المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل أُقدّمُ، بين يدي الخوض فيما أنا بصدده، مقدّمةً. وهي أنَّ - القسطاس في علم العروض

[الزمخشري]

الفصل: ‌ ‌فصل أُقدّمُ، بين يدي الخوض فيما أنا بصدده، مقدّمةً. وهي أنَّ

‌فصل

أُقدّمُ، بين يدي الخوض فيما أنا بصدده، مقدّمةً. وهي أنَّ بناء الشعر العربي على الوزن المُخترعِ، الخارج عن بحور شعر العرب، لا يَقدحُ في كونه شعراً عندَ بعضهم. وبعضُهم أبى ذلك، وزعم أنه لا يكون شعراً حتى يُحامَى فيه وزن من أوزانهم.

والذي ينصر المذهب الأول هو أن حَدَّ الشعر لفظٌ، موزونٌ، مقفّى، يدلّ على معنى. فهذه أربعة أشياء: اللفظ، المعنى، الوزن، القافية. فاللفظ وحده هو الذي يقع فيه الاختلاف بين العرب والعجم. فإنَّ العربيّ يأتي به عربيّاً، والعجميّ يأتي به عجميّاً. وأما الثلاثة الأُخر

ص: 21

فالأمر فيها على التَّساوي بين الأمم قاطبة. ألا ترى أنا لو علمنا قصيدة على قافية، لم يُقَفّ بِها أحدٌ من شعراء العرب، ساغ ذلك مساغاً لا مجالَ فيه للإِنكار.

وكذلك لو اخترعنا معاني، لم يسبقونا إليها، لم يكن بنا بأس، بل يُعدّ ذلك من جملة المزايا وذلك لأن الأمم عن آخرها متساوية بالنسبة إلى المعاني والقوافي والافتنان فيها، لا اختصاص لها بأمة دون

ص: 22

غيرها. فكذلك الوزنُ، لتساوي الناس في معرفته، والإحاطة بأن الشيئين إذا توازنا، وليس لأحدهما رُجحان على الآخر، فقد عادل هذا ذاك ككفَّتيِ الميزان.

ثم إنَّ من تعاطى التصنيف في العروض، من أهل هذا المذهب، فليس غرضه الذي يؤمّه أن يحصر الأوزان التي إذا بُني

ص: 23

الشعر على غيرها لم يكن شعراً عربيّاً، وأنَّ ما يرجع إلى حديث الوزن مقصور على هذه البحور الستةَ عشرَ لا يتجاوزها. إنما الغرض حصر الأوزان التي قالت العرب عليها أشعارهَا. فليس تجاوز مقولاتها بمحظور في القياس، على ما ذكرت.

فالحاصل أنّ الشعر العربيّ، من حيث هو عربيّ، يفتقر قائله إلى أن يطأ أعقاب العرب فيه، فيما يصير به عربياً. وهو اللفظ فقط، لأنهم هم المختصّون به. فوجب تلقيه من قِبَلِهم. فأما أخواته البواقي فلا اختصاص لهم بها البتة، لتشارك العرب والعجم فيها.

ص: 24