المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فقوله صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك - نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس - جـ ٣

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌فقوله صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك

- ‌قوله: "يحفظك

- ‌وقوله صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله تجده أمامك" وفي رواية أخرى: "تجاهك

- ‌قوله صلى الله عليه وسلم: "تعرف إِلَى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة

- ‌وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سألت فاسأل الله

- ‌وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا استعنت فاستعن بالله

- ‌وقوله صلى الله عليه وسلم: "جف القلم بما هو كائن" وفي الرواية الأخرى: "رفعت الأقلام وجفت الكتب" وفي الرواية الأخرى: "وجفت الصحف

- ‌وقوله صلى الله عليه وسلم بعد هذا: "فلو أنَّ الخلق جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه

- ‌وقوله صلى الله عليه وسلم: "واعلم أنَّ في الصبر عَلَى ما تكره خيرًا كثيرًا

- ‌وقوله صلى الله عليه وسلم: "واعلم أنَّ النصر مع الصبر

- ‌فقوله صلى الله عليه وسلم: "إن النصر مع الصبر

- ‌قوله صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ الفرج مع الكرب

- ‌قوله صلى الله عليه وسلم: "إن مع العسر يسرًا

- ‌فصل

الفصل: ‌فقوله صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك

‌فقوله صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك

"

يعني: احفظ حدود الله وحقوقه وأوامره ونواهيه وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا تتجاوز ولا تتعدى ما أمر به إِلَى ما نهى عنه.

فدخل في ذلك فعل الواجبات جميعًا وترك المحرمًات كلها، كما في حديث أبي ثعلبة المرفوع:

«إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوها، وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا» (1).

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 589)، والدارقطني في سننه (4/ 184) من طريق داود بن أبي هند عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني.

وأخرجه الييهقي في "السنن الكبير"(10/ 12) موقوفًا عَلَى أبي ثعلبة الخشني من نفس الطريق المرفوع.

قال البيهقي: هذا موقوف، وأنبأنيه شيخنا أبو عبد الله الحافظ في "المستدرك" فيما لم يقرأ عليه إجازة حدثني علي بن عيسى ثنا محمد بن عمرو الحرشي ثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند

فذكر نفس الإسناد.

وسئل الدارقطني في العلل (6/ 324) برقم (1170) عن هذا الحديث فَقَالَ: يرويه مكحول واختلف عنه، فرواه داود بن أبي هند عن مكحول، واختلف عنه، فرواه إسحاق الأزرق عن داود بن أبي هند عن مكحول عن أبى ثعلبة مرفوعًا.

وتابعه محمد بن فضيل عن داود.

ورواه حفص بن غياث ويزيد بن هارون عن داود فوقفاه.

وقال قحذم: سمعت مكحولا يقول: لم يتجاوز به.

والأشبه بالصواب مرفوعًا وهو أشهر.

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 240): وله علتان: إحداهما أن مكحولاً لم يصح له السماع عن أبي ثعلبة، كذلك قال أبو مسهر الدمشقي وأبو نعيم وغيرهم.=

ص: 94

وذلك كله يدخل في حفظ حدود الله، كما ذكره الله في قوله: {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ

} [التوبة: 112].

وقال تعالى: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق: 32، 33].

وفسر الحفيظ ها هنا بالحافظ لأوامر الله، وفسر بالحافظ لذنوبه حتى يرجع منها، وكلاهما يدخل في الآية.

ومن حفظ وصية الله لعباده وامتثلها فهو داخل أيضاً، والكل يرجع إِلَى معنى واحد.

وقد ورد في بعض ألفاظ حديث يوم المزيد في الجنة:

"إن الله تعالى يقول لأهل الجنة، إذا استدعاهم إِلَى زيارته وكشف لهم الحجب: مرْحَبًا بعبادي الَّذين حفظوا وصيتي، وراعوا عهدي، وخافوني بِالْغَيْبِ، وَكَانُوا مني على كل حَال مشفقين"(1).

=والثانية: أنَّه اختلف في رفعه ووقفه عَلَى أبي ثعلبة، ورواه بعضهم عن مكحول من قوله، لكن قال الدارقطني: الأشبه بالصواب المرفوع، قال: وهو أشهر" اهـ.

قلت: وله شاهد من حديث أبي الدرداء مرفوعًا أخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 404)، والطبراني في الصغير (2/ 122 - 123).

قال الطبراني: لم يروه عن قرة إلا أصرم بن حوشب.

وقال ابن عدي بعد أن نقل قول يحيى بن سعيد القطان في أصرم بن حوشب: أنَّه كذاب خبيث، وقول البخاري: متروك الحديث.

قال ابن عدي: وهذه الأحاديث بواطيل عن قرة بن خالد كلها، لا يحدث بها عنه غير أصرم هذا.

(1)

أخرجه ابن أبي الدُّنْيَا في صفة الجنة (53)، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (411) وعزاه لهما المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 307) فَقَالَ: رواه ابن أبي الدُّنْيَا وأبو نعيم هكذا معضلا، ورفعه منكر، والله أعلم. وقال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (2/ 520): وهذا مرسل ضعيف غريب، وأحسن أحواله أن يكون من كلام بعض السَّلف فوهم بعض رواته، فجعله مرفوعًا وليس كذلك، والله أعلم.

ص: 95

فأمره صلى الله عليه وسلم لابن عباس بحفظ الله يدخل فيه هذا كله.

ومن أعظم ما يجب حفظه من المأمورات الصلوات الخمس، قال تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج: 34].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

"من حافظ عليها كان له عند الله عهدًا أن يدخله الجنة

" (1) الحديث.

وفي حديث آخر:

" «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (2). الحديث.

وكذلك الطهارة فإنها مفتاح الصلاة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يحافظ عَلَى الوضوء إلا مؤمن"(3).

فإن العبد تنتقض طهارته ولا يعلم بذلك إلا الله، فالمحافظة عَلَى الوضوء للصلاة دليل عَلَى ثبوت الإيمان في القلب.

ومما أمر الله بحفظه الأيمان لمَّا ذكر كفارة اليمين قال: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] فإن الأيمان كثيرًا ما تقع من الناس وموجباتها مختلفة، فتارة يجب بها كفارة يمين وتارة يجب بها كفارة مغلظة، وتارة يلزم بها المحلوف عليه من طلاق ونحوه. فمن حفظ أيمانه دل عَلَى دخول الإيمان في قلبه.

وكان السَّلف كثيرًا يحافظون عَلَى الأيمان، فمنهم من كان لا يحلف بالله ألبتة، ومنهم من كان يتورع حتى يكفر عما شك في الحنث فيه. ووصى الإمام

(1) أخرجه مالك في الموطأ (1/ 123)(14)، وأحمد (5/ 319).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 169)، والطبراني في "الأوسط"(1767).

(3)

أخرجه أحمد (5/ 280)، والدارمي (1/ 168) والطبراني في الكبير (2/ 1444).

ص: 96

أحمد رحمه الله عند موته أن تخرج عنه كفارة يمين. وقال: أظن أني حنثت في يمين حلفتها.

وقد رُوي عن أيوب عليه السلام أنَّه كان إذا مر باثنين يحلفان بالله ذهب فكفر عنهما بيمين، لئلا يأثمان وهما لا يشعران.

ولهذا لما حلف عَلَى ضرب امرأته مائة جلدة، أفتاه الله بالرخصة لحفظه لأيمانه وأيمان غيره.

وقد اختلف العُلَمَاء، هل تتعدى الرخصة لحلفه أم لا؟

وقال يزيد بن أبي حبيب: بلغني أن من حملة العرش من يسيل من عينيه أمثال الأنهار من البكاء، فإذا رفع رأسه قال: سبحانك، ما (تخشى) (*) حق خشيتك؟ فيقول الله تعالى: لكن الذين يحلفون باسمي كاذبين لا يعلمون ذلك.

وقد ورد التشديد العظيم في الحلف الكاذب، ولا يصدر كثرة الحلف بالله والحلف به كاذبًا من الجهل بالله وقلة هيبته في الصدور.

ومما يلزم المؤمن حفظه رأسه وبطنه، كما في حديث ابن مسعود المرفوع:"الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَيَحْفَظِ البَطْنَ وَمَا حَوَى" خرجه الإمام أحمد (1) والترمذي (2).

وحفظ الرأس وما وعى، يدخل فيه السمع والبصر واللسان من المحرمات.

وحفظ البطن وما حوى: يتضمن حفظ القلب عن الإصرار عَلَى محرم.

وقد جُمع -ذلك كله في قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].

ويدخل في حفظ البطن وما حوى: حفظه من إدخال الحرام. إِلَيْهِ من

(*) نخشى: "نسخة".

(1)

(1/ 387).

(2)

برقم (2458) وقال: هذا حديث إِنَّمَا نعرفه من هذا الوجه من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد.

ص: 97

المأكولات والمشروبات.

ومما يجب حفظه من المنهيات: حفظ اللسان والفرج. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:

"من حفظ ما بين لحييه وما بين رجليه دخل الجنة" خرجه الحاكم (1).

وخرّجه البخاري (2) من حديث سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه: "من يضمن لي ما بين لحييه ورجليه، أضمن له الجنة".

وفي مسند الإمام أحمد (3) عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من حفظ ما بين فقميه (4) وفرجه دخل الجنة".

وقد أمر الله بحفظ الفروح خاصة ومدح الحافظين لها، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ

} [النور: 30].

وقال تعالى: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} [الأحزاب: 35].

وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ

} [المؤمنون: 5، 6].

وقد رُوي عن أبي إدريس الخولاني أن أول ما وصى الله آدم عند إهباطه إِلَى الأرض بحفظ فرجه، أن لا يضعه إلا في حلال.

(1) في "المستدرك"(4/ 357).

(2)

برقم (6474).

(3)

(4/ 398).

(4)

الفُقْم: بالضم والفتح، اللَّحِي، يريد من حفظ لسانه وفرجه. النهاية مادة "فقم".

ص: 98