الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُرْهَف طَبْعِه مُشْجَذٌ قاطِع، ووجهُه إقْبالُه كأنَّما صُوِّر من نُورٍ ساطِع.
يلْمَع نُورُ العلم في جبِينه، وفضلُه لا يخفى على مُسْتبِينه.
سريعُ الجواب، ظاهرُ الصَّواب.
مُعْجِزٌ ببَيانه، مُفِيد في كلِّ أحْيِانه.
إلا أن طَبْعَه أحَرُّ من القَيْظ، وإذا غضِب يكاد يتميَّز من الغَيْظ.
وله تآليف هطَلتْ سُحبُ إفادِتها الذَّوارِف، فأضحى بها وهو العَلَمُ الفَرْدُ أعْرَفَ المَعارف.
وهو أجَلُّ مَن أخذتُ عنه العلوم، واقتبَستُ من فوائده ما ترسَخُ به طائِشاتُ الحُلوم.
وذلك بالرُّوم حين ورَدها ثانيا، وأنا مقيمٌ بها أسامِر آمالاً وأمانيا.
ولَديَّ شوقٌ يطيرني إليه، ووَجْدٌ يقْتضي أن أرْمِي لَهْفتِي عليه.
فَغَنِمتُه بُرْهةً من الدهْر، أتْلُو سُوَرَ مدائحه في السِّرِّ والجَهْر.
وقد كتب لي إجازةً بخطِّه، هاهي مُزيَّنة بضَبْطِه: الحمدُ لله الحميد، والصلاةُ والسلام على الطاهِر المجيد، وعلى آله أهل التَّمْجيد،
أجَزْتُ الإمامَ الَّلوْذَعِيَّ المُعبِّرَا
…
أمِينَاً أمينَ الدِّين رُوحاً مُصوَّرَا
سلِيلُ مُحِبِّ الدِّين بيتُ هدايةٍ
…
وبيتُ مَنَارِ العلم قِدْماً تقرَّرَا
بإقْرائه متنَ البُخارِي الذي به
…
تقاصَر عنه مَن عَداهُ وقَصَّرَا
مُوَطَّا شِفاءٌ والشِّفاءُ كمُسْلِمٍ
…
إذا مُسْلِماً تُقْرِيه حَقَّاً تصدَّرَا
وباقي رجالِ النَّقْلِ حَقَّاً مُبَيّناً
…
وتفسيرُ قَوْلِ الله في الكُلِّ قدَّرَا
أجَزْتُ المُسَمَّى البدر في الشَّرْعِ كُلّه
…
كما صَحَّ لي فاتْرُكْ مِراءً تكدَّرَا
وعلمَ كلامٍ خالياً عن أكاذبِ الْ
…
فلاسفةِ الضُّلال والعَدْلُ نُكِّرَا
أقول لكلِّ فَلْسَفِيّ يَدِينُهُ
…
ألا لَعْنةُ الرحمنِ تعلُو مُزَوِّرَا
أجبريلُ فَلَكٌ عاشِرٌ يا عِداتنا
…
أعادِيَ شَرْعِ الله نِلْتُمْ تَحَيُّرَا
بأيِّ طريقٍٍ قلتُم عَشْرَ عَشْرَةٍ
…
ونَفْىَ صِفاتٍ والقديمُ تَحَجَّرَا
حكمتُم على الرحمنِ حَجْراً مُحَجَّراً
…
ومَنْعُكُمُ خلقَ الحوادثِ دَمَّرَا
أُبَرِّي الحبيبَ الَّلوْذعيَّ عن الرَّدَى
…
مُجازاً بدِينِ الشَّرع كُلاً مُحرَّرَا
ولكنْ عليه النُّصْحُ والْجِدُّ والتُّقَى
…
وإن نَالَه أمْرُ القضاءِ تَصبَّرا
حَماهُ إله العرشِ من كلِّ فتنةٍ
…
ونَجَّاهُ من أسْواءِ سُوءٍ تَسَتَّرا
وصَلِّ وسَلِّم بُكْرةً وعَشِيَّةً
…
على مَن به حَيُّ القلوبِ تحَيَّرَا
خاتمة
وهنا وقفتْ بي مَطِيَّةُ السَّير، وختمتُ الكلامَ راجياً من ربِّي خاتمةَ الخير.
ولما فرغتُ من جَمْعِه، وجعلتُه هديَّةً لناظر الدهر وسَمْعِه.
التفَتُّ إليه فشاقنِي، وحَدَا بي نحو الإعجاب وساقنِي.
فأقول كما قال ابنُ الخطيب، لا بَرِح ذكرُه يَعْبَق ب " عرف الطِّيب من غُصُن الأندلس الرَّطيب ": لما رأيتُ من ذُكرِ فيه قد تخلَّدتْ آثارُهم، وشَنَّف أُذُنَ الزمان نِظامُهم ونِثارُهم، نافستُهم في اقْتحام تلك الدُّور، وقنِعت باجْتماع الشَّمل ولو في خلال السُّطور.
وحرِصْتُ على أن أنال منهم قُرْبا، وأخذتُ أعْقابَهم أدَباً رَحْباً، كما قيل: ساقِي القومِ آخرُهم شُرْبا.
والله ُسبحانه يُدبِّر أمْري، ويُحْسن بفضله آخِرَ عمري.
ويسْتُرني في هذه البَقِيَّة، ويجعلني من خُلَّص هذه البَيْضاء النَّقيَّة.
فقد بَقِي في إناءِ العمر صُبابة من شَراب، فلعلِّي لا أُرِيقها في يومِ هاجرةٍ لِلَمْعِ سَراب.
وإذا نزل بي الموت، وفات في أجَلِي الفَوت، لا يُعْدِمني من يترحَّم عليَّ؛ ويُهْدِي ثوابَ فاتحتِه إليّ.
فمبدأُ حالِي، وما أفْضىَ إليه نُزولِي وارْتحالي، قد صرَّحتُ به تارة وعرَّضْتُ أخرى، فرأيتُ تَرْك التَّعرُّض له هنا أوْلى وأحْرَى.
وإنما أذكُر هنا بعضَ فضولِ الكلام، قصدتُ أن أنْسلِك بها في سِلْك هؤلاء الأعلام.
فهي إن لم تكنْ ممَّا يخطُبه الخاطب، فلْتكُن مما يحْتطِبُه في ليلِ سُطورِه الحاطب.
فمن ذلك فُصولِي القِصار، وقد ذكرتها مُقتصراً على زُبدِها غاية الاقْتصار: في الأحاديث صحيحٌ وسقيم، ومن التَّراكيب مُنْتِجٌ وعقيم.
للنفوس صَبابةٌ بالغرائب، وإن لم يكنْ من الأطايب.
قال بعضُ أهل العرفان: إذا قَصُرت يدُك عن المكافأة فليَطُلْ لسانُك بالشُّكْران الرْوضُ إن لم يشكر الغَمام بعَرْفهِ، ففي وجهِه شاهدٌ من عُرْفِه.
شفاعةُ اللِّسان، أفضلُ زكاةِ الإنسان.
إذا ما سقَط الرَّجا، فالناس كلُّهم أكْفا.
للِه ألطافٌ غنيَّةٌ عن البيان، وهو مع تنزُّهِه عن الحوادث كلِّ يوم في شَان.
وللدهرِ نُسْخة تعرب عن الأقْدار، وحُجَّةُ القضاء بيننا هي مُسوَّدةٌ بالليل نَراها مُبَيَّضة بالنَّهار.
فبيْنا تراه كلَيالِي المِحاق لا شموس ولا أقمار، أعْقب لياليَ مُقْمِرَةً وأياماً مُشْمِسَةً تسُرُّ القلوبَ والأبصار.
مَن تواضَع رَقِيَ لمراتبِ السَّلف، فإن التَّواضُعَ كما قيل سُلَّمُ الشَّرَف.
العِلْمُ مع المُنخفِض والآبِي، كالماءِ مع الوِهادِ والرَّوابي.
مَن لم يكنْ بالفضلِ ذَا رُجْحان، يميل بالخِفَّةِ مثلَ المِيزان.
إذا زاد قَرِينُك في التَّرَقِّي، فزِدْ أنت مِن شَرِّهِ في التَّوَقِّي.
ليست الأذْنَابُ كالأعْراف، ولا الأنْدالُ كالأشْراف.
إذا صحِبْتَ فاصْحَب الأشراف تَنَلِ التَّشْريف، فإن المُضافَ يكْتسب من المضاف إليه التَّنْكِير والتعريف.
السِّلْعة على قَدْرِ الثَّمن، والحركةُ على قَدْرِ تنْشيط الزَّمَن.
أعوذُ بالله من الكساد، فإنه أخو الفساد.
إنْجازُ وعْدٍ بإنْجاحِ النَّدَى، أحْسَنُ من نَوْرٍ يفتحه النَّدى.
تمْتلِي الغُدْرانُ إذا هَمَى السحاب، فكأن الغُدُرَ فَذْلَكةٌ والسَّحاب حِساب.
تتَبُّعُ الأمرِ بعد الفَوات تَغرِير، وتَرْكُه إذا أقْبَل عَجْزٌ وتَقْصِير.
إذا ساعد الدهرُ على سُرورٍ فَواتِهْ، واغتنمْ منه وقتاً سَرَّ قبل فواتِه.
السُّرور إذا دعَوْتَه يَنْجاب، والكَدَرُ ما إِن دَعَوْته أجاب.
أعمارُ الكرام مُشاهَرة، وأعمار اللِّئام مُداهَرة.
للوُدِّ حَقّ، يُدَّعَى به الباطلُ فيُسْتَحَقّ.
وللخُلَّةِ ذِمام، تتأخَّر به الَمعْدَلةُ وهي أمام.
قيامُ النُّفوس بالوِداد، أوْلَى من قيام الأجساد للأجساد.
ما مَن يُعانِد الحقَّ ببُهْتانه، إلَاّ كمن يُسابِق العِتاق بأتانِه.
ليس لإرْشادِ البهائم سبيل، والحمير لا تعرف طعْم الزَّنْجِبيل.
أعجبُ الأشياء فاسق يبحث في الحلال والحرام، وآلَمُها للقلْب مُجالسةُ اللِّئام للكرامِ.
إخوانُ هذا الزمن عَراهم الخَلَل، وكانوا على صِحَّةٍ فداخَلتْهم حُروف العلَل.
أكثرُ أبْناء الزمان أحْداث، وهم مع أحْداثِه أحْداث.
في أولاد الزِّنا كَثْرة، ولعيْن الزمان نَظْرة.
حالي مع أبْناء الدهر كمُودِع الرِّيح في أكمام العُرْيان، وواضعِ المِصْباح في رُواقِ العِمْيان.
أنا وإن بقيتُ في خَلَفٍ أجْرَب، فإني بالصبر جُذَيْلُها المُحَكَّك وعُذَيْقُها المُرَجَّب.
نامَ بمَهْدِ الخُمول حَظُّ زماني، فليْته كان يحلُم بطَيْف الأمانِي.
على الأيام من حُزْني عن قَدْح العَزَمات سلامٌ حملتْه مُرْسلات النَّسمات.
لمَّا برَدَ قلبي أيْقنتُ بالنُّجح، ودَلَّني ذلك كما دَلَّ بَرْدُ النَّسيمِ على الصُّبْحِ.
الأكْمامُ تبشِّر بالأزهار، والفجر يجيءُ طَلِيعةً للنهار.
نِسْبَةُ الكريم إلى الكرام، نسبة الرِّياض إلى الغَمام.
الضامِنُ غارِمٌ، وعِداتُ آلى السَّماح مَغارِم.
الْجُود حارسُ الأعراض، والبخلُ غارِسُ الأغْراض.
الكريمُ تُثْنِي عليه وُفودُ الرَّكائب، ولو سكتُوا أثْنتْ عليه الحَقائب.
السَّخِيُّ مَن إذا تَبَّرع، عَفَّ مالَ الورَى وتَوَرَّع.
الرِّزقُ من الكريم تَسْخير، وله وقتٌ يأْبَى التَّقديم والتأخير.
رِزْقُ أهلِ الفصاحة مَسْجون، وحديثُ قِلَّةِ حَظَّهم شُجونُ المَشْجون.
يمسَح قَذَى العِرْضِ النوال، ومَنادِيلُ الأعْراض الأموال.
لا فضيحةَ أخَسُّ مِن تَقْطِيب الخاذِل، ولا عِزّ أحسنُ من أرْيحِيَّة الباذِل.
الكرمُ أشرفُ الأحساب، والمَودّةُ أقربُ الأنْساب.
السخاءُ من خُطوبِ الزمن نِعْم الواقِي، وخيرُ الجزاءِ للمرءِ هو الباقي.
خيرُ العَرُوض وِقايةُ الأعراض، وقد تصدُق المَفاهيم إذا صدَقت الأغْراض.
لولا خِلالٌ سَنَّها الشِّعْر للأكارِم، لم يَدْرِ بُغاةُ النَّدى طريقَ المَكارم.
أكثرُ الكنوز في الْخَراب، والتِّبْرُ مطروحٌ مع التُّراب.
الاقْتصاد أسلمُ لذي المال القليل، والبُخلُ خيرٌ من سُؤال البَخِيل.
مَن افْتقر احْتقرَه الناس، والجودُ سُكْرٌ خمارُه الإفْلاس.
ما طال لسانُ المَعذِرة، إلَاّ لمَّا قصُرت يدُ المَقدرة وليس هذا بمَحَلِّ الكِتْمان، ورَقْصِي على مِقْدار إيقاعِ الزمان.
غيرُ مَلُومٍ في الجُود مَن ضاق يَدَا، فإن الغِناء كما قالوا أخُو النَّدَى.
جُهْدُ المُقِلِّ في الزمان الجَدْب، أحسنُ من عُذْرِ المُخِلِّ العَذْب.
رَضِيتُ بالقضاء إذْ ضَنَّ دهري بالكَفاف، لأجُوز بَحْرَ الخُطوب من جِسْرِ الصِّيانةِ والعَفاف.
الاعْتدال في الْجُود، أحسنُ من الاعْتداء على المَوجود.
ومن أمْثال الأطِبّا: مَن لَزِم القَصْد، اسْتَغْنى عن الفَصْد.
إنما تُضِيءُ دَياجِي الخُطوبِ إذا تمرَّطَتْ منها المَناكب، بنُجومِ المعالي المُشرقةِ في سماءِ المَناقب.
مَقامُ القُطَّان في الأوطان، مَقامُ الأرْواح في الأبدان.
قلَّما تَصِيد في أوكارِها الطَّير، والأهِلَّةُ لا تصيرُ أقماراً إلَاّ بالسيْر.
قيل: دون الغيب أقْفال، لا يفتحها الزجرُ والْفال. قلتُ: للغيب أقْفال، مَفاتيحُها التَّيَمُّن والْفال؛ لقولهم: ألْسِنةُ الخلقِ أقْلام الحَقّ.
المرءُ يُكلَّف بالاجْتهاد في المَطالب، وليس عليه ضمانُ العواقب.
رُبَّ شخصٍ قُرْبُه نَفْع لا يخْشَى الإنسانُ معَه ضَيْرا، وقلبُه مَشْحونٌ بنِيَّة الخيرات فمن يَخْطُرْ ببالِه يَلْقَ خيرا.
لم يَنْتَبِه مِن نومِه، مَن لم يستغْفِر لأمْسِه من يَوْمِه.
لا تقلْ لذاهبٍ قد ذَهَب، لكن رَدَدْتُه إلى مَن وَهَب.
بَقاءُ الأعمار مَبْنِيٌّ على الأنفاس، والبقاءُ الذي يكون على الرِّيح إن تأمَّلْتَه بغيرِ أساس.
وَلَّى عصرُ النَّشاط والشَّبِيبَة، فاغْتنِمْ بَقِيَّةً مع الحبيب والحبِيبَة.
ولا تنَمْ بعد ذاك العصر عن الفُتون، فالنومُ بعد العصر كما قيل جُنون.
الشَّيْب نَذِيرٌ للجسم بانْهِدام بِنائِه، كابْيضاضِ مُخْضَرِّ النَّبات دليلُ استحصَادِه وفَنائِه.
إذا كانت الأجسادُ بالقُوَّة فانِيَة، والآجالُ مع الساعاتِ مُتَدانِيَة، فكلُّ حَيٍّ يُفْقَد حين يُولَد، ويُعدَم حين يُوجَد.
فأيُّ أُنْسٍ لنفسِي ولا صَفْوَ إلَاّ إلى كَدَر، ولا عَيْنَ إلَاّ إلى أثَر.
إذا وافَى الأجَل، اصْطَلح الظَّنُّ والأمَل.
رُبَّ مَجْدٍ في رَجا مُطالِبه، ومِن خَلْفِه الآجالُ تسْخَرُ بالمِطالِ بِه.
المرءُ طوعُ المقادير، والاجْتهاد إبْلاءُ المَعاذير.
كلُّ امْرِئٍ بوَقْتِه مَرْهُون، ولابُدَّ يوماً أن تُفَكَّ الرُّهُون.
من قال: عيونُ الحوادثِ نِيام، فلْيَخْشَ أن يُوقِظَها له قَدَرٌ لا ينام.
الدهرُ تَعْرِفُ أنَّ اللُّؤمَ من أوْصافِه، فإن شئتَ الحُظْوةَ به كُنْ مِثْلَه أو صَافِه.
الدهرُ أقْصَر من أن يُقَصَّر بالعِتاب، ويا لَهْفَتاهُ على عُمْرٍ يُكدَّر بالهجر والاجْتناب.
إيَّاك أن تتورَّط بالأهْواء إلى الْعَنَا، فإن الغِنَا كما قيل رُقْيةُ الزِّنا.
رُبَّ أملٍ في طَيِّ يأسٍ مُدْرَج، ومحبوبٍ في ضِمْنِ مكروهٍ مُدْمَج.
ما كُلُّ خُوطَةٍ رَطْبةُ المِهَزّ، ولا كلُّ ثمرةٍ تُجِيبُ دَاعِيَ الهَزِّ.
إذا أعْوَز الزُّلالُ البارد، اسْتَقى من الكَدَرِ الظَّمْآن الوارِد.
وربَّما ساق الدهرُ أحرارا، إلى تناوُلِ المَيْتِ اضْطرارا.
ما دامت الأفْلاكُ دائرة، فقد دارتْ على الزمانِ الدَّائرة.
الزمانُ واهِبٌ وناهب، والوجودُ جاءٍ وذاهِب.
لو على الاخْتيار دارتِ الأفلاك، لم يكنْ سوى الحسانِ الخَلْقِ والخُلُق فيه من الأمْلاك.
كثيراً ما يزولُ العَشْقُ بجِنايات الصُّدود، والزِّيادةُ في الحَدِّ نُقْصانٌ في المَحْدود.
العاشقُ مَن يستعذبُ الهوَى ويلَذُّه، فإن العشْقَ كالخمرِ أمَرُّه ألَذُّه.
إذا لم يتوارَد القلبان على مَوْرِدٍ واحد، فالعاذِلُ يضربُ في حَديدٍ بارد.
أمْرانِ مِن غيرهما أمَرَّان، لُؤم كحَدِّ السِّنان، ولَوْم كوَخْزِ المُرَّان.
من لَحَظنِي بنَظَرٍ شَذْر، بِعْتُه بثمنٍ نَزْر.
ما اغْتابنِي في غَيْب، إلَاّ ذُو عَيْب.
ولا ذَمَّ مِنِّي حُسْنَ طَبْع وخِيم، إلَاّ مَن هو صاحب طَبْعٍ وَخِيم.
غِيْبَةُ الأنام، مُضْغةٌ لَفَظها الكِرام.
واللَّئِيمُ مَن لا يُحْسَد ولا يُسْتغاب، فإنه لا يُمْضَغ إلَاّ ما طاب.
إذا وَعَظْتنِي فلم أنْتبِهْ، فلعلَّك تَنْتَبِهُ أنْتَ بِه.
يخلُص من الشِّرَك، مَن عقلُه بالهوى غيرُ مُشْترَك.
مَن كذَب فيما قال، فهو للحقِّ والصِّدق قال.
من لم يفْهَم ما يُريد، فكيف يفهم ما تُريد.
أكثرُ مَن يرغبُ في زيادةِ الوَصْف، تراه يكبُر مِن وراء الصَّفّ.
مَثَلُ ما يرُوج من الأشعار، عند مَن لا يَدْرِي ميزانَ الأسْعار، مثلُ الأعاريب لم يَرَوا خُبْزَ الْحِنْطة فيُكْبِرون خُبْزَ الشَّعِير، والقومِ لم يَرَوا لُجَّةَ البحرِ فهم يُعَظِّمون ماءَ الغَدِير.
المادحُ فيما يُتْعِبُ فكرَه فيه من الأشْعار، كالمِجْمَرة تُعطِّر غيرَها وتتأذَّى هيَ بالنار.
مَن ذا الذي يسمعُ ما قضَيْته من الشِّدَّة والألم، ولا يقْذِف القِرْطاسَ والدَّواة والقلَم.
ما مِثْلُ مَن رَجَوْتُه يحرِم القُصَّاد، وإنَّما نَحْسُ السُّؤَّال قد يُعدِي الأجْواد.
ما بي إذا أحْرَمنِي مِن نَوالِه بَأس، إلَاّ أنه أشْمَتَه في رَجائِي منه اليَأْس.
رُبَّ شخصٍ أمْضَى مِن عُسْر بعد يُسْر، لا تَعْرِف أنه إنْسان إلَاّ بأنه في خُسْر.
وَعْدُه يُنْهِك بانْتظارِه قُوَى الأمَل، ويُحقق أنه ليس بإنسانٍ لأن الإنسان خُلِقَ من عَجَل.
كم سمَح بَيْتَه بالزَّاد نعم، لكنْ ليس لما يفْعله طعم.
إذا بَدَا شَكْلُه للعُيون، فهو أقْبَحُ مِن وَثيقةِ المَدْيون.
رُبَّ رجلٍ يُعْجِب الناسَ وهو صامِت، فإذا نطَق فكلُّ حَاسِدِيه شوامِت.
السكوتُ عن غيرِ الصَّوابِ صواب، وتَرْكُ مماراةِ الجاهلِ جَواب.
لسانُ المرءِ عن عقلِه تَرْجُمان، فمن زَلَّ عقلُه زلَّ لسانُه.
ليس الفضلُ كُله في الجُمود، حتى يلْتبِس الإنسانُ بالجُلْمُود.
إذا صدرَ القولُ عن عربيٍ فلا يضرُّهُ عجْمة ناقل، فما يضُرُّ مَحاسنَ سَحْبان أن تجريَ على لَهْجةِ باقِل.
ما كل زَنْدٍ زَنْدُ أبي لَهَب، ولا كلُّ مَوْزونٍ هو الذهب.
ليس لرَجلٍ حطَّه اللُهُ رافِع، ولا لأمرٍ شاءه في الخَلْقِ دافِع.
تخليصُ المَتاب، ينْفي خُبْثَ العتابَ، وحسنُ الاعتراف، يمْحُو سوء الاقْتراف.
وكتبتُ إلى بعضِ المَوالِي بعد اجْتماعٍ وتَوَدُّد: حضرة المولى، الذي نَرَى شُكْرَه من كلِّ شكرٍ أحَقَّ وأَوْلَى.
مَن ابْيَضَّت بغُرَّةِ إِقْبالِه الأيام، وأخْجَل وَشْيُ براعتِه النجومَ فَتَلفَّعتْ بأرْديةِ الغَمام.
لا زالت الألْطافُ الرَّبانيَّةُ تغْشَى بابَه، والسعادةُ الأبديَّة تملأُ رِحابَه.
ألْثِم بأهْدابِ مُقلتِي مَواطِىءَ أقْدامِه، وأُقَبِّلُ بشَفتيَّ باسِطةَ موارِد خُدَّامِه.
وألُوذُ بسُدَّته لَياذَ المُشْفِق الشَّفُوق، وأعوذُ بأنْوارِ طَلْعتِه مِن ظُلُمات التَّقصير والعُقوق.
فارقْتُه ولي فؤادٌ يُبْغِض الْجَفا كما يُبْغِضُ الناسُ الأعْدا، ويعشَق الوفا كما يعشَق الناسُ الأوِدَّا.
وخاطِرٌ مَمْلوءٌ بالمَحبَّة التي لا تُجاوِرها الغُمَّة، وناظرٌ زهَد عن النَّظِر بعدَه إلى أحدٍ من الأُمَّة.
وفي عُنُقِي من نِعَمِهِ طَوق، مالي بأداءِ شُكرِه طَوْق.
وأنا الآن في عافيَةٍ لا عَيْبَ فيها إلَاّ فقده، ونِعْمةٍ لا وَصْمةَ فيها إلَاّ بُعْدُه.
لكنْ لي من ذِكْرِه مَرآةٌ أرَى وجهَه فيها، وأُطالِع مِن صُورةِ إقْبالِه ما يشْفِي القلوب التي عنده أمانِيها.
وبين ضُلوعِي وَلاءٌ تشْتَكُّ أواصِرُهُ والأنساب مُنْفَصِمة، وتُشْرِق صَفحاتُه وأسِرَّةُ الشمس مظلمة.
فما اسْتفْتحتُ إلَاّ بذِكْرِه، ولا خَتَمْتُ إلَاّ بشُكْرِه.
وما بين ذلك أُجِيبهُ بالدُّعا، وأُباهِي به بين المَلا.
وإني لأذكُر عهدَه، ومُقامِي عندَه.
في ليالٍ نُجيلُ فيها للأُنْسِ قِداحا، ونَتهادَى الأحاديثَ إن لم نَتَهادَ أقْداحا.
حتى تكونَ الألْسِنةُ بوَصْفِها تُغْرَى، وترتشِف دُجاهَا لَمىً وصُبْحَها ثَغْرا.
فأشْتُم حَظِّي في فِراقِه وأَقْذِفُه، وألْوُمُ دهرِيَ الخَؤونَ وأُعنِّفُه.
وقد كان في حُكْمِ ما أوْلانِيه من فضلِه المعروف، وإحْسانِه الذي اسْتوعَب صُنوفَ الصُّنوف، أن يكون في كُلِّ وقتٍ عنده كتاب، ولكنْ على الأيام وعَوادِيها العِتاب.
فلولا ما عَرض، من مُقابلةِ الجوهرِ بالعَرَض، لمَا أَغْفلتُ خِدْمة مولاي مِن رسائلَ أسْتجْلِبُ بها شَرَفا طارِفا، كما اسْتفَدْتُ في الفَوْزِ بخدْمتِه الجليلة مَفْخراً سالِفا.
ولا اسْتحقَّيْتُ سُخْطَه الذي حَرُّه يُذِيب، ودونَه التَّعْذيب، بل النارُ والجحيم، والعذاب الأليم.
وأسألُ الله تعالى أن يَمُنَّ عليَّ برِضاه، حتى يكون سَببَا لإحْرازِ دُعاه.
وفيه الكَوْثَرُ والتَّسْنِيم، والنَّعِيم، المُقِيم.
وليس هو إلَاّ الجَنَّة، لكلِّ نفسٍ به مُطْمئنَّة.
وقلت في غرض اقْتضاه الحال: جَرى القلم، بما فيه أَلَمٌ أَلَمّ.
وذلك أن بَلَوُت شخصاً من الكُتَّاب، باقْتضاءٍ مِن قَضَاءِ مُنزِّلِ الكِتاب.
فخالطتْهُ عن قلب سليم، وفَارقتُه لا عن رضاءٍ وتسْليم.
لمَّا رأيتهُ يزْعُم أن العِشْرة مُحاسبة لا مُناسَبة، ومُوارَبة لا مُقارَبة، ومُلاكمةٌ لا مُكارمة، ومُحامَلةٌ لا مُجامَلة.
فالعطيَّة معه خَطِيَّة، والمنيَّة هَنيَّة.
والعنايةُ جِناية، والسلامةُ مَلامة.
يُباعِد فما يُقارِب، ويُعانِد فما يُراقِب.
تَبَلَّدّ طّبْعُهُ، وتكدَّر نَبْعُهُ.
فخاطرُه ينْبُو، وقلمُه يكْبُو.
فيسْهُو ويُبْطِي، ويسقُط وهو يُخْطي.
بِخَطّ مُنْحَطّ، كأرْجُلِ البَطّ على الشَّطّ.
وأنامِلِ السَّرَطان، إذا مشَى على الحِيطان.
وله قلم، ظُفْرُه لا يُقلَّم.
ويَراع، به الفكر يُراع.
يَخْدِش به القِرْطاس، وينْقُش الأنْقاس، ويأخُذ بالأنْفاس.
وحِزْبُه جماعة، أخَذتْهم حُمَيَّا مَجاعة.
ما فيهم إلا خَبيثُ نَفْس، من قَبِيل البُسْتانُ كلُّه كَرَفْس.
فوُجودُه بينهم فَذْلَكَة، للنَّواِئب الُمْهِلكة.
فيا أبْطأَ من غُراب نُوح، وأخطأ من غَيْمةٍ على بُوح.
ما أغْراك بما يَغُرَّك وأضْراك بما يضُّرُّك.
أتظُنُّ أن ستترَك سُدى، أم لا تُحاسَب غَدَا.
كلَاّ إنَّ حسابَك هَيِّن، وعقابَك مُتَعيِّن.
وقلتُ، من تهنِئةٍ بنُصولٍ من مرض: بلغني شِكايتُك فارْتَعْت، ثم عرفتُ ارْتياحَك فارْتَحت.
فالحمدُ لله الذي جَعَلَ عافيَتَك عاقِبَتَك فيما تشكِّيْت، وسلامتَك التي ألْبَسَتْك من الأجرِ لأَْمَتَك عِوَضاً عما عاينْت وعانَيْتَ.
فشُفِيَتْ منذُ شُفِيتَ الأجسام، وأقبلَتْ نُصْرةُ الشِّفَاء ففَرَّ الهمُّ وتَبِعَتْه الآلام، ولم يَبْقَ بحمد الِله مَريضٌ إلَاّ الجُفونُ السِّقام.
ومن نَظْمِي قولي من مقصورتي الَّنبوية ومُستهلُّها:
دَعِ الهوى فآفةُ العقلِ الهوَى
…
ومَن أطاعَه من المجد هَوَى
وفي الغرامِ لَذَّةٌ لو سَلِمْت
…
من الهَوانِ والمَلامِ والنَّوَى
وأفضلُ النُّفوسِ نفْسٌ رغِبتْ
…
عن عَرَضِ الدنيا وفتنةِ الظِّبَا
والعشقُ جهلٌ والغرامُ فتنةٌ
…
ومَيِّتُ الأحياءِ مُغْرَمُ الدُّمَى
قالوا لنا الغرامُ حِلْيَةُ الحِجَى
…
قُلنا لهم بل حليةُ العِقل التُّقَى
وهل رأيتُم في الورَى أذَلَّ من
…
مُعذَّبٍ تلْهو به أيْدِي الهَوى
أو أحَداً أغْبَنَ من مُتَيَّمٍ
…
تقُودُه شَهوتُه إلى الرَّدَى
ولِلْغوانِي فتنةٌ أشدُّ مِن
…
قَتْلِ النفوسِ والفَتَى مَن ارْعَوَى
وما على ساجِي الجُفونِ راقدٍ
…
من دَنِفٍ يَبِيتُ فاقدَ الْكَرَى
ومَن أعَدَّ للشِّتَا كافاتِه
…
فلا تُرِيعُه بُرودَةُ الْهَوا
مَظِنَّةُ الجهلِ الصِّبا وإنما
…
مَفْسدةُ المرءِ الشَّبابُ والغِنَى
والنفسُ ما علِمْتَها فإن تجدْ
…
ذا عِفَّةٍ فزُهْدُه من الرِّيَا
والناسُ إمَّا ناسِكٌ بجَهْلِه
…
أو عالمٌ مُفَرِّطٌ أو لَا ولَا
كأنهم أفيالُ شِطْرَنْجٍ فلا
…
يُظاهِر المرءُ أخاه في عَنَا
وإن خَفِيتَ بينهم عَذَرْتَهم
…
فشدَّةُ الظهورِ تُوِرُث الْخَفَا
منها:
وليلةٍ بِتُّ أعُدُّ نَجْمَها
…
والدمعُ قاني الصِّبْغ مَحْلولُ الوِكَا
ولم يطُلْ لَيلِي ولكنَّ الجوى
…
يُعِيدُ ليلَ الصيفِ من ليل الشِّتَا
والشوقُ كالليلِ إذا الليلُ دَجَا
…
والليلُ كالبحرِ إذا البحرُ طَمَا
كأنما المرِّيخُ عَينُ أرْمدٍ
…
أو جمرةٌ من تحت فَحْمَةِ الدُّجَى
كأنما السُّها أخو صَبابةٍ
…
يكاد يُخْفِيه السَّقامُ والضَّنَى
كأنما سُهَيْلُ راعِي نُعُمٍٍ
…
أو فارسٌ يقْدُم جيْشاً للْوغَى
كأنما الجَوزاءُ عِقْدُ جوهرٍ
…
أو سُبْحةٌ أو مَبْسِمُ العَذْبِ اللَّمَى
كأنَّ مُنْقَضَّ النُّجُوم شَرَرٌ
…
تثِيرُه الرِّياحُ من جَمْرِ الْغَضَا
كأنما السُّحْبُ سُتورٌ رُفِعتْ
…
أو مَوجُ بحرٍ أو شَوامِخُ القِلَا
كأنما الرَّعْدُ زَئيرُ ضَيْغَمٍ
…
قد فَقد الشِّبالَ أو صوتُ رَحَى
كأنما البَرْق حُسامُ لاعبٍ
…
يُديره في يَدِه كيف يَشَا
كأنما القَطْرُ لآلٍ نُثِرتْ
…
على بساطِ سُنْدُسٍ يومَ جِلَا
منها:
كأنما الْهَمَّ غَرِيمٌ مُقْسِمٌ
…
أن لا يَغِيبَ لَحْظةً عن الحشَا
كأنما القلبُ مكلَّفٌ بأن
…
يحمِل منه ما تحمَّل الوَرَى
كأنما وَجْهُ البَسِيطِ شُقَّةٌ
…
لا تَنْطوِي ولا لحدِّها انتهَا
كأنَّني مُوكَّلٌ بِذَرْعِها
…
من قِبَلِ الْخِضرِ بأذْرُع الْخُطَا
لا أسْتقرُّ ساعةً بمنزلٍ
…
إلا اقْتضَى أمرٌ تجدُّدَ النَّوى
ولا تَراني قطُّ إلَاّ راكباً
…
في طلب المجدِ وتحْصِيلِ العُلَى
والحُرُّ لا يرضَى الهَوانَ صاحباً
…
وليس دارُ الذُّلِّ مَسْكنَ الفَتَى
والعقلُ في هذا الزمانِ آفةٌ
…
وربما يقْتُل أهلَه الذَّكَا
وذو النُّهَى مُعذَّبٌ لأنه
…
يريد أن تَرى الأنامُ ما يَرَى
والناسُ حَمْقَى ما ظفرت بينهم
…
بعاقلٍ في الرأي إن خطبٌ دَهَى
وكلَّما ارْتَقَى العُلَى سَرِيُّهم
…
كَفَّ عن الخيراتِ كَفَّاً وطَوَى
يهْوَى المديحَ عالِماً بنَقْدِه
…
ودون نَقْدِه تناوُلُ السُّهَا
وإن طلبْتَ حاجةً وَجدْتَه
…
كمِشْجَبٍ من حيث جِئْتَ فهوْلا
إن أوْعَدُوا فالفعلُ قبلَ قَوْلِهم
…
أو وَعَدُوا فإنهم كالشُّعَرَا
والآن قد رَغِبْتُ عن نَوالِهم
…
وتُبْتُ من مَدِيحهم قبلَ الْهِجَا
لا ينْبَغي الشِّعْرُ لذي فضيلةٍ
…
كيف وقد سُدَّتْ مذاهبُ الرَّجَا
وخابتِ الآمالُ إلَاّ في الذي
…
حِماهُ مَلْجَأُ العُفاةِ الضُّعَفَا
منها:
يا خيرَ مَن يشْفَع في الحَشْرِ ومَن
…
أفْلَحَ قاصِدٌ لِبابِه الْتَجَا
كُنْ لي شفيعاً يومَ لا مُشَفَّعٌ
…
سِواكَ يُنْجي الخائفين مِن لَظَى
قد عظُم الخوفُ لِمَا جَنَيْتُه
…
والعفوُ عند الأكْرمين يُرْتجَى
وليس لي عذرٌ سوى توكُّلِي
…
على الكثيرِ عَفْوُه لمن عَصَى
لولا الذُّنوبُ ضاع فيْضُ جُودِه
…
ولم يَبِنْ فضلُك بين الشُّفَعَا
وها كَها خَرِيدةً مقصورةً
…
على مَعاليك ومَهْرُها الرِّضَا
إن قُبِلْتَ فيالها من نِعْمةٍ
…
وهل يخافُ واردُ البحرِ الظَّمَا
صلَّى عليك ذو الجلالِ كلما
…
صلَّى عليك مُخْلِصٌ وسَلَّمَا
وبَاكَرتْ ذاك الضَّرِيحَ سُحْرةً
…
حَوامِلُ المُزْن يُحثُّها الصَّبَا
ما سُلَّ عَضْبُ الفجرِ من غَمْدِ الدُّجَى
…
وما سَرَى رَكْبُ الحجازِ مُدْلِجَا
وهذه أُرْجوزة في الأمثال:
أحسنُ ما سارتْ به الأمثالُ
…
حَمْدُ إلهٍ مالَه مثالُ
فالحمدُ لِله على إسْدائِهِ
…
فضلاً يكِلُّ النُّطْقُ عن إحْصائِهِ
ثم الصلاةُ للنبيِّ المُحْتَرمْ
…
مَنْبَعِ أسْرارِ العلومِ والحِكَمْ
وآله وصحبِه الكرامِ
…
مَن فهِموا مَزِيَّةَ الكلامِ
ما تُلِيتْ مَحاسنُ الألْفاظِ
…
فشَنَّفتْ مسامِعَ الحُفَّاظِ
وهذه تَحائفٌ أُهْدِيها
…
من حِكَمٍ لمن وَعَى أُبْدِيهَا
سَمَّيْتُهَا برَاحةِ الأرْواحِ
…
جَالبةِ السرورِ والأفْراحِ
قالتْ لها الأمثالُ حزْتِ السَّبْقَا
…
إذْ أنتِ في حِفْظِ اللبيبِ أبْقَى
إنَّ اللَّبيبَ يعرِف المَزايَا
…
وكم خَبايَا لُحْنَ في الزَّوايَا
ورُبَّ جاهلٍ لقد تعلَّما
…
لا يَأْيَسَنَّ نائمٌ أن يغْنَمَا
من غَنِم الفرصةَ أدْركَ المُنَى
…
ما فاز بالكَرْمِ سوى الذي جَنَى
الناسُ إخوانٌ وشَتَّى في الشِّيَم
…
وكلُّهم يجمعُهم بَيْتُ الأدَمْ
فالبعضُ منهم كالغذاءِ النافعِ
…
والبعضُ كالسَّمِّ الزُّعافِ الناقِعِ
وهكذا بعضُ الذَّواتِ رُوحُ
…
والبعضُ منها في الحشَا قُروحُ
ورُبَّ شخصٍ حسنٍ في الخَلْقِ
…
وهْو أشدُّ من شَجىً في الحَلْقِ
والدهرُ صَرَّافٌ له تصْريفُ
…
يرُوج فيه النَّقْدُ والزَّيُوفُ
لذاك ضاعتْ خُلَّصُ الأحرار
…
كضَيْعَةِ المصباحِ في النهارِ
تَعادُلُ الفاضلِ وَالمفْضولِ
…
عَرَّ فنا الفضلَ من الفُضولِ
والاعْتدالُ في الأمور أعْدَلُ
…
والمَسْلَك الأوسطُ فيها أمْثَلُ
هي المُنَى مَجْلَبَةُ التَّعَنِّي
…
كم عاشقٍٍ أهَّلَه التَّجَنِّي
قد تُحْرَمُ الآمال حيث الرَّغْبهْ
…
وتسقُط الطيرُ لأجلِ الحَبَّهْ
المرءُ تَوَّاقٌ إلى ما لم يَنَلْ
…
وكلُّ شيءٍ أخْطأَ الأنْفَ جَلَلْ
مَن كان يهْوَى مَنْظَراً بلا خَبَرْ
…
فماله أوْفَقُ من عِشَقِ القَمَرْ
مَضى الصِّبا فأين منه الوَطَرُ
…
هيْهات هيهات الجَنابُ الأخْضَرُ
مِيعادُ دمعِي ذِكْرُ أيامِ الصِّبا
…
وجُلُّ شَجْوِي عند هَبَّةِ الصَّبَا
مضَى نَشاطِي إذْ تولَّى الصَّحْبُ
…
ما أعْلَمَ الموتَ بمَن أُحِبُّ
صَبْراً على الهمومِ والأحزانِ
…
فإنَّ هذا خُلُقُ الزمانِ
ثِقْ بالإله كم له صُنْعٌ حَفِي
…
وهْو إذا حَلَّ البَلَا لُطْفٌ خَفِي
خُذْ فُرْصةَ الإمْكانِ في إبَّانِهِ
…
واسْجُدْ لقِرْدِ السّوءِ في زَمانِهِ
إن فاتَكَ الغَدِيرُ فاقصِدِ الوَشَلْ
…
يرْضَى بِعِقْدِ الأسْرِ من أوْفى الثَّلَلْ
حَدُّ العفافِ القَنعُ بالكَفافِ
…
ما ضاق عيْشٌ والإلهُ كافِي
مَن لم تكن أنتَ له نَسِيبَا
…
فلا تُؤمِّلْ عنده نَصِيبَا
والناسُ إن سألْتَهم فَضْلَ القُرَبْ
…
حاوَلْتَ أن تجْنِي من الشَّوكِ العِنَبْ
هذا زمانُ الشُّحِّ والإقْتارِ
…
مضَى زمانُ الجُودِ والإيثارِ
من كلَّف النفوسَ ضِدَّ طَبْعِهَا
…
أعْيَى بما لا يُرْتجَى مِن نَفْعِهَا
وإنَّ مَن خَصَّ لئيماً بنَدَى
…
كان كمن رَبَّى لِحَتْفٍ أسَدَا
قد يبلُغون رُتَبَاً في الدنيا
…
لكنَّهم لا يبلُغون العَلْيَا
إنَّ المعالِي صَعْبةُ المَراقِي
…
مِن دُونها الأرواحُ في التَّراقِي
لا تسْتوِي في الرَّاحةِ الأناملُ
…
ورُبَّ مَأْمولٍ عَلاهُ الآمِلُ
قد تُورِدُ الأقْدارُ ثم تُصْدِرُ
…
وتُدْبِرُ الأقمارُ ثم تُبْدِرُ
بالجُودِ يَرْقَى المرءُ مَرْقَى الحمدِ
…
إن السَّخاء سُلَّمٌ للمَجْدِ
وعَوِّذِ النَّعْما من الزَّوالِ
…
بكَثْرةِ الإحسانِ والنَّوالِ
يضُوع عَرْفُ العُرْفِ عند الحُرِّ
…
وإنه يَضِيع عند الغِمْرِ
وإنما المعروفُ والصَّنِيعهْ
…
تُعْرَف عند أهلِها وَدْيعهْ
الرأيُ كلّ الرَّأْيِ في تَرْكِ الكُلَفْ
…
فقد مضَى عليه ساداتُ السَّلَفْ
ومن تغُرُّ عَقْلَه السَّلامهْ
…
تخدمُه ألْسِنةُ النَّدامَهْ
من لزِم السِّلْمَ من الحرب سَلِمْ
…
ومَن أبَى إلَاّ هوَى النفسِ نَدِمْ
يأْرَجُ بالنَّسِيم عَرْفُ الرَّنْدِ
…
والقَدْحُ أصلٌ في ثُقوبِ الزَّنْدِ
لكلِّ قلبٍ في طِلابِه هوَى
…
وقِسْ عليه الدَّاء يحْتاجُ الدَّوَا
مَن طلَب الدُّرَّ بقَعْرِ البحرِ
…
لم يَخْلُ مِن شُرْبِ الأجاجِ المُرِّ
دَعْ في الأمورِ الحَدْسَ والظُّنونَا
…
لابُدَّ للمقْدورِ أن يكونَا
ما قِيمةُ الآمالِ للقُصَّادِ
…
والموتُ للإنسانِ بالمِرْصادِ
إذا بَقِي من الجَدَى ما قانَكْ
…
فلا تكُنْ تَأْسَى على ما فاتَكْ
ربَّ اجْتهادٍ دونه الجِهادُ
…
في راحةٍ مَن لا له مُرادُ
ما ينْفعُ التَّدْبيرُ والتَّقديرُ
…
ينْبِضُ قَوْسُه ولا تَوْتِيرُ
قَراقِعٌ ما تحْتهُنَّ طائِلُ
…
إلَاّ مِحَاقُ العُمْرِ والغَوائِلُ
قد ذهبتْ مَكارمُ الأخلاقِ
…
إلَاّ من الأمثالِ والأوْراقِ
تغيَّر الإخوانُ واخْتلَّ الزَّمَنْ
…
فلا صديقَ غيرُ صِحَّةِ البَدَنْ
لا تكْتُمنَّ دَاءَك الطَّبِيبَا
…
ولا الصديقَ سِرَّك المَحْجوبَا
هذا إذا كانَا عسى وعَلَّما
…
وما أظنُّ الدهرَ يسْخو بِهِمَا
كفى عن المَخْبَرِ مَنْظَرٌ أطَلّ
…
في حُمْرةِ الخَدِّ غِناً عن الخَجَلْ
مَنْظَرُ كلِّ ماجدٍ مِعْيارُهُ
…
إنَّ الجوادَ عَيْنُه فُرَارُهُ
مَن سابَق الجَوادَ بالحِمارِ
…
جَنَتْ يداه ثمرَ العِثارِ
قد تُسعِف الأقدارُ بالسُّعودِ
…
فتُلْحِق المَحْدُودَ بالمَجْدُودِ
كم قد نصَبْتُ للأماني مَرْمَى
…
مُفَوِّقاً منِّي إليه سَهْمَا
فلم يكُن لي عنده نَصِيبُ
…
ما كلُّ رامِي غَرَضٍ يُصِيبُ
والسَّعْدُ إنْ ما كان حيناً أبْطَا
…
فلا تقُلْ بأنه قد أخْطَا
إذْ ربما قد عَوَّقتْه الأقْدارُ
…
وكلُّ شيءٍ عنده مِقْدارُ
في يَدكِ الحُزْنُ متى تشاءُ
…
فاغْنَمْ سُروراً تَرْكُه عَناءُ
ما كلُّ وقتٍ مُسْعِفٌ بما يُحبّ
…
فإن يكُن دَرَّتْ لَبُونٌ فاحْتَلِبْ
مَن يطلُبِ الخَلاصَ نالَه الأسَى
…
وفي خُطوبِ الناسِ للناسِ أُسَى
حُبُّ الثَّنا طبيعةُ الإنسانِ
…
والشكرُ مَوْقوفٌ على الإحسانِ
الجُودُ بالمَوجُودِ عُنْوانُ الشَّرفْ
…
ومَن أضافَ لم يُبالِ بالسَّرَفْ
من يتلقَّى الجُودَ بالجُحودِ
…
عَرَّض نُعْماهُ إلى الشُّرودِ
لِلْوِدِّ عَقْدُ ذِمَّةٍ لا تُهْمَلُ
…
وللرَّجاء حُرْمَةٌ لا تُجْهَلُ
سَالِفُ ما كان من الحُرُماتِ
…
يسْتوجِبُ العَفْوَ عن الزَّلَاّت
بالفَحْصِ عن خَواطِر الأحِبَّهْ
…
يُنْسَجُ بُرْدُ الوُدِّ والمَحَبَّهْ
إنَّ الرَّقيب يمنعُ التَّراضِي
…
كالخَصْمِ قد يرضَى ويأْبَى القاضِي
حتى متى أصْبُو ورأسِي شُمْطُ
…
أحسَبُ أن الموتَ باسْمِي يغْلَطُ
ليس على فَقْدِ الحياةِ من نَدَمْ
…
قد اسْتَوى الوُجودُ فيها والعَدَمْ
كلُّ نَعِيم فإلى فَناءِ
…
وكلُّ عَيْشٍ فإلى انْقِضَاءِ
عليك يا هذا الفتى بالتَّوْبَةِ
…
فانْجُ بها قبلَ انْتهاءِ النَّوْبَةِ
ومن نَفَثاتِي قَوْلِي:
للقلب ما شاء الغَرامْ
…
والجسم حِصَّتُه السَّقامْ
وإذا اخْتبرْتَ وَجَدْتَ مِحْ
…
نةَ مَن يُحِبُّ هِيَ الحِمامْ
عجَباً لقلبي لا يَمَلُّ
…
جَوًى ويُؤْلِمه المَلامْ
وأبِيك هذِي شِيمتِي
…
من مُنذ أدْركنِي الفِطامْ
إنِّي أغار على الهوَى
…
من أن تُؤمِّلَه الأنامْ
وأرُومُ من حَدَقِ الظِّبا
…
نَظَراً به حَتْفِي يُرامْ
أفْدِي الذي منه يَغا
…
رُ إذا بَدَا البدرُ التَّمامْ
فَعَلتْ بنا أحْداقُه
…
ما ليس تفعلُه المُدامْ
إن شَطَّ عنك خيالُه
…
فعلى حُشاشتِك السلامْ
أأُخَيَّ مَن يَكُ عاشقاً
…
فعلى مَ يجْفُوه المَرامْ
إنِّي بُليتُ بمَحْنةٍ
…
هانتْ بها النُّوَبُ العِظامْ
حتى لقد عَمِيَتْ عليَّ
…
مَسالِكي ودَجَا الْقَتامْ
صاحبْتُ ذُلِّي بعد أنْ
…
قد كان تفخرُ بي الكِرامْ
والمرءُ يصعُب جُهْدُه
…
ويُلِين صَعْدَتَه الصِّرامْ
لا تتْهمنَّ تَذلُّلي
…
فالتِّبْرُ مَعْدِنُه الرَّغامْ
وإذا جَفانِي مَن هَوِي
…
تُ صبَرتُ حتى لا أُضامْ
فعُبوسُ أرْديةِ الْحيَا
…
عُقْباه للرَّوضِ ابْتسامْ
ولئِنْ وَهَتْ لي عَزْمَةٌ
…
فلربَّما صَدَِي الحُسامْ
فعسَى الذي أبْلَى يُعِي
…
نُ وينقضِي هذا الخِصَامْ
وقولي:
بأبِي وإن كان الأبِيَّ صَمَيْدَحَا
…
خُلِقتْ يَداهُ للشجاعةِ والنَّدَى
ملَكٌ كريمٌ كالنسيمِ لَطافةً
…
فإذا دَجَا خَطْبٌ قَسَا وتمرَّدّا
راجعْتُه في أزْمةٍ فكأنما
…
جَرَّدْتُ منه على الزَّمانِ مُهَنَّدَا
كالبحرِ يُنْعِم بالجواهرِ ساكناً
…
كَرَما ًويأْتِي بالعجائب مُزْبِدَا
والْهَامُ تسجُد خَشْيةً من سيفِه
…
لمَّا أبَتْ أرْبابُها أن تسجُدَا
لا تعجبوا إن لم يَسِلْ منهم دَمٌ
…
فالخوفُ قد أفنَى النفوسَ وجَمَّدَا
وقولي:
مُذْ قَعْقَعتْ عُمُدٌ لِلْحَيِّ وانْتَجَعَتْ
…
كِرامُ قُطَّانِه لم ألْقَ مِن سَنَدِ
مضى الأُلَى كنتُ أخْشَى أن يُلِمَّ بهم
…
رَيْبُ الزمانِ فلا أخْشَى على أَحَدِ
فأفْرَخ الرَّوعُ أن شَالَتْ نَعامتُهم
…
وأفْسَد الدهرُ منهم بَيْضةَ البَلَدَ
ومن المُقَطَّعات قولي:
وشَادِنٍ قَيْدُ العقولِ وَجْهُهُ
…
وصُدْغُه سِلْسلةُ الآراءِ
شَامَتُه حَبَّةُ قلبٍ مذ بَدَتْ
…
جَنَتْ بها الأحشاء بالسَّوْداءِ
وقولي:
لا بِدْعَ أن شاعَ في البَرايَا
…
تهتُّكِي في الرَّشَا الرَّبيبِ
عِشْقِي عجيبٌ فكيف يخْفَى
…
وحُسْنُه أعْجَبُ العجيبِ
وقولي:
بِي مَن إن عايَنَتْهُ مُقْلَتِي
…
يَنْمَحِي جسمي ويفْنَى طَرَبَا
أيُّ شيءٍ رَاعَهُ حتى انْثَنى
…
هارباً منِّي ووَلَّى مُغْضَبَا
وقولي مُعمِّياً باسم أحمد:
وَارَحْتما لِمُعذَّبٍ قَلِقِ الحشَا
…
بهُمومِه قد بان عنه شبابُهُ
دَمُ قلبِه ما سَاقطتْهُ جفونُه
…
يومَ النَّوَى لمَّا نأتْ أحبابُهُ
وقولي:
وليس سقوطُ الثُّريَّا إلى
…
نِداءِ المَوالِي من المُنْكَراتِ
فإن الشمُوسَ إذا أسْفَرتْ
…
فلا حَظَّ للأنْجُمِ النَّيِّراتِ
وقولي من الرُّباعَيّ:
قد قلتُ لِسِحْرِ طَرْفهِ إذْ نَفَثَا
…
من شاهدٍ إذا في أهلِه مَا لَبِثَا
إذ يكْسِر جَفْنَيْه لكي يَعْبَثَ بي
…
سُبْحانَك ما خلقْتَ هذا عَبَثَا
وقولي:
للهِ صَبٌّ مدْحُ مَعْشوقِهِ
…
دَِيْدنُه مُتَّبِعٌ نَهْجَهْ
يفْرح إن وَافاهُ في مَحْفَلٍ
…
كَمُذْنِبٍ قامتْ له حُجَّهْ
وقولي في دَعوة ماجد:
بَيْتِي وكلِّي مِلْكُ مَن يَدُه
…
فوق الأيادي دَأْبُها المِنَحُ
فإذا انْتدَبْتُ لأمرِ دَعْوَتِهِ
…
قالوا طُفَيْلِيٌّ ويقْتَرِحُ
وقولي:
قد جئتُ دارَك زائراً بَهِجاً
…
يا مَن به قد أشْرق النادِي
رِجْلِي إليك مَطِيَّتِي ولها
…
قلبِي دليلٌ والثَّنا حَادِي
وقولي:
للرَّوضِ رُواً طَلْقُ المُحَيَّا نَضِرُ
…
لو تَمَّ بكم كما رَجوْنَا وَطَرُ
فالوردُ إلى الطريقِ أصْغَى أُذُناً
…
والنَّرْجِسُ عَيْنُه غَدَتْ تنْتظِرُ
وقولي:
مضى الأُلَى برائِقِ اِلشِّعْرِ وما
…
أبْقَوا لنا في كأْسِنَا إلَاّ العَكِرْ
تمتَّعُوا بحَشْوِ لَوْزِينَجِهمْ
…
وقد حُرِمْنَا نحن مِن حَشْوِ الأُكَرْ
وقولي:
وظَبْيٍ أُفكِّر في تِيهِهِ
…
فلا يحْظُر الوصلُ في خاطِرِي
حَبانِي مُجَرَّدَ وَعْدٍ له
…
كَلَيْلِي عليه بلا آخِرِ
وقولي:
إذا النسيمُ جَرَّرَ ذَيْلَه علَى
…
ساحةِ رَوضٍ فُتِّحتْ أزْهارُهُ
فنَشْرهُ مِن الثَّناءِ نَفْحةٌ
…
يُثْنِى على المُزْنِ بها نُوَّارُهُ
وقولي:
جاء الربيعُ الطَّلْقُ فانْهَضْ مُحْرِزاً
…
صَفْوَ نَعِيمٍ حَقُّه أن يُحْرَزَا
وانْظُرْ بِساطاً من نَسِيجِ نَبْتِهِ
…
مُنَبَّتَاً بوَشْيهِ مُطَرَّزَا
وقولي:
إن يكنْ قَطَّر من رِيِقِه
…
ماءَ َوْردٍ لحياةِ الأنْفُسِ
فلقد أبْدَى لنا من وَجْهِهِ
…
عَرَقُ الْفِتْنةِ عِطْرَ النَّفَسِ
عطرُ الفتنة: من العِطْرِيَّات المَجْلوبات من الهند.
وقولي:
وشادِنٍ أزْهَى من الطَّاوُوس
…
في عِشْقِه مَنِيَّةُ النُّفُوسِ
أبْدَى لنا مِن الثَّنايا فَمُه
…
سِيناً عسى تكون للتَّنْفيسِ
وقولي:
ألا لا تَخْشَ من صَفْعٍ
…
ولا يأخُذْكَ إيحاشُ
تَنَلْ شَاشاً بِعشْرتِنا
…
فشَاشٌ قَلْبُه شَاشُ
وقولي:
كم حِيلةٍ أعْمَلْتُها فلم تُفِدْ
…
لكنْ دَعَتْنِي للهُدُوِّ والرِّضَا
إذا مَطايا العَزْمِ أَخْلَتْ بُرْهةً
…
سَلِّمْ زِمامَها إلى يَدِ الْقَضَا
وقولي:
كانت بِقَلْبِي غُلَّةٌ
…
حَرَّاءُ للرَّشاء المُمَنَّعْ
حتى دَنَوتُ لثَغْرِه
…
فرَشفْتُه والرَّشْفُ أنْقَعْ
الرَّشْفُ أنْقع: مثلٌ، أي أن الشَّراب الذي يُرْتَشَف قليلا قليلا أقْطَعُ للعَطَش وأنْجع، وإن كان فيه بُطْءٌ.
وقولي:
مِن صَفْوةِ الخَلْقِِ مَلِيحٌ وَجْهُه
…
جامِعُ حُسْنٍ مُتْقَنُ الصِّناعَهْ
قد خُطَّ مِحْرابان في قِبْلَتِهِ
…
لمَّا اقْتضَتْه كثرةُ الجماعَهْ
وقولي:
في الرَّوضِ جَرَى زُلالُ ماءٍ
…
عن أحْسَنِ مَنْظَرٍ يَشِفُّ
أحْداقُ لُجَينِهِ عليها
…
أهْدابُ زَبَرْجَدٍ تَرِفُّ
وقولي:
مَن كان مَذْكوراً بعِشْقِ الظِّبا
…
بلا خلافٍ للنُّهَى حَالَفَا
ومن يكُنْ خالَف في أمْرِه
…
فَغَيْرُ مذكورٍ وإن خَاَلفَا
وقولي:
كم شِدَّةٍ حَملْتُ ثِقْلَ خُطوبها
…
ليستْ لِمَحْمِلِها الجبالُ تُطِيقُ
ما كنتُ أضْبِطُ للزَّمان نَوائِباً
…
أيَعُدُّ أمْواجَ البحارِ غريقُ
وقولي:
وإذا قصدتُ حِماكَ يدْعونِي إلى
…
سَاحاتِ نائِلِه النعيمُ المُخْضَلُ
أمْشي بقلْبِي لا برِجْلِي إنَّما
…
تمشِي بحيثُ هَوَى القلوبِ الأرْجُلُ
وقولي في تهْنئةٍ بدارٍ لماجد:
مَولايَ يَهْنِيك ما أثَّرْت من أثَرٍ
…
أعْطاك ربُّك فيه غايةَ الأمَلِ
بَنَيْتَ دُنْياك في دارٍ جمعتَ بها
…
كلَّ الخلائِق من عَلْياكَ في رَجُلِ
وقولي:
وكم ليَ من رَوضِ فَضْلٍ لقدْ
…
تَفيَّأتُ فيه ظِلالَ الكَرَمْ
تَعرَّفتُه بِثَناءِ النَّدَى
…
وعَرِّفْتُه بنسيمِ النِّعَمْ
نسيم النِّعَم: هو الشكرُ. وهو من مُبْتدَعات البُحْتُريّ، وكان الصاحبُ يسْتحسِنُه.
وقولي:
غَنِيتُ وقد شاهدتُ أحسنَ مَنْظَرٍ
…
من الرَّوضِ عمَّا يصْطفِيه جِنانُ
فأزْهَارُه وَشْيٌ وسَلْسَلُ مائِه
…
سُلافُ كُؤوسٍ والطيورُ قِيانُ
وقولي:
ثقِيلُ رُوحٍ أنْكَرُوا وَطْأَهُ
…
نَرْجِسَ رَوضٍ حُفَّ بالسَّوْسَنِ
فقلتُ غُضُّوا الطَّرْفَ عن وَضْعِهِ
…
فإنَّه يَمْشِي على الأعْيُنِ
وقولي:
شِعْرِي إذا أبْدَيْتُه لعِصابةٍ
…
تَلْقاهُم لنَشِيدِه لا يُحْسِنُوا
كالعِطْرِ تجلِبُه لأنْطاكِيَّةٍ
…
فَتَراهُ يفسُد رِيحُه بل يُنْتِنُ
ذكر هذا الثَّعالِبيُّ، في الباب السادس والأربعين، من ثمرات القلوب، عند ذكر نِعْمة المدينة، ونَصُّ عبارته نَقْلاً عن الجاحظ:" ورأيتُ بلدةً يسْتحيل فيها العِطْر ويفْسُد، وتفسُد رائحتُه، كقَصَبة الأهْواز وأنْطاكِيَة ".
وقولي:
أنْعِمْ صَباحاً في ظِلالِ رَوضةٍ
…
تدعُو إلى النَّشْوةِ حُسْناً وبَهَا
لمَّا غَفَا فيها النَّباتُ سُحْرَةً
…
دَغْدَغَهُ نَسِيمُها فانْتَبَها
وقولي:
أهْوَى تَباعُدَه والفكرُ يُدْنِيهِ
…
ضِدَّانِ ما جُمِعا إلَاّ لِتَمْويهِ
فما تُقرِّبُه منِّي مَحاسِنُه
…
ولا تُبَعِّدُه عنِّي مَساوِيهِ
وقولي:
نَفَرٌ في الدِّين مُذ عَبَثُوا
…
بَعُدُوا عن خَيرِهِ الزَّاهِي
فهُمُ ما بين أظْهُرِنا
…
فَضَضٌ مِن لَعْنةِ اللهِ
رُوِيَ عن عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبيها، أنها قالت لمروان:" أنتَ فَضَضٌ مِن لَعْنةِ الله ".
وقولي:
أرى جسمِي تَحُطُّ به البَلايَا
…
وما شارَفْتُ مُعْتَركَ المَنايَا
فإنْ أبْقانِيَ المَولَى فأرجُو
…
بَقَايا منه في عُمْرِي نَقايَا
مُعْترَكُ المَنايا: هو ما بين السِّتِّين إلى السَّبعين، مِن سِنِي أعْمارِ الناس، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:" أكْثَرُ أعْمَارِ أمتي ما بين السِّتِّينَ إلى السَّبْعِينَ ".
ومن مفرداتي:
ما كلُّ دارٍ آنسَتْ دارُ الحِمَى
…
أو كلُّ بيضاءِ الطُّلى أسْماءُ
وقولي:
ولي ألْفُ وَجْهٍ في مُخالَطةِ الورَى
…
ولكنْ بلا قلبٍ إلى أين أذْهَبُ
وقولي:
وليس عجيباً ما بجسمِي من الضَّنَى
…
ولكن حياتي يا ابْنةَ القومِ أعْجَبُ
وقولي:
إن الكرامَ إذا اخْتشَوْا نَدَّ العُلَى
…
جَعَلُوا لها سِمْطَ القَرِيضِ قُيودَا
وقولي:
وما الدهرُ من أصلِه فاسدٌ
…
ولكنْ فسادُ الورَى أفْسَدَهْ
وقولي:
قل للذي هَمُّهُ الفَخارُ
…
من دون ذا ينْفَق الحمارُ
وقولي:
إذا تَناءتْ قلوبٌ
…
لا كان قربُ ديارِ
وقولي:
ما خُصَّ ذو الجهلِ الدَّنِيِّ برُتْبةٍ
…
إلَاّ كما خُصَّ الخِتامُ بخِنْصَرِ
وقولي:
نعيمُ المرءِ ثوبٌ مُسْتعارُ
…
وفي الماضي لمن يبْقَى اعْتبارُ
وقولي:
مَن رام مِن حُسَّادِهِ نُصْرَةً
…
كان كمَن في النارِ يُطْفِي الأُوَارْ
وقولي:
مَحْصولُ وُدِّك في رِضاك مُحَصَّلٌ
…
شَرْحُ القصائدِ في الوُجوهِ مُلَخَّصُ
وقولي:
غُصَصُ الحياةِ كثيرةٌ ولقد
…
تُنْسِي الحوادثُ بعضُها بَعْضاَ
وقولي:
إن زاحَمتْك نوائبٌ
…
زَاحِمْ بِعَوْدٍ أو دَعِ
وقولي:
عَيْنٌ أصابتْ شَمْلَنا لا رأَتْ
…
شَمْلاً على طُولِ المَدامِعِ يُجْمَعُ
وقولي:
كلامُه في وعيدِي ليس يجْرحُنِي
…
إن الوعيدَ سلاحُ العاجِز الحمِقِِ
وقولي:
لك الوُدُّ والإخلاصُ من قلبِ صادقٍ
…
وأبعَدُ ما حاولْتَ قلبُ الحقائقِِ
وقولي:
صدَقُوا ولكن لستُ ممن يقْبلُ
…
ليس المُخاطَبُ في الورَى مَن يعْقِلُ
وقولي:
ومَن لم يشكرِ النَّعْماءَ يوماً
…
وأنْكَرها فقد رَضِيَ الزَّوالَا
وقولي:
ولا خيرَ فيمن غَيَّرَ البُعْدُ قلبَه
…
ولا في وِدادٍ غَيَّرتْه العَوامِلُ
وقولي:
لا شيءَ أجْرَى لدموعِ عاشقٍٍ
…
من فُرْقةِ الأحبابِ والمَنازلِ
وقولي:
مَطلتْنِي ثم أدَّعيْتَ السَّخا
…
والمَطْلُ مولودٌ من البُخْلِ
وقولي:
أنا والمَنِيَّةُ في وَجَلْ
…
مِن سِحْرِ هاتيك المُقَلْ
وقولي:
إذا لم أذُقْ غَيْرَ هَجْرِ الظِّبا
…
فمِن أين أعرفُ طَعْمَ الوِصالْ
وقولي:
كنتُ مُسْتأنِساً إلى كلِّ شخصٍ
…
فأنا الآن نافِرٌ من خَيالِي
وقولي:
بين اللَّواحِظِ والمُتونِ ذِمامُ
…
سَبَبٌ لأن تَفْنَى به الأجْسامُ
وقولي:
كلُّ نارٍ غيرَ نارِ الْ
…
عشْقِِ بَرْدٌ وسَلامْ
وقولي:
الشيءُ يَظْهَر في الوجودِ بضدِّهِ
…
لولا الضرورةُ ما اسْتبانَ المُنْعِمُ
وقولي:
تكتُّمُ المُغْرَمِ لا يُمْكِنُ
…
وسَلْوةُ العاشقِ لا تَحْسُنُ
وقولي:
ما كلُّ ما تحْذرُ بالكائِنِ
…
قد ينْزِلُ المكروهُ بالآمِنِ
وقولي:
لا عذَّب اللُهُ مُتَيَّماً بما
…
لَقِيتُه مِن كثْرةِ التَّجَنِّي
وقولي:
إن الرجالَ لهم وسائلُ للمُنَى
…
ووَسِيلتِي حُبُّ النبيِّ وآلِهِ
وقولي:
إن تكنْ صُحْبتِي تنفَيْتَ عنها
…
أيَّ أُحْدوثَةٍ تُحِبُّ فكُنْهَا
وقولي:
بالصبر يَرْقَى المرءُ أوْجَ العُلَى
…
إن التَّأنِّي دَرَجٌ للرَّقَا
وهنا جَفَّ القلَم، وقد أدَّى ما عليه فلم يُلَم.
وقد رأيتُ أن أختم الكتاب بهذين البيْتَيْن، وأنا مُسْتشْفِعٌ في إصْلاحِ أحْوالي بصاحبِ القِبْلَتَيْن.
وهما:
لئِنْ ضاقتْ بيَ الأيامُ ذَرْعاً
خَلَصْتُ من الأماني في حياتي