المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌والأصل في الفرح وإظهاره في العيد - ندب العيد

[إبراهيم بن عبد الله المديهش]

الفصل: ‌والأصل في الفرح وإظهاره في العيد

وقال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} غافر: 83

إنَّ بعض الناس إذا سمع الإذن بالفرح والاحتفال ظنَّ أنه أُطلق له ما كان محذوراً محرَّماً قبل الفرح، فترك نفسه وما تهوى، وترك لأولاده ما يريدون، واحتجَّ بالعيد = الفرح.

‌والأصل في الفرح وإظهاره في العيد

ما ورد في «الصحيحين» عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ

أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تُغنِّيان بما تقاوَلَت به الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليستا بمُغنِّيتين (1)؛

فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في

(1). المقصود: الحداء وتزيين الصوت ورفعه، دون فحش وآلات محرمة، ورُخِّص الدف للنساء في: العيد والزواج والفرح. قال الخطَّابي (ت 388 هـ) في «أعلام الحديث»

(1/ 594): (قد بُيِّن في هذه الرواية أنهما لم تكونا مغنيتين، والمغنية التي اتخذت الغناء صناعة وعادة، وذلك ما لا يليق أن يكون بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأما الترنم بالبيت والبيتين، وتطريب الصوت بذلك مما ليس فيه فحش أو ذكر محظور، فليس مما يسقط المروءة، أو يقدح في الشهادة، وكان عمر بن الخطاب لا ينكر من الغناء النَّصْبَ والحداء ونحوهما من القول، وقد رخص في ذلك غيرُ واحد من السلف رحمهم الله. =

ص: 4

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وحكم اليسير من الغناء خلافُ حكم الكثير منه كقول الشعر يسيره مباح وكثيره حتى يسمى به شاعراً مكروه).

والمراد بالغناء هنا ليس الغناء المحرم المعروف في زماننا بأدوات الطرب والموسيقى فهو محرم بإجماع المسلمين، بل المراد ما يُعرف بالنشيد والحداء، فهذا مما يطلق عليه الغناء لغةً.

قال ابن حجر في «فتح الباري» (2/ 442): («ليستا بمغنيتين» فنَفَتْ عنهما من طريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ؛ لأن الغناء يطلق على: رفع الصوت، وعلى الترنُّم الذي تسميه العرب النَّصَب ـ بفتح النون وسكون المهملة ـ، وعلى الحداء، ولا يُسمَّى فاعلُه مُغنِّيَاً، وإنما يُسمَّى بذلك مَن ينْشُدُ بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح.

قال القرطبي: قولها «ليستا بمغنيتين» أي: ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذي يحرِّك الساكن ويبعث الكامن

). انتهى المراد من «فتح الباري» .

والدف إنما هو للنساء والجواري، في أوقات معلومة، دون الرجال، وهو مستثنى من تحريم المعازف:

قال ابن رجب (ت 765 هـ) في «فتح الباري» (8/ 433): (وفي الحديث ما يدل على تحريمه في غير أيام العيد؛ لأن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم علَّل بأنها أيام عيد، فدل على أن المقتضي للمنع قائم، لكن عارضه معارض وهو الفرح والسرور العارض بأيام العيد.

وقد أقرَّ أبا بكر على تسمية الدف مزمور الشيطان، وهذا يدل على وجود المقتضي للتحريم لولا وجود المانع).

ص: 5

بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا أبا بكر إنَّ لكل قومٍ عيداً، وهذا عيدنا» .

وفي لفظ لمسلم: «جاريتان تلعبان بدُف» . (1)

وفي رواية في «الصحيحين» أيضاً: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندى جاريتان تغنيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش وحوَّل وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «دعهما» . فلما غفَل غمزتهما فخرجتا ــ وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب ـ

(1). «صحيح البخاري» الحديث رقم (952)، «صحيح مسلم» حديث رقم (892).

قال القاضي عياض (ت 544 هـ) رحمه الله: في «إكمال المعلم» (3/ 308): (وفيه جواز اللعب بالدفِّ في النكاح والأعياد وأفراح المسلمين ما لم يكثر ذلك، وهو الدف العربى المدوَّر بوجهٍ واحد، المسمى بالغربال).

قال ابن حجر في «فتح الباري» (2/ 443): (ولا يلزم من إباحة الضرب بالدف في العرس ونحوه إباحة غيره من الآلات كالعود ونحوه).

ص: 6

ـ فإما سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال: «تشتهين تنظرين» ؟ فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدِّي على خدِّه، وهو يقول:«دونكم يا بني أرفدة» . حتى إذا مللتُ قال: «حسبكِ» ؟ قلتُ: نعم، قال:«فاذهبي» .

وفي رواية: أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان من أيام منى تغنيان وتضربان ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، وقال:«دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد» . وقالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون، وأنا جارية، فاقدُروا قدْرَ الجارية العَرِبة الحديثة السن.

وفي رواية في «صحيح البخاري» عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كان الحبش يلعبون بحرابهم، فسترني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنظر، فما زلتُ أنظر حتى كنت أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، تسمع اللهو. (1)

(1). «صحيح البخاري» حديث رقم (5190)

ص: 7

ففي قوله: «وهذا عيدنا» وإقراره الجاريتين دليل على مشروعية إظهار الفرح في العيد.

قال الخطَّابي (ت 388 هـ) رحمه الله: (وقوله: «وهذا عيدنا» يعتذرُ به عنها، يريد أنَّ إظهار السرور في العيد من شعار الدين وإعلان أمرِه والإشادَةِ بذكرِه، وليس كسائر الأيام سواء). (1)

قال ابن رجب الحنبلي (ت 795 هـ) رحمه الله: (يريد إظهار السرور في العيد من شعائر الدين

(2)

وقال ابن حجر العسقلاني الشافعي (ت 852 هـ) رحمه الله): وفي هذا الحديث من الفوائد: مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلَف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى.

وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين

). (3)

(1). «أعلام الحديث» (1/ 595).

(2)

. «فتح الباري في شرح صحيح البخاري» لابن رجب (8/ 426).

(3)

. «فتح الباري» لابن حجر (2/ 443).

ص: 8