للاستيلاء على إرثكم بل لأخذ ما تم فتحه والاحتفاظ به بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء). (وجودكم السياسي كأمة بين الأمم، وحقكم الطبيعي في عبادة يهوه طبقاً لعقيدتكم، علناً وإلى الأبد.

2 ـ لا يختلف تصريح نابليون عن وعد بلفور، فنابليون يعتبر أعضاء الجماعات اليهودية شعباً غريباً عن وطنه (وهو ما يعني إسقاط المواطنة عنه) وهو شعب مرتبط بفلسطين. وقد وجَّه نابليون نداءه إلى (الشعب الفريد) و (المبعدين) الذين عاشوا (تحت قيد العبودية والخزي

منذ ألف عام) و (ورثة فلسطين الشرعيين)(أي: الشعب العضوي المنبوذ) بأن يتبعوا فرنسا التي ستقدم لهم إرث إسرائيل، أي: أرض فلسطين، أي: أنهم سيتم خروجهم من فرنسا وتوطينهم في فلسطين.

ص: 190

3 ـ ثم نأتي ثالثاً إلى الدوافع الخفية الحقيقية، وليس من الصعب تخمينها، فنابليون لم يَكُنْ يُكِنُّ كثيراً من الحب أو الاحترام لليهود، وهذا يظهر في تشريعاته داخل فرنسا. ولذا فإن إرسالهم إلى فلسطين فيه حل للمسألة اليهودية في فرنسا (والتي كانت قد بدأت في التفاقم). ومع هذا كان نابليون يهدف إلى توظيف اليهود في خدمة مشاريعه وتحويلهم إلى عملاء له، وهذا ما قاله ملك إيطاليا لهرتزل (وقد وافقه الزعيم الصهيوني على رأيه). ولعل إشارة نابليون إلى التقاليد المكابية هو إشارة خفية للدور القتالي (المملوكي) الذي يمكن أن تلعبه الدولة اليهودية المقترحة في خدمة المصالح الغربية.

وقد صدرت أيضاً عدة وعود بلفورية ألمانية. ويمكننا هنا أن نتوقف قليلاً عند واحد من أهم إسهامات (هرتزل) للحركة الصهيونية، وهو أنه إذا كانت الفكرة الصهيونية إمكانية كامنة في الحضارة الغربية تود أن تتحقق، فلم يكن بإمكانها أن تخرج من عالم الوجود بالقوة إلى عالم الوجود بالفعل إلا من خلال آليات محددة، أهمها:

تنظيم المادة البشرية (اليهودية) التي سيتم ترحيلها، وتأسيس إطار تنظيمي يستطيع أن يتلقَّى الوعود، وأن يقوم بتنفيذها. وحينما أصدر نابليون وعده البلفوري لم يكن هناك تنظيم يهودي يمكنه تلقِّي هذا الوعد، والعمل على تسخير المادة البشرية لتنفيذه. وهذا ما أنجزه (هرتزل) بعد أن نشر كتابه (دولة اليهود) الذي وضَّح فيه ما نسميه «العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية» . فقرَّر (هرتزل) أن يأخذ بزمام الأمور، وأن يتوجه للدول العظمى. وقد ساعده في مسعاه هذا القس (الواعظ) الصهيوني نصف المجنون (هشلر) إذ قدمه إلى أحد كبار المسئولين الألمان الذي تحدَّث إلى القيصر عن الموضوع. وكانت ثمرة هذه الاتصالات وعد بلفوري ورد في خطاب من دون إيلونبرج باسم حكومة القيصر إلى (هرتزل) مؤرخ في سبتمبر (1898) وجاء فيه:

(إن صاحب الجلالة على استعداد أكيد أن يناقش الأمر (توطين اليهود) مع السلطان، وأنه سيسعده أن يستمع إلى مزيد من التفاصيل منكم في القدس. وقد أصدر جلالته أوامره بأن تُذلِّل كل الصعاب التي تواجه استقبال وفدكم. وأخيراً يحب جلالته أن يخبركم عن استعداده أن يأخذ على عاتقه مسئولية محمية (يهودية) في حالة تأسيسها. وجلالته حينما يكشف لكم عن نواياه، فهو يعوِّل، بطبيعة الحال، على مقدرتكم على الكتمان. وكم يسعدني أن أنقل لكم هذه المعلومات، وأتمنى أن تنجح في الوصول إلى القدس في الموعد المحدد. وفي الحقيقة، فإن فشلكم في هذا سيسبب لجلالته خيبة الأمل. وأترك لكم- بما تتميزون به من لباقة- أن تقرروا ما إذا كنتم تودون الوصول إلى إستنبول في الوقت الذي يصل فيه جلالته إليها أم لا).

ويمكننا ملاحظة ما يلي:

1 ـ جوهر الوعد يُوجَد في العبارة: (يحب جلالته أن يخبركم عن استعداده أن يأخذ على عاتقه مسئولية محمية (يهودية) في حالة تأسيسها (وأنه) على استعداد أكيد أن يناقش الأمر (توطين اليهود) مع السلطان.

ص: 191

2 ـ وإذا انتقلنا بعد ذلك إلى الديباجة العلنية والنوايا المعلنة، فإننا لن نجد لها أيَّ أثر، فقيصر ألمانيا لم يكن تحت أية ضغوط للبحث عن مسوغات رومانسية، بل إن العكس في حالته هو الصحيح؛ إذ كان عليه أن يبرر أمام شعبه مسألة تعاطفه مع المشروع الصهيوني وتأييده له، بل واستعداده لأن يضع الصهاينة تحت حمايته. وكما قال في خطابه المؤرخ (29) سبتمبر (1898) م، والمُرسَل إلى دوق بادن، فإن تسعة أعشار شعبه سيُصدَم صدمة عميقة إذا اكتشف هذه الحقيقة. فاليهود ـ كما يقول ـ هم قتلة المسيح، وهو يعترف بهذه الحقيقة، ولكنه يضيف قائلاً:(إن الإله قد أنزل بهم العقاب على ما اقترفوه من آثام، إلا أنه لم يأمر المسيحيين بأن يسيئوا معاملة هذا الشعب).

3 ـ وأما العنصر الثالث، أي: الدوافع الحقيقية الخفية، فهي موجودة وبغزارة، في خطاب القيصر المذكور، وفي تعليقه على تقرير سفير ألمانيا في سويسرا عن المؤتمر الصهيوني الأول (1897) م، فهو في مجال تسويغ تعاونه مع (قتلة المسيح) يورد الأسباب التالية لتأييد ألمانيا للمشروع الصهيوني:

أ) سينتج عن توطين شعب إسرائيل رخاء للمنطقة، ولا سيما أن الملايين ستصب في الأكياس العثمانية، الأمر الذي قد يؤدي إلى شفاء الرجل المريض.

ب) ستُوجَّه طاقة اليهود ومواهبهم إلى أهداف أكثر نبلاً من استغلال المسيحيين.

جـ) إفراغ ألمانيا من اليهود الذين فيها (وكلما عجلوا بالذهاب .. ، كان ذلك أفضل. فلن أضع أية عراقيل في طريقهم).

د) إذا بُحثت المسألة من منظور الحقائق السياسية (لا الأخلاقية)، فإن ألمانيا ستستفيد غاية الاستفادة؛ لأن رأس المال اليهودي العالمي، بكل خطورته، سينظر بعين العرفان إلى ألمانيا.

ولعل موقف القيصر من اليهود، بما يتسم به من كره عميق لهم، وترحيب شديد بالتخلص منهم، واستعداد تام لتوظيفهم في خدمة المصالح الألمانية- لا يختلف كثيراً عن موقف نابليون من قبله، أو موقف بلفور من بعده.

ورغم وعود القيصر، ورغم حرصه على تبنِّي المشروع الصهيوني، إلا أنه لم يكن مدركاً مدى عُمْق الرفض العثماني للمشروع الصهيوني، وهو الأمر الذي أدركه إبان زيارته لإستنبول. ولذا، فحينما تم اللقاء في نهاية الأمر في القدس، حيث كان من المتوقع أن يُصدر القيصر وعده البلفوري العلني الكامل، تراجع واكتفى ببعض المجاملات الخالية من المعنى.

ص: 192

ومن الأمثلة الأخرى على الوعود البلفورية: الوعد البلفوري الروسي القيصري. فقد قام (هرتزل) بمقابلة فون بليفيه، وزير الداخلية الروسي المعادي لليهود، بتفويض من المؤتمر الصهيوني الخامس (1901) م، حتى يَحصُل على تصريح يُعبِّر عن نوايا الروس يتلوه في المؤتمر الصهيوني السادس المزمع عقده سنة (1903) م. وبالفعل، صَدَر الوعد البلفوري القيصري على النحو التالي (في شكل رسالة وجَّهها فون بليفيه إلى تيودور هرتزل). وهذا هو منطوق الوعد:(ما دامت الصهيونية تحاول تأسيس دولة مستقلة في فلسطين، وتنظيم هجرة اليهود الروس، فمن المؤكد أن تظل الحكومة الروسية تحبذ ذلك. وتستطيع الصهيونية أن تعتمد على تأييد معنوي ومادي من روسيا إذا ساعدت الإجراءات العملية التي يفكر فيها على تخفيف عدد اليهود في روسيا). وقد توصَّل (هرتزل) أيضاً إلى اتفاق مع المسئولين الروس مفاده: أنْ تبذل الحكومة الروسية مساعيها الحميدة لدى تركيا؛ لتسهيل دخول اليهود إلى فلسطين. وستقدم مساعدات مالية للمهاجرين تُجمَع من مصادر يهودية، وستُسهِّل تنظيم الجمعيات الصهيونية الملتزمة ببرنامج بازل. وقد سُمح أيضاً لبنك الاستيطان اليهودي ببيع أسهمه في روسيا شريطة أن يفتح فرعاً له في البلد لكي تستطيع السلطات مراقبة عمليات البيع. كذلك قام (بليفيه) بتزويد (هرتزل) برسالة موقعة منه، وبعد أن بحث محتوياتها مع القيصر، أعلن فيها أن الحكومة الروسية تنظر بعين العطف إلى الصهيونية ما دام هدفها إقامة دولة مستقلة في فلسطين، وأنها على استعداد لمساعدتها. وهذه المساعدة قد تتخذ شكل حماية الممثلين الصهاينة أمام الحكومة العثمانية، وتسهيل نشاط جمعيات الهجرة ومساعدتها ماليًّا من الضرائب التي تُجبى من اليهود. وقد استغلَّ (هرتزل) هذه الرسالة، في أكثر من مناسبة، فيما بعد. ويُلاحَظ أنه لا توجد أية ديباجات رومانسية في هذا الوعد، فهو مسألة تعاقدية جافة يتحدث فيها كل طرف عن الفائدة المرجوة وعلى العائد من الصفقة. ولذا، فقد أكَّد فون بليفيه- دون مواربة أو حياء- أن الهدف هو التخلص من اليهود عامة، باستثناء الأثرياء منهم، وجاء هذا واضحاً في قوله: (

إن نجاح اليهود في إقامة دولة مستقلة لهم تستوعب عدة ملايين منهم لهو أمر نقبله وندعمه

إننا لا نريد التخلص من جميع اليهود الروس

إننا نريد فقط التخلص من المعدمين والمضطربين). وحذَّر فون بليفيه من أن التأييد الروسي القيصري سيتم سحبه إن كان هدف الصهيونية، غير المعلن، هو تحقيق تركيز قومي لليهود في روسيا، فالدعم الروسي مشروط بالتخلص من اليهود.

ص: 193

وقد كان ذلك مفهوماً تماماً لدى (هرتزل) الذي أكد في مفاوضاته مع بليفيه أن الحركة الصهيونية (ستستقطب جميع اليهود وضمنهم المتطرفون (أي: العناصر الثورية التي كانت تقض مضجع الدولة الروسية القيصرية). أما إذا انهارت آمالنا، فإن الوضع سينقلب رأساً على عقب، وستكسب الأحزاب الثورية إلى صفوفها أولئك الذين سينسحبون من الصهيونية التي أُمثِّلها أنا وزملائي). كما أن (هرتزل) فهم تماماً تحذير بليفيه. وهكذا فإننا نجده، في المؤتمر الصهيوني السادس (1903) م، يؤكد للمجتمعين أن الحكومة الروسية لن تسبب أية مشاكل للحركة الصهيونية، ما دام نشاطها منحصراً ضمن النظام والقانون (أي: في عملية التخلص من اليهود، وتفريغ روسيا منهم). واستطاع (هرتزل) بجهد وتصميم أن يحول بين المؤتمر وبين مناقشة مذابح كيشينيف، وقد علَّق على الموضوع في رسالة بعث بها إلى بليفيه قال فيها (:

رغم المصاعب التي واجهتني في إدارة جلسات المؤتمر بجوها المشحون نتيجة الأحداث المؤلمة (مذابح كيشينيف)، إلا أنني نجحت في المحافظة على النظام وإعادة الهدوء إلى الجلسات .. ولا شك في أن الفضل يعود في ذلك إلى رسالتكم التي تكرمت بإرسالها في (12) أغسطس، والتي كشفت محتوياتها؛ لأخمد بذلك كل جدال ثار حول تلك الأحداث).

ويمكن أن ننظر إلى مشروع شرق أفريقيا باعتباره أحد أهم الوعود البلفورية، وهو لا يختلف كثيراً عن الوعود البلفورية التي أشرنا إليها، وإن كان أكثر جدية وأكثر تحديداً منها. كما أنه يشبه في كثير من النواحي وعد بلفور الذي صدر في نهاية الأمر.

ص: 194

وقد صدر آخر الوعود البلفورية عن ألمانيا بعد صدور وعد بلفور نفسه عن إنجلترا، إذ استغل الصهاينة الوضع الدولي الناشئ عن الجمود الذي ساد جبهات القتال عام (1916) م، واتجهوا إلى حثِّ الحكومة الألمانية على إصدار بيان رسمي يتضمن العطف على الصهيونية في فلسطين. ولكن الحكومة الألمانية كانت لا تزال مرتبطة بتحالف مع الحكومة العثمانية. كما كانت تخشى أن يؤدي تدهور الوضع العسكري إلى أن تسارع الحكومة العثمانية بعقد صلح منفرد مع الحلفاء. وحيث إن ألمانيا لن تضحي بتحالفها من أجل الصهاينة، فإنها ترددت كثيراً في الاستجابة للمطلب الصهيوني. ثم صدر وعد بلفور نفسه عام (1917) م، وعند هذه النقطة. وحسبما جاء في دراسة الدكتور محافظة، (اندفع الصهاينة يلحون على حكومة برلين لتلبية مطالبهم مع تشكيل وزارة طلعت باشا في عام (1917) م، وحاولت الحكومة الألمانية إرضاء الصهاينة بتَدخُّلها الحاسم لإلغاء التدابير العسكرية التي فرضها جمال باشا على اليهود في فلسطين عام (1917) م. وبعد صدور تصريح بلفور، اتجه الصهاينة إلى برلين لاستصدار تصريح مماثل. كما أنتهزوا زيارة الصدر الأعظم (طلعت باشا) في مطلع يناير (1918) م، فقابله الزعيم الصهيوني ألفريد نوسيج الذي بحث معه موضوع اليهود في الدولة العثمانية (ومما يجدر ذكره أن هذا الزعيم الصهيوني أصبح عميلاً للجستابو النازي فيما بعد، كما وضع خطة لإبادة يهود أوربا. وقد قبض عليه ثوار جيتو وارسو. وبعد محاكمة قصيرة، نُفِّذ فيه حكم الإعدام). وطلب نوسيج باسم الصهاينة إلغاء القيود المفروضة على هجرة اليهود إلى فلسطين. فوعدهم الصدر الأعظم بأن الباب العالي سوف يعيد تنظيم الأوضاع حالما تعود القدس وجنوب فلسطين إلى السيادة العثمانية بصورة تَكفُل الرضا التام لليهود، وتحقق أمانيهم كافة. وقد نُشر هذا التصريح في الصحف الألمانية في اليوم التالي للقاء. ولا يمكن أن نسمِّي هذا التصريح وعداً بلفوريًّا بمعنى الكلمة، وإن كان يقترب من ذلك. ومن الواضح أن ذلك يمثل إحدى الحيل التي كانت تستعملها الدولة العثمانية على ممثلي العالم الغربي، وهو فن تَملَّك العثمانيون ناصيته نظراً لضعفهم العسكري. ولكن أهمية هذا التصريح لا تكمن فيه وإنما في أنه أعطى الضوء الأخضر للدولة الألمانية. وقد استمرَّ الصهاينة في ضغوطهم حتى حصلوا على تصريح من وكيل وزارة الخارجية الألمانية في اليوم التالي لتصريح الصدر الأعظم، هذا نصه:(نحن نؤيد رغبة الأقليات اليهودية، في البلدان التي لهم فيها ثقافة متطورة، في أن تختط طريقها الخاص بها، ونميل إلى دعم أمانيها. أما بالنسبة إلى أماني اليهود، وبخاصة أماني الصهاينة منهم في فلسطين، فإن الحكومة (الألمانية) ترحب بالتصريح الذي أدلى به مؤخراً الصدر الأعظم، طلعت باشا، والذي يعبِّر عن عزم الحكومة التركية، المتفق مع نظرتها الودية نحو اليهود بوجه عام، على تنمية استقرار يهودي مزدهر في فلسطين، عن طريق الهجرة غير المُقيدة، والاستيطان ضمن قدرة البلاد الاستيعابية، وقيام حكم ذاتي يتفق وقوانين البلاد، والتطور الحر لحضارتها). ويُلاحَظ أن صياغة هذا الوعد تميل نحو الإبهام الشديد، فهو يؤكد حق اليهود المندمجين في الاستمرار في اندماجهم، وهو يميِّز بينهم وبين الصهاينة الذين لهم أمان في فلسطين، حيث سيسمح لهم (باستقرار يهودي مزدهر في فلسطين)، وهي عبارة غامضة حاول الوعد تحديدها عن طريق عبارة (قيام حكم ذاتي)، ثم عاد وعدَّلها من خلال إضافة عبارة (يتفق وقوانين البلاد والتطور الحر لحضارتها).

ص: 195

ولنلاحظ أن فكرة (قوانين البلاد) تحل محل عبارة (القانون العام) أو (القانون الدولي) التي ترد في الأدبيات الصهيونية، خصوصاً في صياغتها الهرتزلية، وهي عبارة تعني:(حسب القانون الغربي أو الاستعماري). فكأن الوعد هنا ينزع المشروع الصهيوني من سياقه الغربي، ويضعه في سياق عثماني، الأمر الذي يعني فقدانه كل معنى، فالمستوطنون الصهاينة كان معروضاً عليهم دائما أن يحصلوا على المواطنة العثمانية، ويستقروا في فلسطين كعثمانيين لا كعنصر استيطاني تابع لدولة غربية. والقضية لم تكن قضية عدة آلاف يهودي لا وطن لهم، أو مضطهدين في أوطانهم ويبحثون عن مأوى لهم، وإنما هي قضية غَرْس عنصر بشري غريب يتحول إلى دولة ذات تَوجُّه غربي استعماري استيطاني رفض هذا الحل. وبعد صدور الوعد البلفوري الألماني، استمرَّ الصهاينة في الضغط على الدولة العثمانية. وكلَّف الصدر الأعظم- بعد عودته من برلين- النائب اليهودي التركي قاراصو بتأليف لجنة يهودية عثمانية لوضع التفاصيل العملية لإنشاء شركة ذات امتياز في إستنبول تتولَّى العمل في المناطق المأهولة باليهود لإقامة حكم ذاتي فيها. وأمر طلعت باشا بدراسة الخطة التي وضعهتا اللجنة، ووعد بتبنيها عند بَحْث شروط الصلح بعد انتهاء الحرب. وسعى الصهاينة، انطلاقاً من هذا الوعد، إلى الحصول على مزيد من التنازلات من الجانب العثماني، وإصدار تصريح عثماني مماثل لتصريح بلفور. وقد تمكَّنوا من الحصول على هذا التصريح في (14) تموز (1918) م، وتشكَّلت لجنة عثمانية لوضع ما جاء فيه موضع التنفيذ.

ويمكننا ملاحظة اختفاء الديباجات العلنية المزخرفة أو الإشارة إلى الدوافع الحقيقية، فلا توجد أية إشارة للشعب اليهودي أو أمانيه القومية أو ارتباطه الأزلي بالأرض، وإنما هي إشارة روتينية إلى (أماني الصهاينة) وحديث عن استقرار يهودي مزدهر. ومقابل هذا، لا توجد أية إشارة لكره اليهود أو الرغبة في استخدامهم أو تأسيس حامية عسكرية يقطنون فيها كمادة قتالية. ولا شك في أن وجود العثمانيين كطرف هو الذي أفضى إلى هذا الوضع. فهم لم يتحمسوا قط للمشروع الصهيوني، بل كانوا يرونه جزءاً من المحاولة الغربية لتفتيت حكمهم ودولتهم. ومع هذا، فقد اضطروا كارهين للدخول في حوار مع الصهاينة، وتقديم بعض التنازلات بسبب تدهور الوضع العسكري العام على الجبهات كافة، وفقدان معظم فلسطين، واعتقاد الدولة العثمانية أن تحقيق بعض المطالب الصهيونية قد يُحسِّن وضعها في مؤتمر الصلح الذي كان مقبلاً.

ويمكننا أن نقول: إن وعد بلفور هو أهم حدث في تاريخ الصهيونية وتاريخ الجماعات اليهودية في العالم، كما أن أهميته بالنسبة لفلسطين والفلسطينيين لا تخفى على أحد.

وعد بلفور

Balfour Declaration

« وعد بلفور» هو التصريح الشهير الذي أصدرته الحكومة البريطانية عام (1917) م، تعلن فيه عن تعاطفها مع الأماني اليهودية في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وحين صدر الوعد كان عدد أعضاء الجماعة اليهودية في فلسطين لا يزيد عن 5% من مجموع عدد السكان. وقد أخذ الوعد شكل رسالة بعث بها لورد بلفور في (2) نوفمبر (1917) م، إلى اللورد إدموند دي روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية آنذاك. وفيما يلي النص الكامل للرسالة:

ص: 196

(عزيزي اللورد روتشيلد: يسعدني كثيراً أن أنهي إليكم، نيابةً عن حكومة جلالة الملك، التصريح التالي تعاطفاً مع أماني اليهود الصهاينة التي قدَّموها، ووافق عليها مجلس الوزراء. إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف. وليكن مفهوماً بجلاء أنه لن يتم شيء من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين أو بالحقوق أو الأوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أية دولة أخرى. وسوف أكون مديناً بالعرفان لو قمتم بإبلاغ هذا التصريح إلى الاتحاد الصهيوني.

) إمضاء (

وفيما يتصل بهذا النص، نلاحظ ما يلى:

1 ـ صيغة الوعد واضحة تماماً هنا إذ تُوجَد هيئة حكومية (حكومة جلالة الملك) تؤكد أنها تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي سيضم (الشعب اليهودي)، أي: أنه تم الاعتراف باليهود لا كلاجئين أو مضطهدين مساكين، كما أن الهدف من الوعد ليس هدفاً خيريًّا، ولكنه هدف سياسي (استعماري). كما أن هذه الحكومة التي أصدرت الوعد لن تكتفي بالأمنيات، وإنما سوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف. هذا هو الجوهر الواضح للوعد.

2 ـ ثم تبدأ بعد ذلك الديباجات التي تهدف إلى التغطية، فالوعد لن يضر بمصالح الجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين ولا بمصالح الجماعات اليهودية التي لا تود المساهمة في المشروع الصهيوني، بل تود الاستمرار في التمتع بما حققته من اندماج وحراك اجتماعي. وسنلاحظ أن الديباجات تتسم بكثير من الغموض؛ إذ إن الوعد لم يتحدث عن كيفية ضمان هذه الحقوق.

ثم نأتي الآن للأسباب التي يوردها بعض المؤرخين (الصهاينة أو المتعاطفون مع الصهيونية) لتفسير إصدار إنجلترا لوعد بلفور. فهناك نظرية مفادها أن بلفور قد صدر في موقفه هذا عن إحساس عميق بالشفقة تجاه اليهود بسبب ما عانوه من اضطهاد، وبأن الوقت قد حان لأن تقوم الحضارة المسيحية بعمل شيء لليهود، ولذلك فإنه كان يرى أن إنشاء دولة صهيونية هو أحد أعمال التعويض التاريخية. ولكن من الثابت تاريخيًّا أن بلفور كان معادياً لليهود، وأنه حينما تولى رئاسة الوزارة الإنجليزية بين عامي (1903و1905) م، هاجم اليهود المهاجرين إلى إنجلترا؛ لرفضهم الاندماج مع السكان، واستصدر تشريعات تحد من الهجرة اليهودية؛ لخشيته من الشر الأكيد الذي قد يلحق ببلاده.

وقد كان لويد جورج رئيس الوزراء لا يقل كرهاً لأعضاء الجماعات اليهودية عن بلفور، تماماً مثل تشامبرلين قبلهما، والذي كان وراء الوعد البلفوري الخاص بشرق أفريقيا. وينطبق الوضع نفسه على الشخصيات الأساسية الأخرى وراء الوعد، مثل جورج ملنر وإيان سمطس، وكلها شخصيات لعبت دوراً أساسيًّا في التشكيل الاستعماري الغربي.

ص: 197

ويرى بعض المؤرخين أن إنجلترا أصدرت الوعد تعبيراً عن اعترافها بالجميل لوايزمان؛ لاختراعه مادة الأسيتون المحرقة أثناء الحرب العالمية الأولى، وهو تفسير تافه لأقصى حد، لا يستحق الذكر إلا لأنه ورد في بعض الدراسات الصهيونية والدراسات العربية المتأثرة بها. ويبدو أن وايزمان نفسه قد تقبَّل هذا التفسير بعض الوقت. ولذا حينما توترت العلاقات بين إنجلترا والمستوطنين الصهاينة في الأربعينيات، وضع وايزمان مواهبه العلمية تحت تصرف الإمبراطورية، متصوراً أن بإمكانه ممارسة بعض التأثير عليها. وبطبيعة الحال، لم يُوفَّق وايزمان في مساعيه. وفيما يتصل بجهوده الدبلوماسية نفسها أثناء الحرب، يمكن القول بأنه كان شخصية محدودة الذكاء، فلم يدرك الأبعاد الإمبريالية للمشروع الصهيوني أو لوحشية المشروع الإمبريالي، وغير مدرك حتى لدقائق السياسة البريطانية (وهذا هو وصف موظفي الخارجية البريطانية له في تقاريرهم السرية التي تم الكشف عنها مؤخراً). وحينما أندلعت الحرب العالمية الأولى، كان وايزمان قد وصل لتوه إلى سويسرا في إجازة صيفية. ثم اضطر إلى العودة إلى بريطانيا، فطلب منه لويد جورج أن يقابل هربرت صمويل، فعبَّر عن خوفه من أن يكون صمويل مثل سائر يهود إنجلترا معادياً للصهيونية، ولكنه فوجئ بأن صمويل هذا صهيوني هو الآخر. وحينما تقدَّم بطلباته الصهيونية، أخبره صمويل بأن طلباته هذه متواضعة أكثر من اللازم، وأن عليه أن يفكر على مستوى أكبر من ذلك (ويبدو أن هرتزل لم يشف التسلليين تماماً من ضيق الأفق والفشل في إدراك عالمية الظاهرة الإمبريالية ووحشيتها). ثم أخبره صمويل بأن أعضاء الوزارة يفكرون في أهداف صهيونية، ودوَّن وايزمان بعد ذلك العبارة التالية:(لو كنت يهوديًّا متديناً لظننت أن عودة الماشيَّح قد دنت). ومع هذا، وكما سنبيِّن فيما بعد، أظهر وايزمان شيئاً من الذكاء باكتشافه بريطانيا (لا ألمانيا) باعتبارها القوة الإمبريالية الصاعدة التي يمكنها أن ترعى المشروع الصهيوني. ولعل الأمر لا يدل على ذكاء بقدر ما ينبع من وجوده في إنجلترا بالفعل، وتَحرُّكه داخل إطار المصالح البريطانية، ولعله لو وُجد في فرنسا لما أدرك شيئاً.

وهناك نظرية تذهب إلى أن الضغط الصهيوني (واليهودي) العام هو الذي أدَّى إلى صدور وعد بلفور، ولكن من المعروف أن أعضاء الجماعات اليهودية لم يكونوا كتلة بشرية ضخمة في بلاد غرب أوربا، وهم لم يكونوا من الشعوب المهمة التي كان على القوى العظمى أن تساعدها أو تعاديها، بل كان من الممكن تجاهلهم. ويمكن القول بأن أعضاء الجماعات اليهودية كانوا مصدر ضيق وحسب، ولم يكونوا قط مصدر تهديد. أما الصهاينة فلم تكُن لهم أية قوة عسكرية أو سياسية أو حتى مالية (فأثرياء اليهود كانوا ضد الحركة الصهيونية). ولكل هذا، لم يكن مفر من أن تكون المطالب الصهيونية على هيئة طلب لخدمة مصالح إحدى الدول العظمى الإمبريالية.

ولعل أكبر دليل على أن الضغط الصهيوني أو اليهودي لا يشكل عنصراً فعالاً في عملية استصدار وعد بلفور، وأنه عنصر ثانوي على أحسن تقدير، هو نجاح الصهاينة في إنجلترا وفشلهم في ألمانيا. فقد بذل صهاينة ألمانيا جهوداً محمومة لاستصدار وعد بلفوري، وكانت توجد عندهم مقومات النجاح، ولكن كل هذا لم يُجد فتيلا:

1 ـ بذل صهاينة ألمانيا قصارى جهدهم ليبينوا للحكومة الألمانية مدى نفع اليهود للمشروع الاستعماري الألماني، وقد كان هناك كثير من المفكرين الألمان غير اليهود يشاركون في هذه الرؤية.

2 ـ كان عدد كبير من الزعماء الصهاينة يقف وراء ألمانيا، وكانت برلين لوقت طويل المقر الرئيسي للمنظمة.

ص: 198

3 ـ كانت ألمانيا حليفة لتركيا التي كانت فلسطين تابعة لها.

4 ـ كانت لغة المؤتمرات الصهيونية هي الألمانية، كما كانت ثقافة مؤسسي الحركة الصهيونية ألمانية.

5 ـ كانت الجماعة اليهودية في ألمانيا مُشرَّبة بالثقافة الألمانية، وكان كثير من أعضاء النخبة الثقافية الألمانية من اليهود، وقد يسَّر هذا على اليهود الحركة داخل المجتمع الألماني.

6 ـ كانت الجماعة اليهودية في ألمانيا ذات ثقل مالي وثقافي وسياسي كبير؛ إذ كانت أهم البنوك الألمانية في أيد يهودية.

7 ـ اشترك أعضاء الجماعة اليهودية في ألمانيا في القوات الألمانية أثناء الحرب بأعداد تفوق نسبتهم القومية.

8 ـ كانت القوات الألمانية في الحرب العالمية الأولى تقوم بما سمته «تحرير» بولندا وليتوانيا وغرب روسيا (مراكز الكثافة البشرية اليهودية)، واعتبرت اليهود عنصراً بشريًّا ألمانيًّا تابعاً لألمانيا. وقد أسَّس الزعيم الصهيوني ماكس بودنهايمر لجنة لتحرير يهود روسيا عام (1914) م. وكان بين أعضائها ليو موتزكين. وقد تم إصدار نشرة بالعبرية كتب ناحوم سوكولوف افتتاحيتها. وكان أمل الصهاينة أن تستولي القوات الألمانية على غرب روسيا حيث كان يوجد معظم اليهود. ومعنى هذا أنه كان ثمة تلاق بين الآمال الصهيونية والآمال التوسعية الألمانية.

9 ـ كانت أرستقراطية اليهود في أمريكا (كبار المموِّلين) من أصل ألماني، وقد كانت هذه الأرستقراطية متعاطفة تماماً مع ألمانيا ومؤيدة لها.

ويمكن أن نقارن هذا الوضع بوضع الجماعة اليهودية في إنجلترا، التي كانت صغيرة العدد ومندمجة ومعادية للصهيونية، وكانت الحركة الصهيونية فيها ضعيفة للغاية. ومع هذا، فشل صهاينة ألمانيا في استصدار وعد بلفوري من ألمانيا. وحينما نجحوا، كان ذلك في مرحلة متأخرة من الحرب وكان وعداً باهتاً للغاية، بينما نجح صهاينة إنجلترا فيما فشل فيه صهاينة ألمانيا.

وفي الواقع، يمكننا تفسير الفشل الصهيوني في ألمانيا، والنجاح الصهيوني في إنجلترا، لا بالقوة والضعف الذاتيين الصهيونيين، ولا بحجم الضغوط الصهيونية مهما كانت ضخمة ومهمة وحيوية، ولكن بالعودة إلى المصالح الإستراتيجية الغربية. ويبدو أن ألمانيا، بسبب علاقتها الحميمة مع تركيا، لم يكن بإمكانها أن تُصدر مثل هذا الوعد (تماماً كما كان الوضع مع إنجلترا عام (1904) م، حينما أصدرت وعد شرق أفريقيا البلفوري، ولم تذكر فلسطين من قريب أو بعيد؛ لأن علاقتها مع الدولة العثمانية لم تكن تسمح بذلك). ومن المعروف أن وايزمان، كي ينجح في الحصول على وعد بلفور، قطع علاقته مع اللجنة التنفيذية الصهيونية في برلين، ورفض التراسل مع زملائه في دول الوفاق Entente ورفض موقف الحياد الرسمي الذي اتخذته المنظمة. كما أنه لم يخبر المقر الرئيسي للمنظمة في كوبنهاجن بمباحثاته مع إنجلترا. ويُقال: إن انقسام الحركة الصهيونية لم يُعق جهوده بل ساعدها. والواقع أن نجاحه في إنجلترا، تماماً مثل الفشل الصهيوني في ألمانيا، يمكن تفسيره بإستراتيجية الإمبراطورية الإنجليزية التي قررت تقسيم الدولة العثمانية واحتلال الشرق العربي. ولعل ذكاء وايزمان يَكمُن في اكتشافه ذيلية الصهيونية، وحتمية الاعتماد على الإمبريالية، وصعود القوة البريطانية، فتبعها بكل قوته، وقطع كل علاقاته مع المنظمة الصهيونية ذات الجذور الألمانية والتوجه الألماني.

‌المصدر:

موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية لعبد الوهاب المسيري – موقع المسيري

ص: 199