المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل وإذا اشتد الكرب وعظم الخطب كان الفرج حينئذٍ قريبًا في - نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس - جـ ٣

[ابن رجب الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌فقوله صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك

- ‌قوله: "يحفظك

- ‌وقوله صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله تجده أمامك" وفي رواية أخرى: "تجاهك

- ‌قوله صلى الله عليه وسلم: "تعرف إِلَى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة

- ‌وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سألت فاسأل الله

- ‌وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا استعنت فاستعن بالله

- ‌وقوله صلى الله عليه وسلم: "جف القلم بما هو كائن" وفي الرواية الأخرى: "رفعت الأقلام وجفت الكتب" وفي الرواية الأخرى: "وجفت الصحف

- ‌وقوله صلى الله عليه وسلم بعد هذا: "فلو أنَّ الخلق جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه

- ‌وقوله صلى الله عليه وسلم: "واعلم أنَّ في الصبر عَلَى ما تكره خيرًا كثيرًا

- ‌وقوله صلى الله عليه وسلم: "واعلم أنَّ النصر مع الصبر

- ‌فقوله صلى الله عليه وسلم: "إن النصر مع الصبر

- ‌قوله صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ الفرج مع الكرب

- ‌قوله صلى الله عليه وسلم: "إن مع العسر يسرًا

- ‌فصل

الفصل: ‌ ‌فصل وإذا اشتد الكرب وعظم الخطب كان الفرج حينئذٍ قريبًا في

‌فصل

وإذا اشتد الكرب وعظم الخطب كان الفرج حينئذٍ قريبًا في الغالب.

قال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: 110] وقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].

وأخبر عن يعقوب عليه السلام أنَّه لم ييأس من لقاء يوسف، وقال لإخوته:{اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: 87] وقال: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} [يوسف: 83].

ومن لطائف أسرار اقتران الفرج باشتداد الكرب أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وجد الإياس من كشفه من جهة المخلوق ووقع التعلق بالخالق وحده، ومن انقطع عن التعلق بالخلائق وتعلق بالخالق، استجاب الله له وكشف عنه؛ فإن التوكل هو قطع الاستشراف باليأس من المخلوقين، كما قال الإمام أحمد، واستدل عليه بقول إبراهيم لما عرض له جبريل في الهواء وقال: ألك حاجة؟ فَقَالَ: أما إليك فلا!.

والتوكل من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج، فإن الله يكفي من توكل عليه، كما قال:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3].

قال الفضيل: والله لو يئست من الخلق حتى لا تريد منهم شيئًا لأعطاك مولاك كل ما تريد.

ومنها: أن العبد إذا اشتد عليه الكرب فإنَّه يحتاج حينئذٍ إِلَى مجاهدة الشيطان؛ لأنّه يأتيه فيقنطه ويسخطه، فيحتاج العبد إِلَى مجاهدته ودفعه، فيكون ثواب مجاهدة عدوه ودفعه: دفع البلاء عنه ورفعه.

ص: 173

ولهذا في الحديث الصحيح:

"يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي! فيدع الدعاء"(1).

ومنها: أن المؤمن إذا استبطأ الفرج ويئس منه ولا سيما بعد كثرة الدعاء وتضرعه ولم يظهر له أثر الإجابة، رجع إِلَى نفسه باللائمة ويقول لها: إِنَّمَا أتيت من قبلك ولو كان فيك خير لأجبت!.

وهذا اللوم أَحَبّ إِلَى الله من كثير من الطاعات؛ فإن يوجب انكسار العبد لمولاه، واعترافه له بأنه ليس بأهل لإجابة دعائه فلذلك يسرع إِلَيْهِ حينئذ إجابة الدعاء وتفريج الكرب، فإنَّه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله، عَلَى قدر الكسر يكون الجبر.

قال وهب: تعبد رجل زمانًا ثم بدت له إِلَى الله حاجة فصام سبعين سبتًا يأكل في كل سبت إحدى عشرة تمرة، ثم سأل الله حاجته فلم يعطها فرجع إِلَى نفسه فَقَالَ: منك أتيت، لو كان فيك خير أعطيت حاجتك. فنزل إِلَيْهِ عند ذلك ملك، فَقَالَ: يا ابن آدم؛ ساعتك هذه خير من عبادتك التي مضت وقد قضى الله حاجتك.

أهين لهم نفسي لكي يكرمونها

ولن تكرم النفس التي لا تهينها

فمن تحقق هذا وعرفه وشاهده بقلبه، علم أن نعم الله عَلَى عبده المؤمن بالبلاء أعظم من نعمه في الرخاء، وهذا تحقيق معنى الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:

«لَا يَقْضِي اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ فَشَكَرَ كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ» (2).

ومن ها هنا كان العارفون بالله لا يختارون إحدى الحالتين عَلَى الأخرى، بل

(1) أخرجه البخاري (6340)، ومسلم (2735).

(2)

أخرجه مسلم (2999).

ص: 174

أيهما قدر الله رضوا به وقاموا بعبوديته اللائقة به.

وفي "المسند"(1) والترمذي (2) عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عَرْضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا، فَقُلْتُ: لَا يَا رَبِّ، وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا، وَأَجُوعُ يَوْمًا؛ فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَذَكَرْتُكَ، وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ وَحَمِدْتُكَ".

وقال عمر: ما أبالي أصبحت عَلَى ما أَحَبّ أو عَلَى ما أكره لأني لا أدري الخير فيما أَحَبّ أو فيما أكره (3)؟

وقال عمر بن عبد العزيز: أصبحت يومًا وما لي سرور إلا في مواقع القضاء والقدر.

يا هذا، لِمَ نستدعيك إلينا وأنت تفر منا؟! نسبغ عليك النعم فتشتغل بها عنا وتنسانا! فنفرغ عليك البلاء لترد إلينا! وتقف عَلَى بابنا ونسمع تضرعك! البلاء يجمع بيننا وبينك، والعافية تجمع بينك وبين نفسك.

إن جرى بيننا وبينك عتب

أو تناءت منا ومنك الديار

فالوداد الَّذِي عهدت مقيم

والأيادي التي عهدت غزار

كم لنا في طي البلايا من منح

وعطايا وفي الزوايا خبايا

يا هذا! إن شكرت نعمنا عليك فتوفيقك للشكر من جملة نعمنا فاشكره! وإن صبرت عَلَى بلائنا فالصبر من جملة فضلنا فاذكره، فكل ما تقلب فيه فهو من نعمنا فلا تكفره {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ

(1)(5/ 254).

(2)

برقم (2347) وقال: هذا حديث حسن

إِلَى أن قال: وعلي بن يزيد ضعيف الحديث.

قلت: وفي الإسناد عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد الألهاني عن القاسم أبي عبد الرحمن، وقد قال ابن حبان عنهم: إنهم إذا اجتمعوا في إسناد، فهو مما عملت أيديهم.

(3)

أخرجه ابن أبي الدُّنْيَا في الفرج بعد الشدة ص 21.

ص: 175

كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].

إذا كان شكري نعمة الله نعمةً

عَلَيَّ له في مثلها يجب الشكر

فكيف وقوع الشكر إلا بفضله

وإن طالت الأيام واتصل العمر

إذا مس بالسراء عم سرورها

وإن مس بالضراء أعقبها الأجر

وما منهما إلا له فيه منة

تضيق لها الأوهام والبر والبحر

آخره والحمد ولله وحده، وصلى الله عَلَى سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا يا رب العالمين.

ووافق الفراغ منه في ليلة يسفر صباحها عن ليلة الثلاثاء خامس شهر ربيع الأولى من شهور سنة ثلاث وتسعين وثماني مائة، عَلَى يد فقير عفو ربه الممجد عيسى بن علي بن محمد الحوراني الشافعي، عامله الله بلطفه الخفي وغفر له ولوالديه، ولمن نظر فيه ودعا لي بالمغفرة وحسن الخاتمة، إنه بر رحيم جواد لا يخيب من دعاه.

***

ص: 176