الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
إنّ الحمد لله نحمَدُه ونَستعينه ونَسْتغفره، ونَعوذ بالله من شُرور أَنْفُسِنا ومن سيِّئات أعمالِنا، من يَهده الله، فلا مُضِلَّ له، ومُن يُضلِلْ فلا هاديَ له وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك، له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.
أما بعد:
فقد كان كتابُ "فتح العزيز في شرح الوجيز" للإمام العلّامة أبي القاسم عبد الكريم بن محمَّد بن عبد الكريم الْقزويني الرَّافعي الشّافعي (ت 623 هـ) من أجلِّ كُتب الفروع عند الشّافعية إن لم يكن أجلَّها؛ فقد قال عنه تقي الدّين ابن الصّلاح رحمه الله: "لم يُشرح الوجيز بمثلِه"(4).
(1)[سورة آل عمران، الآية 102].
(2)
[سورة النساء، الآية: 1].
(3)
[سورة الأحزاب، الآية: 70 - 71].
(4)
انظر: طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة (2/ 75).
فتعقّبه الحافظ ابن الملقّن بقوله: "بل لم يصنَّف في المذهب مثلُه"، ثمّ نَقَلَ بإسناده عن الشّيخ أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الرّحمن الفزاري (ت729هـ) (1) قولَه غيرَ مرّة:"ما يُعرف قدرُ الشّرح للرَّافعي إلّا بأن يَجمع الفقيهُ المتمكَّن في المذهب الكتبَ التي كان الإمامُ الرّافعي يستمدّ منها، ويصنَّف شرحاً للوجيز، من غير أن يكون كلام الرَّافعي عنده، فحينئذ يَعرف كلُّ أحدٍ قصورَه عمَّا وَصَلَ إليه الإِمام الرّافعي"(2).
فلجلالة قَدْرِ هذا الكتاب تصدَّى علماء الشّافعيّة لخِدمته والعناية به، من اختصارٍ له (3) وإجابةٍ عمّا أورده من السّؤالات والإشارة إلى حلِّ إشكاله (4) ووضعِ حاشيةٍ (5)، وتعليق عَليه (6)، وشرحٍ لغريبه (7)؛ وتخريجٍ لأحاديثه.
(1) انظر: ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى (9/ 313).
(2)
البدر المنير (1/ 330).
(3)
كما فعل الإِمام النّووي في كتابه "روضة الطالبين" نصّ على ذلك في كتابه "تهذيب الأسماء واللّغات"(1/ 34).
(4)
كصنيع الشيخ إبراهيم بن عبد الوهاب الزنجاني المتوفى (ت 655هـ)، وسماه "نقاوة فتح العزيز" انظر: كشف الظون (2/ 2003).
(5)
كفعل الشيخ محمد بن أحمد المعروف بابن الربوة، سمَّى حاشيته "الدر العظيم المنير في شرح إشكال الكبير" - كما في كشف الظون (2/ 2003).
(6)
كما فعل شمس الدِّين محمّد بن محمّد الأسدي القدسيّ (ت808هـ)، وسمَّى تعليقته:"الظهير على فقه الشرح الكبير" في أربع مجلدات. كشف الظون (2/ 2003).
(7)
كما صنع العلاّمة أحمد بن محمّد بن عليّ الفيّومي (عاش إلى بعد 770هـ) في كتابه " المصباح المنير".
وقد عَمِل غَيرُ واحدِ من العلماء على تخريج أحاديثه؛ منهم: شهاب الدّين الحافظ أبو الحسين، أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي الدِّمياطي (ت 749هـ)(1)، والإمامُ محمّد بن علي بن عبد الواحد أبو أمامة المعروف بابن النقَّاش (ت 763هـ)(2)، وسَمّاه:"كاشف الغمّة عن شافعيّة الأمّة"، كما سماةَّ أيضاً:"أمنيّة الألمعيّ في أحاديث الرّافعي"(3)، والقاضي عِزّ الدين عبد العزيز ابن محمَّد المعروف بابن جماعة الشّافعي الكِناني المتوفَّى (767هـ)(4)، ثمّ تخريجه لبدر الدّين محمَّد بن بهادر الزَّركَشي الشّافعي (ت794هـ) المسمَّى:"الذّهب الإبريز في تخريج أحاديث الرّافعي المسمّى فتح العزيز"(5)، قال عنه الحافظ ابن حجر: "
…
مَشى فيه على جَمع ابن الملقِّن، لكنّه سلك طريقَ الزّيلعي في سوق الأحاديث بأسانيدَ خرَّجها فطال الكتاب بذلك" (6).
ثمّ الحافظُ سراج الدّين أبو حفص عُمر بن علي المعروف بابن الملقِّن
الأنصاري الشّافعي، المتوفى (804هـ) في كتابٍ أراده أن يكون مِمَّا: "لم
(1) انظر: الدرر الكامنة (1/ 123).
(2)
انظر: الدرر الكامنة (5/ 325)، وطبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة (3/ 131 - 132)، وشذرات الذهب لابن العماد (3/ 198)، والبدر الطالع، للشوكاني (2/ 211).
(3)
انظر: شذرات الذهب (في الموضع السابق).
(4)
(انظر: الدرر الكامنة (3/ 177)، وطبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة (3/ 102)، وذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي (ص363).
(5)
انظر: الدرر الكامنة (3/ 397)، وإنباء الغمر (3/ 138)، وتُوجَد صورةٌ للمجلّديْن (الخامس والسادس) في مكتبة الشّيخ العلاّمة حَمّاد الأنصاريّ بالمدينة النّبوية رحمه الله.
(6)
الدرر الكامنة (3/ 397).
يُسبق إلى مثلِه، ولم يُنسج على منواله، وأهلُ زمانه وغيرهم شديدُو الحاجة إليه وكلّ المذاهب تعتَمد في الاستدلال عَليه" (1)، فقام بتخريج أحاديث هذا الكتاب وآثاره، مرتِّباً إيَّاها ترتيبَ شرح الرّافعي، معزوَّةً إلى مخرِّجيها من أصحاب الصِّحاح، والسّنن والمسانيد، وكُتب الصَّحابة، ناظراً في ذلك في كتب الأسماء تجريحاً وتعديلاً، وكتب العلل والمراسيل، وكتب الأطراف، وكتب الأحكام، وكتب الخلافيَّات الحديثيّة، والأمالي، والنّاسخ والمنسوخ وشروح الحديث والغريب، وغير ذلك كثيراً عدَّدَها في ديباجة كتابه (2)، وسَمّاه: "البدر المنير في تخريج الأحاديث الواقعة في الشّرح الكبير"، إلّا أنّه طوّله بذكر ما لَيس مِن مقصود التخريج، كَسوْق الأسانيد بكاملها، وعدمِ جمعها في مكان واحدٍ، وإعادةِ ذكرِ لفظ الحديث عَقِب كلِّ من خرَّجه، والإطالة في شرح الغريب، وبيان الأمكنة، وما إلى ذلك، فرأى الحافظُ ابن حجر قيامَ الحاجةِ إلى تلخيصه والنَّظر في الأعمال السَّابقة لَضمِّ فوائدها إليه، وزيادة تحريرٍ لبعض مسائله وأحكامِه، فوضع كتابَه "التَّمييز في تَلخيص تخريج أحاديث شرح الوَجيز" فَجاء حاوياً لمعظم ما يستدلّ به الفقهاء في المسائل الفرعيّة، وعوَّل عليه كَثيرٌ ممن جاء بعده، ونقلوا تخريجاته وأحكامه في كتبهم.
لكن مع هذه القيمة العلميّة لهذا الكتاب، وشهرته بين الباحثين في الحديث والفقه، فإنّه لم يأخذ مكانه اللّائقَ به، ولم يُخدَم بما يضبط نصوصَه، ويوثِّق نقولَه.
(1)(البدر المنير (1/ 281).
(2)
انظر: البدر المنير (1/ 282 - 292).
وقد طُبع الكتاب طباعةَ حجريَّةً بالهند عام 1303هـ، ثمّ طُبع بتحقيق السيّد عبد الله هاشم اليماني، بالقاهرة 1384هـ في أربعة أجزاء في مجلَّدين، ثمّ توالت بعد ذلك طبعاتُ الكتاب متفاوتةٌ في العناية بنصوص الكتاب وضبطها وتوثيق أحاديثها وعَزْوها، وهي كلُّها راجعةٌ إلى طبعة اليماني غير معتمِدةٍ على نُسَخِ الكتاب الخطِّيّة. وأجود هذه الطّبعات طبعةُ مؤسّسة قرطبة بعناية الأستاذ أبي عاصم حسن بن عبّاس بن قُطب، الّتي صدرت عام 1416، وقد بذل الأستاذ أبو عاصم جهدًا يُشكر عليه في سبيل توثيق كثيرٍ من أحاديثها وآثارها، ومع ذلك بقي عملُه يَعوز ضبطًا وتحريرًا، وبخاصّة أنّ الأستاذ لم يَعتمد -فيما يبدو- على نسخٍ خطيّة، وإنما بَنى عملَه على بعض الطّبعات السّابقة للكتاب، ومنها الطّبعة المصريّة كما نصّ عليه في مقدمة عَمَله، فكان هذا باعثًا قويًّا على إعادة إخراج الكتاب وتحقيق نُصوصِه في صورةٍ تُناسبه، ليتبوَّأ منزلته اللّائقة به بين كُتب التّراث الحديثية.
وقد عملتُ في سبيل تحقيقه على النّحو التالي:
* قابلتُ طبعةَ اليماني على النّسخ الخطيّة للكتاب؛ لتصحيح ما فيها من أغلاطٍ وتصحيفاتٍ، واستدراكِ ما وَاقعها من سَقْط وتحريفات.
* أثبتُّ أهمَّ ما في تلك النّسخ الخطيّة من فُروق، تاركًا ما لم يكن ذَا أثرٍ منها، ولا سيّما أنّ الفوارقَ بين تلك النّسخ قليلةٌ، مِمّا دَلّ على أصالتها، واهتمام نُسَّاخِها بضبط نصوصها.
* أثبتّ مَا صحّ في الأصل من نسخة القرويين، دُون الإشارةِ -غالباً-إلى مَا وقع في بعض النّسخ مما يكون خطأً لازمًا غيرَ محتمَل. ورقَّمتُ أحاديثَه وآثاره ترقيمًا مُتَسلْسِلًا، مَع تمييز المنقول مِن الرّافعي بأرقامٍ خاصَّة.
*عزوتُ الأحاديثَ والآثار الواردة فيها إلى مخرِّجيها -إلَاّ ما عزّ عليّ سبيلُه أو نَدَّ عَنِّي مخرخُه- مَع مراعاةِ عَدَمِ التّطويل، وتَرْكِ الإطناب في التّذييل، إذ ذلك لا يناسب كتابًا في التّخريج، رام صاحبُه تلخيصًا واختصارًا، وإنّما يكون التّعليق عليه بقدر ما يخدم غَرَضَ المؤلِّف ويُوضح مقصوده.
*قدّمت للكتاب بمقدِّمة تحوي دراسةَ موازنةٍ بينه وبين أصله: "البدر المنير" لابن الملقِّن.
وفي الختام: أتقدّم بوافر شكري وعميم عرفاني لزميلي وصديق الدّرب في الطّلب الدّكتور عبد اللطيف بن محمَّد الجيلاني المغربي الآسفي أحاطه الله بتوفيقه؛ لتشجيعه إيَّايَ عَلى تحقيق هذا الكتاب رغم صعوبة مَسلكه، ووعورة سبيله، وما زَامنه من عملٍ في إعدادِ رسالتي للدّكتوراه، فجزاه الله أحسنَ الجزاء.
كما أتقدّم بجزيل الشّكر وبالغ التّقدير إلى شَيخي الكَبير ومرَبِّي الصّالح أستاذي ومعلَّمِي الدّكتور محمَّد بن مطر الزّهراني، الأستاذ بقسم علوم الحديث بالجامعة الإِسلاميّة بالمدينة النّبوية على تفضلّه بقراءة جزءٍ من هذا العمل وكتابة التقديم لَه رغم كثرة شواغله، وظروفه الصحيّة، فَجزاه الله تعالى عَنّا، وعن سائر طَلبته خيرًا، وبارك في عمره وذرّيته، آمين.
وأتقدم بالشكر أيضًا إلى الأستاذ عليّ الحربيّ صاحبِ مكتبة "أضواء السلف"، لاهتمامه المتواصل وسَعيه الجادّ في سبيل جَلْب نسَخ الكتاب من مختلف مكتبات العالم، وقيامه على نشره بهذه الصّورة القشيبة، فجزاه الله خيرًا.
والشّكر موصولٌ لتلميذيَّ النَّجيبين: الأخ الفاضل إبراهيم عبد الله ثاني، والأخ الفاضل إبراهيم عُمر ديسينا اللَّذَيْن أعطيَاني كثيراً من أوقاتهما النّفيسة
لمقابلة النّسخ الخطيّة للكتاب، فجزاهما الله خيراً.
ولا يَسعُني بهذه المناسبة إلّا أن أقدِّم تقديري وشكري البالغَيْن لفضيلة الشّيخ الدّكتور/ محمّد بن عبد الله زربان الغامِدي -حفظه الله تعالى- الّذي كان عوناً لي بعد الله تعالى على تيسير السّبيل وتسهيل الطّريق إلى دراستي لعلوم الحديث الشريف في الجامعة الإِسلامية، وما حَفَّني أنا وزُملائي بِه من نصحٍ، وعنايةٍ، وحبُّ، وعطفٍ، طوالَ مدّة دراستي فجزاه الله عنّا وعن سائر أبناء المسلمين خيراً، وبارك في حياته، وذرّيته، إنّه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
وأخيراً: أسأل الله تَعالى بمنّه وكرمه وفائضِ عطائه أن يتقّبل مِنّي هذا الجهد المقلّ، ويتجاوز عَنِّي زلَّاتي، ويغفر لي خطيئتي يوم الدِّين، يومَ لا ينفع مالٌ ولا بنون إلَاّ من أتى الله بقلب سليم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله راب العالمين.
وكتبه
أبو عبد الرحمن محمّد الثّاني بن عُمر بن مُوسى
نزيل المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم
عاشر ربيع الثاني عام 1426هـ