الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن مع العسر يسرًا
"
هذا منتزع من قوله سبحانه وتعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7] وقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5، 6].
وروى حُميد بن حماد بن أبي الخوار، ثنا عائذ بن شريح، سمعت أنس بن مالك يقول:
خرّجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(1) وخرَّجه البزار في "مسنده"(2): ولفظه لو جاء العسر حتى يدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يخرجه. ثم قال: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} .
حُميد بن حماد هذا ضعفوه.
وخرَّج ابن أبي حاتم من رواية مبارك بن فضالة، عن الحسن قال: كانوا يَقُولُونَ: لا يغلبُ عسر واحد يسرين اثنين.
وخرَّج ابن جرير (3) من رواية معمر عن الحسن قال:
"خرج النبي صلى الله عليه وسلم يومًا مسرورًا فرحًا وهو يقول: "لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ. {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ".
(1) كما في تفسير ابن كثير (4/ 525).
(2)
(3/ 81 - كشف)، والحاكم في المستدرك (2/ 255) وقال: هذا حديث عجيب غير أن الشيخين لم يحتجا بعائذ بن شريح. وتعقبه الذهبي قائلاً: تفرد به حميد بن حماد عن عائذ، وحميد منكر الحديث كعائذ.
(3)
في تفسيره (30/ 151).
وخرَّجه أيضاً من رواية عوف ويونس عن الحسن مرسلاً أيضاً.
ومن حديث قتادة (1) قال:
"ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فَقَالَ: لن يغلب عسر يسرين".
وروى ابن أبي الدُّنْيَا من حديث معاوية بن قرة حدثه عن ابن مسعود قال: "لَوْ أَنَّ الْعُسْرَ دَخَلَ جُحْرًا لَجَاءَ الْيُسْرُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ قَالَ: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} "، ومن حديث عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده "أن أبا عبيدة حُصر فكتب إِلَيْهِ عمر يقول: مهما ينزل بامرئ من شدة إلا يجعل الله له بعدها فرجًا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، أنَّه يقول:{اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] " (2).
وكذا قال ابن عباس وغيره من المفسرين في هذه الآية: "لن يغلب عسر يسرين".
كان بعض المتقدمين ليلة في البادية في غم شديد، فألقي في روعه بيت من الشعر، فَقَالَ:
أرى الموت لمن أصبح
…
مغمومًا له أصلح
فلما جنّ عليه الليل سمع هاتفًا يهتف:
ألا يا أيها المرء
…
الذى الهم به برح
وقد أنشد بيتًا لم
…
يزل في ذكره يسبح
إذا اشتد بك العسر
…
ففكر في ألم نشرح
فعسر بين يسرين
…
إذا أبصرته فافرح
قال: فحفظت الأبيات ففرج الله غمي:
وقد أكثر الشعراء من القول في هذا المعنى، ونحن نذكر قطعة منتخبة من
(1) أخرجه ابن جرير (30/ 151).
(2)
أخرجه ابن أبي الدُّنْيَا في "الفرج بعد الشدة" ص 24.
محاسن ما قيل في ذلك، فمما قيل في هذا المعنى:
تصبر إن عقبى الصبر خير
…
ولا تجزع لنائبة تنوب
فإن اليسر بعد العسر يأتي
…
وعند الضيق تنكشف الكروب
ولبعضهم:
وكم جزعت نفوس عن أمور
…
أتى من دونها فرج قريب
ولبعضهم:
عسى فرج يكون عسا
…
نعلل أنفسنا بعسى
وأقرب ما يكون المرء
…
من فرج إذا يئسا
ولغيره:
إذا تضايق أمرٌ فانتظر فرجا
…
فأضيق الأمر أدناه من الفرج
ولبعضهم:
فلا تجزع وأن أعسرت يومًا
…
فقد أيسرت في الزمن الطويل
ولا تظنن بربك ظنّ سوء
…
فإن الله أولى بالجميل
ولا تيأس فإن اليأس كفر
…
لعل الله يغني عن قليل
فإن العسر يتبعه يسار
…
وقيل الله أصدق كل قيل
ولبعضهم:
مفتاح باب الفرج الصبر
…
وكل عسر بعده يسر
والدهر لا يبقى عَلَى حالة
…
والأمر يأتي بعده الأمر
ولغيره:
إذا اشتملت عَلَى اليأس القلوب
…
وضاق لما به الصدر الرحيب
وأوطأت المكاره وأطمأنت
…
وأرست في أماكنها الخطوب
ولم ترى لانكشاف الضر وجها
…
ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك عَلَى قنوط منك غوث
…
يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات وإن تناهت
…
فموصول بها الفرج القريب
ولبعضهم:
عسى ما ترى أن لا يدوم وأن ترى
…
له فرجًا مما ألج به الدهر
عسى فرج يأتي به الله إنه له
…
كل يوم في خليقته أمر
إذا لاح عسر فارج يسرًا فإنَّه
…
قضى الله أن العسر يتبعه اليسر
ولنختم الكتاب بذكر نبذة يسيرة من لطائف البلايا وفوائدها وحكمها، فمنها: تكفير الخطايا بها، والثواب عَلَى الصبر عليها، وهل يثاب عَلَى (البلايا)(*) بنفسه؟ فيه اختلاف بين العُلَمَاء.
ومنها: تذكر العبد بذنوبه؛ فربما تاب ورجع منها إِلَى الله عز وجل.
ومنها: زوال قسوة القلوب وحدوث رقتها.
قال بعض السَّلف: إن العبد ليمرض فيذكر ذنوبه فيخرج منه مثل رأس الذباب من خشية الله فيغفر له.
ومنها: انكسار العبد لله عز وجل وذله له، وذلك أَحَبّ إِلَى الله من كثير من طاعات الطائعين.
ومنها: أنها توجب للعبد الرجوع بقلبه إِلَى الله عز وجل، والوقوف ببابه والتضرع له والاستكانة، وذلك من أعظم فوائد البلاء، وقد ذم الله من لا يستكين له عند الشدائد، قال الله تعالى:{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76].
وقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام: 42].
وفي بعض الكتب السابقة: إن الله ليبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه.
وقال سعيد بن عبد العزيز: قال داود عليه السلام: سبحان مستخرج
(*) البلاء: "نسخة".
الدعاء بالبلاء، وسبحان مستخرج الشكر بالرخاء.
ومرَّ أبو جعفر محمد بن علي بمحمد بن المنكدر وهو مغموم، فسأل عن سبب غمه، فقِيلَ لَهُ: الدّين قد فدحه، فَقَالَ أبو جعفر: أفتح له في الدعاء؟ قيل: نعم. قال: لقد بورك لعبد في حاجة أكثر فيها من دعاء ربه كائنة ما كانت.
وكان بعضهم إذا فتح له في الدعاء عند الشدائد لم يحب تعجيل إجابته خشية أن ينقطع عما فتح له.
وقال ثابت: إذا دعا الله المؤمن بدعوة وكل الله جبريل بحاجته يقول: لا تعجل بإجابته، فإني أَحَبّ أن أسمع صوت عبدي المؤمن.
ورُوي مرفوعًا من وجوه ضعيفة (1).
رأى بعض السَّلف رب العزة في نومه فَقَالَ: يا رب، كم أدعوك ولا تجيبني؟.
قال: إني أَحَبّ أن أسمع صوتك (2).
ومنها: أن البلاء يوصل إِلَى قلبه لذة الصبر عليه والرضا به، وذلك مقام عظيم جدًّا، وقد تقدمت الإشارة إِلَى فض ذلك وشرفه.
ومنها: أن البلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إِلَى مخلوق ويوجب له الإقبال عَلَى الخالق وحه.
(1) أخرجه الطبراني في "الأوسط"(8442) وقال: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن المنكدر إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة تفرد به سويد بن عبد العزيز.
وذكره الهيثمي في "المجمع"(10/ 151) وقال:
…
وفيه إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة، وهو تروك.
(2)
قال الشيخ محمد ناصر العجمي- حفظه الله- في تعليقه على هذه الرسالة ص 122: كان الأولى بالمصنف رحمه الله الإعراض عن ذكر مثل هذه الحكاية، وقد شحن كتابه هذا من الحكايات التي جلها لا أصل لها في الكتاب والسنة الصحيحة، بل مبنية عَلَى الحيال، وكفى بما صح من السنة وأقوال السَّلف واعظًا، فنسأل الله أن يتجاوز عنا وعنه.
وقد حكى الله عن المشركين إخلاص الدعاء له عند الشدائد؛ فكيف بالمؤمن؟!.
فالبلاء يوجب للعبد تحقيق التوحيد بقلبه وذلك أعلى المقامات وأشرف الدرجات.
وفي الإسرائيليات يقول الله عز وجل: "البلاء يجمع بيني وبينك، والعافية تجمع بينك وبين نفسك".
***